الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

ومنها ـ ما روياه عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى؟ فقال إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها ، وان ذكرها وهو في صلاة بدأب التي نسي ، وان ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها ، وان كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر انه نسي المغرب أتمها بركعة فتكون صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك».

ومنها ـ ما روياه أيضا في الصحيح عن صفوان عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر؟ فقال كان أبو جعفر (عليه‌السلام) أو كان ابي (عليه‌السلام) يقول ان امكنه أن يصليها قبل ان تفوته المغرب بدأ بها وإلا صلى المغرب ثم صلاها».

ومنها ـ ما روياه عن ابي بصير (٣) قال : «سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر؟ قال يبدأ بالظهر وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا ان تخاف ان يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي بهم انه لم يكن صلى الاولى؟

قال فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم».

وما رواه الشيخ عن معمر بن يحيى (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى؟ قال يعيدها قبل ان يصلي هذه التي قد دخل وقتها». ورواها في موضع آخر (٦) وزاد «إلا ان يخاف فوت التي دخل وقتها».

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٦٣ من المواقيت.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦٢ من المواقيت.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٩ من القبلة.

(٦) ص ١٤٦.

٣٤١

وما رواه في كتاب قرب الاسناد بسنده الى علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل نسي العشاء ثم ذكر بعد طلوع الفجر كيف يصنع؟ قال يصلى العشاء ثم الفجر. قال وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر؟ قال يبدأ بالفجر ثم يصلي الظهر كذلك كل صلاة بعدها صلاة».

والتقريب في هذه الاخبار انها دلت على الأمر بالقضاء ساعة الذكر متحدة كانت الفائتة أو متعددة ، وتضمنت الأمر بالعدول عن صاحبة الوقت متى ذكر الفائتة في أثنائها ، والأمر حقيقة في الوجوب كما هو المتفق عليه بين محققي الأصوليين وقد قدمنا الدليل عليه من الآيات القرآنية والسنة المعصومية ، وتضمنت وجوب تأخير صاحبة الوقت الى آخر وقتها ما لم يتم القضاء ، وجميع ذلك أصرح صريح في المضايقة ، ويؤكد ذلك الأخبار الدالة على الأمر بالمبادرة ساعة الذكر اي وقت كان ، ومنها ـ

صحيحة معاوية بن عمار (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة».

وصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «اربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها. الحديث».

ورواية نعمان الرازي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها؟ قال فليصل حين ذكره».

وموثقة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ قال يصليها إذا ذكرها في أي ساعة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١ من قضاء الصلوات.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٢ من قضاء الصلوات.

٣٤٢

ذكرها ليلا أو نهارا».

وصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال يصلي حين يستيقظ. قلت أيوتر أو يصلي الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة».

وصحيحة زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : فيها «ان شككت فيها بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى تستيقن فان استيقنت فعليك ان تصليها في أي حال كنت».

واما ما أجاب به في الذكرى عن خبري «خمس صلوات» ـ من انه لا يدل على الوجوب المضيق حيث انهما اشتملا على صلاة الكسوف والجنازة والإحرام ولم يقل أحد بوجوب تقديمها على الحاضرة ـ ففيه ان محل الاستدلال انما هو تقييد الصلاة الفائتة وتوقيتها بساعة الذكر كما في تلك الأخبار الكثيرة لا ان أحدا يدعى المضايقة هو بيان ان هذه الصلوات لا تترك متى حصل أسبابها لكراهة بعض الأوقات والمنع من الصلاة فيها بل تصلى في كل وقت ، وعد منها الصلاة الفائتة وجعل وقتها ساعة الذكر ومثل ساعة الذكر وان كان في تلك الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، هذا حاصل معنى تلك الاخبار ولو صح ما توهمه لكان الجواب عنه ما صرح به جملة من المحققين من انه إذا قام الدليل على إخراج بعض افراد العام من عموم ذلك الحكم فإنه لا ينافي إثبات الحكم لما عداه مما لم يقم على خروجه دليل فكذلك ما نحن فيه.

واما ما استدل به المتأخرون كالشهيد في الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما على ما ذهبوا اليه من القول بالمواسعة فروايات :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من المواقيت.

٣٤٣

منها ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا نام الرجل أو نسي ان يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس».

ورواية أبي بصير ـ والظاهر انه يحيي بن القاسم بقرينة شعيب عنه ـ عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وان استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها».

وصحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال يصليها ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء».

ورواية الحسن بن زياد الصيقل (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال فليجعلها الاولى وليستأنف العصر. قلت فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر؟ قال فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب. قال قلت له جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الاولى ثم يستأنف وقلت لهذا يتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب فقال ليس هذا مثل هذا ان العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة». ورواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له تفوت الرجل الاولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل ثم يقضي ما فاته الأول فالأول».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٢ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٦٣ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٢ من قضاء الصلوات.

٣٤٤

وصحيحة علي بن جعفر المروية في كتاب قرب الاسناد عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال يصلي العشاء ثم المغرب».

وموثقة عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل تفوته المغرب حتى تحضر العتمة فقال ان حضرت العتمة وذكر ان عليه صلاة المغرب فأحب أن يبدأ بالمغرب بدأ وان أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعدها».

