الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

أقول : اما ما ذكره بالنسبة إلى ذوات الأسباب فقد تقدم الكلام فيه. واما ما ذكره ـ من ان من تطهر في هذه الأوقات وصلى فإنه لا يصدق على صلاته هذه انها نافلة مبتدأة ـ فلا يخفى ما فيه. واما ما استند اليه من الحث على الصلاة عقيب الطهارة ففيه انه كما ورد استحباب الصلاة بعد الطهارة (١) كذا ورد الحث على الصلاة أيضا بقول مطلق وانها خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر (٢). وورد ان الرجل ليصلي الركعتين تطوعا يريد بهما وجه الله عزوجل فيدخله الله بهما الجنة (٣). ونحو ذلك. وبالجملة فالحث على الصلاة والأمر بها لا ينافي الكراهة باعتبار عروض بعض أسبابها ، ألا ترى ان صلاة الفريضة مع ما هي عليه من الوجوب حتى صرحت الاخبار بكفر تاركها تعرض لها الكراهة باعتبار بعض الأمكنة والأزمنة والأحوال مثلا. واما ما ذكره من الخبر فهو خبر عامي خبيث وكذب بحت صريح لتضمنه دخول بلال الجنة قبل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمات كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ، فالاستدلال به من مثل شيخنا المشار اليه عجيب.

(الحادي عشر) ـ قال في الذكرى ايضا : ليس سجود التلاوة صلاة فلا يكره في هذه الأوقات ولا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه ، وكذا سجود الشكر. اما سجود السهو ففي رواية عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». وفيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.

(الثاني عشر) ـ قال في الذكرى : لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر تخير في جمع الظهر والعصر أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة. ولو ائتم في العصر فالظاهر التخيير ايضا ، ويأتي على قول من عمم كراهة النافلة

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من الوضوء.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من أحكام المساجد.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من أعداد الفرائض.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٣٢ من الخلل في الصلاة.

٣٢١

ان يقدم في الأوليين النافلة ويجعل العصر في الأخيرتين ، وقد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال الشيخ : انما فعل ذلك لانه يكره الصلاة بعد العصر. انتهى أقول : ما ذكره من ان الظاهر التخيير وان الكراهة إنما تتجه على القول الذي ذكره ظاهر في ان النافلة عنده ليست من النوافل المبتدأة وانما هي من ذوات الأسباب كما تقدم منه في الموضعين المتقدمين. وفيه ما عرفت فإنه لا وجه لدخول هذه النافلة في ذوات الأسباب بل الكراهة فيها متجهة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) بناء على كونها مبتدأة.

بقي الكلام في ما دلت عليه اخبار هذه المسألة من التخيير متى ائتم المسافر بالحاضر بين ان يجعل الأوليين هي الفريضة والأخيرتين نافلة أو بالعكس وكذا صرح به الأصحاب مع تصريحهم بتحريم الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يذكروا هذا الموضع فيما استثنوه. ولا يحضرني الآن وجه الجواب عن هذا الاشكال. والله العالم.

(المسألة الثامنة) ـ لا ريب في استحباب قضاء الرواتب من النوافل في أي وقت كان ، وانما الخلاف في انه هل الأفضل تعجيل ما فات نهارا في الليل وكذا ما فات ليلا في النهار أو تأخيره إلى الليل فتقضي صلاة الليل في الليل والنهار في النهار؟ قولان :

ظاهر الأكثر الأول لعموم قوله عزوجل «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (٢) وقوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» (٣) وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) في تفسير هذه الآية

ما رواه في التهذيب عن عنبسة العابد (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» (٥) قال قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل».

وروى في الفقيه مرسلا (٦) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) كل ما فاتك بالليل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٢٧.

(٣ و ٥) سورة الفرقان ، الآية ٦٣.

(٤ و ٦) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

٣٢٢

فاقضه بالنهار ، قال الله تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً».

وروى الشهيد في الذكرى (١) قال : «روى ابن أبي قرة بإسناده عن إسحاق ابن عمار قال لقيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) بالقادسية عند قدومه على ابي العباس فاقبل حتى انتهينا الى طيزناباذ (٢) فإذا نحن برجل على ساقيه يصلي وذلك ارتفاع النهار فوقف عليه أبو عبد الله (عليه‌السلام) وقال يا عبد الله اي شي‌ء تصلي؟ فقال صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار. فقال يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل. فقلت جعلت فداك أتروي فيه شيئا؟ فقال حدثني ابي عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار يقول يا ملائكتي انظروا الى عبدي يقضي ما لم افترضه عليه أشهدكم اني قد غفرت له».

وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن صالح بن عقبة عن جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رجل ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار؟ قال قرة عين لك والله (ثلاثا) ان الله يقول : «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ... الآية» (٤) فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد المكنون».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كان إذا فاته شي‌ء من الليل قضاه بالنهار وان فاته شي‌ء من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر ، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها كاملة».

__________________

(١ و ٣ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٥٧ من أبواب المواقيت.

(٢) كذا في معجم البلدان ج ٦ ص ٧٩ وفي الوسائل وما وقفنا عليه من نسخ الذكرى المطبوعة والخطية «طرناباد».

(٤) سورة الفرقان ، الآية ٦٣.

٣٢٣

ونقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) في الأركان وابن الجنيد ان الأفضل قضاء صلاة النهار بالنهار وصلاة الليل بالليل ، واحتج لهما في المختلف بصحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل». ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر لخروجه عن حقيقته وهي الوجوب إجماعا ، قال وليس استعمالها مجازا في الندب اولى من استعمالها مجازا في الإباحة. واعترضه في المدارك بان الواجب عند تعذر الحقيقة المصير إلى أقرب المجازات والندب أقرب الى الحقيقة من الإباحة قطعا. انتهى. وهو جيد.

أقول : ويدل على ذلك أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل ولا بأس ان تقضيها بالنهار وقبل ان تزول الشمس».

ورواية إسماعيل الجعفي (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وقضاء صلاة النهار بالنهار».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل. قلت اقضي وترين في ليلة؟ قال نعم اقض وترا ابدا». والى هذا القول مال السيد السند في المدارك.

أقول : لا يخفى ظهور تعارض الأخبار المذكورة إلا ان الاخبار السابقة متأيدة بظاهر القرآن العزيز كما عرفت ، وبعض متأخري المتأخرين من المحدثين حمل هذه الروايات المتأخرة على التقية ولا يحضرني الآن مذهب العامة فإن ثبت كون مذهبهم ما دلت عليه الأخبار المذكورة تعين العمل بالأخبار الاولى وحمل الأخبار الأخيرة على التقية وإلا فالمسألة محل إشكال.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

٣٢٤

واما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) ـ (١) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له ان يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل». ـ فقد أجاب عنه الشيخ (قدس‌سره) بان هذا خبر شاذ لا تعارض به الاخبار المطابقة لظاهر القرآن. وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل العمل به وتخصيصه بالسفر ، قال ويمكن حمله على مرجوحية القضاء نهارا لكثرة الشواغل للبال وقلة التوجه والإقبال أو على الصلاة على الراحلة. ولا يخفى ما فيه. والحق انه لو كان الراوي غير عمار لحصل منه الاستغراب ولكنه من عمار المتكرر منه نقل الغرائب غير غريب. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب المبادرة بالصلاة في أول وقتها لما استفاض من الاخبار الدالة على أفضلية أول الوقت :

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار أو ابن وهب (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال فما أحب ان يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني».

وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح».

وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة (٥) قال : «قال أبو جعفر (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٣ من المواقيت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من المواقيت.

٣٢٥

السلام) اعلم ان أول الوقت أبدا أفضل فعجل الخير ما استطعت ، وأحب الأعمال الى الله تعالى ما داوم العبد عليه وان قل».

وعن زرارة في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ فقال أوله ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان الله تعالى يحب من الخير ما يعجل». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة وبالجملة فإن الحكم مما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى.

إلا انه قد استثنى منه مواضع : (الأول) تأخير المغرب والعشاء للمفيض من عرفات الى ان يأتي المزدلفة وان مضى ربع الليل ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار قد تقدم بعضها ويأتي بعضها في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ، ومنها

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل».

(الثاني) ـ صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها الى ان يذهب الشفق المغربي وقد تقدم ما يدل عليه.

(الثالث) ـ المتنفل يؤخر الظهرين الى بعد النافلة أو الذراع والذراعين على الخلاف المتقدم ، وقد تقدم من الاخبار ما يدل عليه. وقيل في العصر تأخيرها إلى مضي المثل ايضا بناء على ما تقدم من ان فضيلتها بعد المثل الأول. وقد تقدم ما فيه.

(الرابع) ـ المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب الى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بينهما وبين العصر والعشاء ، وقد مر ما يدل عليه في فصل الاستحاضة.

(الخامس) تأخير صلاة المغرب الى ذهاب الحمرة المشرقية بناء على القول بدخول وقتها باستتار القرص عن عين الناظر جمعا بين أخبار المسألة. وقد عرفت ما فيه في ما قدمناه من تحقيق المسألة المذكورة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الوقوف بالمشعر.

