الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (١) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن ركعتي الفجر فقال احشو بهما صلاة الليل».

وفي الصحيح عن ابن ابي نصر ايضا (٢) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال أبو جعفر (عليه‌السلام) احش بهما صلاة الليل وصلهما قبل الفجر».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول صل ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده».

وفي الصحيح عن ابن ابي يعفور (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ركعتي الفجر متى أصليهما؟ فقال قبل الفجر ومعه وبعده».

والمراد بالفجر في هذه الأخبار هو الفجر الأول كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله.

وفي الموثق بابن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث شاء».

وفي الموثق بابن بكير ايضا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في حديث «وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر وركعتا الفجر».

وفي صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) «وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر».

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع ، ومنها صحيحة زرارة الآتية وقوله فيها «انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل».

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٥٠ من المواقيت.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٥٢ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٣٥ من التعقيب.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

٢٤١

واما على الحكم الثاني فما قدمناه من الأخبار الدالة على ان أفضل أوقات الوتر بعد طلوع الفجر الأول ومن المعلوم ان ركعتي الفجر مرتبة على الوتر لا تصلي إلا بعده.

واما ما استدل به في المدارك على ذلك ـ حيث انه اختار ما ذكرناه من ان التأخير الى ان يطلع الفجر الأول أفضل حيث قال : ويدل على ان الأفضل تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلهما بعد ما يطلع الفجر». وانما حملنا لفظ الفجر على الأول ليناسب الأخبار السالفة ، ولعل هذه الرواية مستند الشيخ والمرتضى في جعلهما ذلك أول الوقت والجواب المعارضة بالأخبار المستفيضة المتضمنة للأمر بفعلهما مع صلاة الليل من غير تقييد بطلوع الفجر الأول ، مع إمكان القدح في هذه الرواية بعدم وضوح مرجع الضمير. انتهى ـ فهو غير واضح في كون المراد الفجر الأول كما اعترف به وما ذكرناه من الدليل أظهر في المراد.

أقول : ومثل هذه الرواية التي ذكرها صحيحة يعقوب بن سالم البزاز (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قل يا ايها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد». واما ما ذكره من الإيراد عليهما بالأخبار المتقدمة فلهما ان يجيبا بحمل ذلك على الرخصة في التقديم والدس في صلاة الليل وان كان الوقت الموظف هو ما بعد الفجر الأول للروايات المتقدمة المعتضدة بظاهر هاتين الروايتين.

ولنا على الحكم الثالث ما دل من الأخبار على عدم جواز النافلة بعد دخول وقت الفريضة (٣) كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي.

وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٥١ من أبواب المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٣٥ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٥٠ من المواقيت.

٢٤٢

قال : «سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد ان تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وحسنة زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ قال قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة».

وعن زرارة أيضا عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) في وصف صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيها «ثم يصلى ثلاث عشرة ركعة : منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».

ويؤيد هذه الأخبار تأييدا ظاهرا الأخبار المتقدمة في إدخالها في صلاة الليل بل دلالة جملة منها على انها من صلاة الليل التي لا خلاف في ان وقتها قبل الفجر الثاني :

وفي موثقة أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال نعم».

ورواية محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن أول وقت ركعتي الفجر فقال سدس الليل الباقي».

وقوله في صحيحة زرارة المذكورة «انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل».

وروى الشيخ في التهذيب عن المفضل بن عمر (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وانا أشك في الفجر؟ فقال صل على شكك فإذا طلع الفجر فأوتر وصل الركعتين فإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصل غيرها فإذا فرغت فاقض مكانك. الخبر». وهو ظاهر الدلالة واضح المقالة لظاهر الأمر بالبدأة بالفريضة الدال على الوجوب والنهي عن صلاة غيرها الدال على التحريم. واما صدر الخبر فمحمول

__________________

(١ و ٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٥٠ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٤٨ من المواقيت.

٢٤٣

على من صلى بشكه في الوقت ثم تبين الوقت بعد تمام صلاة الليل فإنه يتمها بالوتر وركعتي الفجر كما تقدم في الأخبار فلا منافاة.

واستدل السيد السند (قدس‌سره) للقول المشهور بقول الصادق (عليه‌السلام) (١) «لهما قبل الفجر ومعه وبعده». قال : والبعدية تستمر الى ما بعد الاسفار وطلوع الحمرة ، قال ويدل على انتهاء الوقت بذلك صحيحة علي بن يقطين (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل لا يصلى الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما». ثم نقل استدلال الشيخ (قدس‌سره) على ما نقل عنه من الانتهاء بطلوع الفجر الثاني بصحيحة زرارة المتقدمة ، ثم قال ويمكن التوفيق بين الروايات اما بحمل لفظ الفجر في الروايات السابقة على الأول ويراد بما بعد الفجر ما بعد الأول وقبل الثاني أو بحمل الأمر في هذه الرواية على الاستحباب ، ولعل الثاني أرجح. انتهى.

