الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

الليل ـ استدل عليه فقال : لنا على الحكم الأول صحيحة إسماعيل بن جابر ثم ذكر موثقة إسماعيل التي قدمناها ـ ووصفه لها بالصحة الظاهر انه سهو منه (قدس‌سره) فان في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة كما لا يخفى على من راجع التهذيب ـ ثم صحيحة علي بن يقطين المتقدمة ، ثم قال : وهما محمولان اما على وقت الفضيلة أو الاختيار إذ لا قائل بان ذلك آخر الوقت مطلقا ، والدليل على إرادة الفضيلة قوله (عليه‌السلام) (١) في صحيحة ابن سنان «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما». وظهور تناول الروايات المتضمنة لامتداد الوقت الى الانتصاف للمختار وغيره ، وامتداد وقت المضطر الى آخر الليل على ما سنبينه فلا يمكن حمل روايات الانتصاف عليه. ولنا على الحكم الثاني أعني امتداد وقت الاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء قول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) «ففي ما بين زوال الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه». ثم نقل صحيحة عبيد بن زرارة ومرسلة داود بن فرقد ، الى ان قال : ولنا على الحكم الثالث اعني امتداد وقتها للمضطر الى ان يبقى من الليل قدر العشاء ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان نام رجل أو نسي ان يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فان خاف ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء وان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس». وأجاب العلامة (قدس‌سره) في المنتهى عن هذه الرواية بحمل القبلية على ما قبل الانتصاف ، وهو بعيد جدا ولكن لو قيل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسي كما هو مورد الخبر كان وجها قويا. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ان ما ذكره دليلا على إرادة الفضيلة دون الاختيار من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٦٢ من أبواب المواقيت.

١٨١

الصحيحتين المذكورتين مردود بما قدمنا تحقيقه من عدم ظهورهما في الدلالة ، ولا يخفى على المتأمل في ما قدمناه من الأخبار ظهور دلالتها على ان التأخير عن غيبوبة الشفق انما هو في مقام العذر كالسفر والحوائج ونحوهما ، ومنها صحيحة علي بن يقطين التي ذكرها فإنها دلت على نفي البأس في السفر المؤذن بثبوته في الحضر كما أشار إليه ذيل الخبر المذكور وقوله في موثقة جميل بعد قول السائل : يصلي المغرب بعد سقوط الشفق؟ «لعلة لا بأس» ونحوهما غيرهما مما تقدم.

و (ثانيا) ـ ان ما استدل به على الحكم الثاني من قول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة «ففي ما بين زوال الشمس. الى آخره» فقد اعترضه الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ مع انه من التابعين له في هذه المسألة وغيرها غالبا ـ بما صورته : وفيه نظر لانه لا يمكن حمل الخبر على ان مجموع الوقت وقت لمجموع الصلوات الأربع إلا بارتكاب التخصيص وليس الحمل على ان المجموع وقت للمجموع ولو على سبيل التوزيع أبعد منه. انتهى.

و (ثالثا) ـ ان ما استدل به على الحكم الثالث من صحيحة عبد الله بن سنان فإنه محل نظر كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

وينبغي ان يعلم أولا ان الاخبار الدالة على هذا القول ليست منحصرة في الصحيحة التي ذكرها كما ربما يتوهم بل هنا أخبار عديدة إلا انها مشتركة في ضعف السند باصطلاحه ، ولعله لهذه العلة اقتصر على هذه الرواية لصحة سندها أو انه لم يطلع على تلك الاخبار وقت التأليف وإلا لعدها من المؤيدات كما هي قاعدته في غير موضع ولعله الأقرب.

ومن الاخبار المشار إليها رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من المواقيت.

١٨٢

ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس».

ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. الحديث».

ورواية عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء».

ورواية داود الزجاجي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل صلت المغرب والعشاء الآخرة».

ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر».

ورواية أبي الصباح الكناني عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر».

هذا ما وقفت عليه من الاخبار التي تصلح لان تكون مستندا لهذا القول ، والظاهر عندي ان هذه الاخبار انما خرجت مخرج التقية فلا تصلح للاعتماد عليها في تأسيس حكم شرعي ، ولي على ذلك وجوه :

(الأول) قوله عز شأنه «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ» (٦) وجه الدلالة ما ورد عن أصحاب البيت الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٦٢ من المواقيت.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٩ من الحيض.

