الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

يوجد فيها ما يخالف ذلك سوى رواية رجاء بن ابي الضحاك المتقدمة (١) وبه صرح السيد السند في المدارك ايضا فقال : ان المستفاد من الروايات الصحيحة المستفيضة ان الوتر اسم للركعات الثلاث لا الركعة الواحدة الواقعة بعد الشفع كما يوجد في عبارات المتأخرين. انتهى وهو كذلك فإن جملة من الاخبار الواردة في أحكام صلاة الوتر وانها مفصولة أو موصولة وما يقرأ فيها ونحو ذلك قد اشتملت على إطلاقها على الثلاث وقد حضرني منها ما يقرب من ثلاثة عشر حديثا : منها ـ الأحاديث المتقدمة في المقام ولو لا انها تأتي ان شاء الله تعالى في محلها لسردناها في هذا المقام ، ولم أقف على خلاف ذلك إلا في الرواية المذكورة وهي لشذوذها وضعفها لا تبلغ قوة في معارضة خبر واحد من هذه الاخبار.

و (ثانيها) ـ قوله : وتعريف المبتدإ إلى آخر ما يتعلق به ، فان فيه ان الاستدلال بالخبر المذكور على كون القنوت في ثالثة الوتر لا الثانية لا توقف له على هذا الكلام حتى انه يسجل عليه بأنه كلام باطل ورأى فاسد بالإجماع ودلالة الاخبار ونحو ذلك مما أطال به. فإن أحدا لم يدع من الرواية المذكورة اختصاص القنوت بهذه المواضع الأربعة فلا وجه للتطويل به بالكلية ، بل وجه الاستدلال انما هو ما سلمه ووافق عليه من دلالة هذه الاخبار على استحباب القنوت وتأكده في هذه الفرائض الثلاث والنافلة ، فإن مقتضاه انه هو الموظف شرعا في هذه المواضع المذكورة في الخبر ومتى ثبت توظيفه في هذه المواضع من الفرائض المذكورة والنافلة فغيره يحتاج الى دليل ، فكما انه لا دليل على غير الثانية من الفرائض كذلك لا دليل على غير الثالثة من الوتر إلا ما يتراءى من إطلاق الاخبار المشار إليها آنفا ورواية عيون الأخبار ، فاما إطلاق الاخبار فيقيد بهذه الرواية لأنها

__________________

(١) لا يخفى ما في هذا الكلام من الدلالة على عدم الاطلاع على القواعد الأصولية فإن غاية ما يستفاد من الاخبار وان كانت شائعة هو إطلاقه عليها وهو لا يستلزم كونه حقيقة فيها فإن الإطلاق أعم من الحقيقة سيما مع وجود أمارات الحقيقة من التبادر وغيره في خلافها. السيد على (قدس‌سره).

٤١

ظاهرة في تخصيص القنوت في الوتر بالثالثة. ومما يؤكد ذلك بأوضح تأكيد ويؤيده بأظهر تأييد بناء على ما عرفت من ان الوتر في الأخبار الدالة على ان ذلك في عرفهم (عليهم‌السلام) عبارة عن الثلاث جملة وافرة من الاخبار الدالة على انه يدعو في قنوت الوتر بكذا ويستغفر كذا وكذا مرة ويستحب فيه كذا ويدعو بعد رفع رأسه منه بكذا وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يدعو في قنوت الوتر بكذا وكان علي بن الحسين (عليه‌السلام) يدعو في قنوت الوتر بكذا وأمثال ذلك ، فإنه متى كان الوتر اسما للثلاث كما ذكرنا انه المستفاد من الاخبار فلو كان فيها قنوتان كما يدعيه الخصم لم يحسن هذا الإطلاق في جملة هذه الاخبار ولكان ينبغي ان يقيد ولو في بعضها بالقنوت الثاني. واما رواية كتاب العيون فهي ضعيفة قاصرة عن معارضة هذه الصحيحة المؤيدة بهذه الأخبار المشار إليها. على ان التحقيق ان يقال ـ وهو الأقرب من الخبر المذكور واليه يشير كلام المعترض إلا انه لم يأته من وجهه ـ ان المراد انما هو الاخبار عن ان القنوت موضعه الركعة الثانية من هذه الفرائض والثالثة من الوتر فيصير قوله : «في الركعة الثانية» هو الخبر عن المبتدأ وكذا قوله «في الركعة الثالثة» بالنسبة إلى الوتر وقوله «في المغرب» ظرف لغو وكذا في ما عطف عليه ، فيصير الخبر دالا على حصر القنوت في ثانية الفرائض المذكورة وثالثة الوتر وهو حصر إضافي بالنسبة الى غير هذه الركعات بمعنى ان القنوت في الثانية لا الاولى ولا الثالثة وكذا في الوتر في الثالثة لا في الاولى ولا في الثانية لأن الحصر حقيقي على الوجه الذي ذكره ليتم ما سجل به وأكثر من التشنيع فإنه مبني على جعل خبر المبتدأ قوله «في المغرب» وهكذا في باقي الأفراد المذكورة وان يكون حصرا حقيقيا فإنه باطل كما أشرنا إليه آنفا وبينا صحة الاستدلال على ذلك التقدير وما ذكرناه من هذا الوجه أظهر في الاستدلال بالخبر المذكور لانه من حيث الحصر يتضمن النفي لغير هذه المواضع المذكورة.

