الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

القبلة جهدك فان عصفت الريح ولم يتهيأ لك ان تدور إلى القبلة فصل الى صدر السفينة. ولا تجامع مستقبل القبلة ولا مستدبرها».

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) «إذا كنت في السفينة وحضرت الصلاة فاستقبل القبلة وصل إن أمكنك قائما وإلا فاقعد إذا لم يتهيأ لك فصل قاعدا وان دارت السفينة فدر معها وتحر القبلة ، وان عصفت الريح فلم يتهيأ لك ان تدور إلى القبلة فصل الى صدر السفينة ولا تخرج منها الى الشط من أجل الصلاة ، وروى انه تخرج إذا أمكنك الخروج ولست تخاف عليها انها تذهب ان قدرت ان توجه نحو القبلة وان لم تقدر تثبت مكانك ، هذا في الفرض ويجزئك في النافلة ان تفتتح الصلاة تجاه القبلة ثم لا يضرك كيف دارت السفينة لقول الله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» (٢) والعمل على ان تتوجه إلى القبلة وتصلي على أشد ما يمكنك في القيام والقعود ثم ان يكون الإنسان ثابتا في مكانه أشد لتمكنه في الصلاة من ان يدور لطلب القبلة». انتهى.

وهذان الخبران ظاهران في جواز الصلاة في السفينة حال الاضطراب وان امكنه الخروج إلى الأرض ، والجواب عنهما انهما لا يبلغان قوة في معارضة ما أشرنا إليه من الاخبار الدالة على تلك الأحكام عموما وخصوصا ولا يبعد حملهما على التقية وان لم يحضرني الآن مذهب العامة في ذلك ، ولعل في قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه بعد إفتائه بذلك «وروى. الى آخره» إشارة الى ذلك فان مخالفته لما روى عن آبائه (عليهم‌السلام) انما يكون لذلك.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في المدارك من المجازفة في المقام (اما أولا) فلطعنه في رواية إبراهيم بن هاشم بعدم سلامة السند مع انه في الأغلب يعد حديثه في الحسن وربما عده في الصحيح في المقام الذي يحتاج الى العمل به كما أشرنا إليه في غير موضع.

__________________

(١) ص ١٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٠٩.

٤٢١

و (ثانيا) ـ تعليله المنع بان القرار ركن في القيام وجوابه عن ذلك بما ذكره أخيرا ، ولا يخفى عليك ما فيه فان جواز الصلاة في السفينة ربما استلزم ترك القيام بالكلية وترك الركوع والسجود على ما يصح السجود عليه ونحو ذلك ، وكل هذه واجبات قطعية كما اعترف به آنفا لا يجوز الإخلال بها اختيارا ولهذا روعيت في الصلاة في السفينة مع الاضطرار ، فكيف تكون مغتفرة بالنص كما ادعاه والحال انه يمكن الإتيان بها على وجهها بالخروج عن السفينة؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة ، نعم لو لم يمكن ذلك فلا شك في الجواز ولا خلاف لمكان الضرورة.

و (ثالثا) ـ ان ما جمع به بين الأخبار من حمل النهي في رواية علي بن إبراهيم على الكراهة والأمر في حسنة حماد على الاستحباب كما هي الطريق المتسع لهم في جميع الأبواب انما يتم على تقدير تسليم ذلك لو انحصر الجمع بين الاخبار بذلك ، وليس كذلك بل الأظهر في الجمع ـ وهو الطريق الواضح ـ هو ان يقال ان الروايات التي استدل بها ما عدا صحيحة جميل مطلقة وروايتنا مفصلة وطريق الجمع حمل المجمل على المفصل ، واما صحيحة جميل فقد عرفت الوجه فيها.

ثم ان ما تكرر من الاخبار ـ من قولهم (عليهم‌السلام) : «أترغب عن صلاة نوح» ونحو ذلك مما يدل على هذا المعنى ـ فالظاهر ان وجهه انهم كانوا يظنون عدم جواز الصلاة في السفينة أو نقصانها ولو مع الضرورة فأجيبوا بذلك كما يشعر به

صحيح أبي أيوب الخزاز (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انا ابتلينا وكنا في سفينة وأمسينا ولم نقدر على مكان نخرج اليه فقال أصحاب السفينة ليس نصلي يومنا ما دمنا نطمع في الخروج؟ فقال ان ابي كان يقول تلك صلاة نوح أو ما ترضى ان تصلى صلاة نوح؟ فقلت بلى. الحديث». والله العالم.

(البحث الثالث) ـ في ما يستقبل له وفي أحكام الخلل ، فالكلام يقع في مقامين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من القيام.

