الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

وروى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال قد مضت صلاته فما بين المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير : وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» (٢). كذا استدل بها في المدارك ، واحتمل جملة من المحققين كون قوله في هذه الرواية «ونزلت هذه الآية» من كلام الصدوق لا من الرواية وعليه تنتفي دلالة الرواية.

والمستفاد من بعض الاخبار ان هذه الآية إنما نزلت في النافلة وجواز صلاتها الى غير القبلة ، فروى الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) في قوله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» انها ليست منسوخة وانها مخصوصة بالنوافل في حال السفر.

وروى الشيخ في النهاية عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) في قوله تعالى : «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» قال : «هذا في النوافل في حال السفر خاصة فأما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة».

وقال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (٥) «وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» (٦) قال العالم (عليه‌السلام) : «فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر فأما الفرائض فقوله «وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (٧) يعني الفرائض لا تصلها إلا الى القبلة».

وفي تفسير العياشي عن حريز عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٨) «انزل الله هذه الآية في التطوع خاصة «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ» (٩) وصلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج الى خيبر

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١٧٩ والوسائل الباب ١٠ من القبلة.

(٢ و ٦ و ٩) سورة البقرة ، الآية ١٠٩.

(٣ و ٤ و ٨) الوسائل الباب ١٥ من القبلة.

(٥) ص ٥٠.

(٧) سورة البقرة ، الآية ١٣٩ و ١٤٥.

٤٠١

وحين خرج من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره». قال زرارة (١) «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الصلاة في السفينة والمحمل سواء؟ قال النافلة كلها سواء ، ثم ساق الخبر في الكتاب المذكور الى ان قال كل ذلك قبلة للمتنفل انه قال : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ».

وروى فيه عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟ قال يسجد حيث توجهت فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة يقول : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ».

ولا يخفى ما في دلالة هذه الاخبار على المنافاة لما تقدم من نزول الآية المذكورة في قبلة المتحير سواء جعلت من الخبر أو من كلام الصدوق والحمل على الثاني أوفق بانتظام الاخبار وسلامتها من الاختلاف في هذا المضمار وان كان الظاهر ان الصدوق ايضا لا يقوله إلا عن رواية وصلت اليه. وربما جمع بعضهم بين الاخبار المتقدمة بحمل روايات الصلاة الى اي جهة شاء على عدم التمكن من الصلاة الى أربع جهات وتبقى رواية خراش على ظاهرها. ولا يخفى بعده عن ظاهر سياق الأخبار المذكورة.

وبالجملة فالرواية المذكورة مع ضعف سندها معارضة بالأخبار المتقدمة وبهذه الاخبار والأظهر في معناها هو ما ذكرناه وبه تنتفي المناقضة بين الاخبار ويظهر اجتماعها على وجه واضح المنار.

وذهب السيد رضي الدين بن طاوس في هذه المسألة إلى الرجوع الى القرعة ، قال في المدارك : ولا بأس به. أقول : بل البأس فيه أظهر ظاهر إذ الظاهر من الاخبار ان مشروعية القرعة انما هو من حيث الاشكال وانها لكل أمر مشكل. والظاهر انه لا اشكال هنا مع وجود الأدلة الصحيحة الصريحة في الحكم ، اما على ما ذكرنا في معنى

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من القبلة.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧٠.

٤٠٢

رواية خراش فظاهر ، واما على ما ذكره من طرحها لضعفها سندا ودلالة فقال انه لا تعويل عليها فأظهر ، وعلى كل من الوجهين تبقى الأخبار سالمة من المعارض فأي وجه هنا للقرعة وأي إشكال في الحكم يوجب الرجوع إليها؟

ثم انه على القول المشهور من الصلاة الى أربع جهات يعتبر في الجهات الأربع كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر على وجه يحدث عنهما زوايا قوائم لأنه المتبادر من النص. أقول : ويمكن حصول ذلك بالخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم بناء على ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار (١) «في من صلى ثم نظر بعد ما فرغ فرأى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».

ثم انهم بناء على القول المذكور صرحوا بأنه لو ضاق الوقت عن الأربع اتى بما أمكن ولو واحدة الى اي جهة شاء ، وبالجملة بما يتسع له الوقت. قال في المعتبر وكذا لو منعت ضرورة من عدو أو سبع أو مرض.

(الرابع) ـ الظاهر من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من لا يتمكن من الاجتهاد كالأعمى والعامي مع ضيق الوقت عن التعلم والعالم بالعلامات مع خفائها لعارض من غيم ونحوه فإنه يجوز له التقليد. وظاهر كلام الشيخ (قدس‌سره) في الخلاف المنع من التقليد للأعمى وغيره ووجوب الصلاة الى أربع جهات مع السعة والتخيير مع الضيق.

احتج الأولون بأن قول العدل أحد الأمارات المفيدة للظن فكان العمل به لازما مع انتفاء العلم وعدم إمكان تحصيل ظن أقوى منه لقوله (عليه‌السلام) (٢) «يجزى التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة».

