الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن لله وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه ، ثم قال : «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» (١) فهذه الخامسة ، وقال في ذلك «أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ» (٢) طرفاه المغرب والغداة «وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ» (٣) وهي صلاة العشاء الآخرة ، وقال : «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» (٤) وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر ، وقال في بعض القراءة «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين في الصلاة الوسطى» قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين وانما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها اربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام».

بيان : قد وقع الخلاف في المراد بالوسطى من الخمس المذكورة وللعامة فيها أقوال متعددة قال بكل من الفرائض الخمس قائل وعلله بعلة تناسبه (٥) إلا ان المذكور في. إلا ان المذكور في

__________________

(١) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٢ و ٣) سورة هود ، الآية ١١٦.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٣٩.

(٥) انهى الشوكانى في نيل الأوطار ج ١ ص ٢٧١ المحتملات في الصلاة الوسطى إلى سبعة عشر : «١» العصر «٢» الظهر «٣» الصبح «٤» المغرب «٥» العشاء «٦» الجمعة في يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام «٧» إحدى الخمس مبهمة «٨» جميع الصلوات الخمس «٩» العشاء والصبح «١٠» الصبح والعصر «١١» صلاة الجمعة «١٢» صلاة الخوف «١٣» صلاة الوتر «١٤» صلاة عيد الأضحى «١٥» صلاة عيد الفطر «١٦» الجمعة فقط «١٧» صلاة الضحى وذكر الزرقانى احتمالا «١٨» انها الصلاة على محمد (ص) و «١٩» انها الخشوع والإقبال بالقلب لان الوسطى بمعنى الفضلى اي الأفضل والمراد منه التوجه الى المولى سبحانه بقلبه

٢١

كلام أصحابنا والمروي في أخبارنا منحصر في قولين (أحدهما) أنها الظهر وهذا هو المشهور والمؤيد المنصور. و (ثانيهما) ما نقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وجماعة انها العصر ويدل على ما هو المشهور الصحيحة المذكورة

وما رواه الصدوق (طاب ثراه) في كتاب معاني الاخبار في الصحيح عن ابي بصير يعني ليث المرادي (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول الصَّلاةِ الْوُسْطى صلاة الظهر وهي أول صلاة أنزل الله على نبيه». وروى الطبرسي في مجمع البيان عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) في الصَّلاةِ الْوُسْطى «أنها صلاة الظهر» (٢). وعن علي (عليه‌السلام) (٣) «انها الجمعة يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام». وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (٤) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «انه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. الحديث». وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له الصلاة الوسطى؟ فقال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، والوسطى هي الظهر وكذلك كان يقرأها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». ووجه التسمية على هذا القول ظاهر مما ذكره (عليه‌السلام) في الخبر وقيل لأنها وسط النهار وغير ذلك ، والمعتمد ما دل عليه الخبر المذكور.

__________________

وفي المغني لابن قدامة الحنبلي ج ١ ص ٣٧٨ انها صلاة العصر في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (ص). وفي الدر المختار للحصفكي الحنفي ج ١ ص ٧٥ في وقت العصر انها هي الوسطى على المذهب. وفي المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٥٣ انها الصبح. وفي شرح الزرقانى المالكي على مختصر ابى الضياء أنها صلاة الصبح على المشهور وهو قول مالك وعلماء المدينة وابن عباس وابن عمر.

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أعداد الفرائض.

(٤) ص ٦٩.

(٥) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٥ من أعداد الفرائض.

٢٢

ومما يدل على ما ذهب اليه المرتضى ما ذكره في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (١) «قال العالم الصلاة الوسطى العصر». ويشير اليه ما في الفقيه في باب علة وجوب خمس صلوات في خمسة مواقيت في حديث نفر من اليهود سألوا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن مسائل كان من جملتها السؤال عن فرض الصلوات الخمس في هذه المواقيت الخمسة (٢) حيث قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «واما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله تعالى من الجنة فأمر الله عزوجل ذريته بهذه الصلاة الى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات الى الله عزوجل وأوصاني أن احفظها من بين الصلوات. الحديث».

هذا ما وقفت عليه مما يصلح ان يكون حجة له ، ولا يخفى ما فيه في مقابلة تلك الاخبار ، والأظهر حمل خبر كتاب الفقه على التقية ، واما الخبر الآخر فهو غير ظاهر في المنافاة لأن الأمر بالمحافظة عليها لا يستلزم ان تكون هي الوسطى المأمور بها في تلك الآية بل يجوز ان تكون منضمة إليها في المحافظة كما دلت عليه القراءة المذكورة في صحيح عبد الله بن سنان ورواية محمد بن مسلم المرويتين في تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي ، قوله في الخبر المذكور (٣) «وقال في بعض القراءة» يحتمل ان يكون من كلام الامام (عليه‌السلام) وهو الأقرب ويحتمل ان يكون من كلام الراوي.

