الحدائق الناضرة - ج ٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

تدبغ بخرء الكلاب وكذا اللنكا. انتهى قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه : ولا نعلم حجته على هذا الشرط ويمكن ان يكون الوجه فيه علوق بعض اجزاء النجس به لسريانه في أعماق الجلد. انتهى. أقول : بل الظاهر ان الوجه فيه انما هو عدم وقوع التطهير بالنجس حيث انه جعل الدبغ مطهرا شرعا وقد تقرر في كلامهم انه لا بد في المطهر ان يكون طاهرا ليفيد غيره طهارة كما صرحوا به وعليه دلت الاخبار ايضا. أقول : قد روى الشيخان في الكافي والتهذيب عن السياري عن ابي يزيد القسمي عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف فقال لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب». والنهي في الخبر عن الصلاة في الخفاف المذكورة مخصوص بعدم تطهير الجلد وغسله وإلا فلو غسل فلا بأس ، صرح بذلك الفاضلان في المعتبر والمنتهى.

والمذكور في كلام جملة من الأصحاب انه لا يجوز الدباغ إلا بما كان طاهرا قاله الشيخ في المبسوط وكذا ابن إدريس والعلامة في المنتهى وظاهره تحريمه بالنجس ، ولا اعرف للتحريم وجها بعد حصول الطهارة بالغسل كما صرح به هنا ، ونحوه في المنتهى قال : يجوز استعمال الطاهر في الدباغ كالشث والقرظ والعفص وقشور الرمان وغيرها ، والقائلون بتوقف الطهارة على الدباغ من أصحابنا والجمهور اتفقوا على حصول الطهارة بهذه الأشياء أما الأشياء النجسة فلا يجوز استعمالها في الدباغ ، وهل يطهر أم لا؟ اما عندنا فإن الطهارة حصلت بالتذكية فكان ملاقاة النجس موجبة لتنجس الجلد ويطهر بالغسل ، واما القائلون بتوقف الطهارة على الدباغ فقد ذهب بعضهم الى عدم الطهارة ذكره ابن الجنيد وبعض الجمهور لأنها طهارة من نجاسة فلا تحصل بالنجس كالاستجمار والغسل الى ان قال وقد روي عن الرضا (عليه‌السلام) ثم نقل رواية أبي يزيد القسمي المتقدمة وردها أولا بضعف السند ثم قال ومع تسليمها تحمل على المنع من الصلاة قبل الغسل. انتهى.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٧١ من النجاسات.

٥٢١

وقد ضبط جملة من أصحابنا لفظ «الشث» هنا بالشين المعجمة والثاء المثلثة قال الجوهري انه نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به ، وفي الذكرى بعد ان ضبطه هكذا قال وقيل بالباء الموحدة وهو شي‌ء يشبه الزاج. والقرظ بالقاف والراء والظاء المعجمة قال الجوهري هو ورق السلم يدبغ به. واما الدارش فذكر الجوهري وغيره انه جلد معروف. واما ما ذكره ابن الجنيد من اللنكا فذكر في المعالم انه ليس بعربي إذ لم يذكره أهل اللغة.

(الثالث) ـ لو قلنا ببقاء جلود الميتة بعد الدباغ على النجاسة كما هو المشهور المنصور فهل يجوز الانتفاع بها في اليابس أم لا؟ صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الفاضلان في المعتبر والمنتهى والشهيد في الذكرى بالثاني. وعلله المحقق في المعتبر بعموم النهي عن الانتفاع ونحوه العلامة في المنتهى ، وزاد الشهيد في الذكرى عموم «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» (١).

واعترضهم في المعالم بأنه ليس بجيد لأن الآية غير صالحة لأن يتناول عمومها مثله كما بيناه والخبران العامان قد علم ضعف إسنادهما.

أقول : اما ما ذكره من منع دلالة الآية سابقا وفي هذا الموضع فهو جيد لما ذكره من ان المتبادر انما هو الأكل كما في قوله سبحانه «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ... الآية» (٢) فإن المتبادر انما هو النكاح خاصة. واما الطعن في الخبرين الدالين على ذلك فهو ايضا جيد على أصله الغير الأصيل المخالف لما عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل ، لإطباقهم على العمل بهذه الاخبار واتفاقهم على ذلك في جميع الأعصار وان اختلفوا في الوجه في ذلك فبين من يحكم بصحتها كما عليه كافة المتقدمين وجملة من متأخري المتأخرين وبين من يجبر ضعفها باتفاق الأصحاب على العمل بها وإجماعهم عليها. والله العالم.

(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيما

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤.

(٢) سورة النساء ، الآية ٢٧.

