الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

فبعيد جدا لان انحراف أوساط العراق نحو المغرب ـ كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ أزيد من انحراف الشامي نحو المشرق ، ومن المقرر ان انحراف الشامي نحو المشرق قدر ثلث قوس ما بين نقطتي الجنوب والمشرق كما ذكره في شرح الألفية ، ومن المعلوم ان من انحرف قدر ثلث القوس المذكور فضلا عما زاد عنها نحو المغرب يكون عند ميل الشمس الى حاجبه الأيمن قد مضى من الزوال قدر معتد به فتدبر. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

أقول : ومما يدل على هذه العلامة من الاخبار ما تقدم في حديث كتاب مجالس الشيخ المذكور في المسألة الرابعة من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن».

وكيف كان فالظاهر ايضا ان الكلام في معلومية الزوال بهذه العلامة كما تقدم في العلامة الاولى من حصول الزوال قبل ذلك بمدة ، قال شيخنا الشهيد الثاني (طاب ثراه) في كتاب روض الجنان بعد ذكر المصنف العلامة المذكورة ما لفظه : وهذه العلامة لا يعلم بها الزوال إلا بعد مضي زمان كثير لاتساع جهة القبلة بالنسبة إلى البعيد ومن ثم قيدها المصنف في النهاية والمنتهى بمن كان بمكة إذا استقبل الركن العراقي ليضيق المجال ويتحقق الحال والأمر باق بحاله فإن الشمس لا تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل الركن العراقي إلا بعد زمان كثير بل ربما أمكن استخراجه للبعيد في زمان أقل منه لمستقبل الركن ، والتحقيق انه لا حاجة الى التقييد بالركن لما ذكرناه ولان البعيد إذا استخرج نقطة الجنوب بإخراج نصف النهار صار المشرق والمغرب على يمينه ويساره كما هو أحد علامات العراقي وان كان في هذه العلامة بحث تقف عليه في محله ان شاء الله تعالى فإذا وقف الإنسان على ما سمت هذا الخط ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمان قصير يقرب من زيادة الظل بعد نقصه ، واما إذا اعتبر البعيد قبلة العراقي بغير هذه العلامة خصوصا بالنظر الدقيق الذي يخرج به سمت القبلة فإن الزوال لا يظهر حينئذ إلا بعد

١٦١

مضي ساعات من وقت الظهر كما لا يخفى على من امتحن ذلك ، وقريب من ذلك اعتباره باستقبال الركن العراقي فإنه ليس موضوعا على حد الشمال حتى يكون استقباله موجبا لاستقبال نقطة الجنوب والوقوف على خط نصف النهار وانما هو بين المشرق والشمال فوصول الشمس اليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف النهار كما لا يخفى. انتهى كلامه زيد مقامه.

ومنها ـ الدائرة الهندية وقد ذكرها الشيخ المفيد والعلامة وغيرهما ، ودلالتها على ذلك بميل الظل عن خط نصف النهار الى جانب المشرق فان الظل يقابل الشمس دائما فإذا كانت الشمس في جهة المشرق كان ظل الشاخص في جهة المغرب وبالعكس وإذا كانت في وسط السماء على دائرة نصف النهار كان ظل الشاخص على خط نصف النهار من الشمال أو الجنوب ان كان له ظل فإذا زالت الشمس بان مالت عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب مال ظل الشاخص الى جانب المشرق ان كان له ظل أو حدث من ذلك الجانب ان لم يكن ، وطريق استخراج خط نصف النهار بالدائرة الهندية ليعلم منها ما ذكرناه ـ على ما ذكره جملة من الأصحاب ـ ان تسوى موضعا من الأرض تسوية صحيحة بحيث تخلو من الانخفاض والارتفاع ثم يدار عليها بدائرة بأي بعد كان وكلما كانت الدائرة أوسع كانت المعرفة أسهل ، وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا نصبا مستقيما بحيث تحدث من جوانبه زوايا قوائم وتعلم ذلك بان تقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاثة مواضع أو أكثر فإن تساوت الابعاد فهو عمود ، ثم ترصد ظل المقياس قبيل الزوال حين يكون خارجا من محيط الدائرة نحو المغرب فإذا انتهى رأس الظل الى محيط الدائرة يريد الدخول فيه فعلم عليه علامة ثم ترصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة فإذا أراد الخروج عنه فعلم عليه علامة وتصل ما بين العلامتين بخط مستقيم وتنصف ذلك الخط وتصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخط بخط وهو خط نصف النهار ، فإذا ألقى

