الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي ثلاثا المغرب وأربعا بعدها». ويدل على ان آخر وقتها ذهاب الحمرة ما روى من منع النافلة وقت الفريضة ، روى ذلك جماعة : منهم ـ محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع».

انتهى واعترضه في المدارك فقال بعد نقل ذلك : وفيه نظر لان من المعلوم ان النهي عن التطوع وقت الفريضة انما يتوجه الى غير الراتبة للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض وإلا لم تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار ثلاث ركعات من أول وقت المغرب ولا نافلة الظهرين عند الجميع ، وقوله : «انه عند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة» دعوى خالية من الدليل مع ان الاشتغال بالفرض قد وقع قبل ذلك عند المصنف ومن قال بمقالته ، ومجرد استحباب تأخير العشاء عن أول وقتها الى ذهاب الحمرة المغربية لا يصلح للفرق. انتهى.

أقول ما ذكره (قدس‌سره) جيد إلا ان قوله : «لان من المعلوم ان النهي عن التطوع وقت الفريضة انما يتوجه الى غير الراتبة» على إطلاقه محل نظر لما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ان النهي في أكثر تلك الأخبار انما توجه إلى الراتبة. قوله «للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض» على إطلاقه ممنوع لأن الأخبار كما قد استفاضت (٢) بأنه «إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلا ان هذه قبل هذه». كذلك قد استفاضت بان وقت الظهر انما هو بعد ذراع أو قدمين ووقت العصر انما هو بعد ذراعين أو أربعة أقدام وقد تقدمت (٣) وقد جمع الشيخ (قدس‌سره) ومن تأخر عنه بين هذه الأخبار بسبب ما يتراءى من الاختلاف بينها بحمل الأخبار الأولة على من لا يأتي بالنافلة فان وقته من أول الزوال والثانية على من يعتادها ويأتي بها فان وقته بعد مضي هذا المقدار من الزوال ، ومن ذلك يعلم ان لكل من الظهر والعصر وقتين باعتبار

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٥ من أبواب المواقيت.

(٢) ص ١٠١.

(٣) ص ١٢٩.

٢٢١

المتنفل وغيره ، وقد شاع في الأخبار إطلاق الوقت على كل من المعنيين ، وجل الأخبار المانعة من إيقاع النافلة في وقت الفريضة إنما أريد بها الراتبة بالنسبة إلى الوقت الذي بعد الاقدام أو الأذرع فلا يزاحم بها الفريضة في هذا الوقت الموظف لها ، وبالجملة فإن الأخبار وان دلت على ان وقت الظهر والعصر من أول الزوال مرتبا إلا انها دلت على اقتطاع قطعة من اوله للمتنفل محدودة بالأذرع أو الاقدام وقد جعل وقت الفريضة بعد ذلك ، وقد مر في رواية إسحاق بن عمار (١) انه لا يجوز التطوع بالنافلة بعد مضي الذراع والذراعين حيث قال (عليه‌السلام) «وانما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة». وعلله في رواية إسماعيل الجعفي «لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه» وهو ظاهر فيما قلناه ، نعم هذا انما يجري ويتمشى بالنسبة إلى الظهرين حيث ان الأخبار قد عينت للنافلة وقتا محدودا وللفريضة وقتا محدودا اما مثل المغرب والعشاء فلا ، ومجرد استحباب الإتيان بالعشاء في وقت مغيب الشفق لا يقتضي منع النافلة ، ومنه يعلم ان كلام السيد السند (قدس‌سره) في المقام على إطلاقه غير جيد فلو قصر الكلام على نافلة المغرب التي هي محل البحث لتم ما ذكره بغير إشكال.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان أكثر المتأخرين إنما اعتمدوا في منع النافلة بعد مغيب الشفق المغربي على الإجماع المدعى في المنتهى والمعتبر ، ولا يخفى ما فيه. وظاهر الشهيد في الذكرى الميل الى امتداد وقتها بوقت الفريضة حيث قال بعد البحث في المسألة : ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها. والى ذلك مال جملة من متأخري المتأخرين جازمين به أولهم فيما اعلم السيد السند في المدارك ، قال ويشهد له صحيحة أبان ابن تغلب (٢) قال : «صليت خلف ابى عبد الله (عليه‌السلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة».

__________________

(١) ص ١٣٠.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٣٣ من أبواب المواقيت.