٣٢٦

(السادس) ـ المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة يستحب له تأخير الأداء الى آخر الوقت على المشهور بين المتأخرين. وسيأتي تحقيق المسألة ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي وبيان ان ذلك على جهة الوجوب كما هو المشهور بين المتقدمين لا الاستحباب

(السابع) ـ تأخير صلاة الصبح إذا طلع الفجر عليه وقد صلى أربعا من صلاة الليل حتى يكمل صلاة الليل. وعندي في عد هذا الموضع في هذا المقام نظر لان الظاهر من الاخبار كما قدمنا بيانه ان ذلك انما هو على جهة الرخصة لا انه الأفضل كما هو المراد في المقام وإلا لعد ايضا من صلى ركعة من نوافل الزوال قبل دخول وقت الفريضة المحدود بالقدمين ثم دخل عليه الوقت فإنه يزاحم بها الفريضة رخصة كما تقدم مع انهم لم يعدوه في هذا المقام.

(الثامن) ـ تأخير الصائم المغرب إذا نازعته نفسه للإفطار أو كان ثمة من ينتظره للإفطار. وسيأتي الكلام فيه في كتاب الصوم ان شاء الله تعالى وذكر الأخبار الواردة في المسألة.

(التاسع) ـ الظان دخول الوقت حيث لا طريق له الى العلم فإن الأفضل له التأخير حتى يتحقق الوقت ويحصل العلم به ، ويدل عليه ما تقدم من موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له اني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد». فان نهيه عن العود مع نهيه عن الإعادة انما هو لما قلناه وان كانت صلاته صحيحة. واما الاستدلال لذلك بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «وقد سأله عن من صلى الصبح مع ظن طلوع الفجر قال لا يجزئه حتى يعلم انه طلع». فهو بمعزل عما نحن فيه.

(العاشر) ـ المدافع للخبثين فإن الأفضل التأخير حتى يخرجهما لصحيحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من المواقيت.

(٢) ص ٢٩٨.

٣٢٧

هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب وهو بمنزلة من هو في ثيابه». والحاقن بالنون حابس البول والحاقب بالباء حابس الغائط ورواية الحضرمي عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين».

(الحادي عشر) ـ تأخير صلاة الليل الى الثلث الأخير من الليل. وقد تقدم من الاخبار ما يدل على ذلك في المسألة المذكورة.

(الثاني عشر) ـ تأخير ركعتي الفجر الى طلوع الفجر الأول. وقد تقدم ايضا ما يدل عليه وكذلك الوتر.

(الثالث عشر) ـ تأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الإحرام ، هكذا ذكروه وهو مبني عندهم على الجمع في وقت الفريضة بين الفريضة وسنة الإحرام ، والمستفاد من الاخبار كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ان الإحرام إما دبر الفريضة ان اتفق ذلك في وقت الفريضة وإلا بعد سنة الإحرام ان لم يتفق ذلك واما الجمع بين الفريضة وسنة الإحرام كما ذكروه فلا وجود له في النصوص ، وحينئذ فلا وجه لعد هذا الموضع في جملة هذه الافراد.

(الرابع عشر) ـ تأخير من فرضه التيمم الصلاة الى آخر الوقت. أقول : وهو على إطلاقه غير متجه وانما يتجه على القول بجواز التيمم مع السعة كما دلت عليه جملة من الاخبار ويجعل التأخير أفضل جمعا بينها وبين ما دل على وجوب التأخير من الاخبار ايضا ، فيكون المستند فيه هو الجمع بين أخبار المسألة بناء على القول بذلك.

(الخامس عشر) ـ تأخير السلس والمبطون الظهر والمغرب للجمع ايضا كما تقدم في المستحاضة. وقد تقدم ما يدل عليه في المسائل الملحقة بالوضوء من كتاب الطهارة.

(السادس عشر) ـ تأخير أصحاب الأعذار كفاقد الساتر مثلا أو الطاهر

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٨ من قواطع الصلاة.

٣٢٨

منه أو فاقد الطهورين أو فاقد القبلة أو نحو ذلك فإنه يستحب لهم التأخير عند جمهور الأصحاب. ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وسلار وجوب تأخير الصلاة الى آخر الوقت ، قال وهو اختيار ابن الجنيد ، ثم نقل عن الشيخ القول بالجواز في أول الوقت إلا للمتيمم. قال وهو الأقوى عندي ، ثم استدل على ذلك بأنه مخاطب بالصلاة عند أول الوقت فكان مجزئا لأنه امتثل ، ثم نقل عن القائلين بالوجوب انهم احتجوا بإمكان زوال الاعذار ، قال والجواب انه معارض باستحباب المبادرة والمحافظة على أداء العبادة لإمكان فواتها بالموت وغيره. انتهى. أقول : وحيث كانت المسألة غير منصوصة لا خصوصا ولا عموما فالحكم هنا باستحباب التأخير محل إشكال لأنه ليس إلا لما ذكروه من رجاء زوال العذر وهو معارض بما ذكره العلامة (قدس‌سره) من المحافظة على أداء العبادة ، لإمكان تطرق الفوات إليها بموت ونحوه.