واحتج في الخلاف على ما ذكره بأن الأعمى ومن لا يعرف أمارات القبلة إذا صليا إلى أربع جهات برئت ذمتهما بالإجماع وليس على براءة ذمتهما إذا صليا إلى واحدة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من القبلة.

(٢) الوسائل الباب ٦ من القبلة.

٤٠٣

دليل. ثم استدل على التخيير مع الضيق والضرورة بأن وجوب القبول من الغير لم يقم عليه دليل والصلاة الى الجهات الأربع منفي لكون الحال حال الضرورة فيثبت التخيير وجوابه معلوم من حجة القول المشهور المتقدمة. إلا ان المسألة لعدم النص لا تخلو من شوب الاشكال وان كان القول المشهور لا يخلو من قوة لما علم من الاعتماد على الظن في مسألة القبلة مع ما عرفت من سعة الأمر فيها.

وربما يستدل هنا على وجوب التقليد للأعمى وعدم وجوب الصلاة الى أربع جهات بالأخبار الدالة على جواز إمامته في الصلاة كصحيحة عبيد الله الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يؤم الأعمى القوم وان كانوا هم الذين يوجهونه». وصحيحة زرارة أو حسنته عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «قلت له أصلي خلف الأعمى؟ قال نعم إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم». ونحوهما رواية السكوني (٣).

والظاهر انه ليس كذلك فان هنا مقامين : (الأول) ان تكون القبلة معلومة في حد ذاتها لا تحتاج الى اجتهاد لكنها بالنسبة إلى الأعمى غير معلومة على السمت الذي تجب الصلاة له فيحتاج الى من يسدده ويرشده وهذا هو مورد الأخبار المذكورة ، والظاهر ان الشيخ لا يخالف في هذه الصورة ويوجب عليه الصلاة الى أربع جهات ويطرح هذه الاخبار من غير معارض (الثاني) ان تكون القبلة مجهولة تحتاج الى اجتهاد وهذا هو موضوع المسألة ، فهل يجوز للأعمى الرجوع الى من حصل القبلة باجتهاده أو يجب عليه الصلاة الى أربع جهات؟ والاخبار المذكورة لا دلالة لها على هذه الصورة بل موردها الصورة الاولى. وبذلك يظهر ما في كلام جملة من الأصحاب هنا : منهم ـ السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة من ان المراد بالتقليد هنا قبول قول الغير سواء كان مستندا الى الاجتهاد أو اليقين ، فإنه بظاهره شامل لما ذكرنا من المقام

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من القبلة.

٤٠٤

الأول مع انه ليس كذلك.

وبالجملة فإن الظاهر ان موضوع المسألة انما هو صورة جهل القبلة وحصول من يتمكن من الاجتهاد في معرفتها ومن لا يتمكن ، فهل يرجع من لا يتمكن من الاجتهاد للأعذار المتقدمة إلى المتمكن أم لا؟ واما في مقام العلم بالقبلة فليس من محل البحث في شي‌ء فان ما يحصل به اليقين عند المقلد بفتح اللام من رؤية أو مشاهدة أو تعيين الجهة من العلامات المذكورة بين علماء الهيئة يحصل به اليقين عند المقلد بكسرها إلا ان يكون أعمى مكفوف البصر ، وقد عرفت حكمه من الأخبار المتقدمة وان الشيخ لا يخالف في هذه الصورة. وينبغي ان يعلم انه لو تفاوتت الظنون بالنسبة إلى المخبرين من حيث العدالة والتعدد ونحو ذلك وعدمها عمل على أقواها ووجب دوران الحكم معه كما يجب تقديم العلم على الظن. والكلام بالنسبة إلى الكافر ونحوه كما تقدم من حصول الظن بقوله وعدمه.

(الخامس) ـ قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز التعويل على قبلة البلد إذا لم يعلم انها بنيت على الغلط ، والمراد بقبلتها محاريبها المنصوبة وقبورها ونحوها ، ونقل في التذكرة الإجماع عليه. والظاهر من كلامهم التعليل ببعد اجتماع الخلق الكثير في المدد المتطاولة على الخطأ. وإطلاق كلامهم يقتضي انه لا فرق في ذلك بين ما يفيد العلم بالجهة أو الظن ولا بين ان يكون المصلي متمكنا من معرفة القبلة بالعلامات المفيدة للعلم أو الاجتهاد المفيد للظن أو ينتفي الأمران فإنه يعول على قبلة البلد على جميع هذه التقادير أقول : وفي بعض هذه الشقوق اشكال وهو انه لو كان قبلة البلد انما تفيد الظن بالجهة مع تمكنه من العلم فان الظاهر وجوب الرجوع الى العلامات المفيدة للعلم ، ولعل في تصريح بعضهم في هذا المقام بأنه إن جهلها عول على الأمارات المفيدة للظن ما يشير الى ما قلناه. وبالجملة فإنه لا يجوز الرجوع الى الظن إلا مع تعذر العلم كائنا ما كان.