و (ثالثها) ـ قوله : مع انه يمكن ان يكون التنصيص على الثالثة. إلخ ، فإن

٤٢

فيه انه مع الإغماض عما فيه من التكلف والبعد يتم لو انحصر الدليل في هذه الرواية وقد عرفت مما قدمنا انه ظاهر جملة من الاخبار بل هو مشتهر فيها غاية الاشتهار ، وما عداه فهو فيها على العكس من الاستتار وان اشتهر في كلام علمائنا الأبرار إلا انه من قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل غير مشهور. وأبعد من ذلك حمله ايضا الخبر على ما إذا صلى الوتر موصولة ولو على ضرب من التقية فإنه بمحل من التكلف البعيد والتمحل الشديد ، وما أدرى ما الحامل على هذه التكلفات المتعسفة والتمحلات المتصلفة مع ظهور الخبر في المراد؟ وغفلة الأصحاب عن الحكم المذكور وعدم تنبههم له وحكمهم بخلافه لا يوجب ذلك ، فكم لهم من غفلة عن الأحكام المودعة في الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار.

والظاهر ان منشأ الشبهة في المقام هو دلالة الاخبار على فصل الركعتين الأوليين من الوتر وجواز وقوع المبطلات قبل الثالثة فجعلوهما بهذا التقريب صلاة منفصلة يحكم عليهما بما يحكم على سائر النوافل ، ولهذا استدلوا على استحباب القنوت فيهما بما دل على القنوت في كل ركعتين من النوافل ، والمفهوم من الاخبار ان الثلاث صلاة واحدة مسماة بالوتر كما سميت الفرائض كل باسم مثل الظهر والعصر ونحوهما ، غاية الأمر ان الشارع جوز الفصل فيها والإنسان مخير بين الفصل والوصل كما هو مقتضى الجمع بين أخبار المسألة ومتى ثبت كونها صلاة واحدة فليس فيها إلا قنوت واحد كسائر الصلوات وان جعل محله في الثالثة منها. هذا.

واما ما ذكروه من القنوت الثالث الذي بعد الرفع من الركوع فالذي دل عليه الخبر الوارد بذلك انما هو استحباب الدعاء بعد رفع الرأس من الركوع الثالث بهذا الدعاء الموظف كما رواه في الكافي (١) بسنده قال : «كان أبو الحسن (عليه‌السلام) إذا رفع رأسه في آخر ركعة من الوتر قال : هذا مقام من حسناته نعمة منك وسيئاته بعمله

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٣٢٥ الطبع الحديث.

٤٣

الدعاء الى آخره». فإن أرادوا أنه يطلق على الدعاء كذلك انه قنوت فلا مشاحة في الاصطلاح وان أرادوا أنه قنوت شرعي يستحب فيه ما يستحب في القنوت من رفع اليدين قبال الوجه فالخبر المذكور لا دلالة له عليه وليس غيره في الباب ، مع ان المستفاد من الاخبار المتكاثرة ان قنوت الوتر انما هو قبل الركوع عموما في كثير منها وخصوصا في صحيحة معاوية بن عمار (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت في الوتر؟ قال قبل الركوع. قال فان نسيت اقنت إذا رفعت رأسي؟ قال لا». وفي هذا الخبر أيضا إشارة الى ما قدمنا البحث فيه من عدم القنوت في الركعتين الأوليين بتقريب ما قدمناه من ان الوتر اسم للركعات الثلاث حيث انه انما أمر فيها بقنوت واحد قبل الركوع ، ولا جائز ان يحمل على القنوت في الركعتين الأوليين لكونه خلاف الإجماع نصا وفتوى فإن القائل به يجعله ثانيا لا انه يخصه به. وبالجملة فإني لا اعرف لهذا القنوت الثالث وجها إلا الحمل على التجوز في تسمية الدعاء قنوتا وفيه ما لا يخفى. والله العالم.

(الخامسة) ـ قد اشتهر في كلام الأصحاب استحباب الدعاء لأربعين من إخوانه في قنوت الوتر ، قال في المدارك بعد الكلام في استحباب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة : ويستحب الدعاء فيه لإخوانه المؤمنين بأسمائهم وأقلهم أربعون ، فروى الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «دعاء المرأ لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه». وفي الحسن عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من قدم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له». أقول : لا ريب في استحباب الدعاء للإخوان وكذا الأربعين من الاخوان كما ورد في عدة أخبار زيادة على ما ذكره إلا انها لا تقييد فيها بوقت

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب القنوت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤١ من أبواب الدعاء.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من أبواب الدعاء.

٤٤

مخصوص من صلاة أو غيرها ، واما الروايات الواردة في قنوت الوتر على تعددها وكثرتها فلم ينهض شي‌ء منها على استحباب الدعاء للأربعين بل ولا الاخوان بقول مطلق ولعل من ذكر ذلك من أصحابنا نظر الى كون هذا الوقت من أفضل الأوقات وانه مظنة للإجابة فذكر هذا الحكم فيه وإلا فلا اعرف لذكره في خصوص الموضع وجها مع خلو الأخبار عنه ، وكيف كان فالعمل بذلك بقصد ما ذكرناه لا بأس به. واما ما نقل عن بعض مشايخنا المعاصرين من المبالغة في الدعاء للأربعين في هذا القنوت حتى انه يأتي به بعد الفراغ من الركعة لو أخل به فالظاهر انه وهم من الناقل لما عرفت.