٤٢٢

(الأول) ـ ما يستقبل له ، ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان كما تقدم ، وبالميت عند احتضاره والصلاة عليه ودفنه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في فصل غسل الأموات ، وعند الذبح كما يأتي ان شاء الله تعالى في محله ، كل ذلك مع الإمكان فيسقط في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة وعند ذبح الدابة الصائلة أو المتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة إجماعا نصا وفتوى كما سيأتي في مواضعها ان شاء الله تعالى وذكر بعض الأصحاب ان الاستقبال يتصف بالأحكام الأربعة فيجب في هذه المواضع ويحرم في حال التخلي على المشهور كما تقدم بيانه في محله ، ويكره في حال الجماع مستقبلا ومستدبرا كما رواه الصدوق في كتاب الهداية عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تجامع مستقبل القبلة ومستدبرها». وقال في كتاب الفقيه (٢) «ونهى عن الجماع مستقبل القبلة ومستدبرها». ويستحب للجلوس للقضاء والدعاء مؤكدا بل الجلوس مطلقا لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «أفضل المجالس ما استقبل به القبلة». ولا يكاد الإباحة بالمعنى الأخص يتحقق هنا.

ويستحب الاستقبال بالنافلة لا بمعنى انه يجوز فعلها الى غير القبلة وان كان المصلي مستقرا على الأرض بل على حد استحباب الوضوء لها والقراءة فيها ونحو ذلك من حيث انها شروط في صحتها لكن لا يتصف بالوجوب مع ان أصل النافلة مستحبة. وربما ظهر من بعض العبارات جواز النافلة الى غير القبلة وان كان مستقرا على الأرض ، وهو

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٥٢ من مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من القبلة.

(٣) في الوسائل الباب ٧٦ من أحكام العشرة : روى الشيخ بهاء الدين في مفتاح الفلاح قال وروى عن أئمتنا (ع) «خير المجالس ما استقبل به القبلة» ورواه المحقق في الشرائع مرسلا وفي المستدرك الباب ٦٤ من أحكام العشرة عن كتاب الغايات عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) «ان لكل شي‌ء شرفا وان أشرف المجالس ما استقبل به القبلة».

٤٢٣

يعيد لان العبادات موقوفة على التشريع من صاحب الشرع ولم ينقل عنه ذلك فيكون إيقاعها كذلك تشريعا محرما. ويجوز صلاتها الى غير القبلة سفرا بلا خلاف وقال في المعتبر انه اتفاق علمائنا طويلا كان السفر أو قصيرا. واما في الحضر فقولان المشهور الجواز ونقل عن ابن ابي عقيل القول بالمنع.

والأقرب جواز النافلة الى غير القبلة راكبا وماشيا سفرا وحضرا ضرورة واختيارا. ويدل على ذلك الأخبار المتكاثرة ، ومنها ـ صحيحة الحلبي برواية الشيخين في الكافي والتهذيب (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال نعم حيث كان متوجها. قال فقلت استقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال لا ولكن تكبر حيثما تكون متوجها وكذلك فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». وقوله : «قال فقلت الى قوله متوجها» في رواية الكافي دون التهذيب ، وأكثر الأصحاب في كتب الاستدلال ومنهم صاحب المدارك انما نقلوا الرواية من طريق الشيخ عارية من هذه الزيادة.

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت به؟ فقال نعم لا بأس».

ورواه الصدوق في الفقيه عن عبد الرحمن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٣).

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (٤) «في الرجل يصلي النافلة على دابته في الأمصار؟ قال لا بأس».

وعن صفوان الجمال (٥) قال : «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يصلي صلاة الليل بالنهار على راحلته أينما توجهت به».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٥ من القبلة.

(٥) الوسائل الباب ٢٦ من أعداد الفرائض.

٤٢٤

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (١) قال «قال لي أبو جعفر (عليه‌السلام) صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل».

وعن علي بن مهزيار في الصحيح (٢) قال : «قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد الى ابي الحسن (عليه‌السلام) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم ان صلهما في المحمل وروى بعضهم ان لا تصلهما إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك ، فوقع (عليه‌السلام) موسع عليك بآية عملت».

وروى في التهذيب والفقيه عن إبراهيم الكرخي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له اني اقدر على ان أتوجه إلى القبلة في المحمل؟ قال ما هذا الضيق اما لك برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أسوة؟».

وروى في التهذيب عن إبراهيم بن ميمون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان صليت وأنت تمشي كبرت ثم مشيت فقرأت وإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع ثم أومأت بالسجود ، وليس في السفر تطوع».

وروى الشيخ في الصحيح عن سيف التمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) في حديث قال : «... انما فرض الله على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك».

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي : إذا أردت أن تصلي نافلة وأنت راكب فاستقبل رأس دابتك حيث توجه بك مستقبل القبلة أو مستدبرها يمينا أو شمالا فان صليت فريضة على ظهر دابتك. الى آخر عبارة كتاب الفقه الاولى من عبارتيه المتقدمتين في الموضع السادس (٦) وهذه العبارة نقلها الصدوق بتمامها في النافلة والفريضة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من القبلة.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من القبلة.

(٥) الوسائل الباب ٢٢ من أعداد الفرائض.

(٦) ص ٤٠٩.

٤٢٥

عن أبيه في رسالته اليه حذو عبارة كتاب الفقه كلمة كلمة وحرفا حرفا الى آخرها ، وهو دليل ما أشرنا إليه في غير موضع من الاعتماد على الكتاب المذكور.

