الحدائق الناضرة - ج ٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الحائض تعرق في ثوبها؟ قال ان كان ثوبا تلزمه فلا أحب ان تصلي فيه حتى تغسله». واما ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المرأة الحائض تعرق في ثوبها؟ فقال تغسله. قلت فان كان دون الدرع إزار وانما يصيب العرق ما دون الإزار؟ قال لا تغسله». فالظاهر حمله على الاستحباب من حيث احتمال مباشرة موضع الدم بالعرق كما يدل عليه عدم الغسل مع وضع الإزار تحت الثوب وان اصابه العرق. والله العالم.

ومنها ـ عرق الإبل الجلالة وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فقال المفيد في المقنعة : يغسل الثوب من عرق الإبل الجلالة إذا اصابه كما يغسل من سائر النجاسات. وذكر الشيخ في النهاية نحوه فقال : إذا أصاب الثوب عرق الإبل الجلالة وجب عليه إزالته. وحكى العلامة في المختلف عن ابن البراج انه وافقهما في ذلك ، وقال ابن زهرة ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلالة. وقال سلار : عرق جلال الإبل أوجب أصحابنا إزالته وهو عندي ندب. وحكم العلامة في المختلف بطهارته وادعى انه المشهور ونقله عن سلار وابن إدريس ، ونقله في المدارك عن سائر المتأخرين.

أقول : ويدل على ما ذهب اليه الشيخان وأتباعهما صحيحة هشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تأكلوا اللحوم الجلالة وان أصابك من عرقها فاغسله». وعن حفص بن البختري في الحسن على المشهور والصحيح عندي عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة وان أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله».

احتج العلامة في المختلف لما ذهب اليه من الطهارة بأن الأصل الطهارة وان الإبل الجلالة ليست نجسة فلا ينجس عرقها كغيرها من الحيوانات. الطاهرة وكالجلال من

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب النجاسات.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب النجاسات.

٢٢١

غيرها. وقال المحقق في المعتبر قال الشيخان عرق الإبل الجلالة نجس يغسل منه الثوب وقال سلار غسله ندب وهو مذهب من خالفنا ، وربما يحتج الشيخ برواية هشام بن سالم ثم ساق الرواية ، ثم قال واستناد سلار الى الأصل وانه يجري مجرى عرق الحيوانات الطاهرة وان لم يؤكل لحمها كعرق السنور والنمر والفهد ، وتحمل الرواية على الاستحباب. انتهى وبذلك أجاب في المختلف عن الخبرين بالحمل على الاستحباب.

وأنت خبير بما في كلاميهما من النظر الظاهر والمجازفة التي لا تخفى على الخبير الماهر (أما أولا) ـ فلان الأصل لا يصلح للتمسك إلا مع عدم النص الموجب للخروج عنه وهو هنا موجود. و (اما ثانيا) ـ فلان الحمل على الاستحباب انما يصار اليه بمقتضى قواعدهم المتفق عليها مع وجود المعارض لتصريحهم في الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب. و (اما ثالثا) ـ فلان البناء على التشبيه بهذه الأشياء المشار إليها في كلاميهما لا يصلح لان يكون مستندا شرعيا تبنى عليه الأحكام الشرعية ، ومع الإغماض عن ذلك فإنه لا معنى له مع وجود النص الصحيح الصريح المقتضى للفرق والتخصيص بهذا الفرد. والظاهر انه لما ذكرنا رجع في المنتهى الى قول الشيخين فقال بعد حكمه بالطهارة في أول المسألة واحتجاجه بالأصل وجوابه عن حجة الشيخ بما يقرب من كلامه في المختلف ما صورته : والحديثان قويان ولأجل ذلك جزم الشيخ في المبسوط بوجوب ازالة عرقها وعليه اعمل. انتهى.

وظاهر السيد في المدارك التوقف هنا حيث نقل الخلاف في المسألة ونقل الخبرين المذكورين دليلا للقول بالنجاسة ونقل الجواب من طرف القائلين بالطهارة عنهما بالحمل على الاستحباب ، ثم قال : وهو مشكل مع عدم المعارض. ولم يجزم بشي‌ء في البين وهو لا يخلو من غرابة عند من له انس بطريقته في الكتاب من التمسك بالأخبار الصحيحة والأخذ بها وان خرج عما عليه الأصحاب.

والعجب ايضا من المحدث الحر في الوسائل حيث وافق المشهور وعنون الباب

٢٢٢

بالكراهة حملا للخبرين المذكورين على ذلك ، وهو من جملة سقطاته لما عرفت من ان الخبرين مع صحتهما لا معارض لهما يوجب ارتكاب التأويل فيهما مع قول جملة من فضلاء الأصحاب بمضمونهما. والله العالم.

