الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

المتقدمان في المسألة من العمل على الظن. والله العالم.

(الموضع الثاني) ـ فيما لو لم يكن له طريق الى العلم لغيم ونحوه فهل يجب الصبر عليه حتى يتيقن الوقت أو يجوز له الاجتهاد والبناء على الظن؟ المشهور الثاني ، ونقل عن ابن الجنيد انه قال ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره ان يصلي إلا عند تيقنه الوقت وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك.

والى هذا القول مال في المدارك ، قال (قدس‌سره) بعد ذكر القول المشهور ثم مذهب ابن الجنيد : احتج الأولون برواية سماعة (١) قال : «سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم؟ قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك». قيل وهذا يشمل الاجتهاد في الوقت والقبلة. ويمكن ان يستدل له ايضا بما رواه أبو الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه». وإذا جاز التعويل على الظن في الإفطار جاز في الصلاة إذ لا قائل بالفرق. وصحيحة زرارة (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وتقريب الاستدلال ما تقدم. ويمكن المناقشة في الروايتين الأوليين بضعف السند وفي الثالثة بقصور الدلالة لاحتمال ان يراد بمضي الصوم فساده. وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره من الاستدلال برواية سماعة مبني على حمل الاجتهاد على الوقت والظاهر بعده بل المراد انما هو الاجتهاد في القبلة فيكون العطف تفسيريا فلا تكون الرواية المذكورة من المسألة في شي‌ء. واما رواية الكناني وصحيحة زرارة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب القبلة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥١ من ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.

٣٠١

فهما ظاهرتا الدلالة على القول المشهور ، وما ردهما به من الطعن في غاية القصور لما صرح به هو نفسه (قدس‌سره) في كتاب الصوم في مسألة الإفطار للظلمة الموهمة حيث نقل ثمة انه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم وانما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن ، ثم نقل القول بعدم الوجوب عن جمع من الأصحاب ونقل القول بالوجوب عن آخرين واختار الأول ، واستدل بصحيحة زرارة ورواية أبي الصباح الكناني المذكورتين وصحيحة أخرى لزرارة أيضا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «انه قال لرجل ظن ان الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس عليه قضاء». ونقل أيضا رواية الشحام الدالة على ذلك. وأنت خبير بظهور دلالة هذه الروايات كملا على القول المشهور إذ الحكم في الصلاة والصوم واحد لابتنائهما على وقت واحد ، واما ما ذكره هنا ـ من التأويل في صحيحة زرارة بحمل قوله : «قد مضى صومك» على معنى فساده ـ فهو من التأويلات الغثة التي يقضى منها العجب من مثله فان هذه العبارة إنما يرمى بها في مقام الكناية عن الصحة أي مضى صومك على الصحة.

ومما يؤيد القول المشهور زيادة على ما ذكرنا موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له اني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد». رواية إسماعيل بن رياح المتقدمة.

والروايات الدالة على الاعتماد على صياح الديك ، ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن في كتابي الكليني والشيخ الى ابي عبد الله الفراء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه قال له رجل من أصحابنا انه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم؟ فقال تعرف هذه

__________________

(١) رواها في الوسائل في الباب ٥١ من ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.

(٢) الوسائل الباب ٤ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

٣٠٢

الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك؟ فقال نعم. قال إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصله». كذا في الكتابين المتقدمين وفي الفقيه (١) «فعند ذلك فصل».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسين بن المختار عن رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له اني رجل مؤذن فإذا كان يوم الغيم لم اعرف الوقت؟ فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة». ورواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) مثله.

وقد ظهر لك بما ذكرناه قوة القول المشهور وانه لا يعتريه نقص ولا قصور وبذلك يظهر لك ضعف ما ذكره في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه تردد في المسألة.

ويمكن ان يستدل لابن الجنيد بما تقدم من رواية إسماعيل بن جابر المنقولة عن تفسير النعماني المذكورة في الموضع الأول الا ان ظاهرها لا يخلو من اشكال لدلالتها على التأخير حتى تطلع الشمس مع انها ربما لا تطلع في ذلك اليوم بالكلية ، ويمكن حملها على استحباب التأخير لتحقق الوقت ، وكيف كان فهي لا تبلغ حجة في مقابلة ما قدمناه من الاخبار سندا ولا عددا ولا دلالة فيتحتم تأويلها بما ذكرناه أو غيره.