وإطلاق كلامهم أعم من ان تكون البلدة من الأمصار العظيمة أو قرية من القرى

٤٠٥

قال في الذكرى : لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها.

وصرح جماعة منهم بعدم جواز التعويل على المحاريب المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين عليها ونحو القبر والقبرين من المسلمين في الموضع المنقطع.

وصرح جملة منهم بعدم جواز الاجتهاد في الجهة التي عليها قبلة البلد ، والظاهر ان مرادهم الاجتهاد إلى إحدى الجهات الأربع كجهة المغرب مثلا بان يجتهد فيها إلى جهة الشمال ونحوها اما في التيامن والتياسر في تلك الجهة فإنه يجوز الاجتهاد فيه لعموم الأمر بالتحري. وربما قيل بالمنع لان احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب من اصابة الواحد. واعترض عليه بأنه يجوز انهم تركوا الاجتهاد لعدم وجوبه عليهم فهذا التعليل انما يتم لو ثبت وجوب الاجتهاد عليهم ووقوعه منهم.

أقول : قد أشرنا سابقا إلى انه لا يخفى على من تأمل جميع البلدان ولا شاهد أبلغ من العيان فإنه ليس شي‌ء منها موافقا للعلامات الرياضية التي حكموا بإفادتها العلم فضلا عن الظن ، فاني من جملة من تتبع ذلك لأني لما سافرت الى حج بيت الله الحرام على طريق البحر رجعت على طريق البر فاتفق ان جماعة الحجاج اتفقوا مع الأمير ان يمضي بهم الى المدينة فخرجنا من مكة المعظمة سائرين إلى جهة الشمال خمسة أيام حتى وصلنا الى منزل يقال له مران فوقع بين الأمير والحاج اختلاف في ما وعدهم وطلب منهم مبلغا زائدا واتفق الأمر على عدم مغدى المدينة المشرفة والرجوع الى الأحساء ، فمشينا على الطريق المتوجهة إلى الأحساء وكان مسيرنا الى طرف المشرق وكنت إذا جن الليل ارى المسير على مطلع الثريا وهو مائل عن نقطة المشرق إلى جهة الشمال كما لا يخفى حتى وصلنا الى منزل يسمى سديرة فسافرنا منه قاصدين إلى جهة الشمال ثلاثة أيام ثم دخلنا الأحساء ، والأحساء كالبحرين والقطيف قبلتها الآن على نقطة المغرب ، وما ذكرناه من هذا الانحراف الذي شاهدناه موافق لما ذكره علماء الهيئة مما قدمنا نقله ومؤيد له مع ان قبلة هذه البلدان منذ وجدت ودخلت في الإسلام في زمن النبي (صلى الله عليه

٤٠٦

وآله) وعين فيها ولاة من جهته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على هذه الجهة التي هي نقطة المغرب واستمر عليها السلف والخلف ، وقد قدمنا لك ما وقع في مصرنا لبعض الفضلاء الأعيان في اجتهاده في مساجد بهبهان ، ومثل ذلك ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى قال : وقد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وان فيه تياسرا عن القبلة مع تواطؤ الأعصار الماضية على عدم ذلك. انتهى. وقد وقع مثله لشيخنا الشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي في قبلة خراسان كما ذكره بعض الأعيان. ونقل في الذخيرة عن عبد الله بن المبارك انه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج ، وقد تقدم في كلام شيخنا المجلسي ان محراب مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مخالف للقواعد الرياضية وكذا مسجد الكوفة ومسجد السهلة ومسجد يونس وتقدم بيان ذلك ، الى غير ذلك من البلدان التي يقع التأمل فيها والمطابقة بين قبلتها والقبلة التي ذكرها علماء الهيئة بالنسبة إليها ، واللازم من ذلك أحد أمرين اما بطلان صلوات أهل تلك البلدان في جميع الأزمان أو عدم اعتبار هذه العلامات وان أفادت اليقين كما ذكروه دون الظن والتخمين. والأول أظهر في البطلان من ان يحتاج الى البيان سيما وجملة منها مما صلى فيه الأئمة (عليهم‌السلام) كالمدينة وخراسان ومسجد الكوفة ودعوى التغيير في هذه البلدان عما كانت عليه في سابق الأزمان دعوى بغير دليل بل مخالفة لما جرت عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل فيتعين الثاني ، ويتأيد بما قدمناه من الاخبار والمؤيدات الدالة على سعة أمر القبلة ، وبذلك يسقط هذا البحث من أصله وما ذكر فيه من التفريعات. والله العالم.

(السادس) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم جواز الفريضة على الراحلة اختيارا بل قال في المعتبر انه مذهب العلماء كافة سواء في ذلك الحاضر والمسافر.

والأصل في ذلك الأخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن

٤٠٧

ابن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة وتجزئه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما امكنه من شي‌ء ويومئ في النافلة إيماء».

وعن عبد الله بن سنان (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال لا إلا من ضرورة».