١٦٢

المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل وإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس ، وبذلك تعرف القبلة أيضا ، ولو نصفت القوسين الحادثين من قطع خط نصف النهار للدائرة ووصلت بينهما بخط يقاطع خط نصف النهار على اربع زوايا قوائم كل منها ربع المحيط كان ذلك الخط خط المشرق والمغرب فيتصل أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال والآخر بنقطة مغربه ، وهذه صورة الدائرة المذكورة :

(المسألة الثامنة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس قال في المعتبر وهو إجماع العلماء ، وانما الخلاف في ما به يتحقق الغروب فالمشهور ـ وهو الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين ـ انه انما يعلم بزوال الحمرة المشرقية عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب ، وقيل انه عبارة عن غيبوبة القرص عن العين في الأفق مع عدم الحائل ، ونقل عن الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد وبه صرح الصدوق في كتاب العلل وهو ظاهره في كتاب من لا يحضره الفقيه حيث

١٦٣

اقتصر فيه على الاخبار الموافقة لهذا القول ولم يتعرض لشي‌ء من اخبار القول الآخر.

ومنشأ ذلك هو اختلاف الأخبار الواردة في المسألة والذي ظهر لي من الاخبار هو القول المشهور ، فالواجب هو بسط أخبار المسألة والكلام فيها وبيان رجحان ما ذهب اليه المشهور منها وضعف القول الآخر :

فأقول ـ وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول ـ من الاخبار الدالة على القول المختار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابن ابي عمير عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار ان تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص».

وما رواه بطريقين عن القاسم بن عروة والشيخ في التهذيب بطريقين آخرين عنه ايضا عن بريد بن معاوية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها».

وما رواه في الكافي عن احمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذاك؟ قلت لا. قال لان المشرق مطل على المغرب هكذا ـ ورفع يمينه فوق يساره ـ فإذا غابت ههنا ذهبت الحمرة من ههنا».

وما رواه الشيخ عن محمد بن علي (٤) قال : «صحبت الرضا (عليه‌السلام) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد».

وعن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) : «إنما أمرت أبا الخطاب ان يصلي المغرب حين زالت الحمرة فجعل هو الحمرة من قبل المغرب».

ومنها ـ الأخبار الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس أيضا

ففي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب المواقيت.

١٦٤

موثقة يونس بن يعقوب المروية في الكافي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) متى الإفاضة من عرفات؟ قال إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي».

وروى في التهذيب عن يونس المذكور في الموثق ايضا (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) متى تفيض من عرفات؟ فقال إذا ذهبت الحمرة من ههنا ، وأشار بيده الى المشرق والى مطلع الشمس».

وما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٣) حيث قال : «وأول وقت المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه ان يسود أفق المشرق وآخر وقتها غروب الشفق». وقال في موضع آخر : «وقت المغرب سقوط القرص الى مغيب الشفق ، الى ان قال والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق وفي الغيم سواد المحاجر وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص والعمل من ذلك على سواد المشرق الى حد الرأس». انتهى. والظاهر ان المراد بسواد المحاجر في عبارته (عليه‌السلام) سواد الأفق من جميع جهاته.

هذه جملة ما وقفت عليه من الاخبار الدالة على القول المشهور ووضوحها في الدلالة غاية في الظهور لا يعتريها قصور ولا فتور.

واما ما استدل به للقول الآخر فمنها ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها».

وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٢٢ من الوقوف بعرفات.

(٣) ص ٢ و ٧.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب المواقيت.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٤ و ١٧ من أبواب المواقيت.

١٦٥

وهاتان الروايتان مما استدل به في المدارك للقول المذكور وهي غير واضحة الظهور ، وذلك لان غاية ما دلتا عليه هو كون وقت المغرب عبارة عن غيبوبة الشمس وغروبها وقد عرفت ان هذا مما لا خلاف فيه وانما الخلاف ـ كما قدمنا وبه اعترف في المدارك في صدر البحث ـ في ما به يتحقق الغروب من مجرد استتار القرص عن النظر مع عدم الحائل أو يتوقف على زوال الحمرة المشرقية وميلها الى المغرب ، وبذلك يظهر لك انه لا دلالة للخبرين المذكورين على ما ادعاه وان صح سندهما بل هما مجملان ، وبذلك يظهر الجواب عن ما استدلوا به من رواية يزيد بن خليفة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ قال فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا لا يكذب علينا. قلت قال وقت المغرب إذا غاب القرص إلا ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا جدّ به السير أخر المغرب ويجمع بينها وبين العشاء؟ فقال صدق. الحديث». وما رواه في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص». وبالجملة فإن غيبوبة القرص وغروب الشمس ونحو ذلك من هذه العبارات مجملة قابلة للحمل على كل من القولين إذ لفظ القرص ولفظ الشمس بمعنى واحد ولفظ الغيبوبة ولفظ الغروب بمعنى واحد كما لا يخفى ، وقد عرفت من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه بعد ان عبر بسقوط القرص انه جعل علامته ان يسود أفق المشرق ، ونحوه في مرسلة ابن ابي عمير المتقدمة.

