الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار اشترك الوقتان ومعنى ذلك انه يصح ان يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله والظهر مقدمة ثم إذا بقي للغروب مقدار اربع ركعات خرج وقت الظهر وخلص للعصر. قال العلامة في المختلف وعلى هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف.

وكيف كان فالواجب هو بسط الأخبار الواردة في المسألة ونقل ما ذكروه وبيان ما فيه من صحة أو فساد وتحقيق ما هو الحق المطابق للسداد :

فنقول من الاخبار الدالة على ما نسبوه الى الصدوق ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فإذا غابت الشمس فقد دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».

وعن عبيد بن زرارة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت الظهر والعصر فقال إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا إلا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس».

وروى الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (٤) قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها زوال الشمس الى انتصاف الليل : منها ـ صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه ، ومنها ـ صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». وروى العياشي في تفسيره عن عبيد بن زرارة مثله (٥).

وروى الشيخان في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله (عليه

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب المواقيت.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

(٤) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٥) المستدرك الباب ٤ من المواقيت.

١٠١

السلام) (١) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان هذه قبل هذه».

وروى في التهذيب عن الصباح بن سيابة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».

وعن مالك الجهني (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».

وروى في الفقيه (٤) قال : «سأل مالك الجهني أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى ما بدا لك».

وروى في الكافي عن إسماعيل بن مهران (٥) قال : «كتبت الى الرضا (عليه‌السلام) ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا ان هذه قبل هذه في السفر والحضر وإن وقت المغرب الى ربع الليل؟ فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق. الحديث».

وروى في التهذيب عن سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».

وعن منصور بن يونس عن العبد الصالح (عليه‌السلام) (٧) قال : «سمعته يقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».

هذا ما حضرني من الاخبار الدالة على القول المذكور وهي ظاهرة الدلالة متعاضدة المقالة في الاشتراك من أول الوقت الى آخره.

واما ما يدل على القول المشهور مما اشتمل عليه كلامهم في المقام من البحث في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب المواقيت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أبواب المواقيت.

١٠٢

المسألة بإبرام النقض ونقض الإبرام فوجوه :

(الأول) ـ رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي اربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل».

(الثاني) ـ ما ذكره السيد السند في المدارك من انه لا معنى لوقت الفريضة إلا ما جاز إيقاعها فيه ولو على بعض الوجوه ولا ريب ان إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع وكذا مع النسيان على الأظهر لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه وانتفاء ما يدل على الصحة مع المخالفة وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفى كون ذلك وقتا لها ، ثم قال ويؤيده رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا ثم ساق من الرواية ما يتعلق بالظهرين.

(الثالث) ما ذكره في المختلف وملخصه ان القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم لأحد الباطلين اما تكليف ما لا يطاق أو خرق الإجماع فيكون باطلا ، بيان الاستلزام ان التكليف حين الزوال اما ان يقع بالعبادتين معا أو بإحداهما لا بعينها أو بواحدة معينة والثالث خلاف فرض الاشتراك فتعين أحد الأولين ، على ان المعينة ان كانت هي الظهر ثبت المطلوب وان كانت هي العصر لزم خرق الإجماع ، وعلى الاحتمال الأول يلزم تكليف ما لا يطاق وعلى الثاني يلزم خرق الإجماع إذ لا خلاف

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٤ و ١٧ من أبواب المواقيت.

١٠٣

في ان الظهر مرادة بعينها حين الزوال لا لأنها أحد الفعلين.

(الرابع) ـ رواية الحلبي (١) «في من نسي الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس؟ قال (عليه‌السلام) ان كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر وان هو خاف ان تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا». وفي معناها أخبار أخر تأتي ان شاء الله تعالى في موضعها.

(الخامس) ـ ما ذكره المحقق في المعتبر حيث انه نقل عن ابن إدريس انه نقل عن بعض الأصحاب وبعض الكتب انه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر إلا ان هذه قبل هذه ثم أنكره وجعله ضد الصواب ، فاعترضه المحقق وبالغ في إنكار كلامه والتشنيع عليه استنادا الى ما قدمناه من الاخبار ، قال لان ذلك مروي عن الأئمة (عليهم‌السلام) في اخبار متعددة ، على ان فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به فيجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن ، ثم قال ويمكن ان يتأول ذلك من وجوه : (أحدها) ان الحديث تضمن «إلا ان هذه قبل هذه» وذلك يدل على ان المراد بالاشتراك ما بعد وقت الاختصاص (الثاني) انه لما لم يكن للظهر وقت مقدر بل اي وقت فرض وقوعها فيه أمكن فرض وقوعها في ما هو أقل منه حتى لو كانت الظهر تسبيحة كصلاة شدة الخوف كانت العصر بعدها ، ولانه لو ظن الزوال وصلى ثم دخل الوقت قبل إكمالها بلحظة أمكن وقوع العصر في أول الوقت إلا ذلك القدر فلقلة الوقت وعدم ضبطه كان التعبير عنه بما ذكر في الرواية من الخص العبارات وأحسنها (الثالث) ان هذا الإطلاق مقيد برواية داود بن فرقد ، واخبار الأئمة (عليهم‌السلام) وان تعددت في حكم الخبر الواحد. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل بعض الاخبار المتقدمة ما لفظه : وفهم بعض من هذه الاخبار اشتراك الوقتين وبمضمونها عبر ابنا بابويه ونقله المرتضى في الناصرية

