الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا».

وعن علي بن عطية في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الصبح هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى».

وعن هاشم بن الهذيل عن ابي الحسن الماضي (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سورى».

وعن يزيد بن خليفة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «وقت الفجر حين يبدو حتى يضي‌ء». الى غير ذلك من الأخبار الآتي جملة منها ان شاء الله تعالى في المقام.

وبالجملة فإنه لا خلاف في الحكم المذكور نصا وفتوى وانما الخلاف في آخره فالمشهور ان آخره طلوع الشمس وبه قال السيد المرتضى وابن الجنيد والشيخ المفيد وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة وابن إدريس وعليه جمهور المتأخرين ، وقال ابن ابي عقيل آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية وللمضطر طلوع الشمس وهو اختيار ابن حمزة ، وللشيخ قولان : أحدهما كالقول الأول ذهب إليه في الجمل والاقتصاد ، والثاني كمذهب ابن ابي عقيل اختاره في المبسوط والخلاف.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «وقت صلاة الغداء ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس».

وعن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر ان يصلي المكتوبة من الفجر ما بين ان يطلع الفجر الى

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٧ من المواقيت.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من المواقيت.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ و ٣٠ من المواقيت.

٢٠١

ان تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصة فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته».

وعن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، الى ان قال ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «وقت الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام. الحديث».

وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح أو الحسن عن عاصم بن حميد عن ابي بصير ليث المرادي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر. قلت أفلسنا في وقت الى ان يطلع شعاع الشمس؟ قال هيهات اين يذهب بك؟ تلك صلاة الصبيان».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير المكفوف (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء. قلت فمتى تحل الصلاة؟ فقال إذا كان كذلك. فقلت ألست في وقت من تلك الساعة الى ان تطلع الشمس؟ فقال لا انما نعدها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٢٨ من المواقيت.

٢٠٢

صلاة الصبيان ، ثم قال انه لم يكن يحمد الرجل ان يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه اهله وصبيانه».

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) قال (عليه‌السلام): «أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وهو بياض كبياض النهار وآخر وقت الفجر ان تبدو الحمرة في أفق المغرب وقد رخص للعليل والمسافر والمضطر الى قبل طلوع الشمس».

وفي كتاب دعائم الإسلام (٢) وعنه ـ يعني عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) ـ قال : «أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وآخر وقتها ان يحمر أفق المغرب وذلك قبل ان يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشي‌ء ولا ينبغي تأخيرها الى هذا الوقت لغير عذر وأول الوقت أفضل».

هذا ما حضرني من الأخبار الواردة في المسألة ، وأنت خبير بان مقتضى الجمع بينها بضم مطلقها الى مقيدها هو ان الحكم في هذه الصلاة كغيرها من الصلوات المتقدمة في ان لها وقتين فعلى المشهور الوقت الأول للفضيلة والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الوقت الأول للمختار والثاني لأصحاب الاعذار والاضطرار ، وهذا هو الذي تنادي به عبارات هذه الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ هذه الثمار.

واما ما ذكره في المدارك بناء على اختياره القول المشهور وتبعه من تبعه عليه ـ حيث قال بعد نقل القولين : والمعتمد الأول ، لنا ـ أصالة عدم تضيق الواجب قبل طلوع الشمس وما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة ، ثم أورد موثقته المتقدمة الدالة على الامتداد الى طلوع الشمس ثم رواية زرارة المتقدمة الدالة على ذلك ايضا ثم قال

وعن الأصبغ بن نباتة (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة». ويمكن ايضا ان يستدل بصحيحة علي بن يقطين (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر

__________________

(١) ص ٢.

(٢) المستدرك الباب ٢٠ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٥١ من المواقيت.

٢٠٣

الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما». وجه الدلالة ان ظاهر هذا الخبر امتداد الوقت الى ما بعد الاسفار وظهور الحمرة وكل من قال بذلك قال بامتداده الى طلوع الشمس ، ثم قال احتج الشيخ (قدس‌سره) على انتهائه للمختار بالإسفار بما رواه في الحسن عن الحلبي ، ثم ساق الرواية كما قدمناه ثم أردفها بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، ثم قال والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت الاختيار بذلك فان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة ، وجعل ما بعد الاسفار لمن شغل يقتضي عدم فوات وقت الاختيار بذلك فان الشغل أعم من الضروري ، وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة بذلك لا وقت الاختيار. انتهى ـ