ومنها ـ المسوخ ، والمشهور بين الأصحاب القول بطهارتها ونقل عن الشيخ في الخلاف القول بنجاستها وعزى العلامة في المختلف موافقته الى سلار وابن حمزة ، ونقل في المعالم عن ابن الجنيد انه استثناها مما حكم بطهارة سورة مع حكمه بطهارة سؤر السباع وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير ، وظاهر ذلك القول بنجاستها أو نجاسة لعابها. والظاهر الأول فإن الحكم بنجاسة اللعاب مع طهارة العين بعيد وان نقل ايضا عن بعض الأصحاب ، وعدها في قرن الكلب والخنزير مؤيد لما ذكرنا.

ويدل على القول المشهور وهو المعتمد مضافا الى أصالة الطهارة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل ابي العباس (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم اترك شيئا إلا سألته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس. الحديث».

وفي المختلف وغيره ان الشيخ احتج على النجاسة بتحريم بيعها ولا مانع من البيع سوى النجاسة. وربما استدل على تحريم بيعها برواية مسمع عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن القرد ان يشترى أو يباع». وأجيب بالمنع من تحريم البيع (أولا) ـ فإن الرواية الدالة على ذلك مع كونها ضعيفة السند مختصة بالقرد خاصة. و (ثانيا) ـ بالمنع من كون المقتضي لحرمة البيع هو النجاسة فلا بد من اقامة الدليل على انحصار المقتضي فيها.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الروايات قد اختلفت في أنواع المسوخ زيادة ونقصا ووجودا وفناء

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب النجاسات.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب ما يكتسب به.

٢٢٣

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن الحلبي في الحسن عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الضب والفأرة والقردة والخنازير مسوخ».

وما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد عن محمد بن الحسن الأشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «الفيل مسخ كان ملكا زناء والذئب كان أعرابيا ديوثا والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حين نزلت المائدة على عيسى بن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر ، والفأرة هي الفويسقة ، والعقرب كان نماما ، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسرق في الميزان».

وما رواه في الكافي عن الحسين بن خالد (٣) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) أيحل أكل لحم الفيل؟ فقال لا فقلت لم؟ قال لانه مثلة وقد حرم الله تعالى لحوم المسوخ ولحم ما مثل به في صورها».

وعن ابي سهل القرشي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن لحم الكلب؟ فقال هو مسخ. قلت هو حرام؟ قال هو نجس ، أعيدها ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس».

وعن سليمان الجعفري عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٥) قال : «الطاوس مسخ كان رجلا جميلا كابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله تعالى طاوسين أنثى وذكرا فلا تأكل لحمه ولا بيضه».

وعن الكلبي النسابة (٦) قال «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجري؟ فقال ان الله تعالى مسخ طائفة من بني إسرائيل ، فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٢٤

والمارماهي وما سوى ذلك ، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر والورل وما سوى ذلك».

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «روي ان المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام وان هذه مثل لها فنهى الله عزوجل عن أكلها».

وفي العلل بسند معتبر عن علي بن مغيرة عن الصادق عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) (٢) قال : «المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا : منهم ـ القردة والخنازير والخفاش والضب والفيل والدب والدعموص والجريث والعقرب وسهيل والقنفذ والزهرة والعنكبوت». قال الصدوق سهيل والزهرة دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا.

وروى في الكتاب المذكور ايضا بسند قوي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «المسوخ ثلاثة عشر : الفيل والدب والأرنب والعقرب والضب والعنكبوت والدعموص والجري والوطواط والقرد والخنزير والزهرة وسهيل. فسئل يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما كان سبب مسخ هؤلاء؟ فقال اما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا ، واما الدب فكان رجلا مؤنثا يدعو الرجال الى نفسه ، واما الأرنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا من جنابة ولا غير ذلك ، واما العقرب فكان رجلا همازا لا يسلم منه أحد ، واما الضب فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته ، واما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها ، واما الدعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبة ، واما الجري فكان رجلا ديوثا يجلب الرجال على حلائله ، واما الوطواط فكان رجلا سارقا يسرق الرطب على رؤوس النخل ، واما القردة فاليهود اعتدوا في السبت ، واما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا تكذيبا ، واما سهيل فكان رجلا عشارا باليمن ، واما الزهرة فكانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي يقول الناس انه افتتن بها هاروت

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢ من الأطعمة المحرمة.

٢٢٥

وماروت». الى غير ذلك من الأخبار المروية في العلل ، وفيما ذكرناه كفاية لمن أحب الاطلاع على عدها وأسباب مسخها. والله العالم.

