الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

واما طعنه في الرواية الثانية بالفضل بن يونس وانه واقفي ففيه انه وان كان واقفيا كما ذكره الشيخ إلا انه ثقة كما ذكره النجاشي ولم يذكر كونه واقفيا ، ويأتي على ما يختاره البعض من تقديم قول النجاشي لأنه أضبط واثبت الحكم بصحة الرواية ، ومع التنزل والعمل بقول الشيخ فيكون من قسم الموثق فلا معنى لترجيح موثقة عبد الله بن سنان عليها. واما ما سجل به من ترجيح موثقة عبد الله بن سنان بعد أوصاف علي بن الحسن ابن فضال ففيه انه قد رد روايته في غير موضع من شرحه كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى فيما يأتي.

نعم يبقى الكلام في الرواية المذكورة من حيث دلالتها على خروج وقت الظهر في الحيض بعد الأربعة أقدام والعلامة (قدس‌سره) قد ادعى الإجماع على ان آخر وقت الظهر للمعذور الى قبل الغروب بمقدار العصر وبه طعن في هذه الرواية ، وتنظر فيه بعضهم بان الشيخ (قدس‌سره) صرح في التهذيب والاستبصار بأن الحائض إذا طهرت بعد ما يمضي من الوقت أربعة أقدام لم يجب عليها صلاة الظهر فادعاء الإجماع على خلافه مع مخالفة الشيخ محل تأمل.

أقول : ومما يدل على ما دلت عليه الرواية المذكورة من الحكم المذكور حسنة معمر بن يحيى (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الحائض تطهر بعد العصر تصلي الاولى؟ قال لا انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها». وموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال تصلي العصر وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان». إلا انه يمكن حمل هاتين الروايتين على الوقت المختص بالعصر فلا يكون سبيلها سبيل تلك الرواية.

وبالجملة فإن رواية الكرخي لا اشكال فيها لما عرفت وانما الإشكال في رواية

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٤٩ من أبواب الحيض.

١٢١

الفضل بن يونس بما دلت عليه من ان وقت الظهر انما هو الى مضي الأربعة أقدام وبعده يخرج حتى بالنسبة إلى ذوي الأعذار كالحيض ، ولا يحضرني في ذلك محمل غير التقية وبه صرح الفاضل الخراساني في الذخيرة وزاد مع ذلك احتمال حمل رواية ابن سنان على الاستحباب ، والأظهر هو العمل برواية ابن سنان لاعتضادها بالأخبار المستفيضة الدالة على وجوب الصلاة وامتداد الوقت سيما لذوي الأعذار إلى الغروب وحمل تلك الرواية على التقية وان لم يعلم بها الآن قائل منهم لما قدمناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب من انه لا يشترط في الحمل عليها وجود قائل منهم ، ولما علم من الأخبار من انه لا منشأ للاختلاف في أخبارنا إلا التقية ، ولما تطابقت فتوى علمائنا وتظافرت أخبارنا بما دلت عليه رواية ابن سنان وجب حمل ما يخالفها على ذلك. واما ما ذهب اليه الشيخ مما قدمنا نقله عنه من العمل بالرواية المذكورة فهو مما لا يلتفت إليه في معارضة الأخبار المشار إليها المعتضدة بعمل الطائفة المحقة قديما وحديثا ومنهم الشيخ في غير الكتابين المذكورين. نعم ما دلت عليه رواية ابن سنان من امتداد وقت العشاءين الى آخر الليل محمول عندي على التقية لما تقدم تحقيقه في باب التيمم ويأتي مزيد كلام فيه ان شاء الله تعالى في باب قضاء الصلاة.

واما ما نقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) ـ من ان وقت الظهر بعد زوال الشمس الى ان يرجع الفي‌ء سبعي الشاخص ـ فاستدل له العلامة في المختلف بما رواه ابن بابويه والشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد ابن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (١) انهما قالا : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت الى ان يمضي أربعة أقدام للعصر». وما رواه الشيخ عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس». قال في المدارك ـ ونعم ما قال