٢٢٢

أقول : والأظهر في الاستدلال على ما اختاره ما ورد في الأخبار من الحث والتأكيد على نافلة المغرب وانها تصلى سفرا وحضرا مع ما ورد في الأخبار من امتداد وقت المغرب في السفر الى ثلث الليل ونحوه كما تقدم جميع ذلك ، فإنه يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها الى بعض ان النافلة تمتد بامتداد الفريضة ، على انه يكفينا في الدلالة على الامتداد إطلاق الأخبار الدالة على استحباب هذه النافلة بعد المغرب وعدم دليل على التوقيت والتحديد بغروب الشفق سوى الإجماع الذي ادعوه ، مع إمكان المناقشة في دلالة الإجماع المذكور أيضا فإن غايته الدلالة على ان ما قبل ذهاب الحمرة وقت للنافلة ولا دلالة فيه على ان ما بعد ذهاب الحمرة ليس بوقت ، وبالجملة فالأظهر عندي هو القول بالامتداد لما عرفت ، والاعتماد على مثل هذه الإجماعات لا يخلو من مجازفة في الأحكام الشرعية. والله العالم.

ويتفرع على القول المشهور انه لو زالت الحمرة المغربية ولم يأت بشي‌ء من النافلة اشتغل بالفريضة وحرم عليه الإتيان بالنافلة إلا ان يكون في أثناء ركعتين منها فيتم الركعتين سواء كانتا الأوليين أو الأخيرتين ، قالوا للنهي عن إبطال العمل (١) ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه (٢) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن إدريس انه ان كان قد شرع في الأربع أتمها وان ذهب الشفق. هذا بالنسبة إلى نافلة المغرب.

واما الوتيرة فظاهرهم الإجماع على امتداد وقتها بامتداد وقت العشاء ، قال في المعتبر : وركعتا الوتيرة يمتد بامتداد وقت العشاء وعليه علماؤنا لأنها نافلة للعشاء فتكون مقدرة بوقتها. ونحوه في المنتهى وغيره.

أقول : ما ذكره من ان الوتيرة نافلة للعشاء لم أقف له على دليل والمفهوم من الأخبار كما تقدم ان أصل مشروعيتها انما هو لإتمام عدد النوافل بان تكون في مقابلة

__________________

(١) قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» سورة محمد ، الآية ٣٥.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من نية الصلاة.

٢٢٣

كل ركعة من الفرائض ركعتان من النافلة. وفي بعض الأخبار المتقدمة أيضا التعليل بقيامها مقام وتر آخر الليل لو مات قبل ان يدركه وانه يموت على وتر (١) غاية الأمر ان الشارع جعل محلها بعد صلاة العشاء التي هي ختام الصلاة في ذلك اليوم ، ويشير الى ما ذكرنا حسنة الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل قبل العشاء الآخرة أو بعدها شي‌ء؟ قال لا غير اني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». والتقريب فيها هو ان الظاهر ان مراد السائل المذكور السؤال عن انه هل صلاة العشاء من قبيل الصلوات السابقة عليها في ان لها نوافل مرتبة تصلى قبلها أو بعدها؟ فقال (عليه‌السلام) لا غير اني أصلي بعدها هاتين الركعتين لا من حيث التوظيف بل من حيث ان الشارع جعل محلها في هذا الموضع لتكون ختاما لصلاة ذلك اليوم ولينام على وتر كما يستفاد من الأخبار الآخر ، ولهذا ان الشيخ في النهاية ونحوه الشيخ المفيد في المقنعة صرحا باستحباب ان تجعل خاتمة النوافل التي يريد ان يصليها تلك الليلة ، ويؤيده ما تقدم في الفائدة السادسة عشرة من المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب (٣) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة أو حسنته «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». والمراد بالوتر هنا الوتيرة كما تقدم بيانه في الفائدة المشار إليها وهو ظاهر فيما ذكره الشيخان ومن تبعهما من الأصحاب من استحباب جعلها خاتمة نوافل تلك الليلة ، وقوله في المدارك ـ انه لا يدل على المدعى ـ الظاهر ان منشأه حمل لفظ الوتر في الرواية على غير الوتيرة وهو توهم قد وقع فيه غيره ايضا كما تقدم بيانه في الموضع المشار اليه. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان وقت صلاة الليل بعد انتصافه وانه كلما قرب من الفجر فهو أفضل ، قال في المعتبر وعليه علماؤنا اجمع وفي المنتهى ذهب إليه علماؤنا أجمع.

أقول : اما ما يدل على الحكم الأول فالأخبار المستفيضة ، ومنها ـ صحيحة فضيل

__________________

(١) ص ٤٦.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أعداد الفرائض.