(السابع عشر) ـ قضاء صلاة الليل في صورة جواز التقديم كما ذكره بعض الأصحاب ، والظاهر انه لا وجه لعد هذا الفرد في جملة هذه الافراد لان مبنى الكلام على استحباب تأخير الصلاة عن أول وقتها الموظف لها شرعا وقضاء صلاة الليل هنا انما كان أفضل بالنسبة إلى تقديمها على الانتصاف لا بالنسبة إلى وقتها المعين لها فلا يكون مما نحن فيه في شي‌ء وهو ظاهر. واما ما يفهم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في شرح النفلية حيث ان المصنف عد هذا الفرد في هذا المقام ـ من التعليل بأن أول وقت صلاة الليل مع هذه الاعذار هو أول الليل والقاضي يؤخرها عنه في الجملة وان كان يفعلها في خارج الوقت ـ فلا يخلو من تكلف وتمحل فإن غاية ما تدل عليه تلك الاخبار ـ كما تقدم تحقيقه ـ هو الرخصة في التقديم لمن يحصل له العذر عن الإتيان بها في وقتها الموظف ودلت على ان قضاءها أفضل من تقديمها بمعنى ان كلا الأمرين جائز وان كان القضاء أفضل ، وهذا لا يدل على كون أول الليل وقتا لها في هذه الصورة كما لا يخفى.

(الثامن عشر) ـ تأخير الوتيرة ليكون الختم بها إلا في نافلة شهر رمضان على

٣٢٩

قول ، كذا عده جملة من الأصحاب في الباب. أقول : لعل الوجه في عد هذا الموضع في جملة هذه الافراد هو ان ظاهر الاخبار ان وقت الوتيرة بعد صلاة العشاء كما تقدم في الاخبار المتقدمة في المقدمة الثانية ، مع انه قد ورد ما يدل على استحباب تأخيرها والختم بها كما تقدم أيضا في صحيحة زرارة أو حسنته (١) من قوله (عليه‌السلام) «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». وقد قدمنا ان المراد بالوتر هنا الوتيرة وان كان ظاهر كلام أصحابنا قد اضطرب فيه باعتبار حمله على الوتر الذي بعد صلاة الليل وهو غلط كما تقدم التنبيه عليه ، ولو حمل على ذلك للزم خلو هذا الحكم هنا من الدليل إذ لا رواية تدل على التأخير والختم بالوتيرة سوى الرواية المذكورة. ثم ان ما ذكره من استثناء نافلة شهر رمضان وهي الاثنتا عشرة والاثنتان والعشرون بمعنى ان الوتيرة لا تؤخر عنها قد نقله في شرح النفلية عن سلار في رسالته ، قال وبذلك وردت رواية محمد بن سليمان عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) وذكر في شرح النفلية ان هذه الزيادة كانت في نسخة الأصل بخط المصنف ثم كشطها وبقي رسمها ، قال وهي موجودة في كثير من النسخ ثم قال وانما حذفها لان المشهور بين الأصحاب كما نقله المصنف في الذكرى ان الوتيرة مؤخرة عن تلك الوظيفة ايضا لتكون خاتمة النوافل. وفي الذكرى الظاهر جواز الأمرين. انتهى.

(التاسع عشر) ـ تأخير المربية ذات الثوب الواحد الظهرين الى آخر الوقت لتغسل وبها وتصلي أربع صلوات في ثوب طاهر أو نجاسة خفيفة. وأنت خبير بأن الرواية الواردة في المسألة مطلقة في غسل الثوب وهذا التقييد انما وقع في كلامهم كما تقدم تحقيقه ، وإثبات الحكم بذلك لا يخلو من الاشكال.

(العشرون) ـ تأخير المسافر الذي دخل عليه الوقت في السفر الصلاة الى ان يدخل فيتم ، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) «في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من الصلوات المندوبة.

(٢) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٢١ من صلاة المسافر.

٣٣٠

الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال ان كان لا يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليدخل وليتم وان كان يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليصل وليقصر». وفي المسألة بحث يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في موضعه.

