الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

له عند ذلك عمل صالح». ومن ذلك رواية الصدوق المتقدم نقلها (١) في باب صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقوله : «فإذا زال صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الرياح وينظر الله الى خلقه». الى غير ذلك من الاخبار الصريحة في ان أول الزوال هو المخصوص بالفضل لا انه وقت الاجزاء والفضل انما هو بعده كما توهمه (قدس‌سره).

و (اما رابعا) فان ما نقله عن الشيخ في معنى رواية محمد بن احمد بن يحيى واستوجهه فهو بعيد غاية البعد وانما المعنى فيها والمراد منها هو انه لما كان سؤال السائل يعطي انه فهم من هذه الاخبار كما فهمه هذا المحقق وغيره ممن تقدم ايضا كما أشارت إليه رواية عبد الله بن محمد المتقدمة من ان أول وقت فضيلة الظهر انما هو بعد مضي المدة المذكورة كما ينادي به ظاهر تلك الاخبار نفاه (عليه‌السلام) في هذا الخبر وجعل الفضيلة بعد الفراغ من النافلة طالت أو قصرت ، وفيه إشارة إلى انه ليس الغرض من التحديد بالذراع والذراعين ما توهمه السائل مما ذكرناه وانما الغرض من ذلك ما ذكروه (عليهم‌السلام) في جملة من الاخبار من بيان الوقت الذي تختص به النافلة بحيث لا يجوز الإتيان بها بعده ، هذا هو ظاهر معنى الرواية المذكورة.

و (اما خامسا) فان ما احتمله ـ من الحمل على التقية باعتبار ان العامة لا يقولون بالاقدام ـ ففيه ايضا ان العامة لا يقولون بما افتى به (عليه‌السلام) في الرواية من تعجيل الصلاتين في أقل من مقدار الاقدام المذكورة فإنهم يعتبرون التفريق بين الفرضين في المثل والمثلين كما هو الآن معمول عليه بينهم (٢).

واما ما ذكره الفاضل الآخر (ففيه أولا) انه على تقدير تمامه انما يتمشى في الظهر خاصة اما العصر الواقعة بعد اجتماع الناس فلا يجرى فيها ما ذكره مع ان الاخبار قد دلت على التأخير فيها ايضا بذلك المقدار ، اللهم إلا ان يقال انه يفرق بين الوقتين

__________________

(١) ص ١٣٣.

(٢) راجع التعليقة ٢ ص ١٢٦ والمغني ج ٢ ص ٢٧١ و ٢٧٤ و ٢٧٨ وبداية المجتهد ج ١ ص ١٥٩.

١٤١

بالمثل والمثلين فلا يصليهما في وقت واحد. إلا ان فيه مع الإغماض عن المناقشة فيه كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ان الحكم لا يتم حينئذ كليا لانه ربما فرق وربما جمع.

و (ثانيا) انه يستفاد من بعض الاخبار ان المسارعة بالفريضة في أول وقتها أفضل من انتظار الاجتماع ، وهو

ما رواه القطب الرواندي في كتاب الخرائج والجرائح بسنده عن إبراهيم بن موسى القزاز (١) قال «خرج الرضا (عليه‌السلام) يستقبل بعض الطالبيين وجاء وقت الصلاة فمال الى قصر هناك فنزل تحت صخرة فقال اذن فقلت ننتظر يلحق بنا أصحابنا فقال غفر الله لك لا تؤخرن صلاة عن أول وقتها الى آخر وقتها من غير علة عليك أبدا بأول الوقت فأذنت فصلينا». قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه» في كتاب البحار ذيل هذا الخبر : يدل على انه لا ينبغي التأخير عن أول الوقت لانتظار الرفقة للجماعة أيضا. انتهى.

و (ثالثا) ان التطويل في النافلة على وجه يستوعب ذلك المقدار ترده الأخبار المتقدمة الدالة على أفضلية التخفيف في النافلة ومزاحمة الفريضة لها في ذلك المقدار ، ونحوها الأخبار الدالة على أفضلية ما قرب من الزوال. وبالجملة فإن فضل أول الوقت مما لا اشكال فيه لاستفاضة الاخبار به واستحباب التأخير لانتظار الجماعة مما لم يقم عليه دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل.

ثم انه (قدس‌سره) تأول باقي الأخبار بتأويلات عديدة إلا انها تكلفات سخيفة بعيدة.

والأظهر عندي ان منشأ هذا الاختلاف في الاخبار انما هو التقية التي هي أصل كل محنة في الدين وبلية كما يدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ـ على الظاهر ـ عن سالم ابي خديجة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سأله إنسان وانا حاضر فقال ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي الظهر؟ فقال انا أمرتهم بهذا لو

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٥١.

(٢) الوسائل الباب ٧ من المواقيت.