ثم ان نسخ الاخبار المروي فيها هذا الخبر (٤) قد اختلفت في ذكر الواو وعدمه في هذه القراءة المنقولة قبل لفظ صلاة العصر ، ففي الفقيه كما عرفت وكذا في العلل والكافي بدون الواو ويلزم على ذلك تفسير الوسطى بصلاة العصر كما ذهب اليه المرتضى (رضي‌الله‌عنه) والذي في التهذيب هو عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى ، وبما ذكرنا صرح المحقق الحسن في كتاب المنتقى ايضا فقال : ان نسخ الكتاب اختلفت في إثبات

__________________

(١) البحار ج ١٨ ص ٢٧.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٣ و ٤) وهو صحيح زرارة المتقدم ص ٢٠.

٢٣

الواو مع صلاة العصر في حكاية القراءة ففي بعضها بالواو وفي بعضها بدونها. انتهى.

أقول : والأظهر عندي حمل حذف الواو وإسقاطها من تلك الكتب اما على السهو من قلم المصنفين أو النساخ من أول الأمر ثم جرى عليه النقل ، والدليل على ذلك استفاضة الاخبار من طرق الخاصة والعامة الدالة على نقل هذه القراءة بنقل الواو فيها غير هذا الخبر ، فمن ذلك ما قدمناه من صحيحة عبد الله بن سنان ورواية محمد بن مسلم المنقولتين عن تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي ، ومن ذلك ما نقله السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل (١) قال (قدس‌سره) : رويت عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «كتبت امرأة الحسن بن علي (عليهما‌السلام) مصحفا فقال الحسن للكاتب لما بلغ هذه الآية حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين». ورويت من كتاب إبراهيم الخزاز عن ابي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين». قال ورواه الحاكم النيسابوري في الجزء الثاني من تاريخ نيسابور من طريقهم في ترجمة أحمد بن يوسف السلمي بإسناده الى ابن عمر قال : «أمرت حفصة بنت عمران يكتب لها مصحف فقالت للكاتب إذا أتيت على آية الصلاة فآذني حتى آمرك ان تكتبه كما سمعته من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلما آذنها امرته ان يكتب «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر». وروى أبو جعفر بن بابويه في كتاب معاني الاخبار (٢) في باب معنى الصلاة الوسطى مثل هذا الحديث عن عائشة. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : وقد نقل الصدوق في كتاب معاني الأخبار اخبارا عديدة من طرق القوم بهذه الكيفية ، ومن جميع هذه الاخبار يظهر ايضا ان المراد بالصلاة الوسطى صلاة الظهر ، والمفهوم منها ايضا ان هذه القراءة قد أسقطها أصحاب الصدر الأول حين جمعوا

__________________

(١) حكاه عنه في البحار ج ١٨ ص ٢٧.

(٢) ص ٩٤.

٢٤

القرآن ولهذا ان هؤلاء المذكورين يتلافون نقلها في مصاحفهم لعلمهم بثبوتها عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد عرفت من روايتي علي بن إبراهيم والعياشي ان تلك القراءة أيضا ثابتة عن أهل البيت (عليهم‌السلام) لدلالة الأولى على ان الصادق (عليه‌السلام) كان هكذا يقرأها ودلالة الثانية على ان الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان هكذا يقرأها قوله (عليه‌السلام) (١) «أنزلت هذه الآية يوم الجمعة. الى آخره».

الظاهر ان الغرض من هذا بيان ان القنوت إنما أمر به في ذلك الوقت في الصلاة الوسطى في الركعتين الأوليين اللتين صلاهما يوم الجمعة وهو في السفر كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) «وقوموا لله قانتين في صلاة الوسطى» واما قوله «وتركها على حالها في السفر والحضر». اي ترك هاتين الركعتين في ذلك الوقت من هذا اليوم على حالهما في السفر من غير زيادة لوجوب القصر في السفر وفي الحضر لأنها تصلى جمعة وأضاف للمقيم الغير المصلي للجمعة أو المقيم يعني في غير الجمعة ركعتين ، والأول أظهر كما يشعر به تتمة الخبر ، ثم علل وضع الركعتين عن المقيم المصلي جمعة بالنسبة إلى المقيم الغير المصلي جمعة بان الخطبتين قائمة مقامهما ، وحينئذ فما توهمه بعض الأفاضل من الإشكال في هذا المجال ناشى‌ء من عدم التأمل في أطراف المقال.