واستدل في المدارك لهذا القول بصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وموثقة أبي أسامة زيد الشحام (٤) قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أؤخر المغرب حتى تستبين

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٧٨ وفي الوسائل في الباب ١٠ من المواقيت.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من المواقيت.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ١٨ من المواقيت.

١٦٦

النجوم؟ فقال خطابية ان جبرئيل نزل بها على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حين سقط القرص». وفيه ان ظاهر سياق صحيحة زرارة المذكورة انها انما وردت في مقام الاشتباه لغيم ونحوه والبناء في دخول الوقت على الظن فكأنه قال : «وقت المغرب إذا حصل لك ظن بغيبوبة القرص فإن رأيته بعد ذلك. الى آخر الخبر» وحينئذ فليست من محل البحث في شي‌ء ، ولو كان المراد بغيبوبة القرص فيها غيبوبته عن النظر مع عدم الحائل فكيف تتصور الرؤية بعد ذلك؟ ولو استند في الاستدلال بها الى مجرد التعبير بغيبوبة القرص قياسا على الخبرين المذكورين في كلامه لكان الجواب عنها بما عرفت ، وبه يعلم الجواب ايضا عن موثقة زيد الشحام المذكورة فإن غاية ما تدل عليه النهي عن التأخير الى ان تستبين النجوم والعمل على سقوط القرص وقد عرفت من روايتي ابن ابي عمير وكتاب الفقه ان سقوط القرص انما يتحقق بزوال الحمرة إلى ناحية المغرب ، هذا غاية ما استدل به في المدارك على القول المذكور وقد ظهر لك صحة ما ادعيناه من عدم دلالتها على المراد وتطرق البحث إليها والإيراد. ومثل هذه الاخبار جملة أخرى بهذا المضمون أعرضنا عن التطويل بنقلها لما عرفت.

ومنها ـ رواية الصدوق في الموثق عن سماعة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) في المغرب انا ربما صلينا ونحن نخاف ان تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟ فقال ليس عليك صعود الجبل». وما رواه فيه ايضا عن زيد الشحام (٢) قال : «صعدت مرة جبل ابي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب وانما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فأخبرته بذلك فقال لي ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت انما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس ان يبحثوا».

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب المواقيت.

١٦٧

أقول : لا يخفى ان هذين الخبرين لا ينطبقان على شي‌ء من القولين ، اما القول المشهور فظاهر واما القول الآخر فلانه لا خلاف بين أصحاب هذا القول ـ كما صرح به غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) ـ في انه لا بد في سقوط القرص الذي يجعل وقتا للغروب على هذا القول من انتفاء الحائل بين الناظر وبين موضع غروب الشمس من أفق تلك البلاد ولا ريب في ان جبل ابي قبيس حائل ، وبالجملة فإن الاستدلال من صاحب الفقيه بهذين الخبرين ـ كما ذكره في الفقيه ومثله في كتاب المجالس وغيرهما على هذا القول حيث اختاره ـ من أعجب العجائب لما عرفت من الإشكال الذي ليس عنه ثمة جواب.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد ذكر هذين الخبرين : ظاهر هذا الخبر والخبر المتقدم الاكتفاء بغيبوبة الشمس خلف الجبل وان لم تغرب عن الأفق ولعله لم يقل به أحد وان كان ظاهر الصدوق القول به لكنه لم ينسب اليه هذا القول ويمكن حمله على ما إذا غابت عن الأفق الحسي لكن يبقى ضوؤها على رؤوس الجبال كما نقلنا عن الشيخ في المبسوط ولعل الشيخ حملهما على هذا الوجه وليس ببعيد جدا والاولى الحمل على التقية. قال الوالد (قدس‌سره) في الخبر الأول الظاهر ان ذمه على صعود الجبل لانه كان غرضه منه إثارة الفتنة بأن يقول انهم يفطرون ويصلون والشمس لم تغب بعد وكان مظنة أن يصل الضرر اليه والى غيره فنهاه (عليه‌السلام) لذلك. ويمكن ان يكون المراد بقوله : «فإنما عليك مشرقك ومغربك» انك لا تحتاج الى صعود الجبل فإنه يمكن استعلام الطلوع والغروب بظهور الحمرة وذهابها في المشرق للغروب وعكسه للطلوع. وهذا الوجه جار في الخبر الأخير أيضا. انتهى كلامه. وما ذكره من حمل خبر سماعة على التقية هو الوجه الوجيه ، وما نقله عن والده في معنى خبر الشحام جيد لا ريب فيه.