٥٢٢

اعلم ان ما عدا الكلب والخنزير والإنسان من الحيوانات الطاهرة مما لا يؤكل لحمه كالسباع ونحوها تقع عليها الذكاة وانما الخلاف في انه بعد التذكية هل يشترط في الانتفاع بجلده الدبغ أم لا؟ المشهور على ما ذكره في الذكرى الأول حيث قال : الأصح وقوع الذكاة على الطاهر في حال الحياة كالسباع لعموم «إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ» (١) وقول الصادق (عليه‌السلام) (٢) «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه ذكاه الذبح أو لم يذكه». فيطهر بالذكاة ، والمشهور تحريم استعماله حتى يدبغ والفاضلان جعلاه مستحبا لطهارته وإلا لكان ميتة فلا يطهره الدبغ. انتهى. وربما أشعر صدر عبارته بالخلاف في وقوع التذكية.

أقول : لم أقف في كلام أحد من الأصحاب على نقل الخلاف في جواز الاستعمال قبل الدبغ إلا عن الشيخ والمرتضى خاصة حيث نقل عنهما التحريم كما في المعتبر والمختلف والمنتهى ، وشيخنا الشهيد في الذكرى قد ذكر انه هو المشهور وظاهر أكثر المتأخرين انما هو ما ذهب اليه الفاضلان من الجواز وان كان على كراهة خروجا من خلاف القائل بالتحريم ، نعم ظاهر كلام العلامة ان خلاف الشيخ والمرتضى انما هو في الطهارة لا في الاستعمال كما هو المفهوم من كلام غيره ، قال واما الحيوان الطاهر حال الحياة مما لا يؤكل لحمه كالسباع فإنه تقع عليه الذكاة ويطهر الجلد بها وهو قول مالك وابي حنيفة وقال الشيخ والمرتضى لا يطهر إلا بالدباغ وبه قال الشافعي واحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يجوز الانتفاع بجلود السباع قبل الدبغ ولا بعده. إلخ (٣). وهو غريب ونحوه كلام المحقق الشيخ علي في شرح القواعد حيث قال بعد قول المصنف «نعم يستحب الدبغ فيما لا يؤكل لحمه» : وقيل بالوجوب ومقتضى كلام القائلين به ان

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤.

(٢) الظاهر انه مضمون ما ورد في موثق ابن بكير المروي في الوسائل في الباب ٢ من لباس المصلى من فساد الصلاة في كل شي‌ء من غير المأكول ذكاه الذبح أو لم يذكه.

(٣) المغني ج ١ ص ٦٦ و ٧١ وبداية المجتهد ج ١ ص ٧٢.

٥٢٣

الطهارة تحصل بالدبغ وهو مردود لأن الطهارة حاصلة بالتذكية إذ لولاها لكان ميتة فلا يطهر بالدبغ ، قال والأصح عدم الوجوب وان كان العمل به أحوط. وفيه ان مجرد القول بالوجوب لا يستلزم ما ذكره إذ يجوز ان يكون وجوب الدبغ الذي ذهبوا اليه انما هو لحل الاستعمال إلا ان يدعى ان حل الاستعمال تابع للطهارة فمتى قيل بها جاز الاستعمال ثم يستثني من ذلك الصلاة اتفاقا. ثم ان ظاهر الشهيد في الذكرى ونحوه في الدروس هو التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل الخلاف في المقام ولم يرجح شيئا.

وبالجملة فالذي يتلخص من كلام من وقفت على كلامهم في هذا المقام هو ان محل الخلاف انما هو جواز الاستعمال قبل الدبغ وعدمه فالشيخ والمرتضى على الثاني والمتأخرون كالفاضلين ومن تأخر عنهما على الأول.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه احتج بالإجماع على جواز الاستعمال بعد الدبغ ولا دليل قبله. وفيه منع ظاهر لتظافر الأدلة بالجواز ، ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن سماعة في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن لحوم السباع وجلودها فقال اما لحوم السباع والسباع من الطير والدواب فانا نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

وروى المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن سماعة في الموثق الأوثق عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن لحوم السباع وجلودها فقال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

وروى في المحاسن عن ابن أسباط عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن ركوب جلود السباع قال لا بأس ما لم يسجد عليها».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣ من الأطعمة المحرمة.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٥ من لباس المصلى.

٥٢٤

وعن عثمان بن عيسى عن سماعة (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن جلود السباع قال فقال اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

قال شيخنا المجلسي في البحار ذيل هذين الخبرين : هذان الخبران يدلان على كون السباع قابلة للتذكية بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها كما هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل قال الشهيد انه لم يعلم القائل بعدم وقوع الذكاة عليها سوى الكلب والخنزير. واستشكال الشهيد الثاني وبعض المتأخرين في الحكم بعد ورود النصوص المعتبرة وعمل القدماء والمتأخرين بها لا وجه له. انتهى.

أقول : ومن الأخبار في ذلك ايضا ما يأتي في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى من جواز الصلاة في الخز اتفاقا وفي جلود جملة من الحيوانات كالفنك والسنجاب والسمور والثعالب والأرانب ونحوها على خلاف في ذلك دون أصل اللبس فإنها ظاهرة في جوازه.

وقال في الفقه الرضوي (٢) «ولا تجوز الصلاة في سنجاب أو سمور أو فنك فإذا أردت الصلاة فانزعه عنك وقد روى فيه رخصة وإياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب. ولا تصل في جلد الميتة». انتهى.

