الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

انها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل ان يكون بعد الفرض وان جعلت بعد النوافل ايضا جاز» انتهى.

وجمع بعض الأصحاب بين الخبرين بحمل الأول الدال على انها بعد السبع على الجواز والثاني على الأفضل ويدل عليه خبر التوقيع المذكور ، والظاهر انه لم يطلع عليه وليته كان حيا فاهديه اليه ، إلا انك قد عرفت ان الخبر الأول لا يخلو من منافرة لذلك حيث انه (عليه‌السلام) مع فعله ذلك أنكر ان أحدا من آبائه لم يسجد إلا بعد السبع ولا يبعد ملاحظة التقية في التجويز بعد السبع في التوقيع المذكور. والله هو العالم.

(الثانية عشرة) ـ ذكر جمع من الأصحاب ان الجلوس في الركعتين اللتين بعد العشاء أفضل من القيام لورود جملة من النصوص بالجلوس فيهما ، ومنها صحيحة الفضيل بن يسار أو حسنته وهي الرواية الاولى من الروايات المتقدمة صدر المقدمة (١) ورواية أحمد بن محمد بن ابي نصر ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابي عبد الله القزويني (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) لأي علة تصلى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال لان الله فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مثليها فصارت احدى وخمسين ركعة فتعد هاتان الركعتان من جلوس بركعة». وعن المفضل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت صليت ركعتين وانا جالس فقال اما أنهما واحدة ولو متّ متّ على وتر». وروى الكشي في كتاب الرجال عن هشام المشرقي عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان أهل البصرة سألوني فقالوا يونس يقول من السنة ان يصلي الإنسان ركعتين وهو جالس فقلت صدق يونس».

إلا انه قد روى الشيخ في الموثق عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌

__________________

(١) ص ٢٧.

(٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أعداد الفرائض.

٦١

السلام) في حديث (١) قال : «وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا والقيام أفضل ولا تعدهما من الخمسين». وهو صريح في أفضلية القيام ، ويقرب منه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النصري (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة النهار ، الى ان قال وركعتان بعد العشاء الآخرة كان ابي يصليهما وهو قاعد وانا أصليهما وانا قائم. الحديث». والتقريب فيه مواظبته (عليه‌السلام) على القيام فيهما وحمل صلاة أبيه (عليه‌السلام) وهو قاعد على كونه ثقيل البدن يشق عليه القيام كما ورد عنه (عليه‌السلام) في خبر حنان بن سدير عن أبيه (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ قال ما أصليها إلا وانا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السن». وبذلك يظهر ما في الحكم بأفضلية الجلوس كما قدمنا نقله عن جملة من الأصحاب

والجمع بين أخبار المسألة لا يخلو من اشكال ، واما ما ذكره في الذكرى ـ في الجمع بين الاخبار بجوازها من قعود ومن قيام ـ ففيه ان محل البحث وتصادم الاخبار في الأفضل لا في أصل الجواز. ورجح في المدارك العمل بالخبرين الأولين وطعن في سند الخبرين الأخيرين. وهو متجه بناء على نقله صحيح ابن المغيرة عن الكافي فإن سنده فيه ضعيف واما في التهذيب فهو صحيح لانه رواه فيه عن احمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن علي بن النعمان عن الحارث النصري. ويمكن ترجيح الأخبار الأولة بأوفقية البدلية لأن الركعتين من جلوس تعدان بركعة قائما بخلاف صلاتهما قائما فإنه ربما حصلت الزيادة على العدد ، ويؤيد ذلك ما رواه في العلل عن ابي عبد الله القزويني إلا انه يتوقف على وجود محمل للخبرين المذكورين ولا يحضرني الآن محمل يحملان عليه. والله العالم.

(الثالثة عشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز الجلوس في النافلة اختيارا بل قال في المعتبر وهو اطباق العلماء. وقال في المنتهى انه لا يعرف

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب القيام.

٦٢

فيه خلافا. ونقل الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى عن ابن إدريس انه منع من جواز النافلة جالسا مع الاختيار إلا الوتيرة ونسب الجواز الى الشيخ (قدس‌سره) في النهاية والى رواية شاذة ، قال واعترض على نفسه بجواز النافلة على الراحلة مختارا سفرا وحضرا وأجاب بان ذلك خرج بالإجماع ، ثم قال في الذكرى قلت دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار عجيبة والمجوزون للنافلة على الراحلة هم المجوزون لفعلها جالسا وذكر النهاية هنا والشيخ يشعر بالخصوصية مع انه قال في المبسوط يجوز ان يصلي النوافل جالسا مع القدرة على القيام وقد روى انه يصلي بدل كل ركعة ركعتين وروى انه ركعة بركعة ، وهما جميعا جائزان. وقد ذكره ايضا المفيد (قدس‌سره) فإنه قال وكذلك من أتعبه القيام في النوافل كلها وأحب ان يصليها جالسا للترفه فليفعل ذلك وليجعل كل ركعتين ركعة. انتهى ما ذكره في الذكرى. وهو جيد.