ومنها ـ الأرنب والثعلب والفأرة والوزغة ، فأوجب الشيخ في النهاية غسل ما يصيب الثوب أو البدن منها برطوبة وقرنها في هذا الحكم مع الكلب والخنزير ، مع انه في باب المياه من الكتاب المذكور نفى البأس عما وقعت فيه الفأرة من الماء الذي في الآنية إذا خرجت منه وكذا إذا شربت ، وقال ان الأفضل ترك استعماله على كل حال. واقتصر المفيد في المقنعة على الفأرة والوزغة فجعلهما كالكلب والخنزير في غسل الثوب إذا مساه برطوبة وأثرا فيه. وحكى في المختلف عن ابي الصلاح أنه أفتى بنجاسة الثعلب والأرنب ، وهو قول السيد ابي المكارم ابن زهرة أيضا كما نقله في المعالم ، وفي المعالم ايضا عن ظاهر الصدوقين القول بنجاسة الوزغ ، وحكى في المختلف ايضا عن ابن البراج انه أوجب غسل ما اصابه الثعلب والأرنب والوزغة وكره الفأرة ، وعن سلار انه حكم بنجاسة الفأرة والوزغة ، وعن ابن بابويه انه قال : إذا وقعت الفأرة في الماء ثم خرجت ومشت على الثياب فاغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء. وعن ابن إدريس انه حكم بطهارة ذلك اجمع ، ثم قال والوجه عندي طهارة ذلك اجمع ، وهو اختيار والدي وشيخنا أبو القاسم بن سعيد. وعزى المحقق في المعتبر القول بالطهارة إلى السيد المرتضى في بعض كتبه. وعلى هذا القول جمهور المتأخرين ومتأخريهم.

أقول : ومنشأ هذا الاختلاف هنا اختلاف ظواهر الاخبار في هذا المقام وها انا أورد ما وصل الي منها على التمام وأبين ما ظهر لي من الحكم فيها بتوفيق الملك العلام :

فمنها ـ صحيحة الفضل ابي العباس وقد تقدمت قريبا ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن العظاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس به. وسألته عن

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٣ من أبواب النجاسات.

٢٢٦

فأرة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل ان تموت أيبيعه من مسلم؟ قال نعم ويدهن منه».

وفي الصحيح عن سعيد الأعرج (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الفأرة تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حية؟ فقال لا بأس بأكله».

وفي الصحيح عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان أبا جعفر (عليه‌السلام) كان يقول لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه ويتوضأ منه».

ورواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال يسكب منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه».

وروى الحميري في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان عليا (عليه‌السلام) قال لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه ويتوضأ».

وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة بل صريحة في الدلالة على الطهارة وإليها استند القائل بالطهارة في الفأرة والوزغة ، واما صحيحة أبي العباس فعمومها صالح للدلالة على الجميع

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلى فيها؟ قال اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢ و ٣ و ٤) ـ في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الأسآر.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٣٣ من النجاسات.

٢٢٧

وما رواه في الصحيح عنه ايضا عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أيؤكل؟ قال يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي». ورواه علي بن جعفر في كتابه أيضا (٢).

وروى في قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز وشبهه أيحل اكله؟ قال يطرح منه ما أكل ويؤكل الباقي».

وما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن يونس ابن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته هل يجوز ان يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال لا يضره ولكن يغسل يده».

وما رواه عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) في حديث طويل قال : «سئل عن الكلب والفأرة إذا أكلا من الخبز وشبهه؟ قال يطرح منه ويؤكل الباقي. وعن العظاية تقع في اللبن؟ قال يحرم اللبن ، وقال ان فيها السم». أقول قال في القاموس : العظاية دويبة كسام أبرص.

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الفأرة والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلاث دلاء».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب النجاسات.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من الأطعمة المحرمة.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب النجاسات.

(٥) التهذيب ج ١ ص ٨٠ وروى صاحب الوسائل المسألة الاولى في الباب ٣٦ من أبواب النجاسات.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من الماء المطلق.

٢٢٨

وما في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (١) «ان وقع في الماء وزغ أهريق ذلك الماء وان وقع فيه فأرة أو حية أهريق الماء وان دخلت فيه حية وخرجت منه صب من ذلك الماء ثلاث أكف واستعمل الباقي وقليله وكثيره بمنزلة واحدة». هذا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة.

وقد أجاب القائلون بالطهارة عما دل على نجاسة الفأرة والوزغة بأنه معارض بما دل على الطهارة وطريق الجمع حمل أخبار النجاسة على التنزيه والاستحباب فإنه مع العمل بأخبار النجاسة يلزم طرح أخبار الطهارة مع صحتها وصراحتها وكثرتها ، قال المحقق في المعتبر ـ بعد نقل صحيحة علي بن جعفر الدالة على غسل ما لاقته الفأرة برطوبة ومعارضتها بصحيحة سعيد الأعرج ـ ما لفظه : ومن البين استحالة أن ينجس الجامد ولا ينجس المائع ولو ارتكب هنا مرتكب لم يكن له في الفهم نصيب ، واما خبر يونس فقد رده بالإرسال أولا وبكون الراوي فيه محمد بن عيسى عن يونس ، وقد حكى النجاشي عن ابي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد انه قال ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، وقال الشيخ انه ضعيف استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال لا اروي ما يختص بروايته.

