الحدائق الناضرة - ج ٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

يوما وليس عندك شي‌ء فاستقرض على الله». وروى فيهما عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فلا يترك عانته فوق أربعين يوما ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تدع ذلك منها فوق عشرين يوما». وروى في الكافي عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة (٢) قال : «دخلت مع ابي بصير الحمام فنظرت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) قد اطلى إبطيه بالنورة قال فخبرت أبا بصير فقال أرشدني إليه لأسأله عنه فقلت قد رأيته أنا فقال أنت رأيته وانا لم أره أرشدني إليه قال فأرشدته إليه فقال له جعلت فداك أخبرني قائدي أنك اطليت وطليت إبطيك بالنورة فقال نعم يا أبا محمد ان نتف الإبطين يضعف البصر اطل يا أبا محمد فإنه طهور فقال اطليت منذ أيام فقال اطل فإنه طهور». وروى في الكافي عن ابن ابي يعفور (٣) قال : «كنا بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه فقلت حلقه أفضل وقال زرارة نتفه أفضل فاستأذنا على ابي عبد الله (عليه‌السلام) في الحمام فاذن لنا وهو في الحمام يطلي وقد اطلى إبطيه فقلت لزرارة يكفيك فقال لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي ان أفعله فقال فيما أنتما؟ فقلت ان زرارة لاحاني في نتف الإبط وحلقه فقلت حلقه أفضل وقال زرارة نتفه أفضل فقال أصبت السنة وأخطأها زرارة ان حلقه أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه. ثم قال لنا اطليا فقلنا فعلنا منذ ثلاث فقال (عليه‌السلام) أعيدا فإن الإطلاء طهور».

بيان : المفهوم من هذه الاخبار استحباب النورة وانه لا حد لها في جانب القلة من الأيام لما علل به في هذه الاخبار من انها طهور واما في جانب الكثرة فخمسه عشر يوما فإنها غاية الترك لها وقوله (عليه‌السلام) فيما تقدم «السنة في النورة في كل خمسة عشر يوما» يعني نهايتها هذه المدة لا انها ليست بسنة قبلها وكذا قوله (عليه‌السلام) «أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما» اي لا يترك زيادة على ذلك ، ولهذا

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨٦ من آداب الحمام.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٨٥ من آداب الحمام.

٥٤١

امره بالاستقراض على الله سبحانه لو أتت عليه عشرون يوما وليس عنده شي‌ء ، وبالغ في الإنكار على الرجل إذا اتى عليه أربعون يوما والمرأة إذا أتت عليها عشرون يوما ، وبذلك يظهر ما في كلام بعضهم من توظيف الاستحباب بالخمسة عشر يوما بمعنى انها لا تكون مستحبة قبل ذلك كما يعطيه ظاهر كلامه فإنه غفلة ظاهرة عن ملاحظة هذه الاخبار

وروى في الكافي والفقيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لا يطولن أحدكم شعر إبطيه فإن الشيطان يتخذه مخبأ يستتر به».

وروى في الكافي عن حذيفة بن منصور (٢) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يطلي العانة وما تحت الأليين في كل جمعة». أقول : يحتمل ان يراد بالجمعة اليوم المخصوص وان يراد به الأسبوع فإنه يطلق عليه في الاخبار ايضا.

وروى في الكافي عن السياري رفعه (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من أراد الإطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه وجعل على طرف انفه وقال صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة لم تحرقه النورة». وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) من أراد ان يتنور فليأخذ من النورة ويجعله على طرف انفه ويقول اللهم ارحم سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة فإنه لا تحرقه النورة ان شاء الله تعالى».

وعن سدير (٥) «انه سمع علي بن الحسين (عليهما‌السلام) يقول من قال إذا اطلى بالنورة اللهم طيب ما طهر مني وطهر ما طاب مني وأبدلني شعرا طاهرا لا يعصيك

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨٤ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من صلاة الجمعة.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من آداب الحمام.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من آداب الحمام.

٥٤٢

اللهم اني تطهرت ابتغاء سنة المرسلين وابتغاء رضوانك ومغفرتك فحرم شعري وبشري على النار وطهر خلقي وطيب خلقي وزك عملي واجعلني ممن يلقاك على الحنيفية السمحة ملة إبراهيم خليلك ودين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حبيبك ورسولك عاملا بشرائعك تابعا لسنة نبيك آخذا به متأدبا بحسن تأديبك وتأديب رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتأديب أوليائك الذين غذوتهم بأدبك ووزعت الحكمة في صدورهم وجعلتهم معادن لعلمك صلواتك عليهم من قال ذلك طهره الله عزوجل من الأدناس في الدنيا ومن الذنوب وأبدله شعرا لا يعصى وخلق الله بكل شعرة من جسده ملكا يسبح له الى ان تقوم الساعة ، وان تسبيحة من تسبيحهم تعدل ألف تسبيحة من تسبيح أهل الأرض».