وعن عبد الله بن سنان في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تصل شيئا من المفروض راكبا ، قال النضر في حديثه : إلا ان تكون مريضا».

وصاحب المدارك قد نقل الرواية الاولى من روايتي عبد الله بن سنان المذكورتين وجعلها من الموثق مع ان في سندها احمد بن هلال وهو ضعيف غال وروايته الموثقة انما هي الثانية بغير المتن الذي نقله.

واما ما يدل على الجواز مع الضرورة مضافا الى ما عرفت من هذه الروايات فمنه ما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل أيجوز له ان يصلي الفريضة في المحل؟ قال نعم هو بمنزلة السفينة إن امكنه قائما وإلا قاعدا ، وكل ما كان من ذلك فالله اولى بالعذر يقول الله عزوجل : بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (٥).

وعن جميل بن دراج في الصحيح (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر».

وعن مندل بن علي (٧) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على راحلته الفريضة في يوم مطير». وقال في الفقيه (٨)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من القبلة.

(٥) سورة القيامة ، الآية ١٤.

٤٠٨

«كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي على راحلته الفريضة في يوم مطير».

وعن الحميري وهو عبد الله بن جعفر (١) قال : «كتبت الى ابي الحسن (عليه‌السلام) روى جعلني الله فداك مواليك عن آبائك ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى الفريضة على راحلته في يوم مطير ويصيبنا المطر في محاملنا والأرض مبتلة والمطر يؤذي فهل يجوز لنا يا سيدي ان نصلي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابنا الفريضة ان شاء الله تعالى؟ فوقع (عليه‌السلام) يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة».

وروى أبو منصور احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (صلوات الله عليه) (٢) «انه كتب إليه يسأله عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل فيتخوف ان نزل الغوص فيه وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال فلا يستوي له ان يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته هل يجوز ان يصلي في المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب لا بأس به عند الضرورة والشدة».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) «ان صليت فريضة على ظهر دابتك استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم امض حيث توجهت بك دابتك تقرأ فإذا أردت الركوع والسجود استقبل القبلة واركع واسجد على شي‌ء يكون معك مما يجوز عليه السجود ولا تصلها إلا في حال الاضطرار جدا ، وتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا إلا انك إذا أردت السجود سجدت على الأرض».

واما ما رواه الشيخ عن منصور بن حازم ـ (٤) قال : «سأله أحمد بن النعمان فقال أصلي في محملي وانا مريض؟ قال فقال اما النافلة فنعم واما الفريضة فلا. قال وذكر أحمد شدة وجعه فقال انا كنت مريضا شديد المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة ينيخوا بي فاحتمل بفراشي فأوضع وأصلي ثم احتمل بفراشي فأوضع في محملي». ـ فحمله الشيخ على

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١٤ من القبلة.

(٣) ص ١٦.

٤٠٩

الاستحباب. والأقرب حمله على مرض يحتمل فيه الوضع على الأرض كما حكاه الامام (عليه‌السلام) عن نفسه ، وقد عرفت من روايتي الحميري وابنه اناطة الصلاة في المحمل بالضرورة الشديدة.

وتحقيق البحث كما هو حقه في المقام يتوقف على رسم فوائد :

(الأولى) (١) ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الصلاة المفروضة بين اليومية وغيرها ولا بين ما وجب بالأصل أو لعارض ، وبه صرح الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى فقال : لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا إجماعا لاختلال الاستقبال وان كانت منذورة سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض لأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب. قال في المدارك بعد نقل ملخص ذلك : ويمكن القول بالفرق واختصاص الحكم بما وجب بالأصل خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية عملا بمقتضى الأصل وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر. ويؤيده رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل جعل لله عليه ان يصلي كذا وكذا هل يجزئه ان يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال نعم». ثم قال وفي الطريق محمد بن أحمد العلوي ولم يثبت توثيقه. وسيأتي تمام البحث في ذلك ان شاء الله تعالى. انتهى وما ذكره جيد للخبر المذكور مؤيدا بما ذكره قبله وان عكس الأمر بناء على ضعفه باصطلاحه كما نبه عليه.

أقول : يمكن ان يقال باختصاص إطلاق الاخبار هنا باليومية لأنها المتبادرة عند الإطلاق والفرد المتكثر المتكرر الشائع فينصرف إليه الإطلاق كما قرروه في أمثال هذا الموضع ، وبه يتأيد ما ذكر في حكم الصلاة المنذورة لعدم دخولها تحت الإطلاق المذكور بناء على ما ذكرناه.

__________________

(١) هذه الفائدة هي الثانية في النسخة المطبوعة القديمة مع انها الاولى في النسخ الخطية ولذا قدمناها ويساعده ترتيب الفوائد أيضا كما يظهر بالتأمل ، واما الاولى في النسخة المطبوعة فهي الثالثة في هذه الطبعة كما في النسخ الخطية.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من القبلة.