أقول : لا يخفى ان دلالة صحيحة علي بن يقطين على ما ذكره انما هو بالمفهوم الضعيف واخبار «صلهما قبل الفجر ومعه وبعده» مجملة قابلة للاحتمال على الفجر الأول ومثل هذا لا يقابل به ما ذكرناه من الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة الأولى لما هي عليه من الصراحة على أبلغ وجه وقريب منها حسنته ايضا.

وههنا أخبار دالة على القول المشهور أوضح مما نقله ولكنها ضعيفة السند والظاهر انه لأجل ذلك اعرض عن نقلها واعتمد على ما نقله لصحة سنده وأغمض النظر عن ضعف دلالته كما هي عادته من دورانه مدار الأسانيد وان اشتملت المتون على عدة من العلل

فمما يدل على القول المشهور بدلالة واضحة الظهور رواية إسحاق بن عمار عن من أخبره عنه (عليه‌السلام) (٣) قال : «صل الركعتين ما بينك وبين ان يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر».

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من المواقيت.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥١ من المواقيت.

٢٤٤

ورواية الحسين بن ابي العلاء (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يقوم وقد نور بالغداة؟ قال فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة ثم ليصل الغداة».

ورواية أبي بكر الحضرمي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال حين يعترض الفجر وهو الذي تسميه العرب الصديع».

وهذه الأخبار كما ترى صريحة في مخالفة الأخبار التي قدمناها فالواجب الرجوع الى المرجحات ، ومن القواعد المنصوص عليها في مقام اختلاف الأخبار وان اعرض عن العمل بها جملة من علمائنا الأبرار (رفع الله تعالى منازلهم في دار القرار) هو عرضها على مذهب العامة والأخذ بخلافه.

وقد نقل جملة من مشايخنا (رضوان الله عليهم) ان جمهور العامة ـ كما ذكره شيخنا المجلسي في البحار ـ على ان هاتين الركعتين لا تصليان الا بعد طلوع الفجر الثاني ، ومن أخبارهم المنقولة في ذلك ما نقله في المنتهى مما رواه الجمهور عن حفصة (٣) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر يصلي الركعتين». وحينئذ فالواجب حمل هذه الأخبار على التقية ، ويوضح ذلك بأي إيضاح رواية أبي بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال فقال لي بعد طلوع الفجر. قلت له ان أبا جعفر (عليه‌السلام) أمرني أن أصليهما قبل طلوع الفجر؟ فقال لي يا أبا محمد ان الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمر الحق وأتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية».

وممن وافقنا في هذا المقام شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين فقال : والمراد بالفجر فيما تضمنه الحديث السابع والتاسع من صلاة ركعتي الفجر

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٥١ من المواقيت.

(٣) المهذب للشيرازي ج ١ ص ٨٢ وسنن البيهقي ج ٢ ص ٤٧١.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٥٠ من المواقيت.

٢٤٥

قبله وبعده وعنده الفجر الأول كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) في الحديث الثامن (١) «احشو بهما صلاة الليل» إذ المراد صلاتهما في وقتها والحديث الحادي عشر والتاسع عشر صريحان في ان وقتهما قبل الفجر. انتهى. وأشار بالحادي عشر إلى صحيحة زرارة المتقدمة (٢) وبالتاسع عشر الى حسنته المذكورة بعدها.

واما ما ذكره المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقله لصحيحة زرارة المشار إليها ـ حيث قال : قلت ينبغي ان يعلم ان الغرض في هذا الحديث من ذكر التطوع بالصوم لمن عليه شي‌ء من قضاء شهر رمضان معارضة ما علمه (عليه‌السلام) من زرارة وهو محاولة قياس ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث ان الوقت فيها متحد مع وقت الفريضة فيكون وقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ودخول وقت الفريضة ، وحاصل المعارضة أن اشتغال الذمة بالصوم الواجب مانع من التطوع به فيقاس عليه حكم ركعتي الفجر ويقال ان دخول وقت الفريضة بطلوع الفجر يمنع من الاشتغال بالتطوع فلا مساغ لفعلهما بعد الفجر ، والمطلوب بهذه المعارضة بيان فساد القياس لا التنبيه على الوجه الصحيح فيه فان الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر تنافيه وسنوردها ، واحتمالها التقية كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) في جملة وجوه تأويلها غير كاف في المصير الى تعين التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه. إذ هي محتملة لإرادة ارجحيته على التأخير ولذلك شواهد ايضا تأتي ، فيكون الجمع بين الأخبار بالحمل على التخيير مع رجحان التقديم اولى ، وحينئذ يتعين حمل المعارضة الواقعة في هذا الخبر على المعنى الذي ذكرناه. انتهى كلامه زيد مقامه ـ

ففيه نظر من وجوه (الأول) ان ما زعمه من حمل سؤال زرارة في هذا الخبر على المعنى الذي ذكره في المقام انما هو من قبيل المعمى والألغاز الواقعين في شذوذ الكلام إذ لا قرينة ولا شاهد يؤذن به كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، وليس السؤال في

__________________

(١) صحيح احمد بن محمد بن ابى نصر ص ٢٤١.

