الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

ذلك والتصريح بكونها بدعة وضلالة.

(العشرون) ـ قد ورد في جملة من الاخبار تعيين ما يستحب قراءته في النوافل اليومية :

روى ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تدع أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون في سبع مواطن : في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال وركعتين بعد المغرب وركعتين من أول صلاة الليل وركعتي الإحرام والفجر إذا أصبحت بها وركعتي الطواف». ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا (٢) قال في الكافي ونحوه في التهذيب (٣) : وفي رواية اخرى «انه يبدأ في هذا كله بقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد».

وعن صفوان الجمال (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة الأوابين الخمسون كلها بقل هو الله أحد». بيان : قد تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ان صلاة الأوابين هي نافلة الزوال وبه صرح في الفقيه وبذلك صرحت ايضا مرفوعة سيف بن عميرة المتقدمة قريبا وقوله فيها «نحرت صلاة الأوابين تحرك الله» ومثله في رواية محمد بن مسلم (٥) «وانما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين». وظاهر هذا الخبر يدل على ان صلاة الأوابين مجموع الخمسين نوافلها وفرائضها وهو غريب لم يسمع به في غيره من الأخبار ولا في كلام الأصحاب ، قيل

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) ج ١ ص ٣١٤.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب المواقيت.

٨١

ولعل المراد بالأوابين الذين يصلون الخمسين فان من يصلي الزوال يبعد ان لا يصلي البواقي. والمراد بالحديث اما استحباب قراءة هذه السورة في كل ركعة من الخمسين أو في كل صلاة منها ولو في إحدى الركعتين ، ولعل الثاني أقرب لئلا ينافي توظيف جملة من السور في الفرائض والنوافل.

وروى في الكافي عن ابي هارون المكفوف (١) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر كم اقرأ في الزوال؟ فقال ثمانين آية فخرج الرجل فقال يا أبا هارون هل رأيت شيخنا أعجب من هذا سألني عن شي‌ء فأخبرته ولم يسألني عن تفسيره؟ هذا الذي يزعم أهل العراق انه عاقلهم ، يا أبا هارون ان الحمد سبع آيات وقل هو الله أحد ثلاث آيات فهذه عشر آيات والزوال ثماني ركعات فهذه ثمانون آية». بيان : في هذا الخبر دلالة على انه يجب الرجوع إليهم (عليهم‌السلام) في مجملات الاخبار ومتشابهاتها ولا يجوز الاعتماد في فهم معانيها على ما يتسارع الى الفهم بل يجب مع عدم إمكان السؤال والفحص والوقوف على جادة الاحتياط.

وروى الشيخ في التهذيب عن محسن الميثمي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون وفي الركعة الثالثة الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسي وفي الركعة الرابعة الحمد وقل هو الله أحد وآخر البقرة «آمَنَ الرَّسُولُ ... الى آخرها» وفي الركعة الخامسة الحمد وقل هو الله أحد والخمس آيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ» (٣) وفي الركعة السادسة الحمد وقل هو الله أحد وثلاث آيات السخرة «إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إلى قوله إِنَّ

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) الآية ١٨٧ الى ١٩٢.

٨٢

رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» (١) وفي الركعة السابعة الحمد وقل هو الله أحد والآيات من سورة الانعام «وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (٢) وفي الركعة الثامنة الحمد وقل هو الله أحد وآخر سورة الحشر من قوله «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ إلى آخرها» فإذا فرغت قلت : اللهم مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك أنت الوهاب ، سبع مرات ثم تقرأ أستجير بالله من النار سبع مرات».

وعن عبد الخالق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه كان يقرأ في الركعتين بعد العتمة بالواقعة وقل هو الله أحد». ورواه بطريق آخر في الصحيح عن ابن ابي عمير (٤) قال : «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يقرأ. الحديث».

وروى الصدوق في كتاب المجالس عن أبيه عن الحسن بن أحمد المالكي عن منصور بن العباس عن محمد بن ابي عمير عن هشام بن سالم عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ستين مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله عزوجل ذنب». وروى في التهذيب مرسلا (٦) قال : «روى ان من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل في كل ركعة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله ذنب إلا غفر له». وكذا نقله في الفقيه (٧) بلفظ «وروى».

وروى الشيخ في المصباح مرسلا (٨) قال : «روى انه يقرأ في الركعة الأولى

__________________

(١) الأعراف ، الآية ٥٢ الى ٥٤.

(٢) الآية ١٠٠ إلى ١٠٣.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٥٤ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٨) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب القراءة في الصلاة.