٤١٠

(الثانية) ـ المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجب الاستقبال بما أمكن من صلاته لقوله تعالى «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (١) وعلى هذا فيجب عليه ان يحرف الدابة لو انحرفت عن القبلة مع المكنة إذا كان المشي إلى صوب القبلة. ولو حرفها عنها عمدا لغير ضرورة بطلت صلاته.

والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذا الحكم صحيحة زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة الموافقة إيماء على دابته. ثم قال ويجعل السجود اخفض من الركوع ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير انه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه».

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٣) «إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف ان تنزل من سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل القبلة بالافتتاح ثم امض في طريقك التي تريد حيث توجهت بك راحلتك مشرقا ومغربا ، وتنحني للركوع والسجود ويكون السجود اخفض من الركوع ، وليس لك ان تفعل ذلك إلا آخر الوقت».

وظاهر الجميع بل صريحه الاستقبال بتكبيرة الافتتاح ، وقد دلت العبارة المتقدمة على الاستقبال ايضا بالركوع والسجود وعليه العمل وان كان المحافظة على ما ذكروه أحوط

ثم انه بناء على ما قدمنا ذكره عنهم قيل يجب عليه تحري الأقرب إلى جهة القبلة فالأقرب ، قال في المدارك : وكأن وجهه ان للقرب أثرا عند الشارع ولهذا افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد. وقيل بالعدم للخروج عن القبلة فتتساوى الجهات. قال في المدارك : ولو قيل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب دون باقي الجهات لتساويها في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد لقولهم (عليهم‌السلام) (٤) «ما بين المشرق

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٣٩ و ١٤٥.

(٢) الوسائل الباب ٣ من صلاة الخوف.

(٣) ص ١٤.

(٤) الوسائل الباب ٩ و ١٠ من القبلة.

٤١١

والمغرب قبلة». كان قويا. انتهى. أقول : قد عرفت انه بالنظر الى الخبرين المذكورين وما دلا عليه فلا اثر لهذه التخريجات.

(الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا بالنسبة إلى الماشي المضطر إلى الصلاة مع ضيق الوقت انه يستقبل القبلة بما امكنه من صلاته ويسقط مع العجز

واستدل عليه في المدارك بقوله عزوجل «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (١) وصحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يخاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال يكبر ويومئ برأسه».

وأنت خبير بما في الدليل المذكور من القصور عن الاستدلال فإنه لا دلالة فيه على المشي بوجه وغاية ما تدل عليه الرواية الصلاة في حال الخوف من السبع بالإيماء وان كان واقفا في محله.

وأظهر منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع فان قام يصلي خاف في ركوعه وسجوده السبع والسبع امامه على غير القبلة فإن توجه إلى القبلة خاف ان يثب عليه الأسد كيف يصنع؟ قال يستقبل الأسد ويصلي ويومئ برأسه إيماء وهو قائم وان كان الأسد على غير القبلة».

والآية والخبر ايضا على تقدير دلالتهما لا دلالة لهما على اعتبار ضيق الوقت كما ذكروه إلا ان يدعى ذلك في جميع أصحاب الأعذار كما تقدم.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال يومئ إيماء وليجعل السجود اخفض من الركوع. قلت يصلي وهو يمشي. قال نعم يومئ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٤٠.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من صلاة الخوف.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٥ و ١٦ من القبلة.

٤١٢

إيماء وليجعل السجود اخفض من الركوع».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في السفر وانا أمشي؟ قال اومئ إيماء واجعل السجود اخفض من الركوع».

وما رواه الثلاثة في الصحيح عن حريز عن من ذكره عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «انه لم يكن يرى بأسا ان يصلي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل».

وإطلاق هذه الاخبار وان تبادر منه النافلة لكنه شامل للفريضة أيضا وان قيدت بحال الضرورة كما لا يخفى.

ويدل على ذلك صريحا قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٣) بعد ذكر صلاة الراكب على ظهر الدابة وانه يستقبل القبلة بتكبيرة الافتتاح ثم يمضي حيث توجهت دابته وانه وقت الركوع والسجود يستقبل القبلة ويركع ويسجد على شي‌ء يكون معه مما يجوز عليه السجود ، الى ان قال : وتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا إلا انك إذا أردت السجود سجدت على الأرض. انتهى.

وروى في المقنعة (٤) قال : «سئل (عليه‌السلام) عن الرجل يجد به السير أيصلي على راحلته؟ قال لا بأس بذلك يومئ إيماء وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة». والتقييد بجد السير في الراكب والاضطرار في الماشي قرينة الحمل على الفريضة إذ لا يشترط شي‌ء من ذلك في النافلة كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

ثم انهم ذكروا انه لو أمكن الركوب والمشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار احتمل التخيير لظاهر قوله تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (٥) وترجيح المشي لحصول ركن القيام وترجيح الركوب لان الراكب مستقر بالذات وان تحرك بالعرض

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من القبلة.

(٣) ارجع الى ص ٤٠٩.

(٥) سورة البقرة ، الآية ٢٤٠.