(٣) ص ٧٢.

٢٢٤

عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة».

وروى الصدوق في الفقيه عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه فلم يصل شيئا حتى ينتصف الليل». قال وقال أبو جعفر (عليه‌السلام): «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل الى آخره».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه فلا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) «وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».

وروى الصدوق مرسلا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في صفة صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) «ثم أوى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات فقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم». وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا في صحيحة ابن أذينة ورواية زرارة المذكورتين في آخر المسألة الاولى (٦) الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٣ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

(٦) ص ٢١٧.

٢٢٥

واما الحكم الثاني فاستدل عليه بالإجماع المتقدم نقله عن المعتبر والمنتهى أولا واستدل في المعتبر ايضا بقوله تعالى «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (١) وقوله : «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» (٢) والسحر ما قبل الفجر على ما نص عليه أهل اللغة.

واستدل أيضا برواية إسماعيل بن سعد الأشعري (٣) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن ساعات الوتر قال أحبها الي الفجر الأول. وسألته عن أفضل ساعات الليل قال الثلث الباقي. وسألته عن الوتر بعد الصبح قال نعم قد كان ابي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح».

وعن مرازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت متى أصلي صلاة الليل؟ قال صلها آخر الليل. قال فقلت فاني لا أستنبه؟ فقال تستنبه مرة فتصليها وتنام فتقضيها فإذا اهتممت بقضائها في النهار استنبهت».

أقول : ومن الأخبار الدالة على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن شعيب عن ابي بصير في الموثق أو الضعيف (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التطوع بالليل والنهار؟ فقال الذي يستحب ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس الى ان قال ومن السحر ثمان ركعات ثم يوتر ، الى ان قال في آخر الخبر : وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل».

وفي الموثق بابن بكير عن زرارة (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال ثمان ركعات الزوال ، الى ان قال وثلاث عشرة ركعة آخر الليل».

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية ١٨.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٥.

(٣) الوسائل الباب ٤٨ و ٥٤ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٤٥ من المواقيت.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

٢٢٦

وعن سليمان بن خالد في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر ، الى ان قال وثمان ركعات من آخر الليل. الحديث».

وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) في كتابه إلى المأمون (٢) قال : «وصلاة الظهر اربع ركعات ، الى ان قال وثمان ركعات في السحر والشفع والوتر ثلاث ركعات. الحديث».

وروى في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (٣) قال فيه «وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل والشفع ركعتان والوتر ركعة. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

وعلى هذه الأخبار اعتمد الأصحاب فيما ذكروه من أفضلية ما قرب من الفجر ، ولا تنافيها الأخبار الأولة لأن غاية ما تدل عليه دخول الوقت بالانتصاف ، إلا انه ربما جعلت المنافاة باعتبار ما دل منها على ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) كانا يصليان بعد الانتصاف ويبعد ان يكون خلاف الأفضل ، ويؤيده أيضا ما رواه عمر بن يزيد في الصحيح (٤) «انه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله فيها إلا استجاب له في كل ليلة. قلت أصلحك الله وأي ساعة من الليل؟ قال إذا مضى نصف الليل الى الثلث الباقي».

ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يستحب الإتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات لقوله تعالى «وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ» (٥).

ويعضده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (٦) قال : «سمعت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

(٤) الوسائل الباب ٢٦ من الدعاء.

(٥) سورة طه ، الآية ١٣٠.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٥٣ من المواقيت.

٢٢٧

أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ، وذكر صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء الله تعالى فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...» ثم يستن ويتطهر ثم يقوم الى المسجد فيركع اربع ركعات على قدر قراءته ركوعه وسجوده على قدر ركوعه يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه؟ ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم الى المسجد فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم الى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله تعالى ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى اربع ركعات ثم يرقد فيقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى اربع ركعات ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ، ثم قال «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (٢) قلت متى يقوم؟ قال بعد ثلث الليل» وقال في حديث آخر «بعد نصف الليل».

وقال في الكافي (٣) وفي رواية أخرى «يكون قيامه وركوعه وسجوده سواء ويستاك في كل مرة قام من نومه ويقرأ الآيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ».

ويمكن الجمع بين هذه الأخبار باستحباب التأخير إلى آخر الليل لمن أراد ان

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥٣ من المواقيت.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٢١.

