الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

على خلاف ذلك مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز ، وأيضا فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل النص أو الظاهر في ذلك كغيره من الوجوب والتحريم وإلا لكان قولا على الله تعالى بغير دليل ، ومجرد وجود المعارض ليس بدليل على ذلك إذ يمكن ان يكون له معنى آخر لا ينافي التحريم والوجوب من التقية ونحوها أو معنى غير ما فهموه كما سيظهر لك في اخبار هذا المقام.

(الثالث) ـ ان الأخبار التي استندوا إليها في الدلالة لا ظهور لها فيما ذكروه ولا وضوح فيها لما اعتبروه.

وتحقيق الكلام في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة والسلام) وبه يرتفع التنافي بين الأخبار على وجه واضح المنار ان نقول يجب ان يعلم :

(أولا) ـ انه لا يخفى ان المستفاد من الأخبار التي قدمناها هو المنع من النافلة مطلقا وان كانت راتبة متى خرج وقتها الموظف لها شرعا ودخل وقت فريضتها ، وجل الروايات الواردة بهذا المعنى عند التأمل في مضامينها انما وردت بالنسبة إلى الراتبة وجواز مزاحمة الفريضة بها وعدمه وان استفيد من ظاهرها العموم ، وذلك فإن الراتبة في الظهرين لها جزء معلوم من وقت الفريضة بخروجه يمتنع أداؤها ويتحتم تقديم الفريضة وهو الذراع والذراعان أو القدمان والأربعة أقدام كما تقدم بيانه موضحا مشروحا ، وان الإشارة في بعض الروايات بوقت الفريضة الممنوع من التطوع فيه انما هو الى ما بعد ذلك الجزء الذي تختص به النافلة ، ومن ذلك يعلم ان المراد بالتطوع الممنوع منه في أمثال ذلك انما هو النافلة الراتبة وامتناع غيرها يكون بطريق اولى ، وجملة منها عامة دالة بعمومها على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة راتبة أو غيرها.

و (ثانيا) ـ انه لا يخفى ان إطلاق وقت الظهر على هذا الوقت المختزل منه قدر النافلة قد صار شائعا في الأخبار كما في موثقة سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه

٢٦١

السلام) (١) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم.». ونحوها موثقة إسماعيل بن عبد الخالق وغيرها من الروايات الكثيرة المتقدمة في القصد الأول وقد دلت الأخبار ايضا على ان هذا الوقت المختزل انما هو للنافلة كقول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يبلغ الفي‌ء ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة». وفي معناها أخبار عديدة قد تقدمت. هذا بالنسبة إلى المتنفل واما من لا يتنفل فإن الأفضل له المبادرة بالفريضة في أول الزوال ولا يستحب له التأخير الى ذلك الوقت وعليه تدل الأخبار ايضا ، وحينئذ فالوقت بالنسبة إلى المتنفل غيره بالنسبة الى من لا يتنفل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان استدلال صاحب المدارك على حمل روايات المنع على الأفضلية بصحيحة محمد بن مسلم مبني على انه فهم من قوله (عليه‌السلام) «الفضل ان تبدأ بالفريضة» جواز البدأة بالنافلة وان كان خلاف الأفضل بناء على ان قول السائل «إذا دخل وقت الفريضة. إلخ» هو أول الوقت الحقيقي. وليس الأمر كما فهمه (قدس‌سره) بل المراد بالوقت المسؤول عنه هنا والمفروض دخوله انما هو الوقت المعين للفريضة بعد مضي وقت النافلة كما أشرنا اليه ، وهذا الإطلاق كان شائعا كما يستفاد من الأخبار التي أشرنا إليها ، وحينئذ فمعنى الرواية ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان السائل إنما سأل انه إذا دخل هذا الوقت المذكور فهل يجوز لي ان أتنفل أم لا؟ فقال (عليه‌السلام) الفضل ان تبدأ بالفريضة لأنه أول وقت فضيلتها والنافلة هنا لا فضل فيها لخروج وقتها ومتى كانت لا فضل فيها فلا يشرع الإتيان بها لأنها عبادة ، فإذا انتفى الفضل فيها دل على عدم صحتها نظير ما تقدم تحقيقه في مسألة الغسلة الثانية في

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من المواقيت.

٢٦٢

الوضوء من قولهم (عليهم‌السلام) (١) «ومن توضأ مرتين لا يؤجر». وقد نسبوا الى الصدوق القول بتحريم الثانية للخبر المذكور ، قالوا لان العبادات لا مباح فيها وهي اما واجبة أو مندوبة وكلاهما محصل للأجر ، صرح بذلك شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان ، نعم ربما يحتمل ما ذكره لو قال (عليه‌السلام) «الأفضل» بصيغة افعل التفصيل الدال على حصول فضل في الابتداء بالنافلة لكن العبارة ليست كذلك ، ويوضح ما قلناه قوله (عليه‌السلام) : «وانما أخرت الظهر ذراعا. إلخ» أي إنما أخرت الظهر الى هذا الوقت المسؤول عنه من أجل صلاة الأوابين فمتى خرج وقتها الموظف لها فلا تضايق بها الفريضة بل الفضل في البدأة بالفريضة. هذا معنى الخبر المذكور بما لا يتطرق اليه الوهن ولا القصور. والعجب منه (قدس‌سره) انه يتوهم ان النافلة المسؤول عنها في الخبر النافلة الغير الراتبة كما يعطيه سياق استدلاله وهو مطرح كلامه وخياله مع انه لا يلائم قوله (عليه‌السلام) في الرواية «وانما أخرت الظهر ذراعا. إلخ» كما لا يخفى وانما يتلائم الكلام أولا وآخرا على ما ذكرناه.