(٦) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

١٨٣

اعرف الناس بظاهره وخافية من ان هذه الآية قد جمعت الأوقات كلها فروى المشايخ الثلاثة والعياشي في تفسيره بأسانيدهم الصحيحة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عما فرض الله من الصلوات فقال خمس صلوات بالليل والنهار. فقيل هل سماهن الله تعالى وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله تعالى لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» ودلوكها زوالها ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه ، ثم قال وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا. فهذه الخامسة». وفي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ... قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل ، الى ان قال ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». وروى العياشي عنهما (عليهما‌السلام) (٣) «ان هذه الآية جمعت الصلوات كلها ودلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه ، وقال انه ينادي مناد من السماء كل ليلة إذا انتصف الليل : من رقد عن صلاة العشاء في هذه الساعة فلا نامت عيناه. الحديث». ومن ذلك يعلم ان الوقت الزائد على هذا المقدار المذكور في الآية للعشاءين خارج عن الأوقات المحدودة في القرآن وكل ما خالف القرآن يضرب به عرض الحائط كما استفاضت به اخبارهم (عليهم‌السلام) من عرض الاخبار على القرآن فيؤخذ بما وافقه وما خالفه يضرب به عرض الحائط (٤).

(الثاني) ان الاخبار الواردة في الأوقات على تعددها وانتشارها لم يتضمن شي‌ء منها الإشارة الى هذا الوقت فضلا عن التصريح به وقد عرفت وستعرف اشتمالها

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

(٣) المستدرك الباب ١٤ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

١٨٤

على جملة الأوقات اختياريها وضروريها ، وغاية ما دلت عليه بالنسبة إلى العشاءين امتدادهما الى الانتصاف وهو غاية الاضطرار أو الأجزاء ، فلو كان هنا وقت آخر لأشير إليه في شي‌ء منها.

(الثالث) انه من القواعد المقررة والضوابط المأثورة المعتبرة عن أهل البيت (عليهم‌السلام) عرض الاخبار عند الاختلاف بل مطلقا على مذهب العامة والأخذ بخلافه (١) والاخبار التي قدمناها مع مخالفتها لظاهر القرآن كما عرفت موافقة لمذهب العامة لأن ذلك مذهب أئمتهم الأربعة على اختلاف بينهم في ذلك ، فبعض منهم جعل هذا الوقت وقتا للمضطر كما ذهب اليه المحقق والسيد السند ومن تبعهما ، وحكى هذا القول في المعتبر عن الشافعي واحمد (٢) وبعضهم جعله وقتا للمختار ، ونقله في المعتبر عن أبي حنيفة ومالك (٣) ونظير هذه الروايات التي أسلفناها في الحائض قد ورد ايضا من طريقهم من امتداد وقتها الى قبل الغروب بيسير جدا بالنسبة إلى الظهرين والى قبل الفجر بيسير بالنسبة إلى العشاءين ، قال في المعتبر : قال الشافعي ومالك واحمد إذا طهرت قبل الغروب لزمها الفريضتان ، ولو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب والعشاء ، لما رواه الأثرم وابن المنذر بإسنادهما عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عباس انهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء وإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا. وعن احمد ان القدر الذي يتعلق به الوجوب إدراك تكبيرة

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

(٢) كما في الوجيز للغزالى الشافعي ج ١ ص ٢٠ والمغني لابن قدامة الحنبلي ج ١ ص ٣٨٤.

(٣) في البدائع فقه الحنفية ج ١ ص ١٢٤ «آخر العشاء حين يطلع الفجر عندنا واوله حين يغيب الشفق وهو البياض» وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ١٥٧ «عند المالكية أول العشاء الاختياري حين يغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل والضروري بعد ذلك الى ان يبقى من طلوع الشمس ما لا يسع إلا ركعتي الصبح».