وروى في الكافي عن البرقي رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قيل له يزعم الناس ان النورة يوم الجمعة مكروهة؟ فقال ليس حيث ذهبت اي طهور اطهر من النورة يوم الجمعة». وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ينبغي للرجل ان يتوقى النورة يوم الأربعاء فإنه يوم نحس مستمر ويجوز النورة في سائر الأيام». بيان : يفهم من هذا الخبر ان يوم الأربعاء حيث كان من الشهر نحس لا خصوصية له بالأخير من الشهر أو الأول منه كما هو المشهور ، وقال في الفقيه : وروى انها في يوم الجمعة تورث البرص. وروى فيه عن الريان بن الصلت عن من أخبره عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «من تنور يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه».

بيان : قال في الوافي بعد ذكر مرفوعة البرقي أولا ثم الروايتين الأخيرتين ثانيا : يمكن الجمع بين الخبرين بان يحمل هذا الخبر على انه من تنور يوم الجمعة معتقدا انه يورث البرص كما يزعمه الناس بزعمهم الفاسد فاصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه وذلك لان التطير مؤثر في نفس المتطير. أقول : بل الظاهر حمل هذا الخبر على التقية لموافقته لما

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من صلاة الجمعة.

٥٤٣

نقله في الخبر الأول عن الناس الذين هم العامة كما لا يخفى.

(فصل) ـ روى المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بأسانيدهم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص والجنون». وروى الشيخان في الكافي والفقيه بسنديهما عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٢) قال : «غسل الرأس بالخطمي يذهب الدرن وينفي الأقذار». أقول : وفي بعض النسخ «ينقى» بالقاف وفي الفقيه «الأقذاء» بالهمزة في آخره جمع قذى مقصورا وهو يقال لما يقع في العين وان أطلق على غيره مجازا. وروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من أخذ من شاربه وقلم أظفاره وغسل رأسه بالخطمي في يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة». وعن سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «تقليم الأظفار والأخذ من الشارب وغسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ويزيد في الرزق». وقال في الفقيه (٥) قال الصادق (عليه‌السلام) «غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ويزيد في الرزق».

وروى في الكافي عن منصور بزرج (٦) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق جلبا». ورواه في الفقيه مرسلا (٧) وروى في الكافي عن محمد بن الحسين العلوي عن أبيه عن جده عن علي (عليه‌السلام) (٨) قال : «لما أمر الله عزوجل رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بإظهار الإسلام وظهر الوحي رأى قلة من المسلمين وكثرة من المشركين فاهتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هما شديدا فبعث الله إليه جبرئيل بسدر من سدرة المنتهى فغسل

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من صلاة الجمعة.

(٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٥ من آداب الحمام.

(٥) ج ١ ص ٧١ وفي الوسائل في الباب ٢٥ من آداب الحمام.

(٦ و ٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ من آداب الحمام.

٥٤٤

به رأسه فجلا به همه». ونحوه روى في الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) مرسلا (١) وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) اغسلوا رؤوسكم بورق السدر فإنه قدسه كل ملك مقرب وكل نبي مرسل ، ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص الله ومن لم يعص الله دخل الجنة».

(فصل) روى ثقة الإسلام في الكافي عن إسحاق بن عبد العزيز (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن التدلك بالدقيق بعد النورة؟ فقال لا بأس قلت يزعمون أنه إسراف؟ فقال ليس فيما أصلح البدن إسراف واني ربما أمرت بالنقي فيلت بالزيت فأتدلك به انما الإسراف فيما أتلف المال وأضر بالبدن». بيان : قال في الوافي النقي بالكسر المخ من العظام في غير الرأس ويقال قرصة النقي للخبز الأبيض الذي نخل حنطته مرة بعد اخرى ولعل المراد به هنا الحنطة المنخولة ناعما ، وكانوا يتدلكون بالنخالة بعد النورة ليقطع ريحها.

وروى في التهذيب عن إسحاق بن عبد العزيز عن رجل ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له انا نكون في طريق مكة نريد الإحرام ولا يكون معنا نخالة نتدلك بها من النورة فنتدلك بالدقيق فيدخلني من ذلك ما الله به عليهم؟ قال مخافة الإسراف؟ فقلت نعم. فقال ليس فيما يصلح البدن إسراف. الحديث».

وروى في الكافي عن هشام بن الحكم عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل يطلي ويتدلك بالزيت والدقيق؟ قال لا بأس به».

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٧٠ و ٧٢ وكذا في الوافي ج ٤ ص ٩٥ وفي الوسائل في الباب ٢٦ من آداب الحمام لم يسنده الى أمير المؤمنين (ع).

