الحدائق الناضرة - ج ٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

والمنية؟ واي حديث صرح بنجاستهم حتى يصرح بنجاسة أئمتهم ، واي ناظر وسامع خفي عليه ما بلغ بهم من أئمة الضلال حتى لا يصار اليه الا مع الدلالة؟ ولعله (قدس‌سره) ايضا يمنع من نجاسة يزيد وأمثاله من خنازير بني أمية وكلاب بني العباس لعدم الدليل على كون التقية هي المانعة من اجتناب أولئك الأرجاس.

(الثالث) ـ ان ما استند اليه من الاستدلال بحديث أفضلية الوضوء من سؤر المسلمين لا يخلو من نوع مصادرة ، فان الحكم بإسلام المخالفين أول البحث والحاكم بالنجاسة إنما حكم بذلك لثبوت الكفر والنصب المستلزمين للنجاسة ، على انا لا نسلم ان المراد بالإسلام هنا المعنى الأعم كما استند اليه بل المراد انما هو المعنى المرادف للايمان كما فسره به بعض علمائنا الأعيان حيث قال : والوجه في التعليل كون الوضوء بفضل جماعة المسلمين أسهل حصولا ، الى ان قال مع ما فيه من التبرك بسؤر المؤمن وتحصيله الألفة بذلك.

(الرابع) ـ ان ما فسر به النواصب من انهم الخوارج خاصة مما يقضى منه العجب العجاب لخروجه عن مقتضى النصوص المستفيضة في الباب وعدم موافق له في ذلك لا قبله ولا بعده من الأصحاب.

وبالجملة فإن كلامه في هذا المقام لا اعرف له وجها وجيها من اخبارهم (عليهم‌السلام) بل هي في رده وبطلانه أظهر من البدر ليالي التمام.

هذا ، واما الأخبار الدالة على كفر المخالفين عدا المستضعفين فمنها ما رواه في الكافي (١) بسنده عن مولانا الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان الله عزوجل نصب عليا (عليه‌السلام) علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا.».

وروى فيه (٢) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) باب من أبواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج من بابه كان كافرا ومن لم يدخل

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ٤٣٧ الطبع الحديث.

(٢) الأصول ج ٢ ص ٣٨٩.

١٨١

فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله عزوجل فيهم المشيئة».

وروى فيه (١) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «. من عرفنا كان مؤمنا ومن أنكرنا كان كافرا ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع الى الهدي الذي افترضه الله عليه من طاعتنا الواجبة فان مات على ضلالته يفعل الله به ما يشاء».

وروى الصدوق في عقاب الأعمال (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) «ان الله تعالى جعل عليا (عليه‌السلام) علما بينه وبين خلقه ليس بينهم وبينه علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا ومن جحده كان كافرا ومن شك فيه كان مشركا».

ورواه البرقي في المحاسن مثله (٣). وروى فيه ايضا عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) باب هدى من عرفه كان مؤمنا ومن خالفه كان كافرا ومن أنكره دخل النار».

وروى في العلل بسنده الى الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان العلم الذي وضعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند علي (عليه‌السلام) من عرفه كان مؤمنا ومن جحده كان كافرا».

وروى في كتاب التوحيد وكتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «الامام علم بين الله عزوجل وبين خلقه من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا».

وروى في الأمالي بسنده فيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٦) انه قال لحذيفة اليماني «يا حذيفة ان حجة الله عليكم بعدي علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) الكفر

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ١٨٧ الطبع الحديث.

(٢) ص ٥.

(٣) ص ٨٩.

(٤) المحاسن ص ٨٩ واللفظ : «علي باب الهدى من خالفه كان كافرا ومن أنكره دخل النار».

(٥) رواه في البحار ج ٧ ص ٢٧.

(٦) رواه في البحار عنه ج ٩ ص ٢٨٣.