ومن الاخبار ما رواه في الكافي والفقيه عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له انا نتحدث نقول من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة؟ فقال ليس هو هكذا هي تامة لكم». وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن معاوية بن ميسرة (٢) «أنه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول أو سئل أيصلي الرجل وهو جالس متربعا أو مبسوط الرجلين فقال لا بأس». وروى في الكافي عن معاوية بن ميسرة (٣) «أن سنانا سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يمد احدى رجليه بين يديه وهو جالس قال لا بأس ولا أراه إلا قال في المعتل والمريض». قال في الكافي (٤) وفي حديث آخر «يصلي متربعا ومادا رجليه كل ذلك واسع». وفي التهذيب عن محمد بن سهل عن أبيه وفي الفقيه عن أبيه (٥)

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أبواب القيام.

(٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب القيام.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب القيام.

٦٣

«انه سأل أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي النافلة قاعدا وليست به علة في سفر أو حضر قال لا بأس به». وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت الرجل يصلي وهو قاعد فيقرأ السورة فإذا أراد ان يختمها قام فركع بآخرها ، قال صلاته صلاة القائم». وفي الصحيح عن حماد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلي وهو جالس فقال إذا أردت ان تصلي وأنت جالس وتكتب لك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم». وروى في الفقيه عن حماد بن عثمان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قد يشتد علي القيام في الصلاة؟ فقال إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتم ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم». وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا؟ قال يضعف ركعتين بركعة». وعن الصيقل (٥) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا صلى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف».

أقول : قد اتفقت هذه الاخبار في رد ما ذكره ابن إدريس من منع جواز النافلة جالسا مع الاختيار ونسبة الرواية الدالة على ذلك الى الشذوذ.

بقي الكلام في ان الروايتين الأخيرتين قد دلتا على استحباب التضعيف متى صلى جالسا وعلى ذلك حملهما الشيخ ومن تبعه من الأصحاب وبه صرح الشيخ المفيد فيما قدمناه من عبارته المنقولة عنه في الذكرى. وأنت خبير بأن رواية أبي بصير قد تضمنت بعد الاخبار عما دلت عليه هاتان الروايتان من نقصان الصلاة من جلوس الموجب في تحصيل إتمامها إلى التضعيف ان الصلاة من جلوس تامة لكم يعني ثوابها تام لا يحتاج

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب القيام.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أبواب القيام.

٦٤

الى التضعيف ، وهو بظاهره مدافع لما دل عليه الخبران المذكوران ، ولم أقف على من تعرض لوجه الجواب عن ذلك مع ظهور التدافع كما عرفت ، ولا يحضرني الآن وجه للجواب عن ذلك الا بان يحمل تمامها على القيام فيها في آخر السورة ثم الركوع عن قيام كما دل عليه صحاح حماد وزرارة لما دلت عليه من انه من صلاها على هذا الوجه حسب له ثواب صلاة القائم واما لو صلاها لا كذلك فإن الأفضل التضعيف.

وقال في المدارك : وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القيام قولان أظهرهما العدم لتوقف العبادة على النقل وعدم ثبوت التعبد به. وقيل بالجواز لأن الكيفية تابعة للأصل فلا تجب كالأصل. وضعفه ظاهر لان الوجوب هنا بمعنى الشرط كالطهارة في النافلة وترتيب الأفعال فيها. انتهى. وهو جيد. والله العالم.

(الرابعة عشرة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل في الصلاة جالسا ان يكون متربعا ، قال في المنتهى واما استحباب التربيع في حال الجلوس فهو قول علمائنا والشافعي ومالك والثوري واحمد وإسحاق وروى عن ابن عمر وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير خلافا لأبي حنيفة (١) ثم قال : لنا ما رواه الجمهور عن أنس (٢) «انه صلى متربعا فلما ركع ثنى رجليه». ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حمران بن أعين عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «كان ابي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه». انتهى

ولم يفسر التربيع الذي ذكره ولم يبين كيفيته ولم أقف على من بين كيفيته إلا على كلام لشيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروضة في الفصل الرابع في بيان مستحبات الصلاة حيث قال بعد قول المصنف : «وتربع المصلى قاعدا» ما لفظه : لعجز أو لكونها نافلة بأن يجلس على ألييه وينصب ساقيه ووركيه كما تجلس المرأة للتشهد. انتهى ولم أقف في شي‌ء من الاخبار على ما يدل على هذه الكيفية في صلاة القاعد نعم فيها كما

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٢ ص ١٤٢.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب القيام.

٦٥

عرفت من رواية حمران استحباب التربع ولكن لم تبين كيفيته.