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ من آداب الحمام.

(٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من آداب الحمام.

٥٤٥

وعن ابان بن تغلب (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انا لنسافر ولا يكون معنا نخالة فنتدلك بالدقيق؟ فقال لا بأس إنما الفساد فيما أضر بالبدن وأتلف المال فاما ما أصلح البدن فإنه ليس بفساد اني ربما أمرت غلامي فلت لي النقي بالزيت ثم أتدلك به».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت يلته به يتمسح به بعد النورة ليقطع ريحها؟ قال لا بأس». قال في الكافي (٣) وفي حديث آخر لعبد الرحمن قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) وقد تدلك بدقيق ملتوت بالزيت فقلت له ان الناس يكرهون ذلك؟ قال لا بأس به».

وروى في التهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدقيق يتوضأ به؟ قال لا بأس بأن يتوضأ به وينتفع به». يعني ينظف به البدن من التوضؤ بمعنى التنظيف والتحسين.

وروى في الكافي عن الحسين بن موسى (٥) قال : «كان ابي موسى بن جعفر (عليه‌السلام) إذا أراد الدخول الى الحمام أمران يوقد له عليه ثلاثا وكان لا يمكنه دخوله حتى يدخله السودان فيلقون له اللبود فإذا دخل فمرة قاعد ومرة قائم فخرج يوما من الحمام فاستقبله رجل من آل الزبير يقال له لبيد وبيده اثر حناء فقال له ما هذا الأثر بيدك؟ فقال اثر حناء. فقال ويلك يا لبيد حدثني ابي وكان أعلم أهل زمانه عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من دخل الحمام فاطلى ثم اتبعه بالحناء من قرنه الى قدمه كان أمانا له من الجنون والجذام والبرص والأكلة إلى مثله من النورة».

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من آداب الحمام.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التيمم.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ و ٢٦ من آداب الحمام.

٥٤٦

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من اطلى واختضب بالحناء آمنه الله عزوجل من ثلاث خصال : الجذام والبرص والأكلة إلى طلية مثلها».

وروى في الكافي عن الحسين بن موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان أبو الحسن (عليه‌السلام) مع رجل عند قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فنظر اليه وقد أخذ الحناء من يديه فقال بعض أهل المدينة إلا ترون الى هذا كيف قد أخذ الحناء من يديه فالتفت اليه فقال فيه ما تخبره وما لا تخبره ثم التفت الي فقال انه من أخذ الحناء بعد فراغه من النورة من قرنه الى قدمه أمن من الأدواء الثلاثة الجنون والجذام والبرص».

وعن الحكم بن عيينة (٣) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وقد أخذ الحناء وجعله على أظافيره فقال يا حكم ما تقول في هذا؟ فقلت ما عسيت أن أقول فيه وأنت تفعله وان عندنا يفعله الشبان فقال يا حكم ان الأظافير إذا أصابتها النورة غيرتها حتى تشبه أظافير الموتى فغيرها بالحناء».

وعن عبدوس بن إبراهيم (٤) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وقد خرج من الحمام وهو من قرنه الى قدمه مثل الوردة من اثر الحناء». بيان : المراد بابي جعفر هنا هو الجواد (عليه‌السلام).

وروى في التهذيب عن عبدوس بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الحناء يذهب بالسهك ويزيد في ماء الوجه ويطيب النكهة ويحسن الولد ، وقال من اطلى في الحمام فتدلك بالحناء من قرنه الى قدمه نفى عنه الفقر ، وقال رأيت أبا جعفر الثاني (عليه‌السلام) قد خرج من الحمام وهو من قرنه الى قدمه مثل الورد من اثر الحناء». بيان : قيل السهك الرائحة الشديدة الكريهة ممن عرق.

__________________

(١ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٣٥ من آداب الحمام.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من آداب الحمام.

٥٤٧

أقول : وربما سبق الى الوهم من هذه الاخبار اختصاص استحباب الحناء أو جوازه بكونه بعد النورة خاصة ولذلك أنكر بعض المتعسفين استحبابه أو جوازه في غير ذلك ، وربما استندوا في ذلك الى ما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن أبيه عن سعد عن احمد بن ابي عبد الله عن أبيه رفعه (١) قال : «نظر أبو عبد الله (عليه‌السلام) الى رجل وقد خرج من الحمام مخضوب اليدين فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) أيسرك ان يكون الله خلق يديك هكذا؟ قال لا والله وانما فعلت ذلك لأنه بلغني عنكم انه من دخل الحمام فلير عليه أثره يعني الحناء. فقال ليس ذلك حيث ذهبت انما معنى ذلك إذا خرج أحدكم من الحمام وقد سلم فليصل ركعتين شكرا».