(الحادي والعشرون) ـ انتظار الإمام أو المأموم أو كثرة الجماعة. أقول : اما انتظار الامام فقد تقدم في بعض الاخبار ما يشير اليه ، واما انتظار المأموم أو كثرة الجماعة فلم أقف في الاخبار على ما يدل عليه بل ربما دل بعضها على عدمه بالنسبة إلى كثرة الجماعة كما تقدم (١) في حديث الرضا (عليه‌السلام) وتلقيه لبعض الطالبيين وان كان الشيخ (قدس‌سره) قد صرح بجواز ذلك في جوابه عن حديث نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح وتقديمه ركعتي نافلة الفجر على الفريضة (٢) أنه لانتظار الجماعة ، إلا انه بمجرده لا يصلح مستندا.

(الثاني والعشرون) ـ ما إذا كان التأخير مشتملا على الإتيان بالصلاة على وجهها من التوجه والإقبال وفراغ البال ، وقد تقدم (٣) في روايات عمر بن يزيد الثلاث ما يدل عليه ، ففي بعضها عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في المغرب «إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل». وقد بينا سابقا ان هذا من جملة الاعذار المجوزة للتأخير إلى الوقت الثاني.

(الثالث والعشرون) ـ التأخير لقضاء حاجة مؤمن ، واليه يشير بعض الاخبار الواردة في قطع طواف الفريضة (٤) إلا انه لا يخلو من اشكال لكون الطواف غير محدود بوقت.

(الرابع والعشرون) ـ تأخير صلاة الظهر في الحر لمن يصلي في المسجد وهو المعبر عنه بالإيراد ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله

__________________

(١) ص ١٤٢.

(٢) ص ٢٧٠.

(٣) ص ١٧٩.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من الطواف.

٣٣١

(عليه‌السلام) (١) قال : «كان المؤذن يأتي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أبرد أبرد». وأقل مراتب الأمر الاستحباب

وروى الثقة الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال والشيخ في الاختيار عن ابن بكير (٢) قال : «دخل زرارة على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال انكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين ثم قلتم أبردوا بها في الصيف فكيف الإبراد بها؟ وفتح ألواحه ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله (عليه‌السلام) بشي‌ء فأطبق الواجه وقال انما علينا أن نسألكم وأنتم اعلم بما عليكم وخرج ودخل أبو بصير على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال ان زرارة سألني عن شي‌ء فلم أجبه وقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان مثليك. وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير».

وروى الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير عن زرارة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال ان زرارة سألني عن وقت الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر».

وهذان الخبران قد اشتملا على الإيراد في صلاتي الظهر والعصر والأصحاب خصوا الحكم بالظهر كما هو مورد الصحيحة المتقدمة ، وقيدوا ذلك ايضا بقيود : منها ـ كون الصلاة في جماعة وكونها في المسجد وفي البلاد الحارة وفي شدة الحر ، والأصل في هذه القيود ما قاله الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط حيث قال : إذا كان الحر شديدا في بلاد حارة وأرادوا أن يصلوا جماعة في مسجد جاز ان يبردوا بصلاة الظهر

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٨ من المواقيت.

٣٣٢

قليلا ولا يؤخروا الى آخر الوقت. انتهى. والنصوص كما ترى خالية من هذه القيود إلا ان قرائن الحال في الخبر الأول تشير الى بعض ما ذكروه. واما الخبران الأخيران فهما بالدلالة على العدم أشبه كما لا يخفى.

وقال العلامة في المنتهى لا نعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر ، قالت عائشة «ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١). واما في الحر فيستحب الإبراد بها ان كانت البلاد حارة وصليت في المسجد جماعة وبه قال الشافعي ، ثم نقل روايتي الخاصة والعامة ثم قال : ولانه موضع ضرورة فاستحب التأخير لزوالها ، اما لو لم يكن الحر شديدا أو كانت البلاد باردة أو صلى في بيته فالمستحب فيه التعجيل وهو مذهب الشافعي خلافا لأصحاب الرأي واحمد (٢). انتهى.

وقال في الروض بعد نقل اعتبار المسجد وكون البلاد حارة عن الشيخ : والظاهر عدم اعتبارهما أخذا بالعموم.

وروى الصدوق في كتاب العلل (٣) بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن الحر من فيح جهنم واشتكت النار الى ربها فاذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، وشدة ما تجدون من الحر من فيحها وما تجدون من البرد من زمهريرها».

قال الصدوق في الكتاب المذكور بعد نقل هذا الخبر : قوله «فأبردوا بالصلاة» اي عجلوا بها وهو مأخوذ من البريد ، وتصديق ذلك ما روى (٤) «انه ما من صلاة يحضر وقتها الا نادى ملك قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها

__________________

(١ و ٢) المغني ج ١ ص ٣٨٩.