ومنها ـ وهو أصرحها في الدلالة على القول المذكور لظهوره في ذلك تمام الظهور وكان ينبغي لمن قال بذلك القول ان يستند اليه ويعول في ذلك عليه ـ ما رواه الشيخ

١٦٨

في التهذيب عن علي بن الحكم عن من حدثه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «انه سئل عن وقت المغرب فقال إذا غاب كرسيها. قلت وما كرسيها؟ قال قرصها. فقلت متى يغيب قرصها؟ قال إذا نظرت اليه فلم تره». وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن ابان بن تغلب والربيع بن سليمان وابان بن أرقم وغيرهم (٢) قالوا : «أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأجفر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر الى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول هذا من شباب أهل المدينة فلما أتيناه فإذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) فنزلنا فصلينا معه وقد فأتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا اليه فقلنا له جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟ فقال إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت».

وما رواه في الكتاب المذكور عن محمد بن يحيى الخثعمي (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم ينصرفون الى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم».

هذا ما يدل على هذا القول صريحا ، والجواب عنه بالحمل على التقية كما هو أحد القواعد المنصوصة عن أهل البيت (عليهم‌السلام) في مقام اختلاف الاخبار من العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافهم ، واتفاق المخالفين قديما وحديثا على هذا القول مما لا سبيل إلى إنكاره (٤) بل ورد في جملة من الاخبار الأمر بعرض الاخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه وان لم يكن في مقام الاختلاف (٥) بل ورد ما هو أعظم من ذلك وهو انه إذا لم يكن في البلد من تستفتيه في الحكم فاستفت قاضي العامة واعمل على خلافه (٦)

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب المواقيت.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من المواقيت.

(٤) كما في الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ١٥٧ والمغني ج ١ ص ٣٨٩.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

١٦٩

وحينئذ فإذا كانت النصوص عنهم (عليهم‌السلام) بلغت هذا المبلغ في الأمر بمخالفتهم فالواجب هو طرح هذه الاخبار من البين لظهور موافقتها لهم برأي العين ، وبالجملة فأخبار هذا القول وان كثرت فمنها ما هو غير صريح بل ولا ظاهر في المدعى كما عرفت ومنها ما هو صريح ويتعين حمله على التقية.

واما ما صار اليه بعض من حمل اخبار القول المشهور على الاستحباب فليس بالوجه الوجيه لما ذكرنا من التنبيه والتوجيه ، ويزيد ذلك بيانا في رد هذا الحمل المذكور وبيان ما فيه من القصور استفاضة الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت (١) والاخبار الدالة على النهي عن تأخير المغرب طلبا لفضلها (٢) ولو كان مجرد توارى القرص عن النظر هو الوقت الشرعي لها كان الأفضل هو المسارعة بها في ذلك الوقت عملا بالأخبار الاولى وكان تأخيرها طلبا لفضلها موجبا للدخول تحت النهي في الاخبار الثانية.

والعجب منهم (رضوان الله عليهم) حيث الغوا العمل بالقواعد المنصوصة عن الأئمة (عليهم‌السلام) في مقام اختلاف الاخبار واستنبطوا لأنفسهم قواعد بنوا عليها بمجرد الاعتبار ، وخبر محمد بن يحيى الخثعمي المذكور قد ورد نحوه من طريق المخالفين كما نقله شيخنا صاحب البحار (قدس‌سره) (٣) حيث رووا عن جابر وغيره قال : «كنا نصلي المغرب مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم نخرج نتناضل حتى ندخل بيوت بني سلمة فننظر الى مواضع النبل من الاسفار». وفيه تأييد لما ذكرنا من الحمل على التقية.

وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ما في كلام جملة من متأخري المتأخرين الاعلام :

منهم ـ السيد السند في المدارك حيث ان ظاهره الميل الى القول بما قدمنا نقله عن الصدوق والمرتضى وغيرهما ، فإنه قال بعد نقل أدلة المسألة ومنها الصحاح التي ذكرها كما قدمنا نقله فيه

__________________

(١) ص ٩٠.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من المواقيت.