١٨٥

الإحرام ، وعن الشافعي قدر ركعة لأنه القدر الذي روى عن عبد الرحمن وابن عباس (١) ثم استدل في المعتبر على بطلان ما ذهبوا اليه وأطال ، الى ان قال : وما ذكره الجمهور من قصة عبد الرحمن وابن عباس لا حجة فيه لجواز ان يكون ما قالاه اجتهادا ، على انا نحمل ذلك على الاستحباب وقد روى في اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) ما يماثله ، ثم نقل رواية أبي الصباح ورواية عبيد بن زرارة (٢) ورواية عمر بن حنظلة. وظاهره كما ترى حمل هذه الروايات على الاستحباب تفصيا من الاشكال الوارد في المقام وهو التكليف بعبادة في وقت لا يسعها كما ذهب إليه العامة ، هذا كلامه في مبحث الحيض ، وفي مبحث الأوقات استند إليها في الدلالة على امتداد وقت المضطر الى قبل الفجر واتخذه مذهبا مع مخالفة رواياته ـ كما عرفت ـ لجملة روايات الأوقات الواردة في الباب ومضادتها لآيات الكتاب وموافقتها للعامة كما كشفنا عنه نقاب الإبهام والارتياب. وبالجملة فإن كلامه في مبحث الحيض مخالف لكلامه في مبحث الأوقات ، وظهور التقية في الاخبار المذكورة ومخالفة ظاهر الكتاب مما لا مجال لإنكاره فلا وجه للاعتماد عليها. والعجب كل العجب منهم (قدس الله أرواحهم ونور أشباحهم) انه مع استفاضة الأخبار بهاتين القاعدتين كيف ألغوهما في جميع أبواب الفقه وعكفوا في مقابلتهما على قواعد لم يرد بها سنة ولا كتاب؟ ولا سيما ما تكرر في كلامهم من الجمع بين الاخبار بالحمل على الكراهة والاستحباب ، ولم أر من تنبه الى بعض ما ذكرناه في هذا المقام سوى شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة : وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالة على الامتداد الى الفجر على التقية لإطباق الفقهاء الأربعة عليه وان اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (٣) وهو محمل حسن في الخبرين المتعارضين إذا أمكن حمل أحدهما عليها كما ورد به النص عنهم (عليهم‌السلام) (٤).

__________________

(١) كما في المغني ج ١ ص ٣٩٦.

(٢) الصحيح (عبد الله بن سنان).

(٣) التعلية ٢ و ٣ ص ١٨٥.

(٤) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

١٨٦

(الرابع) ـ الأخبار الدالة على ذم النائم عن صلاة العتمة إلى الانتصاف وامره بالقضاء بعد الانتصاف وامره بصيام ذلك اليوم عقوبة وامره بالاستغفار ، فمن ذلك الخبر المتقدم نقله عن العياشي في الوجه الأول ، ومنها ما رواه الصدوق مرسلا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ملك موكل يقول من بات عن العشاء الآخرة الى نصف الليل فلا أنام الله عينه». ورواه في كتاب العلل مسندا في الصحيح عندي عن صفوان ابن يحيى عن موسى بن بكر عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) إلا ان فيه «من نام عن العشاء». وهو أظهر. وروى الشيخ بسنده الى ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «وأنت في رخصة الى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه». ونحوه في كتاب المجالس وكتاب المحاسن. وفي الموثق عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «العتمة إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل وذلك التضييع». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٥) قال : «وروى في من نام عن العشاء الآخرة الى نصف الليل انه يقضي ويصبح صائما عقوبة وانما وجب ذلك لنومه عنها الى نصف الليل». قال المحدث الكاشاني في أبواب الأوقات من الوافي : ستأتي هذه الرواية مسندة في كتاب الصيام (٦) وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «من نام قبل ان يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته ويستغفر الله». وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٨) «في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل؟ قال يصليها ويصبح صائما». وقد ذهب الى وجوب الصوم هنا المرتضى (رضي‌الله‌عنه) مدعيا الإجماع عليه

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٢٩ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٢١ و ١٧ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من المواقيت.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب المواقيت.

١٨٧

وتبعه العلامة ، وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه حيث رواه وذكر وجوب ذلك ، وهو اما من كلامه فيكون صريحا في كونه مذهبا له أو يكون من الرواية فيكون ظاهره ذلك ولم أقف على من نسب ذلك اليه مع ان الكلام على كلا الوجهين ظاهر الدلالة عليه ، ومن ذلك يظهر لك انه لو كان الوقت ممتدا شرعا بالنسبة إلى المضطر الى طلوع الفجر وان الصحيحة التي اعتمدها في المدارك وأمثالها من الاخبار التي ذكرناها كذلك انما خرجت هذا المخرج لم يترتب على النائم عنها الى الانتصاف ما تضمنته هذه الاخبار من الذم والدعاء عليه والقضاء الذي هو شرعا عبارة عن فعل الشي‌ء خارج وقته والصوم عقوبة والاستغفار سيما ان النائم غير مخاطب حال النوم ، فكيف يترتب عليه ما ذكر ووقته ممتد الى الفجر لمكان العذر؟ وبما ذكرناه من هذه الوجوه الظاهرة البيان الساطعة البرهان يظهر لك ما في كلام أولئك الأعيان من النظر الناشئ عن عدم التأمل حقه في الاخبار والخروج عن القواعد المقررة عن الأئمة الأطهار الأبرار (صلوات الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار) والله العالم.