ففيه نظر من وجوه : (الأول) ان مرجع الأصل الذي تمسك به على عدم تضيق الواجب قبل طلوع الشمس الى عموم الدليل الدال على ان وقت الصبح من الفجر الثاني إلى طلوع الشمس وهي الروايات التي استند إليها. وفيه ان من منع من الامتداد الى طلوع الشمس وجعل نهاية وقته الاسفار وظهور الحمرة كما دلت عليه إخباره التي استند إليها لا يرد عليه هذا الكلام ، لأن الأوقات الشرعية لما كانت محدودة بحدود مقررة فكل من ثبت عنده حد معين لا يجوز تجاوزه ووجب عليه القول به والانتهاء اليه والثابت عند أصحاب هذا القول هو التحديد بالإسفار وانتشار الصبح ، وحينئذ فلا وجه لهذه الأصالة وهل هي إلا نوع مصادرة؟ على ان غاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هو كون ذلك وقتا في الجملة كما تقدم بيانه ويكفي في صدق ذلك كونه وقتا لذوي الأعذار كما صرحت به الأخبار ، وبالجملة فالأخبار في المسألة ما بين مطلق ومقيد وطريق الجمع الواضحة حمل مطلقا على مقيدها.

(الثاني) ان ما استند اليه من الأخبار التي ذكرها واعتمد في الاستدلال عليها كلها ضعيفة السند باصطلاحه وهو يردها لو كانت من طريق الخصم كما هو المعلوم من عادته بل يرد الأخبار الحسنة فضلا عن الموثقة فكيف يسوغ منه الاستدلال بها

٢٠٤

والاعتماد عليها؟ مع ان ما قابلها أصح سندا كما اعترف به وأوضح دلالة وما طعن به في دلالتها فسيظهر لك ما فيه ، على ان وصفه رواية عبيد بن زرارة بأنها موثقة ـ وان تبعه في ذلك شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ـ غفلة منه (قدس‌سره) وممن تبعه حيث ان في طريقها علي بن يعقوب الهاشمي وهو غير موثق.

(الثالث) ـ ان ما أورده من رواية الأصبغ بن نباتة وصحيحة علي بن يقطين في المقام مدخول بأن الأولى ظاهرة في ذوي الأعذار إذ التأخر الى ان يفوت الوقت حتى لم يبق إلا قدر ركعة لا يكون إلا لذلك فالرواية ليست من محل البحث في شي‌ء ، واما الثانية فمع الإغماض عن حملها على ذوي الأعذار فإن الاستدلال بها مبني على حجية هذا الإجماع المتناقل في كلامهم والمتداول على رؤوس أقلامهم مركبا أو بسيطا ، وهو من جملة من طعن فيه في غير موضع من تحقيقاته بل ذكر في صدر كتابه انه صنف في ذلك رسالة فكيف يحتج به ههنا؟ ولكنه جار على احتجاجه بالروايات الضعيفة كما ذكرناه وكل ذلك مجازفة ظاهرة. ومع الإغماض عن جميع ذلك فالظاهر ـ كما تقدم تحقيقه سابقا ـ ان هؤلاء القائلين بكون الوقت الأول وقتا للمختار دون غيره لا يريدون به انه لو خرج وجب الإتيان بالصلاة قضاء كما لو طلعت الشمس اتفاقا وانما يريدون به استحقاق المؤاخذة من الله تعالى وكونه تحت المشيئة ان شاء الله سبحانه قبل صلاته بفضله ورحمته وان شاء ردها عليه وهذا لا ينافي كون الوقت الباقي وقتا له ايضا على النحو المذكور ، نعم هو وقت حقيقي لذوي الاعذار لا يستحقون المؤاخذة على التأخير إليه بسبب العذر. وبذلك يظهر لك ايضا ما في كلام شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين من ترجيحه القول المشهور وقوله : والحديث السابع نص فيه ، وأشار به الى رواية عبيد بن زرارة التي عدها موثقة تبعا لصاحب المدارك وايدها برواية زرارة ورواية الأصبغ بالتقريب الذي ذكره في المدارك. وفيه ما عرفت.