٢٢٨

يصليها في مقام واحد واستحباب الابتداء من نصف الليل لمن أراد التفريق كما كان يفعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى هذين الخبرين يحمل إجمال ما دل على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) كانا يصليان بعد الانتصاف ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) المشهور بين الأصحاب جواز تقديم صلاة الليل في أوله للشاب الذي تمنعه رطوبة دماغه من الانتباه والمسافر الذي يمنعه جد السير ونقل عن زرارة بن أعين المنع من تقديمها على انتصاف الليل مطلقا وانه قال : كيف تقضى صلاة قبل وقتها ان وقتها بعد انتصاف الليل. وسيأتي ذلك في رواية محمد بن مسلم ، واختاره ابن إدريس على ما نقله في المختلف واليه مال في المختلف ايضا ونقل فيه عن ابن ابي عقيل انه وافق الشيخ في المسافر خاصة.

والظاهر هو القول المشهور للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، ومنها ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن ليث المرادي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل؟ فقال نعم نعم ما رأيت ونعم ما صنعت». وزاد في الفقيه (٢) «يعني في السفر» قال : «وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ فقال نعم».

وروى في الفقيه عن ابي جرير القمي عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «صل صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر».

وروى في الكافي والتهذيب عن الحلبي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الليل والوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد أو كانت علة؟ قال لا بأس أنا افعل ذلك».

وروى في الكافي عن يعقوب بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٤ من المواقيت.

٢٢٩

«سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ قال نعم».

وعن محمد بن حمران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن صلاة الليل أصليها أول الليل؟ قال نعم إني لأفعل ذلك فإذا أعجلني الجمال صليتها في المحمل».

وعن ابي بصير في الموثق أو الضعيف عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا خشيت ان لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل صلاتك وأوتر من أول الليل».

ورواه في التهذيب في موضع آخر في الصحيح وكذا الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٣) إلا انه قال : «وكانت بك علة» وزاد في آخره «في السفر».

وعن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر؟ فقال من حين تصلي العتمة الى ان ينفجر الصبح».

وفي الصحيح عن ليث (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار أصلي في أول الليل؟ قال نعم».

وعن يعقوب الأحمر في الصحيح (٦) قال : «سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل؟ فقال نعم ما رأيت ونعم ما صنعت ، ثم قال ان الشاب يكثر النوم فانا آمرك به».

وعن علي بن سعيد (٧) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الليل والوتر في السفر من أول الليل إذا لم يستطع ان يصلي في آخره؟ قال نعم».

ورواه في الفقيه عن علي بن سعيد مثله (٨) إلا انه أسقط «إذا لم يستطع ان يصلي آخر الليل».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٤٤ من المواقيت.

٢٣٠

وعن الحسين بن علي بن بلال (١) قال : «كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند زوال الليل ـ وهو نصفه ـ أفضل وان فات فأوله وآخره جائز».

وروى الشهيد في الذكرى (٢) قال : «روى محمد بن أبي قرة بإسناده إلى إبراهيم بن سيابة قال كتب بعض أهل بيتي الى ابي محمد (عليه‌السلام) في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل فكتب فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل».

وروى في الكافي والتهذيب عن ابان بن تغلب في الصحيح (٣) قال : «خرجت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) فيما بين مكة والمدينة وكان يقول اما أنتم فشباب تؤخرون واما انا فشيخ اعجل ، وكان يصلي صلاة الليل أول الليل».

وعن سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بصلاة الليل من أول الليل الى آخره إلا ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل». وظاهر هذه الرواية جواز التقديم مطلقا ، ونحوها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (٥) قال : «كتبت إليه أسأله يا سيدي روى عن جدك انه قال لا بأس بان يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل؟ فكتب في أي وقت صلى فهو جائز ان شاء الله تعالى». والظاهر تقييد إطلاقها بالروايات المذكورة الدالة على العذر.

وقد صرح الأصحاب بأنه إذا دار الأمر بين التقديم والقضاء فالقضاء أفضل ، ويدل عليه ما رواه معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكى الي ما يلقى من النوم وقال اني أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين اصبر على ثقله؟ فقال قرة عين له والله ، ولم يرخص له في الصلاة في أول الليل وقال القضاء بالنهار أفضل. قلت فان من نسائنا أبكار الجارية تحب الخير واهله وتحرص

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٤ من المواقيت.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من أبواب المواقيت.

٢٣١

على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه في أول الليل؟ فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء».

وعن محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «قلت له الرجل من امره القيام بالليل تمضى عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم فيقضي أحب إليك أم يعجل الوتر أول الليل؟ قال لا بل يقضي وان كان ثلاثين ليلة».