وروى الصدوق في الفقيه (١) بسنده عن سعيد بن يسار «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي صلاة الليل وهو على دابته أله ان يغطي وجهه وهو يصلي؟ قال اما إذا قرأ فنعم واما إذا أومأ بوجهه للسجود فليكشفه حيث أومأت به الدابة». قال في الوافي : وذلك لان الإيماء بالوجه بدل من السجود الذي يشترط فيه كشف الجبهة بخلاف القراءة. وهو حسن.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي نجران (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل؟ قال إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك. قلت جعلت فداك في أول الليل؟ فقال إذا خفت الفوت في آخره».

أقول : في هذا الخبر دلالة على ان الرخصة بتقديم صلاة الليل في أول الليل مخصوصة بمن يخاف فواتها في آخر الليل ويجب تخصيصه ايضا بمن يخاف عدم التمكن من القضاء وإلا فالقضاء أفضل وقد تقدم الكلام في المسألة.

وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن ابي عمير عن أصحابهم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في الصلاة في المحمل؟ فقال صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك».

وروى في الكافي عن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن الصلاة في السفر الى ان قال وليتطوع بالليل ما شاء ان كان نازلا وان كان راكبا فليصل على دابته وهو راكب ولتكن صلاته إيماء وليكن رأسه حيث يريد السجود اخفض من ركوعه».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من القبلة.

٤٢٦

السلام) عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال يومئ إيماء (١) وليكن رأسه حيث يريد السجود اخفض من ركوعه».

وروى في قرب الاسناد في الصحيح عن حماد بن عيسى (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى تبوك فكان يصلي صلاة الليل على راحلته حيث توجهت به ويومئ إيماء».

وروى أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) «في قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ (٤) قال هذا في النوافل في حال السفر خاصة واما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة». وقد تقدم جملة من الاخبار الدالة على تفسير الآية بذلك في التنبيه الثالث من التنبيهات المتقدمة في البحث الثاني

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٥) قال : «سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة؟ فقال ان كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك ان تركته وأنت راكب فنعم وإلا فإن صلاتك على الأرض أحب الي».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ، ولا بأس ان فاتته صلاة الليل ان يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ فإذا أراد ان يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى».

وقد تقدمت صحيحتا يعقوب بن شعيب وصحيحة حريز في صلاة الماشي وانه

__________________

(١) في كتب الحديث «وليجعل السجود اخفض من الركوع».

(٢ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من القبلة.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من القبلة. وما ذكره انما هو رواية الشيخ في النهاية راجع ص ٤٠١.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٠٩.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من القبلة.

٤٢٧

يومئ بالركوع والسجود في الفائدة الثالثة من التنبيه السادس من البحث المتقدم.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه يستفاد من هذه الاخبار جملة من الأحكام :

منها ـ جواز النافلة الى غير القبلة ماشيا أو راكبا في الحضر خلافا لابن ابي عقيل كما دلت عليه صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان مؤيدا بإطلاق جملة من روايات المسألة ، ولم نقف لابن ابي عقيل على دليل وهذه روايات المسألة كما رأيت خالية من ذلك.

ومنها ـ ان الأفضل ان يستقبل بتكبيرة الإحرام على الدابة ثم يتم صلاته حيث ذهبت راحلته كما تضمنته صحيحة عبد الرحمن بن ابي نجران وإطلاق جملة من الاخبار ، وصريح صحيحة الحلبي جوازها ايضا الى غير القبلة بناء على رواية الكافي ولذا حملنا الصحيحة المذكورة على الفضل والاستحباب. وقطع ابن إدريس بوجوب الاستقبال بالتكبير ونقله عن جماعة الأصحاب إلا من شذ. وهو محجوج بالصحيحة المذكورة. والسيد السند قد استدل في المدارك على الاستحباب بصحيحة عبد الرحمن المذكورة ، ثم نقل عن ابن إدريس القول بوجوب الاستقبال بالتكبيرة ورده بإطلاق الأخبار التي قدمها. وأنت خبير بما فيه فان لابن إدريس الجواب عن ذلك بتقييد الإطلاق بالصحيحة المذكورة كما هو القاعدة. والحق في دفع ما ذهب اليه انما هو الاحتجاج بصحيحة الحلبي المروية في الكافي إلا ان صاحب المدارك كما أشرنا إليه آنفا انما نقل الصحيحة المذكورة من التهذيب وهي عارية فيه عن موضع الاستدلال فلهذا حصل في جوابه الاشكال. والعجب من صاحب الذخيرة انه جمد على جواب صاحب المدارك في هذا المقام مع انه روى الصحيحة بالزيادة التي هي محل الاستدلال من الكافي وغفل عن الاستدلال بها مع صراحتها في الجواب ولزوم الإشكال في الجواب بدونها كما عرفت. واما في الفريضة فإنه يجب ان يستقبل بتكبيرة الإحرام فيها إلى القبلة كما تقدم.

ومنها ـ انه يومئ في حال الصلاة راكبا للركوع والسجود ويجعل الإيماء للسجود اخفض من الركوع ، وهذا بخلاف الفريضة فإنه يجب ان يضع جبهته على ما يصح السجود

٤٢٨

عليه كما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله من قوله «ويضع بوجهه في الفريضة على ما امكنه من شي‌ء ويومئ في النافلة إيماء». ومثله في عبارة كتاب الفقه الرضوي المتقدمة في التنبيه السادس.