(الرابع) ـ ان ما طعن به على صحيحتي الحلبي وعبد الله بن سنان ـ وان

٢٠٥

وصف الاولى بكونها حسنة فإن ذلك انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت ان عد حديثه في الصحيح كما عليه جملة من محققي متأخري المتأخرين هو الصحيح ـ باعتبار لفظ «لا ينبغي» بأنه ظاهر في الكراهة فمردود بما تقدم تحقيقه في غير مقام من ان هذا الظهور انما هو باعتبار عرف الناس واما باعتبار عرف الأئمة (عليهم‌السلام) وما وردت به اخبارهم فاستعمال هذا اللفظ في التحريم كما ان استعمال «ينبغي» في الوجوب أكثر من ان يحصى كما انه ربما استعمل أيضا في المعنى المشهور. والتحقيق ان الحمل على أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة في البين لان اللفظ من الألفاظ المشتركية في كلامهم (عليهم‌السلام) والقرينة في الحمل على المعنى الذي ندعيه ظاهرة من الأخبار الآخر كصحيحة أبي بصير برواية الفقيه وموثقته برواية التهذيب وموثقة عمار المتقدم ذلك كله ، فان الجميع ظاهر في ان الامتداد الى طلوع الشمس انما هو لأصحاب الأعذار دون أصحاب الاختيار وعليها تحمل الصحيحتان المذكورتان. واما ما ذكره من حمل الشغل على ما هو أعم من الضروري ففيه ان المفهوم من الأخبار ـ وبه صرح المحدث الكاشاني في الوافي ايضا ـ ان الشغل الذي هو من جملة الاعذار لا يختص بالضروري حتى انه بالحمل على غير الضروري يجامع الاختيار ، فان المستفاد منها انه يكفي في الشغل الذي يكون عذرا في التأخير إلى الوقت الثاني عدم حصول التوجه والإقبال على الصلاة لو صلى في الوقت الأول كما في روايات عمر بن يزيد الثلاث المتقدمة في وقت المغرب (١).

(الخامس) ـ قوله : «وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة» فإنه مما يقضى منه العجب حيث انه (عليه‌السلام) قد صرح في هذين الخبرين بان هذا الوقت الأخير انما هو لهؤلاء المعدودين وهم أصحاب الاعذار ومثلهما روايات ابي بصير وعمار ، والجميع ظاهر في انه ليس وقتا لغيرهم من أصحاب الاختيار ، فكيف يتم ما ادعاه من ان أقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة؟ وأي مجال هنا

__________________

(١) ص ١٧٩.

٢٠٦

لذكر الفضيلة والاجزاء الذي ذهبوا اليه ، وأي اشارة فضلا عن الظهور في الدلالة عليه؟ وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدس‌سره) من المجازفة في المقام والخروج عن جادة التحقيق الظاهر لذوي الأفهام.

وينبغي التنبيه على أمور (الأول) اعلم انه قد تضمن جملة من الأخبار استحباب تأخير صلاة الصبح إلى الاسفار والإضاءة من الفجر لا بمعنى الأسفار الذي تقدم كونه وقتا لذوي الاعذار وهو ان يتجلل الصبح السماء بل بمعنى الإضاءة في الجملة المقابل للتغليس كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي بصير «إذا اعترض فكان كالقبطية البيضاء». ونحوه في موثقته وقوله في صحيحة زرارة المتقدمة «إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا». وفي حسنة علي بن عطية «معترضا كأنه بياض سورى». وروى في كتاب الهداية مرسلا (١) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) حين سئل عن وقت الصبح فقال حين يعترض الفجر ويضي‌ء حسنا». وروى في البحار (٢) عن كتاب العروس بإسناده عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «صل صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا».

وجملة أخرى تتضمن استحباب التغليس بها مثل رواية إسحاق بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال مع طلوع الفجر ان الله يقول «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» (٤) يعني صلاة الفجر يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار». وما رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق الخلقاني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «انه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل ان يستعرض وكان يقول وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ، ان ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٦٤.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٢٨ من المواقيت.

٢٠٧

الفجر فأنا أحب ان تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي». وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وانما يجهر في صلاة الليل؟ فقال لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يغلس بها فقربها من الليل». ونقل في الذكرى انه روى «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي الصبح فينصرف النساء وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس» (٢). أقول : لعل هذه الرواية من طريق العامة فإني لم أقف عليها في أخبارنا بعد الفحص من البحار وغيره.

ولعل وجه الجمع بين هذه الأخبار هو ان الأفضل ما دلت عليه هذه الأخبار الأخيرة من التغليس للعلة المذكورة في بعضها ولما دل على فضل أول الوقت ، ويحتمل حمل الأخبار الأول على استحباب التأخير لمن لا يدرك الفرق بين الفجرين إلا بذلك ويشتبه عليه الحال في مبدأ الأمر ، لكن ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا ربما نافر ذلك إلا ان يخص ببعض الأوقات التي يحصل فيها الاشتباه لا دائما.

وجمع في المنتقى بين الأخبار المذكورة بحمل مطلق الأخبار على مقيدها ، قال والذي تقتضيه القواعد هنا حمل الأخبار المطلقة على المقيدة. أقول : فيه ان ما ذكره جيد بالنسبة الى ما عدا حديث المجالس حيث تضمن أول ما يبدو قبل ان يستعرض ولكن العذر له (قدس‌سره) واضح حيث لم يطلع عليه ، ثم قال ولو لا التصريح في بعض اخبار التقييد بأن أفضل الوقت مع طلوع الفجر لاتجه حمل اخبار الطلوع والانشقاق على ارادة وقت الاجزاء واخبار الإضاءة على الفضيلة بنحو ما ذكر في سائر الفرائض ونفى البأس في صحيحة محمد بن مسلم يشعر بهذا المعنى ايضا ، ولو اقتصرنا في العمل على الصحيح الواضح وقطعنا النظر عما سواه كان الجمع بهذا الوجه متعينا. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من القراءة.