(السادسة) ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في سقوط نافلة الظهرين في السفر وعليه تدل الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا المغرب». وعن حذيفة بن منصور في الصحيح عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) انهما قالا «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء». وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا المغرب فان بعدها اربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا سفر». وعن أبي يحيى الحناط (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة».

وانما الخلاف في ركعتي الوتيرة فالمشهور بين الأصحاب سقوطها ايضا ونقل ابن إدريس فيه الإجماع ونقل عن الشيخ في النهاية انه قال يجوز فعلها ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «انما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنها

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أعداد الفرائض.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أعداد الفرائض.

٤٥

زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع». وقواه في الذكرى قال : لانه خاص ومعلل وما تقدم خال منهما إلا ان ينعقد الإجماع على خلافه. وهو جيد لو صح السند لكن في الطريق عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد القتيبي ولم يثبت توثيقهما فالتمسك بعمومات الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط اولى. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : الأظهر عندي هو القول بما صرح به في النهاية من بقاء استحبابها في السفر كما في الحضر لعدة من الاخبار زيادة على الخبر المذكور : منها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل والأحكام بسنده عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر. قال قلت تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال نعم فإنهما تعدان بركعة فمن صلاها ثم حدث به حدث الموت مات على وتر وان لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في آخر الليل». وروى في الكتاب المذكور عن زرارة بن أعين في الصحيح (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر». وروى هذه الرواية أيضا الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عنه (عليه‌السلام) (٣) وروي في كتاب العلل ايضا بسند ليس في رجاله من ربما يتوقف فيه إلا محمد بن عيسى المشترك بين العبيدي والأشعري عن حمران عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يبيتن الرجل وعليه وتر». وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم في باب التفويض الى رسول الله والأئمة (صلوات الله عليهم) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) في حديث طويل قال فيه «الفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدان بركعة مكان الوتر».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أعداد الفرائض.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

٤٦

والتقريب في هذه الاخبار انها قد دلت بأظهر تأكيد وأصح تشديد على الحث على الإتيان بهاتين الركعتين حتى نسب التارك لهما الى عدم الايمان بالله واليوم الآخر ، ولفظ الوتر في أكثر هذه الاخبار لا يخلو من إجمال إلا أن رواية أبي بصير وهي الأولى قد أوضحت وصرحت بكون المراد بهما الوتيرة التي بعد صلاة العشاء الآخرة ، وإطلاقها المؤيد بما ذكرنا من هذا التأكيد الذي ليس عليه مزيد ظاهر في شمول الحضر والسفر فإنها قد تضمنت انه لا يتبين إلا على وتر أعم من ان يكون في سفر أو حضر ، ويؤكده أيضا حديث ابي بصير والحديث الأخير الدالان على ان العلة فيها انها تقوم مكان الوتر التي تستحب في آخر الليل لو مات في ليلته ولا يخفى ان استحباب الوتر ثابت سفرا وحضرا ، وأظهر من جميع ما ذكر عبارة الفقه الرضوي المتقدمة وقوله فيها «والنوافل في السفر اربع ركعات ، الى ان قال وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس. الحديث» وبالجملة فالأخبار المذكورة ظاهرة في الاستحباب مطلقا أتم الظهور لا يعتريها نقص ولا قصور.

وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند ، وفيه زيادة على ما عرفت بالنسبة إلى طعنه في الرواية التي نقلها في المقام انه قال ـ في كتاب الصوم في مسألة الإفطار على محرم وبيان الخلاف في وجوب كفارة واحدة أو ثلاث بعد ان نقل الرواية التي استدل بها الصدوق على الثلاث عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري عن علي بن محمد بن قتيبة ونقل عن العلامة في المختلف ان عبد الواحد بن عبدوس لا يحضرني الآن حاله فان كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها ـ ما صورته : أقول عبد الواحد بن عبدوس وان لم يوثق صريحا لكنه من مشايخ الصدوق (قدس‌سره) المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث فلا يبعد الاعتماد على روايته لكن في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة وهو غير موثق بل ولا ممدوح مدحا يعتد به. انتهى.

أقول : ما ذكره في عبد الواحد بن عبدوس من الاعتماد على حديثه حيث انه من مشايخ الإجازة هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح ، فإنهم صرحوا بان مشايخ

٤٧

الإجازة يعد حديثهم في الصحيح وان لم ينقل توثيقهم في كتب الرجال لان اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل عنهم وأخذ الاخبار منهم والتلمذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال «فلان ثقة» وقد ناقض كلامه هنا بالطعن في عبد الواحد المذكور فقال انه لم يثبت توثيقه. واما ما ذكره في علي بن محمد بن قتيبة فإن الكلام فيه ليس كذلك فان المفهوم من الكشي في كتاب الرجال انه من مشايخه الذين أكثر النقل عنهم ، ولهذا كتب بعض مشايخنا المعاصرين على كلام السيد في هذا المقام ما صورته : صحح العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن طريقين فيهما علي بن محمد بن قتيبة وأكثر الكشي الرواية عنه في كتابه المشهور في الرجال ، فلا يبعد الاعتماد على حديثه لانه من مشايخه المعتبرين الذين أخذ الحديث عنهم ، والفرق بينه وبين عبد الواحد بن عبدوس تحكم لا يخفى ، وسؤال الفرق متجه بل هذا اولى بالاعتماد لإيراد العلامة له في القسم الأول من الخلاصة وتصحيحه حديثه في ترجمة يونس فتأمل وأنصف. انتهى. أقول : ويؤيد ما ذكره شيخنا المذكور ان العلامة في المختلف بعد ذكره حديث الإفطار على محرم لم يذكره التوقف في صحة الحديث إلا من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال انه كان ثقة والحديث صحيح. وهو يدل على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة حيث انه مذكور معه في السند كما لا يخفى.