واما موثقة سماعة على الوجه الذي نقله في المدارك فهي المروية في الفقيه وهي مروية في الكافي والتهذيب ايضا (٢) وفيها زيادة على ما نقله «الأمر موسع ان يصلى الإنسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا ان يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلى الإنسان وحده ان يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه ان يصلي النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت ، وحاصل معنى الرواية المذكورة بناء على ما ذكرناه ـ والله سبحانه وقائلها اعلم ـ ان الراوي سأله عن من يأتي المسجد وقد صلى أهله المكتوبة في أول وقتها وكأنه ليس بين مجيئه وصلاة أهل المسجد الا يسير فكأن بعض وقت النافلة كان باقيا فسأله عن التطوع بالراتبة أيتطوع بها في ذلك الوقت أم يبتدئ بالمكتوبة؟ إذ لا جائز ان يحمل التطوع هنا على غير

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من الوضوء.

(٢) الوسائل الباب ٣٥ من المواقيت.

٢٦٣

الراتبة لأنه إذا كانت الراتبة بزوال وقتها الموظف لها في تلك الأخبار لا يجوز مزاحمة الفريضة بها فلان يمتنع مزاحمة غيرها بطريق اولى ، وإمعان النظر في معنى الرواية وسياقها صريح في إرادة الراتبة خاصة ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه ان كان إتيانه في وقت حسن يعني يسع الراتبة ولو مخففة فلا بأس بالتطوع بها قبل الفريضة وان كان يخاف فوت الوقت اي وقت فضيلة الفريضة لو اشتغل بالنافلة لما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة في أول وقت فضيلتها ثم يتطوع بعدها بما شاء ، ويوضح ما قلناه الزيادة التي ذكرناها على ما نقله في المدارك برواية الشيخين من ان الأمر موسع له في النوافل من أول دخول الوقت المحدود لها في تلك الأخبار إلا ان يخاف فوت وقت الفريضة يعني فوت وقتها الذي لها بعد النافلة وهو أول وقت فضيلتها ، وملخصه انه ان اتى في وقت يمكن الإتيان بالنافلة ولو مخففة وإلا بدأ بالفريضة في وقت فضلها المحدود لها.

وقد وفق الله تعالى بعد ان خطر هذا المعنى بالبال للوقوف عليه في كلام شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين حيث قال : وقوله (عليه‌السلام) في الحديث الرابع عشر «ان كان في وقت حسن» اي متسع يعطي بإطلاقه جواز مطلق النافلة في وقت الفريضة إلا ان يحمل التطوع على الرواتب ويكون في قول السائل «وقد صلى أهله الفريضة» نوع إيماء خفي الى ذلك فان «قد» تقرب الماضي من الحال كما قيل. انتهى. ثم كتب في الحاشية ما صورته : فيفهم منه انه لم يمض من وقت صلاتهم الى وقت مجي‌ء ذلك الرجل الأزمان يسير فالظاهر عدم خروج وقت الراتبة بمضي ذلك الزمان اليسير. انتهى. وهو من عجيب توارد الخواطر. وظاهر كلام شيخنا المذكور يعطى نوع تردد في حمل الرواية على المعنى الذي ذكرناه ، والحق انه لا معدل عنه ولا معنى للرواية غيره سيما بالنظر الى الزيادة التي ذكرها الشيخان المذكوران.

واما قوله (عليه‌السلام) في جملة الزيادة المشار إليها «والفضل إذا صلى الإنسان وحده. إلخ» فالظاهر ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان المراد من هذا الكلام ان الإنسان

٢٦٤

إذا صلى وحده ودخل عليه وقت الفريضة أي الوقت المعين لها بعد مضي وقت النافلة ـ لما أشرنا إليه سابقا من شيوع هذا الإطلاق في الأخبار ـ فليبدأ بالفريضة لخروج وقت النافلة وليكون قد صلى الفريضة في أول وقت فضيلتها ولا يحظر عليه صلاة النوافل في أول الوقت يعني وقتها المقرر لها. وفيه إشارة إلى انه إذا صلى مع إمام فإنه يجوز له مزاحمة وقت الفريضة بها لانتظار الجماعة فيكون هذا مستثنى كغيره مما يأتي التنبيه عليه. وعلى ذلك تحمل موثقة إسحاق بن عمار التي استدل بها الشهيدان في الذكرى والروض كما تقدم ذكره من قوله : «قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به وإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» فإنه لا يصح حمل الوقت هنا على ما زعماه من الوقت الحقيقي الذي هو أول الزوال لما استفاض من استحباب النافلة فيه للمنفرد وغيره فكيف يؤمر المنفرد هنا بترك النافلة فيه؟ بل المراد انما هو الوقت الذي بعد مضي وقت النافلة وانه يجوز مزاحمة النافلة للفريضة فيه لانتظار الجماعة. ويؤيده أيضا صحيحة عمر بن يزيد «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرواية التي يروون انه لا يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟. الحديث كما تقدم». فان هذا الحديث ايضا محمول على من ينتظر الجماعة فرخص له في الإتيان بالراتبة بعد مضي وقتها ومزاحمة وقت الفريضة بها لأجل انتظار فضيلة الجماعة وإلا فالحد الحقيقي للنافلة انما هو الذراع والذراعان وانه بعد مضيهما فلا يتطوع ولكنه لما ساعت المزاحمة هنا جعل الحد الإقامة وان زاد على الحد المقرر.