١٨٢

به كفر بالله سبحانه والشرك به شرك بالله سبحانه والشك فيه شك في الله سبحانه والإلحاد فيه إلحاد في الله سبحانه والإنكار له إنكار لله تعالى والايمان به ايمان بالله تعالى لأنه أخو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووصيه وامام أمته ومولاهم. وهو حبل الله المتين وعروته الوثقى التي لَا انْفِصامَ لَها ... الحديث».

وروى في الكافي (١) بسنده الى الصحاف قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوله تعالى : «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» (٢) فقال عرف الله تعالى ايمانهم بموالاتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق وهم ذر في صلب آدم».

وروى فيه (٣) بسنده عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «أهل الشام شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله تعالى جهرة».

وروى فيه بسنده عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) «ان أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وأهل المدينة أخبث من أهل مكة ، أخبث منهم سبعين ضعفا».

وروى فيه (٥) عن ابي مسروق قال : «سألني أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت مرجئة وقدرية وحرورية. قال لعن الله تعالى تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شي‌ء». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام ومن أحب الوقوف عليها فليرجع إلى الكافي ولا سيما في تفسير الكفر في جملة من الآيات القرآنية.

وأنت خبير بان التعبير عن المخالفة في الإمامة في جملة من هذه الاخبار بالإنكار في بعض والجحود في بعض دلالة واضحة على كفر هؤلاء المخالفين من قبيل كفر الجحود والإنكار الموجب لخروجهم عن جادة الإسلام بكليته واجراء حكم الكفر عليهم برمته

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ٤٢٦ الطبع الحديث.

(٢) سورة التغابن ، الآية ٢.

(٣ و ٥) الأصول ج ٢ ص ٤٠٩ الطبع الحديث.

(٤) الأصول ج ٢ ص ٤١٠ الطبع الحديث.

١٨٣

وان مخالفتهم في ذلك انما وقع عنادا واستكبارا لقيام الأدلة عليهم في ذلك وسطوع البراهين فيما هنالك لديهم ، لان الجحود والإنكار إنما يطلقان في مقام المخالفة بعد ظهور البرهان كما صرح به علماء اللغة الذين إليهم المرجع في هذا الشأن. وبذلك يظهر ما في جواب شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني حيث انه ممن تبع المشهور بين المتأخرين في الحكم بإسلام المخالفين ، فإنه أجاب عن إطلاق الكفر عليهم في الاخبار بالحمل على الكفر الحقيقي وان كانوا مسلمين ظاهرا فهم مسلمون ظاهرا فتجري عليهم أحكام الإسلام من الطهارة وجواز المناكحة وحقن المال والدم والموارثة ونحو ذلك وكفار حقيقة وواقعا فيخلدون في النار يوم القيامة ، ثم احتمل حمل كفرهم على أحد معاني الكفر وهو كفر الترك فكفرهم بمعنى ترك ما أمر الله تعالى به كما ورد «ان تارك الصلاة كافر» (١). و «تارك الزكاة كافر» (٢). و «تارك الحج كافر» (٣). و «مرتكب الكبائر كافر» (٤). وفيه ان ما ذكره من الكفر بالمعنى الأول من انهم مسلمون ظاهرا وكفار حقيقة بمعنى اجتماع الكفر والإسلام بهذين المعنيين لم يقم عليه دليل في غير المنافقين في وقته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإنكاره بمجرد دعوى الإسلام لأولئك المخالفين أول البحث ، ومن المعلوم ان المتبادر من إطلاق الكفر حيث يذكر انما هو ما يكون مباينا للإسلام ومضادا له في الأحكام إذ هو المعنى الحقيقي للفظ ، وهكذا كل لفظ أطلق فإنما يحمل على معناه الحقيقي إلا ان يصرف عنه صارف ولا صارف هنا إلا مجرد هذه الدعوى وهي ممنوعة بل هي أول البحث لعدم الدليل عليها بل قيام الأدلة المتعاضدة في دفعها وبطلانها كما أوضحناه في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أعداد الفرائض ونوافلها.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من ما يجب فيه الزكاة.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب وجوب الحج.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٢ من مقدمة العبادات.