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب المواقيت.

١٠٤

عن الأصحاب حيث قال : يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلا ان الظهر قبل العصر ، قال وتحقيقه ، ثم نقل كلام المرتضى كما قدمناه ونقل قول العلامة بعده انه على هذا يزول الخلاف ثم نقل تأويل المحقق الذي ذكرناه وقال بعده : قلت ولانه يطابق مدلول الآية في قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (١) وضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص مع دلالة رواية داود بن فرقد المرسلة ثم ساق الرواية كما قدمناه.

أقول : هذا ما وقفت عليه من كلامهم (رضوان الله عليهم) المتضمن لاستدلالهم على القول المشهور بينهم ، وأنت خبير بما في هذا الكلام كما قدمنا نقله عنهم من الدلالة على شهرة القول بالاشتراك في الصدر الأول استنادا الى هذه الاخبار سيما عبارة المرتضى في الناصرية حيث أسنده إلى أصحابنا وان تأوله بما ذكره.

ولا يخفى عليك ان جميع ما ذكروه في تشييد القول المشهور لا يخلو في نظري القاصر من الضعف والقصور :

أما الرواية فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بقواعدهم واصطلاحاتهم التي بنوا عليها الكلام في جميع الأحكام ان الاستناد الى هذه الرواية غير جيد في المقام لان من قواعدهم تنويع الروايات إلى الأنواع الأربعة المشهورة وطرحهم قسم الضعيف من البين بل الموثق عند جملة منهم ايضا كما لا يخفى وقضية ذلك طرح هذه الرواية لضعفها ، ومن قواعدهم انه متى تعارضت الاخبار عملوا على الصحيح منها ورموا الضعيف أو تأولوه تفاديا من الرمي بالكلية فالتأويل انما يكون في جانب المرجوح فكيف خرجوا عن هاتين القاعدتين في المقام من غير صارف ولا موجب كما لا يخفى على ذوي الأفهام؟

ويمكن الجواب عن الرواية المذكورة بما ذكره بعض المحققين من متأخري المتأخرين من ان المراد بوقت الظهر في قوله : «فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار أربع

__________________

(١) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

١٠٥

ركعات» الوقت المختص بالظهر عند التذكر لا مطلقا وكذا بالنسبة إلى العصر ، قال والإضافة لا تقتضي أكثر من ذلك. وهذا الجواب لا يخلو من بعد إلا انه في مقام الجمع لا بأس به وهو أقرب الى هذا الخبر مما تأولوا به الاخبار المتقدمة الدالة على القول الآخر واما ما ذكره في المدارك فإنه مدخول بأن قضية الاشتراك من أول الوقت على القول به جار على مقتضى الاشتراك المتفق عليه وهو بعد مضي قدر الأربع فبعين ما يقال ثمة يقال في ما نحن فيه ، ولا ريب ان الوقت المتفق على اشتراكه لا يجوز تقديم العصر فيه عمدا فلو قدمها بطلت البتة اما لو قدمها نسيانا أو بناء على انه صلى الظهر فإنها تقع صحيحة اتفاقا فكذا في ما نحن فيه ، فقوله «انه يمتنع وقوع العصر ولو نسيانا» لا يخلو من مصادرة ولهذا ان جملة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف المذكور فروعا : منها ـ ما لو صلى العصر ناسيا في أول الوقت. ومنها ـ لو كان الوقت مشتبها لغيم ونحوه فصلى الظهر والعصر ثم انكشف له ان صلاة العصر كانت في أول الوقت فإنها تصح في الصورتين المذكورتين على قول الصدوق ومن معه وتبطل على المشهور بينهم.