٨٣

من نافلة المغرب سورة الجحد وفي الثانية سورة الإخلاص وفي ما عداه ما اختار». قال : «وروى ان أبا الحسن العسكري (عليه‌السلام) كان يقرأ في الركعة الثالثة الحمد وأول الحديد الى قوله وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وفي الرابعة الحمد وآخر الحشر».

وروى في الكافي عن ابن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الوتر ما يقرأ فيهن جميعا؟ قال ب قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ... قلت في ثلاثتهن؟ قال نعم». وقال في الفقيه (٢) : «وروى ان من قرأ في الوتر بالمعوذتين وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ قيل له أبشر يا عبد الله فقد قبل الله وترك». وروى في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن يقطين (٣) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن القراءة في الوتر وقلت ان بعضا روى قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في الثلاث وبعضا روى المعوذتين وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ؟ فقال اعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد». وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان ابي يقول قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن وكان يحب ان يجمعها في الوتر ليكون القرآن كله».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «اقرأ في ركعتي الفجر أي سورتين أحببت ، وقال اما انا فأحب ان اقرأ فيهما ب قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ». وعن يعقوب بن سالم البزاز (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثانية قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ».

بيان : توضيح الكلام في ما يستفاد من هذه الاخبار يقع في مواضع :

(الأول) ـ في حكم صلاة الزوال وقد دلت رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة التي بعدها على حكم الركعتين الأوليين منها وان السنة فيها ان يقرأ في الركعة الأولى

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٥٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

٨٤

بالتوحيد والثانية بالجحد ، ودلت رواية أبي هارون المكفوف على التوحيد في الجميع ودلت رواية الميثمي بالنسبة إلى الأوليين على ما دلت عليه رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة المذكورة بعدها وبالنسبة إلى الباقي منها على زيادة الآيات المذكورة على التوحيد ، ولا منافاة فإن رواية أبي هارون محمولة على الجواز والروايتين الأخريين على الفضل والاستحباب ، ويؤيده أيضا قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) بعد ذكر صلاة الليل : «واقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وفي الثانية بقل يا ايها الكافرون وكذلك في ركعتي الزوال وفي الباقي ما أحببت».

(الثاني) ـ في حكم نافلة المغرب وقد دلت رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة المذكورة التي على أثرها على التوحيد في الركعة الاولى والجحد في الثانية والمرسلة التي ذكرها الشيخ في المصباح على العكس والمرسلة التي نقلها عن العسكري (عليه‌السلام) على الآيتين بعد الحمد في الركعتين الأخيرتين ، والأقرب في الركعتين الأوليين هو الأول والظاهر ترجيحه بعمل الأصحاب على الرواية المذكورة في جميع ما تضمنته مضافا الى أنها مسندة صحيحة أو حسنة نقلها الأكثر منهم وضعف ما عارضها بالإرسال وقلة الناقل لها. وذكر شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح انه يقرأ في الأوليين بعد الحمد التوحيد ثلاثا في الاولى والقدر في الثانية ، قال : وان شئت قرأت في الأولى الجحد وفي الثانية التوحيد. والأول لم أقف له على مستند والثاني مستنده المرسلة المشار إليها

(الثالث) ـ في حكم الوتيرة وقد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين على قراءة الواقعة فيهما مع التوحيد ، وفي بعض الاخبار المتقدمة يقرأ فيهما مائة آية ويمكن حمله على الروايتين المذكورتين.

(الرابع) ـ حكم الركعتين الأوليين من صلاة الليل وقد اختلف في ذلك كلام أصحابنا ، فنقل شيخنا في الذكرى عن الرسالة والنهاية انه يقرأ في أوليي صلاة

__________________

(١) ص ١٣.

٨٥

الليل في الأولى التوحيد وفي الثانية الجحد ، قال وفي موضع آخر منهما قدم الجحد وروى العكس وكذا في المبسوط ، ونقل في الكتاب المذكور عن الشيخ المفيد وابن البراج في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد وفي الثانية ثلاثون مرة الجحد ، وابن إدريس في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة التوحيد ، قال وقد روى ان في الثانية الجحد والأول أظهر ، قال في الذكرى بعد نقل ما ذكرناه : قلت الكل حسن والبحث في الأفضلية وينبغي للمتهجد ان يعمل بجميع الأقوال في مختلف الأحوال. انتهى.