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٢٢

هنا ـ : والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت الظهر بذلك بل مقتضى صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) استحباب تأخير الظهر الى ان يصير الفي‌ء على قدمين من الزوال فإنه (عليه‌السلام) قال (١) «ان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي الفي‌ء ذراعا فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة». والظاهر ان ذلك هو مراد المفيد (قدس‌سره) وان كانت عبارته مجملة وهو الذي فهمه منه الشيخ في التهذيب ، فإنه قال بعد نقل كلامه : وقت الظهر على ثلاثة أضرب : من لم يصل شيئا من النوافل فوقته حين تزول الشمس بلا تأخير ، ومن صلى النافلة فوقتها حين صارت على قدمين أو سبعين أو ما أشبه ذلك ، ووقت المضطر ممتد الى اصفرار الشمس ، ثم استدل على الضرب الثاني برواية زرارة وما في معناها. وبالجملة فالقول بخروج وقت الظهر بصيرورة الفي‌ء على قدمين مقطوع بفساده. انتهى. وهو جيد

واما ما نقل عن ابن ابي عقيل فاحتج له في المختلف برواية زرارة المتقدمة في ما استدل به للشيخ المفيد ورواية محمد بن حكيم (٢) قال : «سمعت العبد الصالح (عليه‌السلام) يقول ان أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال». قال وقد روى علي بن أبي حمزة (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول القامة هي الذراع». وقال له أبو بصير (٤) : «كم القامة؟ فقال ذراع ان قامة رحل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كانت ذراعا». وأجاب عنه بما يرجع الى ما قدمناه نقله عن صاحب المدارك في الجواب عن كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره). وبالجملة فالمعتمد من هذه الأقوال ما قدمنا لك تحقيقه وأوسعنا مضيقة في هذا المجال. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ المشهور في كلام الأصحاب ان الوقت الأول للظهر وهو

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٢٣

وقت الفضيلة أو الاختيار على الخلاف المتقدم من الزوال الى مضى مثل الشاخص وللعصر الى مضي مثليه ، قال في المعتبر آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شي‌ء مثله ثم يمتد وقت الاجزاء حتى يبقى للغروب مقدار اربع ركعات فيختص الوقت بالعصر ، واليه ذهب علم الهدى وابن الجنيد. وقد نقل في المدارك ايضا عن السيد المرتضى انه يمتد وقت الفضيلة في الظهر الى ان يصير ظل كل شي‌ء مثله ووقت الاجزاء الى ان يبقي للغروب قدر اربع ركعات فيختص بالعصر. وقد تقدم في صدر المسألة الثالثة كلام الشيخ بنحو ذلك.

والمشهور في كلام المتأخرين أفضلية تأخير العصر الى أول المثل الثاني ، قال في الذكرى يمتد وقت الفضيلة للظهر أو الاختيار الى ان يصير الظل الحادث بعد الزوال مماثلا للشاخص في المشهور ، ثم نقل خلاف المشهور التقدير بالاقدام الأربعة لرواية إبراهيم الكرخي ، ثم قال في موضع آخر بعد البحث في المقام : نعم الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر اما المقدر بالنافلتين والظهر واما المقدر بما سلف من المثل والاقدام وغيرهما.

وقد تقدم في سابق هذه المسألة تصريح صاحب المدارك بما ذكرنا أولا من امتداد وقت فضيلة الظهر الى تمام مثل الشاخص واستدلاله على ذلك بصحيحتي أحمد بن عمر واحمد بن محمد المشتملتين على التحديد بالقامة وان وقت الظهر قامة ووقت العصر قامة وفي معناهما روايات أخر قدمنا ذكرها ايضا. وفي الاستدلال بها عندي إشكال حيث ان مبنى الاستدلال بها على حمل القامة على قامة الشاخص والمفهوم من الاخبار ان لفظ القامة الوارد فيها انما هو بمعنى الذراع والقامتين بمعنى الذراعين ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال له : «كم القامة؟ فقال ذراع ان قامة رحل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كانت ذراعا».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٢٤

وعن علي بن أبي حمزة (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول القامة هي الذراع». وعن علي بن حنظلة (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) القامة والقامتين الذراع والذراعين في كتاب علي (عليه‌السلام)». قال في الوافي : نصبهما بالحكاية. وعن علي بن حنظلة (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في كتاب علي (عليه‌السلام) القامة ذراع والقامتان ذراعان». قال في الوافي : تفسير القامة بالذراع انما يصح إذا كان قامة الشاخص ذراعا فيعبر عن أحدهما بالآخر كما دل عليه حديث ابي بصير لا مطلقا كما زعمه صاحب التهذيب أو أريد به في زمان يكون فيه الظل الباقي بعد نقصانه ذراعا ويراد بالقامة قامة الظل الباقي لا قامة الشاخص كما دل عليه حديث أول الباب. انتهى. أقول : من المحتمل قريبا بل الظاهر ان المراد باللام في القامة والقامتين في هذه الاخبار العهد وتكون إشارة الى ما قدمنا من الاخبار الدالة على تحديد وقت الظهر بالقامة ووقت العصر بالقامتين بمعنى ان القامة الواردة في تلك الاخبار المراد منها الذراع لا قامة الشاخص ، وبه يظهر ان حمل القامة في تلك الاخبار على قامة الشاخص ليكون دليلا على امتداد وقت الفضيلة بامتداد المثل والمثلين لا وجه له.