وفي المقام اشكال لم أر من تنبه له ولا نبه عليه وهو ان معنى رواية حمران المذكورة استحباب التربع في الصلاة من جلوس وقد عرفت دعوى العلامة اتفاق علمائنا وأكثر العامة على ذلك ، مع ان هنا جملة من الاخبار قد وردت بكراهة ذلك وإطلاقها شامل للصلاة وغيرها ، ومنها ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضع احدى رجليه على الأخرى ولا يتربع فإنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها». وفي بعض الاخبار (٢) «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجلس ثلاثا : القرفصاء وعلى ركبتيه وكان يثنى رجلا واحدة ويبسط عليها الأخرى ، ولم ير متربعا قط». وظاهر هذين الخبرين ـ كما ترى ـ عموم الكراهة في جميع الحالات من صلاة وغيرها ، إلا انه قد ورد بإزاء هذين الخبرين ايضا ما يدل على الجواز كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي ابن أبي شعبة (٣) «أنه رأى أبا عبد الله (عليه‌السلام) متربعا. الحديث». وروى الصدوق عن حماد بن عثمان عن عمر بن أذينة عن ابي سعيد (٤) «انه رأى أبا عبد الله (عليه‌السلام) يأكل متربعا».

قال الشيخ الفاضل الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي (قدس‌سره) في كتاب مجمع البحرين بعد نقل الحديث النبوي «ولم ير متربعا قط» : التربع عبارة عن ان يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى الى جانب يمينه وقدمه الى جانب شماله واليسرى بالعكس ، ثم قال قاله في المجمع ، ثم حمل خبر أكل الصادق (عليه‌السلام) متربعا على الضرورة أو بيان الجواز ، وحينئذ فإن كان التربع عبارة عن هيئة واحدة ـ كما هو ظاهر الشيخ فخر الدين حيث حمل حديث الصادق (عليه‌السلام) على الضرورة

__________________

(١ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٩ من آداب المائدة.

(٢) الوسائل الباب ٧٤ من أحكام العشرة.

(٣) الوسائل الباب ٦ من آداب المائدة.

٦٦

أو الجواز ، ومثله الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل حيث ان ظاهر كلامه بعد حكمه بكراهة التربع حمل الحديث المذكور على بيان الجواز ـ أشكل الحكم في الجميع بين هذه الاخبار فإن الاستحباب والكراهة حكمان متقابلان لا يتصف بهما أمر واحد ، واحتمال الاستحباب والكراهة بالنظر الى حالتي الصلاة والأكل فيستحب في حال الصلاة ويكره في الجلوس للأكل يدفعه عموم أخبار الكراهة من قوله : «لم ير متربعا قط» وقوله «إنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها» وان كان له كيفيات متعددة ـ كما يظهر من عبارة القاموس حيث قال : «وتربع في جلوسه خلاف جثى وأفعى» وظاهره صدق التربع على جميع هيئات الجلوس إلا الجلوس جائيا ومقعيا ـ زال الإشكال ، إلا اني لم أقف على دليل واضح من الاخبار لبيان هيئة من هيئاته. نعم روى الكشي (١) في ترجمة جعفر بن عيسى في حديث عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال فيه : «وكان جالسا الى جنب رجل وهو متربع رجلا على رجل». ويمكن ان يحمل خبر ابي بصير المتقدم وقوله فيه : «ولا يضع احدى رجليه على الأخرى ولا يتربع» على ان التربع هو وضع احدى الرجلين على الأخرى كما دل عليه خبر الكشي فيكون قوله «ولا يتربع» عطفا تفسيريا وهو الأوفق بقوله «فإنها جلسة يبغضها الله تعالى» بان يكون وضع احدى الرجلين على الأخرى هو التربع الذي يبغضه الله تعالى ، والكلام في جلوسه (عليه‌السلام) متربعا يحمل على ما حملت عليه الاخبار المتقدمة من الضرورة أو بيان الجواز أو تعدد الهيئات. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال إلا ان المقام مقام استحباب أو كراهة.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية ركوع القاعد حالتين (إحداهما) ان ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم. و (ثانيتهما) أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده

__________________

(١) ص ٣١٠.

٦٧

وأدناه أن ينحني بحيث تصل جهته الى قدام ركبتيه ، وأكمل ركوع القائم أن يستوي ظهره وعنقه وهو يستلزم محاذاة الجبهة موضع السجود. والظاهر ان كلا منهما محصل ليقين البراءة لكن المنقول عن الشهيد (قدس‌سره) في بعض كتبه انه أوجب رفع الفخذين من الأرض استنادا إلى انه واجب حال القيام والأصل بقاؤه. واعترض عليه بان ذلك غير مقصود حال القيام بل انما جعل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة وهي منتفية ههنا وانه ينتقض بإلصاق البطن فإنه يحصل في حال القعود أكثر مما يحصل في حال القيام ولم يحكم باعتبار التجافي. والله العالم.

(الخامسة عشرة) ـ قد تكاثرت الاخبار باستحباب صلاة ركعتين بين المغرب والعشاء وتسمى ركعتي الغفيلة وركعتي الغفلة وركعتي ساعة الغفلة ، ومن ذلك ما رواه الشيخ في كتاب المصباح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقوله تعالى «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ... الى وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» (٢) وفي الثانية الحمد وقوله تعالى «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ... الى آخر الآية» (٣) فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت ان تصلي على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا ، ويقول اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمد وآله (عليهم‌السلام) لما قضيتها لي ، وسأل الله حاجته أعطاه الله تعالى ما سأل». ورواه السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بإسناده عن هشام بن سالم مثله (٤) وزاد «فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لا تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين العشاءين». ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٥) قال : قال رسول الله (صلى الله

__________________

(١ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من الصلوات المندوبة.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية ٨٧.