وعن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضي لذلك العشرة والخمس عشرة فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي؟ قال لا بل يقضي أحب إلي إني اكره أن يتخذ ذلك خلقا ، وكان زرارة يقول كيف تصلى صلاة لم يدخل وقتها إنما وقتها بعد نصف الليل».

احتج العلامة في المختلف على ما ذهب اليه مما قدمنا نقله عنه بأنها عبادة موقتة فلا تفعل قبل وقتها لعذر وغيره كغيرها ، وبصدر صحيحة معاوية بن وهب المذكورة ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بأنه معذور فجاز تقديمها من أول الليل محافظة على السنن ، وبعجز صحيحة معاوية المذكورة حيث رخص (عليه‌السلام) للجارية التقديم والترخيص للمرأة مستلزم لغيرها من المسافر والشاب للاشتراك في العذر والمحافظة على فعل السنن. ثم أجاب بأن المحافظة على السنن تحصل مع القضاء والرواية لا تدل على المطلوب لاختصاصها بمن لا يتمكن من الانتباه والقضاء.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) بالنسبة الى هذه الرواية من الاحتجاج بصدرها والجواب عن عجزها جيد ، إلا ان دليل الشيخ غير منحصر في هذه الرواية لما عرفت من الأخبار التي تلوناها عليك فإنه لا مجال إلى إنكار دلالتها على الجواز. نعم ظاهر الصدوق اختصاص الرخصة بالمسافر حيث قال : كل ما روى من الإطلاق في صلاة الليل من أول الليل فإنما هو في السفر لان المفسر من الأخبار يحكم على المجمل. ونحوه قال الشيخ في التهذيبين

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من المواقيت.

٢٣٢

وزاد : وفي وقت يغلب على الظن انه ان لم يصلها في أول الليل فاتته إذا شق عليه القيام آخر الليل ولا يتمكن من القضاء فحينئذ يجوز له تقديمها. أقول : ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) هنا جيد ، اما بالنسبة إلى المسافر فلما عرفت من الأخبار الكثيرة المتقدمة بالتقريب الذي ذكره الصدوق (طاب ثراه) واما بالنسبة الى من لا يتمكن من الأداء والقضاء فعجز صحيحة معاوية بن وهب وعليه تحمل صحيحة محمد بن مسلم ، واما صدر صحيحة معاوية فهو محمول على غير الفردين المذكورين ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار المذكورة

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب ان آخر وقت صلاة الليل طلوع الفجر الثاني فلو طلع الفجر الثاني ولم يكن تلبس بأربع منها بدأ بالفريضة أو ركعتي الفجر على الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى. ونقل عن المرتضى (قدس‌سره) ان آخر وقتها الفجر الأول ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : ولعله نظر الى جواز ركعتي الفجر حينئذ والغالب ان دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى. ويندفع بوجوه : منها ـ الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب. ومنها ـ ان إسماعيل بن سعد الأشعري (١) «سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن أفضل ساعات الليل فقال الثلث الباقي». ومنها ـ ما مر من الأخبار. انتهى. أقول : ضعف ما ذكره السيد (رضي‌الله‌عنه) أظهر من ان يحتاج الى البيان لما سيجي‌ء من الأخبار النيرة البرهان.

(الثالث) ـ لو طلع الفجر فان كان قد تلبس بأربع منها أتمها مخففة والا أخرها ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ في التهذيب عن مؤمن الطاق (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كنت صليت اربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع».

وفي كتاب الفقه الرضوي «إن كنت صليت من صلاة الليل اربع ركعات قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع».

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٤٧ من المواقيت.

٢٣٣

إلا انه قد روى الشيخ ايضا عن يعقوب البزاز (١) قال : «قلت له أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر ابدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال لا بل أوتر وأخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار».