وبما ذكرنا في معاني حسنة محمد بن مسلم وموثقة سماعة وموثقة إسحاق بن عمار يظهر لك انه لا منافاة فيها للأخبار السابقة التي استدللنا بها بل هي منطبقة عليها على أحسن وجوه الانطباق ومتفقة معها بأوضح معاني الاتفاق ، وان خلاف من خالف بناء على ما فهمه من هذه الروايات انما نشأ من عدم إعطاء النظر حقه في التأمل في معاني الأخبار.

واما ما استدل به في الروض ونحوه في الذكرى وان لم ننقله سابقا من روايات

٢٦٥

صلاة الركعتين قبل الغداة لمن نام عن الغداة وحديث نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسيأتي الكلام عليها في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.

وبالجملة فإن ما تعلقوا به من الروايات التي ذكروها واعتمدوها دليلا على الجواز فقد عرفت انه لا دلالة فيها ولا منافاة لما ذكرناه.

نعم هنا روايات أخر لم يتعرضوا لنقلها ولم يلموا بها وكان الاولى لهم الاستدلال بها في المقام :

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال يقضيها ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء».

وحسنة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال متى شاء ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء».

ورواية أبي بصير (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان فاتك شي‌ء من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر عند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر».

ويؤيدها إطلاق جملة من الأخبار كرواية أبي بصير (٤) قال : «ان قويت فاقض صلاة النهار بالليل». ورواية محمد بن يحيى بن حبيب (٥) قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) تكون علي صلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار». ورواية الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء». وصحيحة ابن ابي يعفور (٧) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار». وصحيحة حسان بن مهران (٨) قال : «سألت

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٩ من المواقيت.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٥٧ من أبواب المواقيت.

٢٦٦

أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس الى غروبها». ونحوها روايات عديدة بالنسبة إلى قضاء صلاة الليل وقضاء الوتر.

ويمكن ان يقال في الجمع بين هذه الأخبار وما قدمناه ان أكثر تلك الأخبار انما دل على المنع من مزاحمة الراتبة للفريضة بعد دخول وقت فضيلتها وان استفيد منه بطريق الأولوية المنع من المبتدأة ، وبعضها وان كان ظاهرا في العموم كصحاح زرارة الثلاث إلا انه يمكن ان يقال باستثناء النوافل المقتضية من ذلك بهذه الأخبار ، وتوضيح ذلك ان يقال انه لا نافلة بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة مطلقا راتبة أو مبتدأة أو مقضية ، ونعني بوقت الفضيلة هو ما بعد الذراع والذراعين بالنسبة إلى الظهرين وأول الغروب بالنسبة إلى المغرب وبعد غياب الشفق بالنسبة إلى العشاء وأول الفجر الثاني بالنسبة إلى صلاة الفجر بناء على ما اخترناه فلا يصلى في هذه الأوقات نافلة مطلقا ، واما ما قبل هذه الأوقات مما اشتمل على وقت الفريضة فإنه يجوز القضاء فيه بهذه الأخبار دون النافلة المبتدأة عملا بعموم صحاح زرارة في منع النافلة المبتدأة ، وحينئذ فمعنى قضاء نوافل النهار بعد المغرب يعني قبل دخول وقت فضيلة العشاء ، ويؤيده ان المتبادر من البعدية هو البعدية القريبة ، وقوله في رواية أبي بصير «فاقضه عند زوال الشمس» يعني قبل زوال الشمس أو بعد الزوال قبل دخول وقت الفضيلة «وبعد الظهر عند العصر» يعني قبل دخول فضيلة العصر وعلى هذا يحمل إطلاق الأخبار المتقدمة. ويحتمل ايضا خروج الصريح من هذه الأخبار مخرج التقية لإشعار صحيحتي زرارة السابقتين المشتملتين على المقايسة بذلك إلا انه لا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة.

هذا ، وربما استند بعض المجوزين الى الاستدلال على ذلك بمواضع : منها ـ ما ورد من انه متى تلبس المصلي بركعة من نوافل الزوال فإنه يتمها وان خرج وقتها ، ومنها ـ من تلبس بأربع ركعات من صلاة الليل ثم طلع الفجر فإنه يزاحم بها الفريضة ، ومنها ـ ما ورد ايضا من جواز إيقاع صلاة الليل كملا بعد الفجر ابتداء بالنسبة الى من يعتادها ثم تغلبه

٢٦٧

عيناه عنها في بعض الأوقات حتى يطلع الفجر فإنه يصليها مخففة كما تقدم جميع ذلك ، فان هذه المواضع كلها تدل على جواز إيقاع النافلة في وقت الفريضة.