ومنها ـ ان الأفضل للماشي أن يحول وجهه إلى القبلة ويركع ويسجد على الوجه الحقيقي فيهما جمعا بين ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من الأمر بذلك وبين صحيحتي يعقوب بن شعيب المتقدمتين في الموضع المشار اليه آنفا الدالتين على الإيماء بالركوع والسجود ، ونحوهما رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة هنا.

ومنها ـ ان الأفضل في صلاة النافلة في الحضر ان تكون على الأرض كما يدل عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم ، واما في السفر فظاهر صحيح علي بن مهزيار المتقدم التخيير. واما ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق في حديث طويل أورده الشيخ (قدس‌سره) في الزيادات من باب المواقيت (١) «عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال نعم يقضيها بالليل على الأرض فاما على الظهر فلا». فيمكن حمله على الفريضة وتخصيص الليل بالقضاء لانه وقت النزول والاستراحة غالبا ، ولو حمل على النافلة لأشكل الحكم فيه بمخالفة هذه الاخبار المستفيضة بجواز صلاة النافلة على الدابة مطلقا. وتخصيص القضاء بالمنع غير معقول إلا ان يحمل على متفردات عمار في اخباره بالأحكام المستغربة. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ في أحكام الخلل ، قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو صلى إلى جهة ظانا أنها القبلة أو تضيق الوقت عن الجهات الأربع أو لاختيار المكلف بناء على القول بتخيير المتحير ثم ظهر الانحراف ، فلا يخلو اما ان يكون في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها ، وعلى كل منهما فاما ان يكون الانحراف في ما بين اليمين واليسار أو الى محضهما أو الى دبر القبلة ، فههنا صور :

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦ من قضاء الصلوات.

٤٢٩

(الاولى) ـ ان يكون ظهور الانحراف في أثناء الصلاة ويكون الى ما بين اليمين واليسار ، فالظاهر انه لا خلاف في انه يستدير إلى القبلة ويبني على ما مضى لقولهم (عليهم‌السلام) (١) «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ولما رواه عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال ان كان متوجها في ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة». ورواية القاسم بن الوليد (٣) قال : «سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة انه على غير القبلة؟ قال يستقبلها إذا أثبت ذلك وان كان قد فرغ منها فلا يعيدها». والمراد انه يستقبل القبلة إذا تبين الانحراف بإرجاع الضمير إلى القبلة لا إلى الصلاة كما ربما يتوهم ، وهي محمولة على ما إذا كان الانحراف بين اليمين واليسار كما تضمنته رواية عمار. وظاهر المحقق في المعتبر نقل الإجماع على الحكم المذكور.

(الثانية) ـ هي الأولى بعينها إلا ان الانحراف خارج عما بين اليمين واليسار أعم من ان يكون الى محضهما أو الى دبر القبلة ، وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الحكم فيهما الاستئناف في الوقت.

أقول : ويدل عليه بالنسبة إلى المستدبر موثقة عمار المذكورة ، واما بالنسبة إلى محض اليمين واليسار فقد استدلوا عليه بإخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته والإتيان به ممكن فيجب ، ولانه موجب للاستئناف بعد الفراغ كما سيأتي ان شاء الله تعالى فكذا في الأثناء لأن ما يفسد الكل يفسد الجزء. قال في المدارك ويؤيده رواية القاسم بن الوليد ، ثم ساق الرواية المتقدمة. واستدلاله بها هنا بناء على إرجاع الضمير في «يستقبلها» إلى الصلاة وحمل «غير القبلة» على ما خرج عما بين اليمين واليسار. والى ما ذكرنا من حملها على ما دلت عليه موثقة عمار في الصورة الأولى يشير كلام العلامة في المنتهى حيث

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من القبلة.

٤٣٠

أنه ذكرها مع موثقة عمار دليلا للصورة الاولى وكذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة. وأنت خبير بان آخر الرواية المذكورة قد تضمن انه متى فرغ والحال هذه فإنه لا يعيدها وهذا المعنى لا ينطبق على جعلها من قبيل الصورة الثانية لوجوب الإعادة في الوقت فيها كما عرفت مع تصريح الرواية بالعدم وانما ينطبق على الصورة الأولى التي لا اعادة فيها بعد الفراغ كصحيح معاوية بن عمار كما سيأتي في الصورة الثالثة.

ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط الخلاف في ما لو ظهر الانحراف الى محض اليمين واليسار فإنه ألحقه بما بين اليمين واليسار دون دبر القبلة كما هو المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث قال (قدس‌سره) : وان كان في خلال الصلاة ثم ظن ان القبلة عن يمينه أو شماله بنى عليه واستقبل القبلة وأتمها وان كان مستدبرا القبلة أعاد من أولها بلا خلاف وقال فيه ايضا : وان دخل يعني الأعمى فيها ثم غلب على ظنه ان الجهة في غيرها مال إليها وبنى على صلاته ما لم يستدبر القبلة. انتهى. وهو ظاهر كما ترى في تخصيص الاستئناف بصورة الاستدبار ، ومن المعلوم ان محض اليمين واليسار لا يدخل في الاستدبار ولا يصدق عليه لفظه فيكون الواجب فيها الاستدارة والإتمام كما في ما بين اليمين واليسار. والظاهر ضعفه لما عرفت.