ثم ان ظاهر الخبر مما يدل على وجوب القنوت في الصلاة الوسطى خاصة فالاستدلال بالآية على وجوب القنوت مطلقا كما نقل عن الصدوق ومن تبعه ليس في محله ، وتقريب الاستدلال بعدم القائل بالفصل فيطرد في غير الوسطى مردود عندنا بعدم الاعتماد على الإجماع بسيطا كان أو مركبا ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

وعن محمد بن الفضيل (٢) قال : «سألت عبدا صالحا (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» (٣) قال هو التضييع».

__________________

(١) في صحيح زرارة ص ٢٠.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أعداد الفرائض.

(٣) سورة الماعون ، الآية ٥.

٢٥

وعن السكوني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم».

وعن الفضيل في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ» (٣) قال هي الفريضة. قلت «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» (٤) قال هي النافلة».

وعن داود بن فرقد (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» (٦) قال كتابا ثابتا وليس ان عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فإن الله عزوجل يقول لقوم : أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» (٧).

وروى الصدوق في كتاب عيون الاخبار بسنده عن الرضا عن أبيه (عليهما‌السلام) (٨) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأول شي‌ء يسأل عنه الصلاة فإن جاء بها تامة وإلا زخ في النار» قال : «وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تضيعوا صلاتكم فان من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقا على الله ان يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وأداء سنة نبيه».

بيان : قد تقدم ان من جملة التضييع التأخير إلى الوقت الثاني من غير علة ولا عذر كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله من الأوقات.

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أعداد الفرائض.

(٣) سورة المعارج ، الآية ٣٤.

(٤) سورة المعارج ، الآية ٢٣.

(٦) سورة النساء ، الآية ١٠٤.

(٧) سورة مريم ، الآية ٦٠.

٢٦

المقدمة الثانية

في أعداد الصلوات اليومية ونوافلها وما يتبع ذلك من الأحكام ، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة : منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة وهو قائم ، الفريضة منها سبع عشرة ركعة والنافلة أربع وثلاثون ركعة».

وبهذا الاسناد عن الفضيل والبقباق وبكير (٢) قالوا : «سمعنا أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة ويصوم من التطوع مثلي الفريضة».

وروى في الكافي والتهذيب عن ابن ابي عمير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين».

وروى في الكافي والتهذيب عن حنان (٤) قال : «سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا جالس فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال كان النبي يصلي ثماني ركعات الزوال وأربعا الاولى وثماني بعدها وأربعا العصر وثلاثا المغرب وأربعا بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا وثماني صلاة الليل وثلاثا الوتر وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين. قلت جعلت فداك فان كنت أقوى على أكثر من هذا يعذبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال لا ولكن يعذب على ترك السنة».

وروى في الفقيه عن الصيقل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «اني لأمقت الرجل يأتيني فيسألني عن عمل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيقول أزيد كأنه يرى ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قصر في شي‌ء ، وانى لأمقت الرجل قد قرأ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٥) ج ١ ص ٣٠٣.

٢٧

القرآن ثم يستيقظ من الليل فلا يقوم حتى إذا كان عند الصبح قام يبادر بصلاته».

بيان : الظاهر ان مقت الأول لما يفهم من كلامه من انه بزيادته في الصلاة على ما كان يأتي به (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كأنه يريد ان يفوقه ويعلو عليه بالزيادة وهو ان لم يكن كفرا فهو جهل محض لأن العبرة ليس بكثرة الصلاة بل بالإقبال عليها الذي هو روح العبادة والإتيان بها على أكمل وجوهها ، ومن ذا الذي يروم بلوغه في المقام الأول؟ وكذا في المقام الثاني حتى انه روى (١) «انه كان يقوم في الصلاة على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه اجهادا لنفسه في العبادة حتى عاتبه الله تعالى على ذلك رأفة به فقال : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» (٢). «وكان يقسم الليل انصافا فيقوم في صلاة الليل بطوال السور وكان إذا ركع يقال لا يدرى متى يرفع وإذا سجد يقال لا يدرى متى يرفع» (٣). ونحو ذلك. والظاهر ان مقت الثاني لمزيد الكسل عن صلاة الليل إذا كان ممن يقرأ القرآن ويحفظ سورة وتلاوتها ينتبه في وقت صلاة الليل فلا يقوم إليها حتى إذا فجأه الصبح قام مبادرا بها يصليها بعجل وقلة توجه وإقبال أو يزاحم بها الفريضة في وقتها.