والجواب عن ذلك (أولا) ان هذه المواضع خارجة عن محل النزاع فان مطرح البحث النوافل المبتدأة أو قضاء الراتبة والخصم لا يقول بان النوافل في هذه الأوقات تصلي قضاء فلا دليل له في ذلك. و (ثانيا) انا نقول ان جواز النافلة في هذه الصورة إنما خرج مخرج الرخصة وليست بأعظم رتبة من الفريضة ، والشارع قد جوز فيها ذلك وبه صرح الأصحاب فقالوا بان من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله ورووا ذلك بهذا العنوان ووردت به الرواية في خصوص صلاة الصبح كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محله ، وقد اتفقوا على انه لا قضاء عليه بعد ذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على بطلان الصلاة في غير وقتها فليكن ما نحن فيه من قبيل ذلك.

ومن الرخص في النوافل ايضا ما تقدم من جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف للمسافر والشاب الذي تمنعه رطوبة دماغه عن الانتباه ، وتقديم نافلة الزوال لمن يشتغل عن أدائها وقضائها ، ومنها ـ تقديم غسل الجمعة لخائف عوز الماء. وإعطاء زكاة الفطرة قبل وقتها ، ونحو ذلك ، وهذه المواضع المعدودة من قبيل ذلك فلا منافاة فيها للأخبار الدالة على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما لا يخفى. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز النافلة لمن عليه قضاء فريضة ، فالأكثر منهم على المنع من ذلك وهو اختيار العلامة في المختلف وأكثر المتأخرين ، وقيل بالجواز ونقل عن الصدوق وابن الجنيد واليه ذهب الشهيدان والأظهر عندي هو القول المشهور.

لنا ـ ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي من قوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (١) المفسر في الأخبار بذكر الصلاة الفائتة ، وما يأتي أيضا من الروايات الدالة

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٤.

٢٦٨

على وجوب ترتب الحاضرة على الفائتة وانه يجب تأخير الحاضرة الى ان يتضيق وقتها وإذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق اولى واولى منه في غير نافلتها.

ويدل على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) المتقدمة في صدر المسألة السابقة (١) حيث قال فيها «ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».

وصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال يصلي حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة».

وصحيحة زرارة المتقدم نقلها في صدر المسألة السابقة (٣) عن المشايخ المتقدم ذكرهم وقوله (عليه‌السلام) فيها «أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا تصلى نافلة في وقت فريضة. الحديث». ويؤكده قضية التنظير بقضاء شهر رمضان فإنه صريح في المنع.

واما ما تكلفه بعضهم في الجواب عن هذه الصحيحة ـ بالحمل على الأداء خاصة مستندا الى ان المتبادر من قوله «في وقت فريضة» ودخول وقت الفريضة وقت الأداء وان المراد بقوله (عليه‌السلام) «لو كان عليك من شهر رمضان» الأداء لا القضاء ـ ففيه من البعد عن حاق اللفظ وسياق الكلام ما لا يخفى على ذوي الألباب والافهام ومن له أدنى معرفة بأساليب الكلام ، لان قول السائل «علي فريضة أو في وقت فريضة» مرددا «بأو» صريح في مغايرة الأول للثاني وان الأول مراد به القضاء أو الأعم منه والثاني مراد به الأداء خاصة. واما جوابه (عليه‌السلام) بقوله «لا تصلى نافلة في وقت فريضة» وان كان ظاهرا في الأداء إلا ان قضية تطبيق الجواب على السؤال بناء على ما ذكرنا ارادة العموم في الجواب ، ويكون معنى الجواب حينئذ

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٦١ من أبواب المواقيت.

(٣) ص ٢٥٦.

٢٦٩

انه لا تصلى نافلة في وقت وجوب فريضة ، والفائتة ـ كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي ـ وقتها ساعة ذكرها. واما التنظير بشهر رمضان وان المراد عدم جواز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان فهو الذي عليه اتفاق الأصحاب ومستندهم انما هو هذه الرواية كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الصوم. وبالجملة فإن ارتكاب هذه الاحتمالات الغثة البعيدة والتمحلات الغير السديدة لو تم لانغلق باب الاستدلال إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ولا قول إلا وللقائل فيه مجال ، والنظر في الاستدلال انما يبنى على ما يتبادر الى الفهم من حاق الكلام ودل عليه السياق الذي به النظام.

استدل القائلون بالجواز بما رواه الشيخ عن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ قال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة».

وما روى بطرق عديدة منها الصحيح وغيره من نومه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ وركع ركعتي الفجر ثم صلى الصبح بعدهما ، ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سمعته يقول ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد نادية ساعة فركع ركعتين ثم صلى الصبح. الحديث».

وأجاب الشيخ عن الخبرين المذكورين في كتاب الاستبصار فقال بعد ذكرهما : فالوجه في هذين الخبرين ان نحملهما على من يريد ان يصلي بقوم وينتظر اجتماعهم جاز له ان يبدأ بركعتي النافلة كما فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واما إذا كان وحده فلا يجوز له ذلك على حال. انتهى. وحاصل كلامه يرجع الى ان جواز ذلك رخصة لانتظار

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٦١ من المواقيت.