واما ما ذكره من استحباب تأخير العصر الى أول المثل الثاني فاستدلوا عليه برواية زرارة المتقدمة المتضمنة لسؤاله أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت الظهر في القيظ وقد تقدمت في سابق هذه المسألة (٤) وهي مع كونها أخص من المدعى ومع اشتمالها على خلاف المدعى ايضا حيث دلت على الصلاة بعد نقص المثل محمولة على الإيراد كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله. نعم يدل على ذلك ما قدمنا من رواية الشيخ في كتاب المجالس مما كتبه الأمير (عليه‌السلام) لمحمد بن ابي بكر حين ولاه مصر (٥) حيث قال في الحديث «فان رجلا سأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن أوقات الصلاة

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٤) ص ١١٨.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

١٢٥

فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شي‌ء مثله. الحديث». وهو مع ضعفه معارض بالأخبار المستفيضة كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى ، ومنها اخبار نزول جبرئيل بالأوقات (١) ويمكن حمله على التقية حيث انه هو المعمول عليه عند العامة قديما وحديثا (٢)

ويؤيد ما ذكرنا ما صرح به شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ ثم انه لما كان المشهور بين المخالفين تأخير الظهرين عن أول الوقت بالمثل والمثلين فلذا اختلفت الاخبار في ذلك ففي بعضها «إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر» (٣). وفي بعضها «ان آخر وقت الظهر المثل وآخر وقت العصر المثلان». كما ذهب إليه أكثر المتأخرين من أصحابنا ، وفي بعضها «ان وقت نافلة الزوال قدمان ووقت الظهر ونافلة العصر بعدهما قدمان». ووقت فضيلة العصر أربعة اقدام في بعض الاخبار وفي بعضها قدمان ونصف وفي كثير منها «لا يمنعك من الفريضة إلا سبحنك إن شئت طولت وان شئت قصرت» (٤). والذي ظهر لي من جميعها ان المثل والمثلين انما وردا تقية لاشتهارهما بين المخالفين ، وقد أولهما في بعض الاخبار بالذراع والذراعين تحرجا من الكذب ، أو المثل والمثلان وقت الفضيلة بعد الذراع والذراعين والأربع أي إذا أخروا الظهر عن أربعة أقدام فينبغي ان لا يؤخروها

__________________

(١) ص ١٢٧.

(٢) في عمدة القارئ ج ٢ ص ٥٤٠ «آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه فيخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر ، وعند ابى يوسف ومحمد إذا صار ظل كل شي‌ء مثله يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وهي رواية الحسن بن زياد وبه قال مالك والشافعي واحمد والثوري وإسحاق لكن عند الشافعي آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه لمن ليس له عذر واما أصحاب العذر فآخر وقتها لهم غروب الشمس. وقال القرطبي خالف الناس كلهم أبا حنيفة فيما قاله حتى أصحابه».

(٣) ص ١١٨.

(٤) ص ١٣٦.

١٢٦

عن السبعة وهي المثل وإذا أخروا العصر عن الثمانية فينبغي ان لا يؤخروها عن الأربعة عشر اعني المثلين ، فالأفضل في الأوقات الاقدام لكن لا بمعنى ان الظهر لا يقدم على القدمين بل بمعنى ان النافلة لا توقع بعد القدمين وكذا نافلة العصر لا يؤتى بها بعد الأربعة أقدام فاما العصر فيجوز تقديمها قبل مضي الأربعة ان فرغ من النافلة قبلها بل التقديم فيهما أفضل ، واما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب الأولى ستة أقدام والثانية ستة أقدام ونصف والثالثة ثمانية أقدام والرابعة المثلان على احتمال ، فإذا رجعت الى الاخبار الواردة في هذا الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه في الجمع بينها. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : لم أقف فيما حضرني من الاخبار على ما يدل على المثل والمثلين سوى الخبرين اللذين ذكرتهما (١) وقد عرفت الوجه فيهما ، وظني ان ما تكلفه زيادة على ذلك لا وجه له إذ التقية في ذلك أظهر ظاهر في المقام فلا ضرورة في ارتكاب ما ذكره (طيب الله مرقده).