١٤٢

صلوا في وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم». وما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج بسنده فيه عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت انه ليس شي‌ء أشد علي من اختلاف أصحابنا قال ذلك من قبلي». وما رواه الشيخ في كتاب العدة (٢) عن الصادق (عليه‌السلام) مرسلا «انه سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت فقال انا خالفت بينهم». وما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن الخزاز عن من حدثه عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «اختلاف أصحابي لكم رحمة وقال اني إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد. وسئل عن اختلاف أصحابنا فقال انا فعلت بكم ذلك ولو اتفقتم على أمر واحد لأخذ برقابكم». الى غير ذلك من الاخبار الدالة بعمومها أو خصوصها على المراد ، والمستفاد من هذه الاخبار ونحوها ان إيقاعهم الاختلاف في الأحكام لا يتوقف على القول بالحكم المخالف من العامة ولا على حضور أحد منهم في مجلس الفتوى كما تقدم تحقيقه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ، والمسألة هنا من مسائل الأوقات التي دلت على إيقاع الاختلاف فيها تقية جل هذه الروايات بل لو ادعى ان هذه الاخبار انما خرجت في هذه المسألة لم يكن بعيدا لأنا لم نقف في مسائل الأوقات على مسألة انتشرت فيها الاخبار من الطرفين وتصادمت من الجانبين ما بلغ في هذه المسألة كما عرفت مما شرحناه ونقلناه ، وتشير الى ذلك رواية عبد الله بن محمد المتقدمة (٤) الدالة على وقوع هذا الاختلاف في عصر الأئمة (عليهم‌السلام) واختلاف أصحابهم يومئذ في ذلك حتى ان منهم من يوجب تأخير الظهرين عن ذينك المقدارين ومنهم من يحمل ذلك على وجه الأفضلية.

بقي الكلام في ان التقية في أي الطرفين في هذه الاخبار ولعل الأقرب كونها في اخبار التحديد بالاقدام والأذرع ، وذلك (أولا) من حيث اعتضاد اخبار التحديد بالنافلة بعمل الأصحاب قديما وحديثا ولم نقف على قائل بظاهر ترجيح أخبار الاقدام

__________________

(١ و ٣) راجع التعليقة ٢ و ٣ ص ٧ ج ١.

(٢) ص ٥٣.

(٤) ص ١٣٢.

١٤٣

سوى المحقق المذكور. و (ثانيا) من حيث اعتضادها باخبار استحباب تخفيف النافلة واخبار أفضلية ما قرب من أول الوقت. و (ثالثا) انه الأقرب الى جادة الاحتياط وقد عرفت ان الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل بذلك من العامة وان اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) تخصيص الحمل على التقية بذلك إلا ان ظاهر اخبارهم يرده فان المستفاد من الاخبار المذكورة في المقام وكذا نحوها مما تقدم ذكره في المقدمة الأولى ان منشأ التقية انما هو من حيث ان اتفاقهم على أمر واحد واجتماع كلمتهم على ذلك يوجب الأخذ برقابهم ودخول الضرر عليهم وإذا كانت كلمتهم متفرقة وتقولهم عن الامام (عليه‌السلام) مختلفة هانوا في نظر العدو ونسبوهم الى عدم الدين والمذهب فلم يعبأوا بهم ولا بمذهبهم. هذا ما ادى اليه الفكر القاصر في المقام والله سبحانه وأولياؤه اعلم بالأحكام.

و (ثانيهما) قد عرفت في ما تقدم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) امتداد وقت فضيلة الظهر من الزوال الى تمام مثل الشاخص وكذا وقت فضيلة العصر الى مثليه ، والمماثلة المعتبرة انما هي بين ظل الشاخص الحادث من الزوال وبين قامة الشاخص ، قال في المعتبر وهو الأظهر لأنه المستفاد من الروايات الدالة على المماثلة كرواية زرارة عن الصادق (عليه‌السلام) (١) المتضمنة لأمره عمرو بن سعيد بن هلال ان يقول لزرارة «إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر». وروايات القامة كما تقدم في صحيحتي الاحمدين بناء على حمل القامة فيها على قامة الشاخص كما ذكروه ، ورواية يزيد بن خليفة الظاهرة في ذلك كما تقدم. أقول : ومثلها رواية كتاب المجالس المتقدمة أيضا

وذهب الشيخ في التهذيب ومثله المحقق في الشرائع إلى أن المماثلة انما هي بين الفي‌ء الزائد بعد الزوال والظل الأول وهو الباقي منه عند الزوال لا الشاخص.

واستدل على ذلك بما رواه عن صالح بن سعيد عن يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عما جاء في الحديث

__________________

(١) ص ١١٨.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٤٤

ان صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من هذا ومن هذا ، فمتى هذا وكيف هذا وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال انما قال ظل القامة ولم يقل قامة الظل وذلك ان ظل القامة يختلف مرة يكثر ومرة يقل والقامة قامة أبدا لا تختلف ، ثم قال ذراع وذراعان وقدم وقدمان فصار ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين ذراعين فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ، فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين».

وقد رد هذا الخبر جملة من المتأخرين ومتأخريهم بضعف الاسناد والدلالة كما ذكره في الذكرى مع المعارضة بالأخبار المتقدمة ولزوم اختلاف الوقت بالطول والقصر بحسب الأزمنة والأمكنة بخلاف الشاخص.

قال في المدارك بعد ذكر الخبر المذكور : وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال وجهالة صالح بن سعيد ومتنها متهافت مضطرب لا يدل على المطلوب ، وأيضا فإن قدر الظل الأول غير منضبط وقد ينعدم في بعض الأوقات فلو نيط الوقت به لزم التكليف بعبادة موقتة في غير وقت أو في وقت يقصر عنها وهو معلوم البطلان.

وجملة من متأخري المتأخرين قد تصدوا لتصحيح معناه وتكلفوا لتشييد مبناه كالمحدث الكاشاني في الوافي ، ولا بأس بنقل كلامه في المقام فإنه جيد ينجلي به غشاوة الإبهام عن بعض مواضع الخبر وان بقي الباقي في الأكمام.