وإطلاق هذه الأخبار شامل للمدبوغ وغيره وبه يظهر قوة القول المشهور ، وبالجملة فإنه متى ثبتت الطهارة بالتذكية جاز الاستعمال ومدعى الزيادة على ذلك عليه الدليل.

وبما سردناه من الأخبار يظهر ما في حكم أصحابنا (رضوان الله عليهم) بكراهة الاستعمال قبل الدبغ تفصيا من خلاف الشيخ والمرتضى فإنه لا يخفى ان الكراهة عندهم من الأحكام الشرعية المتوقف ثبوتها على الدليل فكيف يسوغ الحكم بها من غير دليل؟ ومجرد قول هذا القائل مع خلوه من الدليل ليس بدليل الكراهة ، وغاية ما يمكن

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٥ من لباس المصلى.

(٢) ص ١٦.

٥٢٥

التنزل اليه بعد الإغماض عما ذكرناه في غير موضع من التحقيق هو حمل دليله لو كان ثمة دليل على الكراهة جمعا كما هي قاعدتهم لا الحكم بالكراهة لمجرد التفصي من الخلاف فإنه لا يخفى ما فيه على ذوي الإنصاف.

(الخامس) ـ المشهور في كلام متأخري أصحابنا نجاسة الجلد لو وجد مطروحا وان كان في بلاد المسلمين جديدا أو عتيقا مستعملا أو غير مستعمل لأصالة عدم التذكية ونحو ذلك اللحم ايضا.

وأنت خبير بما فيه (اما أولا) فللقاعدة الكلية المتفق عليها نصا وفتوى من ان «كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (١). و «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر» (٢). ومن قواعدهم المقررة ان الأصل يخرج عنه بالدليل والدليل موجود كما ترى ، فترجيحهم العمل بالأصل المذكور على هذه القاعدة المنصوصة خروج عن القواعد ، ويعضد هذه القاعدة المذكورة جملة من الاخبار كصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد الصالح موسى (عليه‌السلام) (٣) «انه سأله عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها؟ قال نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر (عليه‌السلام) كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك». وبمضمونها روايات عديدة قد تقدمت ، والتقريب فيها دلالتها على الحل في موضع الاشتباه حتى في الصلاة.

و (اما ثانيا) ـ فلما رواه الشيخ عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين؟ فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقوم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد وليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل يا أمير المؤمنين

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤ من ما يكتسب به.

(٢) راجع ص ٢٥٥.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٥٠ من أبواب النجاسات.

٥٢٦

لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ قال هم في سعة حتى يعلموا». وهو صريح في المطلوب ، ونقل هذه الرواية في البحار (١) عن الراوندي بسنده عن موسى بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل عن أبيه موسى. الحديث إلا ان فيه «لا نعلم أسفرة ذمي هي أم سفرة مجوسي».

و (اما ثالثا) ـ فان مرجع ما ذكروه من الأصل إلى استصحاب عدم الذبح نظرا الى حال الحياة. وفيه ـ مع الإغماض عما حققناه في مقدمات الكتاب من ان مثل هذا الاستصحاب ليس بدليل شرعي ـ انه صرح جملة من المحققين كما حققناه في الدرر النجفية بان من شرط العمل بالاستصحاب ان لا يعارضه استصحاب آخر يوجب نفى الحكم الأول في الثاني واستصحاب عدم التذكية هنا معارض باستصحاب طهارة الجلد حال الحياة ، وتوضيحه ان وجه تمسكهم بالأصل المذكور من حيث استصحاب عدم الذبح نظرا الى حال الحياة ولم يعلم زوال عدم المذبوحية لاحتمال الموت حتف انفه فيكون نجسا إذ الطهارة لا تكون إلا مع الذبح ، هكذا قالوا ، ونحن نقول ان طهارة الجلد في حال الحياة ثابتة ولم يعلم زوالها لتعارض احتمال الذبح وعدمه فيتساقطان ويبقى الأصل ثابتا لا رافع له.

و (اما رابعا) ـ فان ما اعتمدوه من الاستصحاب وان سلمنا صحته إلا انه غير ثابت هنا ولا موجود عند التأمل بعين التحقيق ، فإنه لا معنى للاستصحاب كما حقق في محله إلا ثبوت الحكم بالدليل في وقت ثم إجراؤه في وقت ثان لعدم قيام دليل على نفيه مع بقاء الموضوع في الوقتين وعدم تغيره فثبوت الحكم في الوقت الثاني متفرع على ثبوته في الوقت الأول والا فكيف يمكن إثباته في الثاني مع عدم ثبوته أولا؟ واستصحاب عدم المذبوحية في المسألة لا يوجب الحكم بالنجاسة كما توهموه لأن النجاسة لم تكن ثابتة في الوقت الأول وهو وقت الحياة ، وبيانه ان عدم المذبوحية لازم لأمرين

__________________

(١) ج ١٤ ص ٧٦٦.