(تنبيه) ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر هذه الصورة : فرع ـ لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار وقد خرج الوقت فالأقرب أنه ينحرف ولا اعادة وهو اختيار الشهيدين ، لا لما ذكراه من استلزام القطع القضاء المنفي لانتفاء الدلالة على بطلان اللازم بل لانه دخل دخولا مشروعا والامتثال يقتضي الاجزاء ، والإعادة انما تثبت إذا تبين الخطأ في الوقت كما هو منطوق روايتي عبد الرحمن وسليمان بن خالد (١) انتهى. وعلى هذه المقالة تبعه من تأخر عنه كالفاضل الخراساني في الذخيرة وغيره.

وفي ما ذكره عندي نظر من وجهين (أحدهما) ان ما نقله عن الشهيدين لا يخلو من خلل في النقل :

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من القبلة.

٤٣١

اما الشهيد الأول فإنه لم يصرح بهذه المسألة إلا في كتاب الذكرى وهذه صورة عبارته فيه : لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو أحد الجانبين وقد خرج الوقت أمكن القول بالاستقامة ولا إعادة لدلالة فحوى الأخبار عليه ، ويمكن الإعادة لأنه لم يأت بالصلاة في الوقت. انتهى. وظاهره كما ترى التردد والتوقف في المسألة حيث ذكر الاحتمالين ولم يرجح شيئا في البين ، والاحتمال الأول وهو الذي نسبه مذهبا اليه انما استدل عليه بفحوى الاخبار والظاهر ان مراده فحوى روايتي عبد الرحمن وسليمان بن خالد الآتيتين ان شاء الله تعالى ، وهو قوله (عليه‌السلام) (١) : «وان فاتك الوقت فلا تعد». فإنه يصدق في الصورة المذكورة انه فاته الوقت وهو راجع الى ما ذكره هو من الاستدلال بالروايتين المذكورتين ايضا ، واين هذا من الذي نقله عنهما؟

واما جده الشهيد الثاني فإنه لم يذكر هذه المسألة أيضا لا في المسالك ولا في الروضة وانما ذكرها في الروض بهذه العبارة : نعم لو فرض تبين التيامن أو التياسر بعد الوقت في من أدرك منه ركعة أو المستدبر على القول بالمساواة. أمكن القول بالاستقامة ولا إعادة لإطلاق الاخبار ، وعدمه لانه لم يأت بالصلاة في الوقت ولان ما بعد الوقت هنا بحكم الواقع فيه فيكون بحكم الذاكر فيه. ويضعف بأن الأول مصادرة ومساواة ما بعد الوقت لما قبله مطلقا ممنوعة بل في محل النص والوفاق لا في جميع الأحكام على الإطلاق. انتهى وكلامه وان كان مؤذنا باختياره ما نقله عنه إلا انه انما علله بما قدمنا نقله عن الذكرى لا ما ذكره من استلزام القطع القضاء المنفي حتى انه يعترض عليه بانتفاء الدلالة على بطلان اللازم. واحتمال كونهما ذكرا ذلك في غير هذه الكتب المشهورة بعيد غاية البعد.

و (ثانيهما) ـ انه لا يخفى ان هذا الفرع المذكور لا يدخل تحت شي‌ء من اخبار المسألة ، وما ذكروه من الوجوه الموجبة لصحة الصلاة مع الاستدارة إلى جهة القبلة لا يخلو من اشكال ، وذلك فان مورد أخبار المسألة كون الصلاة التي وقع الانحراف فيها

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من القبلة.

٤٣٢

كانت في الوقت وان الوقت متسع بعدها وقد اشتملت على التفصيل في تلك الصلاة بين كون الانحراف فيها الى ما بين اليمين واليسار مع العلم به في الأثناء والحكم فيه الاستدارة والإتمام أو خارجا عن ذلك والحكم فيه الابطال والإعادة أو انما يحصل العلم بعد الفراغ في الوقت والحكم الإعادة في الوقت خاصة على المشهور في أحد فرديه. واما لو وقع جزء من الصلاة خارج الوقت وعلم الانحراف الى دبر القبلة والحال هذه فكما يحتمل ما ذكره الشهيدان من الاستدارة والصحة بناء على إطلاق قوله (عليه‌السلام) في الروايتين المشار إليهما «وان فاتك الوقت فلا تعد» وان هذا قد فاته الوقت في الصورة المذكورة كذا يمكن إدخال هذه الصورة تحت موثقة عمار المتقدمة وقوله فيها «وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة» فإن إطلاق هذا الخبر شامل لما لو كانت الصلاة أداء في الوقت أو قضاء في خارجه أو وقع بعضها في الوقت كما في الصورة المفروضة ، ولا ريب ان دخول هذه الصورة في إطلاق الخبر المذكور أظهر مما ادعوه في ذينك الخبرين ، لان الظاهر ان المراد من ذينك الخبرين «وان فاتك الوقت فلا تعد» انما هو بعد ان صليت الفريضة في وقتها ومضت على الصحة فلا تعدها في خارجه من أجل ذلك الانحراف لا ان المراد فوت الوقت مع وقوع الصلاة كلا أو بعضا خارجه ، وإلا للزم ان من صلى قضاء وظهر الاستدبار في أثنائها انه يتمها بعد الاستدارة لأنه يصدق عليها انها داخلة تحت قوله : «وان فاتك الوقت» ولا أظن هذا القائل يلتزمه بل الواجب هو الإعادة من رأس البتة.