واستدلوا أيضا ـ زيادة على ذلك كما ذكره في الذكرى ـ بوجوه : (الأول) قضية الأصل ، قال فإنه دليل قطعي حتى يثبت الخروج عنه. و (الثاني) لزوم الحرج والعسر المنفيين بالكتاب والسنة (٣) و (الثالث) عموم آي الصلاة مثل «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (٤) «أَقِيمُوا الصَّلاةَ» (٥) قال فإنه يشمل من عليه فائتة وغيره. و (الرابع) تسويغ الأصحاب الأذان والإقامة للقاضي مع استحبابهما وقد رووه بطرق كثيرة (٦) ثم ذكر بعض الاخبار الدالة على الأذان في أول ورده والإقامة في كل منها ، وزاد في المدارك الاستدلال بالروايات الدالة على جواز النافلة لمن عليه فريضة.

أقول : والجواب اما عن الاخبار المذكورة (أولا) فإنه من القواعد المتكررة في كلامهم والدائرة على رؤوس أقلامهم انهم لا يجمعون بين الخبرين المتعارضين إلا مع التكافؤ في الصحة والصراحة والا فتراهم يطرحون المرجوح ويجعلون التأويل في جانبه لمرجوحيته وإبقاء ما ترجح عليه على ظاهره ، ولا يخفى على المتأمل المنصف ان هذه الاخبار التي استندوا إليها تقصر عن معارضة ما قدمناه سندا وعددا ودلالة كما ظهر وسيظهر لك ان شاء الله ، فكيف عكسوا القضية هنا وعملوا بهذه الاخبار مع ما هي عليه وجعلوا

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من المواقيت.

(٣) ج ١ ص ١٥١.

(٤) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٥) سورة البقرة ، الآية ٤٠.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٣٧ من الأذان و ٨ من قضاء الصلوات.

٣٤٥

التأويل في تلك الاخبار مع ما هي عليه من الصحة والصراحة والاستفاضة؟

و (ثانيا) ـ انه من القواعد المقررة في كلام أهل العصمة (عليهم‌السلام) ـ وان كان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد أعرضوا عنها واطرحوها كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم ، واتخذوا لهم قواعد في هذه الأبواب لم يرد بها سنة ولا كتاب من حمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب ـ هو انه مع اختلاف الاخبار تعرض على كتاب الله عزوجل ويؤخذ بما وافقه ويضرب ما خالفه عرض الحائط (١) وقد عرفت تأيد الأخبار الأولة بتلك الآية الشريفة ، وحينئذ فمقتضى القاعدة المذكورة وان كانت بينهم مهجورة هو العمل بتلك الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار

و (ثالثا) ـ ما في هذه الروايات من تطرق الطعن إليها عند النظر بعين التحقيق والتأمل بالفكر الصائب الدقيق :

فاما صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير فباشتمالهما على ما لا يقول به الأصحاب وهو ايضا خلاف ما استفاضت به الاخبار من المنع من قضاء الفريضة في ذلك الوقت ، وقد تقدم الكلام في ذلك قريبا في المسألة السابعة من مسائل المقصد المتقدم ، وبينا ان الشيخ (قدس‌سره) قد حمل هذه الاخبار على التقية لذلك ولاشتمالها ايضا على امتداد وقت العشاءين الى طلوع الفجر وهو قول العامة وان تبعهم من أصحابنا من تبعهم ، وقد تقدم تحقيق ذلك في مسألة بيان آخر وقت المغرب منقحا موضحا ، ومن ذلك يظهر لك عدم جواز الاستناد إليهما والاعتماد عليهما. على ان صحيحة زرارة الطويلة المتقدمة قد دلت في هذه الصورة على الأمر بتقديم المغرب والعشاء على الغداة وانه ان خشي ان تفوته الغداة مع تقديمهما معا قدم المغرب وانه انما يصلى الغداة متقدمة عليهما إذا خشي فواتها ، فهل يعارض هذا التفصيل الواضح في هذه الصحيحة المؤيدة بما عرفت الواقع كله بلفظ الأمر الدال على الوجوب عندهم بمثل هاتين الروايتين المتهافتتين

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٩ من صفات القاضي.

٣٤٦

المخالف متنهما لأصول المذهب؟ ما هذا إلا عجيب واي عجيب.

واما صحيحة محمد بن مسلم فالمراد بصلاة النهار فيها انما هو النوافل النهارية وقد تقدم الكلام فيها وفي أمثالها منقحا في مسألة جواز التطوع في وقت الفريضة ، وكيف كان فلا أقل من قيام الاحتمالين وبه يسقط الاستدلال من البين.