أقول : قد عرفت ان الذي وردت به الاخبار في المقام هو سورة التوحيد والجحد مرة مرة بتقديم التوحيد كما في المرسلة المتقدم نقلها عن الكافي والتهذيب ذيل رواية معاذ بن مسلم وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، أو سورة التوحيد ثلاثين مرة في كل من الركعتين كما تقدم في رواية كتاب المجالس ومرسلة الشيخ والصدوق ، واما القول بالثلاثين في الجحد في الركعة الثانية ـ كما نقله عن الشيخ المفيد أو مرة مع التوحيد ثلاثين مرة في الأولى كما ذكره شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح فلم نقف له على دليل ، قال الصدوق في الفقيه في باب صلاة الليل : ثم صل ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون وتقرأ في الست ركعات ما أحببت ان شئت طولت وان شئت قصرت ، وروى ان من قرأ في الركعتين الأوليين ثم ، ساق المرسلة المتقدم نقلها عن الشيخ وعنه ، وحينئذ فالتعارض واقع بين هاتين الروايتين في المقام ، وظاهر كلامه في الذكرى حمل رواية الثلاثين على سعة الوقت ورواية التوحيد والجحد على ضيقه كما يشير اليه قوله مختلف الأحوال. وهو جيد.

(الخامس) ـ في حكم الوتر وفيها روايات : الاولى التوحيد في الثلاث. والثانية المعوذتين في الأوليين والتوحيد في الثالثة وقد تقدم في الاخبار. والثالثة ما رواه في التهذيب عن ابي الجارود عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول كان علي (عليه

__________________

(١) رواه في الوافي في باب (ما يقرأ في النوافل).

٨٦

السلام) يوتر بتسع سور». قيل لعل المراد انه (عليه‌السلام) كان يقرأ في كل من الثلاث بكل من الثلاث والرابعة ما ذكره الشيخ في المصباح (١) قال : «روى ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي الثلاث ركعات بتسع سور في الأولى ألهيكم التكاثر وانا أنزلناه وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعصر وإذا جاء نصر الله وانا أعطيناك الكوثر وفي المفردة من الوتر قل يا ايها الكافرون وتبت وقل هو الله أحد». أقول : يمكن حمل رواية أبي الجارود على هذه الرواية ان ثبت كونها من طرقنا وحينئذ فترجع الروايتان إلى رواية واحدة. والخامسة ما ذكره (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) قال : «وتقرأ في ركعتي الشفع سبح اسم ربك وفي الثانية قل يا ايها الكافرون وفي الوتر قل هو الله أحد». وأكثر الاخبار على الرواية الاولى ثم الرواية الثانية وباقي الروايات لا تخلو من الشذوذ ، وتحقيق المقام كما ينبغي يأتي ان شاء الله تعالى.

المقدمة الثالثة في المواقيت

والكلام فيها يقع في مقاصد أربعة (الأول) في مواقيت الفرائض الخمس ، وتفصيل البحث فيه يقع في مسائل :

(الاولى) ـ اجمع المسلمون على ان كل صلاة من الصلوات الخمس موقتة بوقت لا يجوز التقدم عليه ولا التأخر عنه ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل كاد ان يكون إجماعا ان لكل صلاة وقتين أولا وآخرا سواء في ذلك المغرب وغيرها

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (الأول) ما نقله في المختلف عن ابن البراج انه قال وفي أصحابنا من ذهب الى انه لا وقت للمغرب إلا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب. أقول : ولعل المستند لهذا القول هو ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت المغرب فقال

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٥٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) ص ١٣.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المواقيت.

٨٧

ان جبرئيل اتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحد ووقتها وجوبها». أقول : يعني سقوطها كقوله سبحانه «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» (١) والضمير راجع الى الشمس بقرينة المقام.

وعن أديم بن الحر في الصحيح (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان جبرئيل أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالصلوات كلها فجعل لكل صلاة وقتين غير المغرب فإنه جعل لها وقتا واحدا».

وروي في الكافي في الصحيح عن زرارة والفضيل (٣) قالا : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ان لكل صلاة وقتين غير المغرب فان وقتها واحد ووقتها وجوبها ووقت فوتها سقوط الشفق».

قال في الكافي (٤) : «وروى ايضا ان لها وقتين آخر وقتها سقوط الشفق». ثم قال : وليس هذا مما يخالف الحديث الأول ان لها وقتا واحدا لان الشفق هو الحمرة وليس بين غيبوبة الشمس وبين غيبوبة الحمرة إلا شي‌ء يسير ، وذلك ان علامة غيبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة وليس بين بلوغ الحمرة القبلة وبين غيبوبتها إلا قدر ما يصلي الإنسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاها على تؤيده وسكون وقد تفقدت ذلك غير مرة ولذلك صار وقت المغرب ضيقا. انتهى. ومثله الشيخ في التهذيب وقال انما نفى بالخبرين سعة الوقت

أقول : ومما يدل على الامتداد الى غروب الشفق رواية إسماعيل بن مهران (٥) قال : «كتبت الى الرضا (عليه‌السلام) الى ان قال فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها الى البياض في أفق المغرب». وروى الشيخ عن ابن سنان ـ يعني عبد الله ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في حديث قال : «وقت المغرب حين تجب الشمس الى ان تشتبك النجوم». وفي رواية ذريح عن ابي عبد الله

__________________

(١) سورة الحج ، الآية ٣٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المواقيت.