هذا مع استمرار الاشتباه واما إذا انكشف فساد الظن المذكور فقد تقدم الكلام فيه مستوفى في المقام الرابع من المسألة المتقدمة. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على كراهة النوافل في الأوقات الخمسة المشهورة في الجملة ، وهي عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة وينتشر شعاعها ، وعند غروبها اي حال دنوها من الغروب واصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية ، وعند قيامها اي كونها في وسط النهار على دائرة

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب المواقيت.

٣٠٣

نصف النهار حتى يتحقق الزوال بأحد أسبابه المتقدمة إلا يوم الجمعة فإن ظاهرهم الاتفاق على استثنائه كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

وانما اختلفت كلمتهم في تخصيص النوافل المذكورة بالمبتدأة أو عمومها للقضاء وذوات الأسباب أو أحدهما دون الآخر على أقوال ، والمشهور تخصيص الكراهة بالنوافل المبتدأة وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد واليه ذهب المتأخرون وحكم في النهاية بكراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ولم يفرق بين ذي السبب وغيره. وفصل في الخلاف فقال في ما نهى عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام إلا يوم الجمعة فإنه يصلى عند قيامها النوافل ، ثم قال وما نهى عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلوات انما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة فأما كل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به. وجزم المفيد (قدس‌سره) بكراهة النوافل المبتدأة وذات السبب عند الطلوع والغروب على ما نقله في المختلف ، وظاهره في المقنعة التحريم ، وقال ان من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها عند غروبها والى ما ذكره يرجع كلام الشيخ في النهاية. وعن ابن ابي عقيل لا نافلة بعد طلوع الشمس الى الزوال ولا بعد العصر حتى يغيب القرص إلا يوم الجمعة وقضاء فوائت السنن فان القضاء مطلق بعد طلوع الشمس الى الزوال وبعد العصر الى ان تغيب الشمس وقال ابن الجنيد ورد النهي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف النهار وعند غروبها وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط. وقال السيد المرتضى ومما انفردت به الإمامية كراهة صلاة الضحى وان التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس الى وقت زوالها محرم إلا في يوم الجمعة خاصة. وقال في أجوبة المسائل الناصرية حيث قال الناصر لا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها. قال وهذا عندنا صحيح وعندنا انه يجوز ان يصلى في الأوقات المنهي عن

٣٠٤

الصلاة فيها كل صلاة لها سبب متقدم وانما لا يجوز ان يبتدأ فيها بالنوافل. وصريح كلامي المرتضى (رضي‌الله‌عنه) هو التحريم في المبتدأة وهو ظاهر كلام ابن ابي عقيل وابن الجنيد.

والأصل في هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام وها أنا املي عليك ما وقفت عليه من تلك الاخبار وأردفه بما وفقني الله تعالى لفهمه منها على وجه لا يعتريه ان شاء الله العثار ولا يحصل الصد عنه والنفار :

فمنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «يصلى على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة ركوع ولا سجود وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن محمد الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان. وقال لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب».

وعن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس».

وعن ابي الحسن علي بن بلال (٤) قال : «كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ومن بعد العصر الى ان تغيب الشمس؟ فكتب الي لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فاما لغيره فلا». يعني لا يجوز الصلاة في هذين الوقتين إلا لمن يقضى نافلة أو فريضة.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من صلاة الجنازة.

(٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من المواقيت.

٣٠٥

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة».

وعن محمد بن فرج (٢) قال : «كتبت الى العبد الصالح (عليه‌السلام) اسأله عن مسائل فكتب الي : وصل بعد العصر من النوافل ما شئت وصل بعد الغداة من النوافل ما شئت».

وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد في حديث المناهي عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «ونهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها».

ورواه في المجالس ايضا (٤) وقال : «وقد روى نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسند قوى عن سليمان بن جعفر الجعفري (٥) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول لا ينبغي لأحد ان يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان ، فإذا ارتفعت وصفت فارقها فيستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لأحد ان يصلي في ذلك الوقت لأن أبواب السماء قد غلقت ، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن علي بن سليمان عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل البصري (٦) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ان يونس كان يفتي الناس عن آبائك (عليهم‌السلام) انه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس وبعد العصر الى ان تغيب الشمس؟ فقال كذب لعنه الله على ابي أو قال على آبائي».