واما باقي الروايات فإنها قد اشتركت كلها في الدلالة على ان من فاتته المغرب ثم ذكرها وقت العشاء تلبس بشي‌ء من العشاء أم لا فإنه يأتي بالعشاء أولا ، وهذا لا يخلو اما ان يكون المراد بوقت العشاء فيها هو الوقت المختص وحينئذ فلا دليل فيها لما ادعوه منها للاتفاق على اختصاص الوقت الأخير بالعشاء ، أو يكون المراد به الوقت المشترك وحينئذ فيشكل التعويل عليها والاستناد إليها في ما ذكروه لانه لا خلاف نصا وفتوى في وجوب الترتيب بين الفرائض الحاضرة في الوقت المشترك ، فالقول بتقديم العشاء في الوقت المشترك في هذه الاخبار باطل البتة ويشبه ان يكون مخرج الروايات بهذا المعنى مخرج التقية ، ومما يؤنس بذلك ذكره (عليه‌السلام) في رواية الحسن الصيقل وجه الفرق بين من ذكر فوات الظهر وهو في العصر وانه يعدل الى الظهر وبين من ذكر فوات المغرب وهو في العشاء وانه يتم العشاء ثم يستأنف المغرب ، معللا ذلك بان العصر لا يجوز ان يصلى بعدها فوجب العدول منها الى الظهر ثم الإتيان بها والعشاء لا تحرم الصلاة بعدها فوجب إتمامها ثم الإتيان بالمغرب بعدها ، وهذا الفرق وجوبا أو استحبابا لا يتمشى على أصولنا وانما يجري على قواعد العامة المانعين من الصلاة بعد العصر مطلقا كما تقدم. والعلامة في المختلف بعد نقله موثقة عمار حمل المغرب فيها على مغرب سابقة فرارا من الاشكال المذكور. وأنت خبير بأنه بالتأمل في تلك الروايات وإمعان النظر فيها يظهر ان المغرب المذكورة انما هي مغرب ذلك اليوم وهو الذي فهمه منها عامة الأصحاب ولهذا ان الشيخ في التهذيبين نسبه الى الشذوذ.

والمحدث الشيخ الحر في الوسائل بعد نقله موثقة عمار احتمل فيها الحمل على التقية

٣٤٧

وبعد ان نقل رواية الصيقل قال : هذا محمول على تضيق وقت العشاء دون العصر لما تقدم لان ذلك أوضح دلالة وأوثق وأكثر وهو الموافق لعمل الأصحاب. انتهى. وفيه ان التعليل المذكور في الرواية ظاهر في خلاف ما ذكره بل الوجه انما هو التقية بقرينة التعليل المذكور.

وأجاب في الذكرى عن رواية الصيقل بالحمل على مغرب أمسه ، قال وهو أولى لرواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) الدالة على العدول. وفيه ما في سابقه من المنافاة لظاهر التعليل بل الوجه انما هو ما ذكرناه وهو الذي صرح به المحدث الكاشاني في الوافي ، فانظر الى هذه الاخبار التي استندوا إليها بعين الاعتبار وترجيحهم لها على تلك الأخبار الرفيعة المنار الساطعة الأنوار مع ما اشتملت عليه مما أوضحنا لك بيانه من هذه الاكدار ، فتأولوا لأجلها تلك الاخبار بالحمل على الاستحباب وانه لمن العجب العجاب عند من اعطى الإنصاف حقه في هذا الباب فاعتبروا يا اولى الألباب.

واما باقي الأدلة التي أوردوها فهي في الضعف أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ، أما الأصل فمع تسليمه فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وقد أوضحناه ، وهم قد يخرجون عنه بما هو أقل من هذه الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار واما اللزوم العسر والحرج ـ والظاهر انه أشار الى ما ذكره المرتضى (رضى الله عنه) من المنع من أكل ما يزيد على سد الرمق ونحوه ـ فسيأتي بيان الجواب عنه ان شاء الله تعالى.

واما عموم آي الصلاة فالجواب عنه بما أجيب به عن الأصل إذ لا خلاف بينهم ولا إشكال في تخصيص عمومات القرآن وتقييد مطلقاته بالاخبار وان كان خبرا واحدا فضلا عن هذه الاخبار المتعددة ، وما عارضوها به من أخبارهم المتقدمة فقد عرفت ضعفه عن المعارضة وتبين قوة القول بها والتعويل عليها.

واما الاستناد إلى الإقامة والأذان ـ كما ذكره وتبعه عليه جملة من الأعيان

٣٤٨

كصاحب المدارك وغيره ـ فهو مما يقضى منه العجب عند ذوي الأفهام والأذهان لاستفاضة الاخبار بل ربما يدعى الضرورة من الدين بأنهما من جملة الصلاة وان كانا من مستحباتها فكيف يعترض بهما على وجوب تقديم الفائتة أو يعترض بهما على منافاة الفورية. وبالجملة فان الواجب هو قضاء الصلاة التي هي عبارة عن الأذان والإقامة وما بعدهما لا ان القضاء انما يختص بتكبيرة الإحرام وما بعدها ، غاية الأمر ان الشارع رخص لمن عليه صلوات متعددة أن يأتي بأذان واحد في أول ورده ويكتفي في الباقي بإقامة إقامة

واما بالنسبة إلى الروايات المتضمنة لجواز النافلة لمن عليه فريضة كما ذكره في المدارك ففيه (أولا) ان ظاهر ما قدمه في بحث الأوقات هو التوقف في هذه المسألة كما قدمنا ذكره في المسألة المذكورة. و (ثانيا) ان هذه الروايات معارضة بجملة من الروايات الصحاح الصراح الدالة على العدم كما تقدم تحقيقه في المسألة المذكورة.