قال (قدس الله سره ونور ضريحه) بعد ذكر الخبر المذكور : لا بد في هذا المقام من تمهيد مقدمة ينكشف بها نقاب الارتياب من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث التي نتلوها عليك في هذا الباب وما بعده من الأبواب ان شاء الله تعالى فنقول ـ وبالله التوفيق ـ ان

١٤٥

الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد ، ثم قد تقرر ان قامة كل إنسان سبعة أقدام بإقدامه وثلاث اذرع ونصف بذراعه والذراع قدمان فلذلك يعبر عن السبع بالقدم وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وان كان في غير الإنسان ، وقد جرت العادة بأن يكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت ذراعا كما تأتي الإشارة إليه في حديث تعريف الزوال ، وكان رحل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الذي كان يقيس به الوقت ايضا ذراعا ، فلأجل ذلك كثيرا ما يعبر عن القامة بالذراع وعن الذراع بالقامة ، وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة أيضا وكأنه كان اصطلاحا معهودا وبناء على هذا الحديث على ارادة هذا المعنى كما ستطلع عليه. ثم ان كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف أول وقتي فضيلة الفريضتين كما في هذا الحديث وقد يستعمل لتعريف آخر وقتي فضيلتهما كما يأتي في الاخبار الأخر ، فكل ما يستعمل لتعريف الأول فالمراد به مقدار سبعي الشاخص وكل ما يستعمل لتعريف الآخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص ففي الأول يراد بالقامة الذراع وفي الثاني بالعكس ، وربما يستعمل لتعريف الآخر لفظة «ظل مثلك وظل مثليك» ويراد بالمثل القامة ، والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة وقد يطلق على ما يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له الفي‌ء من «فاء يفي‌ء إذا رجع» لانه كان أولا موجودا ثم عدم ثم رجع وقد يطلق على مجموع الأمرين. ثم ان اشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سببا لاشتباه الأمر في هذا المقام حتى ان كثيرا من أصحابنا عدوا هذا الحديث مشكلا لا ينحل وطائفة منهم عدوه متهافتا ذا خلل وأنت بعد اطلاعك على ما أسلفناه لا أحسبك تستريب في معناه ، إلا انه لما صار على الفحول خافيا فلا بأس ان نشرحه شرحا شافيا نقابل به ألفاظه وعباراته ونكشف به عن رموزه وإشاراته ، فنقول ـ والهداية من الله ـ تفسير الحديث على وجهه ـ والله اعلم ـ ان يقال ان مراد السائل انه ما معنى ما جاء في الحديث من تحديد أول وقت فريضة الظهر وأول وقت فريضة العصر تارة بصيرورة

١٤٦

الظل قامة وقامتين واخرى بصيرورته ذراعا وذراعين واخرى قدما وقدمين وجاء من هذا القبيل من التحديد مرة ومن هذا اخرى فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ متباينة المعاني وكيف يصح التعبير عن شي‌ء واحد بمعاني متعددة مع ان الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم؟ فلا بد من مضي مدة مديدة حتى يصير مثل قامة الشخص فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل هذه المدة الطويلة من الزوال؟ فأجاب (عليه‌السلام) بان المراد بالقامة التي يحد بها أول الوقت التي هي بإزاء الذراع ليس قامة الشاخص الذي هو شي‌ء ثابت غير مختلف بل المراد به مقدار ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعبر عنه بظل القامة وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد مرة يكثر ومرة يقل وانما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره ذراعا فإذا زاد الفي‌ء أعني الذي يزيد من الظل بعد الزوال بمقدار ذراع حتى صار مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر وإذا زاد ذراعين فهو أول الوقت للعصر. واما قوله (عليه‌السلام) : «فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين» فمعناه ان الوقت انما ينضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون القامة والقامتين. واما التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين والأربعة أقدام وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول ولعل الامام (عليه‌السلام) انما لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتبيينه لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك وانه انما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت الى ذلك المقدار ، وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند الزوال من الظل سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر وجعل التحديد بصيرورة الفي‌ء الزائد مثل الظل الثاني كائنا ما كان واعترض عليه بعض مشايخنا (طاب ثراهم) بأنه يقتضي اختلافا فاحشا في الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت كما إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا بل يستلزم الخلو من التوقيت في اليوم الذي تسامت فيه الشمس رأس

١٤٧

الشاخص لانعدام الظل الأول حينئذ ، ونعني بالعبادة النافلة لأن هذا التأخير عن الزوال انما هو للإتيان بها كما ستقف عليه. أقول : اما الاختلاف الفاحش فغير لازم وذلك لان كل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه شيئا يسيرا فإنما يزيد الفي‌ء فيه في زمان طويل لبطئه حينئذ في التزايد ، وكل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه كثيرا فإنما يزيد الفي‌ء فيه في زمان يسير لسرعته في التزايد حينئذ فلا يتفاوت الأمر في ذلك ، واما انعدام الظل فهو أمر نادر لا يكون إلا في قليل من البلاد وفي يوم تكون الشمس فيه مسامتة لرؤوس اهله لا غير ولا عبرة بالنادر. نعم يرد على تفسير صاحب التهذيب أمران (أحدهما) انه غير موافق لقوله (عليه‌السلام) : «فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين» لانه على تفسيره يكون دائما محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما كان و (الثاني) انه غير موافق للتحديد الوارد في سائر الأخبار المعتبرة المستفيضة كما يأتي ذكرها بل يخالفه مخالفة شديدة كما يظهر عند الاطلاع عليها والتأمل فيها ، وعلى المعنى الذي فهمناه من الحديث لا يرد عليه شي‌ء من هذه المؤاخذات إلا انه يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص ولا بأس بذلك. (ان قيل) اختلاف وقتي النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد وتفاوت حد أول وقتي الفريضتين التابع لذلك لازم على اي التقادير ولما ذكرت من سرعة تزايد الفي‌ء تارة وبطوئه اخرى فكيف ذلك؟ (قلنا) نعم ذلك كذلك ولا بأس بذلك لانه لطول اليوم وقصره كسائر الأوقات في الأيام والليالي. انتهى كلامه زيد إكرامه.