٥٢٧

أحدهما الحياة وثانيهما الموت حتف الأنف والموجب للنجاسة ليس هو هذا اللازم من حيث هو بل ملزومه الثاني أعني الموت حتف الأنف فعدم المذبوحية اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحية اللازم للموت حتف الأنف والمعلوم ثبوته في الزمن الأول هو الأول لا الثاني وظاهر انه غير باق في الوقت الثاني. والله العالم.

خاتمة الكتاب

في الاستطابة التي صرح بها جملة من الأصحاب وهي مشتملة على فصول من السنن والآداب :

(فصل) ـ روى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن جده (١) قال : «دخل علي (عليه‌السلام) وعمر الحمام فقال عمر بئس البيت الحمام يكثر فيه العناء ويقل فيه الحياء. وقال علي (عليه‌السلام) نعم البيت الحمام يذهب الأذى ويذكر بالنار».

وروى في الكافي عن محمد بن أسلم الجبلي رفعه (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) نعم البيت الحمام يذكر بالنار ويذهب الدرن. وقال عمر بئس البيت الحمام يبدي العورة ويهتك الستر. قال فنسب الناس قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى عمر وقول عمر الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام)».

وقال في الفقيه (٣) قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «نعم البيت الحمام تذكر فيه النار ويذهب بالدرن». وقال (عليه‌السلام) «بئس البيت الحمام يهتك الستر ويذهب بالحياء». وقال الصادق (عليه‌السلام) «بئس البيت الحمام يهتك الستر ويبدي العورة ونعم البيت الحمام يذكر حر النار».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن رفاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١ من آداب الحمام.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من آداب الحمام.

٥٢٨

قال : «(مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فلا يدخل حليلته الحمام».

وعن سماعة في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «(مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فلا يرسل حليلته الى الحمام».

وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : وقال (عليه‌السلام) «من أطاع امرأته أكبه الله على منخريه في النار. قيل وما تلك الطاعة؟ قال : تدعوه الى النياحات والعرسات والحمامات ولبس الثياب الرقاق فيجيبها».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن رفاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فلا يدخل الحمام إلا بمئزر».

وعن علي بن الحكم عن رجل من بني هاشم (٤) قال : «دخلت على جماعة من بني هاشم فسلمت عليهم في بيت مظلم فقال بعضهم سلم على ابي الحسن (عليه‌السلام) فإنه في الصدر قال فسلمت عليه وجلست بين يديه وقلت له جعلت فداك قد أحببت أن ألقاك منذ حين لا سألك عن أشياء فقال سل عما بدا لك قلت ما تقول في الحمام؟ قال لا تدخل الحمام إلا بمئزر وغض بصرك ولا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت (عليهم‌السلام) وهو شرهم».

وعن محمد بن جعفر عن بعض رجاله عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر الى عورته. وقال ليس للوالدين ان ينظرا إلى عورة الولد وليس للولد ان ينظر إلى عورة الوالد.

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من آداب الحمام.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٩ من آداب الحمام.

(٤) فروع الكافي ج ٢ ص ٢١٩ وفي الوسائل بعضه في الباب ١١ من الماء المضاف و ٩ من آداب الحمام.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من آداب الحمام.

٥٢٩

وقال : لعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الناظر والمنظور إليه في الحمام بلا مئزر».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (١) قال : «سئل الصادق (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ» (٢) فقال كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع فإنه الحفظ من ان ينظر اليه». قال : وروى عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «انما كره النظر إلى عورة المسلم فاما النظر إلى عورة الذمي ومن ليس بمسلم فهو مثل النظر إلى عورة الحمار». وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار».

وروى في الكافي والفقيه بإسنادين صحيح وحسن عن حنان بن سدير عن أبيه (٥) قال : «دخلت انا وابي وجدي وعمى حماما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا ممن القوم؟ فقلنا من أهل العراق. فقال واي العراق؟ فقلنا كوفيون. فقال مرحبا بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ثم قال ما يمنعكم من الأزر؟ فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام. قال فبعث أبي إلى كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها ، فلما كنا في البيت الحار صمد لجدي فقال يا كهل ما يمنعك من الخضاب؟ فقال له جدي أدركت من هو خير مني ومنك لا يختضب. قال فغضب لذلك حتى عرفنا غضبه في الحمام فقال ومن ذلك الذي هو خير مني؟ فقال أدركت علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) وهو لا يختضب. قال

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١ من أحكام الخلوة.

(٢) سورة النور ، الآية ٣٠.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٦ من آداب الحمام.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٩ و ٤١ من آداب الحمام.

٥٣٠

فنكس رأسه وتصاب عرقا وقال صدقت وبررت ثم قال يا كهل ان تختضب فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد خضب وهو خير من علي وان تترك فلك بعلي أسوة. قال فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين ومعه ابنه محمد بن علي (عليهما‌السلام)».