٢٧٠

الجماعة. وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد ان نقل كلام الشيخ واستبعده : والاولى حمله على الرخصة. وليس بذلك البعيد.

وكيف كان فما استدلوا به أخص من المدعى فلا يقوم حجة إذ مدلول الخبرين ركعتا الفجر وصلاة الصبح والمدعى أعم من ذلك. واما ما يقال في أمثال هذه المقامات ـ من ان هذه الأخبار قد دلت على الجواز في هذا الموضع ويضم إليه انه لا قائل بالفرق فيتم في الجميع ـ فكلام ظاهري لا يعول عليه وتخريج شعري لا يلتفت اليه.

ومن روايات هذه المسألة ما رواه شيخنا الشهيد في الذكرى في الصحيح عن زرارة بنحو ابسط من الخبر المتقدم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة. قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه‌السلام) فحدثني ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا؟ فقال بلال انا. فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخذ بنفسي ما أخذ بأنفاسكم. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي اخذتكم فيه الغفلة ، وقال يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح ، ثم قال من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فان الله عزوجل يقول «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (٢) قال زرارة فحملت الحديث الى الحكم وأصحابه فقالوا نقضت حديثك الأول فقدمت على ابي جعفر (عليه‌السلام) فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة إلا أخبرتهم انه قد فات الوقتان جميعا وان ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وهذه الرواية لم نقف عليها إلا في كتاب الذكرى وكفى به ناقلا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من المواقيت.

(٢) سورة طه ، الآية ١٤.

٢٧١

قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى بعد ذكر الخبر المذكور : ان فيه فوائد : منها ـ استحباب ان يكون للقوم حافظ إذا ناموا صيانة لهم عن هجوم ما يخاف منه. ومنها ـ ما تقدم من ان الله أنام نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لتعليم أمته ولئلا يعير بعض الأمة بذلك. ولم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به. ومنها ـ ان العبد ينبغي ان يتفأل بالمكان والزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خير وغيره ولهذا تحول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من مكان الى آخر. ومنها ـ استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة وقد روى العامة عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة في هذه الصورة «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بلالا فاذن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر» (١). ومنها ـ استحباب قضاء السنن. ومنها ـ جواز فعلها لمن عليه قضاء وان كان قد منع منه أكثر المتأخرين. ومنها ـ شرعية الجماعة في القضاء كالأداء. ومنها ـ وجوب قضاء الفائتة لفعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووجوب التأسي به وقوله «فليصلها». ومنها ـ ان وقت قضائها ذكرها. ومنها ـ ان المراد بالآية الكريمة ذلك. انتهى.

أقول : قد أهمل شيخنا (قدس‌سره) هنا شيئا هو أظهر الأشياء من الرواية اما غفلة أو لمنافاته لما اختاره في المسألة وهو المنع من صلاة النافلة إذا دخل وقت المكتوبة كما صرح به (عليه‌السلام) في صدر الخبر وأكده بالفرق بينه وبين القضاء.

واما قوله (قدس‌سره) : ومنها جواز فعلها ـ يعني السنن ـ لمن عليه قضاء» فهو ممنوع إذ أقصى ما دل عليه الخبر خصوص جواز ركعتي الفجر في هذه المادة وقضية الجمع بينه وبين ما قدمناه من الاخبار قصر هذا الخبر على مورده واستثناء هذا الموضع من المنع رخصة اما مطلقا كما ذكره المحدث الكاشاني أو لانتظار اجتماع الجماعة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) فلا دلالة فيه على الجواز مطلقا كما زعمه (قدس‌سره).

واما قوله : «وان كان قد منع منه أكثر المتأخرين» ـ مشيرا الى ان الخلاف

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١ ص ٤٠٤.

٢٧٢

في ذلك انما هو من المتأخرين ـ ففيه ما سيأتيك من كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) من الدلالة على ان المنع هو الذي عليه عصابة الحق.

ثم العجب كل العجب من أصحابنا (رضوان الله عليهم) مع إجماعهم واتفاقهم على عدم جواز السهو على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى انهم لم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه وشيخه ابن الوليد ، وقد طعنوا عليهما في ذلك وشنعوا عليهما أتم التشنيع حتى صنفوا في ذلك الرسائل وأكثروا من الدلائل ، ومنها رسالة الشيخ المفيد وربما نسبت الى السيد المرتضى وهي عندي وفيها ما يقضى منه العجب من القدح في ابن بابويه ، فكيف تلقوا هذه الاخبار بالقبول واعتمدوا على ما فيها من المنقول في مثل هذا الحكم المخالف لاعتقاداتهم؟ فمن كلامه في تلك الرسالة المشار إليها ما صورته : والخبر المروي أيضا في نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح من جملة الخبر عن سهوه في الصلاة فإنه من اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، ومن عمل عليه فعلى الظن معتمد في ذلك بدون اليقين ، وقد سلف قولنا في نظير ذلك ما يغني عن إعادته في هذا الباب ، مع انه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في ان من فاتته صلاة فريضة فعليه ان يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة ، فإذا حرم ان يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها ليقضى فرضا قد فاته كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض اولى ، هذا مع ان الاخبار عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : لا صلاة لمن عليه صلاة» (١). يريد لا نافلة لمن عليه صلاة فريضة. انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

وقال شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين بعد نقله فيه صحيحتي ابن سنان وزرارة المذكورتين ما صورته : وربما يظن تطرق الضعف إليهما لتضمنهما ما يوهم القدح في العصمة لكن قال شيخنا في الذكرى انه لم يطلع على راد لهما من هذه

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٤٦ من المواقيت.