واما ما علل به الصحة في الصورة المذكورة ـ من انه دخل دخولا مشروعا والامتثال يقتضي الاجزاء ـ فهو ممنوع لانه وان دخل دخولا مشروعا إلا انه بعد تبين الاستدبار في الأثناء لا نسلم المشروعية. ومنه يظهر بطلان قوله : «والامتثال يقتضي الاجزاء» ويؤيد ذلك ما في كلامه في الفروع التي في المسألة المذكورة بعد هذه المسألة من حكمه بالإبطال بظهور الاستدبار في الأثناء في الفرع الأول والفرع الثالث مع جريان

٤٣٣

تعليله المذكور هنا في تلك المقامات وليس إلا من حيث ان ظهور الاستدبار موجب للبطلان كما ذكرنا.

وبالجملة فإنه لا ريب ان الاستدبار من قواطع الصلاة الموجبة لبطلانها ووجوب إعادتها لو وقع فيها خرج منه ما لو لم يعلم إلا بعد ان صلاها في الوقت ثم خرج الوقت بناء على المشهور وظواهر الأخبار الآتية ، فيجب الاقتصار على موردها من الصلاة التي صليت في الوقت ووقع التفصيل فيها بما تقدم وبقي الباقي ومنه موضع البحث ، مع ظهور دخول هذه الصورة تحت إطلاق موثقة عمار المتقدمة كما عرفت. وكيف كان فحيث كانت المسألة غير خالية من شوب الاشكال ـ لما ذكر من تعدد الاحتمال وان كان ما ذكرنا هو الأقرب في هذا المجال ـ فالاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.

(الثالثة) ـ ان يتبين الانحراف بعد الفراغ من الصلاة وكان الانحراف في ما بين اليمين واليسار ، ولا خلاف في صحة الصلاة في الصورة المذكورة ونقل الفاضلان إجماع أهل العلم على ذلك.

ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه انحرف عن القبلة يمينا وشمالا؟ فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول من صلى على غير القبلة وهو يرى انه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه إذا كان في ما بين المشرق والمغرب».

ويعضده ايضا ما تقدم من صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا صلاة إلا الى القبلة. قال قلت اين حد القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله».

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من القبلة.

٤٣٤

وذكر المشرق والمغرب في هذه الاخبار بناء على قبلة العراقي فذكرهما انما جرى مجرى التمثيل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان كثيرا من عبارات المتقدمين هنا مطلقة في وجوب الإعادة في الوقت إذا صلى لغير القبلة من غير تفصيل بين ظهور القبلة الى ما بين اليمين واليسار أو ما زاد على ذلك ، قال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ومن أخطأ القبلة أو سها عنها ثم عرف ذلك والوقت باق أعاد فإن عرفه بعد خروج الوقت لم يكن عليه اعادة في ما مضى اللهم إلا ان يكون قد صلى مستدبر القبلة. وقال الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط : وإذا صلى البصير الى بعض الجهات ثم تبين انه صلى الى غير القبلة والوقت باق أعاد الصلاة. وقال في النهاية : فإن صلاها ناسيا أو شبهة ثم تبين انه صلى الى غير القبلة وكان الوقت باقيا وجب عليه إعادة الصلاة. وقريب منها كلامه في الخلاف وكذا كلام ابن زهرة وابن إدريس. ولعل مرادهم من الصلاة الى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق والمغرب كما ذكره بعض الأصحاب لما اشتهر في الاخبار وكلام الأصحاب من ان ما بين المشرق والمغرب قبلة ، وأيد بإيراد الشيخ الرواية المتضمنة لذلك في شرح كلام الشيخ المفيد المتقدم من غير تعرض للكلام عليه. وبالجملة فإن حمل كلامهم على ظاهره مع ما عرفت من هذه الاخبار بعيد غاية البعد فلا بد من ارتكاب التأويل فيه بما ذكرنا.

(الرابعة) ـ الصورة بحالها مع تبين الانحراف الى اليمين والشمال ، والمشهور في كلام الأصحاب ـ بل ادعى عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع ـ الإعادة في الوقت لا في خارجه.

واستدلوا على الأول بأنه قد أخل بشرط الواجب وهو الاستقبال والوقت باق فيبقى تحت عهدة الخطاب كما لو أخل بطهارة الثوب ونحوها.