وقد جمع الشيخ ومن تأخر عنه بين الخبرين بحمل هذه الرواية على الأفضلية. أقول : من المحتمل قريبا اختصاص الخبر الأول بما إذا طلع الفجر بعد تمام التلبس بالأربع كما هو مورد الخبر ومحل المسألة ، واما الثاني فظاهره انه بعد صلاة الأربع إنما تخوف ان ينفجر الفجر لقربه لا انه انفجر بالفعل فصار الأمر متعارضا عنده بين إتمام الثمان ركعات وبين الوتر بمعنى ان الوقت لا يسع إلا أحدهما فأمره (عليه‌السلام) بتقديم الوتر وتأخير الركعات حتى يقضيها ، وهذا ليس من محل المسألة في شي‌ء حتى يحتاج الى الجمع بما ذكروه ، فإنه قد دلت الأخبار ـ وبه صرح الأصحاب ايضا ـ على انه لو لم يبق من الوقت ما يسع صلاة الليل كاملة قدم الوتر فإنه يكتب له بها ثواب صلاة الليل وقضى الصلاة بعد الصبح ، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى ان يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال بل يبدأ بالوتر ، وقال انا كنت فاعلا ذلك». وصحيحة معاوية بن وهب (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول أما يرضى أحدكم ان يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟». وهذا الخبر من هذا القبيل ولا فرق بين ما دل عليه هذان الخبران والخبر المذكور إلا باعتبار دلالة ذلك الخبر على تلبسه بأربع ركعات ، وهو لا يصلح للفرق لان ظاهر هذين الخبرين ان الأفضل المحافظة على الوتر وتقديمها في هذا الوقت وترجيحها على صلاة الليل فيه. وبالجملة فإن ظاهر هذه الأخبار انه متى كان الوقت الثاني لا يسع إلا الثمان مخففة أو الوتر كاملة فإن الأفضل تقديم الوتر سواء صلى شيئا من الثمان أم لا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من المواقيت.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٦ من المواقيت.

٢٣٤

واما الحكم الثاني وهو ما لو طلع الفجر ولم يتلبس بأربع ركعات فلا يخلو اما ان يكون قد تلبس بما دون الأربع أو لم يتلبس بشي‌ء بالكلية :

وظاهرهم في الأول الاتفاق على البدأة بالفريضة ، قال في المعتبر : ولو طلع الفجر ولما يكمل أربعا بدأ بالفريضة وهو مذهب علمائنا.

واما الثاني فتدل عليه صحيحة إسماعيل بن جابر (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال لا». والتقريب انه إذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بطريق أولى.

إلا انه قد ورد بإزاء هذا الخبر أخبار كثيرة دالة على جواز صلاة الليل بعد الفجر وان لم يتلبس منها بشي‌ء :

ومنها ـ صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال صلها بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها ولا تعمد ذلك في كل ليلة ، وقال أوتر أيضا بعد فراغك منها».

وصحيحة عمر بن يزيد ايضا (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وقد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها وان بدأت في صلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء؟ فقال ابدأ بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة».

وصحيحة سليمان بن خالد (٤) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) ربما قمت وقد طلع الفجر فأصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أصلي الفجر. قال قلت أفعل أنا ذا؟ قال نعم ولا يكون منك عادة».

ورواية إسحاق بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وقد طلع الفجر ولم أصل صلاة الليل؟ فقال صل صلاة الليل وأوتر وصل ركعتي الفجر».

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على الرخصة ، قال هذه رخصة لمن أخر

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من المواقيت.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٨ من المواقيت.

٢٣٥

لاشتغاله بشي‌ء من العبادات وقال المحقق في المعتبر ـ بعد ان ذكر ان فيه روايتين إحداهما يتم النافلة مزاحما بها الفريضة والأخرى يبدأ بالفجر ـ ان اختلاف الفتوى دليل التخيير ، يعني بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده. واستحسنه جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة.

والأظهر عندي حمل النهي في صحيحة إسماعيل بن جابر على اتخاذ ذلك عادة وجعله جائزا في جملة الأوقات فإنه ليس كذلك لما سيأتي ان شاء الله تعالى من الأخبار الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة ، ولما سيأتي ايضا ان شاء الله تعالى من النهي عن صلاة ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ووجوب تقديم الفريضة. واما الأخبار الأخيرة فهي محمولة على الرخصة لو اتفق له ذلك في بعض الأوقات ولهذا قد صرحت بأنه لا يجعل ذلك عادة ولا يتعمد ذلك في كل ليلة ، والرخص في مقام التحريم كثيرة وهذا منها.