(٢) صحيح مسلم ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠.

٢٠٨

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من هذا الحمل لو لا تصريح الخبر المشار اليه بما ذكره مردود بما أوضحنا سابقا في المسألة الرابعة بكلامنا على كلامه ونقض إبرامه وهو الذي أشار إليه هنا بقوله : «بنحو ما ذكر في سائر الفرائض» وأشار بالصحيح الواضح إلى صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا. وكيف كان فما دلت عليه هذه الصحيحة من صلاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هذا الوقت المذكور فيها لا يخلو من مدافعة لما دلت عليه مرسلة الفقيه المتقدمة إلا ان يحمل ذلك على بعض الأوقات دون بعض.

(الثاني) ـ لا يخفى ان خبر ابي بصير المتقدم قد قيده في الفقيه بكونه ليث المرادي والشيخ قيده بكونه المكفوف والكليني في الكافي قد رواه في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير وأطلق وساق الحديث بنحو ما ذكره الصدوق إلا انه قال : «متى يحرم الطعام والشراب» وقال في آخره : «اين تذهب تلك صلاة الصبيان» وصاحب المنتقى قد جعل اختلاف المشايخ الثلاثة في أبي بصير بالإطلاق من بعض والتقييد بالثقة من آخر وبالضعيف عندهم من ثالث ـ موجبا للعلة في الخبر المذكور فقال انه لا وثوق مع هذا الاختلاف بصحة ما في كتاب من لا يحضره الفقيه من التفسير ليتم حسنه. انتهى. أقول : قد اشتهر في كلام جماعة من المحدثين تعيين ابي بصير مع الإطلاق وتفسيره بليث المرادي متى كان الراوي عنه عاصم بن حميد أو عبد الله بن مسكان ، وبمقتضى ذلك يجب ان يحمل ما ذكره الكليني من الإطلاق على المرادي الثقة ويترجح به كلام صاحب الفقيه ، مضافا الى ما علم من الشيخ من السهو الزائد في متون الأخبار وأسانيدها وحينئذ فيقوى الاعتماد على الخبر المذكور وتزول العلة والمحذور.

(الثالث) ـ قال شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين في شرح قوله (عليه‌السلام) في حسنة علي بن عطية «كأنه بياض سورى» : وسورى على وزن بشرى موضع بالعراق من أرض بابل والمراد ببياضها نهرها كما في رواية هشام

٢٠٩

ابن الهذيل عن الكاظم (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. وقال في حاشية الكتاب : النباض بالنون والباء الموحدة وآخره ضاد معجمة أصله من «نبض الماء إذا سال» وربما قرى بالباء الموحدة والياء المثناة من تحت. انتهى. أقول : وقد نسب جملة من علماء الإجازة الى هذه القرية كما ذكر في الإجازات ويشير إليها حديث جويرية بن مسهر في رد الشمس على أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لما رجع من قتال الخوارج (١) وظاهر كلام شيخنا المذكور ان الرواية المشهورة بين المحدثين بالنون والباء. وقال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : والقبطية بكسر القاف وإسكان الباء الموحدة وتشديد الياء منسوبة إلى القبط ثياب تتخذ بمصر. انتهى : وقال في كتاب المصباح المنير : القبط بالكسر نصارى مصر الواحد قبطى على غير القياس ، والقبطي بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة الى القبط على غير القياس فرقا بين الإنسان والثوب وثياب قبطية بالضم ايضا وجبة قبطية والجمع قباطي. انتهى. وقال في كتاب مجمع البحرين : في الحديث «الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي» بفتح القاف وتخفيف الموحدة قبل الالف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة : ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قبطي بضم القاف نسبة الى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر ، والتغيير في النسبة هنا للاختصاص كما في الدهري بالضم نسبة الى الدهر بالفتح ، وهذا التغيير انما اعتبر في الثياب فرقا بين الإنسان وغيره فاما في الناس فيبني على اعتبار الأصل فيقال رجل قبطي وجماعة قبطية بالكسر لا غير. انتهى.