٨٨

(عليه‌السلام) (١) «ان جبرئيل اتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الوقت الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق». وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق».

وحمل أصحابنا (رضوان الله عليهم) الأخبار الأولة على أفضلية الإسراع بها في أول الوقت. وقال في كتاب الوافي بعد نقل كلام صاحب الكافي : أقول : والذي يظهر لي من مجموع الاخبار والتوفيق بينها ان مجموع هذا الوقت هو الوقت الأول للمغرب واما الوقت الثاني لها فهو من سقوط الشفق الى ان يقي مقدار اربع ركعات الى انتصاف الليل وانما ورد نفى وقتها الثاني في بعض الاخبار لشدة التأكيد والترغيب في فعلها في الوقت الأول زيادة على الصلوات الأخر حتى كأن وقتها الثاني ليس وقتا لها إلا في الاسفار وللمضطرين وذوي الأعذار. انتهى. وهو جيد ويرجع بالأخرة الى ما ذكره الأصحاب

(الثاني) ـ ان المشهور بين المتأخرين من المحقق والعلامة ومن تأخر عنهما وهو المنقول عن المرتضى وابن إدريس في الوقتين اللذين لكل فريضة ان الأول للفضيلة والثاني للاجزاء ، وذهب الشيخان وابن ابي عقيل وأبو الصلاح وابن البراج ومن متأخري المتأخرين المحدث الكاشاني ان الوقت الأول للمختار والثاني للمضطرين وذوي الأعذار قال في المبسوط والعذر أربعة : السفر والمطر والمرض وشغل يضر تركه بدينه أو دنياه ، والضرورة خمسة : الكافر يسلم والصبي يبلغ والحائض تطهر والمجنون يفيق والمغمى عليه يفيق. قال في المدارك : واختلف الأصحاب في الوقتين فذهب الأكثر ومنهم المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وسائر المتأخرين إلى أن الأول للفضيلة والآخر للاجزاء ، وقال الشيخان الأول للمختار والآخر للمعذور والمضطر ، والأصح الأول لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (٣) «وأول الوقتين أفضلهما». والمفاضلة تقتضي الرجحان

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المواقيت.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

٨٩

مع التساوي في الجواز.

أقول : لا يخفى على من اعطى التأمل حقه في الاخبار والتدبر قسطه من النظر فيها بعين التفكر والاعتبار وأحاط علما بما جرى في هذا المضمار ان الأصح من القولين المذكورين هو الثاني ، وحيث ان المسألة المذكورة لم يعطها أحد من الأصحاب حقها من التحقيق ولم يلج أحد منهم في لجج هذا المضيق فحري بنا ان نرخي عنان القلم في ساحة هذا المضمار ونذكر جميع ما وقفنا عليه من الاخبار ونميز القشر فيها من اللباب ونحقق ما هو الحق فيها والصواب بتوفيق الملك الوهاب :

فنقول : من الاخبار الدالة على القول المختار ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة». قال في الوافي قوله : «من غير علة» بدل من قوله «إلا في عذر».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ربعي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «انا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك وانما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها». أقول : ذكر هذه المعدودات خرج مخرج التمثيل لا الحصر فلا ينافي ما تقدم في كلام الشيخ.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب المواقيت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب المواقيت.

٩٠

ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس الى ان تشتبك النجوم وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة».

وما رواه ايضا عن إبراهيم الكرخي (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) متى يدخل وقت الظهر؟ وساق الخبر كما سيأتي ان شاء الله تعالى بتمامه في موضعه الى ان قال : متى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له لو ان رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه كما لو ان رجلا أخر العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم تقبل منه ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقت للصلوات المفروضات أوقاتا وحد لها حدودا في سنته للناس فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كان كمن رغب عن فرائض الله تعالى».

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قوله تعالى «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» (٣) قال كتابا ثابتا ، وليس ان عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فإن الله عزوجل يقوم لقوم : أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» (٤). قال بعض المحدثين أريد التعجيل والتأخير اللذان يكونان في طول أوقات الفضيلة والاختيار لا اللذان يكونان خارج الوقت وأريد بالإضاعة التأخير عن وقت الفضيلة بلا عذر. انتهى. وهو جيد.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أعداد الفرائض.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٠٤.

(٤) سورة مريم ، الآية ٦٠.