(الخامس) ـ ان مقتضى ما ذكروه ـ كما قدمنا نقله عن المدارك ـ ان للمغرب أوقاتا ثلاثة : وقت الفضيلة وهو الى ذهاب الشفق ووقت الاجزاء الى انتصاف الليل ووقت المضطر الى الفجر ، والروايات قد استفاضت بان لكل صلاة وقتين وأول الوقتين أفضلهما كما تقدم شطر منها ، وهذان الوقتان ـ بناء على المشهور كما تقدم تحقيقه ـ الأول منهما للفضيلة والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الأول للمختار والثاني لأصحاب الاعذار والاضطرار ، وهذا ـ بحمد الله سبحانه ـ ظاهر من الاخبار وكلام علمائنا الأبرار لا يقبل الإنكار فالقول بالوقت الثالث خارج عن ذلك ، وجعل الثاني للاجزاء والثالث للاضطرار خارج عما تقرر في الاخبار في سائر الأوقات ، إذ وصف الثاني بكونه وقت اجزاء كما هو المشهور أو وقت اضطرار كما هو القول الآخر يرجع الى أمر واحد والتغاير انما هو بالاعتبار لا انهما وقتان متعددان. وبالجملة فما ذكروه مجرد تخريج لما توهموه من العمل بظواهر

١٨٨

هذه الأخبار وسموه بهذه التسمية. والله العالم.

(المسألة العاشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان أول وقت العشاء إذا مضى من غروب الشمس قدر ثلاث ركعات واليه ذهب السيد المرتضى والشيخ في الاستبصار والجمل وابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ومن تأخر عنه ، ونسبه العلامة في المنتهى الى ابن ابي عقيل ايضا مع انه في المختلف نسب اليه القول الآتي ، وقال الشيخان أول وقتها غيبوبة الشفق ونسبه في المختلف الى ابن ابي عقيل وسلار ، وهو أحد قولي المرتضى على ما نقله بعض الأصحاب أيضا

احتجاج جملة من الأصحاب على القول المشهور بجملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه».

وعن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان هذه قبل هذه».

وعن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا ان هذه قبل هذه».

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) إذا غابت الشمس حل الإفطار ووجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من المواقيت.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٦ من المواقيت.

١٨٩

وما رواه في الكافي والتهذيب عن إسماعيل بن مهران قال : كتبت الى الرضا (عليه‌السلام) وقد تقدمت في صدر المسألة السابقة ، ورواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقد تقدمت ثمة أيضا.

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما‌السلام) عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ فقال لا بأس به».

واستدل في المدارك ايضا على ذلك بما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد الله وعمران ابني علي الحلبي (٢) قالا «كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق وكان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال لا بأس بذلك».

وفي الصحيح عن ابي عبيدة (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء ثم انصرفوا».

وعن عبيد الله الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ، ولا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل ان يغيب الشفق».

أقول : ومن هذا القبيل ما تقدم في موثقة جميل بن دراج (٥) من قوله : «قلت فالعشاء الآخرة قبل ان يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس».

ثم قال في المدارك : وجه الدلالة انه لو لا دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق لما جاز تقديمها عليه مطلقا كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب.

احتج الشيخان ـ على ما نقله في المدارك والمختلف ـ بصحيحة الحلبي (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) متى تجب العتمة؟ قال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٢ من المواقيت.

(٥) ص ١٧٩.

(٦) الوسائل الباب ٢٣ من المواقيت.

١٩٠

وصحيحة بكر بن محمد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قد تقدم (١) قال فيه «وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل». وزاد في المختلف نقلا عنهما ، ولأن الإجماع واقع على ان ما بعد الشفق وقت العشاء ولا إجماع على ما قبله فوجب الاحتياط لئلا يصلى قبل دخول الوقت ، ولأنها عبادة موقتة فلا بد لها من ابتداء مضبوط وإلا لزم تكليف ما لا يطاق وأداء المغرب غير منضبط فلا يناط به وقت العبادة. انتهى.

أقول : ظاهر كلاميهما ولا سيما مع ما ذكره هنا من الاحتجاج في المختلف ان مراد الشيخين (طاب ثراهما) بما نقل عنهما ان غيبوبة الشفق هو الوقت الحقيقي للعشاء وان صلاتها قبله كصلاة المغرب قبل الغروب والظهر قبل الزوال.

وهو عندي محل نظر من وجوه : (اما أولا) فمن البعيد بل المقطوع ببطلانه عدم اطلاع الشيخين على الاخبار المتقدمة المستفيضة الدالة على دخول الوقتين بغروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه ونحوها مما دل على جواز صلاة العشاء قبل غيبوبة الشفق ، وأبعد منه وأشد بطلانا اطراحها وإلغاؤها بالكلية بعد الوقوف عليها ولا محمل لها على تقدير هذا القول بالمرة.