١٨٤

عليه من المطالب. واما ما ذكره من الحمل على ترك ما أمر الله تعالى فإنه لا يخفى على من تأمل الأخبار التي أوردناها ان الكفر المنسوب إلى هؤلاء انما هو من حيث الإمامة وتركها وعدم القول بالإمامة. ولا يخفى ان الترك لشي‌ء من ضروريات الدين ان كان انما هو ترك استخفاف وتهاون فصاحبه لا يخرج عن الايمان كترك الصلاة والزكاة ونحوهما وان أطلق عليه الكفر في الاخبار كما ذكره تغليظا في المنع من ذلك ، وان كان عن جحود وإنكار فلا خلاف في كفر التارك كفرا حقيقيا دنيا وآخرة ولا يجوز إطلاق اسم الإسلام عليه بالكلية كمن ترك الصلاة ونحوها كذلك ، والأخبار المتقدمة كما عرفت قد صرحت بكون كفر هؤلاء انما هو من حيث جحود الإمامة وإنكارها لا ان ذلك استخفاف وتهاون مع اعتقاد ثبوتها وحقيتها كالصلاة ونحوها فإنه لا معنى له بالنسبة إلى الإمامة كما لا يخفى ، وحينئذ فليختر هذا القائل اما ان يقول بكون الترك هنا ترك جحود وإنكار فيسقط البحث ويتم ما ادعيناه واما ان يقول ترك استخفاف وتهاون فمع الإغماض عن كونه لا معنى له فالواجب عليه القول بإيمان المخالفين لان الترك كذلك لا يوجب الخروج عن الايمان كما عرفت ولا أراه يلتزمه.

واما ما يدل على نصبهم فمنه ما تقدم نقله في كلام شيخنا الشهيد الثاني من حديث عبد الله بن سنان (١) ونحوه ايضا ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (٢) بسند معتبر عن معلى بن خنيس قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انا أبغض آل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا». وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر مما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا ابي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه‌السلام) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى (٣) قال : «كتبت اليه

__________________

(١) ص ١٧٧.

(٢) ص ١٠٤.

(٣) رواه عنه في البحار ج ٣ من المجلد ١٥ ص ١٤ وفي الوافي ج ٢ ص ٥٦.

١٨٥

اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب».

والمستفاد من هذه الأخبار ان مظهر النصب المترتب عليه الأحكام والدليل عليه اما تقديم الجبت والطاغوت أو بغض الشيعة من حيث التشيع فكل من اتصف بذلك فهو ناصب تجري عليه أحكام النصب ، نعم يجب ان يستثني من خبر تقديم الجبت والطاغوت المستضعف كما عرفت من الاخبار المتقدمة وغيرها ايضا فيختص الحكم بما عداه ، وعموم ذلك لجميع المخالفين بعد إخراج هذا الفرد مما لا يعتريه الريب والشك بالنظر الى الاخبار المذكورة كما عليه أكثر أصحابنا المتقدمين الحاكمين بالكفر وكثير من متأخري المتأخرين كما قدمنا نقل كلام بعضهم.

واما ما أجاب به الشيخ المحدث الصالح المتقدم ذكره ـ من ان الناصب يطلق على معان : (أحدها) ـ من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) وعلى هذا يحمل ما ورد من حل مال الناصب ونحوه. و (ثانيها) ـ من قدم الجبت والطاغوت كما تضمنه خبر السرائر. و (ثالثها) ـ من نصب للشيعة ـ فهو ناشى‌ء من ضيق الخناق وانا لم نجد لهذا المعنى الأول دليلا ولم نجد لهم دليلا على هذا التقسيم سوى دعواهم إسلام المخالفين فأرادوا الجمع بين الحكم بإسلامهم وبين هذه الاخبار بحمل النصب على ما ذكروه في المعنى الأول وهو أول البحث في المسألة فإن الخصم يمنع إسلامهم ويقول بكفرهم.