وروى الشيخ في التهذيب عن حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «قيل له ان سعيد بن عبد الملك يدخل مع جواريه الحمام قال وما بأس إذا كان عليه وعليهن الأزر لا يكونون عراة كالحمير ينظر بعضهم الى سوأة بعض».

وفي الفقيه عن سعدان بن مسلم (٢) قال : «كنت في الحمام الأوسط فدخل علي أبو الحسن (عليه‌السلام) وعليه النورة وعليه إزار فوق النورة فقال السلام عليكم فرددت عليه‌السلام وبادرت فدخلت الى البيت الذي فيه الحوض فاغتسلت وخرجت».

وعن عبيد الله المرافقي (٣) قال : «دخلت حماما بالمدينة وإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام فقلت يا شيخ لمن هذا الحمام؟ فقال لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم‌السلام) فقلت أكان يدخله؟ فقال نعم فقلت كيف كان يصنع؟ قال كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعوني فاطلي سائر بدنه فقلت له يوما من الأيام : الذي تكره أن أراه فقد رأيته فقال كلا ان النورة سترة».

بيان : ما في هذه الأخبار الشريفة يشتمل على فوائد (الأولى) ـ الدلالة على استحباب الحمام لدخول الأئمة (عليهم‌السلام) فيه ومدحه كما ورد عن علي (عليه‌السلام) واما أحاديث الذم فقد حملها الأصحاب على دخوله عاريا ، قال الشهيد في الذكرى : ويستحب الاستحمام لدخول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حمام الجحفة ودخول

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من آداب الحمام.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من آداب الحمام.

٥٣١

علي (عليه‌السلام) وكان الباقر (عليه‌السلام) يدخل حمامه ، وقال علي (عليه‌السلام) (١) «نعم البيت الحمام تذكر فيه النار ويذهب بالدرن». وما روى عنه وعن الصادق (عليهما‌السلام) (٢) «بئس البيت الحمام يهتك الستر ويذهب الحياء ويبدي العورة». فالمراد به مع عدم المئزر. وقال في المعالم : وحمل الشهيد في الذكرى ما ورد من الذم على حال الدخول بغير مئزر. وفيه بعد والأقرب ترجيح المدح بما رواه في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ذكر مرفوعة محمد بن أسلم الجبلي المتقدمة. وظاهره حمل ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من الذم على نقل العامة عنه ذلك ، واما ما نقل عن الصادق (عليه‌السلام) فعلى التقية موافقة لقول امامهم. وهو جيد وان كان الأول أيضا لا يخلو من قرب.

(الثانية) ـ ما ورد من منع النساء من دخول الحمام مشكل ولا اعلم بمضمونه قائلا بل ظاهر كلام من وقفت على كلامه خلافه من القول بالجواز وارتكاب التأويل في هذه الأخبار ، وقال في الوافي بعد نقل خبر سماعة ومرسل الفقيه المتقدمين ما صورته : حمل على ما إذا كان هناك ريبة فإنهن ضعفاء العقول تزيغ قلوبهن بأدنى داع الى ما لا ينبغي لهن ويحتمل ان يكون ذلك لانكشاف سوءاتهن وكان ذلك مختصا بذلك الزمان أو ببعض البلدان. انتهى. وظاهر الشهيد في الذكرى حمل الأخبار المذكورة على حال اجتماعهن واستثنى من الكراهة مع الاجتماع حال الضرورة. واستحسنه في المعالم ، وذكر في الذكرى ايضا ان الاتزار عند الاجتماع يخفف الكراهة وان ذلك مروي عن علي (عليه‌السلام). ولم نقف على هذه الرواية وبذلك اعترف في المعالم أيضا إلا انه قال ولكن الاعتبار يشهد له.

(الثالثة) ـ يجب على الداخل للحمام ستر العورة عن الناظر المحترم لما تقدم في باب الوضوء وعليه يحمل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة رفاعة المتقدمة (٣) : «مَنْ كانَ

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١ من آداب الحمام.

(٣) ص ٥٢٩.

٥٣٢

يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فلا يدخل الحمام إلا بمئزر». واما مع عدم الناظر المحترم فلا بأس وان كره ذلك لما رواه الحلبي في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد؟ قال لا بأس». واما ما يدل على الكراهة فرواية أبي بصير عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) (٢) قال : «إذا تعرى أحدكم نظر اليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا». واما ما ورد في جملة من الأخبار من الأمر بغض البصر عند دخول الحمام فهو مبني على ذلك الوقت من حيث عدم الاتزار وانهم عراة فأمروا بغض البصر عن النظر الى عورات الناس