والعجب ان صاحب المعتبر بعد ان استدل على تقديم النافلة على الفريضة في المسألة بصحيحة عمر بن يزيد الثانية استدل على تقديم الفريضة على النافلة بصحيحته الاولى وكأنه حمل قوله «صلها بعد الفجر» يعني بعد صلاة الفجر. وهو سهو ظاهر ، بل الظاهر ان الرواية انما هي من قبيل روايته الثانية والمراد بالفجر فيها انما هو أول الصبح وانه يصلي النافلة أولا وان أخر الغداة إلى آخر وقتها كما ينادي به الخبر ، ويعضده قوله «ولا تعمد ذلك في كل ليلة» كما وقع مثله في روايته الثانية وصحيحة سليمان بن خالد. وأعجب من ذلك انه حكم في هذه المسألة أعني لو طلع الفجر ولم يتلبس بشي‌ء من النافلة بالتخيير بين تقديم الفريضة والإتيان بالنافلة وفيما لو تلبس بما دون الأربع بوجوب البدأة بالفريضة كما تقدم نقله عنه.

(الرابع) ـ المفهوم من الأخبار ـ وبه صرح جملة من الأصحاب ـ ان أفضل أوقات الوتر ما بين الفجر الأول الى الثاني :

روى الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري (١) قال : «سألت

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٥٤ من أبواب المواقيت.

٢٣٦

أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن ساعات الوتر فقال أحبها الي الفجر الأول».

وعن معاوية بن وهب في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل ساعات الوتر فقال الفجر أول ذلك».

وروى الشهيد في الذكرى (٢) قال : «روى ابن أبي قرة عن زرارة ان رجلا سأل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن الوتر أول الليل فلم يجبه فلما كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر؟ (ثلاث مرات) نعم ساعة الوتر هذه ثم قام وأوتر».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن ابان بن تغلب (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) آية ساعة كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوتر؟ فقال مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب».

قال في الذكرى : وقد سلفت رواية الحجال عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) في تقديم ركعتين من أول الليل فان استيقظ صلى صلاة الليل وأوتر وإلا صلى ركعة واحتسب بالركعتين شفعا ، وعليه تحمل رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر». ويجوز حملها على التقية لأن عندهم وقت الوتر ما بين العشاء الى الفجر (٦) ويروون عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء الى طلوع الفجر» (٧). ثم أجاب عما ذهب إليه العامة.

أقول : اما ما ذكره من رواية الحجال فقد تقدم الكلام فيها مستوفى في الفائدة السادسة عشرة من فوائد المقدمة الثانية وبينا المعنى المراد منها. واما رواية زرارة فقد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٤ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٤٤ من المواقيت.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٢٩ من أعداد الفرائض.

(٦) المغني ج ٢ ص ١٦١.

(٧) سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٧٨.

٢٣٧

تقدم الكلام فيها موضحا منقحا في الفائدة السادسة من الفوائد المشار إليها وبينا ان المراد بالوتر فيها انما هو الوتيرة فلا ضرورة الى ما ذكره هو وغيره من التأويلات البعيدة والاحتمالات الغير السديدة.

(الخامس) ـ قد تقدمت الأخبار الدالة على انه متى ضاق الوقت إلا عن الوتر وركعتي الفجر خاصة فإن الأفضل له ان يقدم ذلك على صلاة الليل ، اما لو فعل ذلك ثم انكشف بقاء الليل فقال في الدروس ونحوه في الذكرى انه يضيف الى ما صلى ستا ويعيد ركعة الوتر وركعتي الفجر ، ثم نسبه الى الشيخ المفيد ثم نقل في الكتابين عن الشيخ علي بن بابويه انه يعيد ركعتي الفجر لا غير. أقول : ظاهر كلام الشيخين المذكورين ان الحكم في هذه المسألة هو اضافة ست ركعات الى ما صلاه بنقل ركعتي الفجر إلى صلاة الليل وزيادة ست ركعات عليها لتكمل ثمان ركعات ثم إعادتها بعد ذلك وانما اختلف كلامهما في إعادة مفردة الوتر فظاهر الشيخ علي بن بابويه عدم إعادتها وظاهر الشيخ المفيد إعادتها. وقال في الذكرى بعد ذكر ذلك ـ ثم نقل عن الشيخ في المبسوط انه لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد ان أوتر قضاهما وأعاد الوتر ـ ما لفظه : وكأن الشيخين نظرا الى ان الوتر خاتمة النوافل ليوترها.

والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن علي بن عبد العزيز (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وانا أتخوف الفجر؟ قال فأوتر. قلت فانظر فإذا علي ليل؟ قال فصل صلاة الليل».

وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابنا ـ وأظنه إسحاق بن غالب ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا قام الرجل من الليل فظن ان الصبح قد أضاء فأوتر ثم نظر فرأى ان عليه ليلا؟ قال يضيف الى الوتر ركعة ثم يستقبل صلاة الليل ثم يوتر بعده».

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٦ من أبواب المواقيت.