تنبيه

قد وقع لجملة من الاعلام في هذا المقام أوهام ناشئة عن عدم الوقوف على ما نقلناه من اخبارهم (عليهم‌السلام) : منهم ـ المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى وابنه الفاضل الشيخ محمد في شرحه على الفقيه ، ولا بأس بذكر كلامهما وبيان ما فيه لتطلع على ما في الزوايا من الخبايا :

فاما المحقق المذكور فإنه قال في كتاب المنتقى ـ بعد نقل صحيحة زرارة المتقدمة برواية الشيخ لها في التهذيب ـ ما صورته : قلت هذا الخبر محمول على المبالغة في كراهة

٤٨

ترك الوتر في كل ليلة ، وفهم منه بعض الأصحاب إرادة التقديم في أول الليل كما قد ورد في جملة من الاخبار ـ وستأتي في بابها ـ فحمله على الضرورة ، وفيه تكلف ظاهر مع عدم الحاجة إليه فإن المبيت بغير وتر صالح لإرادة أخلاء الليل من الوتر ولو مجازا فان بابه واسع ، والقرينة على ارادة هذا المعنى من الكلام واضحة وان استبعد ذلك بالنظر الى ظاهر اللفظ ، فالوجه حينئذ حمله على التقية كما احتمله بعض الأصحاب. انتهى.

أقول : ظاهر كلامهم يعطي انهم حملوا الوتر في الخبر المذكور على الوتر المضاف إلى صلاة الليل ، ولما كان وقته آخر الليل وهذا الخبر يدل بظاهره على تقديمه أول الليل اضطروا إلى تأويله واضطربوا في التفصي عن ذلك ، فبين من حمل تقديمه في أول الليل على الضرورة بالنظر الى ما ورد من جواز تقديم صلاة الليل لذوي الاعذار ، وبين من حمله على التقية ، وبين من حمله ـ كما اختاره المحقق المذكور ـ على ان المراد الإتيان به في جزء من الليل وان كان في آخره وان معنى المبيت عليه ان لا ينقضي الليل إلا وفيه وتر. والكل كما عرفت تكلف ناشى‌ء عن عدم الوقوف على رواية أبي بصير الكاشفة عن هذا الإجمال.

واما الفاضل الشيخ محمد ابن المحقق المذكور فإنه قال في شرح قول الصدوق في الفقيه (١) «واما الركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس فإنهما تعدان بركعة فإن أصاب الرجل حدث قبل ان يدرك آخر الليل ويصلى الوتر يكون قد مات على الوتر وإذا أدرك آخر الليل صلى الوتر بعد صلاة الليل ، وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر» فكتب الفاضل المذكور على صدر العبارة : كأن المصنف أراد بيان معنى الحديث الوارد بعد هذا الكلام وهو قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر» وحاصل كلامه ظاهر غير انه بعيد المناسبة لسياق الحديث كما لا يخفى على المتأمل ، ويخطر بالبال ان يكون المراد

__________________

(١) ج ١ ص ١٢٨.

٤٩

بقوله «فلا يبيتن إلا بوتر» صلاة العشاء لأنها الخامسة وهي وتر بالنسبة إلى العدد وقد ورد في روايات كثيرة تسمية العشاء بالوتر. انتهى.

أقول : لا يخفى عليك ما فيه من النظر الظاهر والقصور بعد مما عرفت مما ذكرناه وأظهرناه غاية الظهور ، وكأن منشأ الاستبعاد عنده في حمل الوتر في الحديث النبوي ـ على قائله وآله أفضل الصلاة والسلام ـ على الركعتين بعد العشاء المذكورتين في كلام المصنف هو دلالة الخبر بحسب ظاهره على كفر تاركه فاستبعد انطباق الخبر على الركعتين المذكورتين وتمحل لحمله على صلاة العشاء ولم يتفطن (قدس‌سره) الى ان هذه العبارة وأمثالها كثيرا ما يذكرونها (عليهم‌السلام) في المستحبات لمزيد التأكيد عليها كما ورد (١) من انه «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تدع عانتها زيادة على عشرين يوما». وورد لعن من بات على سطح غير محجر (٢). ومن سافر وحده (٣). ومن بات في بيت وحده (٤). ونحو ذلك ، وأعجب من ذلك دعواه كثرة الروايات بتسمية العشاء وترا فانا لم نقف بعد التتبع على إشارة الى ذلك في رواية واحدة فضلا عن وجود الروايات الكثيرة ولم ينقله ناقل غيره. والله العالم.