(٣) سورة الانعام ، الآية ٥٩.

(٤) البحار ج ١٨ ص ٥٤٤.

٦٨

عليه وآله) وفي كتاب العلل مسندا في الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة» قال : وفي خبر آخر «دار السلام وهي الجنة». وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة. وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن وهب أو السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تنفلوا. الحديث الى قوله دار الكرامة» ثم زاد «قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما ساعة الغفلة؟ قال ما بين المغرب والعشاء». وروى هذه الرواية أيضا ابن طاوس في كتاب فلاح السائل (٣) وزاد «قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما معنى خفيفتين؟ قال تقرأ فيهما الحمد وحدها. قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فمتى أصليها؟ قال ما بين المغرب والعشاء». وروى الصدوق في الفقيه عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) «ان إبليس إنما يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس. الى مغيب الشفق ويبث جنود النهار من حين طلوع الفجر الى طلوع الشمس وذكر ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يقول : أكثروا ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله عزوجل من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة».

أقول : وفي المقام فوائد (الأولى) ـ ظاهر الاخبار المذكورة ان محل الصلاة المذكورة بين صلاتي المغرب والعشاء متى صليتا في وقت فضيلتهما ، وظاهر شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح ان وقتهما من غروب الشمس الى غروب الشفق المغربي ، قال في الكتاب المذكور ـ بعد ذكر حديث السكوني أو وهب المنقول برواية الشيخ في

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من الصلوات المندوبة.

(٣) البحار ج ١٨ ص ٥٤٥.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب التعقيب.

٦٩

التهذيب وقوله فيه «ما بين المغرب والعشاء» ما لفظه : ولا يخفى ان المراد ما بين وقت المغرب ووقت العشاء اعني ما بين غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق كما يرشدك اليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ان أول وقت العشاء غيبوبة الشفق (١). ومن هذا يستفاد ان وقت أداء ركعتي الغفيلة ما بين الغروب وذهاب الشفق فان خرج صارت قضاء. انتهى. أقول : أشار بالحديث السابق الى ما نقلناه أخيرا من حديث بث إبليس جنوده من حين تغيب الشمس الى مغيب الشفق. وأنت خبير بأن غاية ما يدل عليه الخبر المذكور ان ابتداء البث من ذلك الوقت ولا دلالة فيه على كون الصلاة من ذلك الوقت ، ومجرد كون هذه الصلاة تصلى في ساعة الغفلة لا يستلزم جواز تقديمها على الفريضة سيما مع استفاضة النصوص بالمنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محلها ، على انها بين الفرضين واقعة في الساعة المذكورة متى صلى الفرضين في وقت فضيلتهما ، ورواية هشام بن سالم صريحة في كونها بين الفرضين وكذا المرسلة المنقولة في كتاب فلاح السائل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ونحوهما المرسلة الثانية. وبالجملة فالظاهر من الاخبار ان وقتها انما هو بين الصلاتين وان كانت ساعة الغفلة ممتدة من غروب الشمس ، ولعل السر في تخصيصها بما ذكرناه من حيث الاخبار المانعة من التطوع بعد دخول وقت الفريضة.

(الثانية) ـ المفهوم من الاخبار اختصاص القضاء بالرواتب اليومية بعد فوات أوقاتها ، وصريح شيخنا المتقدم ان هاتين الركعتين تقضيان بعد فوات وقتهما ، ولم أقف له على دليل بل ولا قائل سواه (قدس‌سره) ولعل منشأ ما ذهب اليه من حيث التوقيت إلا ان مجرد ذلك لا يوجب القضاء فإنه كما يتوقف الإتيان بها في ذلك الوقت على دليل كذلك يتوقف القضاء على الدليل على الأشهر الأظهر ، ومجرد فوات الأداء لا يستلزم القضاء كما عليه المحققون من أصحابنا (رضوان الله عليهم).

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ من المواقيت.

٧٠

(الثالثة) ـ ذهب بعض مشايخنا المعاصرين ـ على ما نقل عنه ـ إلى انه يكفي في أداء هذه الوظيفة الإتيان بنافلتي المغرب. ولعله نظر الى الأمر بالتنفل في ساعة الغفلة بقول مطلق ، وهو وان أمكن احتماله إلا ان ورود الخبر بتعيين صلاة معينة بقراءة خاصة وكيفية تفارق بها كيفية نافلتي المغرب الموظفة يعطي تقييد ذلك الإطلاق بهذه الصلاة الخاصة الزائدة على نافلتي المغرب ، ولا ريب ان الاحتياط في تحصيل هذه الوظيفة انما يتم بما ذكرنا ، وهو ظاهر الأصحاب أيضا حيث انهم ذكروا في هذا المقام هذه الصلاة المخصوصة زيادة على نافلتي المغرب.