(الرابع) ـ قال شيخنا العلامة (قدس‌سره) في كتاب المنتهى : اعلم ان ضوء النهار من ضياء الشمس وانما يستضي‌ء بها ما كان كمدا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر واجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة ، وكل ما يستضي‌ء من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه ، وقد قدر الله تعالى بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون الهواء المستضي‌ء بضياء

__________________

(١) البحار ج ٩ ص ٥٥٠.

٢١٠

الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فيستضي‌ء نهايات الظل بذلك الهواء المضي‌ء ، لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في اجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فاذن متى يكون في وسط المخروط يكون في أشد الظلام ، فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة من حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح ، وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر الى ان تطلع الشمس ، وأول ما يظهر الضوء عند الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود ويسمى الصبح الكاذب والأول ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته ، ويسمى الأول لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما اي لو كان يصدق انه نور الشمس لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ، ثم يزداد هذا الضوء الى ان يأخذ طولا وعرضا فينبسط في عرض الأفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لانه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا وحمرة ، ثم يزداد الضوء الى ان يحمر الأفق ثم تطلع الشمس. انتهى كلامه زيد إكرامه. وجميع ما ذكره (قدس‌سره) مبني على قواعد علماء الهيئة والفلك ، وقد أوضح بعض ما فيه شيخنا البهائي (طاب ثراه) في كتاب الحبل المتين. إلا ان اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) ترده كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا من مظانها ولا سيما بالنسبة الى ما يدعونه من ان السماء محيطة بهذه الأرض التي نحن عليها وانها كالكرة في بطنها والشمس تجري في السماء من تحتنا وان نور القمر مستفاد من نور الشمس ونحو ذلك ، ولتحقيق المقام محل أليق. وهذا البحث وان لم يكن من شأن الفقيه ولا تعلق له بالفقه إلا أنا جرينا في نقل هذا الكلام على ما ذكره شيخنا المشار اليه ومن تبعه من الاعلام.

(المقصد الثاني) ـ في مواقيت الرواتب وفيه مسائل (الأولى) ـ اختلف

٢١١

الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت نافلة الظهرين ، فقيل ان آخره ان يبلغ زيادة الظل من الزوال قدمين الذي هو عبارة عن سبعي الشاخص للظهر وللعصر إلى أربعة أقدام. وهو مذهب الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب ، وهو الأصح كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى. وقيل يمتد بامتداد المثل وهو مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط وابن إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ، قال الشيخ في الجمل وكذا في المبسوط والخلاف وقت نافلة الظهر من الزوال الى ان يبقى لصيرورة الفي‌ء مثل الشاخص بمقدار ما يصلي فيه فريضة الظهر ، والعصر بعد الفراغ من الظهر الى ان يبقى لصيرورة الفي‌ء مثليه مقدار ما يصلى العصر. وقال ابن إدريس إذا صار ظل كل شي‌ء مثله خرج وقت النافلة وقيل انه يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، حكاه في الشرائع بلفظ «قيل» وهو مجهول القائل ، قال في المدارك ولم ينقله في المعتبر ولا نقله غيره في ما اعلم وهو مجهول القائل. ولعله أراد بعدم نقل غيره له يعني من المتقدمين وإلا فقد نقله جده في الروض وقبله المحقق الشيخ علي في شرح القواعد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان القول الأول هو المستفاد من الأخبار المتكاثرة ، ومنها صحيحة زرارة بنقل الصدوق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي ذراع فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة». الى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في المسألة الرابعة من المقصد المتقدم فإنها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على جعل مقدار الذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام وقتا للنافلة فإذا مضى هذا المقدار اختص الوقت بالفريضة ولا يجوز مزاحمة النافلة لها فيه.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

٢١٢

واستدل في المعتبر على ما ذهب اليه من الامتداد بامتداد المثل بصحيحة زرارة المذكورة حيث قال بعد ذكرها : وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين لان التقدير ان الحائط ذراع ، فحينئذ ما روى من القامة والقامتين جار هذا المجرى ويدل عليه ما روى علي بن حنظلة. ثم أورد الرواية كما قدمناه وهي مقتضية لتفسير القامة بالذراع ونحوها غيرها كما تقدم ذكره ، قال وبهذا الاعتبار يعود اختلاف كلام الشيخ لفظيا. انتهى.

وفيه انه وان دلت الأخبار المذكورة على تفسير القامة بالذراع الا انه لا يصح حمل القامة في الصحيحة المذكورة على ذلك لقوله (عليه‌السلام) فيها تفصيلا لإجمال الكلام المتقدم «فإذا بلغ فيؤك ذراعا وإذا بلغ فيؤك ذراعين» فإنه صريح في ان الذراع المعتبر انما هو من قامة الإنسان وهو زيادة فيئه بعد الزوال الى الذراع والذراعين ، فالقامة المذكورة في الخبر انما أريد بها قامة الإنسان لا الذراع ليتم له ما توهمه من عود اختلاف كلام الشيخ لفظيا. ويزيدك إيضاحا لما ذكرناه من ان المراد بالقامة في جدار مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة الإنسان ما قدمناه في آخر المسألة الرابعة من المقصد المتقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيها «وانما سمى ظل القامة قامة لان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة إنسان. إلى آخر ما تقدم مشروحا موضحا» وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.