(السابعة) ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ترك النافلة لعذر ومنه الهم والغم ، واستدلوا على ذلك برواية علي بن أسباط عن عدة من أصحابنا (٥) «ان أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) كان إذا اهتم ترك النافلة». وعن معمر بن خلاد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٦) «ان أبا الحسن (عليه‌السلام) كان إذا

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨٦ من آداب الحمام.

(٢) البحار ج ١٦ باب (أنواع النوم) ولكن لم نعثر على اللعن فيه وانما هو بلفظ النهى والكراهة وانه برئت منه الذمة.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من آداب السفر.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أعداد الفرائض.

٥٠

اغتم ترك الخمسين». قال في التهذيب : يريد به تمام الخمسين لأن الفرائض لا يجوز تركها على حال.

واعترضهم في المدارك بان في الروايتين قصورا من حيث السند ، قال والاولى ان لا تترك النافلة بحال للحث الأكيد عليها في النصوص المعتمدة وقول ابي جعفر الصادق (عليه‌السلام) (١) «وان تارك هذا ليس بكافر ـ يعني النافلة ـ ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه». وقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان الواردة في من فاته شي‌ء من النوافل (٢) «ان كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه وان كان شغله لدنيا يتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله عزوجل مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

أقول : فيه (أولا) ان ما طعن به في الخبرين المذكورين فهو لا يقوم حجة على المتقدمين كما سلف بيانه في غير موضع.

و (ثانيا) ـ انه مما يؤيد هذين الخبرين ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة». ومثله عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في كتاب نهج البلاغة (٤) قال : «ان للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل وان أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض». ولا ريب أن الهم والغم موجبان لادبارها.

و (ثالثا) ـ ان ما ذكره من الخبرين معارض بما تكاثر في الاخبار من ان «من لقي الله عزوجل بالفرائض الخمس لم يسأله عما سواهن». وقد تقدم الكلام في

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٣٦ وفي الوسائل في الباب ١٨ من أعداد الفرائض.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أعداد الفرائض.

٥١

ذلك قريبا وذكرنا وجه الجمع بين الاخبار بأحد وجهين ، ونزيد هنا وجها ثالثا ولعله الأقرب وهو حمل اخبار جواز ترك النافلة على ظاهرها وحمل اخبار الذم وجعلها معصية يستحق عليها العذاب على مجرد التأكيد ، فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبارهم (عليهم‌السلام) انهم كثيرا ما يؤكدون في المستحبات على وجه يكاد يلحقها بالواجبات وفي النهي عن المكروهات بما يكاد يدخلها في حيز المحرمات ، ويؤيد هذا التوجيه سوق الصلاة في قرن الصوم الواجب والزكاة الواجبة في تلك الأخبار الدالة على الجواز مع ان تارك الصوم المستحب والزكاة المستحبة بأي نحو كان لا يكون مؤاخذا فإنه لم يرد فيهما ما يدل على ان تركهما معصية أو يكون موجبا لاستحقاق العقاب وحينئذ فذكر ذلك في الصلاة دونهما محمول على مجرد التأكيد والحث على النوافل. والله العالم.

(الثامنة) ـ ما تضمنته مرفوعة الفضل بن أبي قرة من تقسيم الإحدى وخمسين ركعة على الساعات المذكورة في الخبر قد روى الصدوق في كتاب العلل عن ابي هاشم الخادم (١) قال : «قلت لأبي الحسن الماضي (عليه‌السلام) لم جعلت صلاة الفريضة والنافلة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال لان ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل لكل ساعة ركعتين وما بين سقوط الشمس الى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة». وهذا الخبر وان تضمن السؤال عن الخمسين إلا ان الجواب ـ كما ترى ـ يشتمل على احدى وخمسين فيشبه ان يكون قد وقع فيه سهو بإسقاط «احدى» من السؤال من المصنف أو أحد الرواة ، ويحتمل ان السؤال انما كان كذلك فأجاب بما ذكر وفيه تنبيه للسائل على انه كان الاولى ان يسأل عن احدى وخمسين ، إلا ان الصدوق في الخصال قد روى هذا الخبر بغير قوله «فجعل للغسق ركعة» وحينئذ فيكون الجواب موافقا للسؤال ، إلا انه يبقى الاختلاف بين هذا الخبر على هذه الرواية وبين مرفوعة الفضل المتقدمة ،

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

٥٢

والصدوق في الفقيه عبر بمضمون هذه الرواية التي ذكرها في الخصال فقال «وانما صارت خمسين ركعة لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة» قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه) ـ في كتاب بحار الأنوار بعد نقل خبر ابي هاشم الخادم من كتابي العلل والخصال ـ ما صورته : بيان ـ هذا اصطلاح شرعي للساعات وهي مختلفة باختلاف الاصطلاحات فمنها مستوية ومنها معوجة والركعة التي جعلت للغسق لعلها ركعتا الوتيرة فإنهما تعدان بركعة. انتهى.

أقول : وفي هذين الخبرين اشكال لم أر من تنبه له في هذا المجال وهو انهما يشعران بان ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل ولا من ساعات النهار والإجماع نصا وفتوى إلا ما يظهر من هذين الخبرين على ان هذه الساعة من ساعات النهار ولهذا ان صلاة الفجر من صلاة النهار فتوى ورواية.