أقول : ويقرب مما دل عليه هذا الخبر ما ذكره (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه آنفا في هذه المسألة ما صورته : «وانما سمي ظل القامة قامة لان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة انسان فسمي ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين وظل قدم وظل قدمين وظل أربعة أقدام وذراع ، وذلك

__________________

(١) ص ٣.

١٤٨

انه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا مسح بالذراع كان ذراعا وإذا مسح بالذراعين كان ذراعين وإذا مسح بالقامة كان قامة أي هو ظل القامة وليس هو بطول القامة سواء مثله لان ظل القامة ربما كان قدما وربما كان قدمين ظل مختلف على قدر الأزمنة واختلافها لان الظل قد يطول وينقص لاختلاف الأزمنة والحائط المنسوب إلى قامة الإنسان قائم معه غير مختلف ولا زائد ولا ناقص ، فلثبوت الحائط المقيم المنسوب إلى القامة كان الظل منسوبا اليه ممسوحا به طال الظل أم قصر». انتهى.

ويتلخص من الخبرين ان المعتبر في ذلك انما هو الذراع والذراعان كما في سائر الاخبار وان وقت الظهر بعد الأول والعصر بعد الثاني وهو لا يختلف باختلاف الأزمان والأحوال ، وان التقدير بالقامة انما هو لما كان جدار مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة إنسان ، قال في وقت كان ظل ذلك الجدار المتخلف عند الزوال ذراعا إذا كان الفي‌ء مثل ظل القامة فصلوا الظهر وإذا كان مثليه فصلوا العصر ، وقال مثل القامة وغرضه ظل القامة لقيام القرينة بذلك فلم يفهم المخالفون ذلك وتوهموا ان المراد بالقامة قامة الجدار فجعلوا للظهر قامة وللعصر قامتين وهما المعبر عنهما بالمثل والمثلين وانما مراده مثل الظل في ذلك الوقت وهو الذراع ومرجعه إلى زيادة الظل ذراعا من الزوال من قامة الإنسان ، وبهذا يتم قوله (عليه‌السلام) «فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان» يعني به انا لما فسرنا القامة أو ظل القامة بالظل الحاصل في الزمان المخصوص الذي صدر فيه الحكم عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان في ذلك الوقت ذراعا فلا يختلف الحكم باختلاف البلاد والفصول وكان اللفظان مفادهما واحدا مفسرا أحدهما أي ظل القامة بالآخر اي الذراع. واما التحديد بالاقدام فأكثر ما جاء في الاخبار بالقدمين والأربعة ومرجعه الى الذراع والذراعين. واما ما نقص عن ذلك فقد عرفت وجهه من كلام المحدث الكاشاني. والله العالم.

(المسألة الخامسة) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت العصر

١٤٩

الفراغ من الظهر ولو تقديرا وقد تقدم القول في تحقيق الاشتراك من أول الوقت وعدمه وادعى في المعتبر والمنتهى الإجماع على ان وقتها بعد الفراغ من الظهر ، والاخبار بذلك مستفيضة : منها ـ الأخبار الدالة على انه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلا ان هذه قبل هذه (١) والاخبار المتكاثرة الدالة في كل من الظهرين انه لا يمنعك إلا سبحتك طولت أو قصرت (٢) ويزيده تأكيدا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) بين الظهر والعصر حد معروف؟ فقال لا».

بقي الكلام في الفضل والاستحباب فهل الأفضل تعجيل العصر بعد الظهر لغير المتنفل وبعد النافلة أو مضي الذراعين لغيره على الخلاف المتقدم أو ان الأفضل تأخيرها إلى مضي المثل الأول؟ الأشهر الأول ونقل في المدارك عن جمع من الأصحاب انهم ذهبوا الى استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر وهو المثل أو الإقدام ، قال وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة فإنه قال في باب عمل الجمعة : والتفريق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل وقد ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل. انتهى. وقريب من ذلك عبارة ابن الجنيد فإنه قال : لا نختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي صلاها مع الزوال إلا مسافرا أو عليلا أو خائفا ما يقطعه عنها بل الاستحباب للحاضر ان يقدم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئا من التطوع الى ان تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها ثم يأتي بالظهر ويعقبها بالتطوع من التسبيح والصلاة ليصير الفي‌ء أربعة اقدام أو ذراعين ثم يصلي العصر. هذا كلامه وهو مضمون رواية زرارة إلا ان أكثر الروايات تقتضي استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها من غير اعتبار للإقدام والأذرع. انتهى ما ذكره في المدارك.