٤١٣

بخلاف الماشي. والأجود تقديم أكثرهما استيفاء للافعال ومع التساوي فالتخيير.

(الرابعة) ـ لو كان الراكب يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة كالراكب في الكنيسة أو على بعير معقول أو نحو ذلك فهل يجوز الصلاة أم لا؟ المشهور الثاني لظواهر الأخبار المتقدمة لإطلاقها في المنع من الصلاة راكبا ، قال شيخنا الشهيد الثاني وهي عامة ووجه عمومها الاستثناء المذكور فيها. وأورد عليه سبطه في المدارك ان هذا العموم انما هو في الفاعل خاصة اما الدابة فمطلقة ، ولا يبعد حملها على ما هو الغالب اعني من لا يتمكن من استيفاء الأفعال. انتهى. وهو جيد. ونقل عن فخر المحققين الاستدلال على ذلك بما لا يخلو من ضعف كما نبه عليه في المدارك.

ثم قال في المدارك : والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية إذ المفروض التمكن من استيفاء الأفعال والأمن من زواله عادة في ثاني الحال. انتهى. وهو جيد ان تم ما ذكره من التمكن.

إلا ان ظاهر كلام الشهيد في الذكرى تعليل المنع في الكنيسة بعدم الاستقرار وعليه فلا يكون متمكنا من استيفاء الأفعال حيث انه علل المنع في الراكب في الكنيسة بعدم الاستقرار ، قال ولهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال لأن المشي أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة فيبطلها وانما خرجت النافلة بدليل آخر مع المسامحة فيها. انتهى.

وعندي في حمل الصلاة في الكنيسة على صلاة الماشي وانها مثلها في عدم الاستقرار إشكال ، لأن الراكب في الكنيسة مستقر في مكانه وانما يتحرك به البعير والدابة بخلاف الماشي المتحرك بنفسه ، وبالجملة فإني لا اعرف له وجه استقامة. ومثله الكلام في الدابة المعقولة بحيث لا يأمن من الحركة والاضطراب فان استيفاء الأفعال على ظهرها غير ممكن مع ان إطلاق الأمر بالصلاة ينصرف الى الفرد المعهود وهو ما كان على الأرض وما في معناها فالأظهر العدم إلا مع الضرورة.

٤١٤

وأشكل من ذلك ما ذكروه في الأرجوحة المعلقة بالحبال فقال في المدارك على اثر عبارته المتقدمة ـ وهي قوله : والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية ـ وقريب من ذلك الكلام في الأرجوحة المعلقة بالحبال ونحوها. فإنه ظاهر في جواز الصلاة عليها ، وظاهره باعتبار اتصاله بالكلام المتقدم انه يمكن استيفاء الأفعال عليها ، ونقل القول بالجواز عليها عن العلامة في التذكرة أيضا. ومنع من الصلاة عليها في الذكرى ونقله في الذخيرة عن المنتهى ايضا ونقل عن القواعد التوقف.

والأرجوحة على ما ذكره في القاموس حبل يعلق ويركبه الصبيان ، وهو معمول في زماننا أيضا بأن يعلق حبل بين جذعين رفيعين ويجلس عليه الصبي فيحرك به في الهواء صعودا ونزولا.

ولا يخفى ما في عده في هذا المقام والحكم بصحة الصلاة عليه من الاشكال لاضطرابه وعدم استقراره وعدم إمكان القيام عليه والركوع والسجود والجلوس كما هو بوجه من الوجوه ، ولعلهم أرادوا بما ذكروه معنى آخر غير ما ادى اليه فهمي القاصر إلا ان عبارة القاموس ظاهرة فيما قلناه.

وقد روى علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي على الرف المعلق بين نخلتين؟ قال ان كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس».

قال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر من كتاب قرب الاسناد : يدل على جواز الصلاة على الرف المعلق بين النخلتين وهو يحتمل وجهين (الأول) ان يكون المراد شد الرف بالنخلتين فالسؤال باعتبار احتمال حركتهما والجواب مبني على انه يكفي الاستقرار في الحال فلا يضر الاحتمال أو على عدم ضرر مثل تلك الحركة. و (الثاني) ان يكون المراد تعليق الرف بحبلين مشدودين بنخلتين ، وفيه اشكال لعدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من مكان المصلى.

٤١٥

تحقق الاستقرار في الحال. والحمل على الأول أولى وأظهر ويؤيده ما ذكره الفيروزآبادي في تفسير الرف بالفتح انه شبه الطاق. انتهى.

أقول : الظاهر من تشبيهه بالطاق يعني في الانحناء وحينئذ فتكون حد بيته في جانب السفل ليحصل القيام على باطنها ، وينبغي ان يكون فيه عرض يحصل فيه السجود والركوع والجلوس مع طمأنينة واستقرار ، واليه يشير قوله : «إذا كان مستويا يقدر على الصلاة عليه» والظاهر ان منشأ السؤال انما هو من حيث كونه في الهواء ليس على الأرض وان أمكن الاستقرار فيه والإتيان بالصلاة فيه على وجهها.