أقول : انظر رحمك الله تعالى الى ما لفقوه في هذه المسألة من هذه الأدلة العليلة والحجج الواهية الضئيلة وخرجوا بها عن تلك الاخبار الصحاح الصراح التي هي في الدلالة على المراد كضوء المصباح بل اسفار الصباح وتأولوها بالحمل على الاستحباب الذي لا مستند له من سنة ولا كتاب وان عكفوا عليه في جميع الأبواب.

(الموضع الثالث) ـ في نقل اجوبتهم عن الأدلة التي قدمناها واعتمدنا عليها في المقام والجواب عنها بوجوه شافية وافية ظاهرة لذوي الأذهان والافهام ، ولنكتف هنا بما ذكره السيد السند في المدارك لانه نقل ما ذكره من تقدمه وزاد على ذلك :

فنقول : قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : احتج القائلون بالتضييق بالإجماع والاحتياط وانه مأمور بالقضاء على الإطلاق والأوامر المطلقة للفور وقوله تعالى : «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (١) والمراد بها الفائتة لقوله (عليه‌السلام) في رواية زرارة (٢) «ابدأ بالتي فاتتك فان الله تعالى يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي». وما رواه الشيخ

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٤.

(٢) ص ٣٤٠.

٣٤٩

في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية وهي صحيحة زرارة الطويلة التي صدرنا بها الأخبار الدالة على القول المختار ، واقتصر عليها ولم يورد غيرها من الاخبار التي قدمناها ، ثم قال : والجواب اما عن الإجماع فبالمنع منه في موضع النزاع خصوصا مع مخالفة ابني بابويه اللذين هما من أجلاء هذه الطائفة واحتمال وجود المشارك لهم في الفتوى. واما عن الاحتياط فبأنه انما يفيد الأولوية لا الوجوب مع انه معارض بأصالة البراءة. واما قولهم الأوامر المطلقة للفور فممنوع بل الحق انها تدل على طلب الماهية من غير اشعار بفور ولا تراخ ، قال في المعتبر ولو قالوا ادعى المرتضى ان أوامر الشرع على الضيق ، قلنا يلزمه ما علمه واما نحن فلا نعلم ما ادعاه ، على ان القول بالتضيق يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة ان يأكل شبعا أو ينام زائدا على الضرورة أو يتعيش إلا لاكتساب قوت يومه له ولعياله وانه لو كان معه درهم ليومه حرم عليه الاكتساب حتى تخلو يده والتزام ذلك مكابرة صرفة والتزام سوفسطائي (ولو قيل) قد أشار أبو الصلاح الى ذلك (قلنا) فنحن نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكره فإن أكثر الناس يكون عليهم صلوات كثيرة فإذا صلى الإنسان منهم شهرين في يومه استكثره الناس. واما الآية فلو سلم اختصاصها بالفائتة لم تدل على أزيد من الوجوب ونحن نقول به ولا يلزم منه التضيق ، مع ان الظاهر تناولها للحاضرة والفائتة ، وذكر المفسرون ان معنى قوله «لِذِكْرِي» ان الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل اللسان والقلب بذكره ، وقيل ان المراد لذكري خاصة لا ترائي بها ولا تشيبها بذكر غيري ، وقيل ان المراد لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها. وهذه الوجوه كلها آتية في مطلق الصلاة الحاضرة والفائتة. واما عن الرواية فبالحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان المتضمنة للأمر بتقديم الحاضرة على الفوائت المتعددة ، واعمال الدليلين اولى من اطراح أحدهما خصوصا مع اشتهار استعمال الأوامر في الندب. انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه نظر من وجوه : (الأول) ما ذكره في الجواب عن الإجماع وان كنا

٣٥٠

لا نرى العمل بهذه الإجماعات المتناقلة إلا أنا نجيب عن ذلك إلزاما بمقتضى قواعدهم المقررة بينهم وهو انهم قد صرحوا في الأصول بأن مخالفة معلوم النسب غير قادح في الإجماع فإذا ادعى الإجماع من المتقدمين على هذا الحكم فمخالفة ابني بابويه بناء على ما قرروه غير مانعة من حجيته ، واما المتأخرون فهم محجوجون به بمقتضى قواعدهم فإنه متى كان الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة كما هو المذكور في أصولهم ومخالفة معلوم النسب غير قادح في دعوى الإجماع فكيف ساغ لهم الخروج عنه والقول بخلافه وهو أحد الأدلة الشرعية عندهم؟ واما الاطراء على ابني بابويه في هذا الموضع بأنهم من أجلاء الطائفة حيث وافقوا ما اختاره ففيه ان مقتضى هذا الاطراء أتباعهما في كل ما ذهبا اليه ولا أراه يقول به ، واما احتمال وجود المشارك فهو أضعف فإنه إذا كان وجود المخالف المعلوم النسب غير قادح فكيف بالاحتمال؟ وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