(٣) ج ١٨ الصلاة ص ٦٠.

١٧٠

وطعنه في روايات القول المشهور بضعف الأسانيد : انه لا يخلو من قوة ، وجعل ما قابله أحوط. وهو يشعر بالتوقف مع الميل الى القول المذكور. وفيه ما عرفت من ان الصحاح التي استند إليها غير ظاهرة في المدعى كما أوضحناه ، والطعن بضعف السند غير مرضي عندنا بل ولا عند كافة الأصحاب سيما المتقدمين ولا معتمد ، اما المتقدمون فلعدم عملهم على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاة ، واما المتأخرون فلان هذه الأخبار عندهم مجبورة بالشهرة.

ومنهم ـ المحدث الكاشاني في الوافي وهو أعجب حيث قال بعد نقل اخبار القول المشهور المذكورة في الكافي والتهذيب وآخرها حديث ابن أشيم ما صورته : الاطلال بالمهملة الإشراف ، الى ان قال بقي الكلام في الحمرة المشرقية السماوية والاخبار في اعتبار ذهابها مختلفة ، فمنها ما يدل على اعتباره وجعله علامة لغروب الشمس كهذه الاخبار ومنها ما يدل على ان ذهاب القرص عن النظر كاف في تحقق الغروب كالاخبار التي مضت ، والمستفاد من مجموعها والجمع بينها ان اعتباره في وقتي صلاة المغرب والإفطار أحوط وأفضل وان كفى استتار القرص في تحقق الوقت كما يظهر لمن تأمل فيها ووفق للتوفيق بينها وبين الاخبار التي نتلوها عليك في الباب الآتي ان شاء الله تعالى. انتهى.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) وهو من أكابر المحدثين كيف الغى القاعدة المنصوصة في الباب تبعا لغيره من المجتهدين الذين قد أكثر من التشنيع عليهم في الخروج عن جادة العمل بالأخبار في جملة من كتبه ، وأشار بالأخبار التي مضت الى ما قدمه في سابق هذا الباب من الاخبار التي قدمنا نقلها ، وقد عرفت ان أكثرها غير ظاهر الدلالة ولا واضح المقالة في ما ادعاه منها تبعا لصاحب المدارك ، وعمدة الشبهة عنده من الاخبار التي ذكرها في تالي هذا الباب كما أشار إليه بقوله جمعا بينها وبين الاخبار التي نتلوها عليك في الباب الآتي ، وها نحن بتوفيق الله تعالى نبين لك ما يكشف عن إشكالها نقاب الإبهام ونبين ما هو الحق فيها لذوي الأفهام وضعف ما سبق الى خلافه من الأوهام :

١٧١

فنقول ـ وبالله سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول اعلم ان ههنا جملة من الاخبار قد اضطربت فيها الأفكار من جملة من أصحابنا الأبرار (رفع الله تعالى أقدارهم في دار القرار) وقد عنون لها في الوافي بابا سماه باب «تأخير المغرب عن استتار القرص للاحتياط» :

منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال لي مسوا بالمغرب قليلا فان الشمس تغيب من عندكم قبل ان تغيب من عندنا».

وعن عبد الله بن وضاح (٢) قال : «كتبت الى العبد الصالح (عليه‌السلام) يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون أفأصلي وأفطر إن كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب الي أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك».

وروى في الكافي عن جارود (٣) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا جارود ينصحون فلا يقبلون وإذا سمعوا بشي‌ء نادوا به أو حدثوا بشي‌ء أذاعوه ، قلت لهم مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم فانا الآن أصليها إذا سقط القرص».

وروى في التهذيب بسندين أحدهما في الحسن والآخر في الموثق عن ذريح (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان أناسا من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم ، فقال أبرأ الى الله ممن فعل ذلك متعمدا».

وعن شهاب بن عبد ربه في الحسن (٥) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا شهاب اني أحب إذا صليت المغرب ان أرى في السماء كوكبا».

وعن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح ورواه في الفقيه عن الأزدي أيضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سأله سائل عن وقت المغرب قال ان الله يقول

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المواقيت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المواقيت.

١٧٢

في كتابه لإبراهيم «فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً» (١) فهذا أول الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل».

وروى في التهذيب في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن وقت إفطار الصائم قال حين يبدو ثلاثة أنجم».

وروى في الفقيه عن ابان عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «يحل لك الإفطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس».