٩١

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن ابى بصير في الموثق (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الموتور اهله وماله من ضيع صلاة العصر. قلت وما الموتور؟ قال لا يكون له أهل ومال في الجنة. قلت وما تضييعها؟ قال يدعها حتى تصفر أو تغيب». ومثله روى في الفقيه عن ابي بصير (٢).

ومنها ـ ما في كتاب الفقه الرضوي (٣) قال : «اعلم ان لكل صلاة وقتين أول وآخر فأول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ، ويروى ان لكل صلاة ثلاثة أوقات أول ووسط وآخر فأول الوقت رضوان الله ووسطه عفو الله وآخره غفران الله وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد ان يتخذ آخر الوقت وقتا انما جعل آخر الوقت للمريض والمعتل والمسافر». وقال فيه ايضا بعد ذلك بعد ان ذكر صلاة الظهر في استقبال القدم الثالث والعصر في استقبال القدم الخامس «فإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو قاض بعد الوقت» وقال أيضا في الباب المذكور بعد ذلك «ان لكل صلاة وقتين أولا وآخرا كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما وانما جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله. الى آخره». وقال في موضع آخر ايضا بعد ما ذكر التحديد بالقدمين والأربعة : «وقد رخص للعليل والمسافر منها الى ان يبلغ ستة أقدام وللمضطر الى مغيب الشمس».

فهذه جملة من الاخبار العلية المنار واضحة الظهور على القول المذكور ولم نقف في الاخبار على ما يعارضها صريحا ، وغاية ما ربما يتوهم منه المنافاة إطلاق بعض الاخبار القابل للتقييد بهذه الأخبار كاخبار امتداد وقتي الظهرين الى الغروب كما سيأتي ان شاء الله تعالى إيضاحه. واما ما ذكروه في المدارك وقبله غيره من الاحتجاج على ما ذهبوا إليه بالأخبار الدالة على أفضلية أول الوقتين فلا منافاة فيها كما أوضحه المحدث الكاشاني في كتاب الوافي حيث قال بعد نقل صحيحة عبد الله بن سنان ـ ونعم ما قال ـ : والمستفاد

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب المواقيت.

(٣) ص ٢.

٩٢

من هذا الخبر وما في معناه ان الوقت الأول للمختار والثاني للمضطر كما فهمه صاحب التهذيب وشيخه المفيد. ويؤيده أخبار أخر يأتي ذكرها ، ولا ينافي ذلك كون الأول أفضل وكون الثاني وقتا لان ما يفعله المختار أفضل مما يفعله المضطر ابدا وكما ان العبد يقدر التقصير متعرض للمقت من مولاه كذلك بقدر حرمانه عن الفضائل مستوجب للبعد عنه ، نعم إذا كان الله هو الذي عرضه للحرمان فلا يعاتبه عليه لان ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر ، فالوقت الثاني أداء للمضطر ووقت له وفي حقه بل المضطر ان كان ناسيا أو نائما فالوقت في حقه حين يتفطن أو يذكر وذلك لانه غير مخاطب بتلك الصلاة في حال النوم والنسيان فان الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها. الى آخره.

أقول : ومما يؤيد ما ذكرناه ويؤكد ما سطرناه ما ورد بطريقين ـ أحدهما ما رواه في الكافي في الصحيح والآخر بسند فيه العبيدي عن يونس ـ عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يا ابان هذه الصلوات الخمس المفروضات من اقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذاك اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه».

وما رواه في الفقيه مرسلا (٢) قال : «دخل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المسجد وفيه ناس من أصحابه فقال أتدرون ما قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله اعلم. فقال ان ربكم جل جلاله يقول ان هذه الصلوات الخمس المفروضات من صلاهن لوقتهن وحافظ عليهن لقيني يوم القيامة وله عندي عهد ادخله به الجنة ومن لم يصلهن لوقتهن ولم يحافظ عليهن فذاك الي ان شئت عذبته وان شئت غفرت له».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) «ان الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب المواقيت.

٩٣

حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله».