وتحقيق الكلام في المقام بما ادى اليه الفهم القاصر ، اما بالنسبة الى الأخبار المتعارضة في الفأرة فلا يخفى ان الترجيح فيها لاخبار الطهارة لاعتضادها بأصالة الطهارة وكثرتها وصحة أكثرها وصراحتها ، وليس في الاخبار المقابلة لها ما هو ظاهر في النجاسة سوى صحيحة علي بن جعفر الدالة على غسل أثرها إذا مشت على الثياب برطوبة وإلا فغيرها من الروايات الدالة على الأكل من الخبز أو شمه لا ظهور لها في النجاسة ، فإن الحكم بالنجاسة انما يكون مع تعدى رطوبة فم الفأرة إلى الخبز والتمسك بأصالة الطهارة يدفع ذلك حتى يعلم ، ومجرد الأكل والشم لا يستلزم وجود الرطوبة

__________________

(١) ص ٥.

٢٢٩

وتعديها ، وحينئذ لا يثبت الحكم بالنجاسة فتعين الحمل على التنزيه والاستحباب كما ذكره الأصحاب ، واما بالنسبة إلى الكلب فان علم ايضا تعدى لعابه اليه وإلا فالحكم فيه كذلك ، وبالجملة فالتمسك بأصالة الطهارة أقوى متمسك حتى يظهر ما يوجب الخروج عنه ، وحينئذ فلم يبق إلا تلك الرواية فتعين التأويل فيها البتة إما بالحمل على ما ذكره الأصحاب من الاستحباب أو الحمل على التقية فإن القول بنجاسة الفأرة مذهب بعض العامة كما ذكره في المنتهى ، على انه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.

واما بالنسبة إلى الوزغة فقد عرفت دلالة صحيحة علي بن جعفر الاولى على الطهارة فيها مع اعتضادها بالأصل وان الوزغة ليست بذي نفس وميتتها طاهرة إجماعا ، والحكم بالنجاسة في حال الحياة والطهارة بعد الموت غير معقول ولا معهود من الشرع وانما المعهود العكس ، ومجرد النزح المذكور لا يستلزم النجاسة كما وقع في اخبار نزح سبع دلاء لدخول الجنب واغتساله مع اتفاقهم على اعتبار طهارة بدنه من المني وإلا لوجب له بقدر المني ، على انه يمكن حمل الخبر على رجوع ذلك الى الفأرة بالخصوص باعتبار ان السؤال وقع عن وقوع الفأرة والوزغة معا لأكل بانفراده ، والتأويل بذلك تفاديا من الطرح غير بعيد ومثله غير عزيز.

واما بالنسبة إلى الثعلب والأرنب كما اشتملت عليه مرسلة يونس فهي أيضا معارضة بالأصل وبما دل من الأخبار على قبول هذه الأشياء مثل الثعلب والسباع للتذكية ، ومن المعلوم ان نجس العين كالكلب والخنزير لا يقبل التذكية ولا يطهر بها ، فمما ورد في الثعلب ما رواه الشيخ عن صفوان عن جميل عن الحسن بن شهاب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أيصلى فيها؟ قال نعم». وعن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألته عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أيصلى

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٧ من لباس المصلى.

٢٣٠

فيها؟ قال ان كان ذكيا فلا بأس به». وعن جميل في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة في جلود الثعالب؟ قال ان كانت ذكية فلا بأس». ولا ينافي ذلك ما دل من الأخبار على عدم جواز الصلاة في الجلود المذكورة فإن الاختلاف في ذلك انما نشأ من حيث اشتراط كون ما يصلى فيه لا بد ان يكون مما يؤكل لحمه أم لا ، ولهذا ان جمعا من الأصحاب ذهبوا الى القول بجواز الصلاة فيها لهذه الاخبار وما ذاك إلا للحكم بثبوت التذكية وطهارة الجلود ، والمانع انما يمنع من حيث الاشتراط المذكور لا من حيث النجاسة وعدم قبول التذكية ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر. ومما يدل على ذلك في السباع أيضا التي قرنت في هذه الرواية بالثعلب المستلزم لنجاستها ايضا فهو ما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (٢) قال : «سألته عن لحوم السباع وجلودها؟ فقال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه». وروى في المحاسن عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن ركوب جلود السباع؟ فقال لا بأس ما لم يسجد عليها». وعنه عن عثمان بن عيسى عن سماعة (٤) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن جلود السباع فقال اركبوها ولا تلبسون شيئا منها تصلون فيه». قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل هذين الخبرين : يدلان على كون السباع قابلة للتذكية بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال الشهيد انه لم يعلم القائل بعدم وقوع التذكية عليها سوى الكلب والخنزير. واستشكال الشهيد الثاني وبعض المتأخرين في الحكم بعد ورود النصوص المعتبرة وعمل القدماء والمتأخرين مما لا وجه له. انتهى. على ان ظاهر الخبر المذكور بناء على ما ذكروه لا يخلو من تدافع فان المتبادر من قوله «لا يضره» ليس إلا بمعنى لا ينجسه إذ لا معنى للضرر في هذا المقام إلا التنجيس كما

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٧ من لباس المصلى.

(٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٥ من لباس المصلى.