و (الثاني) ـ ما ذكره ـ من منع دلالة الأمر على الفور ـ فان فيه انه ربما كان يذهب ذلك القائل إلى القول بذلك والمسألة قد حققت في الأصول ، والحق فيها وان كان هو ما ذكره (قدس‌سره) من ان الأمر انما يدل على مجرد الطلب من غير اشعار بتراخ ولا فورية ولكن الذي نقوله نحن هنا ان الأوامر لم تقع هنا مطلقة كما توهمه بل وقعت مقيدة بساعة الذكر كما دلت عليه الآية والاخبار التي قدمناها والقول بالمضايقة انما نشأ من ذلك ، ولهذا دلت الروايات الصحيحة على وجوب العدول من الحاضرة لو ذكر الفائتة في أثنائها كما تكرر في صحيحة زرارة الطويلة المتقدمة وغيرها وما ذاك إلا لأن الوقت لا يصلح لغيرها بل هو مختص بها ، وهكذا ما دام الوقت متسعا مع تعدد الفوائت الى ان تتضيق الحاضرة ، وهذا كله انما نشأ من التضييق كما لا يخفى على من شرب بكأس التحقيق فالأوامر هنا ليست مطلقة كما ظنه.

ولهذا ان الفاضل الخراساني في الذخيرة استشعر ما ذكرناه وأجاب بجواب آخر فإنه ـ بعد ان منع الفورية بكلام المحقق في المعتبر الذي تقدم نقله ـ قال ما صورته :

٣٥١

والاولى للمستدل ان يقول وقع الأمر بالفائتة عند الذكر ومقتضى ذلك عدم جواز التأخير ، ثم أجاب بأن النصوص محمولة على بيان مبدأ الوجوب أو على الاستحباب جمعا. الى آخره

وأنت خبير بما في ذلك من التعسف والتكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه بعد وضوح الدلالة على ما ادعيناه وانطباقها عليه ، وأي ثمرة تترتب على هذا القيد والحال ان مبدأ الوجوب معلوم من تحقق الخطاب بالإتيان بالمأمور به ، فان السيد إذا قال لعبده افعل غير مقيد بزمان ولا شرط علم ان مبدأ الوجوب من ذلك الوقت ، وكذلك إذا قال الشارع «من فاتته صلاة فليقضها» فإنه لا ريب ان مبدأ الوجوب من علم المكلف بالفوائت مع علمه بالحكم غاية الأمر انه يكون وجوبا موسعا. فأي ثمرة تترتب على هذا القيد والتقييد بساعة الذكر لو لم يكن التضييق مرادا؟ ومن أظهر الروايات زيادة على ما قدمناه فيما ذكرناه رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، وان نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما». فانظر الى ظهوره في كون الأمر بالقضاء مقيدا بحين الذكر فكأنه قال : «فليقض في هذا الوقت» تحقيقا للظرفية ، ونحوها غيرها من الروايات المتقدمة واما ما ذكره من الحمل على الاستحباب فسيأتي ما فيه قريبا ان شاء الله تعالى في المقام.

و (الثالث) ـ ما ذكره في المعتبر ـ من ان القول بالتضييق يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة. إلخ ـ فإنه ممنوع وانما اللازم منه وجوب المبادرة إلى إيقاعها في أي وقت ذكرها مقدمة على غيرها كسائر الواجبات الفورية كما دلت عليه الاخبار المعتمدة. نعم يأتي ما ذكره على قول من يذهب الى ان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٦ من قضاء الصلوات.

٣٥٢

عن ضده الخاص فإنه يلزم منه المنع من جميع ما ذكره ، وهذا ليس مختصا بما نحن فيه بل هو فرع القول بتلك المسألة في كل مأمور به فورا ، ولعل بعض من قال بالمضايقة يذهب في تلك المسألة الأصولية إلى القول بان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص فصرح هنا بما نقله ، وحينئذ فما أطال به ـ من تعديد تلك الإلزامات وقوله بعد ذلك «ان التزام ذلك مكابرة صرفة. إلخ» ـ غير وارد على القول بالمضايقة وانما هو ناشى‌ء عن تلك المسألة الأصولية. وتصريح المرتضى (رضي‌الله‌عنه) بما شنعوا به عليه لعله انما نشأ عن هذا القول في تلك المسألة فإنها مما طال فيها بينهم النزاع والجدال وأكثروا فيها من القيل والقال وصنفت فيها الرسائل وأكثروا فيها من الدلائل. وبالجملة فإن الذي دلت عليه الآية والروايات المتقدمة بأصرح دلالة هو القول بوجوب القضاء حين الذكر فيصير من قبيل الأوامر الواجبة الفورية كالأمر بالحج والأمر بقضاء الدين بعد الحلول عند المطالبة والتمكن من الأداء ونحو ذلك من الأوامر الموجبة لتأثيم المكلف بالإخلال بها مع التمكن ، واما انه لا يجوز له الأكل والشرب ونحو ذلك من الأضداد الخاصة كما أطالوا به التشنيع على هذا القول فإنه تطويل بغير طائل وتشنيع لا يرجع الى حاصل ، لان ذلك فرع ذلك القول في المسألة الأصولية فإن كان من قام عنده الدليل فيها على ذلك القول فله ان يفرع ما ذكر وأمثاله وإلا فلا ولا خصوصية له بهذه المسألة ، وبذلك يظهر ما في كلام جملة من المتأخرين التابعين للمحقق في هذا التشنيع كما تقدم الإشارة إليه في كلام الذكرى وكذا غيره.