ونقل شيخنا في البحار (٧) عن كتاب زيد النرسي عن علي بن مزيد قال :

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من صلاة الجمعة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٨ من المواقيت.

(٧) ج ١٨ الصلاة ص ٨٢.

٣٠٦

«سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرسلا عن محمد بن جعفر الأسدي والصدوق في كتاب إكمال الدين مسندا عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن احمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق (١) قالوا : «حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال كان فيما ورد على الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري في جواب مسائلي الى صاحب الدار ـ وفي الاحتجاج الى صاحب الزمان ـ :

اما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلان كان كما يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء مثل الصلاة فصلها وأرغم أنف الشيطان».

إذا عرفت ذلك فالكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع (الأول) لا يخفى ان بعض هذه الاخبار وان دل بإطلاقه على المنع من صلاة الفريضة في هذه الأوقات مثل صحيحة محمد بن مسلم وموثقة الحلبي ونحوهما من الأخبار الدالة على انه لا صلاة في هذه الأوقات إلا انه يجب تقييدها بما ورد من الاخبار الدالة على قضاء الفريضة وجوازه في هذه الأوقات :

كصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «اربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي الطواف الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على الميت ، هؤلاء تصليهن في الساعات كلها».

ورواية نعمان الرازي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال فليصل حين ذكره».

ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «خمس صلوات

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من المواقيت.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

٣٠٧

تصليهن في كل وقت : صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الإحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر الى طلوع الشمس وبعد العصر الى الليل».

وصحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة».

وما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي من الاخبار الدالة على الفورية بالقضاء وان وقتها ساعة ذكرها.

(فان قيل) : ان النسبة بين هذه الاخبار وبين الاخبار الدالة على المنع العموم من وجه لان هذه الأخبار دلت على الجواز أعم من ان يكون على جهة الكراهة أو بدونها وتلك الاخبار دلت على المنع من الصلاة فريضة كانت أو غيرها من هذه المعدودات ، فما المرجح لما ذكرتموه من الجمع بتقييد تلك الأخبار بهذه واستثناء هذه الصلاة من الكراهة ولم لا يجوز العكس بإبقاء تلك الأخبار على ظاهرها من المنع وحمل الجواز في هذه الاخبار على الجواز المطلق الغير المنافي للكراهة؟

(قلنا) : وجه الترجيح لما ذكرنا من الجمع وجوه عديدة : منها كثرة هذه الاخبار وظهورها في الجواز من غير كراهة وتأيدها بالشهرة وعمل الأصحاب بذلك وتصريح رواية أبي بصير بالنسبة الى ما بعد الفجر وما بعد العصر.

إلا انه لا يخفى ايضا انه قد ورد في بعض الاخبار ما يدل على الكراهة في قضاء الفرائض في بعض هذه الأوقات ، مثل رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وان استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من المواقيت.

٣٠٨

فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها». ونحوها رواية الحسن بن زياد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) الدالة على «ان الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل ولو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلى المغرب بعدها ولا يعدل لان العصر ليس بعدها صلاة». وفي صحيحة ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس».

وهذه الاخبار قد حملها الشيخ على التقية وهو جيد لما قدمنا تحقيقه من ان رواية أبي بصير وصحيحة ابن سنان الدالتين على امتداد وقت العشاءين الى قبل الفجر انما خرجتا مخرج التقية في ذلك فكذا في هذا الحكم. وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار المذكورة هو استثناء هذه الصلوات المذكورة كملا من عموم تلك الاخبار فلا كراهة فيها بالكلية.

(الثاني) ـ المستفاد من هذه الاخبار بعد ضم مطلقها الى مقيدها هو جواز قضاء النوافل في هذه الأوقات من غير كراهية ، لأن بعضها وان دل بإطلاقه على المنع إلا ان رواية علي بن بلال قد صرحت باستثناء القضاء ، وعليها يحمل أيضا إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على انه يصلى بعد العصر من النوافل ما شاء وبعد الغداة يعني قضاء وكذا رواية محمد بن فرج لما عرفت من دلالة الأخبار المذكورة على المنع من المبتدأة خصوصا وعموما.

ومما يدل على جواز القضاء في هذه الأوقات الأخبار المستفيضة كرواية محمد بن يحيى بن حبيب (٣) قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) تكون علي الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار».

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٣ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من المواقيت.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب المواقيت.