٢٣١

لا يخفى ، وحينئذ فحمل «ولكن يغسل يده» على النجاسة مدافع لذلك ، واما إذا أريد التنزيه والاستحباب أمكن مجامعته للعبارة المتقدمة وتم الكلام بأحسن نظام والله العالم.

ومنها ـ لبن الجارية والمشهور طهارته. ونقل عن ابن الجنيد القول بنجاسته لرواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا (عليه‌السلام) قال لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها. الحديث». وقد تقدم الكلام في ذلك في الموضع الثاني من الفصل الأول والثاني في مسألة بول الرضيع ، وربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه القول بذلك حيث ذكر الرواية فيه مع قوله في أول كتابه انه لا يورد فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته سيما مع قرب هذه الرواية مما ذكره من الكلام المشار اليه ، ولم أر من تنبه لنسبة ذلك الى الصدوق والحال كما ذكرناه إلا المحقق الشيخ حسن في المعالم فإنه أشار الى ذلك كما ذكرناه ، ونقل في المعالم ايضا عن والده انه ذكر الرواية في رسالته لكن لم يظهر منه التزام ما التزمه ولده من التقييد في ذكر الأخبار بما يفتي به مع التصريح بكونه خبرا.

أقول : قد تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ان هذه الرواية قد ذكرها مولانا الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه فقال بعد فتواه بمضمون صحيحة الحلبي الواردة في بول الرضيع : وقد روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «انه قال لبن الجارية. الحديث». والأصحاب قد أجابوا عن خبر السكوني بضعف الاسناد وهو مشكل بعد اعتضاده بالخبر المذكور في الكتاب المشار اليه ، والأظهر كما قدمناه في الموضع المشار اليه حمل الخير على التقية ولا سيما ان راويه من العامة ، ويعضده نقله (عليه‌السلام) الخبر في كتاب الفقه بعد إفتائه بخلاف ما تضمنه بالنسبة إلى بول الرضيع ، وجمع من الأصحاب حملوا الرواية على الاستحباب كما هي قاعدتهم في جملة الأبواب. والله العالم.

ومنها ـ القي‌ء قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر بأن القي‌ء

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣ من النجاسات.

٢٣٢

والقلس والنخامة وكل ما يخرج من المعدة إلى الفم أو ينزل من الرأس طاهر عدا الدم. وقال الشيخ في المبسوط القي‌ء طاهر وقال بعض أصحابنا نجس ، قال والصديد والقيح حكمهما حكم القي‌ء.

أقول : ويدل على الطهارة مضافا الى الأصل موثقة عمار الساباطي (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القي‌ء يصيب الثوب فلا يغسل؟ قال لا بأس به». وعن عمار ايضا (٢) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتقيأ في ثوبه أيجوز ان يصلي فيه ولا يغسله؟ قال لا بأس به». فاما ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى عن ابي هلال (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أينقض الرعاف والقي‌ء ونتف الإبط الوضوء؟ فقال وما تصنع بهذا؟ هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله المغيرة ، ويجزيك من الرعاف والقي‌ء أن تغسله ولا تعيد الوضوء». فإنه يمكن ان يجعل دليلا للقول بالنجاسة بتقريب الأمر فيه بالغسل ، وفيه ان الأمر بالغسل أعم ، وطريق الجمع بينه وبين ما تقدم حمل الغسل على ازالة الاستقذار الحاصل منه لا النجاسة فإن الغسل مطلوب في أمثال ذلك كما ورد في جملة من المواضع من الأمر بالصب والرش في مواضع لزوال النفرة ومظنة النجاسة ، والقي‌ء لا يزول بمجرد الرش فأمر فيه بالغسل لازالة عينه عن الثوب أو البدن ولم أقف على من تعرض لنقل حجة القول بالنجاسة سوى العلامة في المختلف فإنه تكلف لذلك دليلا واهيا لا يستحق ان يسطر ولا يلتفت اليه ولا ينظر.

ومنها ـ الحديد وان لم أقف على قائل بنجاسته إلا انه ربما يفهم من بعض الأخبار ذلك حتى ان بعض المتورعين كان يجتنب أكل مثل البطيخ ونحوه إذا قطع بالحديد. ومن الأخبار الدالة على ذلك موثقة عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ من أبواب النجاسات.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٧ من نواقض الوضوء.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٨٣ من أبواب النجاسات.

٢٣٣

«عن الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو أخذ من شعره أو حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلي. سئل فإن صلى ولم يمسح من ذلك بالماء؟ قال يمسح بالماء ويعيد الصلاة لأن الحديد نجس ، وقال ان الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة». وعن عمار في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال «الرجل يقرض من شعره بأسنانه أيمسحه بالماء قبل ان يصلي؟ قال لا بأس انما ذلك في الحديد». ويعضده ما رواه في الكافي في باب الخواتيم في حديث عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تختموا بغير الفضة فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ما طهرت كف فيها خاتم من حديد». وفي الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما طهر الله يدا فيها حلقة حديد».