وبالجملة فإنه لا خلاف بيننا وبينهم في ان الناصب هو العدو لأهل البيت والنصب لغة هو العداوة وشرعا بل لغة ايضا على ما يفهم من القاموس هو العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) انما الخلاف في ان هؤلاء المخالفين هل يدخلون تحت هذا العنوان أم لا؟ فنحن ندعى دخولهم تحته وصدقه عليهم وهم يمنعون ذلك ، ودليلنا على ما ذكرنا الأخبار المذكورة الدالة على ان الأمر الذي يعرف به النصب ويوجب الحكم به على من اتصف به هو تقديم الجبت والطاغوت أو بغض الشيعة ولا ريب في صدق ذلك على

١٨٦

هؤلاء المخالفين ، وليس هنا خبر يدل على تفسير الناصب بأنه المبغض لأهل البيت (عليهم‌السلام) كما يدعونه بل الخبران المتقدمان صريحان في انك لا تجد أحدا يقول ذلك. وبالجملة فإنه لا دليل لهم ولا مستند أزيد من وقوعهم في ورطة القول بإسلامهم فتكلفوا هذه التكلفات الشاردة والتأويلات الباردة ، على انا قد حققنا في الشهاب الثاقب بالأخبار الكثيرة بغض المخالفين المقدمين للجبت والطاغوت غير المستضعفين لأهل البيت (عليهم‌السلام) واليه يشير كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم نقله من الروض.

ومن أظهر ما يدل على ما ذكرناه ما رواه جملة من المشايخ عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «الناصبي شر من اليهودي. فقيل له وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال ان الناصبي يمنع لطف الإمامة وهو عام واليهودي لطف النبوة وهو خاص». فإنه لا ريب ان المراد بالناصبي هنا مطلق من أنكر الإمامة كما ينادي به قوله «يمنع لطف الإمامة» وقد جعله (عليه‌السلام) شرا من اليهودي الذي هو من جملة فرق الكفر الحقيقي بلا خلاف. ومن أراد الإحاطة بأطراف الكلام والوقوف على صحة ما ادعيناه من اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) فليرجع الى كتابنا المشار اليه آنفا فإنه قد أحاط بأطراف المقال ونقل الأقوال والأدلة الواردة في هذا المجال.

واما ما يدل على نجاسة الناصب الذي قد عرفت انه عبارة عن المخالف مطلقا إلا المستضعف منه فمنه ـ ما رواه في الكافي بسنده عن عبد الله بن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء وفيها غسالة الناصب وهو شرهما ، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب وان الناصب أهون على الله تعالى من الكلب». وما رواه فيه ايضا عن خالد القلانسي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ألقى الذمي

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١١ من الماء المضاف.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب النجاسات.

١٨٧

فيصافحني؟ قال امسحها بالتراب أو بالحائط. قلت فالناصب؟ قال اغسلها». وعن الوشاء عن من ذكره عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «انه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الإسلام ، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب». ورواية علي ابن الحكم عن رجل عنه (عليه‌السلام) (٢) وفيها «لا تغتسل من ماء غسالة الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم». وما رواه الصدوق في العلل في الموثق عن عبد الله ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال فيه بعد ان ذكر اليهودي والنصراني والمجوسي قال : «والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم ، ان الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه». ولجملة من أصحابنا في هذا المقام ـ حيث نقلوا عن ابن إدريس القول بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف وعن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بنجاسة غير المؤمن وزيفوا لهما حججا واهية ـ كلام واه في الجواب عن ذلك لا يستحق النظر اليه كما لا يخفى على من تأمل فيما ذكرناه وتدبر ما سطرناه فإنه هو الحجة في المقام لا ما زيفه أولئك الأعلام

فرعان

(الأول) ـ لا يخفى انه على تقدير القول بالنجاسة كما اخترناه فلو ألجأت ضرورة التقية إلى المخالطة جازت المباشرة دفعا للضرر كما أوجبته شرعية التقية في غير مقام من الأحكام إلا انه يتقدر بقدر الضرورة فيتحرى المندوحة مهما أمكن. بقي الكلام في انه لو زالت التقية بعد المخالطة والمباشرة بالبدن والثياب فهل يجب تطهيرها أم لا؟ إشكال ينشأ من حيث الحكم بالنجاسة وانما سوغنا مباشرتها للتقية وحيث زالت التقية فحكم النجاسة باق على حاله فيجب إزالتها إذ لا مانع من ذلك ، ومن حيث

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣ من الأسآر.

(٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ١١ من الماء المضاف.

١٨٨

تسويغ الشارع المباشرة وتجويزه لها أولا فما اتى به من ذلك أمر جائز شرعا وهو حكم الله تعالى في حقه في تلك الحال وعود الحكم بالنجاسة على وجه يوجب التطهير بعد ذلك يحتاج الى دليل ، وبالجملة فالمسألة لا تخلو عندي من نوع توقف لعدم الدليل الظاهر في البين والاحتياط فيها ظاهر. والله العالم.

(الثاني) ـ ينبغي ان يعلم ان جميع من خرج عن الفرقة الاثني عشرية من افراد الشيعة كالزيدية والواقفية والفطحية ونحوها فان الظاهر ان حكمهم كحكم النواصب فيما ذكرنا لان من أنكر واحدا منهم (عليهم‌السلام) كان كمن أنكر الجميع كما وردت به اخبارهم ، ومما ورد من الأخبار الدالة على ما ذكرنا ما رواه الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال بإسناده عن ابن ابي عمير عن من حدثه (١) قال : «سألت محمد بن علي الرضا (عليه‌السلام) عن هذه الآية «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ» (٢) قال وردت في النصاب ، والزيدية والواقفية من النصاب». وما رواه فيه بسنده الى عمر بن يزيد (٣) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فحدثني مليا في فضائل الشيعة ثم قال ان من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب. فقلت جعلت فداك أليس ينتحلون مودتكم ويتبرأون من عدوكم؟ قال نعم. قلت جعلت فداك بين لنا لنعرفهم فلعلنا منهم. قال كلا يا عمر ما أنت منهم انما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى». وما رواه فيه ايضا (٤) قال : «ان الزيدية والواقفية والنصاب بمنزلة واحدة». وروى القطب الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح عن احمد بن محمد بن مطهر (٥) قال : «كتب بعض أصحابنا الى ابي محمد (عليه‌السلام) من أهل الجبل يسأله عن من وقف على ابى الحسن موسى (عليه‌السلام) أتولاهم أم أتبرّأ منهم؟ فكتب لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه ، انا الى الله بري‌ء منهم فلا تتولهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) سواء ، من جحد اماما من الله تعالى أو زاد اماما ليست إمامته من الله

__________________

(١ و ٤) ص ١٤٩.

(٢) سورة الغاشية الآية ٢ و ٣.

(٣) ص ٢٨٦.

(٥) كشف الغمة ص ٣٠٩.

١٨٩

أو قال ثالث ثلاثة ، ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا». وكأن هذا السائل لم يعلم ان عمه كان منهم فأعلمه بذلك. وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في المراد عارية عن وصمة الإيراد ، ولهذا نقل شيخنا البهائي (قدس‌سره) في مشرق الشمسين ان متقدمي أصحابنا كانوا يسمون تلك الفرق بالكلاب الممطورة أي الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم والبعد عنهم. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين القول بطهارة ولد الزنا والحكم بإسلامه ودخول الجنة ، وعن ابن إدريس القول بكفره ونجاسته ، ونقل العلامة في المختلف القول بالكفر عن المرتضى وابن إدريس ، ونقل جملة منهم عن الصدوق ايضا القول بالنجاسة والكفر ، قال في المختلف في باب السؤر : قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك وجعل ولد الزنا كالكافر ، وهو المنقول عن المرتضى وابن إدريس ، وباقي علمائنا حكموا بإسلامه ، وهو الحق وسيأتي بيان ذلك. وقال المحقق في المعتبر وربما تعلل المانع ـ يعني من سؤر ولد الزنا ـ بأنه كافر ونحن نمنع ذلك ونطالبه بدليل دعواه ، ولو ادعى الإجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية فإنا لا نعلم ما ادعاه. قال في المعالم بعد نقل الأقوال المذكورة : إذا عرفت ذلك فاعلم ان المعتمد عندي هو القول بالطهارة لكونها مقتضى الأصل والمخرج عنه غير معلوم. وقال في الذخيرة : ويدل على الطهارة الأصل وكونه محكوما عليه بالإسلام ظاهرا وان سؤره طاهر لما أشرنا إليه من العمومات فيلزم العموم لعدم القائل بالفصل. انتهى.