(الرابعة) ـ ما تضمنه مرسل الصدوق ومرسل ابن ابي عمير من جواز النظر إلى عورة غير المسلم خلاف ما هو المفهوم من كلام أكثر الأصحاب ، قال شيخنا الشهيد في الذكرى : نعم يجب ستر الفرج وغض البصر ولو عن عورة الكافر وفيه خبر عن الصادق (عليه‌السلام) بالجواز. وقال المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه بعد نقل الرواية : يدل على جواز النظر إلى عورة الكافر ولكن ظاهر الآيات والاخبار عموم الحرمة والخبر ليس بصحيح يمكن تخصيصهما به ، وذهب جماعة إلى الجواز كما هو ظاهر الخبر والأحوط عدم النظر ، هذا إذا لم يكن النظر بشهوة وتلذذ وإلا فإنه حرام بلا خلاف. وظاهر صاحب المعالم الميل الى ما دلت عليه هذه الاخبار حيث قال : وظاهر الشهيد في الذكرى انه لا خلاف في وجوب غض البصر عن عورة الكافر حيث قال ، ثم نقل العبارة المتقدمة وقال بعدها ولم يزد على هذا ، وأنت خبير بأن إيراد الخبر في الفقيه يدل على ان مصنفه يعمل به كما نبهنا عليه مرارا فيكون القائل بجواز النظر إلى عورة الكافر موجودا ، ورواية الكافي وان لم تكن صحيحة السند فالأصل يعضدها والخبر

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١١ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٩ من آداب الحمام.

٥٣٣

الذي سبق الاحتجاج به لتحريم النظر إلى العورة في بحث الخلوة مخصوص بعورة المسلم. انتهى. وهو جيد.

(الخامسة) ـ قال في الفقيه بعد إيراد خبر حنان بن سدير المتقدم ما لفظه : وفي هذا الخبر إطلاق للإمام (عليه‌السلام) ان يدخل ولده معه الحمام دون من ليس بإمام وذلك لان الإمام معصوم في صغره وكبره لا يقع منه النظر إلى عورة في حمام ولا غيره. وقال ايضا قبل ذلك : ومن الآداب ان لا يدخل الرجل ولده معه الحمام فينظر الى عورته. وتبعه الشهيد في الذكرى في هذه المقالة فقال : ويكره دخول الولد مع أبيه الحمام ودخول الباقر مع أبيه (عليهما‌السلام) لعصمتهما.

أقول : لا يخفى ان ما ذكراه من عموم كراهة دخول الرجل مع ابنه الحمام غير ثابت حتى يستثني منه المعصوم ، والموجود من اخبار هذه المسألة مرسلة محمد بن جعفر المتقدمة (١) ومرفوعة سهل بن زياد رفعه (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر الى عورته». وظاهرهما النهي عن دخولهما عاريين والظاهر ان تخصيص النهي بهما مع ورود النهي عن الدخول عاريا مطلقا ان ذلك أشد كراهة بالنسبة إليهما ، واما خبر حنان بن سدير المتضمن لدخول الباقر مع أبيه (عليهما‌السلام) فهو انما كان بالإزار وكل منهما متزر فلا تعارض بين الاخبار حتى يحتاج الى الاستثناء كما ذكروه ، وهذا بحمد الله ظاهر لا سترة عليه ، ويؤيده انه لو كان مجرد دخول الولد مع أبيه مكروها لما أقر الإمام (عليه‌السلام) الجماعة المذكورين في الخبر على ذلك من الجد والأب والابن فكما أمرهم بستر العورة كان يخبرهم بكراهة دخولهم جميعا ، وبالجملة فالظاهر ان ما ذكراه بعيد غاية البعد عن أخبار المسألة ولا ضرورة تلجئ الى تكلفه.

(السادسة) ـ لو ترك الستر حال غسله واغتسل عاريا مع وجود الناظر المحترم

__________________

(١) ص ٥٢٩.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من آداب الحمام.

٥٣٤

فقد صرح الأصحاب بصحة غسله وان فعل محرما ، قال الشهيد في الذكرى : ولو ترك الستر متعمدا قادرا فالأشبه صحة غسله للامتثال وخروج النهي عنه عن حقيقة الغسل. انتهى. وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين : يمكن ان يبين بطلان الغسل بأنه حال فعل الغسل مأمور بالاستتار فلا يكون مأمورا بضده وإلا لزم تكليف ما لا يطاق وإذا لم يكن مأمورا لم يكن مجزئا فلا يتحقق به الامتثال ولا الخروج عن العهدة إذ الموجب لذلك الأمر كما تقرر في محله أقول : تقريب ما ذكره جعل هذه المسألة من قبيل فعل الصلاة في المكان المغصوب واللباس المغصوب وان غير العبارة في الاستدلال ، وقد مضى نبذة من القول في ذلك في باب التيمم وسيجي‌ء ان شاء الله تتمة الكلام في ذلك في كتاب الصلاة.

قال في الفقيه بعد ذكر خبر سعدان بن مسلم المتقدم (١) : وفي هذا الخبر إطلاق في التسليم في الحمام لمن عليه مئزر والنهي الوارد عن التسليم فيه فهو لمن لا مئزر عليه. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه : ولم نقف على رواية النهي التي أشار إليها. أقول : يمكن ان يكون مراده بالخبر المذكور هو ما رواه في الكافي عن محمد بن الحسين رفعه (٢) قال «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يقول ثلاثة لا يسلمون : الماشي مع الجنازة والماشي إلى الجمعة وفي بيت حمام». أقول : وقد ورد النهي عن التسليم على أقوام منهم من في الحمام رواه في الخصال (٣) عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلي ، وذلك ان المصلي لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام ولا على

__________________

(١) ص ٥٣١.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من أحكام العشرة.