واما ما ذكره في المختلف فإنه مدخول أيضا بأن غاية ما يلزم منه وجوب الإتيان بالظهر دون العصر بالنسبة إلى الذاكر وهو غير مستلزم للاختصاص ، فإن القائل بالاشتراك لا يخالف في ذلك في صورة التذكر وانما مطرح الخلاف ومظهر الفائدة في صورة النسيان والاشتباه كما قدمنا ذكره فإنها تقع صحيحة على هذا القول ، وهذا هو المراد بالاشتراك في الوقت بعين ما قرروه واتفقوا عليه في ما بعد مضي قدر الظهر الى ما قبل قدر العصر من الغروب ، ولو صح ما ذكره للزم ان لا يكون شي‌ء من الوقت مشتركا أصلا لأنه في كل جزء من الوقت ان لم يأت بالظهر سابقا يلزم اختصاصه بالظهر لعين الدليل المذكور وان اتى بها سابقا فالوقت مختص بالعصر ، وهو (قدس‌سره) قد استشعر هذا الجواب عما ذكره حيث انه اعترض على نفسه به ثم أجاب عن ذلك بما ملخصه ان الاشتراك على ما فسرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل ونحن قد بينا عدم تعلق التكليف.

١٠٦

وفيه نظر لأنه ان أراد عدم التكليف مع التذكر فمسلم ولا ضرر فيه ، وان أراد ولو في الصور التي قدمناها فهو ممنوع لأنا لا نسلم عدم تعلق التكليف في ذلك الوقت ولم يلزم ذلك من دليله الذي ذكره فإنه غير آت عليه كما عرفت. وبالجملة فالأمر هنا جار على قياس الوقت المشترك فيه اتفاقا كما ذكرنا.

واما ما ذكره في المعتبر من التأويل لتلك الاخبار فمع الإغماض عما فيه لا ريب انه خروج عن الظاهر وهو انما يكون عند وجود معارض أقوى يجب ترجيحه وتقديمه في العمل ليتجه إرجاع ما سواه اليه ، وما ذكروه من الأدلة في المقام قد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافية ، والاستناد في الاختصاص الى قوله «إلا ان هذه قبل هذه» مردود (أولا) بأن غاية ما تدل عليه هذه العبارة وجوب الترتيب وهو مما لا خلاف فيه إلا انه انما ينصرف الى الذاكر بعين ما قالوا في الوقت الذي اتفقوا على اشتراكه. و (ثانيا) بأنه لو كان ذلك منافيا للاشتراك المطلق للزم اختصاص الوقت بالظهر ما لم يؤدها ولا اختصاص له بمقدار أدائها.

واما ما ذكره في الذكرى من الاستدلال بالآية ففيه ان الآية بالدلالة على خلاف ما رامه أشبه ، ولهذا ان العلامة في المختلف جعلها من أدلة الصدوق على القول بالاشتراك من أول الوقت وذلك لان غاية ما تدل عليه الآية المذكورة التكليف بالصلاتين أو الصلوات الأربع في ذلك الوقت المحدود ولا يلزم من ذلك وجوب الترتيب بل الترتيب انما قام بدليل من الخارج وهو انما ينصرف الى الذاكر كما عرفت فعند عدم التذكر يبقى إطلاق الآية على حاله.

واما ما استدلوا به من رواية الحلبي ونحوها ففيه انه وان اشتهر في كلامهم نسبة القول بالاشتراك من أول الوقت الى آخره الى الصدوق وفرعوا على ذلك جملة من الفروع كما مضى وسيأتي إلا ان معلومية ذلك من كلام الصدوق غير ظاهر حيث انه لم يصرح بهذا القول وانما نسبوه اليه باعتبار نقله جملة من الروايات المتقدمة ، وصريح كلامه بالنسبة إلى آخر الوقت يوافق كلام الأصحاب فإنه قال في باب أحكام السهو في

١٠٧

الصلاة ما صورته : وان نسيت الظهر والعصر ثم ذكرتهما عند غروب الشمس فصل الظهر ثم صل العصر ان كنت لا تخاف فوت إحداهما وان خفت ان تفوتك إحداهما فابدأ بالعصر ولا تأخرها فيكون قد فاتتاك جميعا ثم صل الاولى بعد ذلك على أثرها. انتهى وحينئذ فالخلاف لو سلم انما هو في أول الوقت خاصة. بقي الكلام بالنسبة الى من نقل عنه القول بذلك غيره فهل هو على حسب ما ذكرناه عن الصدوق أو مطلقا؟ كل محتمل.

نعم يبقى الإشكال في الاخبار حيث ان ظاهر الاخبار التي قدمناها امتداد الاشتراك الى آخر الوقت وبموجبه انه لو لم يبق من الوقت إلا بقدر اربع ركعات فإنه يختص بالظهر ورواية الحلبي المذكورة ونحوها تدفعه ، وربما صارت هذه الاخبار قرينة على ارتكاب التأويل في أول الوقت في تلك الأخبار الدالة على الاشتراك مطلقا فإنها وان كانت لا معارض لها بالنسبة إلى أول الوقت إلا ان المعارض بالنسبة الى آخره موجود كما عرفت.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال فإن الخروج عما عليه جل الأصحاب مع تأيده بما عرفت مشكل والقول بتخصيص الاشتراك بأول الوقت دون آخره كما هو المفهوم من الاخبار بالتقريب الذي ذكرناه مع عدم ذهاب أحد إليه فيما اعلم أشكل والاحتياط بحمد الله سبحانه واضح.