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي‌ء؟ قال لا غير اني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». بيان : الظاهر ان الاستفهام عن توظيف شي‌ء من النوافل قبل أو بعد مثل سائر النوافل الموظفة فأجاب ب «لا» وذلك لان العلة كما سيأتي بيانه في المقام ان شاء الله تعالى ان هاتين الركعتين انما زيدتا على الموظف في اليوم والليلة لإحدى جهتين يأتي ذكرهما ان شاء الله ، وفي قوله : «ولست أحسبهما من صلاة الليل» رد على ما ذهب إليه العامة من جواز تقديم الوتر الموظف آخر الليل في أوله

__________________

(١) تفسير البرهان ج ٢ ص ٦٧٠.

(٢) سورة طه ، الآية ١ و ٢.

(٣) الوسائل في الباب ٥٣ من أبواب المواقيت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أعداد الفرائض.

٢٨

فإن استيقظوا آخر الليل اعادوه وصلوا وترين في ليلة (١).

وروى الشيخ في التهذيب في الحسن عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا تصل أقل من اربع وأربعين ركعة. قال ورأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات». بيان : قال في الوافي أما الأربع ركعات فلعلها كانت غير الرواتب أو قضاء لها. انتهى.

وروى الشيخان المذكوران في الكتابين عن احمد بن محمد بن ابى نصر (٣) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ان أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع : بعضهم يصلي أربعا وأربعين وبعضهم يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى اعمل بمثله؟ فقال أصلي واحدة وخمسين ركعة ثم قال أمسك ـ وعقد بيده ـ الزوال ثمانية وأربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثا وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك احدى وخمسون ركعة».

وروى في الكافي في الصحيح عن حماد بن عثمان (٤) قال : «سألته عن التطوع بالنهار فذكر انه يصلي ثماني ركعات قبل الظهر وثماني بعدها».

وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) في المغني ج ٢ ص ١٦٣ «من أوتر من الليل ثم قام للتهجد فالمستحب ان يصلى مثنى مثنى ولا ينقض وتره» وفي ص ١٦٤ قال : «سئل أحمد عن من أوتر يصلى بعدها مثنى مثنى قال نعم ولكن يكون الوتر بعد ضجعة ، وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٩٢ «عند المالكية إذا قدم الوتر عقب صلاة العشاء ثم استيقظ آخر الليل وتنفل كره له ان يعيد الوتر».

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أعداد الفرائض.

٢٩

أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في حضر ولا سفر». ونحوه في خبر آخر عنه (عليه‌السلام) ايضا (١) وزاد فيه «وان طلبتك الخيل».

وروى الشيخ في التهذيب عن زرارة (٢) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات فإذا فاء الفي‌ء ذراعا صلى الظهر ثم صلى بعد الظهر ركعتين ويصلي قبل وقت العصر ركعتين فإذا فاء الفي‌ء ذراعين صلى العصر وصلى المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وأخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل ، وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الريح وينظر الله الى خلقه فإذا فاء الفي‌ء ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفي‌ء ذراعا ثم لا يصلي بعد العصر شيئا حتى تؤوب الشمس فإذا آبت وهو ان تغيب صلى المغرب ثلاثا وبعد المغرب أربعا ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلى العشاء ثم أوى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

٣٠

فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم ويصلي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده ثم يصلي ركعتي الصبح وهو الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا ، فهذه صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) التي قبضه الله عزوجل عليها».

وروى في التهذيب عن يحيى بن حبيب (١) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى الله تعالى من الصلاة؟ قال ست وأربعون ركعة فرائضه ونوافله قلت : هذه رواية زرارة؟ قال أو ترى أحدا كان اصدع بالحق منه؟».

وعن ابى بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التطوع بالليل والنهار فقال الذي يستحب ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس وبعد الظهر ركعتان وقبل العصر ركعتان وبعد المغرب ركعتان وقبل العتمة ركعتان ومن السحر ثمان ركعات ثم يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ثم ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل». بيان : من المحتمل قريبا ان يكون قوله في آخر الخبر «وأحب صلاة الليل إليهم» من كلام ابي بصير والمراد بضمير «إليهم» الأئمة (عليهم‌السلام) ويحتمل ان يكون من قول الامام (عليه‌السلام) ويكون الضمير راجعا الى الآمرين بها وهم الرسول والأئمة (صلوات الله عليهم).

وروى الشيخ في الموثق عن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما جرت به السنة في الصلاة؟ قال ثمان ركعات الزوال وركعتان بعد الظهر وركعتان قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر وركعتا الفجر. قلت فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال نعم. فقال أبو الخطاب أفرأيت ان قوي فزاد؟ قال فجلس وكان متكئا قال ان قويت فصلها كما كانت تصلى وكما ليست في ساعة

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

٣١

من النهار فليست في ساعة من الليل ان الله عزوجل يقول : وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ» (١). بيان : هذا الخبر مؤيد لما قدمناه في بيان مقت الصادق (عليه‌السلام) لمن سأل عن عمل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيقول أزيد ، وحاصل كلامه (عليه‌السلام) ان هذا العدد وان قل في النظر إلا انه صعب من حيث أخذ الإقبال والخشوع فيه وتفريقه في الساعات المذكورة والمداومة عليه ونحو ذلك مما تقدم.

وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) انى رجل تاجر اختلف واتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة الزوال وكم أصلي؟ قال تصلي ثماني ركعات إذا زالت الشمس وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة ، وتصلي بعد المغرب ركعتين وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر وذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة ، وانما هذا كله تطوع وليس بمفروض ، ان تارك الفريضة كافر وان تارك هذه ليس بكافر ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه».

وروى في الكافي عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن الخمسين والواحدة ركعة فقال ان ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ومن طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة غير ساعات الليل والنهار ومن غروب الشمس الى غروب الشفق غسق فلكل ساعة ركعتان وللغسق ركعة».

وروى الشيخ في التهذيب عن الحجال عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «انه كان يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما وركعتين وهو جالس

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٣٠.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٤ من أبواب المواقيت.

٣٢

يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون فان استيقظ من الليل صلى صلاة الليل وأوتر وان لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة فصارت شفعا واحتسب بالركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا». وفي بعض نسخ الحديث «صلى ركعتين فصارت شفعا» وفي بعضها «فصارت سبعا» والظاهر ان الأخير تصحيف.

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) «اعلم يرحمك الله ان الفريضة والنافلة في اليوم والليلة احدى وخمسون ركعة ، الفرض منها سبع عشرة ركعة فريضة وأربعة وثلاثون ركعة سنة : الظهر اربع ركعات والعصر اربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والغداة ركعتان فهذه فريضة الحضر ، وصلاة السفر الفريضة إحدى عشرة ركعة : الظهر ركعتان والعصر ركعتان والمغرب ثلاث ركعات والعشاء الآخرة ركعتان والغداة ركعتان ، والنوافل في الحضر مثلا الفريضة لأن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فرض علي ربي سبع عشرة ركعة ففرضت على نفسي وأهل بيتي وشيعتي بإزاء كل ركعة ركعتين ليتم بذلك الفرائض ما يلحقه من التقصير والثلم : منها ـ ثمان ركعات قبل زوال الشمس وهي صلاة الأوابين وثمان بعد الظهر وهي صلاة الخاشعين واربع ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة وهي صلاة الذاكرين وركعتان عند صلاة العشاء الآخرة من جلوس تحسب بركعة من قيام وهي صلاة الشاكرين وثمان ركعات صلاة الليل وهي صلاة الخائفين وثلاث ركعات الوتر وهي صلاة الراغبين وركعتان بعد الفجر وهي صلاة الحامدين ، والنوافل في السفر اربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس وثلاث عشرة ركعة صلاة الليل مع ركعتي الفجر ، وان لم يقدر بالليل قضاها بالنهار أو من قابله في وقت صلاة الليل أو من أول الليل».

أقول : في هذه الاخبار الجليلة عدة طرائف نبيلة وجملة لطائف جميلة :

(الاولى) ـ اختلفت هذه الاخبار في عدد النافلة الموظفة في اليوم والليلة ،

__________________

(١) ص ٦.

٣٣

فمنها ما دل على انها اربع وثلاثون وهذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نقل الشيخ فيه الإجماع ، ومنها ما دل على انها ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة بعد العشاء ، ومنها ما دل على انها تسع وعشرون بإسقاط أربع قبل العصر مضافة إلى الوتيرة ، ومنها ما دل على انها سبع وعشرون بإسقاط ركعتين من نافلة المغرب زيادة على ما ذكر ، والوجه في الجمع بينها في ذلك ـ كما ذكره جملة من أصحابنا ـ ان يحمل الفرد الأقل على ما كان أوكد استحبابا إذ الأمر بالأقل لا يوجب نفي استحباب الأكثر ، نعم ربما أوهم صحيح زرارة المتقدم ـ لقوله فيه «أخبرني عما جرت به السنة في الصلاة». فأجابه بأن جميع ما جرت به السنة ما عده وهو سبع وعشرون ـ خلاف ذلك فان الظاهر نفى السنة والتوظيف عما عدا السبع والعشرين ، والشيخ (قدس‌سره) قد حمل الرواية المذكورة على انه سوغ ذلك لزرارة لعذر كان فيه. ولا يخلو من بعد بل الأظهر الحمل على السنة المؤكدة التي لا مرتبة بعدها في النقصان ، ويشير الى ذلك رواية ابن ابي عمير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة؟ فقال تمام الخمسين». والتقريب فيها ان النوافل منها بعد إخراج الفرائض ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة لأنها ليست من الرواتب وانما زيدت عليها ليتم بها عدد النوافل بان يكون بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة ، فهذه هي المرتبة العليا في الفضل وان جاز النقصان فيها من حيث التوظيف منتهيا الى السبع والعشرين التي هي السنة المؤكدة لا مرتبة دونها.