ويدل على الطهارة مضافا الى إجماع الأصحاب على الحكم قديما وحديثا ما رواه في الفقيه (٤) عن إسماعيل بن جابر «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يأخذ من أظفاره وشاربه أيمسحه بالماء؟ فقال لا هو طهور». وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٥) انه قال له : «الرجل يقلم أظفاره ويجز شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال يا زرارة كل هذا سنة ، الى ان قال وان ذلك ليزيده تطهيرا». وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد بن عبد الله الأعرج (٦) قال «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) آخذ من أظفاري ومن شاربي واحلق رأسي فاغتسل؟ قال لا ليس عليك غسل. قلت فأتوضأ؟ قال لا ليس عليك وضوء. قلت فامسح على أظفاري الماء؟ قال هو ظهور ليس عليك مسح». وعن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٧) «ان عليا عليه‌السلام) قال : السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه

__________________

(١ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٨٣ من أبواب النجاسات.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من لباس المصلى.

(٤) رواه في الوافي ج ٤ ص ٣٧.

٢٣٤

دما». وما رواه في الكافي في الموثق عن الحسن بن الجهم (١) قال : «أراني أبو الحسن (عليه‌السلام) ميلا من حديد ومكحلة من عظام فقال كان هذا لأبي الحسن (عليه‌السلام) فاكتحل به فاكتحلت». ومن الظاهر ان الميل بالاكتحال لا يخلو من ملاقاة الرطوبة غالبا ، والاخبار في هذا الباب كثيرة كما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى في اخبار الحلق والتقصير ، ومن الظاهر المعلوم اطباق كافة الناس على حلق الرأس من وقته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى يومنا هذا بآلة الحديد ولم ينقل في شي‌ء منها الأمر بالتطهير.

وبالجملة فهذه الروايات الدالة على النجاسة مطرحة بإجماع الأصحاب وهذه الاخبار مضافا ذلك الى ان الراوي عمار المتفرد بالغرائب في رواياته كما طعن به عليه في غير موضع المحدث الكاشاني في الوافي ، ومن الاخبار في ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى بن أكيل النميري عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في الحديد انه حلية أهل النار والذهب حلية أهل الجنة وجعل الله تعالى الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة إلا ان يكون قبال عدو فلا بأس به ، الى ان قال وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ».

ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى الأمين الأسترآبادي ما صورته : قوله (عليه‌السلام) «نجس ممسوخ» أقول : أهل الكيمياء زعموا ان المعدنيات المنطبعة كلها في الأصل قابلة للذهب فأصاب بعضها الجذام فصار حديدا وبعضها البرص فصار نحاسا وبعضها البهق فصار فضة وذكروا ان حقيقة الكيمياء انما هي إزالة ما أصابها من المرض وانه كما لا يمكن معالجة جذام الإنسان كذلك لا يمكن معالجة جذام المعدنيات بالإكسير ،

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨٦ من أبواب النجاسات.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من لباس المصلى.

٢٣٥

وقوله (عليه‌السلام) : «نجس ممسوخ» إشارة الى ذلك أو الى أنه قذر ، وحمل النجس على نجس العين توهم صرف يكذبه حلق رأس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في المروة وقطعه (عليه‌السلام) البطيخ بالحديد ولبسه الدرع يوما وليلة في حرب أحد وهو يصلي فيه وعدم اجتنابهم (عليهم‌السلام) من السيف وأشباه ذلك من الأمور التي يعم بها البلوى ، وفي الكافي حديث صحيح صريح في صحة الكيمياء وفيه نوع إشارة الى ما ذكرناه. انتهى.

وبالجملة فالعمل على القول بالطهارة ، بقي الكلام في روايات عمار المتقدمة والأصحاب قد حملوها على الاستحباب ولا بأس به كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد الحلبي في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يكون على طهر فيأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الوضوء؟ فقال لا ولكن يمسح رأسه وأظفاره بالماء. قلت فإنهم يزعمون ان فيه الوضوء؟ فقال ان خاصموكم فلا تخاصموهم وقولوا هكذا السنة».

المقصد الثاني

في الأحكام وفيه بحوث (الأول) ـ في بيان ما به يتحقق التنجيس وما يلحق ذلك ويتعلق به وفيه مسائل :

(الأولى) ـ الظاهر ان كل نجاسة عينية فهي مؤثرة في تنجيس ما تلاقيه برطوبة إلا الماء على تفصيل تقدم فيه في باب المياه بين ما ينفعل بمجرد الملاقاة وما لا ينفعل واما مع اليبوسة فلا ، وكل ما حكم بنجاسته شرعا فهو مؤثر للتنجيس في غيره مع الرطوبة أيضا ، وقد وقع الخلاف في كل من الكليتين فهنا مقامان :

(الأول) ـ في بيان الخلاف في الكلية الاولى وهي عدم تعدى النجاسة مع

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من نواقض الوضوء.