هذا جملة ما وقفت عليه من الاخبار وقد عرفت ما حملها عليه صاحب الوافي ومن حذا حذوه ، وقال في المدارك : وقد ورد في بعض الاخبار اعتبار رؤية النجوم كصحيحة بكر بن محمد ثم ساق الخبر الى ان قال : وحملها الشيخ (قدس‌سره) على حال الضرورة أو على مدها حتى تظهر النجوم فيكون فراغه منها عند ذلك. وهو بعيد جدا ويمكن حملها على وقت الاشتباه كما تشعر به رواية علي بن الريان (٤) قال : «كتبت اليه : الرجل يكون في الدار تمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب ومعرفة مغيب الشفق ووقت صلاة العشاء الآخرة متى يصليها وكيف يصنع؟ فوقع (عليه‌السلام) يصليها إذا كان على هذه الصفة عند قصر النجوم والعشاء عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق». وذكر الشيخ في التهذيب ان معنى قصر النجوم بيانها. ويمكن حملها ايضا على ان المراد بها بيان وقت الفضيلة كما تشعر به صحيحة إسماعيل بن همام (٥) قال : «رأيت الرضا (عليه‌السلام) وكنا عنده لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم فقام فصلى بنا على باب دار ابن ابي محمود».

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ٧٦.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٥٢ من ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب المواقيت.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب المواقيت.

١٧٣

ورواية شهاب بن عبد ربه ، ثم ساق الرواية ثم قال : ولا ريب ان الاحتياط للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم وان كان الاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : لا ريب في بعد هذه المحامل كلها ، والذي ظهر لي من معنى هذه الاخبار ورزقني الله سبحانه فهمه منها ببركة الأئمة الأبرار (عليهم‌السلام) هو انه لما كان وقت المغرب عند العامة جميعا في جميع الأمصار وجملة الأعصار والأدوار عبارة عن مجرد غيبوبة القرص عن النظر مع عدم الحائل وكان الوقت عندهم (عليهم‌السلام) انما هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية كما عليه جل شيعتهم قديما وحديثا ، فربما أفتوا بما يوافق العامة صريحا كالاخبار التي قدمناها صريحة في ذلك وربما أفتوا بما يوافق مذهبهم (عليهم‌السلام) صريحا كالاخبار التي قدمنا صريحة في القول المشهور ، وربما عبروا بعبارات مجملة تحتمل الأمرين كالاخبار الصحاح التي قدمنا نقلها عن المدارك ونحوها مع ما ورد في بعض اخبارهم (عليهم‌السلام) من تفسير الغيبوبة الكاشف عن هذا الإجمال كما عرفت ، وربما عبروا عن مذهبهم بعبارات تشير اليه وان كانت غير ظاهرة الدلالة عليه كما تضمنته هذه الاخبار الأخيرة مثل الأمر بالأخذ بالاحتياط في رواية عبد الله بن وضاح ومثل التعليل في رواية يعقوب بن شعيب بعد الأمر بالتسمية بأن الشمس تغيب من عندكم قبل ان تغيب من عندنا وانما العلة الحقيقية هي انتظار زوال الحمرة المشرقية ، وربما عللوه بانتظار ظهور كوكب أو ثلاث كواكب كما في روايتي شهاب بن عبد ربه وبكر بن محمد وروايتي زرارة. فهذه العلل كلها انما خرجت مخرج التقية للتحاشي عن التصريح بمخالفة القوم باعتبار ما تضمنته المقامات والأوقات حيث انها لا تقتضي إظهار مذهبهم (عليهم‌السلام) الواقعي فيجعلونه في هذه القوالب التي لا يستنكرها المخالف لو سمعها ، ويزيدك بيانا لما ذكرناه خبر جارود وشكايته (عليه‌السلام) من أولئك القوم أنه أسر إليهم ونصحهم في الباطن ان يمسوا بالمغرب يعني انتظار زوال الحمرة دون العمل على مجرد غيبوبة القرص فأذاعوا سره وحدثوا به حتى افرطوا في التسمية وأخروها

١٧٤

الى اشتباك النجوم فلما عرف (عليه‌السلام) ظهور ذلك منهم لا علاج انه أظهر مخالفة ما أمرهم به أولا سرا فصار يصلي على خلاف ما أمرهم ليعلم الناس كذبهم عليه ، ومنه يظهر الوجه في حديث الجماعة الذين رأوه في طريق مكة يصلي وهم ينظرون الى شعاع الشمس كما تقدم (١) فإنه لهذا السبب فعل ذلك وأمر به ، هذا هو الوجه الوجيه في هذه الاخبار كما لا يخفى على من نظره بعين الفكر والاعتبار.