(تنبيه) اعلم ان جماعة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف المتقدم في المسألة فروعا : (منها) ـ ما قدمناه من صلاة العصر في الوقت المختص بالظهر ساهيا وما لو صلى الظهرين بناء على ظن دخول الوقت ثم ظهر وقوع العصر في الوقت المختص بالظهر ، فعلى القول بالاشتراك تصح العصر ويصلي الظهر بعدها لان غايته الإخلال بواجب وهو الترتيب سهوا أو بناء على ما جوزه الشارع من العمل بالظن ولا ضير فيه ، وعلى القول بالاختصاص تبطل العصر ويجب أداؤها بعد الظهر.

و (منها) ـ ان من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء العصر فإنه يتعين عليه

١٠٨

الإتيان بالعصر فلو صلى ثم تبين الخطأ ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة مثلا فحينئذ يجب عليه الإتيان بالظهر أداء على القول بالاشتراك حسب ، كذا ذكره بعض الأصحاب ولا يخلو من شوب الارتياب فان من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء أربع ركعات أو تيقن ذلك فإنه على القول بالاشتراك فالواجب عليه الإتيان بالظهر لقولهم (عليهم‌السلام) «إلا ان هذه قبل هذه» واما على القول بالاختصاص فالواجب الإتيان بالعصر كما دلت عليه رواية الحلبي المتقدمة ، وكذا لو لم يبق من الوقت إلا بقدر أداء ركعة فإنها تختص بالظهر أداء على القول بالاشتراك وبالعصر على القول بالاختصاص.

و (منها) ـ ان من أدرك أربع ركعات من آخر وقت العشاءين فإنه يجب عليه الإتيان بالمغرب أولا ثم العشاء وان لم يدرك منها إلا ركعة على القول بالاشتراك وتتعين العشاء على القول بالاختصاص.

و (منها) ـ ان من صلى الظهر ظانا سعة الوقت ثم تبين الخطأ ووقوعها في الوقت المختص بالعصر على القول المشهور فإنه يجب قضاء العصر خاصة على القول بالاشتراك وقضاؤهما معا بناء على الاختصاص. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت الظهر زوال الشمس الذي هو عبارة عن ميلها وانحرافها عن دائرة نصف النهار وقد نقل الإجماع على ذلك في المعتبر والمنتهى ، والأصل فيه الآية والأخبار قال الله عزوجل «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (١) والدلوك هو الزوال كما نص عليه أهل اللغة ودل عليه صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «قال الله عزوجل لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (٣) ودلوكها زوالها. الحديث». وقد تقدم بتمامه مع البحث في ذيله عن معناه منقحا في فصول المقدمة الاولى (٤) وروى

__________________

(١ و ٣) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٤) ص ٢٠.

١٠٩

الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».

الى غير ذلك من الأخبار المستفيضة التي تقدم كثير منها في سابق هذه المسألة وربما يتوهم دلالة بعض الأخبار على ما ينافي ذلك كصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت الظهر قال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول». وعن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت». ونحوهما غيرهما ، فإنها محمولة على وقت المتنفل والوقت الأول لغيره كما سيأتي توضيحه ان شاء الله تعالى في محله مفصلا ، وبالجملة فالتحديد بالزوال لاولية وقت الظهر مما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى.

وانما الخلاف بينهم في آخر وقتها وقد اختلفت فيه أقوالهم ، قال العلامة في المختلف : اختلف علماؤنا في آخر وقت الظهر فقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى مقدار صلاة أربع ركعات اشتركت الصلاتان الظهر والعصر في الوقت الى ان يبقى الى مغيب الشمس مقدار اربع ركعات فيخرج وقت الظهر ويبقى وقت العصر وبالغروب ينقضي وقت العصر وهو اختيار ابن الجنيد وسلار وابن إدريس وابن زهرة ، وقال الشيخ في المبسوط إذا زالت الشمس دخل وقت الفريضة ويختص به مقدار ما يصلى فيه اربع ركعات ثم يشترك الوقت بعده بينه وبين العصر الى ان يصير ظل كل شي‌ء مثله ، وروى حتى يصير الظل أربعة أقدام وهو أربعة أسباع الشاخص المنتصب ثم يختص بعد ذلك بوقت العصر الى ان يصير ظل كل شي‌ء مثليه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب المواقيت.

(٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١١٠

فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر ، هذا وقت الاختيار واما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه الى ان يبقى من النهار مقدار ما يصلى فيه اربع ركعات فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر الى ان تغرب الشمس ، وفي أصحابنا من قال ان هذا ايضا وقت الاختيار الا ان الأول أفضل ، وافتى في الخلاف بمثل ذلك وكذلك في الجمل ، وقال في النهاية آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس على أربعة أقدام ، وقال في الاقتصاد آخره إذا زاد الفي‌ء أربعة أسباع الشاخص أو يصير ظل كل شي‌ء مثله وهو اختياره في المصباح وقال في عمل يوم وليلة إذا زاد الفي‌ء أربعة أسباع الشاخص ، وقد جعل في المبسوط أربعة أسباع الشاخص رواية ولم يتعرض لهذه الرواية في الخلاف والجمل وافتى في النهاية وعمل يوم وليلة بهذه الرواية ولم يتعرض للظل المماثل وافتى في الاقتصاد بأحدهما لا بعينه وقال المفيد وقت الظهر بعد زوال الشمس الى ان يرجع الفي‌ء سبعي الشاخص. وقال ابن ابي عقيل أول وقت الظهر زوال الشمس الى ان ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين من ظل قامته بعد الزوال فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر ، مع انه حكم ان الوقت الآخر لذوي الأعذار فإن أخر المختار الصلاة من غير عذر الى آخر الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عند آل محمد (عليهم‌السلام) إذا صلاها في آخر وقتها قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. وقال ابن البراج آخر الوقت ان يصير ظل كل شي‌ء مثله ، وقال أبو الصلاح آخر وقت المختار الأفضل ان يبلغ الظل سبعي القائم وآخر وقت الاجزاء ان يبلغ الظل أربعة أسباعه وآخر وقت المضطر ان يصير الظل مثله. وللشيخ في التهذيب قول آخر وهو ان وقت الظهر أربعة أقدام وهي أربعة أسباع الشاخص وبه قال السيد المرتضى في المصباح. ثم قال في المختلف ، والذي نذهب اليه نحن ما اختاره السيد المرتضى أولا.

أقول : وما ذهب اليه (قدس‌سره) هو المشهور بين المتأخرين ومتأخريهم واستدلوا عليه كما ذكره العلامة في المختلف والسيد في المدارك وغيرهما بقوله عزوجل

١١١

«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (١) والمعنى ـ والله اعلم ـ أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس ممتدا ذلك الى غسق الليل فتكون أوقاتها موسعة ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ففي ما بين الزوال الى غسق الليل اربع صلوات سماهن وبينهن ووقتهن».

وقال في المدارك ومقتضى ذلك امتداد وقت الظهرين أو العصر خاصة إلى الغروب ليتحقق كون الوقت المذكور ظرفا للصلوات الأربع بمعنى ان كل جزء من اجزائه ظرف لشي‌ء منها. وقال في المنتهى وكل من قال بان وقت العصر يمتد الى غروب الشمس فهو قائل بامتداد الظهر الى ما قبل ذلك. ثم روى في المدارك عن احمد بن محمد ابن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الضحاك بن زيد عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (٤) قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل : منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه ، ومنها ـ صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». قال : وليس في طريق هذه الرواية من قد يتوقف في شأنه إلا الضحاك بن زيد فإنه غير مذكور في كتب الرجال بهذا العنوان لكن الظاهر انه أبو مالك الثقة كما يستفاد من النجاشي فيكون السند صحيحا ومتنها صريح في المطلوب ، ثم قال في المدارك ويشهد لهذا القول ايضا روايتا داود بن فرقد والحلبي المتقدمتان ورواية زرارة (٥) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) أحب الوقت الى الله عزوجل حين يدخل وقت

__________________

(١ و ٤) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب المواقيت.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

١١٢

الصلاة فصل الفريضة فان لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس». ثم نقل موثقة عبد الله بن سنان (١) الدالة على ان الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت في آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء ثم صحيحة زرارة (٢) الدالة على ان من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وان الوقت وقتان والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وربما أخر. الحديث ، الى ان قال : واما انتهاء وقت الفضيلة بصيرورة ظل كل شي‌ء مثله فيدل عليه صحيحة أحمد بن عمر عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن وقت الظهر والعصر فقال وقت الظهر إذا زالت الشمس الى ان يذهب الظل قامة ووقت العصر قامة ونصف الى قامتين». وصحيحة أحمد بن محمد (٤) قال : «سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر». قال وانما حملناهما على وقت الفضيلة لأن اجراءهما على ظاهرهما اعني كون ذلك آخر الوقت مطلقا ممتنع إجماعا فلا بد من حملهما اما على وقت الفضيلة أو الاختيار ولا ريب في رجحان الأول لمطابقته لظاهر القرآن ولصراحة الأخبار المتقدمة في امتداد وقت الاجزاء الى الغروب ولقوله (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (٥) «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما». انتهى.