والتقريب في هذه الاخبار ان المراد بهذه المواقيت المأمور بالمحافظة عليها هي الأوقات الأوائل وهي أوقات الفضائل بلا ريب ولا اشكال وهي التي تتصف فيها الصلاة بمزيد الشرف والكمال والقبول من حضرة ذي الجلال ، وان الأوقات الأخيرة متى لم يكن التأخير إليها ناشئا عن عذر من تلك الأعذار المذكورة جملة منها في الاخبار فصاحبها مستوجب لمزيد البعد منه سبحانه كما دلت عليه هذه الاخبار وانه داخل تحت المشيئة بمعنى انه ليس ممن يستحق بعمله ذلك الجزاء بالثواب وما أعده الله تعالى على تلك العبادة من الأجر الذي لا تحيط به الألباب بل هو من المرجئين لأمر الله ان شاء عذبه بتقصيره وتأخيره الصلاة عن ذلك الوقت الأول وان شاء عفى عن تقصيره بكرمه ورحمته ، وهذا ما تضمنه حديث الفقيه المتقدم من ان «آخر الوقت عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب» ولا جائز ان يحمل هذا الوقت الأخير الذي جعل صاحبه تحت المشيئة على خارج الوقت الذي هو المشهور عندهم وهو ما بعد غروب الشمس بالنسبة إلى الظهرين مثلا كما ربما يتوهمه بعض معكوسي الأذهان ومن ليس من فرسان هذا الميدان ، فإنه لو كان كذلك لم يحكم على صاحبه بأنه تحت المشيئة بل يجب الحكم عليه بالفسق بل الكفر كما دلت عليه الاخبار المتقدمة (١) من ان «تارك الصلاة عمدا كافر». فهو مستحق لمزيد النكال والعذاب كما لا يخفى على ذوي الألباب.

ومما يزيد ذلك تأييدا ويعليه تشييدا الأخبار الواردة في وضع الأوقات واشارة جبرئيل بها على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنها إنما تضمنت أوائل الأوقات خاصة دون أواخرها ، ففي موثقة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه أتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم

__________________

(١) ص ١٥.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

٩٤

أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت». ونحو هذه الرواية غيرها ايضا ، والظاهر ان وضع هذه الأوقات في أول الأمر للمكلفين ثم حصلت الرخصة لذوي الاعذار والاضطرار بالوقت الثاني بعد ذلك كما سيأتي بيانه ان شاء الله ، تعالى ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وبين الاخبار الدالة على الوقتين بحمل ما دل على الثاني على ذوي الاعذار والاضطرار وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدا على ذلك.

قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل الأخبار المتقدمة : بيان ـ انما اقتصر في هذه الاخبار على بيان أوائل الأوقات ولم يتعرض لبيان أواخرها لان أواخر الأوقات الأوائل تعرف من أوائل الأوقات الأواخر وأواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها ، أو نقول لم يؤت للأوقات الأواخر بتحديد تام لأنها ليست بأوقات حقيقة وانما هي رخص لذوي الأعذار كخارج الأوقات لبعضهم وانما اتى بأوائلها ليتبين بها أواخر الأوائل التي كان بيانها من المهمات وأهمل أواخرها لأنها تضييع للصلاة ، وعلى الثاني لا خفاء في قوله : «ما بينهما وقت» في الحديث الأول وقوله «ما بين هذين الوقتين وقت» في الحديث الأخير ، واما على الأول فلا بد لهما من تأويل بأن يقال يعني بذلك ان ما بينهما وبين نهايتهما وقت ، وبالجملة لا تستقيم هذه الاخبار إلا بتأويل.

وأنت خبير بما فيه فان ما ذكره من الاحتمال بأن أواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها ممنوع لان هذه الاخبار دالة على ان ذلك بعد وضع الأوقات للصلوات ومقتضاه انه قبل ذلك الوقت لم يتعين شي‌ء من الأوقات لها فمن اين تكون أواخر الأواخر معلومة يومئذ؟ بل الوجه في معنى الأخبار المذكورة والجمع بينها وبين تلك

٩٥

الأخبار الدالة على الامتداد الى آخر الوقت الثاني انما هو ما ذكرناه ثانيا وهو وجه وجيه لا يداخله الشك ولا يعتريه ، وحينئذ فلا يحتاج الى ما تكلفه أخيرا من التطبيق والتشديد بناء على ما ذكره من الاحتمال الأول فإنه كما عرفت بعيد وغير سديد.

ومن الاخبار الدالة على ما اخترناه أيضا جملة من الاخبار الصحاح الدالة على ان وقت الظهر من زوال الشمس الى ان يذهب الظل قامة ووقت العصر الى ان يذهب قامتين (١) والأصحاب وان حملوها على أوقات الفضيلة جمعا بينها وبين ما دل على ان لكل صلاة وقتين (٢) والاخبار الدالة على امتداد الوقتين الى الغروب (٣) فليس بأولى من حملنا لها على المختار وحمل ما عارضها على ذوي الاعذار والاضطرار ، بل ما ذكرناه هو الأولى لتأيده بما عرفت من الاخبار ولا سيما روايات وضع الأوقات وروايات دخول أصحاب الوقت الثاني تحت المشيئة (٤).