٣٠٩

ورواية حسان بن مهران (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس الى غروبها».

وعن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟ قال لا بأس بذلك».

وعن جميل بن دراج (٣) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر الى طلوع الشمس؟ قال نعم وبعد العصر الى الليل فهو من سر آل محمد المخزون».

وفي الصحيح عن احمد بن النضر وعن احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي في بعض إسناديهما (٤) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر فقال نعم فاقضه فإنه من سر آل محمد عليهم‌السلام».

وروى في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سر آل محمد المخزون».

وروى الشيخ عن سليمان بن هارون (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قضاء الصلاة بعد العصر قال نعم انما هي النوافل فاقضها متى شئت».

وعن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء».

وعن ابن ابي يعفور في الصحيح (٨) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار».

وبذلك يظهر ما في كلام الشيخين في المقنعة والنهاية من الحكم بكراهة قضاء النافلة في الأوقات الثلاثة وهي عند الطلوع والغروب والقيام ، فإنه ناشئ عن الغفلة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ و ٥٦ من المواقيت.

٣١٠

عن ملاحظة هذه الاخبار. وظاهر الاخبار الدالة على ان القضاء بعد الفجر وبعد العصر من سر آل محمد المخزون ربما أشعر بكون ما دل على المنع من القضاء في هذين الوقتين انما خرج مخرج التقية.

وكيف كان فإنه يبقى الاشكال فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب فإن ظاهر القول المشهور الجواز من غير كراهية وروايات المسألة كما ترى لا تعرض فيها لشي‌ء من ذلك إلا ما دلت عليه الاخبار المتقدمة في الموضع الأول من ركعتي الطواف وصلاة الإحرام ويبقى ما عدا ذلك على الاشكال المذكور.

واما ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل ومحمد بن عيسى جميعا عن حماد بن عيسى (١) قال : «رأيت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) صلى الغداة فلما سلم الامام قام فدخل الطواف فطاف أسبوعين بعد الفجر قبل طلوع الشمس ثم خرج من باب بني شيبة ومضى ولم يصل». فيجب حمله على التقية كما ان قران الطوافين محمول عليها ايضا.

وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى الجمع بين الاخبار بتخصيص عموم هذه الروايات بروايات ذوات الأسباب ، قال والأقرب على القول بالكراهة استثناء ما له سبب لان شرعيته عامة وإذا تعارض العمومان وجب الجمع والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع فان مثل قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين». يشمل جميع الأوقات وكذا كل ذي سبب فان النص عليه شامل. انتهى

وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول كما يجوز ان يخصص عموم تلك الاخبار بهذه فلم لا يجوز العكس بإبقاء أخبار المنع على عمومها وتخصيص هذه الاخبار بها بان يقال انه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من الطواف.

(٢) صحيح مسلم ج ١ ص ٢٦٧ «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل ان يجلس».

٣١١

يؤتى بذوات الأسباب متى وجد السبب إلا في ما إذا كان في أحد هذه الأوقات؟ فلا بد لترجيح أحد الحملين على الآخر من مرجح.

ويمكن ان يرجح ما ذكره بتطرق التخصيص الى تلك الاخبار بما قدمناه من اخبار قضاء الفرائض وقضاء النوافل وما اشتملت عليه الاخبار المتقدمة في الموضع الأول من تلك الصلوات الخمس التي تصلى في كل وقت ، سيما مع ما ستعرف ان شاء الله تعالى من احتمال تطرق التقية الى هذه الاخبار كلا أو بعضا ، واعتضاد تلك الاخبار ايضا بعموم ما دل على مشروعية الصلاة ورجحانها في كل وقت.

(الثالث) ـ ظاهر الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه التوقف في هذه المسألة حيث قال : وقد روى نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان. إلا انه روى لي جماعة من مشايخنا عن ابي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، ثم أورد الرواية كما قدمناه. وقال الشيخ في التهذيب بعد ان أورد الأخبار المتضمنة للكراهة : وقد روى رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ونقل الرواية بعينها.