(الرابعة) ـ ما ورد في الرواية المنقولة من كتاب فلاح السائل من تفسير الخفيفتين بالاقتصار على الحمد وحدها مع ما عرفت من رواية هشام بن سالم من استحباب قراءة الآيتين المذكورتين لعله محمول على ضيق الوقت أو الاستعجال لحاجة ونحو ذلك ، وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى ان هاتين الركعتين في هذه الرواية غير ركعتي الغفيلة المذكورة في رواية هشام بن سالم حيث قال : يستحب ركعتان ساعة الغفلة وقد رواهما الشيخ ، ثم نقل الرواية المشتملة على الركعتين الخفيفتين ثم قال ويستحب ايضا بين المغرب والعشاء ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد : وذا النون إذ ذهب مغاضبا. إلخ ، الى ان قال فان الله تعالى يعطيه ما يشاء. والظاهر عندي ان الركعتين المذكورتين في الروايتين انما هما صلاة واحدة وان اختلفت العبارتان كما ذكرنا.

(الخامسة) ـ نقل الشيخ الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابن عباس في تفسير قوله سبحانه حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليه‌السلام «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها» (١) ان دخوله كان فيما بين المغرب والعشاء. انتهى. وفيه إشارة الى ما دلت عليه هذه الاخبار ان ثبت النقل المذكور.

(السادسة) ـ قوله في الدعاء المذكور في القنوت «لما قضيتها لي» يجوز

__________________

(١) سورة القصص ، الآية ١٥.

٧١

قراءته بالتشديد والتخفيف فعلى تقدير التشديد يكون «لما» بمعنى «إلا» يعني «إلا قضيتها لي» وعلى تقدير التخفيف تجعل «ما» زائدة للتأكيد واللام فيها جواب القسم والتقدير «لتقضيها لي» كذا في كتاب مجمع البيان.

(تذنيب) من المستحب في هذه الساعة أيضا صلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة الزلزلة ثلاث عشرة مرة وفي الثانية بعد الحمد التوحيد خمس عشرة مرة. روى الشيخ (طاب ثراه) في كتاب المصباح عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) قال : «أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة فإنه من فعل ذلك كل شهر كان من الموقنين ، فان فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين ، فان فعل ذلك في كل جمعة كان من المخلصين ، فان فعل ذلك كل ليلة زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى».

(السادسة عشرة) ـ ما تضمنه خبر الحجال ـ من صلاة الصادق (عليه‌السلام) الركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ثم ركعتين من جلوس وانه متى لم يدرك صلاة الليل والوتر في آخره أضاف إليها ركعة كما في بعض الاخبار أو ركعتين كما في الرواية الأخرى واحتسب بها مع ما قدمه وترا (٢) ـ لا يخلو من الاشكال.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل الخبر المذكور بالرواية المشتملة على لفظ الركعة ـ ما صورته : وفيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع في أول الليل وهو خلاف المشهور ، نعم في خبر زرارة عنه (عليه‌السلام) (٣) «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن حتى يوتر». وهذا يمكن حمله على الضرورة ، وفي المصباح يستحب ان يصلي بعد ركعتي الوتيرة ركعتين من قيام ، وأنكرهما ابن إدريس استسلافا لان الوتيرة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من الصلوات المندوبة.

(٢) ص ٣٢.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أعداد الفرائض.

٧٢

خاتمة النوافل كما صرح به الشيخان في المقنعة والنهاية حتى في نافلة شهر رمضان وهو مشهور بين الأصحاب ، والذي في رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». ولكنه في سياق الوتر لا الوتيرة. ونسب ابن إدريس الرواية بالركعتين الى الشذوذ ، وفي المختلف لا مشاحة في التقديم والتأخير لصلاحية الوقت للنافلة.

أقول : ما ذكره من ان في الخبر إيماء إلى جواز تقديم الشفع وانه خلاف المشهور صحيح ولكنه بهذا التقريب يجب حمله على التقية ، لأن المنقول عن العامة أنهم يستحبون تقديم الوتر في أول الليل فان انتبهوا في آخر الليل صلوا صلاة الليل وأوتروا فصلوا وترين في ليلة وإلا احتسبوا بما قدموه (٢) والاخبار قد نفت عليهم فعل وترين في ليلة واحدة إلا ان يكون أحدهما قضاء (٣) ومما يشير الى ذلك ما في صحيحة الحلبي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي‌ء؟ قال لا غير اني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». قال في الوافي : فيه رد على العامة فإنهم أبدعوا وترا بعد صلاة العشاء يحسبونه من صلاة الليل إذا لم يستيقظوا آخر الليل فان استيقظوا أعادوها فيصلون وترين في ليلة. انتهى. واما ما ذكره ـ من دلالة خبر زرارة على ذلك ايضا حتى انه تأوله بحمله على الضرورة ـ فقد تقدم الكلام فيه منقحا وبينا ان المراد بالوتر هنا انما هي الوتيرة التي تستحب بعد العشاء فلا إشكال في الخبر المذكور. واما ما نقله عن ابن إدريس ـ من إنكاره لما ذكره الشيخ ونسبة الرواية إلى الشذوذ ـ ففيه ان ما دل على الصلاة بعد الوتيرة ليس منحصرا في رواية الشيخ المذكورة بل هو مدلول الخبر الذي هو محل البحث وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في صدر المقدمة (٥) إلا ان ظاهر

__________________

(١ و ٣) رواها في الوسائل في الباب ٤٢ من الصلوات المندوبة.