وقد ورد نظير هذين الخبرين فيما رواه جملة من أصحابنا : منهم ـ السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب الأمان من إخطار الاسفار والأزمان (١) في حديث الامام الباقر (عليه‌السلام) مع قسيس النصارى حيث قال له القسيس «أخبرني عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فقال (عليه‌السلام) هي ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر ويفيق فيها المغمى عليه جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا وحجابا مانعا على الجاحدين المتكبرين التاركين لها. الحديث».

وشيخنا البهائي (قدس‌سره) قد أجاب عن هذا الخبر في صدر كتاب مفتاح الفلاح بعد ذكر نحو ما ذكرناه من اتفاق الأصحاب (رضي الله عليهم) على عد هذه الساعة من النهار بأنه يمكن التفصي عن الاشكال فيها بأنه لعل الامام (عليه‌السلام) أجاب السائل على ما يوافق عرفه واعتقاده حيث انه سأله عن مسائل لم تكن معروفة

__________________

(١) ص ٥٦.

٥٣

إلا بين أكابر علمائهم وهذه المسألة من جملتها. وأنت خبير بان جوابه هذا انما ينطبق على هذا الخبر خاصة ، وكأنه غفل عن الخبرين المتقدمين أو لم يطلع عليهما في البين فالإشكال فيهما باق على حاله.

وقال المحقق الفيلسوف العماد مير محمد باقر الداماد (طيب الله تعالى مرقده) في هذا المقام : واما إخراج ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من الليل والنهار واعتبار زمانه على حياله ساعة فقد ورد به بعض الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) ومن ذلك ما رواه جماعة من مشيخة علمائنا عن مولانا الصادق (عليه‌السلام) «ان مطران النصراني سأل أباه الباقر (عليه‌السلام) عن مسائل عديدة عويصة : منها ـ الساعة التي ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار آية ساعة هي؟ فقال هي الساعة التي بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس». فاستشكل ذلك من باعه في تتبع العلوم وتعرف المذاهب قاصر زاعما ان هذا أمر لم ينعقد عليه اصطلاح ولم يذهب اليه ذاهب أصلا ، الى ان قال أليس هذا الاصطلاح منقولا في كتب أعاظم علماء الهيئة من حكماء الهند وأ ليس الأستاذ أبو ريحان البيروني في القانون المسعودي ذكر ان براهمة الهند ذهبوا الى ان ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شي‌ء من الليل والنهار وان ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما ، وأورد ذلك الفاضل البيرجندي في شرح الزيج الجديد وفي شرح التذكرة. ثم ان ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين (عليهم‌السلام) وما عليه العمل عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) إجماعا هو ان زمان ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من النهار ومعدود من ساعاته ، وكذلك زمان غروب الشمس الى ذهاب الحمرة من جانب المشرق فان ذلك امارة غروبها في أفق المغرب ، والنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم وفي سائر الأبواب من طلوع الفجر المستطير الى ذهاب الحمرة المشرقية ، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند أساطين الإلهيين والرياضيين من حكماء اليونان ، الى ان قال واما أصحاب الأحكام من المنجمين فالنهار

٥٤

عندهم محدود في طرفي المبدأ والمنتهى بطلوع مركز الشمس من أفق المشرق وغروبه في أفق المغرب ، وزمان ظهور جرم الشمس الى طلوع مركزها محسوب عندهم من الليل وزمان غروب المركز الى اختفاء الجرم ايضا كذلك فليعرف. انتهى.

أقول : أنت خبير بأن غاية ما افاده كلامه هو ثبوت الاصطلاح بذلك ردا على من أنكر القول به وانه لم يذهب اليه ذاهب. واما الجواب عن الخبرين المذكورين وكذا خبر النصراني فلم يتعرض له. ويقرب عندي ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان هذه الساعة وان كانت من النهار كما عرفت إلا انها لما كانت أشرف ساعاته كما يستفاد من كلام الباقر (عليه‌السلام) في جواب النصراني ويدل عليه الأمر بالتعقيب والاشتغال بالدعاء فيها وكراهة النوم فيها كراهة مؤكدة ونحو ذلك جعلت مفصولة مستقلة وأفردت بالذكر على حدة تنويها بشأنها وعلو رتبتها على غيرها من الساعات. والله العالم.

(التاسعة) ـ المشهور بين الأصحاب ان نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها ونافلة العصر ثمان ركعات قبلها ، وقال ابن الجنيد تصلى قبل الظهر ثمان ركعات وثمان ركعات بعدها منها ركعتان نافلة العصر. ومقتضاه ان الزائد على الركعتين ليس للعصر ، قيل وربما كان مستنده رواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر». وهي لا تعطي كون الست للظهر مع انه قد تقدم في رواية البزنطي (٢) انه يصلي أربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر ، وبالجملة فالمفهوم من كلامه اضافة هذه النوافل التي قبل الظهر إليها وكذا التي قبل العصر الى العصر والتي بعد المغرب الى المغرب والاخبار لا تنهض بذلك إلا ان كان بنوع اشارة وإلا فلا ظهور لها فيه وان قرنت بالقبلية لها والبعدية ، ويؤيده ان الشارع قد حد لها وقتا معينا من القدم والقدمين والذراع والذراعين ونحوهما كما سيأتي ان شاء الله تعالى. وحينئذ فالأولى في نيتها الاقتصار على ملاحظة الامتثال بها خاصة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٢) ص ٢٩.