(٢) ص ٢٤٣.

٢٤٦

هذا الخبر إلا مثل اسئلته في جميع الأحكام ، على ان ما ذكره من ان زرارة ظن قياس ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث ان الوقت فيها متحد ممنوع بان اتحاد الوقت في فريضتي الظهرين مع نوافلهما وفريضة المغرب مع نافلتها ظاهر لدلالة الأخبار على دخول وقت الظهرين بالزوال الى الغروب مع دلالتها على وقوع نافلتهما في جزء من هذا الوقت وكذا المغرب ، اما هذه النافلة فلا لأن الأخبار دلت على ان وقت الفريضة من طلوع الفجر الثاني ودلت على ان النافلة انما تصلى قبل ذلك داخلة في صلاة الليل وانها من جملة صلاة الليل مع قطع النظر عن الروايات المانعة من إيقاعها بعد الفجر الثاني ، فكيف يتوهم زرارة ما ذكره وتوهمه من اتحاد الوقت في هذه النافلة مع فريضة الصبح كاتحاد نافلة الظهرين مع فريضتهما؟ ما هذا إلا عجيب من مثل هذا المحقق المذكور ولا اعرف له مستندا في هذا الوهم ـ ان كان ـ إلا قوله (عليه‌السلام) «أتريد ان تقايس. الى آخره» وفيه ان الأظهر في معناه هو ما ذكره شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ، حيث قال : قوله (عليه‌السلام) في الحديث الحادي عشر «أتريد ان تقايس؟» بالبناء للمفعول اي أتريد ان يستدل لك بالقياس؟. ولعله (عليه‌السلام) لما علم ان زرارة كثيرا ما يبحث مع المخالفين ويبحثون معه في أمثال هذه المسائل أراد ان يعلمه طريق إلزامهم حيث انهم قائلون بالقياس ، أو ان غرضه (عليه‌السلام) تنبيه زرارة على اتحاد حكم المسألتين وتمثيل مسألة لم يكن يعرفها بمسألة هو عالم بها ومثل ذلك قد يسمى قياسا وليس مقصوده (عليه‌السلام) القياس المصطلح. انتهى.

أقول : ومما يعضد ما ذكره شيخنا المذكور (توجه الله تعالى بتاج من النور) ما سيأتي قريبا من صحيحة زرارة المروية في المدارك (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا تصلى نافلة في وقت

__________________

(١) سيأتي منه «قدس‌سره» في المسألة الثانية من المقصد الثالث عدم وجود هذه الصحيحة في الوافي والوسائل.

٢٤٧

فريضة أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قلت لا. قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني». وهذه الرواية نظير تلك الرواية في انه ليس الغرض إلا السؤال عن الحكم المذكور ولا مجال فيها لما توهمه (قدس‌سره) ثمة من الوهم الذي هو في غاية القصور ، وهي دالة بإطلاقها على ما ادعيناه في هذه المسألة خرج منها ما خرج وبقي الباقي تحت الإطلاق.

ومثل ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات أعليه جزاؤه؟ قال لا ليس عليه جزاؤه لأنه رمى حيث رمى وهو له حلال انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل الى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم فليس عليه جزاؤه لأنه كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت له هذا القياس عند الناس؟ فقال انما شبهت لك شيئا بشي‌ء». ونحوه صحيحته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في الصيد ايضا (٢) حسبما دل عليه هذا الخبر.

وهذان الخبران ظاهران في المعنى الثاني الذي ذكره شيخنا المذكور من ان غرضه (عليه‌السلام) في ذلك الخبر التنظير والتمثيل.

وبذلك يظهر لك ان ما ذكره المحقق المذكور وتكلفه في الخبر المشار اليه تكلف بعيد وتمحل غير سديد ، ولو تطرق مثل هذا التأويل البعيد للاخبار لم يبق دليل يمكن به الاستدلال إلا وللقائل فيه مقال وبذلك ينسد باب الاستدلال بالكلية. والحق ان الخبر المذكور صريح الدلالة واضح المقالة فيما قلناه لا يعتريه القصور ولا يداخله الفتور.