واستدل على القول الثالث بظواهر جملة من الأخبار المتضمنة لاستحباب هذه النوافل قبل الفريضة بقول مطلق كقولهم (عليهم‌السلام) فيما قدمناه من الأخبار (١) «فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان بين يديها سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وان شئت قصرت». وفيه ان الأخبار الدالة على التحديد بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام توجب تقييد إطلاق هذه الأخبار كما تقدم ذكره. واما ما جنح اليه صاحب الذخيرة ـ من حمل روايات التحديد على الأفضلية

__________________

(١) ص ١٣٦.

٢١٣

وروايات التوسعة على الجواز ـ فبعيد وكيف لا وقد صرحت جملة من اخبار التحديد بان الغرض منه هو ان لا تزاحم النافلة وقت الفريضة مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة. إلى آخرها». وفي موثقته ايضا «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والقدمين بدأت بالفريضة وتركت النافلة». وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق الكلام في ان الأخبار الواردة بتحريم النافلة والمنع منها في وقت الفريضة (١) إنما أريد بها هذا الموضع ، وبذلك اعترف هو أيضا في تلك المسألة حيث قال ـ بعد ذكر الأخبار الدالة على انه إذا دخل وقت الفريضة فلا صلاة نافلة ـ ما صورته : ومن تتبع الأحاديث ونظر في الأخبار يعلم ان مرادهم (عليهم‌السلام) بقولهم : «دخل وقت الفريضة أو أدركت الصلاة أو حضر وقتها» في أكثر الأوقات حضور الوقت المقرر لها على جهة الفضيلة فحمل هذه الأخبار على هذا غير بعيد. الى آخر كلامه زيد في مقامه وبالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة تعين إيقاع الفريضة بعد ذهاب الذراع والذراعين ، وحمل ذلك على ما ذكره من الأفضلية ترده الأخبار الدالة على انه لا تطع في وقت فريضة.

وربما استدل لهذا القول أيضا بالأخبار الدالة على ان صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى اتى بها قبلت (٢) وسيأتي البحث فيها وبيان عدم الدلالة على ما ذكروه ان شاء الله تعالى وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور

(الأول) ـ ظاهر عبارة الشيخ المتقدم نقلها عن الجمل والمبسوط والخلاف استثناء قدر إيقاع الفريضة من المثل والمثلين. واعترضه في الذكرى وكذا في المدارك بأن الأخبار لا تساعده فان ظاهرها استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين. أقول : قد عرفت انه ليس في الأخبار ما يدل على توقيت النافلة بالمثل والمثلين وانما الموجود فيها التوقيت بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من المواقيت.

٢١٤

فقولهما ان ظاهر الأخبار استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين فرع وجود الأخبار المذكورة نعم هو ظاهر اخبار الذراع والذراعين فان ظاهرها انه لو لم يصل النافلة حتى بقي من الوقت المذكور قدر الفريضة فإنه يصلي فيه النافلة دون الفريضة وان وقت الفريضة انما هو بعد مضي هذا المقدار.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ انه لو خرج الوقت الموظف للنافلة ولم يأت بها قدم الفريضة ثم قضى النافلة وان تلبس بالنافلة ولو بركعة منها ثم خرج الوقت أتمها مخففة وزاحم بها الفريضة.

ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «للرجل ان يصلي الزوال ما بين زوال الشمس الى ان يمضي قدمان ، فان كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل ان يضمي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، وان مضى قدمان قبل ان يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك. وللرجل ان يصلي من نوافل العصر ما بين الاولى الى أن يمضي أربعة أقدام فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصل النوافل ، وان كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر». وهو صريح في المراد. ولا ينافي ذلك ما تقدم في صحيحة زرارة من الدلالة على وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين فإنه محمول بسبب هذه الرواية على عدم التلبس بالنافلة بالكلية.

قال المحقق في المعتبر بعد ذكر الرواية المذكورة : وهذه الرواية سندها جماعة من الفطحية لكن يعضدها أنه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد ويعضدها ايضا ان مضمونها موافق للإطلاقات المعلومة وليس لها معارض يعتد به فلا بأس بالعمل بها ان شاء الله تعالى. أقول : لا يخفى ما في هذا التستر بهذا العذر الواهي الذي هو لبيت العنكبوت

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب المواقيت.