والواجب هو بسط الأخبار المتعلقة بالمسألة كما هي عادتنا في الكتاب ليظهر بذلك تحقيق الحق بغير شك ولا ارتياب فأقول : ان جملة من الأخبار قد وردت في نزول جبرئيل بالأوقات :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «اتى جبرئيل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل

__________________

(١) ص ١٢٥ رقم ٤ و ٥.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من المواقيت.

١٢٧

فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح وقال ما بينهما وقت». وعن معاوية بن ميسرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : اتى جبرئيل وساق الخبر مثل السابق إلا انه قال بدل القامة والقامتين ذراع وذراعين. وعن المفضل بن عمر (٢) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) نزل جبرئيل على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وساق الخبر كالأول إلا انه ذكر بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة أقدام.

أقول : وهذه الاخبار بانضمام بعضها الى بعض ظاهرة الدلالة في ان الوقت الأول للظهرين هو الذراع والذراعان والقدمان والأربعة أقدام لان القامة في الخبر الأول كما عرفت بمعنى الذراع إلا انها ظاهرة الاختصاص بغير المتنفل وكأن النوافل وتحديدها بالذراع والذراعين انما وقع بعد ذلك ، وحينئذ فيكون هذا الوقت وقت فضيلة بالنسبة الى غير المتنفل وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة أيضا كصحيحتي الاحمدين ورواية محمد ابن حكيم ، واما رواية يزيد بن خليفة فالظاهر حمل القامة فيها على قامة الشاخص حيث قال في آخرها : «ووقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء». فان المساء انما يترتب على قامة الشاخص دون الذراعين كما لا يخفى إلا ان يحمل على المبالغة وهو بعيد بل الظاهر هو حملها على التقية ، ويؤيده دلالتها على عدم دخول وقت العصر حتى يصير الظل قامة الشاخص يعني وقت فضيلتها وهو مذهب العامة حيث انهم يؤخرون العصر الى ذلك الوقت (٣) ولعل من هذا الخبر ونحوه حكم المتأخرون باستحباب تأخير العصر الى أول المثل الثاني كما قدمنا نقله عن الذكرى والحق فيه ما عرفت ، ويمكن ان يجعل هذا الخبر دليلا لما قدمناه عن المشهور بين الأصحاب من امتداد فضيلة الظهر الى المثل والعصر الى المثلين حيث قال فيه : «ثم لا تزال في وقت الظهر الى ان يصير الظل قامة» وقد عرفت ان المراد بالقامة هنا قامة الإنسان ، قوله «وهو آخر الوقت» اي وقت

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

(٣) راجع التعليقة ٢ ص ١٢٦.

١٢٨

الفضيلة وقوله : «فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر» اى الوقت المختص فضله بالعصر بحيث لا يشاركه الظهر فيه لان ما قبل ذلك وقت فضيلة لهما معا كما دلت عليه الاخبار من ان كل ما قرب من أول الوقت فهو أفضل وانه لا يمنعه إلا السبحة أو الذراع والذراعان ، وحينئذ فإذا بلغ الظل المثل الثاني اختصت الفضيلة بالعصر الى تمام المثل الثاني ، وهذا المعنى وان كان محتملا إلا انه لا يخلو من تكلف ولعل حمل الخبر على الخروج مخرج التقية أظهر كما ذكرنا.

وجملة من الاخبار قد دلت على التحديد بالذراع والذراعين والقدم والقدمين والأربعة ونحو ذلك ، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس ، وقال زرارة قال لي أبو جعفر (عليه‌السلام) حين سألته عن ذلك : ان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي الفي‌ء ذراعا فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة». قال في التهذيبين : قال ابن مسكان حدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب الفلانس وابن ابي يعفور ومن لا أحصيه منهم. أقول القامة في هذا الخبر مراد بها قامة الإنسان وكذا في الذي بعده.

وعن زرارة في الموثق (٢) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٢٩

وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة».