بقي الإشكال هنا في موضعين : (الأول) ان أكثر الأخبار دل على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يصلي الوتيرة التي بعد العشاء وانه كان بعد صلاة العشاء يأوي إلى فراشه الى نصف الليل. وأظهر منها ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث في الوتيرة «قال فقلت هل صلى رسول الله

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أعداد الفرائض.

٣٤

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) هاتين الركعتين؟ قال لا. قلت ولم؟ قال لان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم انه هل يموت في هذه الليلة أم لا وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما». مع ان رواية الفضيل والبقباق وبكير وهي الثانية من الروايات المتقدمة دلت على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة وهذا لا يكون إلا بضم الوتيرة حتى تتم المماثلة وان يكون بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة. واما ما أجاب به في الوافي ـ من حمل أخبار انه كان بعد صلاة العشاء يأوي إلى فراشه على ان المراد بالعشاء نافلتها ـ ففيه انه وان تم له في هذه الاخبار مع بعده إلا انه لا يتم في خبر العلل الذي ذكرناه. وما أجاب به في الوسائل أيضا ـ من الجمع بينها بأنه كان يصليها تارة ويترك تارة ـ في غاية البعد ولا سيما من خبر العلل كما لا يخفى.

(الثاني) ما تضمنه خبر زرارة في وصف صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الاقتصار على تسع وعشرين بترك الوتيرة واربع ركعات من الثمان التي بعد الظهر وكذلك مرسلة الفقيه التي بعدها ودلالة المرسلة المذكورة على انه هذه صلاته التي قبض عليها ، مع ان جملة الأخبار الواردة في وصف صلاته انما اختلفت في الوتيرة خاصة فأكثرها دال على عدمها واما ما عداها فلا ومنها الرواية الثانية من الروايات التي قدمناها والرابعة وهي رواية حنان ورواية كتاب الفقه الرضوي. فإنها قد اشتركت في الدلالة على صلاة ثمان بعد الظهر كما استفاضت به الاخبار. وحمل الخبرين الدالين على السقوط على كون ذلك في آخر عمره كما احتمله البعض لا يخلو من الإشكال لأنه ان كان عن نسخ فكيف استفاضت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) بفعلها وان كان عن ضعف وعلة بالنسبة إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فبعده أظهر من ان ينكر.

(الطريفة الثانية) ـ ما دل عليه قوله (عليه‌السلام) في آخر خبر حنان «ولكن يعذب على ترك السنة». ربما أشكل بحسب ظاهره حيث ان المستحب مما يجوز تركه شرعا

٣٥

فكيف يترتب على تركه العذاب؟ ولهذا قال المحدث الكاشاني ذيل هذا الخبر : يعني ان السنة في الصلاة ذلك فمن زاد عليه وجعل الزائد سنة فقد أبدع وترك سنة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبدلها بسنته التي ابدعها فيعذبه الله على ذلك لا على كثرة الصلاة من غير ان يجعلها بدعة مرسومة ويعتقدها سنة قائمة لما ورد من ان الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل (١). انتهى.

أقول : لا يخفى انه قد ورد في الأخبار ما هو ظاهر التأييد لما دل عليه ظاهر هذا الخبر مثل قوله (عليه‌السلام) «معصية» في صحيحة زرارة المذكورة في المقام من الدلالة على كون ذلك معصية وان كان مستحبا ومتى ثبت كونه معصية حسن ترتب العذاب عليه ، ويؤيد ذلك استفاضة الاخبار بان تارك صلاة الجماعة من غير علة مستحق لان يحرق عليه بيته (٢) مع ان صلاة الجماعة ليست بواجبة ، وكذلك ما ورد من انه لو أصر أهل مصر على ترك الأذان لقاتلهم الامام (٣).

نعم يبقى الإشكال في انه قد ورد أيضا في جملة من الاخبار ان العبد إذا لقي الله عزوجل بصلاة الفريضة لم يسأله عما سواها ، ومن تلك الاخبار حديث عائذ الأحمسي المروي بعدة أسانيد ومتون مختلفة : منها ـ ما رواه في الكافي (٤) في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج عن عائذ الأحمسي قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وانا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال وعليك السلام اي والله انا لولده وما نحن بذوي قرابته ، ثلاث مرات

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من أحكام المساجد وفي المستدرك في الباب ١٠ و ١٢ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من صلاة الجماعة.