واما ما أجاب به جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا الشهيد في الذكرى عما رواه الصدوق من قوله (عليه‌السلام) «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله». ـ من جواز توجيه العفو بترك الاولى مثل «عفى الله عنك» (٥) وزاد الفاضل الخراساني انه يمكن الجواب أيضا بأنه يجوز ان يكون المراد الصلاة في آخر الوقت توجب غفران الذنوب والعفو عنها ـ ففيه (أولا) ان تتمة الخبر تنادي بأن العفو لا يكون إلا عن ذنب وهو صريح في كون التأخير موجبا للتأثيم فكيف يحمل العفو على ترك الاولى؟ وقياس الخبر على الآية قياس مع الفارق لظهور قرينة المجاز في الآية من حيث عصمته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصراحة الخبر فيما ذكرناه باعتبار تتمته ، وأبعد من ذلك الاحتمال الثاني فإنه مما لا ينبغي ان يصغى اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه. و (ثانيا) ـ الأخبار التي قدمناها الدالة على ان من لم يحافظ على ذلك

__________________

(١) رواها في الوسائل في الباب ٨ و ١٠ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٣ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٤ من المواقيت.

(٤) ص ٩٣ و ٩٤.

(٥) سورة التوبة ، الآية ٤٣.

٩٦

الوقت كان لله فيه المشيئة ان شاء غفر له وان شاء عذبه بتقصيره في التأخير إلى الوقت الأخير فإنه صريح في استحقاق العقوبة بالتأخير لغير عذر إلى الأوقات الأخيرة.

ومن الاخبار الدالة على الحث على الوقت الأول أيضا زيادة على ما قدمناه وان التأخير عنه الى الثاني لغير عذر موجب للتضييع ما رواه الصدوق في كتاب المجالس في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها رفعها الملك الى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به حفظك الله كما حفظتني فأستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما ، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا رعاك الله كما لم ترعني. الحديث».

وروى الشيخ أبو علي في المجالس وغيره في غيره ونحوه في كتاب نهج البلاغة أيضا فيما كتب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لمحمد بن ابي بكر (رضي‌الله‌عنه) (٢) «ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها ولا تعجل بها قبله لفراغ ولا تؤخرها عنه لشغل فان رجلا سأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن أوقات الصلاة فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثم أتاني وقت العصر فكان ظل كل شي‌ء مثله ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة ، فصل لهذه الأوقات والزم السنة المعروفة والطريق الواضح ، الى ان قال واعلم ان لكل شي‌ء من عملك تبع لصلاتك فمن ضيع الصلاة كان لغيرها أضيع».

وروى في كتاب ثواب الأعمال (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لفضل الوقت الأول على الأخير خير للمؤمن من ولده وماله». وقال في حديث آخر

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

٩٧

قال الصادق (عليه‌السلام) (١) «فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا».

وفي صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك». أقول : المراد بغير وقتها يعني غير وقت الفضيلة وهو الوقت الأول لأن السفر أحد الأعذار كما تقدم ، ويظهر من جملة من الاخبار ما ذكر في المقام وما لم يذكر ولا سيما الخبر الأخير ان أكثر إطلاق لفظ الوقت انما هو على هذا المعنى اعني الوقت الأول خاصة إلا مع القرينة الصارفة عنه.

وقد استفيد من الاخبار المذكورة في المقام بضم بعضها الى بعض ان المراد بالوقت المرغب فيه وهو الذي يكون للعبد فيه عهد عند الله سبحانه بإيقاع الصلاة فيه انما هو الوقت الأول وان ترتب الفضل فيه أيضا أولا فأولا وهو الوقت الذي أول ما فرض وان كان الثاني وقتا في الجملة ، وان التأخير الى الثاني ان كان لضرورة أو عذر فلا اشكال ولا ريب في كونه وقتا له وانه غير مؤاخذ بالتأخير وان كان فضله أقل وثوابه انقص ، وان كان لا كذلك فهو تضييع للصلاة وان وقعت فيه أداء وأسقطت القضاء إلا ان صاحبها تحت المشيئة بسبب تقصيره في التأخير فإن شاء الله عفى عنه وقبل منه وان شاء عذبه ، وملخصه أن وقتية هذا الوقت الثاني أولا وبالذات انما هي لأصحاب الاعذار والاضطرار ورخصة لهم من حيث ذلك وان أجزأت لغيرهم مع استحقاقهم البعد والمؤاخذة من الله سبحانه إلا ان يعفو بفضله وكرمه ، والى ما ذكرنا يشير كلام الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٣) حيث قال : «وانما جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله وهي رحمة للقوى الفارغ لعلة الضعيف والمعلول». ثم أطال بذكر بعض النظائر ومرجعه الى ما ذكرناه ، وبذلك يظهر لك قوة ما اخترناه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب المواقيت.

(٣) ص ٢.

٩٨

وان كان خلاف المشهور لظهوره من الاخبار كالنور على الطور.