(واما ثانيا) فلان الشيخ في النهاية قد جوز تقديم العشاء قبل غيبوبة الشفق في السفر وعند الاعذار ، حيث قال بعد ان ذكر ان وقت العشاء الآخرة سقوط الشفق وآخره ثلث الليل : ويجوز تقديم العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق في السفر وعند الاعذار ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ولا بأس بان يصلي العشاء الآخرة قبل مغيب الشفق عند الضرورات. وجوز في التهذيب تقديمها إذا علم أو ظن انه ان لم يصل في هذا الوقت لم يتمكن منها بعده. وكلامه هذا يدل على كون هذا الوقت الذي نقل عنه في هذه المسألة انما أريد به الوقت الموظف لذوي الاختيار دون

__________________

(١) ص ١٧٢.

١٩١

ذوي الاعذار وهذا هو الذي تنطبق عليه الأخبار الجارية في هذا المضمار ، فمرجع كلاميهما الى ان هذا الوقت الموظف لهم ليس لهم التقديم عليه إلا لعذر ، وحينئذ فلا يرد عليه الاستدلال بما نقلناه عن المدارك من الأخبار فإنها صريحة في أصحاب الاعذار.

واما ما ذكره العلامة في المختلف من الأدلة الاعتبارية فالظاهر انها من كلامه (قدس‌سره) كما هي قاعدته في الكتاب المذكور بناء على فهمه من كلام الشيخين المعنى الذي أشرنا إلى بطلانه وقد عرفت انه مما يجب القطع ببطلانه لما ذكرنا ، غاية الأمران للعشاء دون غيرها وقتين اضطراريين أحدهما باعتبار المبدأ والآخر باعتبار المنتهى كما يأتي في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.

ثم انه على تقدير ما ذكرناه من حمل كلام الشيخين على ان المراد بكون غيبوبة الشفق أول وقت العشاء الآخرة يعني وقت فضيلتها وانه لا تقدم على ذلك إلا لعذر كالسفر ونحوه فيجب حمل الأخبار التي استند إليها مما قدمنا ذكره على ذلك أيضا ، إلا انه قد ورد في الأخبار ما يدل على الجواز من غير عذر ولا علة مثل موثقة زرارة المتقدمة هنا ، وما رواه الشيخ في الموثق الذي هو كالصحيح عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة ، من غير علة وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة وانما فعل ذلك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليتسع الوقت على أمته». وعن إسحاق بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل ان يغيب الشفق من غير علة؟ قال لا بأس». وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين». ويؤيده

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من المواقيت.

١٩٢

إطلاق ما رواه في التهذيب في الصحيح عن رهط : منهم ـ الفضيل وزرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين». والظاهر حمل هذه الروايات على الرخصة كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) «وانما فعل ذلك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الى آخره» وان كان الأفضل الانتظار إلى غيبوبة الشفق وانه لا يقدم قبل ذلك إلا مع العذر كما تقدم في جملة من الأخبار ، وتطرق احتمال الحمل على التقية إلى روايات الشيخين قائم فإن التأخير الى هذا الوقت وعدم الصلاة قبله مذهب العامة قديما وحديثا كما لا يخفى (٢) والله العالم.

(المسألة الحادية عشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان وقت العشاء الآخرة يمتد الى نصف الليل وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد وسلار وابن زهرة وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، وقال الشيخ المفيد آخره ثلث الليل وهو قول الشيخ في النهاية والجمل والخلاف والاقتصاد ، وقال في المبسوط آخره ثلث الليل للمختار وللمضطر نصف الليل ، وجعل في الخلاف والاقتصاد نصف الليل رواية ، وفي النهاية آخره ثلث الليل ولا يجوز تأخيره إلى آخر الوقت إلا لعذر وقد رويت رواية ان آخر وقت العشاء الآخرة ممتد الى نصف الليل والأحوط ما قدمناه. قال في المختلف بعد نقل ذلك : وهذا يدل على ان وقت المضطر عنده ثلث الليل. وقال ابن حمزة كقوله في المبسوط وقال ابن ابي عقيل أول وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق والشفق الحمرة لا البياض فان جاوز ذلك حتى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير وقد روى الى نصف الليل وقال ابن البراج كقول المفيد ، ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض علمائنا ان آخره للمضطر طلوع الفجر ، ونقل عنه انه قال في موضع من كتاب الخلاف لا خلاف بين أهل

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب المواقيت.