(٣) لم نعثر عليه في مظانه نعم ورد ذلك بنحو الفتوى في كلام بعض كما في البحر الرائق ج ١ ص ٢٥٥.

(٤) الفروع ج ١ ص ١٣٧ وفي الوسائل في الباب ١٧ من أعداد الفرائض.

٣٦

قالها ثم قال من غير ان أسأله إذا لقيت الله بالخمس المفروضات لم يسألك عما سوى ذلك». وروى في الفقيه مرسلا عن معمر بن يحيى (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا جئت بالخمس الصلوات لم تسأل عن صلاة وإذا جئت بصوم شهر رمضان لم تسأل عن صوم». وبهذا المضمون أخبار عديدة قد تضمن بعضها ايضا عدم السؤال عن الصدقة إذا أدى الزكاة الواجبة.

أقول : ووجه الجمع بين هذه الاخبار والاخبار المتقدمة محتمل بأحد وجهين :

(الأول) حمل عدم السؤال في هذه الاخبار على الإتيان بالفرائض كاملة صحيحة مقبولة لا تحتاج الى تكميل حيث ان النوافل انما وضعت لتكميل الفرائض كما عرفت فيما تقدم وحينئذ فإذا اتى بها على الوجه المذكور لم يحتج الى النوافل ولم يسأل عنها.

(الثاني) ـ ان يحمل الترك الموجب للعذاب والمؤاخذة في الاخبار الأولة على ترك يكون على جهة الاستخفاف بالدين والتهاون بكلام سيد المرسلين (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعدم المبالاة بكمالات الشرع المبين وبذلك لا يبعد ترتب العقاب على ذلك كما يشير الى ذلك قوله (عليه‌السلام) في بعض تلك الاخبار في تارك النافلة (٢) «لقي الله مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

(الثالثة) ـ قال الصدوق (قدس‌سره) : أفضل هذه الرواتب ركعتا الفجر ثم ركعة الوتر ثم ركعتا الزوال ثم نافلة المغرب ثم تمام صلاة الليل ثم تمام نوافل النهار. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولم نقف له على دليل يعتد به. أقول : ستعرف دليله ان شاء الله تعالى في المقام. ونقل عن ابن ابي عقيل لما عد النوافل وثماني عشرة ركعة بالليل منها نافلة المغرب والعشاء ثم قال بعضها أوكد من بعض وأوكدها الصلوات التي تكون بالليل لا رخصة في تركها في سفر ولا حضر. وقال في المعتبر ركعتا الفجر أفضل من الوتر ثم

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أعداد الفرائض.

٣٧

نافلة المغرب ثم صلاة الليل ، وذكر روايات تدل على فضل هذه الصلوات. وقال في الذكرى بعد نقلها ـ ونعم ما قال ـ هذه المتمسكات غايتها الفضيلة اما الأفضلية فلا دلالة فيها عليها. انتهى. ومنه يظهر ايضا ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث انه قال أفضل الرواتب صلاة الليل لكثرة ما ورد فيها من الثواب ولقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في وصيته لعلي (عليه‌السلام) (١) «وعليك بصلاة الليل ، ثلاثا». رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) ثم صلاة الزوال لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الوصية (٢) بعد ذلك «وعليك بصلاة الزوال ، ثلاثا». ثم نافلة المغرب لقوله (عليه‌السلام) في رواية الحارث بن المغيرة (٣) «أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا في سفر». ثم ركعتا الفجر.

أقول : لم أقف لهذه الأقوال على مستند من الاخبار زيادة على ما عرفت سوى ما ذكره في الفقيه فإنه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت سابقا وستعرف قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (٤) «واعلم ان أفضل النوافل ركعتا الفجر وبعدها ركعة الوتر وبعدها ركعتا الزوال وبعدها نوافل المغرب وبعدها صلاة الليل وبعدها نوافل النهار». انتهى. وبه يظهر لك مستند الصدوق (قدس‌سره) فيما ذكره إلا ان الكتاب لم يصل الى نظر المتأخرين فكثيرا ما يعترضون عليه وعلى أبيه في مثل ذلك مما مستنده مثل هذا الكتاب كما تقدم في غير موضع ويأتي أمثاله ان شاء الله تعالى

(الرابعة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر وتبعهم المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني والمحقق الفاضل الشيخ احمد بن إسماعيل الجزائري المجاور في النجف الأشرف حيا وميتا بان في الوتر التي هي عبارة عن الركعات الثلاث المشهورة في كلام الأصحاب بركعتي الشفع ومفردة الوتر قنوتات ثلاثة أحدها في ركعتي

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٥ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من أعداد الفرائض.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أعداد الفرائض.

(٤) ص ١٣.