والظاهر كما هو المفهوم من كلام جملة من الأصحاب انه لا اختصاص له بالنورة ومن أظهر الأدلة على ذلك ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب الخصال (٢) بسنده فيه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اربع من سنن المرسلين : العطر والنساء والسواك والحناء». فإنه دال بإطلاقه على انه في حد ذاته من السنن لا بخصوص موضع كالإفراد المعدودة معه ، ويظهر ذلك ايضا من بعض الأحاديث الآتية في فضل الخضاب واستحبابه كما سنشير اليه ان شاء الله ، ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به المحدث الكاشاني في الوافي في باب الخضاب بعد نقل اخبار تغير الأظافير بالنورة ومسحها بالحناء وخبر إنكار المدني على الامام (عليه‌السلام) الحناء في يديه كما تقدم حيث قال : وفي هذه الاخبار دالة على جواز ما هو المتعارف بين أصحابنا اليوم من خضاب اليدين والرجلين بلا كراهة على انه لو لم تكن هذه الأخبار لكفى في ذلك «كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٣). إذ لم يرد في هذا

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب السواك.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٢٠٨ وفي الوسائل في الباب ١٩ من أبواب القنوت.

٥٤٨

نهى ، ويمكن ان يستفاد ذلك من عموم اخبار هذا الباب وإطلاقها وان كانت ظاهرة في اللحية والرأس بل لو استفيد ذلك من قوله (عليه‌السلام) (١) «لا بأس بالخضاب كله». وجعل أحد معانيه لم يكن بذلك البعيد. انتهى.

أقول : ومن أظهر الأدلة على جواز ذلك من غير كراهية ولا ذم انه لا شك ان ذلك من الزينة وقد قال سبحانه : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» (٢) وسياق الآية وان كان انما هو الإنكار على من حرم ذلك إلا ان سياقها أظهر ظاهر في ان الله قد حلل لعباده الزينة والطيبات من الرزق تفضلا وكرما فالمانع منها تحريما أو كراهة راد عليه سبحانه فيما تفضل به.

واما الخبر الذي نقلناه من معاني الأخبار فالأقرب عندي انه انما خرج مخرج التقية لما عرفت من سياق جملة من الاخبار المتقدمة من إنكار الناس ذلك وان المعروف بين المخالفين بل عامة الناس لشهرة الأمر بين المخالفين إنكار ذلك ، كما تضمنه حديث الحسين بن موسى المتضمن لإنكار ذلك الرجل الذي هو من أهل المدينة على الامام (عليه‌السلام) أخذ الحناء من يديه وكما تضمنه حديث الحسين بن موسى وإنكار الزبيري على الكاظم (عليه‌السلام) الحناء في يده ، وما تضمنه حديث الحكم بن عيينة لما رأى الحناء على أظافير أبي جعفر (عليه‌السلام) وقوله «ان عندنا انما يفعله الشبان». فان الجميع ظاهر في كون هذه السنة كانت متروكة عند العامة ، وقال صاحب الوسائل بعد إيراد هذا الخبر. أقول : هذا غير صريح في الإنكار ولعله استفهام منه ليظهر غلط الراوي في فهم الحديث ، وكون معناه ما ذكر لا ينافي الاستحباب ، والإنكار السابق انما هو من العامة مثل الحكم وأهل المدينة ، ثم ان الأخير يحتمل التقية ويمكن حمله على الإفراط والمداومة للرجل بل ظاهره ذلك بقرينة قوله «خلق يديك» إذ لو كان اللون خلقيا لدام. والله العالم. وربما احتمل بعض ايضا كون المتحنى فعل

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٦٩.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ٣٠.

٥٤٩

بالحناء ما يشبه النساء من التخطيط والنقش بالحناء ، قال وقد ورد النهي عن التشبه بالنساء وذمه فلعل الإنكار كان لذلك. أقول : والكل عندي بمحل من التكلف الذي لا ضرورة إليه بعد ما ذكرناه وانطباق سياق الخبر على هذه الاحتمالات على غاية من البعد. والله العالم.

(فصل) روى في الكافي والفقيه عن الحسن بن الجهم (١) قال : «دخلت على ابي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) وقد اختضب بالسواد فقلت أراك اختضبت بالسواد؟ فقال ان في الخضاب اجرا والخضاب والتهيئة مما يزيد الله به في عفة النساء ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة. قال قلت له بلغنا ان الحناء يزيد في الشيب؟ فقال اي شي‌ء يزيد في الشيب الشيب يزيد في كل يوم». وعن مسكين ابي الحكم عن رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «جاء رجل الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فنظر الى الشيب في لحيته فقال النبي نور ثم قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلما رأى الخضاب قال نور وإسلام. فخضب الرجل بالسواد فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نور وإسلام وايمان ورغبة إلى نسائكم ورهبة في قلوب عدوكم».