و (الرابع) ـ ما ذكره المحقق المذكور ـ من ان أكثر الناس عليهم صلوات كثيرة وانه إذا صلى الإنسان شهرين في يوم استكثره الناس ـ فإنه كلام لا طائل تحته ولا ثمرة تترتب عليه ، وذلك فإنه إذا قام الدليل في تلك المسألة الأصولية على ما ذهبوا اليه من استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص كما ذهب إليه طائفة من أصحابنا : منهم ـ العلامة والمحقق الأردبيلي وغيرهما ونفى عنه البعد السيد السند في المدارك لزم وجوب

٣٥٣

الإتيان بالفوائت والمنع مما عداها ولو بأن يقضي سنة كاملة في يوم ، واستكثار الناس ذلك لا مدخل له في الأحكام الشرعية إذا قامت الأدلة عليها. ثم اي ناس يريد بأولئك الناس فإن أراد العامة الذين هم من النسناس فلا حجة فيه ولا عبرة به وان أراد من هم المرجع في الأحكام الشرعية فهم يفرعون ذلك على تلك المسألة الأصولية ، على ان لقائل أن يمنع صحة تلك الدعوى إذ من البعيد تعمد ترك الفرائض والصلوات أو نسيانها على وجه يصل الى حد الكثرة من واحد فضلا عن كثيرة من الناس لا عن الأكثر ، هذا كله على تقدير ثبوت ما ادعى في تلك المسألة الأصولية وإلا فمع عدم الثبوت كما هو المشهور والمؤيد المنصور وان الأمر بالشي‌ء انما يستلزم النهي عن الضد العام لا يستلزم شيئا مما ذكروه ، على انهم قد صرحوا في وجوب إزالة النجاسة عن المسجد وقضاء الدين ونحوهما من الواجبات الفورية بنحو ذلك ، وقد منعوا من الصلاة إلا في آخر الوقت ومن كل ضد خاص ينافي الاشتغال بذلك المأمور به بناء على ما اختاروه في تلك المسألة الأصولية ، وما نحن فيه كذلك.

و (الخامس) ـ ما ذكره السيد المذكور ـ من انه مع تسليم اختصاص الآية بالفائتة فلا دلالة لها على أمر أزيد من الوجوب. الى آخره ـ فان فيه انه ان أراد بالنظر الى لفظ الأمر فيها فهو مسلم ولكن بالنظر الى الروايتين الواردتين بتفسير الآية المذكورة يظهر تقييد الوجوب بحين الذكر ، وحينئذ فالآية بناء على تفسيرهم (عليهم‌السلام) لها بما ذكروه ظاهرة في المدعى. واما ما أطال به من الاحتمالات التي نقلها عن المفسرين فسيأتي ما فيه مما يكشف عن ضعف باطنه وخافية ، ونحن انما استدللنا بالآية بناء على تفسيرهم (عليهم‌السلام) لها بما ذكرناه (فان قيل) ان الاعتماد حينئذ على الاخبار لا على الآية إذ الآية في حد ذاتها خالية عن ذلك كما اعترفتم به (قلنا) هذه مغلطة لا تروج إلا على ضعيفي الأذهان من البله والنساء والصبيان فإنه لو تم ذلك للزم ان العامل بكلام المفسرين للقرآن انما عمل بأقوال العلماء لا بالقرآن والمتلقى لحل حديث

٣٥٤

من اخبارهم (عليهم‌السلام) عن شيخه لم يكن معولا الا على كلام شيخه لا على كلام الامام (عليه‌السلام) ولا يخفى ان المفسر لكلامه (عزوجل) انما هو مخبر عنه (عزوجل) بان مراده بهذا الكلام هذا المعنى ولهذا منعنا عن العمل بتفسير غيرهم (عليهم‌السلام) كما ظهر وسيظهر لك إنشاء الله تعالى بيانه ويثبت بنيانه.

و (السادس) ـ ما ذكره ايضا (قدس‌سره) ـ من ان الظاهر تناول الآية للحاضرة والفائتة واعتضاده في ذلك بكلام المفسرين وان كان قد سبقه إليه جده في الروض والشهيد في الذكرى وغيرهما ـ فان فيه ما يقضى منه العجب العجاب عند من مارس أخبار الأئمة الأطياب وما ورد عنهم في الباب ، فإنه قد استفاضت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) بالمنع من تفسير القرآن ولا سيما مجملاته ومتشابهاته إلا بالأخذ عنهم (عليهم‌السلام) وقد قدمنا ذكر ذلك في مقدمات الكتاب.

ونزيده هنا بيانا بما رواه العياشي في تفسيره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر وان أخطأ خر أبعد من السماء».

وفي الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «ما ضرب القرآن رجل بعضه ببعض إلا كفر».

وروى غير واحد من أصحابنا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) قال : «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار».

وحمل الرأي على الميل الطبيعي المترتب على الأغراض الفاسدة كما احتمله بعضهم بعيد غاية البعد كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية.

وما رواه البرقي في كتاب المحاسن في باب (انزل الله في القرآن تبيان كل شي‌ء) عن أبيه عن الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن من حدثه عن المعلى ابن خنيس (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في رسالة : واما ما سألت عن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من صفات القاضي وما يقضى به.