أقول : حيث انه قد دلت الاخبار على انه لا تطوع في وقت فريضة بل أكثر الأخبار الدالة على هذا المعنى إنما أريد بها هذا المقام حيث ان الشارع قد عين للنافلة من أول الوقت هذا المقدار من الذراع والذراعين والقدمين والأربعة فمتى خرج هذا الوقت ولم يأت بالنافلة وجبت البدأة بالفريضة واما لو فرغ من النافلة قبل هذا المقدار فإنه يجوز بل يستحب مزاحمة الفريضة لها في هذا المقدار كما سيأتيك ان شاء الله تعالى ذكره في الاخبار

وعن إسماعيل الجعفي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كان في‌ء الجدار ذراعا صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر. قال قلت ان الجدران تختلف بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال كان جدار مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يومئذ قامة». وعن إسحاق بن عمار مثله سندا ومتنا (٢) وزاد «وانما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة».

وعن إسماعيل الجعفي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال : قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه».

وعن زرارة في الموثق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس

__________________

(١ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت. وهذا الحديث يرويه إسحاق بن عمار عن إسماعيل الجعفي أيضا إلا ان الراوي عن إسحاق هو صفوان بن يحيى في الأول والحسن بن عديس في الثاني.

١٣٠

الى ان يبلغ ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة».

وعن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «وقت الظهر على ذراع». وعن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن صلاة الظهر فقال إذا كان الفي‌ء ذراعا. قلت ذراعا من أي شي‌ء؟ قال ذراعا من فيئك. قلت فالعصر؟ قال الشطر من ذلك. الحديث».

وعن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي الظهر على ذراع والعصر على نحو ذلك».

وعن عبيد بن زرارة في الموثق (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل وقت الظهر قال ذراع بعد الزوال. قال : قلت في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم».

وروى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن الفضيل وزرارة وبكير ومحمد بن مسلم وبريد (٥) قالوا : «قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما‌السلام) وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت الى ان يمضي أربعة أقدام للعصر».

أقول : ربما سبق الى بعض الأوهام كما وقع فيه بعض الاعلام ان المراد من هذا الخبر انما هو تحديد وقت فضيلة الظهر أو الاختيار بمعنى ان الأفضل إيقاعها في هذا المقدار وكذلك العصر فيكون منافيا لما دل على التحديد بالقامة والقامتين والمثل والمثلين ومن أجل ذلك حكم بطرح اخبار المثل والمثلين لصحة هذا الخبر. وأنت خبير بان ظاهر الصحيحة المذكورة وان أوهم ذلك في بادئ النظر الا ان الظاهر ان المراد انما هو التحديد بما بعد القدمين والأربعة ، فمعنى قوله (عليه‌السلام) : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان» يعني مضي قدمين وهكذا وقت العصر ، كما وقع نظيره في موثقة زرارة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٣١

المتقدمة حيث قال : «إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة». فإن ظاهر وقت الذراع يعني أول الذراع مع ان المراد انما هو مضي الذراع كما هو صريح صدر الرواية ، وقد وقع مثل ذلك في صدر صحيحة زرارة التي في صدر هذه الجملة حيث قال فيها «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر» فان المراد بعد ذراع كما تنادي به تتمة الرواية وقوله فيها «ان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة فكان إذا مضي من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر. الخبر».

وروى في التهذيب عن عبد الله بن محمد (١) قال : «كتبت اليه جعلت فداك روى أصحابنا عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) انهما قالا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان بين يديها سبحة إن شئت طولت وان شئت قصرت. وروى بعض مواليك عنهما ان الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال فان صليت قبل ذلك لم يجزئك ، وبعضهم يقول يجزئ ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ، وقد أحببت جعلت فداك ان أعرف موضع الفضل في الوقت؟ فكتب (عليه‌السلام) القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا».

أقول : ظاهر هذه الرواية كما ترى ان جملة من معاصري الأئمة (عليهم‌السلام) قد فهموا الاختلاف بين روايات التقدير بالنافلة كما يأتي في المقام ان شاء الله تعالى وبين روايات التحديد بالاقدام والأذرع ، ورجح بعضهم العمل بروايات الاقدام على روايات التحديد بالنافلة حتى بالغ بعضهم وأوجب تأخير الفريضة إلى مضي المقدار المذكور وحكم بعدم اجزائها قبله ولا ريب ان التأخير ظاهر منها كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى. ثم انه لا يخفى ما في الجواب من الإجمال وعدم الانطباق على السؤال وصاحبه اعرف بتحقيق الحال ولعله قد سقط الشي‌ء من البين وربما كان فيه اشعار وإيماء إلى ترجيح العمل بروايات الاقدام.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٣٢

ومنها ـ موثقة سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت». وروى الصدوق في الفقيه في باب صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مرسلا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى يزول النهار فإذا زال صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الرياح وينظر الله الى خلقه ، فإذا فاء ألفي ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد الظهر ركعتين وصلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفي‌ء ذراعين».