٢١٥

ـ وانه لاضعف البيوت ـ مشابه ومضاهي من مخالفة اصطلاحهم المعمول عليه بينهم ، وذلك فإنه متى كان الحديث الضعيف بزعمهم وان كان موثقا ليس بدليل شرعي كما هو مقتضى ردهم له في غير مقام من الأحكام فوجوده كعدمه ، وما ذكروه من هذه التأييدات لا تفيد فائدة ولا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية سيما مع استفاضة الأخبار بتحريم النافلة في وقت الفريضة وصدق ذلك على ما نحن فيه ، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب انحلال زمامهم واختلال نظامهم ، ولو انهم التجأوا الى جبر ضعفه بالشهرة لكان اولى لهم وان ورد عليه ما ورد. وقوله في المعتبر : «انه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها» مردود بأنه إذا كان المعلوم من الشارع تحديد وقت النافلة والفريضة بحدين وقد منع من إدخال أحدهما في الآخر فكيف تحصل المحافظة على السنة وقد خرج وقتها وصارت محرمة بالأخبار الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة؟ وقوله في المدارك : «انه لا معارض لهذا الخبر» مردود بما أشرنا إليه من الروايات الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة وكذا الروايات الدالة على انه بعد الذراع والذراعين يجب تقديم الفريضة ، فإنها بإطلاقها دالة على التحريم تلبس بشي‌ء من النافلة أم لا ، لكننا انما خصصناها بالخبر المذكور لكونه دليلا شرعيا عندنا واما من لم يجعله دليلا شرعيا بل وجوده كعدمه فلا معارض للأخبار المذكورة. وبذلك يظهر ضعف البناء على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد ـ كما عرفت ـ أقرب منه الى الصلاح.

ثم ان جملة من الأصحاب صرحوا بأنه مع دخول الوقت عليه بعد التلبس بركعة يتمها مخففة ، وذكروا ان المراد بتخفيفها الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها كالقراءة بالحمد وحدها والاقتصار على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود حتى قال بعض المتأخرين انه لو تأدى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام لإطلاق الأمر بالتخفيف. وأنت خبير بان النص المذكور خال من قيد التخفيف إلا ان الظاهر انه لا بأس بما ذكروه محافظة على المسارعة إلى فضيلة وقت الفريضة فإنه كلما قرب من أول الوقت كان أفضل.

٢١٦

ـ (الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز تقديم شي‌ء من هذه النوافل على الزوال إلا في يوم الجمعة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجمعة ، واستدل على ذلك بان الصلاة وظيفة شرعية يتوقف شرعيتها على ثبوت ذلك عن الشارع والذي ثبت عنه هو كونها بعد الزوال في غير اليوم المشار إليه.

أقول : ومن الأخبار الدالة على ذلك ما تقدم من الأخبار المستفيضة الدالة على ان للنافلة المذكورة وقتا محدودا معينا وان اختلف في تقديره من الذراع والذراعين فما دونهما.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أذينة عن عدة (١) «انهم سمعوا أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان علي (عليه‌السلام) لا يصلي من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل ولا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس».

وعن زرارة (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زال النهار قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات. الحديث». وروى في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث كما تقدم».

إذا عرفت هذا فاعلم انه قد ورد في مقابلة ما ذكرنا من هذه الأخبار جملة منها أيضا دالة على خلاف ما دلت عليه الأخبار المذكورة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أول النهار؟ فقال نعم إذا علم انه يشتغل فيجعلها في صدر النهار كلها».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٦ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من المواقيت.

٢١٧

وروى في الكافي عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «اعلم ان النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت».

وروى الشيخ في التهذيب في الحسن عن محمد بن عذافر (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت فقدم منها ما شئت وأخر ما شئت».

وعن علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال لي صلاة النهار ست عشرة ركعة صلها اي النهار شئت ان شئت في اوله وان شئت في وسطه وان شئت في آخره».

وعن سيف بن عبد الأعلى (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن نافلة النهار؟ قال ست عشرة ركعة متى ما نشطت ، ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كانت له ساعات من النهار يصلي فيها فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدية متى ما اتى بها قبلت».

وعن القاسم بن الوليد الغساني (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال ست عشرة في أي ساعات النهار شئت ان تصليها صليتها إلا انك إذا صليتها في مواقيتها أفضل».

وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اشتغل؟ قال فاصنع كما نصنع : صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال».

وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) انه قال : «ما صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الضحى قط. قال قلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر النهار اربع ركعات؟ قال بلى انه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر».