(الثاني) ـ قوله : «فإن الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر تنافيه» فإنه أشار بالأخبار المذكورة الى الأخبار المشتملة على قوله (عليه‌السلام): «صل ركعتي الفجر قبله وبعده وعنده» لان هذه الأخبار هي الأخبار الصحيحة كما عرفت ،

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

٢٤٨

وأصحاب هذا الاصطلاح ولا سيما هذا المحقق الذي قد زاد على الاصطلاح في كتابه المذكور اصطلاحا آخر مبالغة في الصحيحة انما يدورون مدار صحة الأسانيد والا فالأخبار التي قدمناها صريحة في هذا القول كلها لكنها لضعف أسانيدها لم يعملوا بها ولم يذكروها وأنت قد عرفت قيام الاحتمال في متون هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول بل هو الراجح الذي عليه المعول لانه به يحصل جمعها مع الأخبار المتقدمة الدالة على انها من صلاة الليل وان وقتها بعد صلاة الليل كما عرفت من الأخبار المتكاثرة ، والى ذلك أشار شيخنا البهائي (قدس‌سره) فيما قدمناه من كلامه ، وحينئذ فكيف تحصل المعارضة بها لما هو صريح الدلالة واضح المقالة؟ سيما بعد ما عرفت من بطلان توهمه الذي تكلفه وزعمه الذي تصلفه ، وقد اشتهر في كلامهم وتداول على رؤوس أقلامهم انه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

(الثالث) ـ ما طعن به في الحمل على التقية ـ من انه غير كاف في المصير الى تعين التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه ـ فان فيه ان الأخبار التي قدمناها ما بين صريح في ذلك وما بين ظاهر تمام الظهور ، اما صحيحة زرارة التي كشفنا عنها نقاب الالتباس بما لا يخفى على عوام الناس فصراحتها أظهر من ان ينكر ، ونحوها حسنته المذكورة بعدها الدالة على السؤال عن وقت الركعتين بقوله «اين موضعهما؟ فقال قبل الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» والأخبار المستفيضة بالأمر بجعلهما في صلاة الليل والأخبار الدالة على انهما من جملة صلاة الليل التي قد علم ان وقتها من الانتصاف الى طلوع الفجر الثاني ، ويعضدها الأخبار الدالة على فعل النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) لها قبل الفجر ، ويؤكدها الأخبار الدالة على المنع من النافلة في وقت الفريضة. وبالجملة فإن هذه الأخبار كملا قد اشتملت على ان الوقت الموظف لهاتين الركعتين قبل الفجر فيجب الوقوف على ما وظفته وعدم الخروج عنه لان العبادات الشرعية توقيفية يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشريعة ، ولم يعارضها بزعمهم إلا تلك الأخبار

٢٤٩

المجملة القابلة للحمل على هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول ومتى حملناها على هذا المحمل لم يحتج فيها للحمل على التقية ، نعم ذلك انما هو في الأخبار الصريحة في هذا القول وهي الأخبار الضعيفة باصطلاحهم كما تقدمت ، وبذلك يظهر لك ان دعواه صارت مقلوبة عليه كما عرفته من هذا التحقيق الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه فان عدم الصراحة انما هي في اخباره لا في أخبارنا.

(الرابع) ـ ما ذكره ـ من الجمع بين الأخبار بالتخيير مع أفضلية التقديم كما تقدمه فيه السيد السند في المدارك فيما قدمنا من كلامه ـ فان فيه انه يا لله والعجب العجاب من هؤلاء الأجلاء الأطياب انه إذا كان الحال عندهم في جميع الأحكام متى تعارضت فيها الأخبار انما يجمع بينها بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب كما عرفته من طريقتهم في جميع الأبواب فليت شعري أي وجه واي غرض وعلة في وضع الأئمة هذه القواعد التي استفاضت بها اخبارهم؟ ولمن خرجت ومن خوطب بها؟ واين الأخبار المختلفة التي تجري فيها هذه القواعد إذا كان علمهم في جميع أبواب الفقه وأحكامه انما هو على هذه القاعدة التي ابتدعوها والطريقة التي اخترعوها؟ وهل هذا إلا إعراض عما أسسه لهم أئمتهم الأطياب ومقابلة بالاجتهاد الصرف الذي لم يرد به سنة ولا كتاب؟ هذا مع ما عرفت في غير موضع من بطلان هذه القاعدة في حد ذاتها وفسادها في نفسها. والله الهادي لمن يشاء.