(٣) ج ٢ ص ٨٢ وفي الوافي في باب التسليم ورده من الفصل الخامس من الايمان والكفر.

٥٣٥

الفاسق المعلن بفسقه».

(فصل) ـ ومما يستحب في حال الحمام ما رواه في الفقيه عن يحيى بن سعيد الأهوازي عن البزنطي عن محمد بن حمران (١) قال : قال الصادق جعفر بن محمد (عليه‌السلام) «إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع فيه ثيابك : اللهم انزع عني ربقة النفاق وثبتني على الايمان. وإذا دخلت البيت الأول فقل : اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وأستعيذ بك من أذاه وإذا دخلت البيت الثاني فقل : اللهم أذهب عني الرجس النجس وطهر جسدي وقلبي. وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك وصب منه على رجليك وان أمكن ان تبلع منه جرعة فافعل فإنه ينقي المثانة ، والبث في البيت الثاني ساعة وإذا دخلت البيت الثالث فقل : نعوذ بالله من النار ونسأله الجنة. ترددها الى وقت خروجك من البيت الحار ، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة ، ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك ، فإذا لبست ثيابك فقل : اللهم ألبسني التقوى وجنبني الردى. فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء». بيان : الظاهر ان المراد من الفقاع ما هو أعم من المحال والمحرم والنهي عنه انما هو لحكمة صلاح البدن وان حرم أو حل في حد ذاته.

ويكره التدلك فيه بالخزف لما رواه في الكافي عن محمد بن علي بن جعفر عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «من أخذ من الحمام خزفة فحك بها جسده فاصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه ، ومن اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه. قال محمد بن علي فقلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ان أهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين؟ فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرهما وكل خلق من خلق الله تعالى ثم يكون فيه شفاء من العين انما شفاء

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١١ من المضاف و ٢٠ و ١٠١ من آداب الحمام.

٥٣٦

العين قراءة الحمد والمعوذتين وآية الكرسي والبخور بالقسط والمر واللبان». وفي الخبر زيادة على ما ذكرنا النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام وقد تقدم الكلام فيه.

وروى في الكافي مسندا مرفوعا وفي الفقيه مرسلا (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتك في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين ولا تسرح في الحمام فإنه يرقق الشعر ولا تغسل رأسك بالطين فإنه يذهب بالغيرة ولا تدلك بالخزف فإنه يورث البرص ولا تمسح وجهك بالإزار فإنه يذهب بماء الوجه». بيان : في الفقيه بدل قوله : «فإنه يذهب بالغيرة» «فإنه يسمج الوجه» قال وفي حديث آخر : «يذهب بالغيرة» وقال بعد تمام الحديث : وروى ان ذلك طين مصر وخزف الشام. أقول : روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أسباط عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تغسلوا رؤوسكم بطين مصر فإنه يذهب بالغيرة ويورث الدياثة». أقول : في قصة عزيز مصر حيث علم من زوجته مع يوسف على نبينا وآله وعليه‌السلام ما علم وغاية ما صدر عنه في المقام ان قال : «يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ» (٣) قيل وفي كثرة وقوع البرص بالشام ما ينبئ عما دل عليه الخبر من ان التدلك بالخزف المفسر هنا بخزف الشام يورث البرص.

وروى في الكافي والتهذيب عن سليمان بن جعفر الجعفري (٤) قال : «مرضت حتى ذهب لحمي ودخلت على الرضا (عليه‌السلام) فقال أيسرك ان يعود إليك لحمك؟ فقلت بلى. فقال الزم الحمام غبا فإنه يعود إليك لحمك وإياك ان تدمنه فإن إدمانه يورث السل».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من آداب الحمام.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من آداب الحمام.

(٣) سورة يوسف ، الآية ٢٨.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٢ من آداب الحمام.

٥٣٧

بيان : قال في الوافي : الغب بكسر الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة ان يدخله يوما ويتركه يوما ومنه حمى الغب ، واما تفسير بعض اللغويين الغب في «زر غبا تزدد حبا» (١) بالزيارة في كل أسبوع فإن صح فهو مخصوص بالغب في الزيارة لا غير. انتهى

أقول : ما ذكره هنا مأخوذ من كلام شيخنا البهائي (قدس‌سره) في مشرق الشمسين ، واما كلام أهل اللغة الذي أشار إليه فهو ما ذكره الجوهري قال : والغب في الزيارة قال الحسن في كل أسبوع يقال «زر غبا تزدد حبا». وقال في القاموس «الغب في الزيارة ان تكون في كل أسبوع» وظاهر كلامهما انما هو تفسير الغب في الزيارة لا الغب حيثما كان.