هذا ما وقفت عليه من هذه الأخبار والشيخ (قدس‌سره) قد حملها على الرخصة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٣٧ من المواقيت.

٢١٨

لمن علم من حاله انه إذا لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها ، قال فاما مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها ، واستدل على ذلك بصحيحة إسماعيل بن جابر المذكورة ورواية محمد ابن مسلم المتقدمة في صدر هذه الأخبار.

قال في الذكرى بعد ذكر روايات التحديد بالاقدام والأذرع : ثم هنا روايات غير مشهورة في العمل كرواية القاسم بن الوليد ، ثم ساق جملة من هذه الأخبار ثم ذكر حمل الشيخ المذكورة لها وذكر ان الشيخ اعتمد في المنع من التقديم على اخبار التوقيت وعلى ما رواه ابن أذينة ثم ذكر صحيحة ابن أذينة المتقدمة ورواية زرارة ، ثم قال قلت قد اعترف الشيخ (قدس‌سره) بجواز تقديمها عند الضرورة ، ولو قيل بجوازه مطلقا كما دلت عليه هذه الأخبار غاية ما في الباب انه مرجوح كان وجها. انتهى. والى ما ذكره مال جمع من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحدث الكاشاني في الوافي والفاضل الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المدارك ايضا.

والأظهر عندي ما ذكره الشيخ لاخبار التحديد بالأذرع والاقدام فإنها صحيحة مستفيضة صريحة في ان للنافلة وقتا معينا محدودا لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه إلا ان يكون على جهة القضاء ، والترجيح ـ لو ثبت التعارض ـ لهذه الأخبار لما ذكرنا من صحتها واستفاضتها وصراحتها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا حيث انه لم يقل بظاهر هذه الأخبار المخالفة قائل ولم يذهب اليه ذاهب ، واعتضادها أيضا بصحيحة ابن أذينة وروايتي زرارة المتقدمات ، وحينئذ فيجب ارتكاب التأويل في ما عارضها بان يحمل التقديم على الرخصة في مقام العذر كما ذكره الشيخ. واما قولهم (عليهم‌السلام) «انها بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت» فلا يلزم منه انها تكون أداء مطلقا بل الظاهر ان المراد انما هو بيان ان قبولها لا يختص بالإتيان بها في أوقاتها المحدودة حتى انها لو وقعت في غيرها لم تقبل بل يجوز تقديمها رخصة مع العذر وقضاؤها بعد فوات وقتها وهي مقبولة في جميع هذه الأوقات ، وربما يستأنس لذلك برواية سيف بن عبد الأعلى المتقدمة وتعليله القضاء

٢١٩

فيها بكونها مثل الهدية. واما حسنة محمد بن عذافر ونحوها فيجب تقييد إطلاقها بما ذكرناه من الأخبار المشتملة على التحديد ، وبذلك أجاب عنها في المدارك في مسألة وقت نافلة الظهرين حيث نقل الاستدلال بها على امتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة ثم أجاب عنها بان هذه الروايات مطلقة ورواياتنا مفصلة والمطلق يحمل على المفصل. والعجب منه (قدس‌سره) انه بعد ان ذكر ذلك في المسألة المذكورة ناقض نفسه في المسألة التي نحن فيها فقال بعد ذكر رواية القاسم بن الوليد الغساني ورواية سيف بن عبد الأعلى ما صورته : ويستفاد من هاتين الروايتين جواز التقديم مطلقا وان كان مرجوحا بالنسبة إلى إيقاعها بعد الزوال ويدل عليه أيضا حسنة محمد بن عذافر المتقدمة وصحيحة زرارة ، ثم ساق الرواية وهي المذكورة آخر الروايات. انتهى. ووجه التناقض ظاهر فإن الحسنة المذكورة متى قيدت بما ذكره في تلك المسألة فلا دلالة لها على ما ادعاه هنا بوجه والمعصوم من عصمه الله تعالى ، ومن هذا الكلام يفهم ميله الى ما قدمنا نقله عنه. واما صحيحة زرارة التي اعتضد بها هنا فهي معارضة برواية زرارة المتقدمة الدالة على انه كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس وقضية الجمع بينهما حمل هذه الأربع ركعات في الصحيحة المذكورة على موضع عذر في بعض الأوقات. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ـ بل قال في المعتبر انه مذهب علمائنا وقال في المدارك ان هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ـ ان وقت نافلة المغرب بعدها الى ذهاب الحمرة المغربية.

قال في المعتبر : ويدل عليه انه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الإقبال على النافلة حسنا وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة ، ويؤيد ذلك ما رواه عمرو بن حريث عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان النبي

__________________

(١) ص ٢٧ وفي الوسائل الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

٢٢٠