٣٨

الشفع والثاني في مفردة الوتر قبل الركوع والثالث فيها ايضا بعد الركوع. والمستفاد من الاخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة انه ليس فيها إلا قنوت واحد في الركعة التي سموها مفردة الوتر قبل الركوع. واستدلوا على استحباب القنوت في ركعتي الشفع بإطلاق الأخبار الدالة على ان القنوت في كل ركعتين من الفريضة والنافلة في الركعة الثانية (١) وفي بعضها أيضا بزيادة قبل الركوع وستأتي ان شاء الله في باب القنوت. أقول : ويدل على ذلك خصوص ما رواه في كتاب عيون الاخبار عن رجاء بن ابي الضحاك الذي حمل الرضا (عليه‌السلام) الى خراسان في حديث وصف صلاته (عليه‌السلام) (٢) قال : «فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويقنت في الثانية. الحديث».

وصرح شيخنا البهائي (قدس‌سره) في حواشي كتاب مفتاح الفلاح بان القنوت في الوتر التي هي عبارة عن الثلاث انما هو في الثالثة وان الأوليين المسماتين بركعتي الشفع لا قنوت فيهما ، واستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «القنوت في المغرب في الركعة الثانية وفي العشاء والغداة مثل ذلك وفي الوتر في الركعة الثالثة». ثم قال (قدس‌سره) وهذه الفائدة لم يتنبه عليها علماؤنا ، انتهى. وظاهر كلامه شهرة القول باستحباب القنوت في ركعتي الشفع حتى انه لم يحصل فيه مخالف قبله ، وهو كذلك إلا انه قد سبقه الى ما ذكره السيد السند (قدس‌سره) في المدارك والظاهر انه لم يقف عليه حيث قال في أول كتاب الصلاة في الفوائد التي قدمها : الثامنة ـ يستحب القنوت في الوتر في الركعة الثالثة. انتهى. وقد ذكر في الفائدة السابعة الركعتين الأوليين من الوتر وذكر القراءة فيهما ولم يتعرض للقنوت ثم ذكره في الثامنة التي بعدها كما نقلناه وهو ظاهر في تخصيصه القنوت بالثالثة من الثلاث ، وجرى على منواله الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وهو الأظهر

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣ من القنوت.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

٣٩

عندي وعليه اعمل.

ولشيخنا المعاصر الفاضل الشيخ أحمد الجزائري المتقدم ذكره (طاب ثراه) هنا كلام قد انتصر فيه للقول المشهور وطعن فيما خالفه بالقصور لا بأس بنقله وبيان ما فيه مما يكشف عن ضعف باطنه وخافية ، قال في جواب من سأله عن صلاة الشفع هل فيها قنوت أم لا؟ فأجاب باستحباب القنوت فيها واستدل بنحو ما قدمناه دليلا للقول المشهور ، الى ان قال : واما صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : القنوت ثم ساق الرواية كما قدمنا ، ثم قال وقد تراءى لبعض الفضلاء عدم الاستحباب ولعله من جهة ما ورد من صحة إطلاق الوتر على الثلاث وتعريف المبتدأ باللام يشعر باختصاص القنوت في المواضع الأربعة وقد ذكر انه في الركعة الثالثة فيدل على ان الثانية ليس فيها قنوت. وهذا باطل ورأى فاسد بالإجماع ودلالة الاخبار على استحباب القنوت فيما عدا الأربعة المذكورة من الفرائض والنوافل كما هو واضح بلا شك ولا شبهة فتعين المصير الى حملها على تأكد الاستحباب في الأربعة المذكورة لا نفيه عما سواها ، مع انه يمكن ان يكون التنصيص على الثالثة لأنه فرد خفي لأنها مفردة مفصولة وقد اشتهر ان القنوت انما يكون في كل ركعتين لا انه لا يستحب في ثانية الشفع ، أو لجواز حملها على ما إذا صلى الوتر موصولة ولو على ضرب من التقية كما ورد في بعض الاخبار فلا تنافي استحبابه في الشفع عند صلاتها مفصولة. انتهى كلامه زيد مقامه.

وهو محل نظر من وجوه : (الأول) قوله : «ولعله من جهة ما ورد من صحة إطلاق الوتر على الثلاث» فإنه يؤذن بندور هذا الإطلاق وانه مجاز لا حقيقة وان الوتر حقيقة انما يطلق على هذه المفردة وان الإطلاق الشائع في الأخبار وأعصار الأئمة الأبرار (صلوات الله عليهم) انما هو التعبير بركعتي الشفع ومفردة الوتر كما عبر به كثير من الأصحاب ، وهو غلط محض بل الأمر بالعكس كما لا يخفى على الممارس للاخبار والمتلجلج في تيار تلك البحار فإن الذي استفاضت به الاخبار هو إطلاق الوتر على الثلاث ولم

٤٠