ومما يؤيد هذا الخبر ايضا ما رواه في الكافي عن الجعفري المتقدم (٢) قال : «من أراد ان يحمل لحما فليدخل الحمام يوما ويغب يوما ومن أراد ان يضمر وكان كثير اللحم فليدخل الحمام كل يوم». وما رواه في الكافي عن الجعفري عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) ورواه في الفقيه عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) قال : «الحمام يوم ويوم لا يكثر اللحم وإدمانه في كل يوم يذيب شحم الكليتين».

وروى في الكافي عن رفاعة عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «انه كان إذا أراد دخول الحمام تناول شيئا فأكله قال قلت له ان الناس عندنا يقولون انه على الريق أجود ما يكون؟ قال لا بل يؤكل شي‌ء قبله يطفئ المرار ويسكن حرارة الجوف». وروى في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) لا تدخلوا الحمام على الريق ولا تدخلوه حتى تطعموا شيئا».

__________________

(١) أورده ابن الأثير في النهاية في مادة (غبب) والسيوطي في الجامع الصغير في حرف الزاي.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢ من آداب الحمام.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من آداب الحمام.

٥٣٨

وروى في الكافي في الصحيح عن علي بن يقطين (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) اقرأ القرآن في الحمام وانكح؟ قال لا بأس». وعن محمد بن مسلم في الحسن (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) أكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ينهى عن قراءة القرآن في الحمام؟ فقال لا انما نهى ان يقرأ الرجل وهو عريان فاما إذا كان عليه إزار فلا بأس». وعن الحلبي في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس للرجل ان يقرأ القرآن في الحمام إذا كان يريد به وجه الله ولا يريد ينظر كيف صوته». وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يقرأ في الحمام وينكح فيه؟ قال لا بأس به». وفي الصحيح عن علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل يقرأ في الحمام وينكح فيه قال لا بأس به». وعن ابي بصير (٦) قال : «سألته عن القراءة في الحمام؟ قال إذا كان عليك إزار فاقرأ القرآن ان شئت كله».

وروى في الكافي عن ابن مسكان (٧) قال : «كنا جماعة من أصحابنا دخلنا الحمام فلما خرجنا لقينا أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال لنا من أين أقبلتم؟ فقلنا له من الحمام فقال أنقى الله غسلكم فقلنا جعلنا الله فداك. وانا جئنا معه حتى دخل الحمام فجلسنا له حتى خرج فقلنا له أنقى الله غسلك فقال طهركم الله». وروى في الكافي مسندا عن ابي مريم الأنصاري رفعه (٨) قال : ان الحسن وفي الفقيه «ان الحسن بن علي (عليه‌السلام) خرج من الحمام فلقيه انسان فقال له طاب استحمامك فقال يا لكع وما تصنع بالاست ههنا؟ فقال طاب حميمك. فقال اما تعلم ان الحميم العرق؟ فقال طاب حمامك. فقال فإذا طاب حمامي فأي شي‌ء لي؟ ولكن قل طهر ما طاب منك وطاب ما طهر منك». أقول : الظاهر ان القائل المذكور من المخالفين. وروى في الفقيه مرسلا (٩) قال : «قال

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من آداب الحمام.

(٧ و ٨ و ٩) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من آداب الحمام.

٥٣٩

الصادق (عليه‌السلام) إذا قال لك أخوك وقد خرجت من الحمام : طاب حمامك فقل أنعم الله بالك».

(فصل) في استحباب النورة روى في الكافي في الصحيح (١) أو الحسن عن سليم الفراء قال : قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا قال : «قال أمير المؤمنين : النورة طهور». وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٢) قال : «دخلت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) الحمام فقال يا عبد الرحمن اطل فقلت انما اطليت منذ أيام فقال اطل فإنها طهور». وروى في الكافي عن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين (٣) قال : «دخل أبو عبد الله (عليه‌السلام) الحمام وانا أريد ان اخرج منه فقال يا محمد إلا تطلي؟ فقلت عهدي به منذ أيام فقال اما علمت انها طهور؟». وعن خلف بن حماد عن من رواه (٤) قال : «بعث أبو عبد الله (عليه‌السلام) ابن أخيه في حاجة فجاء وأبو عبد الله قد اطلى بالنورة فقال له أبو عبد الله اطل فقال إنما عهدي بالنورة منذ ثلاث فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان النورة طهور». وعن هارون بن حكيم الأرقط خال ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «أتيته في حاجة فأصبته في الحمام يطلي فذكرت له حاجتي فقال ألا تطلي؟ فقلت له انما عهدي به أول من أمس فقال اطل فإن النورة طهور». ونحوه في حديث ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) حيث «دخل عليه وهو يتنور فقال له يا أبا بصير تنور قال انما تنورت أول من أمس واليوم الثالث فقال اما علمت انها طهور فتنور». وروى في الكافي والفقيه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٧) قال : «أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما». وروى فيهما عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٨) قال : «السنة في النورة في كل خمسة عشر يوما فإن أتت عليك عشرون

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من آداب الحمام.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من آداب الحمام.

(٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٣٣ من آداب الحمام.

٥٤٠