وفي خبر آخر رواه الكليني بطريقين أحدهما صحيح أو حسن بإبراهيم بن هاشم في باب بناء مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) قال : «وكان جداره قبل ان يظلل قامة فكان إذا كان الفي‌ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر وإذا كان ضعف ذلك صلى العصر».

وروى محمد بن الفرج (٤) قال : «كتبت اسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام. الحديث».

وقد تقدمت رواية إبراهيم الكرخي (٥) الدالة على خروج وقت الظهر بعد ما يمضي من الزوال أربعة أقدام وان أول وقت العصر هو آخر وقت الظهر وان آخر وقت العصر حتى تغرب الشمس. وهو محمول على خروج وقت الفضيلة يمضي الأربعة أقدام للظهر.

ورواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «العصر على

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أعداد الفرائض.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أبواب المواقيت.

١٣٣

ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك التضييع».

وعن ابي بصير (١) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل العصر يوم الجمعة على ستة أقدام». وعن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «صل العصر على أربعة أقدام». وعن سليمان بن جعفر (٣) قال : «قال الفقيه (عليه‌السلام) آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف». وعن صفوان الجمال عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ قال على قدر ثلثي قدم بعد الظهر».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٥) قال : «وقت الظهر زوال الشمس وآخره ان يبلغ الظل ذراعا أو قدمين من زوال الشمس في كل زمان ، ووقت العصر بعد القدمين الأولين إلى قدمين آخرين وذراعين لمن كان مريضا أو معتلا أو مقصرا فصار قدمان للظهر وقدمان للعصر ، فان لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا مقصرا ولا يريد ان يطيل التنفل فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمنعه منهما إلا السبحة بينهما والثمان ركعات قبل الفريضة والثمان بعدها فان شاء طول الى قدمين وان شاء قصر ، الى ان قال فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل الى ان يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فإذا بلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فقد وجب عليه ان يصلي الظهر في استقبال القدم الثالث ، وكذلك يصلي العصر إذا صلى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس وإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو قاض للصلاة بعد الوقت».

أقول : قوله «وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل الى ان يبلغ ظل قامته قدمين» الظاهر ان معناه بيان اتساع الوقت الى الحد المذكور بمعنى ان وقت الظهر من الزوال إلى أول القدم الثالث فهو في هذه المدة مرخص في اشتغاله بنافلة أو نوم أو شغل

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل في الباب ٩ من أبواب المواقيت.

(٥) ص ٢.

١٣٤

أو نحو ذلك لاتساع الوقت في هذه المدة فإذا كان أول القدم الثالث تعين إيقاع الظهر فيه وليس له سعة في الاشتغال بنافلة ولا غيرها ، وهكذا بالنسبة إلى العصر الى أول القدم الخامس فهو في سعة منها الى الحد المذكور فلو أخرها عن الحد المذكور مختارا كان مضيعا وهو قاض اي آت وفاعل للصلاة بعد الوقت المعين لها اختيارا لا ان المراد بالقضاء فعل الشي‌ء خارج وقته ، وهو مفسر ومبين لجملة من الاخبار المتقدمة وموضح لها ودال بأظهر دلالة على ان الوقت الأول للظهر من الزوال الى مضي القدمين أو الذراع وللعصر الى مضي الأربعة اقدام أو الذراعين وانه مع الاشتغال بالنافلة يزاحم بفريضة الظهر القدم الثالث وبفريضة العصر القدم الخامس وانه بعد ذلك يخرج الوقت الأول لكل منهما ويدخل الوقت الثاني الذي نسبه الى التضييع.

ثم قال (عليه‌السلام): «وقد جاءت أحاديث مختلفة في الأوقات ولكل حديث معنى وتفسير. ان أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة رجل ، قدم وقدمان ، وجاء على النصف من ذلك وهو أحب الي ، وجاء آخر وقتها إذا تم قامتين ، وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل قدمين وآخر وقتها إذا تم أربعة أقدام ، وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل ذراعا وآخر وقتها إذا تم ذراعين ، وجاء لهما جميعا وقت واحد مرسل قوله : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين. وجاء ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر ثم العشاء والعتمة من غير سفر ولا مرض. وجاء ان لكل صلاة وقتين أول وآخر كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما وانما جعل آخر الوقت للمعلول. الى آخره». وهذه الاخبار التي نقلها (عليه‌السلام) كلها تدور على التحديد بالاقدام زيادة ونقيصة وليس في شي‌ء ما يدل على المثل والمثلين كما هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم).