٢٣٨

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) «وان كنت صليت الوتر وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ست ركعات وأعد ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه».

وأنت خبير بان الظاهر من الوتر في هذه الأخبار هو مجموع الركعات الثلاث كما استفاض إطلاقه عليها في الأخبار وقد تقدم بيانه في المقدمة الثانية ، وحينئذ فقوله في الخبر الأول «فصل صلاة الليل» يحتمل حمله على الركعات الثمان خاصة كما وقع إطلاقه عليها في الأخبار وان أطلق في بعض على ما يدخل فيه الوتر ، ويحتمل حمله على الأعم ويحتمل ـ على بعد ـ البناء على ما صلى كما ذكره الشيخ المفيد من اضافة الست ، وحينئذ فمعنى قوله «فصل صلاة الليل» أي أتم صلاة الليل ، وكيف كان فالخبر المذكور لا يخلو من الإجمال. واما الرواية الثانية فظاهرها انه يعتد بما فعله من ركعات الوتر من صلاة الليل ويضيف إلى المفردة أخرى ليتم بها عدد اربع ركعات ثم يتم الثمان صلاة الليل ويوتر. ولم أقف على قائل به. واما عبارة كتاب الفقه فالظاهر انه معتمد الشيخين المتقدمين فيما قدمنا إيضاحه من كلاميهما وان كان الشيخ المفيد صرح بإعادة مفردة الوتر بعد ذلك ايضا بالتقريب الذي ذكره في الذكرى. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت من تصادم هذه الأخبار ، والاحتياط لا يخفى.

(السادس) ـ روى الشيخ في التهذيب عن علي بن عبد الله بن عمران عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح فزد ركعة إلى الركعتين اللتين صليتهما قبل واجعله وترا».

قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى بعد ذكر هذا الخبر : وفيه تصريح بجواز العدول من النفل الى النفل لكن ظاهره انه بعد الفراغ كما ذكر مثله في الفريضة ، ويمكن حمل الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقارنة الفراغ.

__________________

(١) ص ١٣.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من المواقيت.

٢٣٩

أقول : اما ما ذكره من تصريح الخبر بجواز العدول حسبما ذكره فقد تقدم في سابق هذا الموضع ما يؤيده أيضا ويؤكده. واما ما ذكره في تأويل الخروج حيث ان ظاهر الخبر الخروج في أثناء الصلاة فالظاهر بعده ، والأقرب حمل الكلام على التجوز وان المراد بالكون في صلاة الفجر الإتيان بركعتي الفجر ، ويحمل الخبر على ما إذا كان الوقت ضيقا فصلى صلاة الفجر لعدم اتساعه لأزيد منها فأمره (عليه‌السلام) بأن الأفضل تقديم الوتر وان ينقل ما صلاة إلى ركعتي الوتر ويضيف إليهما ثالثة ، وباب التجوز في أمثال ذلك غير عزيز.

والمحدث الكاشاني لما نقل الخبر المذكور في الوافي قال : هكذا في النسخ التي رأيناها والصواب «الليل» مكان «الفجر» يعني إذا كنت قد صليت من صلاة الليل ركعتين فرأيت الصبح فاجعله وترا. وهو في حد ذاته معنى جيد لكن حمل الأخبار على ذلك لا يخلو من اشكال. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب ان أول وقت ركعتي الفجر الفراغ من صلاة الليل والوتر وان كان ذلك قبل الفجر الأول ، لكن قال في المعتبر ان تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول أفضل. وقيل ان أول وقتهما بعد طلوع الفجر الأول ، ونقل عن السيد المرتضى والشيخ في المبسوط وبه صرح العلامة في الإرشاد.

واما آخر وقتهما فالمشهور انه يمتد الى طلوع الحمرة فإن طلعت ولم يصلهما بدأ بالفريضة. وقيل بامتداد وقتهما الى الفجر الثاني وهو المنقول عن ابن الجنيد واختاره الشيخ في كتابي الأخبار ، قال ابن الجنيد على ما نقل عنه : وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من حين انتصاف الليل الى طلوع الفجر على الترتيب.

والأظهر عندي ان وقتهما بعد صلاة الليل وان كان الأفضل تأخيرهما الى بعد الفجر الأول وان وقتهما ينتهى بطلوع الفجر الثاني فلو طلع ولم يصلهما بدأ بالفريضة.

لنا على الحكم الأول ـ الأخبار الدالة على جعلهما مع صلاة الليل كائنة ما كانت :

٢٤٠