أقول : الظاهر من عبارتي الشيخ المفيد وابن الجنيد انما هو استحباب التفريق (عليه‌السلام)

__________________

(١) ص ١٠١.

(٢) ص ١٣٦.

(٣) الوسائل الباب ٤ من المواقيت.

١٥٠

بين الفرضين بالنافلة كما هو المتفق عليه نصا وفتوى لا التفريق بتأخير العصر الى أول المثل الثاني ، واما تأخير العصر الى مضي الاقدام الأربعة أو النافلة طالت أم قصرت فهي مسألة أخرى قد تقدم الكلام فيها ، نعم من يخص وقت فضيلة الظهر بالقدمين من الزوال والذراع وقدر الفريضة وفضيلة العصر بالأربعة والذراعين والفريضة كما هو القول الأظهر من الاخبار فإنه يتجه فيه ما ذكره ، إنما الإشكال في من يقول بامتداد وقت فضيلة الظهر إلى أول الثاني وفضيلة العصر بأول المثل الثاني إلى تمام المثل فهل يستحب له تأخير العصر الى مضي وقت فضيلة الظهر؟ قد تقدم في صدر المسألة الرابعة تصريح شيخنا الشهيد في الذكرى بأن الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر اما المقدر بالنافلتين والظهر واما المقدر بالمثل والاقدام ، وقد عرفت ان التأخير في المواضع المذكورة في كلامه مما لا إشكال في شي‌ء منها لوروده في الاخبار المتفق عليها إلا في التأخير إلى مضي المثل فإنه لم يدل عليه إلا رواية زرارة المتضمنة لسؤاله عن وقت الظهر في القيظ ورواية كتاب المجالس (١) وقد تقدم الكلام فيهما وبينا الوجه في ما تضمناه.

وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار التي عليها الاعتماد والمدار في الإيراد والإصدار هو ان الأفضل المبادرة بالعصر بعد الظهر لمن لا يتنفل أو كان في سفر أو يوم جمعة وبعد النافلة لمن يتنفل أو بعد مضي الذراع على الخلاف المتقدم ، والتفريق الموجب للأذان للثانية يحصل بالفصل بالنافلة ولا يتوقف على بلوغ المثل الثاني.

قال في الذكرى : لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر والعصر حضرا وسفرا للمختار وغيره وقد رواه العامة عن علي (عليه‌السلام) (٢) الى ان قال وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك. وأورد على المحقق نجم الدين تلميذه

__________________

(١) ص ١١٨ و ٩٧.

(٢) كما في المبسوط ج ١ ص ١٥٠.

١٥١

جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري وكان ايضا تلميذ السيد ابن طاوس ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة الى الأذان الثاني إذ هو للاعلام وللخبر المتضمن انه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان ، وان كان يفرق فلم ندبتم الى الجمع وجعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقق ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يجمع تارة ويفرق اخرى ، ثم ذكر الروايات كما ذكرنا وقال انما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا اتى بالنوافل والفرضين فيه لأنه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين ، ثم ذكر خبر عمرو بن حريث المتقدم عن الصادق (عليه‌السلام) المتضمن انه سأله عن صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي ثمان ركعات الزوال ثم يصلي أربعا الاولى وثماني بعدها وأربعا للعصر وثلاثا للمغرب وأربعا بعدها. الحديث الى آخره». وقد تقدم (١).

أقول : لا يخفى ان كلا من السؤال والجواب لا يخلو من الإجمال بل الإشكال في هذا الباب.

اما السؤال فإن ظاهره ان الجمع الموجب لسقوط الأذان هو جمع الصلاتين في وقت واحد وهو المثل الأول بناء على القول المشهور من ان المثل الأول للظهر وان فصل بالنافلة حيث علله بأن الأذان للثانية للإعلام ومع اجتماع الناس للأولى فلا يحتاج إلى الاعلام ، وللخبر ان الجمع بين الصلاتين موجب لسقوط الأذان يعني الجمع بينهما في وقت واحد والتفريق انما هو عبارة عن جعل العصر في أول المثل الثاني كما هو المشهور من انه وقت فضيلة العصر ، وعلى الثاني فكيف ندبتم الى الجمع وقلتم انه أفضل؟ هذا حاصل كلامه ، ووجه الاشكال فيه ان الجمع والتفريق وان حصل بما ذكره إلا ان المستفاد من الروايات ان الجمع والتفريق المترتب عليه سقوط الأذان وعدمه انما هو باعتبار الإتيان بالنافلة وعدمه ولو في وقت واحد فالأول يسمى تفريقا والثاني جمعا كما

__________________

(١) ص ٢٧.