فهذه جملة وافرة من الاخبار التي تضمنت تحديد الوقت بالاقدام والأذرع وهي ظاهرة في ان الفضل في هذا المقدار ولا سيما كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي وان ما خرج

١٣٥

عن هذا المقدار فهو المراد بالوقت الثاني وهو المفضول المعين لأصحاب الاعذار والضرورات

وجملة من الاخبار قد تضمنت التحديد بالنافلة ، ومنها رواية يزيد بن خليفة وقد تقدم الكلام فيها (١).

وما رواه في الكافي عن ذريح في الحسن (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) متى أصلي الظهر؟ قال صل الزوال ثمانية ثم صل الظهر ثم صل سبحتك طالت أو قصرت ثم صل العصر».

وعن عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت».

وعن ابن ابي عمير (٤) قال : «إذا صليت الظهر فقد دخل وقت العصر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت».

وفي الصحيح عن الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم (٥) قالوا : «كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الا أنبئكم بابين من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت». ورواه في التهذيب عن الحارث وعمر ومنصور مثله (٦) وفيه «إليك فإن أنت خفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وان أنت طولت فحين تفرغ من سبحتك».

وروى الشيخ في التهذيب عن الحسن عن عيسى بن ابي منصور (٧) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا زالت الشمس فصليت سبحتك فقد دخل وقت الظهر».

وعن سماعة في الموثق (٨) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا زالت

__________________

(١) ص ١١٥ و ١٢٨.

(٢ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٥ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٥ من المواقيت ، والراوي في كتب الحديث مسمع بن عبد الملك.

١٣٦

الشمس فصل ثماني ركعات ثم صل الفريضة أربعا فإذا فرغت من سبحتك قصرت أو طولت فصل العصر».

وروى في الفقيه (١) قال : «سأل مالك الجهني أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى ما بدا لك».

وروى في التهذيب عن محمد بن احمد بن يحيى (٢) قال : «كتب بعض أصحابنا الى ابي الحسن (عليه‌السلام) روى عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع والذراعين؟ فكتب (عليه‌السلام) لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل العصر».

فهذه جملة من الاخبار المتعلقة بالمسألة وكلها ظاهرة الدلالة متطابقة المقالة في ان فضيلة الظهر والوقت الأول لها من أول الزوال الى انتهاء الاقدام أو الأذرع المذكورة في الاخبار وان الأفضل من ذلك هو تقديم الفريضتين قبل بلوغ ذلك الحد بالإسراع في النافلة لو كان ممن يتنفل كما يدل عليه قوله : (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (٣) قال : «ذكر أبو عبد الله (عليه‌السلام) أول الوقت وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف ما استطعت».

وجملة من أصحابنا ـ كما تقدم في كلام صاحب المدارك ومثله المحدث الكاشاني ـ قد استدلوا على القول المشهور وهو امتداد وقت فضيلة الظهرين بالمثل والمثلين بصحيحتي الاحمدين المتقدمتين بحمل القامة فيهما على قامة الإنسان ومثلهما رواية يزيد بن خليفة

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٥ من المواقيت.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٣ و ١٥ من أبواب المواقيت.

١٣٧

ومحمد بن حكيم المتقدم جميع ذلك ، وهو وان احتمل إلا ان احتمال حمل القامة فيها على الذراع قائم إلا في رواية يزيد بن خليفة كما تقدم. وبالجملة فإني لم أقف للقول بالمثل والمثلين كما هو المشهور على دليل تطمئن به النفس سيما مع ما عرفت من احتمال التقية واشتهار القول بذلك بين العامة فالخروج عن مقتضى هذه الاخبار المستفيضة التي سردناها بمجرد ذلك مشكل.

بقي هنا شيئان يجب التنبيه عليهما في المقام : (أحدهما) ان ظاهر الاخبار المتقدمة مما دل على التحديد بالاقدام والأذرع والاخبار الدالة على التحديد بالنافلة لا يخلو من تدافع ، وذلك فان مقتضى الأخبار الدالة على التحديد بالنافلة هو ان الأفضل إيقاع الفريضة بعد الفراغ من النافلة وان كان قبل بلوغ القدمين والأربعة والذراع والذراعين ومقتضى أخبار الاقدام والأذرع هو تأخير الفريضة إلى تمام القدمين والأربعة والذراع والذراعين وان كان قد فرغ من النافلة قبل ذلك ، والجمع بينهما لا يخلو من الاشكال والقصور إذ كل من اخبار الطرفين ظاهر فيما ذكرنا تمام الظهور.