وعن العباس بن موسى الوراق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «دخل قوم على ابي جعفر (عليه‌السلام) فرأوه مختضبا بالسواد فسألوه فقال اني رجل أحب النساء وانا أتصنع لهن». وعن ابي خالد الزيدي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «دخل قوم

__________________

(١ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٦ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٤ من آداب الحمام.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٤١ من آداب الحمام.

٥٥٠

على الحسين بن علي (عليه‌السلام) فرأوه مختضبا بالسواد فسألوه عن ذلك فمد يده الى لحيته ثم قال أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في غزاة غزاها ان يختضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين».

وعن إبراهيم بن عبد الحميد في الصحيح أو الحسن عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «في الخضاب ثلاث خصال : مهيبة في الحرب ومحبة الى النساء ويزيد في الباه».

وعن محمد بن عبد الله بن مهران عن أبيه رفعه (٢) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نفقة درهم في الخضاب أفضل من نفقة مائة درهم في سبيل الله ان فيه أربع عشرة خصلة : يطرد الريح من الأذنين ويجلو الغشاء من البصر ويلين الخياشيم ويطيب النكهة ويشد اللثة ويذهب بالغشيان ويقل وسوسة الشيطان وتفرح به الملائكة ويستبشر به المؤمن ويغيظ به الكافر وهو زينة وطيب وبراءة في قبره ويستحيى منه منكر ونكير».

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) يا علي درهم في الخضاب أفضل من الف درهم في غيره في سبيل الله وفيه أربع عشرة خصلة. الحديث». وقال بدل «الغشيان» «الضنى» وفي بعض النسخ «الصفار» بيان : والغشيان خبث النفس وان لا تطيب والضنى الهزال والصفار كغراب الماء الأصفر يجتمع في البطن.

وروى في الكافي عن الحلبي في الصحيح (٤) قال : ««سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خضاب الشعر؟ فقال قد خضب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والحسين بن علي وأبو جعفر (عليه‌السلام) بالكتم». قبل الكتم محركة نبت يخلط بالوسمة يختضب به

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤١ من آداب الحمام.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من آداب الحمام.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٨ من آداب الحمام.

٥٥١

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (١) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) مخضوبا بالحناء». بيان : ظاهر هذا الخبر مطلق في خضاب لحيته أو يديه ورجليه كما تقدمت الإشارة اليه.

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٢) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) يختضب بالحناء خضابا قانيا». أقول : وهكذا كذلك.

وعن حفص الأعور (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خضاب اللحية والرأس أمن السنة؟ فقال نعم. قلت ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لم يختضب فقال انما منعه قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان هذه ستخضب من هذه». وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «خضب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم يمنع عليا (عليه‌السلام) إلا قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تخضب هذه من هذه وقد خضب الحسين وأبو جعفر (عليهما‌السلام)». بيان : الظاهر ان المراد من هذين الخبرين المذكورين انه لما أخبره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بان لحيته ستخضب من دم رأسه وخضابها بذلك حقيقة لا يكون إلا مع بياضها ثم احمرارها بالدم وإلا فلو كانت سوداء ثم جرى عليها الدم لم يصدق الخضاب إلا بنوع من التجوز ترك (عليه‌السلام) الخضاب وجعلها بيضاء انتظارا لما وعده به ليقع كلامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على وجه الحقيقة لا المجاز ، لعن الله الفاعل لذلك والراضي به لعنا يستعيذ منه أهل النار في النار.

ويعضد ما ذكرناه ما رواه في كتاب العلل بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة (٥) قال : «قلت لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ما يمنعك من الخضاب وقد اختضب

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٥٠ من آداب الحمام.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من آداب الحمام.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤١ من آداب الحمام.

٥٥٢

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال انتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من دم رأسي بعهد معهود أخبرني به حبيبي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». والاخبار في هذا الباب كثيرة يقف عليها من يرجع إليها.

وروى في من لا يحضره الفقيه مرسلا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «الشيب نور فلا تنتفوه». قال الصدوق (قدس‌سره) (٢) : النهي عن نتف الشيب نهي كراهة لا نهي تحريم لان الصادق (عليه‌السلام) يقول : «لا بأس بجز الشمط ونتفه وجزه أحب الي من نتفه». واخبارهم (عليهم‌السلام) لا تختلف في حالة واحدة لأن مخرجها من عند الله تعالى ذكره وانما تختلف بحسب اختلاف الأحوال انتهى أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من ان أخبارهم لا تختلف في حالة واحدة على إطلاقه ممنوع نعم هو مسلم فيما عدا موضع التقية. وروى عن الصادق (عليه‌السلام) مرسلا (٣) انه قال : «أول من شاب إبراهيم الخليل (عليه‌السلام) وانه ثنى لحيته فرأى طاقة بيضاء فقال يا جبرئيل ما هذا؟ فقال هذا وقار فقال إبراهيم اللهم زدني وقارا». أقول : وقد روى الكليني حديث نتف الشيب بإسناد حسن عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بجز الشمط ونتفه وجزه أحب الي من نتفه». أقول : الشمط بياض شعر الرأس يخالطه سواده والمراد هنا الشيب.