(٢) راجع التعليقة ١ ص ٢٩.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٢٧ من أعداد الفرائض.

(٥) ص ٢٩.

٧٣

قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة أو حسنته المشار إليها في كلامه «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» هو ان خاتم صلاة تلك الليلة الوتيرة ، واستبعاد إطلاق الوتر على الوتيرة كما يفهم من كلامه مدفوع بما تقدم في الفائدة السادسة من الاخبار الدالة على صحة هذا الإطلاق وان كان سياق الخبر انما هو في الوتر الذي في آخر الليل والكلام في قضائه إلا انه لا منافاة في ذلك ، وبالجملة فالكلام في المسألة غير خال من شوب الاشكال لما عرفت.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي ذيل الخبر المشار اليه : لعل المراد انه صلى ركعة فصارت مع اللتين صلاهما جالسا شفعا فتصيران نافلة الفجر فقوله «واحتسب بالركعتين» بيان لعدهما واحدة لتصيرا مع هذه شفعا ، وفي بعض النسخ «صلى ركعتين» فيكون المراد فصارت صلاته هذه شفعا وهي مع اللتين صلاهما جالسا تحتسب بصلاة الوتر لأنهما تعدان بواحدة وربما يوجد «سبعا» مكان «شفعا» وكأنه تصحيف انتهى. ولا يخلو من اضطراب وتناقض.

والذي يقرب عندي في معنى الخبر المذكور ان الركعتين اللتين صلاهما (عليه‌السلام) بعد العشاء بلا فصل وقرأ فيهما مائة آية هما ركعتا الوتيرة بقرينة قراءة مائة آية التي قد ورد في غير هذا الخبر استحبابها فيها وقرينة قوله «ولا يحتسب بهما» يعني من صلاة الليل كما تقدم ذكره ، واما الركعتان من جلوس اللتان بعدهما فان الغرض منهما انه متى لم يستيقظ حتى يطلع الفجر فإنه يضيف إليهما ركعة من قيام كما في إحدى الروايتين أو ركعتين يعني من جلوس كما في الرواية الأخرى ويحتسب بذلك عن صلاة الفجر ، واما قوله «واحتسب بالركعتين» فهو راجع الى الوتيرة بقرينة قوله «اللتين صلاهما بعد العشاء» فإنهما اللتان يحتسب بهما عن الوتر لما عرفت من ان من جملة التعليلات في الوتيرة هو قيامها مقام الوتر في آخر الليل لو مات ولم يوتر ، ومورد ذلك الخبر وان كان الموت إلا ان ظاهر هذا الخبر فوات الوقت ايضا ، وكيف كان فالحكمان المذكوران

٧٤

لا يخلوان من غرابة ولعل ذلك من جملة الرخص الواردة في الشريعة.

ومما يؤيد هذا الخبر باعتبار دلالته على الزيادة على الوتيرة بعد العشاء الآخرة ما تقدم في حسنة عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الى ان قال ورأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات». وقد تقدم النقل عن صاحب الوافي أنه حملها على غير الرواتب أو انها قضاء لها والظاهر حملها على ما دل عليه هذا الخبر ، وكذلك الخبر الذي نقله في الذكرى عن الشيخ في المصباح إلا ان خبر المصباح تضمن الركعتين من قيام والخبر الذي نحن فيه من جلوس وخبر ابن سنان مجمل.

(السابعة عشرة) ـ روى الصدوق (قدس‌سره) في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «من قال في آخر سجدة من النافلة بعد المغرب ليلة الجمعة ـ وان قال كل ليلة فهو أفضل ـ : اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم ان تصلي على محمد وآل محمد وان تغفر لي ذنبي العظيم ـ سبع مرات انصرف وقد غفر له». وظاهر الشهيد في الذكرى ان محل هذا الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع حيث قال بعد ذكر الخلاف في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب وذكر روايتي حفص الجوهري وجهم المتقدمتين في الفائدة الحادية عشرة : ويستحب ان يقال في السجدة بعد السبع ليلة الجمعة : اللهم إني أسألك ، وساق الدعاء الى آخره ، وهو وهم منه (قدس‌سره) لما عرفت من الرواية المذكورة التي هي المستند في هذا الحكم.

(الثامنة عشرة) ـ المعروف من مذهب الأصحاب ـ وبه صرح جملة منهم ـ ان كل النوافل يسلم فيها على الركعتين إلا مفردة الوتر وصلاة الأعرابي بل نقل عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس دعوى الإجماع عليه.

قال في الذكرى : ومنع في المبسوط من الزيادة على ركعتين اقتصارا على ما نقل

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٦ من صلاة الجمعة.