١٥٢

سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في بحث الأذان ، وتعليله سقوط الأذان في صورة الجمع في وقت واحد وان فصل بالنافلة كما يظهر من كلامه ـ بأن الأذان للإعلام وهو غير محتاج إليه في الصورة المذكورة فإنه مع اجتماع الناس للأولى لا معنى للاعلام حينئذ ـ مردود بان المستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل الإنكار ان الأذان كما يستحب في أوائل الأوقات بأن يأتي به المؤذن على المنارة للاعلام إذا دخل وقت الظهر أو دخل وقت العصر وهو أول المثل الثاني كما يدعونه وكذا في غروب الشمس لصلاة المغرب وزوال الحمرة المغربية للعشاء وهذا الأذان ليس من محل البحث في شي‌ء ، كذلك يستفاد منها ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى من انه يستحب لكل مصل منفردا كان أو جامعا ذكرا كان أو أنثى ان يأتي في أول صلاته بأذان واقامة في أول الوقت كان أو في آخره وهذا الأذان هو الذي يسقط بالجمع بين الصلاتين وعدم الفصل بالنافلة كما في ما نحن فيه وفي عصر عرفة وعشاء المزدلفة وعصري الجمعة والسفر ونحو ذلك واما مع الإتيان بالنافلة فإنه يحصل التفريق ولا يسقط هذا الأذان وان كان في وقت واحد ومقام واحد ، على ان ما ادعاه من انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان كان يفرق باعتبار تأخير العصر الى المثل الثاني مثلا ووافقه عليه المحقق في جوابه لم يرد به دليل يعتمد عليه وان اشتهر ذلك في كلامهم ، ولو ورد ثمة دليل كان سبيله الحمل على التقية لما عرفت من الاخبار المتقدمة سابق هذه المسألة واستفاضة الاخبار عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ما كان يفعله وعن أهل بيته في ما فعلوه وأمروا به انما هو التفريق بالنافلة وان العصر بعد صلاة النافلة أو الإقدام الأربعة ونحوها خاصة دون المثل وان العمل بما ذكر انما هو مذهب العامة كما هو الآن معلوم. هذا ما في السؤال المذكور.

واما الجواب فظاهره موافقة السائل فيما ذكره من معنى الجمع والتفريق وانه باعتبار الأوقات وظاهره انه مع الفصل بالنافلة في الوقت الواحد فلا أذان ، وهو غلط محض لمخالفته الروايات المتكاثرة الدالة على ما قدمناه من ان الجمع والتفريق انما هو باعتبار

١٥٣

الفصل بالنافلة وعدمه ، وملخص كلامه هو ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يجمع بين الصلاتين في وقت واحد تارة ويفرق في وقتين تارة ، ونحن انما استحببنا الجمع في وقت وندبنا اليه بالإتيان بالفرضين والنوافل كملا دون التفريق وهو التأخير إلى المثل الثاني لما ثبت من دخول الوقتين بالزوال فصارت الذمة مشغولة بهما ، والمبادرة إلى تفريغ الذمة من الواجب أمر مندوب اليه ومحثوث عليه. وهو مشعر بموافقته السائل في سقوط الأذان في الصورة المذكورة حيث جعله جمعا لا تفريقا ومن شأن الجمع سقوط الأذان فيه كما ذكره السائل ، وفيه ما عرفت. والعجب ان شيخنا الشهيد في الذكرى جرى على ذلك من غير تنبيه على ما ذكرنا وأهمل السبب فيه من حيث قوله بتحديد الوقت بالمثل والمثلين لفضيلتي الظهر والعصر كما تقدم نقله عنه إلا ان الكلام في سقوط الأذان مع الإتيان بالنوافل كما يشعر به كلامهما متى جمع الفرضين في وقت واحد فإن الأخبار دالة على ثبوت الأذان في الصورة المذكورة ، وقد تنبه لذلك السيد السند في المدارك حيث قال بعد ان نقل عن الذكرى ملخص ما ذكرناه ما صورته : قلت ما ذكره (قدس‌سره) جيد والأذان إنما يسقط مع الجمع بين الفرضين إذا لم يأت المكلف بالنافلة بينهما اما مع الإتيان بها فيستحب الأذان للثانية كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله تعالى. انتهى.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في آخر وقت العصر فذهب السيد المرتضى في الجمل وفي جواب المسائل الناصرية إلى أنه غروب الشمس وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس وابن زهرة. وقال المفيد يمتد وقتها الى ان يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب وللمضطر والناسي إلى مغيبها. وقال الشيخ في الخلاف آخره إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه. وقال في المبسوط آخره إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر. هذا وقت الاختيار فاما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه الى ان يبقى من النهار بمقدار ما يصلي فيه اربع ركعات فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر الى ان تغرب الشمس ، واختاره ابن البراج وابن حمزة وأبو الصلاح وهو

١٥٤

الظاهر من كلام سلار. وقال ابن ابي عقيل الى ان ينتهي الظل ذراعين بعد زوال الشمس فإذا جاوز ذلك فقد دخل في الوقت الآخر ، كذا نقل عن العلامة في المختلف ثم قال : والحق عندي قول السيد المرتضى. ونقله في المدارك عن عامة المتأخرين ونقل فيه عن المرتضى في بعض كتبه انه يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة ستة أسباعه للمختار ثم اختار ما ذهب اليه المرتضى أولا.

أقول : ومن الأخبار المتعلقة بالمقام رواية سليمان بن جعفر (١) قال : «قال الفقيه (عليه‌السلام) آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف». وهذه الرواية نقلها في المختلف حجة للشيخ المفيد ، قال واحتج المفيد بما رواه سليمان بن جعفر في الصحيح ثم ساق الرواية ثم قال وهو إشارة إلى الاصفرار لان الظل الى آخر النهار يقسم سبعة أقدام. أقول : الظاهر ان المراد بالستة أقدام ونصف هنا يعني بعد المثل الأول ليتحقق ما ذكره من الاصفرار ثم حمله في المختلف على ان ذلك وقت الفضيلة ، وهو متجه بناء على ما ذكروه من ان وقت فضيلة العصر في المثل الثاني الى آخره ، وقد تقدم في كلام الشيخ ان وقت الاختيار الى مضي المثلين.

ورواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «العصر على ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع». وهو محمول على ان وقت الفضيلة أو الاختيار بعد الذراعين وتركها الى ان يمضي ستة أقدام وقت الاجزاء على المشهور والاضطرار على القول الآخر.

وبالجملة فإنه لا ريب ان المفهوم من الاخبار هو الامتداد الى الغروب ولكن هل ذلك مخصوص بأصحاب الاعذار والاضطرار كما هو أحد القولين المتقدمين أو محمول على الاجزاء كما هو المشهور؟ واما ما قبله من وقت الاختيار أو الفضيلة فقد تقدم الكلام فيه من انه المثل كما هو المشهور أو الأربعة اقدام مع الفريضة أو الستة ونصف. والكل مروي إلا

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أبواب المواقيت.

١٥٥

انك قد عرفت ما في روايات المثل والمثلين. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لمعرفة الزوال طرقا : منها ـ زيادة الظل بعد انتهاء نقصانه أو حدوثه بعد عدمه ، قالوا والمراد بالظل هو المبسوط المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأفق لا الظل المنكوس وهو المأخوذ من المقاييس الموازية للأفق ، وتوضيح ذلك ان الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص قائم على سطح الأرض بحيث يكون عمودا على سطح الأفق ظل طويل في جانب المغرب ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار ، وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة الأفق على نقطتين هما نقطتا الجنوب والشمال وقطباها منتصف النصف الشرقي ومنتصف النصف الغربي من الأفق وهما نقطتا الشرق والغرب ، وحينئذ فيكون ظل الشاخص المذكور واقعا على خط نصف النهار وهو الخط الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال ، وهناك ينتهي نقصان الظل المذكور وقد لا يبقى للشاخص ظل أصلا في بعض البلاد ، وإذا بقي الظل فمقداره مختلف باختلاف البلاد والفصول فكلما كان بعد الشمس عن مسامتة رؤوس أهل البلاد أكثر كان الظل فيها أطول ، فإذا مالت الشمس عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار الى المغرب فان لم يكن بقي الظل حدث حينئذ في جانب المشرق وكان ذلك علامة الزوال وان كان قد بقي أخذ في الزيادة حينئذ فيكون ذلك علامة الزوال ايضا. والذي ورد في الاخبار وكذا في جملة من عبارات الأصحاب هو الثاني خاصة وهو مبني على الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان ، وطريق استعلام ذلك ان ينصب مقياسا ويقدر ظله عند قرب الشمس من الاستواء ثم يصبر قليلا ويقدر فان كان دون الأول أو بقدره فالى الآن لم تزل وان زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار في جملة من الاخبار : منها ـ رواية سماعة (١) قال :

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١١ من أبواب المواقيت.

١٥٦

«قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت هذا تطلب؟ قال نعم فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ثم قال ان الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول الشمس فإذا زالت زاد فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر ثم تمهل قدر ذراع وصل العصر».

وعن علي بن أبي حمزة (١) قال : «ذكر عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) زوال الشمس فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار وان زاد فهو أبين فيقام فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) تبيان زوال الشمس ان تأخذ عودا طوله ذراع واربع أصابع فتجعل أربع أصابع في الأرض فإذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضى الحوائج العظام».

وهذا الطريق عام النفع للعالم والعامي إلا انه انما يعلم به زوال الشمس بعد زمان طويل كما لا يخفى وبه صرح في الروض ايضا.

والمفهوم من هذه الاخبار وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار ـ ان الاعتبار في العلم بالزوال بظهور الزيادة بعد النقص كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) في رواية سماعة

«فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر» وكذا قوله (عليه‌السلام) في رواية علي بن أبي حمزة «فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت» ونحوه في مرسلة الفقيه وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى الاكتفاء بعدم النقص ، قال والدي (قدس‌سره) في حاشيته على شرح اللمعة : وجعل العلامة (طاب ثراه) في المنتهى عدم نقص الظل علامة للزوال ، وهو كما ترى فان الظل عند قرب الزوال جدا ربما لا يحس بنقصانه ويرى مكانه واقفا لا يزيد ولا ينقص فلا يعلم حينئذ عدم نقصه ليعلم به الزوال ، وعدم ظهور النقص غير كاف في الحكم به

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب المواقيت.

١٥٧

لانه يجامع حصول النقص كما عرفت. انتهى كلامه زيد مقامه. أقول : ومن أظهر الأدلة في بطلان ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه (١) قال : «روى حريز بن عبد الله انه قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسأله رجل فقال جعلت فداك ان الشمس تنقض ثم تركد ساعة من قبل ان تزول؟ فقال انها تؤامر أتزول أو لا تزول». وروى في الكتاب المذكور (٢) قال : «سئل الصادق (عليه‌السلام) عن الشمس كيف تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟ قال لان الله عزوجل جعل يوم الجمعة أضيق الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق الأيام؟ قال لانه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم لحرمته عنده». وروى في الكافي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له بلغني ان يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال كذلك هو. قلت جعلت فداك كيف ذاك؟ قال ان الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا ركدت عذب الله أرواح المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا يكون للشمس ركود يرفع الله عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود». وقد دلت هذه الاخبار على ان الشمس بوصولها إلى دائرة نصف النهار يحصل لها ركود ووقوف عن الجريان وهو غاية نقصان الظل وان الزوال انما يحصل بعد ذلك وهو ميلها عن الدائرة إلى جهة المغرب ، فكيف يصح ما ذكره من الاكتفاء في ثبوت الزوال بعدم النقص؟ وفي هذه الاخبار أبحاث شريفة وشحناها بها في شرحنا على كتاب من لا يحضره الفقيه

ومنها ـ استعلام ذلك بالاقدام روى ذلك الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف

__________________

(١) ج ١ ص ١٤٦.