ومنشأ معظم الشبهة في جواز صلاتهما بعد الفجر الثاني بعد الأخبار الدالة على الجواز هو الأخبار الدالة على إتمام صلاة الليل بعد التلبس منها بأربع ركعات والأخبار الدالة على جواز صلاة الليل كملا ولما يتلبس بشي‌ء منها. وأنت خبير بأنك إذا رجعت الى ما ذكرناه من الأخبار واستدللنا به في المقام بالتقريب الذي ذكرناه في الوجه الثالث من وجوه النظر في كلام المحقق المذكور يظهر لك ان الظاهر هو العمل على ما ذكرناه وان التأويل يجب ان يكون في هذه الأخبار الباقية بحمل ما ظهر منها في جواز التقديم على التقية وحمل اخبار التقديم

٢٥٠

مطلقا على ما قدمناه من الرخصة في بعض الأوقات وكذلك اخبار التلبس بأربع ركعات لان الرخص في مقام المنع والتحريم كثيرة في الشريعة.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار ـ بعد ذكر خبر ابي بصير الذي قدمناه مستندا للحمل على التقية بعد ان ذكر ان جمهور العامة ذهبوا الى أنهما تصليان بعد الفجر الثاني وانه أيد بما رواه أبو بصير ثم ساق الرواية ـ ما لفظه : ويمكن حمل هذا الخبر ايضا على أفضلية التقديم والتقية كانت فيما يوهمه ظاهر كلامه (عليه‌السلام) من تعين التأخير. انتهى. والظاهر انه اعتمد في ذلك على ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى حيث انه ـ بعد ان نقل عن الشيخ (قدس‌سره) حمل تلك الأخبار على التقية والاستدلال عليه برواية أبي بصير المذكورة ـ قال بعد ذكر الرواية : وهذا الخبر يدل على ان تقديمهما أفضل لا على ان ذلك هو الوقت المخصوص. انتهى. وكأنه نظر الى ان الرواية إنما اشتملت على السؤال عن إيقاعهما قبل الفجر أو بعده لا على السؤال عن الوقت المعين لهما وانه قبل الفجر أو بعده ، وحينئذ فغاية ما تدل عليه أفضلية التقديم وان أمر الباقر (عليه‌السلام) بذلك انما هو على جهة الفضل والاستحباب فلا ينافيه جواز الإيقاع بعد الفجر ، وعلى هذا فأمر الصادق (عليه‌السلام) بالتأخير بعد طلوع الفجر بمعنى تعين التأخير وعدم جواز التقديم محمول على التقية كما ذكره (عليه‌السلام) حيث ان العامة يوجبون التأخير ولا يجوزون التقديم ، وهذا لا يمنع من جواز التأخير ولا يستلزم ان يكون جواز التأخير محمولا على التقية. فلا دلالة في الخبر حينئذ على ما ذكروه من التأييد للحمل على التقية. ولا يخفى ما فيه من التكلف الشديد والبعد عن ظاهر السياق بما لا نهاية عليه ولا مزيد فان الظاهر المتبادر من ظاهر سياق الخبر انما هو السؤال عن وقت الركعتين المذكورتين الذي تصليان فيه فأجاب الباقر (عليه‌السلام) بأنه قبل طلوع الفجر وأجاب الصادق (عليه‌السلام) بأنه بعده فالسائل استغرب ذلك واستبعده لان هذا جعل وقتا معينا والآخر جعل لها وقتا آخر غيره ففحص وسأل

٢٥١

عن ذلك فأخبره الصادق (عليه‌السلام) ان الوقت الشرعي انما هو ما افتى به أبوه (عليه‌السلام) واما الوقت الذي افتى هو به فإنما هو على جهة التقية. هذا مقتضى سياق الخبر ولو كان الأمر كما زعموه من المعنى الذي ذكرناه لم يكن لمراجعة أبي بصير وسؤاله مرة أخرى معنى يعول عليه. والحق ان الخبر المذكور ظاهر في الاستشهاد كما ذكره الشيخ وارتكاب ما ذكروه تكلف بعيد عن سياق الخبر. والله العالم.

(الثانية) ـ نقل بعض الأصحاب عن الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى الميل الى القول بامتداد وقت الفجر بامتداد الفريضة لرواية سليمان بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الركعتين قبل الفجر قال تركعهما حين تركع الغداة انهما قبل الغداة». وحمل صحيحة علي بن يقطين المتقدمة الدالة على التأخير إلى الاسفار وظهور الحمرة على الفضيلة ، ونفى عنه البعد المحدث الكاشاني في كتابه المعتصم بعد ان اختار مذهب الأكثر. وأنت خبير بان قوله (عليه‌السلام) في رواية سليمان بن خالد المذكورة «تركعهما حين تركع الغداة» لو حمل على الخبر كما ادعوه وجعلوه محل الاستدلال للزم منه المنافاة لقوله «انهما قبل الغداة» بل الظاهر انه في مقام الاستفهام الإنكاري ليلائم قوله «انهما قبل الغداة» مؤكدا ب «ان» وإلا فأي ملازمة بين الأمر بفعلهما حين الغداة وبين ما بعده من الكلام المؤكد الدال على انهما قبل الغداة ، ويؤيد ما قلناه ان الشيخ في الاستبصار نظم هذه الرواية في سلك ما اختاره من الروايات الدالة على انتهاء الوقت بطلوع الفجر الثاني ، وحينئذ فالرواية المذكورة من جملة أدلة القول الذي اخترناه.