وبالجملة فإن ذكر الأرجوحة في هذا المقام مع ما عرفت غريب لا اعرف له وجه استقامة على الظاهر. والله العالم.

(السابع) ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى : لو اختلف المجتهدون صلوا فرادى لا جماعة لأن المأموم ان كان محقا في الجهة فسدت صلاة امامه وإلا فصلاته فيقطع بفساد صلاة المأموم على التقديرين. ثم قال بعد ذلك بقليل : لو اختلف الامام والمأموم في التيامن والتياسر فالأقرب جواز الاقتداء لأن صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف هنا يسير ، ولان الواجب مع البعد الجهة وهي حاصلة هنا والتكليف بالعين مع البعد ضعيف. انتهى.

أقول : الظاهر ان كلامه الأول مبني على ما هو المشهور بينهم من ان مناط الصحة مطابقة ما فعله المكلف للواقع وان كان بحسب ظاهر الشرع متعبدا بظنه ، وحينئذ فغاية ما تفيده عبادته مع المخالفة هو سقوط القضاء والمؤاخذة لا قبول العبادة وصحتها وترتب الثواب عليها من حيث كونها عبادة. وقد عرفت ما فيه في ما تقدم من كتاب الطهارة من النجاسات ، وإلا فكيف يحكم هنا ببطلان صلاة أحدهما والحال ان كلا منهما مكلف بما ادى اليه اجتهاده وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، فتكون صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء كما قال في المسألة الثانية ، وحينئذ فلا فرق بين المسألة الاولى

٤١٦

والثانية في صحة الاقتداء وصحة صلاة كل منهما.

ولهذه المسألة نظائر عديدة : منها ـ ما لو توضأ بماء قليل نجس بالملاقاة كما هو المشهور من نجاسة القليل بالملاقاة لأنه عنده غير نجس كما هو القول الآخر في المسألة ، فإنه ان قلنا ان الصحة عبارة عن مطابقة الطهارة للواقع امتنع الائتمام به لمن يعتقد النجاسة لعدم معلومية المطابقة ، وان قلنا ان صحتها لا تعلق لها بالواقع بل الظاهر في نظر المكلف فهي عند المأموم وان كان لا يعتقد ذلك صحيحة فيجوز له الاقتداء فيها وان خالف اعتقاده لان صحتها دائرة مدار ظن فاعلها ، وهكذا غير ذلك من الفروع فاحتفظ به فإنه فرع غريب.

ثم ان الظاهر ان المراد بالتياسر والتيامن في كلامه ما كان قليلا بحيث لا يخرج به عن الجهة التي يجب التوجه إليها وان كان مكروها كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، والوجه فيه ان العلامات التي بنيت عليها الجهة للبلدان المتسعة تقتضي نوع اتساع في تلك الجهة فلا يضر التيامن والتياسر اليسير فيها.

(الثامن) ـ اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة في السفينة فذهب ابن بابويه وابن حمزة على ما نقل عنهما الى جواز الصلاة فيها فرضا ونفلا مختارا ، وهو ظاهر اختيار العلامة في أكثر كتبه واليه مال السيد السند في المدارك ، ونقل عن ابي الصلاح وابن إدريس أنهما منعا من الصلاة فيها إلا لضرورة ، واستقربه الشهيد في الذكرى ، وحكى عن كثير من الأصحاب انهم نصوا على الجواز إلا انهم لم يصرحوا بكونه على وجه الاختيار.

والواجب ذكر أخبار المسألة والنظر في ما تدل عليه ، ومنها ـ صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «أكون في سفينة قريبة من الجد فاخرج وأصلي؟ قال صل فيها اما ترضى بصلاة نوح (عليه‌السلام)».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من القبلة. وفي كتب الحديث. تكون السفينة قريبة.».

٤١٧

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن صلاة الفريضة في السفينة وهو يجد الأرض يخرج إليها غير انه يخاف السبع أو اللصوص ويكون معه قوم لا يجتمع رأيهم على الخروج ولا يطيعونه؟ وهل يضع وجهه إذا صلى أو يومئ إيماء أو قاعدا أو قائما؟ فقال ان استطاع ان يصلي قائما فهو أفضل وان لم يستطع صلى جالسا ، وقال لا عليه ان لا يخرج فان ابي سأله عن مثل هذه المسألة رجل فقال أترغب عن صلاة نوح؟».

وصحيحة معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في السفينة؟ فقال تستقبل القبلة بوجهك ثم تصلي كيف دارت تصلي قائما فان لم تستطع فجالسا تجمع الصلاة فيها ان أرادوا ويصلى على القبر والقفر ويسجد عليه».

وحسنة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل عن الصلاة في السفينة قال يستقبل القبلة فإذا دارت واستطاع ان يتوجه إلى القبلة فليفعل وإلا فليصل حيث توجهت به ، قال فإن أمكنه القيام فليصل قائما وإلا فليقعد ثم يصلي».