(٣) ص ٩٣ وفي الوسائل في الباب ٨ من المواقيت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣ من المواقيت.

٣٣٣

بصلاتكم». وقال في الفقيه بعد ذكر صحيحة معاوية بن وهب : قال مصنف هذا الكتاب يعنى عجل عجل وأخذ ذلك من البريد. وفي بعض نسخ الكتاب من التبريد.

أقول : في القاموس «أبرد : دخل في آخر النهار ، وأبرده : جاء به باردا ، والأبردان : الغداة والعشي» وقال في النهاية الأثيرية : في الحديث «أبردوا بالظهر فالإبراد انكسار الوهج والحر وهو من الإبراد : الدخول في البرد ، وقيل معناه صلوها في أول وقتها من برد النهار وهو اوله. وفي المغرب الباء للتعدية والمعنى ادخلوا صلاة الظهر في البرد اي صلوها إذا سكنت شدة الحر. انتهى.

وأنت خبير بان ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) لا ينطبق على شي‌ء من هذه المعاني ، وقد قيل في توجيه كلامه ان مراده انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بتعجيل الأذان والإسراع فيه كفعل البريد في مشيه اما ليتخلص الناس من شدة الحر سريعا ويفرغوا من صلاتهم حثيثا واما لتعجيل راحة القلب وقرة العين كما كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول «أرحنا يا بلال» (١). وكان يقول : «قرة عيني في الصلاة» (٢). ولا يخفى ما فيه من التكلف. وظني ان ما فهمه أكثر الأصحاب من الحمل على التأخير لشدة الحر توسعة في التكليف ودفعا للحرج أقرب مما ذكره ويصير هذا من قبيل الرخص الواردة في الشريعة في غير موضع كما اتفقوا عليه في استثناء جملة من المواضع التي قدمناها ولعل الحامل للصدوق (قدس‌سره) في ارتكاب هذا التأويل البعيد وكذا من مال الى كلامه ووجهه بما قدمناه هو شهرة هذا الحكم عند العامة ، ولهذا ان بعض الأصحاب نقل عن الصدوق حمل صحيحة معاوية على التقية. وفيه ان كلام العامة أيضا مختلف في ذلك ، قال محيي السنة في شرح السنة (٣) بعد نقل خبر أبي هريرة المتقدم نقل الصدوق له في العلل : اختلف أهل العلم في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر فذهب ابن المبارك واحمد وإسحاق

__________________

(١) نهاية ابن الأثير في مادة (روح) وتيسير الوصول ج ٢ ص ٢٩٧.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٦٣.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٥٧.

٣٣٤

الى تأخيرها والإبراد بها في الصيف وهو الأشبه بالاتباع ، وقال الشافعي تعجيلها أولى إلا ان يكون امام مسجد ينتابه الناس من بعد فإنه يبرد بها في الصيف ، فاما من صلى وحده أو جماعة في مسجد بفناء بيته لا يحضره إلا من بحضرته فإنه يعجلها لانه لا مشقة عليهم في تعجيلها. انتهى. ويمكن ان يكون نظرهم إلى استفاضة الأخبار بأفضلية الصلاة في أول الوقت ولعله الأظهر. وفيه انهم قد استثنوا من ذلك جملة هذه المواضع التي قدمناها ولم يختلفوا في ذلك فما بالهم اختلفوا في هذا الموضع بخصوصه؟ على ان اخباره صريحة ظاهرة في ذلك ولا معارض لها في البين سوى ما عرفت مما ارتكبوا تخصيصه بجملة المواضع المتقدمة ، مع ان جملة من تلك المواضع كما عرفت خال من الدليل كما نبهنا عليه

بقي الكلام في ان الأصحاب انما صرحوا باستحباب الإبراد بصلاة الظهر خاصة بالشروط التي ذكروها ، والظاهر كما قدمنا من خبري زرارة هو الإبراد في الظهر والعصر وهو مشكل إذ الخروج عن مقتضى الأخبار المستفيضة بمثل هذين الخبرين سيما مع عدم ذهاب أحد إليه لا يخلو من بعد ، بل ربما يكاد يشم من خبري زرارة رائحة التقية لأنهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يخصونه بأحكام ينفرد بها عن الشيعة اتقاء عليه مثل خبر الإهلال بالحج (١) وخبر النوافل (٢) وإلا فاختصاص زرارة بالملازمة على ذلك وابن بكير دون جملة الشيعة الموجودين يومئذ كما صرح به حديث الكشي لا وجه له ظاهرا إلا ما قلناه. ولعل في سكوته (عليه‌السلام) عن جوابه والإرسال اليه باطنا بذلك ما يشير الى ما قلناه. واحتمل بعض الفضلاء في خبري زرارة حملهما على ان يكون ظل الزوال فيه حال الصيف خمسة أقدام مثلا فإذا صار مع الزيادة الحاصلة بعد الزوال مساويا للشاخص يكون قد زاد قدمين فيوافق الأخبار الأخر. وهو مع بعده لا يستقيم في العصر وكيف كان فالاحتياط في المحافظة على أول الوقت على اي نحو كان إلا مع مشقة تلزم من ذلك. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