أقول وبه سبحانه الثقة لإدراك المأمول ـ : انا قدمنا البحث في المقام بما أزال عنه غشاوة اللبس والإبهام ونقول هنا أيضا في الكلام على كلامه (قدس‌سره) في هذا المقام ان فيه نظرا من وجوه :

(أحدها) انه لا مدفع لدلالة الآية والاخبار المذكورة على الامتداد في الجملة وكون

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٤٩ من أبواب الحيض.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٨ من صلاة الجمعة.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب المواقيت.

١١٣

ذلك وقتا في الجملة إنما البحث في تخصيص ذوي الأعذار به أو عمومه لهم ولذوي الاختيار وهذه الأدلة كلها لا تصريح ولا ظاهرية فيها بكون الامتداد الى الغروب والى الانتصاف وقتا للمختار كما هو المطلوب بالاستدلال وانما تدل على كونه وقتا في الجملة ويكفي في صدقه كونه وقتا لذوي الاعذار والاضطرار ، ومما يؤيد ما ذكرنا ما صرح به شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين حيث نقل عن العلامة الاحتجاج للقول المشهور بالآية وانها تدل على التخيير في إيقاع الصلاة بين هذين الوقتين ، ثم قال (قدس‌سره) واما الآية فلا تدل على ان ما بين الدلوك والغسق وقت للمختار وانما تدل على ان ما بينهما وقت في الجملة وهذا لا ينافي كون البعض وقتا للمختار والبعض الآخر وقتا للمعذور. انتهى. وقد وفق الله سبحانه للاطلاع عليه بعد خطور ما ذكرناه بالبال أولا فهو من قبيل توارد الخاطر.

و (ثانيها) ـ ان ما ذكره (قدس‌سره) في الرواية المشتملة على الضحاك بن زيد ـ من ان الظاهر انه أبو مالك الثقة كما يستفاد من النجاشي فيكون السند صحيحا لا اعرف له وجه استقامة ولا لهذه الظاهرية وجه ظهور ، فان مجرد ذكر النجاشي للضحاك وانه أبو مالك الحضرمي وانه ثقة لا يقتضي حمله على الرجل المذكور في الرواية المعبر عنه بالضحاك بن زيد ، ومجرد الاشتراك في الاسم أو الطبقة لا يقتضي حمل أحدهما على الآخر ، والذي يستفاد من النجاشي توثيق الرجل الذي ذكره واما كونه هو هذا المذكور في الخبر فلا يستفاد من كلامه بوجه من الوجوه ، وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من عجب من مثله كما ترى ، وأعجب من ذلك قوله ايضا «ومتنها صريح في المطلوب» وأي صراحة في الدلالة على الامتداد بالنسبة إلى المختار كما هو المدعى ومحل البحث؟ وانما غايتها ـ كما عرفت ـ الدلالة على ما دلت عليه الآية والاخبار الباقية من كونه وقتا في الجملة.

و (ثالثها) ـ قوله بعد ذكر صحيحتي الاحمدين الدالتين على التحديد بالقامة والقامتين من ان الأظهر حملهما على الفضيلة دون الاختيار لظاهر القرآن وصراحة

١١٤

الأخبار المتقدمة في امتداد وقت الاجزاء الى الغروب ، فان فيه انه لا ريب ان هاتين الصحيحتين من جملة الصحاح التي أشرنا سابقا الى دلالتها على ما اخترناه من ان الوقت الأول هو الوقت الأصلي لجملة الفرائض وان الثاني انما وقع رخصة لذوي الاعذار والاضطرار وان من أخر اليه مختارا فهو مستحق للمؤاخذة إلا ان يعفو الله عزوجل.

ومنها ـ زيادة على الخبرين المذكورين ما رواه في الكافي عن يزيد بن خليفة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا لا يكذب علينا. قلت ذكر انك قلت ان أول صلاة افترضها الله عزوجل على نبيه الظهر وهو قول الله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (٢) فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر الى ان يصير الظل قامة وهو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء؟ قال صدق». وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن حكيم (٣) قال : «سمعت العبد الصالح (عليه‌السلام) وهو يقول ان أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان. قلت في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم». ومنها ـ موثقة معاوية بن وهب المتقدمة (٤) في المسألة الأولى الدالة على نزول جبرئيل بالأوقات على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). إلا انه يبقى الإشكال في هذه الاخبار من حيث الدلالة على امتداد الفضيلة أو الاختيار إلى صيرورة ظل كل شي‌ء مثله فإنه مبني على حمل القامة على قامة الإنسان ، وفيه ما سيأتي تحقيقه في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.