٢٧٣

الجهة. وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله من المعصوم. وللنظر فيه مجال واسع. انتهى.

أقول : قد عرفت صراحة كلام شيخنا المفيد (قدس‌سره) في رد الأخبار المذكورة فكيف يدعى انه لا راد لهما؟ وعدم اطلاعه عليه لا يدل على العدم.

وبالجملة فمقتضى عدم تجويز السهو عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما هو ظاهر اتفاقهم رد هذه الاخبار ونحوها أو حملها على التقية ، كما يشير اليه ما نقله من رواية العامة الخبر المذكور عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة ، إذ لا يخفى ما بين الحكمين من التدافع والتناقض ، لكنهم من حيث قولهم بهذا الحكم واختيارهم له يغمضون النظر عما في أدلته من تطرق القدح ويتسترون بالأعذار الواهية كما لا يخفى على من مارس كلامهم في الأحكام كما نبهنا عليه في غير مقام.

وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما في أدلته من الوضوح والظهور وما في مقابلها من الوهن في الدلالة والقصور ، لأنه مع تسليم صحة مضمونه وقبوله لا دلالة له على المدعى بتمامه فيجب قصره على مورده ولا منافاة. ويؤيد ما نذهب إليه ايضا انه الأوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية أيضا.

وظاهر صاحب المدارك التوقف في هذه المسألة حيث اقتصر على نقل الأدلة من الطرفين ولم يرجح شيئا في البين. والظاهر ان السبب فيه صحة الأدلة من الجانبين وتعارض التأويل من كل من القائلين. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يستقر وجوب الصلاة بإدراك الوقت على صفة الكمال ومضي مقدار أدائها مخففة مع الشرائط ويجب القضاء لو أهمل والحال هذه اما لو لم يكن كذلك فلا قضاء على الأشهر الأظهر ، وانه متى أدرك الطهارة وركعة من آخر الوقت وجب الإتيان بها ، ولو أدرك الطهارة وخمس ركعات لزمه الفرضان.

٢٧٤

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) ـ لا خلاف ولا إشكال في انه لو حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض والإغماء ونحوها بعد مضي مقدار أداء الفريضة بشرائطها فإنه يجب عليه القضاء ، ويدل عليه عموم ما دل على وجوب القضاء ، واما لو لم يمض ذلك المقدار فإنه لا قضاء على الأشهر الأظهر ، قال الشيخ في الخلاف : إذا أدرك من الظهر دون اربع ثم جن أو أغمي عليه أو حاضت لم تلزمه الظهر لإجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ان من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدى الفرض فيه لم يلزمه إعادته. وظاهر الصدوق والمرتضى وابن الجنيد اعتبار إدراك الأكثر. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة بكلا طرفيها منقحا في بحث الحيض من كتاب الطهارة.

(الثاني) ـ لو زال المانع وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة ونحوها من الشروط والصلاتين أو إحداهما فإنه يجب الأداء ومع التفريط القضاء. وقد مر الكلام ايضا منقحا في ذلك في الموضع المشار اليه.

وكذلك لو لم يدرك إلا ركعة مع الشروط فإنه يجب عليه الإتيان بها وان خرج الوقت.

وقد نقل في المدارك ان هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ونقل عن المنتهى انه لا خلاف فيه بين أهل العلم ، قال والأصل فيه ما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة». وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر». ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباتة (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة». وفي الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته». ثم قال وهذه الروايات

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من المواقيت.

٢٧٥

وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره من روايتي الأصبغ وعمار اللتين هما من طريق الأصحاب وان عمل الطائفة عليهما انما موردهما صلاة الصبح خاصة والمدعى أعم من ذلك ، نعم الخبر الأول صريح في العموم لكن ظاهر كلامه انه من طرق العامة كما هو ظاهر الذكرى ايضا ، وحينئذ فيشكل الحكم بالعموم الا ان يقال ان العمدة في الاستدلال انما هو الإجماع كما هو ظاهر كلامه ونقله عن المنتهى. وفيه ما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال لما عرفت.

ثم لا يخفى عليك ما في تستره عن العمل بهذين الخبرين باتفاق الأصحاب على العمل بهما ، فان فيه (أولا) ما عرفت من عدم الدلالة على المدعى بل هما أخص من ذلك. و (ثانيا) ـ انه منع من العمل بالخبر الضعيف في غير موضع وان كان ظاهر الأصحاب الاتفاق على العمل بمضمونه وربما حمله تفاديا من طرحه على الكراهة أو الاستحباب. و (ثالثا) ـ ان الخبر الضعيف بمقتضى هذا الاصطلاح ليس بدليل شرعي فوجوده كعدمه فالاعتماد عنده انما هو على الإجماع ، مع طعنه فيه في غير موضع بل ذكره في صدر كتابه انه صنف رسالة في إبطاله وان استسلقه في أمثال هذه المقامات. وبالجملة فإن هذه المناقضات إنما نشأت من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح.