(٢) كما في البدائع ج ١ ص ١٢٤ والفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ١٥٧.

١٩٣

العلم في ان أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة انه يلزمه العشاء الآخرة ، وقد تقدم في المسألة التاسعة اختيار المحقق وصاحب المدارك لهذا القول وتبعهما جملة من متأخري المتأخرين. والأظهر عندي هو امتداد وقت المضطر والمعذور الى نصف الليل وغيرهما الى ثلث الليل أو ربعه.

ومن اخبار المسألة صحيحة زرارة ورواية عبيد بن زرارة المتضمنتان لتفسير الآية وقد تقدمنا في الوجه الأول من الوجوه المتقدمة في المسألة التاسعة ، ومنها ـ رواية عبيد بن زرارة ومرسلة داود بن فرقد المتقدمتان أيضا في صدر المسألة المذكورة. ومنها ـ صحيحة بكر بن محمد وقد تقدمت في المسألة الثامنة وفيها : «وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل». وما رواه في الفقيه مرسلا قال : قال الصادق (عليه‌السلام) وقد تقدمت في روايات المسألة العاشرة وفيها «وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل». وروى في التهذيب عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «آخر وقت العتمة نصف الليل». وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) «وآخر وقت العتمة نصف الليل وهو زوال الليل». وهذه الأخبار كلها دالة على الامتداد الى نصف الليل مطلقا.

ومنها ـ الروايات الواردة في نزول جبرئيل على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتحديد الأوقات وهي موثقة معاوية بن وهب ورواية معاوية بن ميسرة ورواية المفضل ابن عمر ورواية ذريح (٣) وقد اشترك الجميع في الدلالة على انه أتاه في اليوم الأول في وقت العشاء حين سقط الشفق وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ثم قال له : «ما بين هذين الوقتين وقت» وفي رواية ذريح (٤) «وأفضل الوقت اوله ، ثم قال قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو لا اني اكره أن أشق على أمتي لأخرتها الى نصف الليل».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب المواقيت.

(٢) ص ٢.

(٣) ص ١٢٧.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٠٨ وفي الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

١٩٤

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول أخر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء الله فجاء عمر فدق الباب فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نام النساء نام الصبيان فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال ليس لكم ان تؤذوني ولا تأمروني إنما عليكم ان تسمعوا وتطيعوا».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو لا اني أخاف ان أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة الى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه». ورواه في الكافي عن ابي بصير (٣) الى قوله «ثلث الليل» ثم قال الكليني «وروى الى ربع الليل».

وروى الصدوق بإسناده في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) في رواية «ان وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل». قال الصدوق : وكأن الثلث هو الأوسط والنصف هو آخر الوقت.

وروى في كتاب العلل عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو لا ان أشق على أمتي لأخرت العشاء الى نصف الليل».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو لا نوم الصبي وعلة الضعيف لأخرت العتمة إلى ثلث الليل».

وروى الشيخ في التهذيب في الموثق عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «العتمة إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل وذلك التضييع».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢١ من أبواب المواقيت.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب المواقيت.

١٩٥

وعن زرارة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس ، الى ان قال ويصلي المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل. الحديث».

وفي كتاب نهج البلاغة (٢) في كتاب كتبه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى أمراء البلاد ، الى ان قال : «وصلوا بهم العشاء الآخرة حين يتوارى الشفق الى ثلث الليل».

وروى الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (٣) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة ووقت المغرب أضيق الأوقات وهو الى حين غيبوبة الشفق ووقت العشاء من غيبوبة الشفق الى ثلث الليل».

وفي موضع آخر من كتاب الفقه الرضوي (٤) غير الموضع الذي قدمناه «ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم الى ربع الليل وقد رخص للعليل والمسافر فيهما الى انتصاف الليل وللمضطر الى قبل طلوع الفجر».

هذا ما حضرني من الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي ـ كما ترى ـ دائرة بين وقتين أحدهما ذهاب ثلث الليل وثانيهما الى نصف الليل ، وطريق الجمع ما تقدم في غيرهما من الأوقات من جعل الأول للفضيلة كما هو المشهور أو الاختيار كما هو القول الآخر والثاني للإجزاء أو لأصحاب الاعذار والاضطرار كما هو ظاهر من سياق هذه الأخبار.

تنبيهان : (الأول) ـ قال شيخنا صاحب بحار الأنوار في الكتاب المذكور بعد نقل جملة من أقوال المسألة كما قدمناه : ولعل الأقوى امتداد وقت الفضيلة إلى ثلث الليل ووقت الاجزاء للمختار الى نصف الليل ووقت المضطر الى طلوع الفجر فإن أخر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

(٢) شرح ابن ابى الحديد ج ٤ ص ١١٦.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٦٠.