٧٥

عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته ، وقال في الخلاف ان فعل خالف السنة واحتج بإجماعنا وبما رواه ابن عمر (١) «ان رجلا سأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى». ثم نقل عن ابن عمر عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) قال : «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى». ثم قال فدل على ان ما زاد على مثنى لا يجوز. وظاهر كلامه في الكتابين عدم شرعيته وانعقاده. وهل يجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟ منع منه في الخلاف والمعتبر اقتصارا على المتفق عليه من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولرواية ابن مسعود عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «انه نهى عن البتراء يعني الركعة الواحدة». وقد ذكر الشيخ في المصباح (٤) عن زيد بن ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع نهار الجمعة عشر ركعات يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد مرة والفلق سبعا وفي الثانية بعد الحمد الناس سبعا ويسلم ويقرأ آية الكرسي سبعا ثم يصلي ثمان ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والنصر مرة والإخلاص خمسا وعشرين مرة ثم يدعو بالمرسوم ، ولم يذكر سندها ولا وقفت لها على سند من طريق الأصحاب قال ابن إدريس قد روى رواية في صلاة الأعرابي فإن صحت لا تعدى لأن الإجماع على ركعتين بتسليمة. انتهى ما ذكره في الذكرى.

أقول : الأظهر في الاستدلال على الحكم المذكور هو ما أشاروا إليه مما ملخصه ان العبادات توقيفية متلقاة من صاحب الشرع والذي ثبت وصح عنه ان كل ركعتين بتسليمة خرج منها ركعة الوتر بالنصوص المستفيضة ، ويزيده تأكيدا ما رواه عبد الله بن

__________________

(١) كما في صحيح مسلم ج ١ ص ٢٨٠ وسنن البيهقي ج ٢ ص ٤٨٦.

(٢) كما في سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٨٧.

(٣) نقل الشوكانى في نيل الأوطار ج ٣ ص ٢٨ عن الحنفية الإيتار بثلاث واستدلوا عليه ب ما رواه محمد بن كعب القرظي «ان النبي (ص) نهى عن البتيراء».

(٤) ص ٢٢٢.

٧٦

جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له ان يصلي اربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال لا إلا ان يسلم بين كل ركعتين». وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب حريز بن عبد الله عن ابي بصير (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في حديث : وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم». واما صلاة الأعرابي فلم يثبت طريقها من روايات الأصحاب كما اعترف به شيخنا المذكور وغيره والخبر الوارد بها عامي لا يمكن تخصيص الاخبار به. والله العالم.

(التاسعة عشرة) ـ اتفق أصحابنا (رضوان الله عليهم) على ان صلاة الضحى بدعة. قال الشيخ في الخلاف صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها وخالف جميع الفقهاء في ذلك فقالوا انها سنة (٣) ثم قال دليلنا إجماع الفرقة ثم نقل بعض الروايات الدالة على ذلك من طرقهم. وقال العلامة في المنتهى صلاة الضحى بدعة عند علمائنا خلافا للجمهور فإنهم أطبقوا على استحبابها.

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أعداد الفرائض.

(٣) في نيل الأوطار للشوكانى ج ٣ ص ٥٣ ان ابن القيم جمع الأقوال في صلاة الضحى فبلغت إلى ستة «الأول» أنها سنة «الثاني» لا تشرع إلا بسبب فإن النبي (ص) صلاها يوم الفتح بسبب الفتح والأمراء يسمونها صلاة الفتح «الثالث» انها لا تستحب «الرابع» يستحب فعلها تارة وتركها اخرى «الخامس» يستحب المحافظة عليها في البيوت «السادس» أنها بدعة. وفي زاد المعاد لابن القيم على هامش شرح الزرقانى على المواهب ج ١ ص ٣٤٣ عن أبي هريرة انه لم ير النبي (ص) صلى صلاة الضحى إلا يوما واحدا. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة ان أبا بكر رأى ناسا يصلون الضحى فقال انكم تصلون صلاة ما صلاها رسول الله (ص) ولا عامة أصحابه. وعن مجاهد انه وعروة بن الزبير دخل المسجد وابن عمر فيه والناس يصلون الضحى فسألناه عنها فقال بدعة ونعمت البدعة. وفي الموطأ لمالك ج ١ ص ١٦٧ عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله (ص) يصلى سبحة الضحى قط. وفي شرح السيوطي عليه ما يؤيده وكذا في صحيح البخاري أبواب التطوع.

٧٧

واستدل في المنتهى على ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل (١) قالوا : «سألناهما (عليهما‌السلام) عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قام على منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ألا وان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار ، ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة».

أقول : ويدل على ذلك ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ما صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الضحى قط. قال فقلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر النهار اربع ركعات؟ فقال بلى انه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر». أقول سيأتي الكلام ان شاء الله تعالى في تقديم نافلة الزوال في صدر النهار ، والمراد بقوله «بعد الظهر» يعني بعد وقت الظهر وهو الزوال لا الصلاة.