واحتج في المنتهى للقول بكفره بمرسلة الوشاء المتقدمة (١) قال : ووجهه انه لا يريد بلفظ «كره» المعنى الظاهر له وهو النهي عن الشي‌ء نهى تنزيه لقوله «واليهودي» فان الكراهة فيه تدل على التحريم فلم يبق المراد إلا كراهة التحريم ،

__________________

(١) ص ١٨٨.

١٩٠

ولا يجوز ان يرادا معا وإلا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه أو استعمال اللفظ في معنيين الحقيقة والمجاز وذلك باطل ، ثم انه أجاب عن الاحتجاج بالمنع من الحديث فإنه مرسل ، سلمنا لكن قول الراوي «كره» ليس إشارة إلى النهي بل الكراهة التي في مقابلة الإرادة وقد تطلق على ما هو أعم من المحرم والمكروه ، سلمنا لكن الكراهة قد تطلق على النهي المطلق فيحمل عليه. انتهى.

وقال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في بعض تحقيقاته وقد سأل عن ولد الزنا : هل يحتمل ان يدخل الجنة مع إمكان ان يكون مؤمنا متشرعا؟ فأجاب (قدس‌سره) بما ملخصه ان جواز ايمانه وإمكان تدينه عقلا مما لا خلاف فيه كيف ولو لم يكن كذلك لزم التكليف بالمحال وهو باطل عقلا ونقلا ، وانما الخلاف في الوقوع هل يقع منه الايمان والتدين أم يقطع بعدم وقوع ذلك؟ والمنقول عن رئيس المحدثين ابي جعفر محمد بن علي بن بابويه والمرتضى علم الهدى وابي عبد الله ابن إدريس الحلي روح الله أرواحهم وقدس أشباحهم هو الثاني وهو انه لا يكون إلا كافرا بمعنى انه لا يختار إلا الكفر. وهم لا ينكرون انه لو فرض ايمانه وتدينه أمكن دخول الجنة بل وجب وان كان عندهم ان هذا الفرض غير واقع لانه لا بد وان يختار من قبل نفسه الكفر ، وفي ظواهر الاخبار ما يشهد بهذا القول مثل قوله (عليه‌السلام) (١) «ولد الزنا شر الثلاثة». ومثل قوله (عليه‌السلام) (٢) «لا يبغضك يا علي إلا ولد الزنا». ثم نقل خبرا عن الكافي (٣) يتضمن قوله : «ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال ولا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان. فقيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفي الناس شرك شيطان؟ فقال اما تقرأ قول الله عزوجل :

__________________

(١) البحار ج ٨ ص ٢١٢ وسفينة البحار ج ١ ص ٥٦٠.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٥٦٠ و ٥٦١.

(٣) الأصول ج ٢ ص ٣٢٣ الطبع الحديث.

١٩١

(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ)» (١). قال فان ظاهره تحريم الجنة على الصنف المذكور تحريما مؤبدا ، الى ان قال : ولا يخفى انه يمكن حمل الخبر علي تحريم الجنة عليهم زمانا طويلا أو تحريم جنة خاصة معدة لغير هذا الصنف كما احتمله شيخنا البهائي في شرح الأربعين ، ثم ذكر جملة من الأخبار الدالة على كون حب علي (عليه‌السلام) علامة على طيب الولادة وبغضه علامة على الزنا ، إلى ان قال وبالجملة الأخبار المشعرة بهذا المعنى كثيرة إلا أنها قابلة للتأويل غير خالية عن قصور في سند أو دلالة والقائل بمضمونها قليل نادر ، وأكثر أصحابنا على إسلامه وطهارته وإمكان تدينه وعدالته وصحة دخوله الجنة ، وانا في هذه المسألة متوقف وان كان القول الثاني لا يخلو من قوة ومتانة. وهو فتوى الشيخين والفاضلين والشهيدين وكافة المتأخرين ، ويعضده الأصل والنظر الى عموم سعة رحمة الله تعالى وتفضله بالألطاف الربانية والعنايات السبحانية على كافة البرية. انتهى ملخصا.