٥٥

من دون إضافتها إلى الفرائض.

قيل : وتظهر فائدة الخلاف في اعتبار إيقاع الست قبل القدمين أو المثل ان جعلناها للظهر ، وفي ما إذا نذر نافلة العصر فان الواجب الثمان على المشهور وركعتان على قول ابن الجنيد. قال في المدارك ويمكن المناقشة في الموضعين (اما الأول) فبان مقتضى النصوص اعتبار إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل والثمان التي بعدها قبل الأربعة أو المثلين سواء جعلنا الست منها للظهر أم للعصر. و (اما الثاني) فلان النذر يتبع قصد الناذر فان قصد الثماني أو الركعتين وجب وان قصد ما وظفه الشارع للعصر أمكن التوقف في صحة هذا النذر لعدم ثبوت الاختصاص كما بيناه. انتهى. وهو جيد إلا انه ينقدح عليه مناقشة أخرى وهي ان ظاهر قوله «مقتضى النصوص اعتبار إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل. إلخ» يدل على وجود روايات تدل على كون المثل وقتا لنافلة الظهر والمثلين وقتا لنافلة العصر ، وليس كذلك وان قيل به بل ربما كان هو المشهور فانا لم نقف في الاخبار على ما يدل عليه ، وبذلك اعترف هو أيضا في رده لكلام المحقق فيما ذكره في شرح قوله في الشرائع «وقت النوافل اليومية للظهر. إلخ» حيث ذكر الرواية التي استدلوا بها على اعتبار المثل وطعن فيها بعدم الدلالة على ذلك وان المراد من القامة فيها قامة الإنسان. وليس غيرها في الباب كما سيأتي تحقيقها ان شاء الله تعالى في موضعه فكيف يسند المثل هنا الى النصوص وهي عارية عن ذلك على العموم والخصوص؟ والله العالم.

(العاشرة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة الكلام بين المغرب ونافلتها لرواية أبي العلاء الخفاف عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) قال : «من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين فان صلى اربع ركعات كتبت له حجة مبرورة». واستدل على ذلك في المدارك ايضا بما رواه الشيخ

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب التعقيب.

٥٦

عن ابي الفوارس (١) قال : «نهاني أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان أتكلم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب». قال : وكراهة الكلام بين الأربع يقتضي كراهة الكلام بينها وبين المغرب بطريق أولى. أقول : وأنت خبير بأنه لا وجه لهذه الأولوية في المقام إذ من الجائز اختصاص الكراهة بالكلام بين الأربع وان جاز الكلام بينها وبين المغرب بان تجعل الأربع مرتبطة بعضها ببعض كأنها صلاة واحدة ، وهذا الحكم لم يذكره الأصحاب مع ان الرواية المذكورة صريحة فيه وان كان في الأولى أيضا نوع اشارة اليه فإن قوله (عليه‌السلام) «فان صلى أربعا» داخل تحت حيز «ثم عقب ولم يتكلم» يعني ان صلى ركعتين مع عدم الفصل بالكلام كان له كذا وان صلى أربعا كان له كذا.

وظاهر رواية الخفاف استحباب تقديم التعقيب على صلاة النافلة ، ونقل عن الشيخ المفيد في المقنعة ان الاولى القيام إلى نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقيب وتأخيره الى ان يفرغ من النافلة ، واحتج له في التهذيب بهذه الرواية وهي كما عرفت بالدلالة على خلافه أشبه. وقال السيد السند في المدارك ـ بعد ان نقل عن الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في التهذيب ما قدمناه ـ ما صورته : وقال الشهيد في الذكرى الأفضل المبادرة بها ـ يعني نافلة المغرب ـ قبل كل شي‌ء سوى التسبيح ونقل عن المفيد مثله. واستدل عليه بان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعلها كذلك فإنه لما بشر بالحسن (عليه‌السلام) صلى ركعتين بعد المغرب شكرا فلما بشر بالحسين (عليه‌السلام) صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منها (٢). ومقتضى هذه الرواية أولوية فعلها قبل التسبيح أيضا إلا انها مجهولة السند ومعارضة بالأخبار الصحيحة المتضمنة للأمر بتسبيح الزهراء (عليها‌السلام) قبل ان يثني المصلي رجليه من صلاة الفريضة (٣) انتهى أقول : ظاهر قوله «واستدل عليه»

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب التعقيب.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أعداد الفرائض.

(٣) رواها في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التعقيب.

٥٧

ان المستدل هو الشهيد وليس كذلك بل ظاهر الذكرى ان المستدل انما هو الشيخ المفيد (قدس‌سره) واختيار الذكرى الذي نقله عنه مؤخر عن هذا النقل والاستدلال ، وذلك فإنه في الذكرى صرح أولا بأن وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب الشفق المغربي قاله الشيخ (قدس‌سره) في النهاية ثم نقل احتجاج المعتبر على ذلك ، الى ان قال وقال المفيد تفعل بعد التسبيح وقبل التعقيب كما فعلها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما بشر بالحسن (عليه‌السلام) فإنه صلى ركعتين شكرا فلما بشر بالحسين (عليه‌السلام) صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منهما ، وابن الجنيد لا يستحب الكلام ولا عمل شي‌ء بينها وبين المغرب ، وبالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ (قدس‌سره) لم نقف عليه ، الى ان قال ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها وان كان الأفضل المبادرة بها قبل كل شي‌ء سوى التسبيح. انتهى. وبذلك يظهر ما في نقل السيد (قدس‌سره) من الإجمال الموجب للوقوع في الاشكال.