٢٣٦

اليبوسة فإنه قد وقع الخلاف في تعدي نجاسة الميتة مع اليبوسة ، فظاهر جملة من الأصحاب التعدي فإن لهم في ذلك أقوالا متعددة ، فقيل بتأثيرها مطلقا قال في المعالم وهو صريح كلام العلامة في النهاية وظاهره في مواضع أخر من كتبه وفي بعض عبارات المحقق اشعار به. أقول : وهو صريح والده في الروض بالنسبة إلى نجاسة الميت من الإنسان حيث قال ـ بعد ذكر خبري الحلبي وإبراهيم الآتيين وكلام في البين ـ ما لفظه : ودلا ايضا على ان نجاسة الميت تتعدى مع رطوبته ويبوسته للحكم بها من غير استفصال ، وقد تقرر في الأصول ان ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال وإلا لزم الإغراء بالجهل. انتهى. وقيل بعدم تأثيرها بدون الرطوبة مطلقا كغيرها من النجاسات ، قال في المعالم صرح به بعض المتأخرين. أقول : الظاهر انه المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) فإنه صرح بذلك. وقيل بالتفصيل بموافقة الأول في ميتة الآدمي والثاني في ميتة غيره ، اختاره جماعة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى ، وقيل بموافقة القول الأول في الآدمي مطلقا وموافقة الثاني في إيجاب غسل ما تلاقيه ميتة غير الآدمي لا في نجاسته ، ويظهر ذلك من المنتهى.

وقد تلخص من ذلك بالنسبة إلى ميتة الآدمي ان في نجاسته قولين : (أحدهما) كون نجاسته عينية محضة مطلقا مع الرطوبة أو اليبوسة فعلى هذا ينجس ما يلاقي الميت برطوبة كان أو يبوسة ، وهذا هو المشهور كما عرفت من ذهاب جماعة من فضلاء الأصحاب إليه كالعلامة في النهاية والتذكرة والمنتهى والشهيدين في الروض والذكرى والمحقق كما تقدم نقله عن المعالم وغيرهم. و (ثانيهما) كونها عينية محضة مع الرطوبة خاصة كغيرها من النجاسات واما مع اليبوسة فلا تتعدى نجاستها ، وهو اختيار المحقق الشيخ علي كما عرفت. ثم انه على القول الأول فهل تكون نجاسة الملاقي عينية محضة كسائر النجاسات التي لا تتعدى إلا مع الرطوبة خاصة دون اليبوسة أو انها حكمية لا تتعدى إلى الملاقي لها مطلقا وانما توجب غسل ذلك الذي لاقى بدن الميت خاصة؟ والأول ظاهر الأكثر.

٢٣٧

وهو اختيار المحقق الشيخ علي بناء على القول المذكور حيث قال في شرح القواعد بعد البحث في المسألة : «والتحقيق ان نجاسة الميت ان قلنا انها تتعدى ولو مع اليبوسة فنجاسة الماس عينية بالنسبة إلى العضو الذي وقع به المس حكمية بالنسبة الى جميع البدن فلا بد من غسل العضو ثم الغسل ان قلنا انها انما تتعدى مع الرطوبة وهو الأصح فمعها تثبت النجاستان وبدونها تثبت نجاسة واحدة وهي الشاملة لجميع البدن». انتهى. والثاني ظاهر العلامة في المنتهى حيث قال في أحكام ميت الآدمي : «لو مسه رطبا ينجس بنجاسة عينية لما يأتي من ان الميت نجس ولو مسه يابسا فالوجه ان النجاسة حكمية فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته الميت رطبا لم يؤثر في تنجيسه لعدم دليل التنجيس وثبوت الأصل الدال على الطهارة» انتهى. وهو ظاهر ابن إدريس أيضا كما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى.

واما بالنسبة الى غير الآدمي من ذوات النفس فقولان أيضا (أحدهما) الاقتصار في تعدي نجاستها على حال الرطوبة فلا تتعدى مع اليبوسة. وهو قول المحقق الشيخ علي والشهيد في الذكرى والعلامة في التذكرة. و (الثاني) التعدي مع اليبوسة أيضا وبه صرح العلامة في المنتهى. ثم انه على تقدير هذا القول فهل تكون نجاسة الملاقي عينية أو حكمية ظاهره في المنتهى الثاني على اشكال ، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر ميتة غير الآدمي : لا فرق بين ان يمس الميتة برطوبة أم لا في إيجاب غسل اليد خاصة. ثم قال بعد ذلك بأسطر يسيرة : هل تنجس اليد لو كانت الميتة يابسة؟ فيه نظر ينشأ من كون النجاسات العينية يابسة غير مؤثرة في الملاقي ومن عموم وجوب الغسل وانما يكون مع التنجيس ، وحينئذ تكون نجاستها عينية أو حكمية؟ الأقرب الثاني فلو لامس رطبا قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته على اشكال. انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان حجة الأول القول وهو تعدي نجاسة ميت الآدمي مطلقا ما قدمناه من الأخبار في الفصل الخامس في نجاسة الميتة فإنها دالة بإطلاقها على تعدي نجاسته مع الرطوبة كان أو اليبوسة بالتقريب الذي تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض

٢٣٨

وحجة القول الثاني وهو عدم تعديها مع اليبوسة مع الأصل قوله (عليه‌السلام) في موثقة عبد الله بن بكير (١) : «كل شي‌ء يابس ذكي». المؤيد بجملة من الاخبار الدالة على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة والظاهر ان تقييد المطلق أقرب من تخصيص العام وحينئذ فالظاهر حمل إطلاق تلك الاخبار على الملاقاة بالرطوبة من أحدهما ، ومما يستأنس به لذلك قوله (عليه‌السلام) في رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة (٢) «ما أصاب ثوبك منه». في الموضعين فان فيه إشارة إلى تعدى رطوبة أو قذر من الميت ، والى هذا القول يميل كلام المفاتيح ، وظاهر المدارك التوقف في الحكم ، وظاهر المعالم ترجيح القول المشهور لحسنة الحلبي (٣) وعدم نهوض موثقة ابن بكير بالمعارضة لقصورها من حيث السند ، والمسألة لا تخلو من اشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال وان كان القول بالطهارة لا يخلو من قوة. واما حجة القول في ميتة غير الآدمي باختصاص التعدي بالرطوبة فلنجاسة الميتة ودلالة الأخبار الكثيرة في مواضع متفرقة على ان ملاقاة النجاسة بالرطوبة موجب لتعديها والحكم مجمع عليه كما تقدم نقله ، وتوقف التعدي مع اليبوسة على الدليل والذي ثبت على تقدير تسليمه مخصوص بميت الإنسان واما غيره فالحكم فيه كسائر النجاسات العينية لا تتعدى نجاستها إلا مع الرطوبة ، ويدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسله. قال ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس». وحجة القول بالتعدي في نجاسة غير الآدمي مع اليبوسة كما ذكره العلامة في المنتهى على ما نقله بعض الأصحاب مرسلة يونس المتقدمة قريبا في مسألة الخلاف في نجاسة الأرنب والثعلب (٥) قيل وتقريب الدلالة في الأمرين واحد وهو ترك الاستفصال عن كون الإصابة والمس برطوبة أو غيرها وهو دليل على تعميم الحكم

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣١ من أحكام الخلوة.

(٢ و ٣) ص ٦٥.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٢٦ من النجاسات.

(٥) ص ٢٢٨.

٢٣٩

وانتفاء الفرق. والحق ان الرواية المذكورة بناء على ما حققناه سابقا في الموضع المشار اليه وبينا معارضتها بالأخبار المستفيضة لا تصلح مستندا في المقام.

(تذنيب) ـ يشتمل على فائدتين (الأولى) ـ اعلم ان النجاسة العينية تطلق في كلام الفقهاء على معان وتقابلها الحكمية في كل منها (فأحدها) ان يراد بها ما تتعدى نجاسته مع الرطوبة وهو مطلق الخبث وهو الأكثر دورانا في كلامهم. وتقابلها الحكمية بمعنى ما لا تتعدى بان يكون المحل الذي قامت به معها طاهرا لا ينجس الملاقي له ولو مع الرطوبة ويحتاج زوال حكمها إلى مقارنة النية كنجاسة بدن الجنب والحائض ونحوها المتوقف على الغسل. و (ثانيها) ما إذا كانت عين النجاسة محسوسة مع قبول الطهارة كالدم والغائط والبول قبل جفافه ونحوها ، وتقابلها الحكمية بهذا الاعتبار وهو ما لا يكون له جرم ولا عين يشار إليها كالبول اليابس في الثوب. و (ثالثها) ما يكون عينا غير قابل للتطهير كالكلب والخنزير وتقابلها الحكمية بهذا الاعتبار وهو ما يقبل التطهير كالميت بعد برده وقبل تطهيره بالغسل ، وعلى هذا فتكون نجاسة الميت عينية بالمعنى الأول والثاني حكمية بالمعنى الثالث فهي عينية من جهة وحكمية من جهة ، واما نجاسة الماس له فإنها حكمية بالمعنى الأول برطوبة كان المس أو يبوسة وعينية بالنسبة إلى العضو الذي وقع المس به برطوبة إجماعا ومع اليبوسة يبنى على الخلاف المتقدم.

(الثانية) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأن المعتبر من الرطوبة التي يتوقف تأثير النجاسة عليها ما يتعدى منها شي‌ء إلى الملاقي فاما القليلة البالغة في القلة إلى حد لا يتعدى منها شي‌ء فهي في حكم اليبوسة. وهو جيد ويدل عليه اخبار موت الفأرة في الدهن الجامد ونحوه (١) وانه يؤخذ ما حولها خاصة والباقي طاهر ، والتقريب فيها ان الجمود في الدهن لا يبلغ الى حد اليبس بل الرطوبة فيه في الجملة موجودة كما لا يخفى.

(المقام الثاني) ـ في بيان الخلاف في الكلية الثانية وهي ان كل ما حكم

__________________

(١) رواها في الوسائل في الباب ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ، وقد تقدمت ص ٥٦.

٢٤٠