أقول : ونحن نبسط الكلام في الإيراد على كلام شيخنا المذكور ونبين ما فيه من القصور وبه يتضح ايضا ما في القول المشهور ، فنقول : لا يخفى ان شيخنا قد دخل في هذه المسألة من غير الطريق وعرج على الاستدلال فيها من واد سحيق ولم يمعن النظر فيها بعين التحقيق ولا الفكر الصائب الدقيق ولم يورد شيئا من أخبارها اللائقة بها حسبما يراد فلذا صار كلامه معرضا للإيراد ، وبيان ذلك يظهر من وجوه النظر التي تتوجه على كلامه الظاهرة في تداعي ما بنى عليه وانهدامه.

فأحدها ـ جعله محل الخلاف في المسألة انه هل يقع من ابن الزنا الايمان والتدين أم يقطع بعدمه؟ وحمله القول بكفره على معنى انه لا يقع منه إلا الكفر وإلا فإنهم لا ينكرون انه لو فرض ايمانه وتدينه أمكن دخوله الجنة بل وجب. فإنه ليس في محله بل هؤلاء القائلون بكفره يقولون به وان أظهر الايمان وتدين به كما هو ظاهر النقل عنهم ، وبه صرح جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا خاتمة المحدثين غواص بحار الأنوار

__________________

(١) سورة بني إسرائيل ، الآية ٦٤.

١٩٢

حيث قال فيه : ونسب الى الصدوق والمرتضى وابن إدريس (قدس الله أسرارهم) القول بكفره وان لم يظهره ، ثم قال : وهذا مخالف لأصول العدل إذ لم يفعل باختياره ما يستحق به العقاب فيكون عقابه ظلما وجورا وليس بظلام للعبيد. انتهى. أقول : وهذا الذي نقله عن المشايخ الثلاثة هو الذي تدل عليه الأخبار وهي التي أوجبت مصيرهم اليه كما ستمر بك ان شاء الله تعالى فإنها صريحة في حرمانه الجنة وان أظهر التدين والايمان ، نعم ما ذكره من القول بالكفر انما هو وجه تأويل حيث حمل القائلون بإسلام ولد الزنا الأخبار الدالة على عدم دخوله الجنة على انه لكونه يظهر الكفر فجعلوه جوابا عن الاخبار المذكورة مع انها صريحة في رده ايضا كما سيظهر لك لا ان ذلك مذهب القائلين بكفره.

وثانيها ـ ما نقله من الأدلة للقائلين بالكفر وقوله في آخر الكلام : وبالجملة فالأخبار المشعرة بهذا المعنى كثيرة إلا أنها قابلة للتأويل. فإنه مسلم بالنسبة إلى إخباره التي أوردها لكنها ليست هي أدلة هذا القول كما توهمه بل أدلته ما سنذكره من الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة الغير القابلة للتأويل ، والعجب منه (قدس‌سره) مع سعة دائرته في الاطلاع وكونه ممن لا يجارى في سعة الباع كيف غفل عن الوقوف عليها مع كثرتها وانتشارها وتكررها واشتهارها حتى اعتمد في الاستدلال على هذه الاخبار البعيدة عن المقام بمراحل لا تنطبق عليه إلا بمزيد تكلف كما لا يخفى على الخبير الكامل.