(الثالث) ـ المشهور بينهم ان الركعة عبارة عن الركوع والسجود ، وهل يتحقق برفع الرأس من السجدة الثانية أو بإتمام ذكر السجدة الثانية؟ قولان ، ونقل في المدارك عن الشهيد في الذكرى انه احتمل الاجزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولانه المعظم ، ثم رده بأنه بعيد. أقول : ما احتمله الشهيد (قدس‌سره) هنا هو ظاهر اختيار المحقق في المسائل البغدادية في مسألة الشك بين الأربع والخمس فيما إذا عرض الشك بعد الركوع وقبل السجود حيث ان الأشهر بين الأصحاب الحكم بالصحة في هذه الصورة

٢٧٦

وانه يتم ويسجد سجدتي السهو لدخولها تحت نص المسألة ، وهذا الحكم منهم هنا يخالف ما ذكروه من ان الركعة عبارة عن الركوع والسجود ، فان مقتضى هذا الكلام الابطال لا الصحة حيث انه لم يأت بالركعة فلا يكون داخلا تحت النص المذكور فكيف يحكمون بالصحة في الصورة المذكورة؟ والمحقق المشار إليه في أجوبة المسائل المشار إليها تخلص من ذلك بحمل الركعة على مجرد الركوع ، ثم قال بعد حكمه بالصحة في المسألة المذكورة ما لفظه : لأن الركعة واحدة الركوع وعند إيقاع الركوع تسمى ركعة وليس تسميتها ركعة مشروطا بالإتيان بالسجدة لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة والسجود والركبة والركوب. انتهى. وبذلك يظهر قوة ما احتمله الشهيد فإنه ليس لقولهم بالصحة في صورة الشك المتقدمة وجه إلا على هذا القول كما سيأتي تحقيقه في المسألة المذكورة وإلا فالصحة غير متجهة ، والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال كما سيأتي التنبيه عليه ان شاء الله في الموضع المذكور ، وعلى هذا فلو خرج الوقت بعد الركوع وقبل السجود وجب الإتمام من غير قضاء على قول المحقق المذكور وسقط الفرض أداء وقضاء على القول المشهور

(الرابع) ـ اختلف الأصحاب في من أدرك ركعة من آخر الوقت هل يكون مؤديا للجميع أو قاضيا للجميع أو بالتوزيع؟ أقوال ثلاثة ، ونقل في الذكرى عن الشيخ انه نقل هذا الخلاف عن الأصحاب ، وظاهر المشهور بينهم هو الأول وهو اختيار الشيخ في الخلاف ومن تأخر عنه. وادعى عليه في الخلاف الإجماع حيث نقل عن الأصحاب انهم لا يختلفون في ان من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت ، قال وروى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر». قال وكذلك روى عن أئمتنا (عليهم‌السلام) ونقل في المدارك القول بقضاء الجميع عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) معللا له بان آخر الوقت يختص بالركعة الأخيرة فإذا وقعت فيه الاولى وقعت في غير وقتها ولا معنى

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٣٧٧ و ٣٨٦.

٢٧٧

لقضاء العبادة إلا ذلك. واما القول بالتوزيع فوجهه ظاهر بمعنى ان ما صادف الوقت ووقع فيه يكون أداء لوجود معنى الأداء فيه وما وقع بعد خروجه يكون قضاء لانه ليس القضاء إلا ما وقع بعد خروج وقته.

قالوا وثمرة الخلاف تظهر في النية. وقال في الذكرى انها تظهر أيضا في الترتب على الفائتة السابقة فعلى القضاء يترتب دون الأداء. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف جدا ، قال إذ الإجماع منعقد على وجوب تقديم الصلاة التي أدرك من وقتها مقدار ركعة مع الشرائط على غيرها من الفوائت.

أقول : والتحقيق عندي انه لا ثمرة لهذا الخلاف ولا اثر يترتب على هذا الاختلاف ، إذ المستفاد من الاخبار هو صحة الصلاة على الوجه المذكور وعدم وجوب القضاء بعد ذلك واما كونها أداء أو قضاء أو موزعة فلا يظهر له اثر من تلك الاخبار ، وهذه الفائدة التي اتفقوا عليها انما يتم التفريع بها لو قام الدليل على وجوب نية الأداء في ما كان أداء والقضاء في ما كان قضاء ، والحال انه لا دليل على ذلك سوى مجرد اعتبارات ذكروها وخيالات سطروها لا تصلي لتأسيس الأحكام الشرعية كما تقدم تحقيقه في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة ، وبذلك اعترف السيد السند وغيره من أفاضل متأخري المتأخرين. وأضعف من ذلك ما ذكره في الذكرى لما ذكره السيد المذكور.