(الثالثة) ـ قد نقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب استحباب اعادة الركعتين المذكورتين بعد الفجر الأول لو صلاهما قبله استنادا إلى صحيحة حماد بن عثمان (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) ربما صليتهما وعلي ليل فان نمت ولم يطلع

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٥١ من المواقيت.

٢٥٢

الفجر أعدتهما». وفي بعض النسخ «فان قمت» بالقاف مكان النون. وعن زرارة في الموثق بابن بكير (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول اني لأصلي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل ان يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدتهما». وظاهر الخبرين كما ترى تخصيص الإعادة بالنوم بعدهما لا مطلقا كما هو المدعى.

وظاهر هذين الخبرين عدم كراهة النوم بعد صلاة الليل وقبل الصبح ، وفيه رد لما ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب من الحكم بالكراهة استنادا الى ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (٢) قال : «قال أبو الحسن الأخير (عليه‌السلام) إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ولكن ضجعة بلا نوم فان صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته».

ومما يؤيد الخبرين الأولين ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما كان يجهد الرجل ان يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام أو يذهب». اي ان ذلك لا يشق عليه بل هو سهل يسير ، وفي بعض النسخ «يحمد» مكان «يجهد» وبه تنتفي دلالته على ذلك.

وعن زرارة في الموثق عن ابن بكير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث شاء».

والذي يقرب عندي ان ما نقل عن الشيخ والجماعة من الحكم المذكور انما استندوا فيه الى الخروج عن خلاف المرتضى والشيخ في المبسوط القائلين بأن وقت هاتين الركعتين انما هو بعد الفجر الأول واخبارهم التي استدلوا بها على ذلك ، وما ذكروه من استنادهم إلى صحيحة حماد بن عثمان وموثقة زرارة المذكورتين انما هو تكلف ممن نقل ذلك عنهم

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من المواقيت.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٣٥ من التعقيب.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٥٣ من المواقيت.

٢٥٣

حيث لم يروا لهم دليلا ظاهرا غير هاتين الروايتين فذكروهما مستندا لهم وأوردوا عليهما ما ذكرناه.

نعم بقي الكلام في اختلاف هذه الأخبار في كراهة النوم بعد الركعتين وعدمها ولعل الترجيح لاخبار الجواز لفعل الإمامين الهمامين (عليهما‌السلام) ذلك مؤيدا بالخبرين الأخيرين. ويمكن الجمع بحمل خبر المروزي على اتخاذ ذلك عادة والأخبار الآخر على وقوعه أحيانا. ويمكن ايضا ان يقال انه لا منافاة بين الجواز والكراهة فيحمل ما دل على الجواز على كون ذلك جائزا وان كره وفعل الامام (عليه‌السلام) يحمل على بيان الجواز كما في جملة من الأحكام المكروهة التي نقل عنهم (عليهم‌السلام) فعلها فإن الأصحاب حملوها على بيان الجواز ، ونحوها كثير من المستحبات التي ورد عنهم (عليهم‌السلام) تركها لبيان الجواز ايضا. وبالجملة فإنهم إنما فعلوا ذلك في المقام لئلا يتوهم الناس التحريم في ذلك المكروه من حيث ورود النواهي والوجوب من حيث ورود الأوامر تعليما وتفهيما وتوقيفا على بيان الحكمين المشار إليهما. والله العالم.

(المقصد الثالث) ـ في الأحكام وفيه أيضا مسائل (الأولى) [وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة هل هو موسع أو مضيق؟] المشهور بين الأصحاب وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة في الأخبار المتقدمة وجوبا موسعا من أول الوقت الى آخره لا يتضيق إلا بظن الوفاة ، ونقل في المنتهى عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) انه قال : ان أخرها ثم اخترم في الوقت قبل ان يؤديها كان مضيعا لها وان بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو فيما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه. قال في المنتهى وفيه تعريض بالتضيق ثم نقل عنه انه قال في موضع آخر : ان أخرها لغير عذر كان عاصيا ويسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت. ونقل في المختلف عن الشيخ انه قال الصلاة تجب في أول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا مضيقا الا أنه متى لم يفعله لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى والأول أبين في المذهب. ثم نقل في المختلف ايضا عن الشيخ المفيد ما نقله عنه أولا

٢٥٤

في المنتهى ثم قال وهو يشعر بالتضيق ، ثم نقل عن ابن ابي عقيل انه قال ان أخر الصحيح السليم الذي لا علة به من مرض ولا غيره ولا هو مصل سنة صلاته عامدا من غير عذر الى آخر الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عندهم إذا صلاها في آخر وقتها قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. ثم نقل في المختلف عن الشيخ المفيد انه احتج بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر». ثم قال : والجواب ان الحديث يدل على ان التقديم من باب الاولى لا انه واجب وجوبا مضيقا. انتهى.