وظاهر المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى الميل الى العمل باخبار التحديد بالاقدام والأذرع وان الأفضل عنده تأخير الفريضة وان أتم النافلة إلى القدم الثالث والخامس والذراع الثاني والثالث ، قال (عطر الله مرقده) في الكتاب المذكور بعد ذكر الاخبار المشار إليها : إذا تبين ان المراد من التقدير بالذراع والذراعين ما قد علم وكذا من القدمين والأربعة في الخبر الأول فيرد عليهما مع سائر ما في معناهما ان الاخبار الكثيرة المتضمنة لدخول الوقت بزوال الشمس تعارضها وخصوصا حديث محمد بن احمد ابن يحيى السابق حيث نفى فيه اعتبار القدم والقدمين وكذلك الأخبار الدالة على ترجيح أول الوقت مطلقا ، ويجاب بان المراد من الوقت الداخل بزوال الشمس وقت الاجزاء ومما بعد القدمين والأربعة وقت الفضيلة في الجملة وقد وقع التصريح بهذا في بعض الاخبار السابقة ، وإذا ثبت ذلك حملنا الأخبار الواردة برجحان أول الوقت على إرادة الأول

١٣٨

مما بعد وقت الفضيلة لا من ابتداء الوقت ، ويبقى الكلام في الخبر النافي لاعتبار القدم والقدمين وقد ذكر الشيخ (قدس‌سره) انه انما نفى ذلك فيه لئلا يظن انه وقت لا يجوز غيره ، وهو متجه ، ويحتمل ايضا ان يكون واردا على جهة التقية لما هو معروف من حال أكثر أهل الخلاف في إنكار ذلك والعمل بخلافه. انتهى كلامه زيد مقامه.

وبعض أفاضل متأخري المتأخرين قد رجح العمل بالأخبار الأخر الدالة على التحديد بالنافلة وتأول الأخبار الأخر الدالة على التحديد بالاقدام والأذرع فحمل جملة أخبار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الدالة ظاهرا على تأخيره الصلاة الى مضي القدر المذكور في تلك الاخبار على استيعاب الوقت بالنافلة والإطالة فيها لغرض حصول الجماعة أو انه يفرغ قبل ذلك ولكنه ينتظر اجتماع الناس بهذا المقدار أو ينتظر فراغ الجماعة من النوافل بهذا المقدار.

أقول : وعندي في ما ذكره كل من هذين الفاضلين (قدس‌سرهما) نظر ، اما ما ذكره الشيخ حسن فوجه النظر المتطرق اليه ان ما ادعاه ـ من ان الوقت الداخل بالزوال انما هو وقت الاجزاء لا الفضيلة وانما وقت الفضيلة بعد مضي الذراع والذراعين وجملة الأخبار الدالة على رجحان أول الوقت وأفضليته على إرادة الأول مما بعد دخول وقت الفضيلة عنده لا من ابتداء الوقت والزوال ـ مما يجب القطع بفساده :

(أما أولا) فلبعده غاية البعد عن سياق الأخبار الدالة على ان لكل صلاة وقتين وأول الوقتين أفضلهما ، فإنه انما عنى بالوقت الأول للظهرين ما بعد الزوال لا ما بعد الذراع.

و (اما ثانيا) فللأخبار الكثيرة الدالة على استحباب مزاحمة الفريضة للنافلة في الذراع والذراعين ، ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الفرج (١) قال : «كتبت اسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب ان

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٣٩

يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام». وما رواه في الموثق عن ذريح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سأله أناس وانا حاضر فقال إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلا سبحتك تطيلها أو تقصرها. فقال بعض القوم انا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) النصف من ذلك أحب الي». ورواية صفوان الجمال المروية في التهذيب ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ فقال على قدر ثلثي قدم بعد الظهر». الى غير ذلك من الاخبار الدالة على المزاحمة وأفضلية ما قرب من الزوال ، وفي رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ذكر أبو عبد الله (عليه‌السلام) أول الوقت وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف ما استطعت».

و (اما ثالثا) فلما رواه الشيخ في الصحيح الى سعيد بن الحسن (٤) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلهما». ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٥) وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال فما أحب ان يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٧) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٥ و ٨ من أبواب المواقيت.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٩ من المواقيت.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١٤٠