(٤) ص ٧.

١٩٦

المختار عن نصف الليل اثم ولكنه يجب عليه الإتيان بالعشاءين قبل طلوع الفجر أداء ، الى ان قال (فان قيل) ظاهر الآية انتهاء وقت العشاءين بانتصاف الليل وإذا اختلفت الأخبار يجب العمل بما يوافق القرآن (قلنا) إذا أمكننا الجمع بين ظاهر القرآن والأخبار المتنافية ظاهرا فهو اولى من طرح بعض الأخبار ، وحمل الآية على المختارين الذين هم جل المخاطبين وعمدتهم يوجب الجمع بينها وعدم طرح شي‌ء منها. واما حمل أخبار التوسعة على التقية كما فعله الشهيد الثاني (قدس‌سره) ، ثم نقل كلامه الذي قدمناه ثم قال فهو غير بعيد لكن أقوالهم لم تكن منحصرة في أقوال الفقهاء الأربعة وعندهم في ذلك أقوال منتشرة ، والحمل على التقية انما يكون في ما إذا لم يكن محمل آخر ظاهر به يجمع بين الأخبار وما ذكرناه جامع بينها. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من اشكال والأحوط عدم التأخير عن تتمة الليل بعد التجاوز عن النصف وعدم التعرض للأداء والقضاء. انتهى ملخصا.

أقول : فيه (أولا) ان ما ذكره ـ من الحمل وجمع به بين ظاهر الآية والأخبار المنافية ـ ان سلم له في الآية بالنظر الى ظاهرها لكنه لا يتم بالنظر الى الأخبار الواردة بتفسيرها كما تلوناها عليك آنفا فان ظاهرها انحصار أوقات هذه الصلوات الأربع لجميع المكلفين من مختارين ومضطرين في ما بين الدلوك الى الغسق سيما ما اشتمل عليه ذيل رواية العياشي من قوله : «وقال انه ينادي مناد من السماء. الى آخره» فإنه ظاهر في خروج الوقت بالانتصاف حتى بالنسبة إلى النائم وأصحاب الاضطرار عنده كالنائم وشبهه وهذه صورة الحال فيهم كما ترى ولو كان لهذا الوقت اثر لأشير إليه في شي‌ء منها ، وايضا لا ريب في ان الامتداد الى الغسق بالنسبة إلى العشاءين انما جرى على الامتداد الى الغروب في الظهرين وان وقع مطويا في الآية إلا ان اخبار تفسيرها نبهت عليه والامتداد الأول انما هو للاجزاء والاضطرار والاعذار على القولين المتقدمين وهكذا الثاني فتخصيصه بالاجزاء كما ادعاه دون الاضطرار نظرا الى تلك الأخبار غير جيد ، نعم يدل على ما ذكره ما تقدم من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي إلا

١٩٧

ان الواجب حمل قوله : «وللمضطر الى قبل طلوع الفجر» على ما حملت عليه تلك الأخبار المتقدمة لما عرفت ، على ان حكمه (عليه‌السلام) بالترخيص للعليل والمسافر في التأخير إلى انتصاف الليل لا يوافق ما ذكروه فإنهم جعلوا التحديد الى نصف الليل للمختار وحملوه على الاجزاء كما عرفت وجعلوا وقت الامتداد الى الفجر وقتا لأصحاب الاعذار والاضطرار فكلامه (عليه‌السلام) لا ينطبق على شي‌ء من القولين كما ترى.

و (ثانيا) ما عرفت في ما تقدم من استفاضة الأخبار ان لكل صلاة وقتين ومقتضى ما ذكروه ان لكل من صلاتي العشاءين ثلاثة أوقات والأخبار بما ذكرناه مستفيضة

و (ثالثا) ان ما اشتملت عليه الأخبار التي ذكرناها في الوجه الرابع كما أوضحناه ثمة لا يجامع القول بهذا الوقت الذي توهموه.

و (رابعا) ان اخبار العرض على مذهب العامة في مقام اختلاف الأخبار مطلقة وتخصيصها بما ذكره هنا وكذا ما اشتهر من تقديم الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب أو الكراهة يحتاج الى دليل وليس فليس ، وما ادعاه من انتشار مذهب العامة ان صح فالأكثر والجمهور انما هو على القول بالامتداد الى الفجر كما عرفت من كلام المحقق في المعتبر ومثله العلامة في المنتهى وان اختلفوا في التخصيص بذوي الأعذار أو شمول ذلك لذوي الاختيار ، وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) انه مع اختلافهم تعرض الأخبار على ما عليه جمهورهم ويؤخذ بخلافه. وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) تبعا لأولئك القائلين وتزيينه بما ذكره لا يخفى ما فيه كما لا يخفى على المتأمل النبيه.