واما ما ذكره في المدارك فقد عرفت ما فيه آنفا ونزيده هنا أيضا بان ما ذكره من حمل رواية بكر بن محمد الدالة على رؤية النجوم مستندا إلى صحيحة إسماعيل بن همام المتقدمة وقوله بعد ذلك «والاحتياط للدين يقتضي ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم» ففيه ان ما اشتملت عليه صحيحة إسماعيل بن همام المذكورة مما ترده جملة الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت ولا سيما في المغرب الدالة على انه ليس لها إلا وقت واحد وهو وقت وجوب الشمس وما دل على ذم تأخيرها إلى ظهور النجوم طلب فضلها كقول الصادق (عليه‌السلام) في مرفوعة محمد بن أبي حمزة (٢) «ملعون ملعون من أخر المغرب طلب فضلها. وقيل له ان أهل العراق يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم؟ قال هذا من عمل عدو الله ابي الخطاب». ونحوها من الاخبار ، والرواية المذكورة غير معمول بها على ظاهرها فلا بد من تأويلها بالعذر. واما ما اشتملت عليه صحيحة بكر بن محمد ورواية شهاب من ظهور نجم وروايتا زرارة من ظهور ثلاثة أنجم فقد عرفت الوجه فيه وفي الغالب انه بزوال الحمرة يرى بعض النجوم لبعض الناظرين. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت المغرب ، فالمشهور أنه الى ان يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ، وهو اختيار السيد المرتضى في الجمل وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقق وابن عمه نجيب الدين وسائر المتأخرين ، وقال الشيخ في أكثر كتبه آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار وربع

__________________

(١) ص ١٦٩.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المواقيت.

١٧٥

الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح ، وقال في الخلاف آخره غيبوبة الشفق وأطلق وبه قال ابن البراج ، وقال الشيخ المفيد آخر وقتها غيبوبة الشفق وهو الحمرة في المغرب والمسافر إذا جدّ به السير عند المغرب فهو في سعة من تأخيره إلى ربع الليل ، وهو كقول الشيخ المتقدم. وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية آخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة وروى ربع الليل وحكم بعض أصحابنا ان وقتها يمتد الى نصف الليل. وقال ابن ابي عقيل أول وقت المغرب سقوط القرص وعلامته ان يسود أفق السماء من المشرق وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو واشتباك النجوم وان جاوز ذلك بأقل قليل حتى يغيب الشفق فقد دخل في الوقت الآخر. وقال ابن بابويه وقت المغرب ان كان في طلب المنزل في سفر الى ربع الليل وكذا المفيض من عرفات الى جمع. وقال سلار يمتد وقت العشاء الأول الى ان يبقى لغياب الشفق الأحمر مقدار أداء ثلاث ركعات. ونقل عن المبسوط انه حكى عن بعض علمائنا قولا بامتداد وقت المغرب والعشاء الى طلوع الفجر. وقال في المدارك : والمعتمد امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق والاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء وللمضطر الى ان يبقى قدر ذلك من الليل وهو اختيار المصنف في المعتبر. أقول : الظاهر ان أول من ذهب صريحا الى امتداد العشاءين الى طلوع الفجر للمضطر هو المحقق في المعتبر وتبعه صاحب المدارك وشيده ، وقد تبعه في هذا القول جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا.

أقول : والسبب في اختلاف هذه الأقوال اختلاف الأخبار الواردة في المقام واختلاف ما أدت اليه الأفكار فيها والافهام ، ونحن نبسط الأخبار أولا كما هي قاعدتنا في الكتاب ثم نردفها بما يزيل عنها ان شاء الله تعالى نقاب الارتياب :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب المواقيت.

١٧٦

الليل إلا ان هذه قبل هذه».

وعن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل».

وعن إسماعيل بن مهران (٢) قال : «كتبت الى الرضا (عليه‌السلام) ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا ان هذه قبل هذه في السفر والحضر وان وقت المغرب الى ربع الليل؟ فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها الى البياض في أفق المغرب». والمراد ـ والله سبحانه وقائله اعلم ـ ان وقت المختار ضيق واما المضطر والمسافر فموسع كما يظهر من غيره.

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس» وعن إسماعيل بن جابر في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق».

وقد تقدم قريبا (٥) في صحيحة بكر بن محمد الأزدي تحديد أول الوقت برؤية الكوكب ثم قال (عليه‌السلام): «هذا أول الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق. الحديث».