واما على الثاني فبان القضاء فرض جديد يتوقف على الدليل وحيث لا دليل فلا قضاء

٤٣٥

وبصحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد».

وصحيحة سليمان بن خالد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يضحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال ان كان في وقت فليعد صلاته وان كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده».

وصحيحة يعقوب بن يقطين (٣) قال : «سألت عبدا صالحا (عليه‌السلام) عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة؟ وان كان قد تحرى القبلة بجهده أتجزئه صلاته؟ فقال يعيد ما كان في وقت فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه».

وصحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٤) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن رجل أعمى صلى على غير القبلة فقال ان كان في وقت فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعد. قال وسألته عن رجل صلى وهي متغيمة ثم تجلت فعلم انه صلى على غير القبلة فقال ان كان في وقت فليعد وان كان الوقت قد مضى فلا يعد».

ورواية محمد بن الحصين (٥) قال : «كتبت الى عبد صالح (عليه‌السلام) الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أولم يعلم ان الله تعالى يقول وقوله الحق فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ؟» (٦).

وصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) قال : «إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل ان تصبح انك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٧٤ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ١١ من القبلة.

(٦) سورة البقرة الآية ١٠٩.

٤٣٦

وتقريب الاستدلال بها ان المراد انه صلى الصبح على غير القبلة واستبان له ذلك قبل الاسفار أو طلوع الشمس فقوله : «قبل ان تصبح» إشارة الى ذلك. واما حملها ـ على ان الفائت العشاءان وان الأمر بالإعادة قبل الصبح يعني الفجر الثاني لامتداد وقت العشاءين الى ذلك الوقت في المضطر كما تقدم القول به ـ فبعيد ، وقد تقدم تحقيق المسألة في غير مقام.

ثم انه لا يخفى ان هذه الاخبار ـ كما ترى ـ قد دلت على وجوب الإعادة في الوقت متى ظهر انه صلى على غير القبلة وإطلاقها شامل لما لو كانت صلاته في ما بين المشرق والمغرب لصدق أنه الى غير القبلة مع ان الحكم ثمة كما تقدم عدم وجوب الإعادة ، والأصحاب قد قيدوا إطلاق هذه الأخبار ولا سيما صحيحة معاوية بن عمار التي هي الأصل في الاستدلال فاخرجوا من هذا الإطلاق ما بين المشرق والمغرب بتلك الأخبار.

ولقائل أن يقول ان بين اخبار الطرفين عموما وخصوصا من وجه ، فكما ان هذه الاخبار عامة بالنسبة إلى الصلاة الى غير القبلة إلا انها مفصلة بالنسبة إلى الوقت وخارجه وتلك الأخبار مطلقة بالنسبة إلى الوقت وخارجه وخاصة بالنسبة إلى القبلة التي حصل فيها الانحراف وهي ما بين المشرق والمغرب ، فكما يمكن ارتكاب التخصيص المذكور الذي بنى عليه الاستدلال بالاخبار في الموضعين كذلك يمكن تخصيص تلك الأخبار بالصلاة في خارج الوقت كما فصلته هذه الاخبار وإبقاؤها على إطلاقها بالنسبة إلى القبلة فيقال بوجوب الإعادة في الوقت متى صلى الى غير القبلة بأي نحو كان وان كان في ما بين المشرق والمغرب ، ولا يتم الاستدلال بتلك الروايات على ما ذكروه فلا بد لترجيح الأول من دليل ، ولعل ما تقدم نقله عن كثير من عبارات المتقدمين من إطلاقهم وجوب الإعادة في الوقت مبني على ما ذكرناه هنا.

واستدل العلامة في المنتهى على ترجيح الأول بوجهين (أحدهما) ـ موافقة الأصل وهو براءة الذمة إذ لو حملنا حديث معاوية على ما ذكرتم لزمت الإعادة لمن صلى

٤٣٧

بين المشرق والمغرب في الوقت والأصل عدمه. (الثاني) ـ انا نمنع تخصيص ما ذكرتم من الأحاديث أصلا لأن قوله (عليه‌السلام) «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ليس مخصصا للحديث الدال على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى الى غير القبلة إذ أقصى ما يدل عليه ان ما بين المشرق والمغرب قبلة ، بل لقائل أن يقول ان قوله : «إذا صليت وأنت على غير القبلة» يتناول لفظ القبلة فيه ما بين المشرق والمغرب ايضا. انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه ، اما الاستناد الى الأصل كما ذكره فمعارض بأن الأصل شغل الذمة بالعبادة وهذا أصل متيقن لا مناص عنه فلا يحكم ببراءة الذمة إلا بيقين مثله والاخبار هنا متعارضة كما عرفت والوقت باق والخطاب متوجه فلا يتيقن براءة الذمة إلا بالإعادة في الوقت. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ولا يتطرق إليه الإيراد من خلفه ولا من بين يديه. واما منع التخصيص فلا يخفى ما فيه فاني لا اعرف لكلامه هنا وجه استقامة ولعل النسخة التي عندي لا تخلو من غلط ، ووجه الاشكال كما ذكرنا زيادة على ما قدمنا ان صحيحة معاوية المشار إليها قد دلت على ان من صلى بظن القبلة ثم تبين انحرافه الى ما بين اليمين والشمال فقد صحت صلاته لان ما بين المشرق والمغرب قبلة ، وتبين الانحراف عن القبلة أعم من ان يكون في الوقت أو خارجه فيمكن تقييد هذا العموم بما فصلته تلك الأخبار من ان من صلى الى غير القبلة ثم تبين ذلك فان كان في الوقت أعاد وان كان خارج الوقت فلا اعادة عليه بان يحمل على تبين الانحراف بعد خروج الوقت ، وحينئذ فتجب الإعادة في الوقت وان كان فيما بين اليمين واليسار. وهذا ايضا بحمد الله سبحانه ظاهر لا مرية فيه.