وقال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام الفقيه بتمامه : ولولا قطع الرواية ظاهرا لتعين المصير الى ما تضمنته وحمل أخبار النهي على التقية لموافقتها لمذهب العامة واخبارهم وقد أكثر الفقيه الجليل محمد بن محمد بن النعمان في كتابه المسمى ب «افعل لا تفعل» من التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال انهم كثيرا ما يخبرون عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتحريم شي‌ء وبعلة تحريمه وتلك العلة خطأ لا يجوز ان يتكلم بها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا يحرم الله من قبلها شيئا ، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين عند طلوع الشمس حتى يلتئم طلوعها وعند غروبها ، فلو لا ان علة النهي انها تطلع وتغرب بين قرني الشيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجميع. وهذا جهل من قائله والأنبياء لا تجهل

٣١٢

فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت ان التطوع جائز فيهما. انتهى.

أقول : ما ذكره من ان الرواية مقطوعة غفلة عن مراجعتها من كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة إلا انه ربما لو اطلع على ذلك لطعن في ذلك بعدم توثيق المشايخ المذكورين في كتب الرجال. ولكن التحقيق كما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) هو صحة الرواية ، حيث قال : والظاهر صحة الرواية لأن قول الصدوق «روى لي جماعة من مشايخنا» يدل على استفاضتها عنده ، والمشايخ الأربعة الذين ذكرهم في إكمال الدين وان لم يوثقوا في كتب الرجال لكنهم من مشايخ الصدوق ويروي عنهم كثيرا ويقول غالبا بعد ذكر كلامهم «رضي‌الله‌عنهم» واتفاق هذا العدد من المشايخ على النقل لا يقصر عن نقل واحد قال فيه بعض أصحاب الرجال «ثقة» ، فلا يبعد حمل أخبار النهي مطلقا على التقية أو الاتقاء لاشتهار الحكم بين المخالفين واتفاقهم على إضرار من صلى في هذه الأوقات. ثم نقل كلام الشيخ المفيد المتقدم في كلام السيد (قدس‌سرهما).

أقول : والقول بما صرحوا به (نور الله مراقدهم) من الحمل على التقية قريب في الباب لصحة هذا الخبر وصراحته إلا انه ربما أشكل ذلك لورود هذا اللفظ في جملة من الاخبار الخارجة عن أخبار المسألة مثل خبر النفر من اليهود الذين جاءوا الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل (١) وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت المخصوص بها ما صورته «واما صلاة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان فأمرني ربي عزوجل ان أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل ان يسجد لها الكافر لتسجد أمتي لله عزوجل. الحديث». ونحوه ما رواه الصدوق في العلل (٢) في ما أجاب به أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن مسائل اليهود قال : «ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان». ونحوهما مما لا يخفى على المتتبع ، والظاهر انه لذلك قال شيخنا البهائي في كتاب

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٨٢ عن الخصال.

٣١٣

الحبل المتين بعد نقل كلام الصدوق ودلالته على التوقف : والاولى عدم الخروج عما نطقت به الروايات المتكثرة وقال به جماهير الأصحاب. انتهى. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وان كان ما ذكرناه من الحمل على التقية أقرب قريب.

(الرابع) ـ ما دلت عليه الاخبار المتقدمة من تعليل الكراهة حال الطلوع والغروب بان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان قد ورد مثله في اخبار العامة (١) وقد ذكروا في معناه وجوها :

قال في النهاية الأثيرية : فيه «الشمس تطلع بين قرني الشيطان» أي ناحيتي رأسه وجانبيه. وقيل القرن القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها وقيل بين قرني اي أمتيه الأولين والآخرين. وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها فكأن الشيطان سول له ذلك فإذا سجد لها فكأن الشيطان مقترن بها.

وقال في القاموس : قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه أو قوته وانتشاره وتسلطه.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : فيه وجوه : (أحدها) ـ انه ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها بين قرنيه اي فوديه فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس فتصير عبادتهم له ، فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان. و (ثانيها) ـ ان يراد بقرينة حزباه اللذان يبعثهما لإغواء الناس. و (ثالثها) ـ انه من باب التمثيل شبه الشيطان في ما يسول لعبدة الشمس ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء وتدافعها بقرونها. و (رابعها) ـ ان يراد بالقرن القوة من قولهم انا نقرن له اي نطيق ، ومعنى التثنية تضعيف القوة كما يقال «مالي بهذا الأمر يد ولا يدان» اي لا قدرة ولا طاقة. انتهى.

وقال شيخنا في الذكرى : قيل قرن الشيطان حزبه وهم عبدة الشمس يسجدون

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٠٧.