أقول : لا يخفى انه قد تقدم منا ما هو التحقيق في المقام وبيان ما فيه من إبرام النقض ونقض الإبرام ، وقد ذكرنا ان ما نسبوه للشيخ المفيد من القول بالتضيق ليس في محله وانما كلامه (قدس‌سره) وقع على نهج الأخبار المستفيضة في المسألة من ان لكل صلاة وقتين وان الوقت الثاني انما هو لذوي الاعذار والاضطرار وان من أخر الصلاة اليه ولم يكن كذلك كان تحت المشيئة لا يجب على الله تعالى قبول عمله ان شاء عذبه وان شاء عفى عنه. وهو ظاهر في حصول العصيان بالتأخير وان وقعت الصلاة أداء. ونحوه كلام ابن ابي عقيل إلا انه بالغ في ذلك بنسبته إلى إبطال العمل وكونه قاضيا للفرض لا مؤديا. وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المفيد هو الذي تكاثرت به الأخبار المتقدمة كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ، ومراده بأول الوقت يعني الوقت الأول من الوقتين اللذين دلت الأخبار عليهما بالنسبة الى كل صلاة.

(المسألة الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه هل يجوز صلاة النافلة مبتدأة أو قضاء عن راتبة بعد دخول وقت الفريضة أم لا؟ جزم الشيخان بالمنع وبه صرح المحقق في المعتبر وأسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ،

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

٢٥٥

واختاره العلامة في جملة من كتبه ، وصرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض بأنه المشهور بين المتأخرين. واختار شيخنا الشهيد في الذكرى الجواز وهو ظاهر الشهيد الثاني في الروض وتبعهما عليه جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهم. والمعتمد هو القول الأول.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة زرارة المتقدمة قريبا (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها «أتريد ان تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وصحيحته الثانية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ فقال يقضيها إذا ذكرها ، الى ان قال (عليه‌السلام) ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».

وصحيحة ثالثة له ايضا رواها في الذكرى وسيأتي نقلها كملا ان شاء الله في المسألة الآتية (٣) وفيها «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة».

وصحيحة رابعة له نقلها شيخنا الشهيد الثاني في الروض (٤) والسيد السند في المدارك وشيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ولم أقف عليها بعد التتبع في كتاب الوافي الذي جمع فيه الكتب الأربعة ولا كتاب الوسائل الذي زاد فيه على ما في الكتب الأربعة ولكن كفى بالناقلين المذكورين حجة ، والظاهر ان من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني انما أخذها عنه ، وهي ما رواه زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي نافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا تصلى نافلة في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قال قلت لا.

__________________

(١) ص ٢٤٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦١ من المواقيت.

(٤) ص ١٨٤ وفي الوافي في باب (كراهة التطوع في وقت الفريضة) عن الحبل المتين.

٢٥٦

قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني».

ورواية زياد بن ابي عتاب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرك ان تترك ما قبلها من النافلة».

وحسنة نجية (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) تدركني الصلاة أو يدخل وقتها علي فأبدأ بالنافلة؟ قال : فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) لا ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة ـ والرواية كما ترى صحيحة ـ عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تصل من النافلة شيئا في وقت الفريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه‌السلام) في حديث الأربعمائة (٤) قال : «لا يصلي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلا من عذر ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء قال الله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» (٥) الى ان قال لا يقضي النافلة في وقت الفريضة ابدأ بالفريضة ثم صل ما بدا لك».

ورواية أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٦) قال : «إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوع».

ورواية أديم بن الحر (٧) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت الفريضة. قال وقال إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها».

وموثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٨) قال : «قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٥ من المواقيت.

(٥) سورة المعارج ، الآية ٢٣.

٢٥٧

الناس؟ فقلت انا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع».

هذا ما حضرني من الأخبار التي تصلي لأن تكون مستندا لهذا القول المذكور وهي ظاهرة الدلالة عليه تمام الظهور وجملة منها صحيح باصطلاحهم المشهور.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ان نقل هذا القول قال : واستدلوا عليه برواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : قال لي رجل من أهل المدينة. إلى آخر الخبر كما قدمناه ثم ذكر بعدها روايتي أبي بكر الحضرمي وأديم بن الحر المذكورتين ، ثم قال وفي الجميع قصور من حيث السند باشتمال سند الرواية الاولى والأخيرة على الطاطري وعبد الله بن جبلة وهما واقفيان وعدم ثبوت توثيق ابي بكر الحضرمي ، نعم روى زرارة في الصحيح ، ثم ساق صحيحته الرابعة التي نقلناها عن الروض وقال بعدها : ويمكن حمل هذه الروايات على الأفضلية كما تدل عليه حسنة محمد بن مسلم (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو ابدأ بالفريضة؟ فقال ان الفضل ان تبدأ بالفريضة وانما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين». وموثقة سماعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى اهله أيبدأ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال ان كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة وان خاف فوت الوقت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله تعالى ثم ليتطوع بما شاء». ثم قال ويمكن الجمع بينها ايضا بتخصيص النهي الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفريضة بما إذا كان المقيم قد شرع في الإقامة كما تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي ان يتطوع في وقت

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من المواقيت.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٥ من المواقيت.