وبالجملة فإني لا اعرف لهم دليلا على ما ذكروه زيادة على الإجماع المدعى في تلك المسألة. نعم قوله في صحيحة معاوية «ثم ينظر بعد ما فرغ» ربما أشعر بكون ظهور الانحراف في الوقت بالحمل على البعدية القريبة كما هو المتبادر. هذا أقصى ما يمكن ان

٤٣٨

يقال في المقام والله سبحانه وأولياؤه العالمون بحقائق الأحكام.

(الخامسة) ـ الصورة المتقدمة مع تبين الانحراف الى دبر القبلة ، والمشهور بين المتأخرين ـ وبه قال السيد المرتضى والمحقق وأكثر من تأخر عنه ـ ان حكم هذه الصورة كسابقتها من الإعادة في الوقت خاصة دون خارجه ، وقال الشيخان بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه وتبعهما جمع من الأصحاب كابن البراج وابي الصلاح وسلار وابن زهرة.

واستدل الأولون بإطلاق صحاح الأخبار المتقدمة في سابق هذه الصورة فإنها كما دلت بإطلاقها على حكم اليمين واليسار دلت على حكم الاستدبار لصدق الصلاة الى غير القبلة في الموضعين فيجب العمل بها على إطلاقها الى ان يقوم المخصوص وليس فليس.

ونقل عن الشيخ انه احتج بموثقة عمار المتقدمة في الصورة الاولى ، ولا يخفى ما فيه فان مورد الرواية من علم في أثناء الصلاة بأنه صلى الى غير القبلة فإنه يقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وهو صريح في كون ذلك في الوقت. نعم ربما يمكن الاستدلال على ما ذهبوا إليه

برواية معمر بن يحيى (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل في وقت صلاة أخرى؟ قال يعيدها قبل ان يصلي هذه التي قد دخل وقتها».

وأجيب عنها بضعف السند وعدم المعارضة لما تقدم من الأخبار الصحاح المتكاثرة المتعاضدة الدالة على عدم الإعادة بعد خروج الوقت فيجب حملها اما على من صلى بغير اجتهاد مع التمكن منه واما يحمل قوله : «وقد دخل في وقت صلاة أخرى» على وقت الفضيلة فيحمل على وقت صلاتين مشتركتين كالظهرين والعشاءين بان يدخل وقت فضيلة الثانية ، على انه غير معمول به على إطلاقه لدلالته على الإعادة أيضا بالنسبة الى ما كان الى اليمين والشمال وقد عرفت ان لا قائل به.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٩ من القبلة.

٤٣٩

واما ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «لا صلاة إلا الى القبلة. قال قلت اين حد القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله. قال قلت فمن صلى لغير القبلة في يوم غيم أو في غير الوقت؟ قال يعيد». فيجب حمله على الإعادة في الوقت جمعا بينه وبين الاخبار المتكاثرة المتقدمة المفصلة حمل المطلق على المقيد. والله العالم.

تنبيهات

(الأول) ـ هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام المتقدمة؟ قيل نعم وبه قطع الشيخ في بعض كتبه لعموم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» (٢). وقيل لا لأن خطأه مستند الى تقصيره بخلاف الظان.

قال في المدارك : وكذا الكلام في جاهل الحكم ، ثم قال والأقرب الإعادة في الوقت خاصة لإخلاله بشرط الواجب دون القضاء لأنه فرض مستأنف. انتهى.

وقال في الذكرى : هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام؟ قطع به الشيخان لعموم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» وضعفه الفاضلان لانه مستند الى تقصيره بخلاف الظان. والأقرب المساواة لشمول خبر عبد الرحمن للناسي. اما جاهل الحكم فالأقرب انه يعيد مطلقا إلا ما كان بين المشرق والمغرب لانه ضم جهلا الى تقصيره ووجه المساواة الناس في سعة ما لم يعلموا (٣). انتهى.

أقول : لا يخفى ان إطلاق الاخبار المتقدمة في الصورة الرابعة من صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله وصحيحة سليمان بن خالد شامل للظان والناسي وبه يظهر قرب مساواة الناسي للظان كما اختاره في الذكرى إلا انه سيأتي ان شاء الله تعالى في

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من القبلة.

(٢) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل في الصلاة و ٥٦ من جهاد النفس.

(٣) راجع ج ص ٤٣.

٤٤٠