٣١٤

لها في هذه الأوقات. وقال بعض العامة ان الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه في أخبارنا مما يتعلق بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (١) قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الحديث الذي روي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال نعم ان إبليس اتخذ عرشا بين السماء والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه ان بني آدم يصلون لي». ونحوه ما تقدم من حديث النفر من اليهود مما يرجع الى التعليل بسجود الكفار لها فيه. وحاصل معنى الخبرين المذكورين يرجع الى التمثيل الذي ذكره في النهاية بأن المصلي في ذلك الوقت كأنه ساجد ويصلي للشيطان من حيث سجوده للشمس بتسويل الشيطان وإغوائه فطلوعها كذلك يقترن بالشيطان باعتبار تسويله وإضلاله.

(الخامس) ـ ظاهر قوله (عليه‌السلام) في رواية علي بن بلال (٢) «لا يجوز ذلك إلا للمقتضي». مما يدل على ما صرح به المرتضى من التحريم ، وهو ايضا ظاهر قولهم «لا صلاة» وكذا نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان ظواهر هذه الألفاظ هو التحريم وان تفاوتت في الدلالة على ذلك شدة وضعفا ، إلا ان كلام الأكثر كما عرفت هو الكراهة والشهيد في الذكرى حمل التحريم في كلام المرتضى على الرجوع الى صلاة الضحى لتقدمها في صدر الكلام ، وهو انما يتم له في العبارة الاولى من عبارتيه السالفتين واما عبارته في أجوبة المسائل الناصرية فلا لعدم ذكر صلاة الضحى فيها ولتصريحه فيها بالنوافل المبتدأة وانه لا يجوز ان يبتدأ بالنوافل في هذه الأوقات. وظاهر عبارة الشيخ المفيد ايضا هو التحريم حيث قال في المقنعة : «ولا يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء شي‌ء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» بعد ان صرح أولا بأنه لا بأس ان يقضي الإنسان نوافله بعد

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٨٠ والوسائل الباب ٣٨ من المواقيت.

(٢) ص ٣٠٥.

٣١٥

صلاة الغداة الى ان تطلع الشمس وبعد صلاة العصر الى ان يتغير لونها. وفي المختلف نقل عنه عبارة أخرى ولعلها من غير المقنعة وعبر فيها بالكراهة ، والذي وجدته في المقنعة هو ما ذكرته. إلا ان الشيخ المفيد جعل التحريم في وقتي الطلوع والغروب لكل من النافلة المبتدأة والمقضية ، والسيد في كلامه الأول جعل التحريم في ما بعد طلوع الشمس الى وقت زوالها وأطلق في التنفل وفي الثاني صرح بالمبتدأة وان التحريم مخصوص بها وعمم في الأوقات كلها.

وكيف كان فظواهر الأخبار الدلالة على التحريم كما ذكرنا إلا انك قد عرفت تخصيص تلك الاخبار بما عدا القضاء بل ذي السبب مطلقا فيرجع التحريم إلى المبتدأة خاصة ، ولا اعرف لهم دليلا على الخروج عن ظواهرها من التحريم بدليل يوجب الخروج عن ظاهر ما دلت عليه مع قول جمع منهم به كما عرفت بذلك قال في الذكرى. ولعل استناد الأصحاب في الحكم بالكراهة وحمل الاخبار المشار إليها على ذلك هو قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم «وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس. الى آخره» وقوله (عليه‌السلام) في رواية سليمان بن جعفر الجعفري المنقولة من العلل «لا ينبغي لأحد ان يصلي إذا طلعت الشمس. الى آخره» والظاهر انه الى ما ذكرنا أشار العلامة في المنتهى حيث قال : النهي الوارد ههنا للكراهة لان أخبارنا ناطقة بذلك خلافا لبعض الجمهور. وفيه ما عرفته في غير مقام مما تقدم من كثرة ورود هذين اللفظين في التحريم في أخبارهم (عليهم‌السلام) وقد حققنا فيما تقدم انهما من الألفاظ المتشابهة التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا بالقرينة. وبالجملة فالحكم عندي غير خال من شوب الاشكال لما عرفت.

وقال في الذكرى : لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات فالظاهر انعقادها ان لم نقل بالتحريم إذ الكراهة لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة ، وتوقف فيه الفاضل من حيث النهي. قلنا ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات فعلى قولنا ينعقد وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده لانه مرجوح. ولقائل

٣١٦

أن يقول بالصحة أيضا لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب وهو عنده جائز ، ولانه جوز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات. انتهى.