٣٣٥

(المقصد الرابع) ـ في وقت القضاء ، الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في ان وقت القضاء للصلاة الفائتة هو وقت ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة ، قال في الذكرى وقت القضاء للفائتة الواجبة ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة لقوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (١) أي لذكر صلاتي ، قال كثير من المفسرين انها في الفائتة لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها ان الله يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي». وروى زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) «إذا فاتتك صلاة.». ثم نقل الرواية كما ستأتي وقال : وفيه دلالات ثلاث : التوقيت بالذكر ووجوب القضاء وتقديمه على الحاضرة مع السعة ، ثم نقل رواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) قال : «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها». ثم قال : وفيه دلالتان إحداهما توقيت قضاء الفائتة بالذكر والثاني وجوب القضاء مع الفوات ، ووجوبه في حق المعذور يستلزم أولويته في حق غيره ، ثم نقل رواية زرارة الآتية المشتملة على انه يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ، ثم قال وتقريره كالسالف. وبالجملة فإن ظهور كون الذكر هو وقت القضاء من الآية والاخبار مما لا يتجشمه الإنكار وانما الخلاف في وجوب الفورية وعدمه.

وتحقيق القول في المسألة كما هو حقه يقع في مواضع (الأول) في ذكر الأقوال في المسألة فنقول قد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمتقدمون منهم على قولين : القول بالفورية وهو مذهب الأكثر إلا انهم بين مصرح ببطلان الحاضرة لو قدمها مع سعة الوقت وبين مطلق ، والقول بالمواسعة وهو مذهب الصدوقين وظاهر للنقل عنهما استحباب تقديم الحاضرة في السعة ، والمتأخرون منهم على أقوال ثلاثة : فالمشهور بينهم هو ما ذهب اليه الصدوقان من المواسعة إلا انهم يستحبون تقديم

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٤.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٢ ص ٢١٨ وفي الوسائل الباب ٦١ من المواقيت.

٣٣٦

الفائتة ، وقيل بالفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة فيجب التقديم مع الاتحاد دون التعدد وهو مذهب المحقق ومال إليه في المدارك ، وقيل بالفرق بين يوم الفوات وغيره فيجب تقديم الفائتة إذا ذكرها في يوم الفوات ما لم يتضيق وقت الحاضرة متحدة كانت أو متعددة ويجب تقديم سابقها على لاحقها وان لم يذكرها حتى يمضي ذلك اليوم جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها ثم يشتغل بالقضاء سواء اتحدت الفائتة أو تعددت ويجب الابتداء بسابقها على لاحقها والاولى تقديم الفائتة الى ان تتضيق الحاضرة ، ذهب إليه العلامة في المختلف.

ولا بأس بذكر جملة من عبائر الأصحاب في المقام وان طال به زمام الكلام ، قال في المبسوط : اعلم ان من عليه قضاء وادى فريضة الوقت في أوله فإنه لا يجزئه. وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) من فاتته صلاة لخروج وقتها صلاها كما فاتته ولم يؤخر ذلك إلا ان يمنعه تضيق وقت فرض حاضر. وقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الجمل كل صلاة فاتت وجب قضاؤها في حال الذكر لها من سائر الأوقات إلا ان يكون في آخر وقت فريضة حاضرة ويخاف فيه من التشاغل بالفائتة فوت الحاضرة فيجب حينئذ الابتداء بالحاضرة والتعقيب بالماضية. وأوجب في المسائل الرسية الإعادة لو صلى الحاضرة في أول وقتها أو قبل تضيق وقتها ومنع فيها من الاشتغال بغير القضاء في الوقت المتسع ومنع من التكسب بالمباح وكل ما يزيد على ما يمسك به الرمق ومن النوم إلا بقدر الضرورة التي لا يمكن الصبر عنها ، وتبعه ابن إدريس في ذلك فصرح في السرائر بنحوه. وقال ابن ابي عقيل من نسي صلاة فرض صلاها اي وقت ذكرها الا ان يكون في وقت صلاة حاضرة يخاف ان بدأ بالفائتة فاتته الحاضرة فإنه يبدأ بالحاضرة لئلا يكونا جميعا قضاء. وقال ابن الجنيد وقت الذكر لما فات من الفروض وقت القضاء ما لم يكن آخر فريضة يخشى ان ابتدأ بالقضاء فاتته الصلاة التي هو في وقتها فان لم يكن يخشى ذلك بدأ بالفائتة وعقب بالحاضرة وقتها. وقال ابن البراج لو صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم

٣٣٧

بذلك لم تنعقد وعليه ان يقضي الفائتة ثم يأتي بالحاضرة. وقال أبو الصلاح وقت الفائتة حين الذكر إلا ان يكون آخر وقت فريضة حاضرة يخاف بفعل الفائتة فوتها فيلزم المكلف الابتداء بالحاضرة ويقضي الفائت ، وما عدا ذلك من سائر الأوقات فهو وقت للفائت ولا يجوز التعبد فيه بغير القضاء من فرض حاضر ولا نفل. وقال سلار كل صلاة فاتت بعمد أو تفريط يجب فيها القضاء على الفور وان فات سهوا وجب القضاء وقت الذكر. وقال أبو جعفر بن بابويه إذا فاتتك صلاة فصلها إذا ذكرت فان ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها ثم صل الصلاة الفائتة ، قال وان نمت عن الغداة حتى طلعت الشمس فصل الركعتين ثم صل الغداة ، قاله في المقنع والفقيه. وقال أبوه إن فاتتك فريضة فصلها إذا ذكرت فان ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها ثم صل الصلاة الفائتة. هذه جملة من أقوال المتقدمين واما المتأخرون فقد عرفت ان المشهور عندهم هو القول بالمواسعة مع استحباب تقديم الفائتة الى ان تتضيق الحاضرة ، قال في المختلف وهو مذهب والدي وأكثر من عاصرناه من المشايخ.

(الثاني) ـ في ذكر أخبار المسألة من الطرفين وما استدلوا به سواها في البين ، فنقول قد اختلفت الأخبار الواردة في المقام وبه اختلف كلام علمائنا الاعلام ، والأظهر عندي هو القول المشهور بين المتقدمين ، وها انا اذكر الأخبار الدالة عليه موضحا لوجه دلالتها ثم أردفها بالأخبار التي استند إليها القائلون بالمواسعة وغيرها من الأدلة التي ذكروها وأبين ما فيها مما يمنع من صحة الاعتماد عليها والاستناد إليها :

فأقول ـ وبالله سبحانه الثقة لإدراك المأمول ونيل المسؤول ـ مما يدل على ما اخترناه قوله عزوجل «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (١) المفسر ـ في الاخبار عن أهل البيت (عليهم‌السلام) الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم اعرف الناس بباطنه وخافية ـ بقضاء الفائتة ساعة ذكرها كما ستقف عليه.

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٤.

٣٣٨

ومما يدل على ذلك الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة» قال وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) «ان كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها ، وقال ان نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع ، فإن ذكرت انك لم تصل الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الاولى فصل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر ، وان كنت ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب وان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر ، وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها بركعتين ثم سلم ثم صل المغرب ، وان كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب ، وان كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة ، وان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وان كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة واذن وأقم ، وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتك جميعا فابدأ بهما قبل ان تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء فان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء ، وان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء ابدأ بأولاهما لأنهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس. قال : قلت لم ذاك؟ قال لأنك لست تخاف فوتهما».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦٣ من المواقيت.

٣٣٩

أقول : لو لم يكن في الباب إلا هذا الخبر لكفى به دليلا لما فيه من التكرار الموجب للتأكيد في الحكم المذكور الموجب لظهوره غاية الظهور ، ولهذا قال الشيخ في الخلاف بعد نقله : جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله.

ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) المتقدمة في المسألة الثالثة من سابق هذا المقصد (١) حيث قال فيها : «من نسي شيئا من الصلوات فليصلها إذا ذكرها فان الله عزوجل يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (٢).

وما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم انك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فان الله يقول «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» وان كنت تعلم انك إذا صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلها ثم أقم الأخرى».

وهاتان الروايتان قد دلتا على تفسير الآية بالصلاة الفائتة كما ترى فلا معدل عنهما الى ما ذكره المفسرون المتخرصون الذين قال الله سبحانه فيهم وفي أمثالهم «قُتِلَ الْخَرّاصُونَ» (٤).

ومنها ـ ما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ فقال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف ان يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت وهذه أحق بوقتها فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».

__________________

(١) ص ٢٧١.

(٢) سورة طه ، الآية ١٤.

(٣) الوسائل الباب ٦٢ من المواقيت.

(٤) سورة الذاريات ، الآية ١٠.

(٥) الوسائل الباب ٢ من قضاء الصلوات.

٣٤٠