(الخامس) ـ قالوا : لو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل احدى الفريضتين لزمته واحدة خاصة لاستحالة التكليف بهما في وقت لا يسعهما. بقي الكلام في انه ان قلنا بالاشتراك في الوقت من أوله الى آخره كما تقدم نقله عن الصدوق فاللازمة منهما هي الأولى لتقدمها ووجوب الترتيب وان قلنا بالمشهور من الاختصاص فالواجب هي الثانية.

واما لو أدرك خمس ركعات في الموضعين فإنهم صرحوا من غير خلاف يعلم انه يلزمه الفرضان بناء على ما تقدم من ان من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله

٢٧٨

وحيث ان الركعة الاولى من الخمس المذكورة للفريضة الاولى وبها يصدق ادراك الوقت فإنها تزاحم الفريضة الثانية بثلاث ، وهكذا في الفريضة الثانية فإنه يبقى لها ركعة من الخمس وبها يحصل ادراك الوقت فيجب الإتيان بالفرض المذكور وان زاحم وقت الفريضة التي بعدها كما في العصر التي بعدها صلاة المغرب أو وقع خارج الوقت كما في فريضة العشاء.

والمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال لعدم وجود نص في المقام وليس إلا البناء على ما تقدم من قولهم : ان من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله. وقد عرفت انه لا دليل عليه سوى رواية عامية والروايات الواردة من طرقنا مختصة بصلاة الصبح وليس إلا الإجماع المدعى في المقام كما تقدم. ويمكن القول باختصاص هذا الحكم بالصبح كما هو مورد النص ، ويؤكده انها ليس بعدها فريضة يحصل بها المشاركة في الوقت بخلاف غيرها من الفرائض سيما على المشهور من اختصاص الفريضة الأخيرة بمقدار أدائها من الوقت ، فإدراك ركعة من الفريضة الاولى في صورة ما إذا أدرك من الوقت خمسا مع كون ما بعد تلك الركعة وقتا مخصوصا بالثانية لا يجدي نفعا في وجوب الإتيان بها ، لان ما بعد تلك الركعة مختص بالثانية ومزاحمتها فيها تحتاج الى دليل وليس إلا الإجماع المذكور واختصاص الخبرين بصلاة الصبح. وبالجملة فالمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال.

ولو أدرك أربعا من آخر وقت العشاءين فظاهر الأكثر ان المغرب لا تزاحم العشاء فيه وان بقي منه ركعة للعشاء لدلالة النصوص على اختصاص هذا المقدار بالعشاء ، ونقل في الذكرى عن بعض الأصحاب تبعا لبعض العامة وجها بوجوب المغرب والعشاء بإدراك الأربع ، وذكر انه مخرج على ادراك الخمس من الظهرين ورده بما هو مذكور ثمة. والأظهر في رده ما ذكرنا من دلالة النصوص على اختصاص العشاء بهذا المقدار بخلاف ما لو أدرك خمسا فإنه قد أدرك ركعة من وقت المغرب فيجري فيها

٢٧٩

ما تقدم من حديث «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله» ويزاحم بها العشاء مع ما عرفت من الإشكال في المقام.

(السادس) ـ قد عرفت ان النصوص المتقدمة إنما رتبت الحكم المذكور على إدراك ركعة ولكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بإدراك جميع الشرائط من الطهارة وغيرها ولا عبرة بتمكنه منها قبل الوقت لانه غير مخاطب بها حينئذ ، ولو اتفق حصول الشرائط قبل الوقت كفى في إدراك الصلاة ، وكذا لو حصل البعض كفى ادراك الباقي مع الصلاة.

(السابع) ـ قد أشرنا سابقا الى ان المعتبر أخف صلاة يقتصر فيها على الواجب وحينئذ فلو طول في صلاته ثم جن أو عرض الحيض أو نحو ذلك من الموانع وجب القضاء ان حصل من ذلك أخف صلاة يؤتى بها. ولو كان في أحد الأماكن الأربعة التي يتخير فيها بين القصر والإتمام فهل يكتفى بالقصر لانه لو قصر لاداها أو يتعلق الحكم بما قصده ونواه؟ وجهان جزم في الذكرى بالأول ولو قيل بالثاني لكان غير بعيد.

(الثامن) ـ قد عرفت مما تقدم أنه لا بد في وجوب الفريضة أداء أو قضاء بالنسبة إلى أول الوقت من إدراك الصلاة كملا بشروطها واما بالنسبة إلى الآخر فإنه يكفي إدراك ركعة خاصة ولا يكفي ذلك في الأول ، ووجه الفرق ظاهر لتمكن المكلف في آخر الوقت بعد إدراك الركعة من إتمام الصلاة من غير مانع بخلاف أول الوقت إذ لا سبيل الى ذلك ، كذا ذكروه ولا يخلو من خدش ، نعم ذلك يصلح وجها للنص الدال على الحكمين.

(التاسع) ـ قال في الذكرى : لا فرق بين الكافر وغيره من المعذورين لان الكافر لا يؤاخذ بما تركه في حال الكفر ، وتوهم بعض كون الكافر غير معذور هنا لمخاطبته بالإسلام المقدور فيجب القضاء متى أدرك الوقت ، وهو ضعيف لقوله تعالى

٢٨٠