(فصل) ـ روى ثقة الإسلام في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال لي استأصل شعرك يقل درنه ودوابه ووسخه وتغلظ رقبتك ويجلو بصرك» قال : وفي رواية أخرى «ويستريح بدنك». وعن معمر بن خلاد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٦) قال : «ثلاث من عرفهن لهم يدعهن : جز الشعر

__________________

(١ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٧٩ من آداب الحمام.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٧٧.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٧٦.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٥٩ من آداب الحمام.

٥٥٣

وتشمير الثياب ونكاح الإماء».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «اني لأحلق كل جمعة فيما بين الطلية إلى الطلية». بيان : قال في الوافي أظهر معنيي الحلق هنا حلق العانة كما يشعر به تمام الكلام ويحتمل حلق الرأس أيضا لانصراف الإطلاق اليه ، وأظهر معنيي الجمعة اليوم المعهود ويحتمل الأسبوع وعلى الأول فيه دلالة على عدم البأس بالنورة يوم الجمعة كما مر. انتهى. أقول : والأظهر عندي هو حمل الحلق على حلق الرأس (اما أولا) فلانصراف الإطلاق إليه كما اعترف به. و (اما ثانيا) فلما علم من الاخبار من انهم كانوا يطلون العانة ولم يرد ما يدل على حلقهم لها. و (اما ثالثا) فلقوله : «فيما بين الطلية إلى الطلية» فإنه مع طلي البدن يطلى معه العانة البتة. وبالجملة فحاصل الخبر انه (عليه‌السلام) يحلق رأسه في كل جمعة يعني يوم الجمعة وان ذلك بين الطليتين فلعله كان (عليه‌السلام) يطلي في الأسبوع مرتين.

وعن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت جعلت فداك ربما كثر الشعر في قفاي فغمني غما شديدا؟ قال فقال يا إسحاق أما علمت ان حلق القفا يذهب بالغم؟».

وعن علي بن محمد رفعه (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الناس يقولون حلق الرأس مثلة؟ فقال عمرة لنا ومثلة لأعدائنا». وروى في التهذيب عن حفص عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «حلق الرأس في غير حج ولا عمرة مثلة». وروى في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) حلق الرأس في غير حج ولا عمرة مثلة لأعدائكم وجمال لكم». وروى فيه مرسلا قال (٦) : «وقال رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(١ و ٣ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٦٠ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٦١ من آداب الحمام.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب الحلق والتقصير.

٥٥٤

وآله) لرجل احلق فإنه يزيد في جمالك». وروى في الكافي والفقيه عن البزنطي (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ان أصحابنا يروون ان حلق الرأس في غير حج ولا عمرة مثلة؟ فقال كان أبو الحسن (عليه‌السلام) إذا قضى مناسكه عدل إلى قرية يقال لها ساية فحلق». قيل لعل عدوله إلى ساية لأجل الحلق للتقية ، وفي الفقيه «سائق» وكأنه معرب. وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن عمر بن أسلم (٢) قال «حجمني الحجام فحلق من موضع النقرة فرآني أبو الحسن (عليه‌السلام) فقال اي شي‌ء هذا اذهب فاحلق رأسك. قال فذهبت فحلقت رأسي».

وعن عبد الله بن سنان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول في إطالة الشعر؟ فقال كان أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مشعرين يعني الطم». بيان : قال في الوافي مشعرين من أشعر أو شعر بمعنى نبت عليه الشعر يعني كانوا تاركين له ، وفي النهاية الأشعر الذي لم يحلق رأسه ولم يرجله ورجل أشعر اي كثير الشعر وقيل طويله وطم الشعر جزه وأطم شعره حان له ان يجز وكأن المراد انهم كانوا يطيلون وكان دأبهم الجز دون الحلق. وروى في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه». ورواه في الفقيه عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مرسلا (٥) وروى فيه (٦) قال : «قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه». وروى فيه مرسلا (٧) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) من اتخذ شعرا فلم يفرقه فرقه الله

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٦٠ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٦١ من آداب الحمام.

(٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٧٨ من آداب الحمام.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٦٢ من آداب الحمام.

٥٥٥

بمنشار من نار يوم القيامة ، قال وكان شعر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفرة لم يبلغ الفرق».