واما ما ذكره هنا من حمل هذا الوقت على وقت الفضيلة فقد عرفت انه مجرد دعوى لا دليل عليها واستنادهم الى الآية والاخبار قد عرفت ما فيه إذ محل البحث في المسألة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من المواقيت.

(٢) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٤) ص ٩٤.

١١٥

وقت المختار ولا دلالة في الآية عليه ولا في شي‌ء من تلك الاخبار ، وبالجملة فإنا لا نمنع دلالة الآية وهذه الاخبار على انه وقت في الجملة واما كونه وقتا للمختار كما هو المدعى فلا فإن قضية الجمع بينها وبين ما قدمناه من الأخبار الدالة على كون الوقت الثاني انما هو لذوي الاعذار وانه بالنسبة إلى غيرهم تضييع وانه موجب لوقوف عمله عن القبول وبقائه تحت المشيئة هو حمل هذه الأخبار على ما ذكرناه ، واما على ما ذهبوا إليه فإنه لا مناص لهم عن طرح تلك الاخبار مع ما هي عليه من الاستفاضة والكثرة والصحة في كثير منها والصراحة.

ومما يزيدها تأكيدا زيادة على ما قدمناه ما رواه الصدوق في كتاب العيون عن الرضا (عليه‌السلام) وفي كتاب المجالس وثواب الأعمال عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) قال : «لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ـ وفي بعضها هائبا لابن آدم ذعرا منه ـ ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه وأوقعه في العظائم». وروى في كتاب العيون عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تضيعوا صلاتكم فان من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقا على الله تعالى ان يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وسنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». وروى الصدوق في كتاب المجالس بسند صحيح عن خالد بن جرير عن ابي الربيع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا ينال شفاعتي غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها». وروى في الخصال عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ليس عمل أحب الى الله عزوجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شي‌ء من أمور الدنيا فان الله عزوجل ذم أقواما فقال : الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها». وروى

__________________

(١ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب المواقيت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أعداد الفرائض.

(٥) سورة الماعون ، الآية ٤ و ٥.

١١٦

الطبرسي في مجمع البيان عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «هذه الفريضة من صلاها لوقتها عارفا بحقها لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له بها براءة لا يعذبه ومن صلاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها فان ذلك اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه». وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم (٢) في تفسير قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» (٣) قال : عنى به تاركون لان كل أحد يسهو في الصلاة. وعن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر». وفي كتاب المجمع هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها عن ابن عباس وروى ذلك مرفوعا. وفي تفسير العياشي في تفسير الآية المذكورة عن يونس بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» أهي وسوسة الشيطان؟ قال لا كل أحد يصيبه هذا ولكن ان يغفلها ويدع ان يصلي في أول وقتها». وعن أبي أسامة زيد الشحام (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال هو الترك لها والتواني عنها». وعن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٦) «هو التضييع لها».

أقول : انظر أيدك الله تعالى بعين الاعتبار في هذه الاخبار وأمثالها مما قدمناه مما هو صريح الدلالة واضح المقالة في ان التأخير عن الوقت الأول تضييع وان المراد بالوقت في جميع هذه الاخبار السابقة واللاحقة هو الوقت الأول فربما أطلق في بعضها وربما قيد بأول الوقت من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف اي الوقت الأول وان التأخير عنه تضييع للصلاة غير مستحق للقبول بل مستحق للعقاب والحشر مع قارون وهامان وانه لا تناله الشفاعة إلا ان يعفو الله بكرمه ، وكيف يلائم هذا كله القول بأنه وقت شرعي للمختار يجوز له التأخير إليه في حال الاختيار؟

__________________

(١ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب المواقيت.

(٢) ص ٧٤٠.

(٣) سورة الماعون ، الآية ٤ و ٥.

١١٧

و (رابعها) ـ ان ما ادعاه ـ من صراحة الأخبار المتقدمة وامتداد وقت الاجزاء ـ ففيه ان تلك الاخبار لم يصرح في شي‌ء منها بكونه وقت اجزاء ولا غيره وهذه التسمية إنما وقعت في كلامهم باعتبار حملهم الوقت الأول على وقت الفضيلة فسموا الوقت الثاني وقت اجزاء. وغاية ما دلت عليه الأخبار المتقدمة ان الوقت يمتد الى غروب الشمس لقوله (عليه‌السلام) في بعضها (١) «أنت في وقت حتى تغيب الشمس». ولكن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على التحديد بالقامة والقامتين يدل على ان ما بعد القامة في الظهر والقامتين في العصر وقت مرجوح مفضول ليس كالوقت الأول إلا انهم سموه باعتبار حملهم اخبار القامة والقامتين على الفضيلة وقت اجزاء والآخرون خصوه بأصحاب الضرورات والاعذار وان أسقط القضاء عن غيرهم أيضا إلا انه على الحال التي عرفت من الأخبار المتقدمة. وهذا هو الأرجح والأظهر للأخبار المذكورة كما عرفت.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من الأصحاب قد نقلوا عن الشيخ في الخلاف الاحتجاج على ما ذهب اليه من انتهاء وقت الاختيار بصيروة ظل كل شي‌ء مثله بأن الإجماع منعقد على ان ذلك وقت للظهر وليس على ما زاد عليه دليل ، وبما رواه عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد ذلك قال لعمر وبن سعيد بن هلال ان زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر». وبصحيحتي أحمد بن عمر واحمد بن محمد المتقدمتين.