٣٥٥

القرآن فذلك ايضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لأن القرآن ليس على ما ذكرت وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت اليه وانما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ولقوم يتلونه حق تلاوته وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه فاما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه ليس شي‌ء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله وانما أراد الله بتعميته في ذلك ان ينتهوا الى بابه وصراطه وان يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه والناطقين عن امره وان يستنبطوا ما احتاجوا اليه من ذلك عنهم (عليهم‌السلام) لا عن أنفسهم ، ثم قال «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (١) فاما غيرهم فليس يعلم ذلك ابدا ولا يوجد وقد علمت انه لا يستقيم ان يكون الخلق كلهم ولاة الأمر إذ لا يجدون من يأتمرون عليه ولا من يبلغونه أمر الله ونهيه فجعل الله تعالى الولاة خواصا ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك ان شاء الله تعالى ، وإياك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم ان شاء الله تعالى واطلب الأمر من مكانه تجده ان شاء الله تعالى».

أقول : لو لم يرد الا هذا الحديث الشريف لكفى به حجة في ما قلناه كيف والاخبار بذلك مستفيضة كما بسطنا الكلام عليه في كتاب الدرر النجفية وأشرنا الى ذلك في مقدمات الكتاب ، وحينئذ فكيف يجوز لمن وقف على هذه الاخبار وتأملها بعين الاعتبار ان يستند في تفسير مثل هذه الآية التي هي من متشابهات القرآن الى تفسير هؤلاء المفسرين الضالين المضلين؟ وما نقله عن المفسرين فهو مأخوذ من تفسير البيضاوي فإنه ذكر هذه الاحتمالات (٢) ثم قال في آخرها : أو لذكر صلاتي لما روى عنه

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٨٥.

(٢) ص ٢٦٢.

٣٥٦

(عليه الصلاة والسلام) قال : «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها ان الله تعالى يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي». على ان المفهوم من كلام أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان ان ما ذكرناه هو الذي عليه أكثر المفسرين فإنه روى في الكتاب المذكور عن الباقر (عليه‌السلام) قال : ان معنى الآية أقم الصلاة متى ذكرت ان عليك صلاة كنت في وقتها أم لم تكن. ونسبه الى أكثر المفسرين ثم قال ويعضده ما رواه أنس ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير ذلك وقرأ أقم الصلاة لذكري» رواه مسلم في الصحيح (١). انتهى. ومن ذلك يعلم اتفاق روايات الخاصة والعامة على تفسير الآية بما ذكرناه ، وحينئذ فلا مجال للحمل على هذه الاحتمالات وضرب الصفح عن الروايات وهل هو إلا من المغالطات والمجازفات؟ ثم العجب منه في ذكر هذه الاحتمالات عن البيضاوي وعدم ذكره الاحتمال الأخير المؤيد بالرواية لكونه ظاهرا في الرد عليه.

و (السابع) ـ ما ذكره ـ من حمل صحيحة زرارة الطويلة التي ذكرها على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان. الى آخر ما ذكر في المقام ـ فان فيه :

(أولا) ـ انك قد عرفت ان المخالفة ليست مخصوصة بصحيحة زرارة بل بجملة الروايات التي قدمناها وقد عرفت أنها مستفيضة متكاثرة لا تبلغ هذه الرواية قوة في معارضة الصحاح منها فضلا عن الجميع الذي يقرب من عشرين رواية ، والجمع بمقتضى قاعدته في غير موضع فرع التكافؤ في الصحة والدلالة وقد عرفت ما في دلالة روايته من المطاعن ، فالواجب هو العمل بتلك الاخبار وجعل التأويل في جانب هذه الرواية لا العكس كما زعمه سيما مع ما عليه الرواية المذكورة من تكرار هذا الحكم فيها الموجب لتأكده وتقويته ، ما هذه إلا مجازفة ظاهرة.

و (ثانيا) ـ ما قدمناه في غير مكان من ان هذه القاعدة وان اشتهرت بينهم

__________________

(١) ج ١ ص ٢٥٧.

٣٥٧

في الجمع بين الاخبار بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب إلا انه لا مستند لها من سنة ولا كتاب ومقتضى القواعد المروية عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) هو عرض الاخبار على القرآن والأخذ بما وافقه ، وقضية الترجيح بهذه القاعدة العمل بالأخبار التي ذكرناها وطرح هذا الخبر في مقابلتها ، والتشبث بما ذكره من ان اعمال الدليلين اولى من طرح أحدهما من البين من الاجتهادات الصرفة لما تقدم بيانه في المقدمة السادسة من مقدمات الكتاب ، ونزيده بيانا هنا فنقول لا ريب انه قد استفاضت الاخبار بطرح ما خالف القرآن في مقام الترجيح بالعرض على الكتاب وطرح ما وافق العامة في مقام عرض الاخبار على مذهب العامة وطرح ما خالف الأشهر في الرواية في مقام الترجيح بذلك أيضا (١) فإذا أمر الأئمة (عليهم‌السلام) بطرح الأخبار في هذه المقامات ونحوها ورخصوا في ذلك فهل يليق ممن يعمل بأخبارهم ويتمسك بآثارهم ان يضرب عن ذلك صفحا ويعتمد على هذه القاعدة التي ابتدعوها والمغالطة التي اخترعوها؟ ما هذا إلا اجتهاد في مقابلة النصوص وجرأة على أهل الخصوص.