وبهذه الاخبار استدل في المدارك على ما اختاره من القول بالجواز مطلقا ثم نقل عن المانعين انهم احتجوا بان القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك ، وبان الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة فلا يصار إليها إلا مع الضرورة ، وبما رواه الشيخ عن حماد بن عيسى (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول ان استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا فان لم تقدروا فصلوا قياما فان لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة». وعن علي بن إبراهيم (٥) قال : «سألته عن الصلاة في السفينة قال يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط ، وقال يصلي في السفينة يحول وجهه

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من القيام.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من القبلة.

٤١٨

إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت». ثم قال : وأجيب عن الأول بأن الحركة بالنسبة إلى المصلي عرضية لانه ساكن. ويمكن الجواب عنه أيضا بان ذلك مغتفر بالنص وهو الجواب عن الثاني. وعن الروايتين بعد سلامة السند بحمل الأمر في الأولى على الاستحباب والنهي في الثانية على الكراهة جمعا بين الأدلة. انتهى.

أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام ان يقال لا ريب انه قد علم من الأدلة القطعية وجوب القيام في الصلاة والاستقبال والركوع والسجود والاستقرار والطمأنينة في تلك الأفعال وانه لا يجوز الإخلال بذلك اختيارا ، ويؤيده مراعاة ذلك في الصلاة في السفينة كما دلت عليه الروايات المذكورة في الباب وانه لا يخل بشي‌ء من ذلك إلا مع عدم التمكن منه ، ويعضده ايضا ما تقدم من الاخبار الدالة على عدم جواز الصلاة على الراحلة اختيارا ، وبما ذكرنا اعترف السيد المذكور في مسألة الصلاة على ظهر الكعبة حيث قال بعد نقل القول بأنه يصلي مستلقيا ما صورته : والأصح ما اختاره المصنف من وجوب الصلاة على سطحها كما يصلي داخلها عملا بمقتضى الأدلة القطعية الدالة على وجوب القيام والاستقبال والركوع والسجود. انتهى. وحينئذ فالواجب في هذا المقام تطبيق الأخبار الواردة في الصلاة في السفينة على هذه القواعد القطعية المتفق على العمل بها ، والأخبار المذكورة عند التأمل الصادق في معانيها منطبقة عليها بأوضح وجه من غير تكلف ولا خروج عن ظواهرها كما سنوضحه ان شاء الله تعالى في المقام ، وبموجب ذلك لا يتم ما ذهبوا اليه من القول بالجواز مطلقا على اي نحو كانت السفينة من استقرار واضطراب

وتفصيل ما أجملناه من الكلام المتقدم هو ان يقال انه ان لم يتمكن من الأرض والصلاة عليها على الوجه المتقدم من الإتيان بجميع الشرائط فلا ريب انه يصلي في السفينة على اي نحو كانت لمكان الضرورة ويتحرى الإتيان بتلك الواجبات حسب الإمكان ، وعلى هذا تحمل الأخبار الدالة على جواز الصلاة في السفينة وان دارت وتحركت واضطربت كصحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة معاوية بن عمار وحسنة حماد بن عثمان

٤١٩

ونحوها ، وان تمكن من الخروج من السفينة والصلاة على الأرض فلا يخلو اما ان يتمكن من الصلاة في السفينة والإتيان بها على وجهها أيضا أم لا ، فعلى الأول يتخير بين الصلاة في السفينة وخارجها وعلى هذا تحمل صحيحة جميل بن دراج ومثلها ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في السفينة الفريضة وهو يقدر على الجد؟ قال نعم لا بأس». وعلى الثاني يجب الخروج والصلاة على الأرض تحصيلا للإتيان بالواجبات المتقدمة على وجهها لإمكان الإتيان بها كما هو المفروض ولا يجوز الصلاة في السفينة هنا وهذه الصورة هي مظهر الخلاف في البين ، وعلى ما ذكرنا تدل صحيحة حماد بن عيسى أو حسنته بإبراهيم بن هاشم التي نقلها عارية عن الوصف بشي‌ء من الأمرين إيذانا بضعفها كما أشار إليه أخيرا ، ورواية علي بن إبراهيم ، ومثلهما ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان أهل العراق يسألون أبي (رضي‌الله‌عنه) عن صلاة السفينة فيقول ان استطعتم ان تخرجوا الى الجد فافعلوا فان لم تقدروا فصلوا قياما فان لم تقدروا فصلوا قعودا ونحروا القبلة». ومحمد بن عيسى وان كان مشتركا وعلي بن إسماعيل مهملا إلا ان الحسن بن ظريف ثقة فالحديث صحيح صريح في المراد.

وعلى ما ذكرناه قد اجتمعت الاخبار على وجه لا يعتريه الغبار إلا انه قد روى الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (٣) قال : «سئل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج الى الشط؟ فقال لا أيرغب عن صلاة نوح؟ فقال صل في السفينة قائما فان لم يتهيأ لك من قيام فصلها قاعدا فان دارت السفينة فدر معها وتحر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من القيام.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٩ من القبلة.

٤٢٠