(الثاني) ـ قال في المدارك وربما ظهر من بعض الروايات عدم استحباب المبادرة بالعشاء بعد ذهاب الشفق كرواية أبي بصير عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو لا انى أخاف ان أشق على أمتي. الخبر». وقد تقدم ، ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة المتضمنة لمجي‌ء عمر ودق الباب. وفيه عندي

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب المواقيت.

١٩٨

نظر وان كان قد تقدمه في ذلك الشهيد في الذكرى ، والوجه في ذلك ان غاية ما تدل عليه الرواية الاولى انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخبر انه لو لا خوف المشقة على أمته لجعل فضيلة العشاء في التأخير إلى مضي ثلث الليل لكن لما كان فيه مشقة عليهم لم يفعله ولم يأمر به ، لان «لو لا» تدل على انتفاء الشي‌ء الذي هو الجزاء لثبوت غيره الذي هو الشرط ، وهذا لا يدل على استحباب التأخير الى ذلك المقدار حتى يكون منافيا لما دل على أفضلية أول الوقت ، بل هو بالدلالة على خلافه أشبه لانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يشرعه ولم يأمر به وانما هو مجرد خبر أراد به إظهار الشفقة عليهم وبيان سعة الشريعة وانها مبنية على السهولة والسماحة ، ولو استلزم هذا الكلام ما ذكره للزم على رواية نصف الليل كما تقدم في رواية العلل استحباب تأخير العشاء الى بعد الانتصاف الذي قد استفاضت الأخبار بخروج الوقت به ، وبالجملة فإن الغرض من الخبر انما هو ما ذكرنا فلا دلالة فيه على استحباب التأخير ان لم يكن فيه دلالة على العدم ، نعم آخر الثلث هو آخر وقت الفضيلة أو الاختيار على القولين المتقدمين وما بعده الى الانتصاف هو وقت الاجزاء على المشهور أو ذوي الأعذار على المختار ، واما الرواية الثانية فالظاهر ان تأخيره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تلك الليلة بخصوصها دون سائر الليالي انما كان لعذر ويشير الى ذلك قوله (عليه‌السلام) «ليلة من الليالي» لا ان ذلك كان مستمرا منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى يتوهم منه ما ذكره ، وربما كان التفاتهم فيما فهموه من الخبر الأول إلى انه لو لا خوف المشقة لأوجب التأخير وجعل ذلك فرضا واجبا عليهم ولكنه لأجل الرأفة بهم لم يوجبه وهو يومئ الى استحباب ذلك. وفيه ان حمل الخبر على الوجوب بعيد غاية البعد عن مفاد الأخبار المستفيضة المتكاثرة المتقدمة الصريحة الدلالة في خروج وقتها بعد مضي قدر الثلث ولا سيما اخبار نزول جبرئيل بالأوقات الدالة على ان أول وقتها غيبوبة الشفق وآخره حين يذهب ثلث الليل» (١) إلا ان يقال انه كان يريد نسخ ذلك في هذه الفريضة بخصوصها

__________________

(١) ص ١٢٧.

١٩٩

والأقرب انه انما أراد جعل ذلك وقت فضيلة لها لا وقت وجوب ولكنه للعلة المذكورة لم يجعله. والله العالم.

(المسألة الثانية عشرة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل كافة العلماء في ان أول وقت صلاة الصبح هو طلوع الفجر الثاني وهو المستطير في الأفق اي المنتشر فيه الذي لا يزال في زيادة ، ويقابله الفجر الأول وهو الذي يبدو كذنب السرحان مستدقا مستطيلا الى فوق ، ويسمى هذا الكاذب لعدم دلالته على الصبح واقعا وذلك يسمى الصادق لصدقه عن الصبح.

والمستند في ما ذكرناه الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن مهزيار (١) قال : «كتب أبو الحسن بن الحصين الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) معي : جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده لي وكيف اصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح وكيف اصنع مع الغيم وما حد ذلك في السفر والحضر فعلت ان شاء الله تعالى؟ فكتب بخطه وقرأته : الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه فان الله تعالى لم يجعل خلفه في شبهة من هذا فقال : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ...» (٢) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم وكذلك هو الذي توجب به الصلاة».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣)

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب المواقيت.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٨٣.

٢٠٠