و (ثالثا) ـ انه لو سلم له ذلك في الاخبار فلا يتم في الآية لاتفاقهم على كون الأوامر القرآنية للوجوب إلا ما خرج بدليل ، وقد عرفت مما قدمناه تأكد دلالتها على الوجوب بمعونة الأخبار سيما الأخبار الواردة في تفسيرها فكيف يمكن حملها على الاستحباب؟

و (رابعا) ـ انهم قد حققوا في الأصول ان الأمر حقيقة في الوجوب وبه استدل هذا القائل في غير موضع من كتابه بل ذهب في جملة من المواضع إلى دلالة الجملة الخبرية على ذلك ايضا وهو المؤيد بالآيات القرآنية والأخبار المعصومية كما تقدم في مقدمات الكتاب ، ولا ريب ان الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، ومجرد اختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز. وايضا فالاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كالوجوب والتحريم واختلاف الاخبار ليس دليلا شرعيا

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

٣٥٨

على ذلك ، والاستناد الى اشتهار استعمال الأمر في الندب كما ذكره مردود بأنه ان كان ثمة قرينة توجب الخروج عن الحقيقة فلا دلالة فيه وإلا فهو ممنوع بل هو أول المسألة.

تذييل جميل وتكميل نبيل

اعلم ان ممن ذهب الى القول بالمواسعة السيد الجليل ذو المقامات والكرامات رضي الدين بن علي بن طاوس في رسالة صنفها في المسألة وذكر فيها الاستدلال ببعض الأخبار المتقدمة في أدلة القائلين بالمواسعة وزاد عليها اخبارا غريبة اطلع عليها من الأصول التي عنده ، والفاضل الخراساني في الذخيرة لما اختار هذا القول في الكتاب المذكور أطال في الاستدلال عليه بأدلة جمع فيها بين الغث والسمين والعاطل والثمين ونقل فيها تلك الأخبار الغريبة التي ذكرها السيد المشار إليه في رسالته ، فرأينا نقل كلامه في المقام والكلام على ما فيه من نقض وإبرام وتحقيق ما هو الحق الظاهر لذوي الأفهام لئلا يغتر بكلامه من لا يعض على المسألة بضرس قاطع ويظن ما ذكره شرابا وهو سراب لامع :

قال (قدس‌سره) والأقرب عندي القول بالمواسعة ، لنا ـ إطلاقات الآيات الدالة على وجوب إقامة الصلاة المتحققة لكل وقت إلا ما خرج بالدليل ، وقوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (١) والاخبار الدالة على ذلك كقوله (عليه‌السلام) (٢) «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر». وأوضح منها دلالة صحيحة سعد بن سعد (٣) قال : «قال الرضا (عليه‌السلام) إذا دخل الوقت عليك فصلها فإنك لا تدري ما يكون». ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير السابقتين ثم نقل صحيحة سعيد الأعرج (٤) الدالة على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نام

__________________

(١) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٢) الوسائل الباب ٤ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٣ من المواقيت.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٢ من قضاء الصلوات.

٣٥٩

عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر ثم نقل موثقة عمار الساباطي المتقدمة (١) الدالة على انه من ذكر المغرب في وقت العتمة تخير في تقديم أيهما شاء ، وحمل المغرب فيها على مغرب أمسه ، ثم نقل رواية أخرى عن عمار ايضا وهي ما رواه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له ان يقضى بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل». ثم نقل عن عمار في خبر آخر (٣) قال : «فإذا أردت ان تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثم اقض ما شئت». ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم (٤) وحسنة الحلبي (٥) المتضمنتين للسؤال عن من فاتته صلاة النهار قال يقضيها ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء ، ثم نقل رواية أبي بصير الدالة على ذلك (٦) ثم قال : وجه الدلالة في هذه الأخبار الثلاثة ان صلاة النهار أعم من الفريضة والنافلة ، ثم نقل رواية جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «قلت له يفوت الرجل الاولى والعصر. الخبر». ثم رواية الحسن الصيقل ثم رواية علي بن جعفر ، وقد تقدم جميع ذلك في أدلة القائلين بالمواسعة ، ثم نقل رواية من كتاب الحسين بن سعيد (٨) وهي إحدى الروايات الغريبة من روايات السيد المتقدم بما هذا لفظه : صفوان عن عيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل عليه وقت صلاة أخرى؟ فقال ان كانت صلاة الأولى فليبدأ بها وان كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم يصلى العصر». ثم نقل عن أصل عبيد الله الحلبي وهذا ايضا من اخبار السيد المذكور (٩) ما هذا لفظه «ومن نام أو نسي ان يصلي المغرب

__________________

(١) ص ٣٤٥.

(٢ و ٣ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٢ من قضاء الصلوات.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

(٦) ص ٣٤٤.

(٨ و ٩) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٦٨٣.

٣٦٠