٢٥٨

فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له الناس يختلفون في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلي معه». انتهى.

واستدل في الذكرى لما اختاره من القول الثاني بموثقة سماعة المذكورة ، وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة». وعن محمد بن مسلم ، ثم ساق روايته المتقدمة الدالة على ان الفضل ان تبدأ بالفريضة ، ثم نقل عن المانعين انهم احتجوابرواية أبي بكر الحضرمي ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها». وما روى عنهم (عليهم‌السلام) (٣) «لا صلاة لمن عليه صلاة». ثم قال : والجواب لما تعارضت الروايات وجب الجمع بالحمل على الكراهة في هذا النهي وبنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني ، وقد ذكر فيما تقدم التصريح بأن قاضي الفريضة يصلي امامها نافلة ركعتين وان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعل ذلك ، قال الكليني والصدوق (قدس‌سرهما) : الله أنام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح رحمة للأمة. انتهى.

وفي الروض استدل للقول المشهور بقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لا صلاة لمن عليه صلاة». وبخبر زرارة الذي ذكره في الذكرى ، ثم استدل لما اختاره من الجواز برواية سماعة ورواية إسحاق بن عمار المتقدم ذكرهما عن الذكرى ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة». وعن عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (٥) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس فركع ركعتين ثم صلى الصبح». ثم ذكر صحيحة زرارة التي قدمنا نقلها

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من المواقيت.

(٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦١ من المواقيت.

(٣) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٤٦ من المواقيت عن النبي (ص).

٢٥٩

عنه آنفا ، ثم حمل أخبار النهي على الكراهة جمعا.

أقول ـ وبالله الثقة ـ لا يخفى عليك بعد ما تلوناه من اخبار القول المشهور ما في كلامهم في المقام من القصور وذلك من وجوه :

(الأول) ـ انه من القواعد المتكررة في كلامهم والمتداولة على رؤوس أقلامهم انهم لا يجمعون بين الأخبار إلا مع التكافؤ في الأسانيد وإلا فتراهم يطرحون الضعيف ويعملون على الصحيح ، ومن قواعدهم ايضا انه مع حصول الترجيح في أحد الجانبين فإنهم يعملون بالراجح ويجعلون التأويل في جانب المرجوح ، ومقتضى هاتين القاعدتين هو العمل بما ذكرناه من الأخبار الدالة على القول المشهور لصحة كثير منها كما عرفت وكثرتها وصراحتها وضعف ما قابلها سندا وعددا ودلالة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ولكنهم (رضوان الله عليهم) لجمودهم على ما حضرهم من الأخبار وعدم التتبع لروايات المسألة كما هو حقه عكسوا القضية في الموضعين ، والعجب من صاحب المدارك انه يطعن على روايتي محمد بن مسلم وأديم بن الحر باشتمالها على الطاطري وعبد الله بن جبلة مع انهما ثقتان فحديثهما معدود في الموثق وان كان الموثق عنده من قسم الضعيف ثم يستدل بموثقة سماعة ويصفها بكونها موثقة مع ذكره تلك الروايتين بعنوان رواية فلان إيذانا بضعفهما وسؤال الفرق متجه ، مع ان رواية سماعة قد اشتمل طريقها على عثمان بن عيسى الذي قد علم من طريقته عد حديثه في الضعيف زيادة على سماعة ، فإن كان الخبر الموثق يصلح دليلا شرعيا فلا معنى لرده الخبرين المذكورين وإلا فلا معنى لتعلقه بخبر سماعة ، ولكن أصحاب هذا الاصطلاح لضيق الخناق ولا سيما السيد المذكور لا يقفون على قاعدة ولا ضابطة

(الوجه الثاني) ـ ما عرفت في غير مقام مما تقدم من ان ما اصطلحوا عليه في الجمع بين الأخبار بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب قاعدة لم يرد بها نص ولا كتاب وان اتخذوها قاعدة كلية في جميع الأبواب ، وكيف لا وقد صرحوا في الأصول بأن النهي حقيقة في التحريم والأمر حقيقة في الوجوب ، فحمل كل منهما

٢٦٠