ثم انه لا يخفى ان الرواية الواردة في تعليل النوافل بولادة الحسنين (عليهما‌السلام) لا اشعار فيها بهذه الزيادة التي ذكرها وهي قوله : «ولم يعقب حتى فرغ منها» وبدونها لا يتم ما ذكره ، وهذه صورة الخبر على ما نقل في كتب الأخبار برواية الصدوق والشيخ عنه (١) ونقله في الذكرى ايضا متقدما على هذا الموضع «وسئل الصادق (عليه‌السلام) لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر؟ فقال ان الله تبارك وتعالى انزل على نبيه كل صلاة ركعتين فأضاف إليها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة (عليها‌السلام) فأضاف إليها ركعة شكرا لله عزوجل فلما ان ولد الحسن (عليه‌السلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله عزوجل فلما ان ولد الحسين (عليه‌السلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله عزوجل فقال «لِلذَّكَرِ مِثْلُ

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أعداد الفرائض.

٥٨

حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (١) فتركها على حالها في الحضر والسفر». هذا صورة ما روى من الخبر وليس فيه اشعار فضلا عن الدلالة على كون النافلة متقدمة على التعقيب أو متأخرة عنه إذ غايته الدلالة على صلاة هذه الركعات بعد المغرب.

واما ما أجاب به في المدارك بناء على ثبوت هذه الزيادة فهو محل نظر ايضا (اما أولا) فلان الطعن فيها بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين كما عرفت ، مع انه انما استند في حكمه بكراهة الكلام بين المغرب ونافلتها الى خبر ضعيف ايضا ولم يطعن فيه بالضعف ولكنهم لا قاعدة لهم يقفون عليها كما عرفت في غير موضع مما تقدم و (اما ثانيا) فانا لم نقف في شي‌ء من الاخبار على ان الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يسبح بعد الصلاة هذا التسبيح الذي علمه فاطمة (عليها‌السلام) واشتهر بتسبيحها وترادفت النصوص بفضله واستحبابه بعد الصلاة ، وبالجملة فغاية ما يفهم من الاخبار انه بعد أمره لفاطمة (عليها‌السلام) بذلك شاع استحبابه واما انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعله فغير معلوم من الاخبار ، نعم ما ذكره جيد بالنسبة إلى غيره لاستفاضة الاخبار بما ذكره من استحبابه قبل ان يثني المصلي رجليه من جلوسه للتشهد.

(الحادية عشرة) ـ قال في المنتهى : سجود الشكر في المغرب ينبغي ان يكون بعد نافلتها لما رواه الشيخ عن حفص الجوهري (٢) قال : «صلى بنا أبو الحسن (عليه‌السلام) صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة فقلت له كان آباؤك يسجدون بعد الثالثة فقال ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وفي السند ضعف مع انه روى جهم بن ابي جهم (٣) قال : «رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) وقد سجد بعد الثلاث الركعات من المغرب فقلت له جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث فقال ورأيتني؟ فقلت نعم. قال

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٢.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب التعقيب.

٥٩

فلا تدعها فان الدعاء فيها مستجاب». والظاهر ان المراد به سجدة الشكر والكل حسن ان شاء الله تعالى. انتهى.

وظاهر كلامه أخيرا هو التخيير بين الأمرين ، وبذلك صرح في الذكرى ايضا فقال : في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب روايتان يجوز العمل بهما إحداهما رواية حفص الجوهري والثانية رواية جهم.

أقول : لا يخفى ان القول بالتخيير هنا لا يخلو من الاشكال حيث ان ظاهر كل من الخبرين يدفع الآخر فان ظاهر الأول استحباب السجود بعد السابعة وانه هو الموظف خاصة لفعله (عليه‌السلام) ذلك ولإنكاره على الراوي بأنه لم يسجد أحد من آبائي إلا بعد السابعة ، والمراد بابي الحسن هنا هو الهادي (عليه‌السلام) كما صرح به في التهذيب وظاهر الخبر الثاني ـ حيث رآه سجد بعد الثالثة وقوله (عليه‌السلام) : فلا تدعها فان الدعاء فيها مستجاب ـ هو كون ذلك هو السنة الموظفة فكيف يتم القول بالتخيير فيهما كما ذكروه؟

والأظهر عندي وفاقا للمحدث الكاشاني في الوافي هو حمل الرواية الأولى على التقية كما يشعر به قول الكاظم (عليه‌السلام) «ورأيتني» وكأنه يستخفي بذلك ، ويؤيده ما ورد في توقيعات صاحب الأمر (عجل الله نصره وظهوره) من انها بعد الفريضة أفضل ، روى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عليه‌السلام) (١) «انه كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز ان يسجدها الرجل بعد الفريضة فإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه‌السلام) سجدة الشكر من الزم السنن وأوجبها. ولم يقل ان هذه السجدة بدعة إلا من أراد ان يحدث في دين الله بدعة. واما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب التعقيب.

٦٠