وعن بكير بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «ما صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الضحى قط». وعن عبد الواحد بن المختار الأنصاري عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن صلاة الضحى قال أول من صلاها قومك انهم كانوا من الغافلين فيصلونها ولم يصلها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال ان عليا (عليه‌السلام) مر على رجل وهو يصليها فقال ما هذه الصلاة؟ قال أدعها يا أمير المؤمنين؟ فقال علي (عليه‌السلام) أكون أنهى عبدا إذا صلى». وروى الصدوق في كتاب عيون الاخبار في حديث رجاء بن ابي الضحاك الذي صحب الرضا (عليه‌السلام) من المدينة إلى خراسان (٥) قال : «ما رأيته صلى الضحى في سفر ولا حضر». وروى في الكافي

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أعداد الفرائض.

٧٨

في الصحيح عن سيف بن عميرة رفعه (١) قال : «مر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) برجل يصلي الضحى في مسجد الكوفة فغمز جنبه بالدرة وقال نحرت صلاة الأوابين تحرك الله. قال فأتركها؟ قال فقال : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى» (٢) فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) وكفى بإنكار علي (عليه‌السلام) نهيا».

واما ما رواه في الكافي عن معاوية بن وهب ـ (٣) قال : «لما كان يوم فتح مكة ضربت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خيمة سوداء من شعر بالأبطح ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها اثر العجين ثم تحرى القبلة ضحى فركع ثماني ركعات لم يركعها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قبل ذلك ولا بعد». ـ فحمله في الوافي على ما دل عليه صحيح زرارة المتقدم من كون ذلك من نافلة الظهر التي يجوز تقديمها صدر النهار. وفيه انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان مسافرا فرضه التقصير فكيف يصلي نوافل الظهر؟ والأظهر عندي حمل هذه الصلاة على الشكر لله سبحانه في التوفيق للفتح كما يشير اليه قوله «لم يركعها قبل ذلك ولا بعد».

واما ما رواه في كتاب البحار (٤) عن كتاب الاختصاص في الموثق عن يونس ابن يعقوب ـ قال : «دخل عيسى بن عبد الله القمي على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فلما انصرف قال لخادمه ادعه فانصرف اليه فأوصاه بأشياء ثم قال يا عيسى بن عبد الله ان الله تعالى يقول «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ» (٥) وانك منا أهل البيت فإذا كانت الشمس من ههنا بمقدارها من ههنا من العصر فصل ست ركعات ، قال ثم ودعه وقبل ما بين عيني عيسى وانصرف ، قال يونس بن يعقوب فما تركت الست ركعات منذ سمعت أبا عبد الله

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أعداد الفرائض.

(٢) سورة العلق ، الآية ١٠.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٧ من أبواب المواقيت.

(٤) ج ١٨ الصلاة ص ٨٣.

(٥) سورة طه ، الآية ١٣٢.

٧٩

(عليه‌السلام) يقول ذلك لعيسى بن عبد الله». ـ فالظاهر حمله على التقية أو الاتقاء على الرجل المذكور لئلا يتضرر بترك ذلك. وعلى ذلك يحمل قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى» (١) فإنه (عليه‌السلام) غير متمكن حسب الواقع من زجرهم عن بدع الثلاثة المتقدمين وربما احتجوا عليه بالآية المذكورة ، ويشير الى ما ذكرنا قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في مرفوعة سيف بن عميرة «وكفى بإنكار علي (عليه‌السلام) نهيا». فإنه ظاهر في ان إنشاده (عليه‌السلام) الآية ليس للتجويز وانما هو لما ذكرناه ، وبالجملة فإن غمزه (عليه‌السلام) للرجل بالدرة ودعاءه بان ينحره الله تعالى يعني يذبحه ظاهر في التحريم ولكنه لما كان الرجل جاهلا غيبا أو معاندا شقيا راجع في السؤال مرة ثانية فلم ير (عليه‌السلام) المصلحة في إظهار ذلك له زيادة على ما قدمه. والمراد بصلاة الأوابين هي نافلة الزوال كما تقدم نقله عن عبارة الفقه الرضوي ، ونحرها عبارة عن اختزال هذه الصلاة منها وقطعها فكأنهم نحروها ، وصلاة الضحى عند العامة أقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات وفعلها وقت اشتداد الحر كذا ذكره في المنتهى.

(فان قيل) انه لا ريب في استحباب الصلاة وانها خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر (٢) ويؤيده قوله سبحانه «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ... الآية» فكيف صارت هذه الصلاة بدعة؟

(قلنا) ـ لا ريب في ان الصلاة خير موضوع الا انه متى اعتقد المكلف في ذلك أمرا زائدا على ما دلت عليه هذه الدلالة من عدد مخصوص وزمان مخصوص أو كيفية خاصة ونحو ذلك مما لم يقم عليه دليل في الشريعة فإنه يكون محرما وتكون عبادته بدعة ، والبدعية ليست من حيث الصلاة وانما هي من حيث هذا التوظيف الذي أعتقده في هذا الوقت والعدد والكيفية من غير ان يرد عليه دليل فمن أجل ذلك ترادفت الاخبار بالإنكار عليهم في

__________________

(١) سورة العلق ، الآية ١٠.

(٢) راجع التعليقة ١ ص ٣٦.

٨٠