أقول : يمكن ان يكون توقف الفاضل نظرا الى ظاهر النهي وانه حقيقة في التحريم وان كان خلاف المشهور بينهم وخلاف ما نسبه اليه بقوله : «ليس بنهي تحريم عندكم» فإن أقواله (قدس‌سره) في أكثر المسائل متعددة ، وعليه يحمل ايضا جزمه بعدم انعقاد النذر المذكور كما نقله عنه. وبالجملة فإن جميع ما ذكره من البطلان وعدم انعقاد النذر انما يتم مع الأخذ بظاهر النهي فلعل العلامة في هذا الموضع اختار خلاف ما صرح به هو وغيره مما عليه القول المشهور من الجواز على كراهية.

(السادس) ـ ظاهر الأصحاب الاتفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع من النوافل عند قيام الشمس ، ونسبه في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ونقله ايضا عن جماعة من العامة (١) وقد تقدم (٢) صحيح عبد الله بن سنان الدال على ذلك ، ومثله صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان».

(السابع) ـ أكثر الأخبار المتقدمة دلت على ان مقارنة الشيطان للشمس انما هو وقت الطلوع ووقت الغروب ، وظاهر رواية الجعفري المتقدم نقلها من كتاب العلل مقارنته لها أيضا في حال الانتصاف وان النهي عن الصلاة وقت قيامها في الاخبار انما هو لذلك.

ومن الاخبار الدالة على ذلك ايضا ما رواه في الذكرى قال : «روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ، ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات» والظاهر ان الخبر المذكور من طريق العامة (٤) حيث انه

__________________

(١ و ٤) المغني ج ٢ ص ١٢٣.

(٢) ص ٣٠٦.

(٣) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

٣١٧

غير موجود في كتب أخبارنا.

وروى في الكافي عن الحسين بن مسلم (١) قال : «قلت لأبي الحسن الثاني (عليه‌السلام) أكون في السوق فاعرف الوقت ويضيق علي ان ادخل فأصلي؟ قال ان الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال : إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت ، فصل بعد الزوال فان الشيطان يريد ان يوقعك على حد يقطع بك دونه».

قال في الوافي : ذرت الشمس طلعت ، وكبدت وصلت الى كبد السماء اي وسطها ولعل مراد الراوي أن اشتغالي بأمر السوق يمنعني ان ادخل موضع صلاتي فأصلي في أول وقتها ، فأجابه (عليه‌السلام) بان وقت الغروب من الأوقات المكروهة للصلاة كوقتي الطلوع والقيام فاجتهد ان لا تؤخر صلاتك اليه. ويحتمل ان يكون مراده انى أعرف ان الوقت قد دخل الا انى لا استيقن به يقينا تسكن نفسي إليه حتى ادخل موضع صلاتي فأصلي ، ء أصلي على هذه الحال أم اصبر حتى يتحقق لي لزوال؟ فأجابه (عليه‌السلام) بان وقت وصول الشمس الى وسط السماء هو وقت مقارنة الشيطان لها كوقتي طلوعها وغروبها فلا ينبغي لك ان تصلي حتى يتحقق لك الزوال فان الشيطان يريد ان يوقعك على حد يقطع بك سبيل الحق دونه اي يحملك على الصلاة قبل دخول وقتها لكيلا تحسب لك تلك الصلاة. انتهى

أقول : الظاهر بعد ما ذكره أخيرا عن حاق سياق الخبر المذكور وان الأظهر هو الأول لكن بهذا التقريب وهو ان السائل سأل انه يدخل عليه الوقت في السوق ويعرفه ويحققه لكن تأخير الصلاة الى ان يفرغ ويمضي إلى منزله يوجب ضيق الوقت فهل الأفضل ان يصلي في السوق في أول الوقت أو يؤخر إلى ان يأتي المنزل وان ضاق الوقت؟ فأمره (عليه‌السلام) بالإتيان بها في أول الوقت. والغرض من سوق هذا الكلام الدال على مقارنة الشيطان للشمس في هذه الأوقات الثلاثة بيان إضلال الشيطان للناس في هذه الأوقات الثلاثة بزيادة على ما هو عليه في جميع الأوقات ، اما في وقت الطلوع

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت. وفي الكافي والوسائل (ابن أسلم) وفي الوافي كما هنا.