بيان : ظاهر هذه الاخبار الاختلاف في ان السنة في شعر الرأس هو الحلق أو التوفير وبذلك ايضا اختلفت كلمة الأصحاب ، قال العلامة في المنتهى والتحرير اتخاذ الشعر يعني شعر الرأس أفضل من إزالته ثم أورد حديثين على اثر ذلك وهو قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه». والظاهر ان غرضه من إيرادهما الاحتجاج بهما لما ذكره حيث انه لم يورد دليلا في المقام ويؤيده انه قال بعد ذكر الخبرين : وقد روى خلاف ذلك قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لرجل «احلق فإنه يزيد في جمالك». ثم ذكر انه يحتمل كون الأمر بالحلق مختصا بذلك المخاطب لمعرفته بان الحلق يزيد في جماله. وقال أيضا في المنتهى والتحرير ان من الفطرة فرق الرأس قال ابن الأثير في الحديث «عشر من الفطرة» أي من السنة يعني سنن الأنبياء التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها. وقال في صفة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان انفرقت عقيصته فرق اي ان صار شعره فرقتين بنفسه في مفرقه تركه وان لم ينفرق لم يفرقه. وهذا الحكم ايضا لم يذكر له حجة وانما نقل معه الخبر الذي تقدم نقله عن الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) من ان «من اتخذ شعرا ولم يفرقه فرقه الله بمنشار من نار». ونحوه ايضا روى في الكافي عن ابي العباس البقباق (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يكون له وفرة أيفرقها أو يدعها؟ قال يفرقها». قال في المعالم بعد نقل ذلك عن العلامة في الكتابين المتقدمين : وكلام الصدوقين في الرسالة ومن لا يحضره الفقيه موافق لما قاله العلامة فإنهما ذكرا ان السنن الحنيفية عشر سنن خمس في الرأس وخمس في الجسد ، فأما التي في الرأس فالمضمضة والاستنشاق والسواك وقص

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦٢ من آداب الحمام.

٥٥٦

الشارب والفرق لمن طال شعر رأسه ، قال في الرسالة : وإياك ان تدع الفرق ان كان لك شعر طويل فقد روى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) انه قال : «من لم يفرق شعره فرقه الله يوم القيامة بمنشار من نار». واما التي في الجسد فالاستنجاء والختان وحلق العانة وقص الأظفار ونتف الإبطين. انتهى. أقول : وكلام الصدوق في كتابه في هذا المقام لا يخلو من الاضطراب بناء على ما قرره في صدر كتابه وغفل الأصحاب عنه من إفتائه بمضمون ما يرويه ، وهو قد جمع هنا في النقل بين روايات الحلق والتوفير والتدافع بينهما غير خفي ولم يجمع بينهما بوجه يرتفع به التنافي من البين.

والذي يظهر لي من الاخبار وفاقا لجملة من متأخري علمائنا الأبرار (رفع الله تعالى مقامهم جميعا في دار القرار) هو أفضلية الحلق وحمل ما دل على خلاف ذلك على التقية.

ويدل على ذلك زيادة على ما تقدم من الاخبار ما رواه في الكافي عن أيوب بن هارون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له أكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يفرق شعره؟ قال لا ان رسول الله كان إذا طال شعره كان الى شحمة اذنه».

وعن عمرو بن ثابت عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت انهم يروون ان الفرق من السنة قال من السنة. قلت يزعمون ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فرق قال ما فرق النبي ولا كانت الأنبياء تمسك الشعر».

وروى في الكافي أيضا عن ابي بصير (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الفرق من السنة؟ قال لا قلت فهل فرق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال نعم قلت كيف فرق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليس من السنة؟ قال من اصابه ما أصاب رسول الله وفرق كما فرق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقد أصاب سنة رسول الله وإلا فلا. قلت كيف ذلك؟ قال ان رسول الله

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٦٢ من آداب الحمام.

٥٥٧

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) حين صد عن البيت وقد كان ساق الهدى وأحرم أراه الله الرؤيا التي أخبرك بها في كتابه إذ يقول : «لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» (١) فعلم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله سيفي له بما أراه فمن ثم وفر ذلك الشعر الذي كان على رأسه حين أحرم انتظارا لحلقه في الحرم حيث وعده الله فلما حلقه لم يعد في توفير الشعر ولا كان ذلك من قبله».