(٢) ج ١ ص ١٤٥.

(٣) الفروع ج ١ ص ١١٦ وفي الوسائل في الباب ٤٠ من صلاة الجمعة.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب المواقيت.

١٥٨

من آب على قدمين ونصف وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف وفي النصف من تشرين الأول على خمسة أقدام ونصف وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة أقدام ونصف وفي النصف من كانون الأول على تسعة أقدام ونصف وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من أيار على قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم».

أقول : قد اشتمل هذا الخبر على بيان اختلاف الظل الباقي عند الزوال بحسب اختلاف الأزمنة إلا ان جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في المنتهى وشيخنا البهائي ذكروا ان هذه الرواية مختصة بالعراق وما قاربها لان عرض البلاد العراقية يناسب ذلك ، ولأن الراوي لهذا الحديث وهو عبد الله بن سنان عراقي فالظاهر انه (عليه‌السلام) بين له علامة الزوال بما يناسب بلاده. وما ذكروه مما لا محيص من الحمل عليه إذ لا ريب ان ما كان عرضه مساويا للميل الكلي ينعدم فيه الظل يوما واحدا حقيقة وبحسب الحس أياما وما كان عرضه أقل ينعدم فيه الظل يومين حقيقة وأياما حسا فهذا انما يتم في ما يكون عرضه أكثر من الميل الكلي ، والمناسب له من البلدان الكثيرة العروض ولاية العراق ، والقدم ـ على ما ذكره أصحابنا وعليه تدل ظواهر الاخبار ـ سبع الشاخص بناء على ان قامة الإنسان المستوي الخلقة سبعة أقدام بقدمه ، والنصف من حزيران ـ على ما ذكره بعض محققي أصحابنا ـ من أوائل السرطان والنصف من تموز في أوائل الأسد والنصف من آب في أوائل السنبلة والنصف من أيلول في أوائل الميزان والنصف من تشرين الأول في أوائل العقرب والنصف من تشرين الآخر أول القوس تقريبا والنصف من كانون الأول أول الجدي تقريبا والنصف من كانون الآخر أول الدلو تقريبا والنصف من شباط أول الحوت تقريبا والنصف من آذار في أوائل الحمل والنصف من نيسان في أوائل الثور والنصف من أيار في أوائل الجوزاء

١٥٩

بقي الكلام ان في الحديث اشكالا ظاهرا يمنع من الاعتماد عليه في المقام وان كان قد غفل عنه جملة من علمائنا الاعلام ، وذلك انه من المعلوم المشاهد بالوجدان والمستغني بالعيان عن البيان ان ظل الزوال يتزايد من أول السرطان الذي هو أول الرجوع من انتهاء الميل الكلي إلى آخر القوس وينقص من أول الجدي إلى آخر الجوزاء يوما فيوما وشهرا فشهرا على سبيل التزايد في كل من النقيصة والزيادة ، بمعنى ان زيادته وانتقاصه في اليوم الثاني والشهر الثاني أزيد منه في اليوم الأول والشهر الأول وهكذا في الثالث بالنسبة الى الثاني وفي الرابع بالنسبة الى الثالث حتى ينتهي إلى غاية الزيادة والنقصان ، ومن هذا القبيل حال ازدياد الساعات وانتقاصها في أيام السنة ولياليها وهذا ظاهر للناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير ، فكيف يكون ازدياد الظل في ثلاثة أشهر قدما قدما وفي الثلاثة الأخرى قدمين قدمين كما في الرواية المذكورة؟ فإنه خلاف ما يحكم به المشاهدة والوجدان. والله سبحانه وقائله أعلم.

ومنها ـ ميل الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق كما ذكروه ، والظاهر انها انما تتم بالنسبة إلى أطراف العراق الغربية كالموصل وما والاها ممن تكون قبلتهم نقطة الجنوب إذ تكون دائرة نصف النهار حينئذ بين العينين فإذا زالت الشمس عن دائرة نصف النهار نحو المغرب مالت بالضرورة إلى الحاجب الأيمن ، واما أطراف العراق الشرقية وما والاها من أواسطها ممن تميل قبلتهم عن الجنوب نحو المغرب على تفاوت في ذلك زيادة ونقيصة فعند ميل الشمس الى الحاجب الأيمن يكون قد مضى من الزوال مقدار غير قليل لانحراف قبلتهم نحو المغرب وان كان ذلك في أواسط العراق أقل لقلة انحرافهم نحو المغرب بالنسبة إلى الأطراف الشرقية ، قال والدي (قدس‌سره) بعد ذكر نحو ما قلناه : واما ما ذكره شيخنا البهائي (قدس‌سره) ـ من ان ذلك يمكن جعله علامة للزوال في أواسط العراق ايضا كالكوفة وما والاها لانه عند ميل الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلتهم لا يكون مضى من الزوال قدر معتد به ـ

١٦٠