وأجاب عن ذلك في المدارك قال : والجواب عن الأول انا قد بينا الدلالة

__________________

(١) كما في الحديث رقم «٥» ورقم «٢٢» من الباب ٤ من مواقيت الوسائل.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١١٨

على كون الزائد وقتا للظهر وعن الرواية الأولى بمنع الدلالة على المدعى بل هي بالدلالة على نقيضه أشبه لأن أمره (عليه‌السلام) بالصلاة بعد المثل يدل على عدم خروجه به. وعن الروايتين الأخيرتين بالحمل على وقت الفضيلة كما بيناه. انتهى.

وفيه ما عرفت ونزيده هنا ان الشيخ (قدس‌سره) انما احتج هنا على انتهاء وقت الاختيار لا انتهاء الوقت مطلقا والذي أشار إليه من الأدلة ليس فيها ما يدل على كون الزائد وقتا للمختار وانما غايتها ـ كما عرفت ـ الدلالة على كونه وقتا في الجملة فكلام الشيخ في محله لا يندفع بما ذكره. واما استدلال الشيخ برواية زرارة فهو ليس في محله والظاهر حملها على الإبراد المأمور به كما سيأتي ان شاء الله تعالى في موضعه. واما الصحيحان الآخران فهما من أوضح الأدلة على ما ادعاه والحمل على وقت الفضيلة قد عرفت ما فيه.

واما ما افتى به الشيخ في بعض كتبه ونسبه الى الرواية في بعض آخر ـ من انتهاء الوقت بأربعة أقدام وهو أربعة أسباع الشاخص لمن لا عذر له واما من له عذر فهو في فسحة إلى آخر النهار ـ فاستدل عليه في التهذيب بما رواه عن إبراهيم الكرخي (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) متى يدخل وقت الظهر؟ قال إذا زالت الشمس. فقلت متى يخرج وقتها؟ فقال من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ان وقت الظهر ضيق ليس كغيره. قلت فمتى يدخل وقت العصر؟ قال ان آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر. قلت فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له لو ان رجلا صلى الظهر من بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه كما لو ان رجلا أخر العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب المواقيت.

١١٩

من غير علة لم تقبل منه». وعن الفضل بن يونس (١) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصل إلا العصر لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم.».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : والجواب عن الروايتين بالطعن في السند (أما الأولى) فبجهالة إبراهيم الكرخي مع ان فيها ما أجمع الأصحاب على خلافه وهو قوله «ان آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر» ومن المعلوم ان أوله عند الفراغ منها لا بعد مضى أربعة أقدام. و (اما الثانية) فبالفضل بن يونس فإنه واقفي مع انها معارضة بموثقة عبد الله بن سنان المتقدمة عن الصادق (عليه‌السلام) وهي أوضح سندا من هذه الرواية إذ ليس في طريقها من يتوقف فيه الا على بن الحسن بن فضال وقال النجاشي في تعريفه انه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه فإنه سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه. انتهى.

أقول : اما الطعن في السند فقد عرفت في غير موضع مما تقدم انه لا يقوم حجة على المتقدمين ولا على من لا يرى هذا الاصطلاح. واما ما طعن به في متنها من دلالتها على ان أول وقت العصر هو آخر وقت الظهر والحال ان أول وقتها انما هو الفراغ من الظهر فيمكن الجواب عنه بان المراد بالوقت هنا هو أول وقت الفضيلة كما ذهب إليه جملة من الأصحاب من استحباب تأخير العصر الى بعد مضى المثل أو الإقدام كما سيأتي نقله عن الشيخ المفيد وابن الجنيد في المسألة الآتية لا ان المراد الوقت الحقيقي ، ومثل ذلك أيضا يأتي ان شاء الله تعالى في أول وقت العشاء فان الشيخين ذهبا إلى انه انما يدخل بذهاب الحمرة المغربية وعليه يدل بعض النصوص والأصحاب حملوها على أول وقت الفضيلة ، فليكن ما اشتمل عليه هذا الخبر من ذلك القبيل وبه يندفع الطعن المذكور.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٩ من أبواب الحيض.

١٢٠