ومما حققناه في المقام يعلم الوجه فيما نقل عن شيخنا مفيد الطائفة المحقة ورئيس الفرقة الحقة (قدس‌سره وأعلى في جوار أئمته مقعده) في كتاب المقنعة حيث حكم انه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيعا لها وان بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو ما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه. والأصحاب بهذه العبارة نسبوا اليه وجوب المبادرة في أول الوقت وجعلوه مخالفا لما هو المشهور عندهم من الاستحباب حيث ان الصلاة من الواجبات الموسعة. أقول : وصورة عبارته لا تحضرني الآن إلا ان الظاهر ان بناء كلامه انما هو على ما نحن فيه من ان الوقت الشرعي للمختار انما هو الوقت الأول والثاني انما هو من قبيل الرخص لأصحاب الاعذار وهو تضييع بالنسبة إلى غيرهم ومن أجل ذلك أوجب الصلاة في ذلك الوقت الذي هو الوقت الشرعي له غاية الأمر أنه ان بقي إلى الوقت الثاني وأداها فيه عفى عن ذنبه ، وكلامه هذا وان كان خلاف ما هو المشهور بينهم إلا انه هو الموافق لمذهبه في المسألة والمطابق لما ذكرناه وحققناه من الاخبار كما عرفت واما ما ذكره الشيخ في التهذيب في شرح هذا الموضع ـ مما يشعر بان الخلاف بينه وبين الأصحاب لفظي حيث استدل له بالأخبار الدالة على فضل الوقت الأول وحمل الوجوب في كلامه على ما يستحق به اللوم والعتاب دون ما يستحق به العقاب ـ فهو من غفلاته الناشئة عن استعجاله في التأليف فإن الأدلة ـ كما عرفت ـ ظاهرة منطبقة على كلامه (قدس‌سره) كالمرسلة المروية من الفقيه وصحيحة أبان بن تغلب والروايات التي بعدها لا ما أورده من الروايات الدالة على مجرد أفضلية الوقت الأول ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة آخر وقت الظهر ما فيه مزيد تأكيد لما ذكرناه وتشييد لما أسسناه.

تتمة

وجدت في بعض الكتب المشتملة على جملة من رسائل شيخنا الشهيد الثاني وجملة

٩٩

من الأسئلة وأجوبتها والظاهر ايضا انها له (قدس‌سره) على صورة سؤال وجواب بهذه الكيفية : مسألة ـ قيل ان تأخير الصلاة الى آخر الوقت لا يجوز إلا لذوي الأعذار فهل يأثم غيرهم على هذا القول فيجتمع الأداء والإثم أم لا؟ فان كان الأول فقد اجتمعا وان كان الثاني فقد ورد «أول الوقت رضوان الله وأخره عفو الله». فعلى ما يحمل الخبر؟ الجواب : المشهور بين المتأخرين اشتراك وقت الفرضين على الوجه الذي فصلوه جمعا بين الاخبار وان دل بعضها على ذلك وبعضها على اختصاص كل واحدة بوقت مع الاختيار بحمل هذه على الفضيلة ، وخالف جماعة فحكموا باختصاص جواز التأخير بذوي الاعذار ، وعليه فمن أخر لا لعذر اثم ويبقى أداء ما دام وقت الاضطرار باقيا ، والخبر الذي ذكرتموه ظاهر في هذا القول لان العفو يقتضي حصول الذنب وأصحاب القول الأول حملوه على المبالغة في الكراهة ونقصان الثواب. انتهى.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ثم اشتراك الوقت بين الفرضين الى ان يبقى مقدار أداء العصر قبل الغروب فيختص به العصر ، وهكذا في المغرب والعشاء يختص المغرب من اوله بثلاث ركعات ثم يشترك الوقتان الى ان يبقى من الانتصاف قدر صلاة العشاء فتختص به. ونقل عن الصدوق في الفقيه القول باشتراك الوقتين من أول الوقت الى آخره لنقله الأخبار الدالة على الاشتراك من أول الوقت الى آخره وعدم نقل ما يخالفها وإلا فإنه لم يصرح بذلك في الكتاب ولو بالإشارة ، وغاية ما يمكن التعلق به في هذه النسبة هو ما ذكرناه وهو لا يخلو من اشكال ، حيث انهم نقلوا عنه الاشتراك من أول الوقت الى آخره كما هو ظاهر الاخبار المذكورة مع ان كلامه في الفقيه كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى صريح في اختصاص آخر الوقت بالفريضة الأخيرة كما هو القول المشهور ونقله المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية عن الأصحاب ، حيث قال : يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا الا ان الظهر قبل العصر ، قال وتحقيق هذا الموضع انه إذا

١٠٠