٣١٨

فلما تقدم ، واما وقت القيام ووقت الغروب فإنه حيث كان وقت الصلاة بعد هذين الوقتين بلا فصل فإنه يحضر هو وجنوده لاغوائهم وإضلالهم عنها بما امكنه فربما سول لك التأخير الى ان تدخل منزلك وموضع مصلاك ليقطع بك دون الزوال وفضيلته. والله العالم.

(الثامن) ـ ينبغي ان يعلم ان ما دل عليه موثق الحلبي المتقدم (١) ـ من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب ـ المراد به نفس فريضة الفجر وفريضة العصر لا وقتاهما ، وبه صرح الشيخ (قدس‌سره) في ما تقدم من عبارة الخلاف في تفصيله وفرقه بين ما كان الكراهة لأجل الوقت كالثلاثة التي ذكرها أو لأجل الفعل يعني فعل الصلاة في هذين الوقتين لا من حيث الزمان كالصلاة بعد صلاة الفجر وصلاة العصر ، وعلى هذا فلو صلى في هذا الوقت قبل الفريضة لم تتعلق به الكراهة وانما يرجع الى جواز النافلة في وقت الفريضة وان كان على كراهة كما هو أحد القولين وعدمه كما هو المختار ، فالكراهة حينئذ على تقدير القول بالجواز انما هي من جهة أخرى غير ما نحن فيه. والظاهر تعليق الحكم على صلاة المصلي نفسه لا على الصلاة في الجملة وان كان من غيره. ونقل في الذكرى عن بعض العامة انه جعل النهي معلقا على طلوع الفجر لما روى (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين». وبعموم قوله (عليه‌السلام) «لا صلاة بعد الفجر» (٣). ثم أجاب عن ذلك بان الحديث الأول لم نستثبته واما الثاني فنقول بموجبه ويراد به صلاة الفجر توفيقا بينه وبين الاخبار. انتهى.

(التاسع) ـ لو صلى الصبح والعصر منفردا ثم أراد الإعادة جماعة لتحصيل فضيلتها فهل تتصف صلاته هذه بالكراهة بناء على المشهور أم لا؟ صرح في الذكرى

__________________

(١) ص ٣٠٥.

(٢) سنن ابى داود ج ٢ ص ٢٥ والمغني ج ٢ ص ١١٦.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب المواقيت.

٣١٩

بالثاني وعلله بان لها سببا ، وبما روى (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى الصبح فلما انصرف رأي رجلين في زاوية المسجد فقال لم لم تصليا معنا؟ فقالا كنا قد صلينا في رحالنا. فقال إذا جئتما فصليا معنا وان كنتما قد صليتما في رحالكما لكنها لكما سبحة». انتهى.

أقول : اما ما علل به اختياره لعدم الكراهة من ان هذه النافلة ذات سبب فلا اعرف له وجها إذ الصلاة فرادى ليست علة لاستحباب الإعادة جماعة ولا تعلق لها بها ولا ربط بينهما بالكلية وانما العلة هو أمر الشارع بذلك في هذا المقام. الا ترى ان صلاة الزيارة لما كانت العلة فيها الزيارة بمعنى ان الشارع جعلها لأجلها وناطها بها وكذلك صلاة تحية المسجد ونحو ذلك صارت من ذلك ذات سبب. واما الخبر الذي أورده فالظاهر انه عامي حيث لم أقف عليه في كتب أخبارنا. وبالجملة فالظاهر بناء على القول بكراهة النافلة المبتدأة بعد هاتين الصلاتين هو كراهة هذه الصلاة ، وتخصيص اخبارها الدالة على مشروعيتها واستحبابها مطلقا بهذه الاخبار ممنوع.

(العاشر) ـ قال في الذكرى : لو عرض السبب في هذه الأوقات كأن أراد الإحرام أو دخل المسجد أو زار مشهدا لم تكره الصلاة لصيرورتها ذات سبب ولأن شرعية هذه الأمور عامة. ولو تطهر في هذه الأوقات جاز ان يصلي ركعتين ولا يكون ابتداء للحث على الصلاة عقيب الطهارة ، ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) روى انه قال لبلال (٢) : «حدثني بأرحى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي من انني لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي ان أصلي». وأقرّه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ذلك. انتهى.

__________________

(١) سنن الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج ٢ ص ١٨.

(٢) كنز العمال ج ٢ ص ١٦٧.

٣٢٠