وفي صحيحة زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٦) «ووقت فوتها سقوط الشفق». وفي رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) «وآخر وقت

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ١٧ و ١٨ من المواقيت.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من المواقيت.

(٥) ص ١٧٢.

(٦) الوسائل الباب ١٨ من المواقيت.

(٧) الوسائل الباب ١٠ من المواقيت.

١٧٧

المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «وقت المغرب من حين تغيب الشمس الى ان تشتبك النجوم».

وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «وقت المغرب في السفر الى ربع الليل». ونحوه مروي في الكافي أيضا بسند غير نقي.

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن يزيد (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) وقت المغرب في السفر الى ثلث الليل». قال في الكافي : وروى ايضا «الى نصف الليل».

وما رواه في التهذيب في الموثق عن ابي بصير ورواه في الفقيه عن ابي بصير (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس».

وعن محمد بن علي الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ، ولا بأس ان تعجل العتمة في السفر قبل ان يغيب الشفق».

وعن إسماعيل بن جابر (٦) قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) حتى إذا بلغنا بين العشاءين قال يا إسماعيل امض مع الثقل والعيال حتى ألحقك وكان ذلك عند سقوط الشمس فكرهت ان انزل وأصلي وادع العيال وقد أمرني ان أكون معهم فسرت ثم لحقني أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقال يا إسماعيل هل صليت المغرب بعد؟ فقلت لا. فنزل عن دابته فاذن واقام وصلى المغرب وصليت معه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب المواقيت.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ١٩ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٢٢ من المواقيت. والراوي عنه (عليه‌السلام) هو عبيد الله ومحمد يروي عنه.

١٧٨

وكان من الموضع الذي فارقته فيه الى الموضع الذي لحقني ستة أميال».

وعن القاسم بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ذكر أبو الخطاب فلعنه ثم قال انه لم يكن يحفظ شيئا ، حدثته ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) غابت له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر».

وعن علي بن يقطين في الصحيح (٢) قال : «سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخرها الى ان يغيب الشفق؟ قال لا بأس بذلك في السفر فاما في الحضر فدون ذلك شيئا». أقول : يعني قبل غيبوبة الشفق بقليل.

وعن جميل بن دراج في الموثق (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول في الرجل يصلي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس قلت فالعشاء الآخرة قبل ان يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس».

وعن عمر بن يزيد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم استمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة؟ فقال ائت منزلك وانزع ثيابك وان أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في وقت الى ربع الليل».

وعن عمر بن يزيد في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وانا أريد المنزل فإن أخرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء فأصلي في بعض المساجد؟ فقال صل في منزلك».

وعن عمر بن يزيد (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المواقيت.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٩ من المواقيت.

١٧٩

المغرب؟ فقال إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل. فقال قال لي وهو شاهد في بلده».

وعن داود الصرمي (١) قال : «كنت عند ابي الحسن الثالث (عليه‌السلام) فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل ان يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى». أقول : قد تقدم قريبا نحوه في حديث إسماعيل بن همام انه رأى الرضا (عليه‌السلام) كذلك ، وقد حملها الشيخ في التهذيب على حال الضرورة واستند الى اخبار عمر بن يزيد المذكورة ، وهو جيد في مقام الجمع وان كان فيه نوع بعد.

وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز ان تؤخر ساعة؟ قال لا بأس ان كان صائما أفطر وان كانت له حاجة قضاها ثم صلى».

فهذه جملة من الاخبار الواردة في هذا المضمار والمفهوم منها ان الوقت بالنسبة إلى المغرب ثلاثة أقسام : الأول إلى مغيب الشفق والثاني إلى ربع الليل أو ثلثه والثالث الى ما قبل الانتصاف بقدر العشاء ، والجمع بينها يقتضي حمل الوقت الأول على الفضيلة أو الاختيار على الخلاف المتقدم ، وقد عرفت ان الثاني هو الظاهر من الاخبار واليه أيضا تشير اخبار هذه المسألة كما لا يخفى على المتأمل في مضامينها ، والوقت الثاني على الاجزاء كما هو المشهور أو الاضطرار كما هو المختار ، والثالث كسابقه إلا انه للأشد ضرورة كنوم ونسيان وحيض ونحوها على المختار أو الاجزاء وان كان تضييعا على القول الآخر

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند (قدس‌سره) في المدارك ـ بعد ان ذكر القول الذي قدمنا نقله عنه واختاره من امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق والاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء وللمضطر الى ان يبقى قدر ذلك من

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من المواقيت.

١٨٠