قال في الوافي ـ ونعم ما قال ـ قيل ان الحلق كان في الجاهلية عارا عظيما في العرب فلما جاء الإسلام وفرض الحج وصار سنة لم يجدوا بدا من فعله حين يحجون أو يعتمرون ولكنه كان كبيرا عليهم في غيرهما ولما رأى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذلك منهم أمرهم بتربية الشعر لئلا يكونوا شعثا ذوي قمل ، ثم ان منهم من حلق ومنهم من ترك الشعر حتى آل الأمر الى ان صار الحلق شعارا للشيعة لان أئمتهم (عليهم‌السلام) كانوا محلقين أسوة برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وخلافه شعارا لمخالفيهم لان أئمتهم لحميتهم الجاهلية يعدونها مثلة لارتدادهم الى ما كانوا عليه قبل الإسلام. انتهى

واما ما ذكره الصدوقان في الرسالة والفقيه من حديث السنن العشر فهو عين عبارة الفقه الرضوي حيث قال بعد كلام قد سقط من النسخة التي عندي من الكتاب «ولكنها من الحنيفية التي قال الله عزوجل لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» (٢) فهي عشر سنن خمس في الرأس وخمس في الجسد. فأما التي في الرأس فالفرق والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك ، واما التي في الجسد فنتف الإبط وتقليم الأظافير وحلق العانة والاستنجاء والختان ، وإياك ان تدع الفرق ان كان لك شعر فقد روى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «من لم يفرق

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٢٤.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٦٢ من آداب الحمام.

٥٥٨

شعره فرقه الله بمنشار من النار». انتهى. وقد عرفت الوجه فيه. والله العالم.

(فصل) روى ثقة الإسلام في الكافي عن معلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «ما زاد من اللحية عن القبضة فهو في النار». وروى في الكافي عن محمد بن أبي حمزة عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ما زاد على القبضة ففي النار يعني اللحية». وعن يونس عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) ورواه في الفقيه مرسلا عن ابي عبد الله «في قدر اللحية؟ قال تقبض بيدك على اللحية وتجز ما فضل». بيان : قال في الوافي المراد بالقبض على اللحية أن يضع يده على ذقنه فيأخذ بطرفيه فيجز ما فضل من مسترسل اللحية طولا لا القبض مما تحت الذقن.

وروى في الكافي والفقيه عن محمد بن مسلم (٤) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) والحجام يأخذ من لحيته فقال دورها». ورويا فيهما مسندا في الكافي عن درست عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) ومرسلا في الفقيه (٥) قال : «مر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) برجل طويل اللحية فقال ما كان على هذا لو هيأ من لحيته؟ فبلغ ذلك الرجل فهيأ من لحيته بين اللحيتين ثم دخل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلما رآه قال هكذا فافعلوا».

وروى في الفقيه مرسلا (٦) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حفوا الشوارب وأعفوا اللحى ولا تتشبهوا باليهود». وقال : وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ان المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم وانا نحن نجز الشوارب ونعفي اللحى وهي الفطرة». بيان : قال في الوافي الحف الإحفاء وهو الاستقصاء في الأمر

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٦٥ من آداب الحمام.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٦٣ من آداب الحمام.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٦٧ من آداب الحمام.

٥٥٩

والمبالغة فيه وإحفاء الشارب المبالغة في جزه والإعفاء الترك ، واعفاء اللحى ان يوفر شعرها من عفى الشعر إذا كثر وزاد ، وقوله «وأعفوا عن اللحى» اي لا تستأصلوها بل اتركوا منها ووفروا ، وقوله «ولا تتشبهوا باليهود» اي لا تطيلوها جدا وذلك لان اليهود لا يأخذون من لحاهم بل يطيلونها ، وذكر الإعفاء عقيب الإحفاء ثم النهي عن التشبه باليهود دليل على ان المراد بالإعفاء ان لا يستأصل ويؤخذ منها من غير استقصاء بل مع توفير وإبقاء بحيث لا يتجاوز القبضة فيستحق النار. وقال بعض المنسوبين الى العلم والحكمة من فهم من هذا الحكم طلب الزينة الإلهية في قوله تعالى : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ» (١) نظر الى لحيته فإذا كانت الزينة في توفيرها وان لا يأخذ منها شيئا تركها وان كانت الزينة في ان يأخذ منها قليلا حتى تكون معتدلة تليق بالوجه وتزينه أخذ منها على هذا الحد وقد ورد عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه كان يأخذ من طول لحيته لا من عرضها. انتهى كلامه. ولعل مراده أن الزينة تختلف باختلاف الناس في لحاهم ولهذا لم يحدد اعني من جهة التقليل وان حد من جهة التوفير ، وقد مضى في كتاب الحجة حديث عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٢) «ان أقواما حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا».

وقد أفتى جماعة من فقهائنا بتحريم حلق اللحية وربما يستشهد لهم بقوله سبحانه عن إبليس اللعين : «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ» (٣) انتهى كلامه في الوافي.

وروى في الكافي عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يطولن أحدكم شاربه فان الشيطان يتخذه مخبئا يستتر به». ورواه في الفقيه عنه (ص) مرسلا (٥) وروى في الكافي

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ٣٠.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٦٧ من آداب الحمام.

(٣) سورة النساء ، الآية ١١٩.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٦٦ من آداب الحمام.

٥٦٠