وثالثها ـ ما ذكره من قوله : ان أكثر أصحابنا على إسلامه وطهارته وإمكان تدينه وعدالته وصحة دخوله الجنة ، وميله الى هذا القول بعد توقفه وقوله انه لا يخلو من من قوة ومتانة ، ومن الكلام على هذا الوجه يظهر لك ما في القول المشهور ايضا من القصور فان فيه ان ما صاروا اليه هنا في هذه المواضع مخالف لجملة الأخبار الواردة عن العترة الطاهرة في جملة من موارد الأحكام :

١٩٣

فمنها ـ دعوى الطهارة مع ان ظواهر الأخبار تدل على النجاسة ، ومنها ـ ما تقدم في آخر المسألة المتقدمة وهي رواية عبد الله بن ابي يعفور (١) الدالة على النهي عن الاغتسال من البئر الذي يجتمع فيه غسالة الحمام فان فيه غسالة ولد الزنا مع اشتمالها على المبالغة في نجاسته بأنه لا يطهر إلى سبعة آباء ، ومرسلة الوشاء (٢) وان تمحل في المنتهى لتأويلها بما قدمنا ذكره إلا انه انما يصار اليه مع تسليم صحته مع وجود المعارض ، ورواية حمزة بن احمد عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال فيه : «ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم». وليس في الأخبار ما يعارض هذه الاخبار سوى مجرد دعواهم الإسلام وسيظهر لك ما فيه في المقام ، ورواية علي بن الحكم ، فهذه جملة من الأخبار ظاهرة في نجاسته مع تأيدها بما يأتي من الأخبار في تلك الأحكام.

ومنها ـ دعوى العدالة ولا يخفى ان المواضع التي يشترط فيها العدالة هي الإمامة في الصلاة وقد اتفقت كلمة الأصحاب والاخبار على اشتراط طهارة المولد فيها وانها لا تنعقد بابن الزنا وان تدين بالإسلام وكان منه في أعلى مقام ، والشهادة وقد استفاضت الأخبار بأنه لا تقبل شهادته ، والقضاء وقد اتفقت كلمة الأصحاب على انه لا يجوز له تولي القضاء ، وحينئذ فأي ثمرة لهذه العدالة التي ادعاها في المقام؟ والاخبار الواردة في هذه المواضع التي أشرنا إليها معلومة لمن وقف على الأخبار ومن لم يقف فليراجع ، فلا ضرورة إلى التطويل بنقلها وكذا نقل كلام الأصحاب في هذه الأبواب.

ومما يؤيد الحكم بكفره ما ورد في ديته وانها كدية اليهود والنصارى ثمانمائة درهم كما ورد في رواية عبد الرحمن بن عبد الحميد (٤) ومرسلة جعفر بن بشير (٥) ورواية إبراهيم بن عبد الحميد (٦) وفي رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٧)

__________________

(١ و ٢) ص ١٨٧ و ١٨٨.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ١١ من الماء المضاف.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) المروية في الوسائل في الباب ١٥ من ديات النفس.

١٩٤

قال : «سألته كم دية ولد الزنا؟ قال يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه». وقد حكم بمضمون هذه الاخبار الصدوق والمرتضى وابن إدريس بناء على مذهبهم في المسألة ، والمشهور بناء على الحكم بإسلامه ان ديته دية المسلم مع انه لا معارض لهذه الاخبار في المقام.

ومنها ـ دعوى دخول الجنة فإن الأخبار مستفيضة بردها ، ومنها ما رواه الصدوق في العلل بسنده عن سعد بن عمر الجلاب (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الله عزوجل خلق الجنة طاهرة مطهرة فلا يدخلها إلا من طابت ولادته ، وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) طوبى لمن كانت امه عفيفة». وروى في الكتاب المذكور (٢) بسنده فيه الى محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه رفع الحديث الى الصادق (عليه‌السلام) قال : «يقول ولد الزنا يا رب فما ذنبي؟ فما كان لي في امري صنع ، قال فيناديه مناد فيقول أنت شر الثلاثة أذنب والداك فنبت عليهما وأنت رجس ولن يدخل الجنة إلا طاهر». أقول : انظر الى صراحة هذا الخبر في ان منعه وطرده عن الجنة انما هو من حيث كونه ابن زنا حيث انه احتج بان لا ذنب لي يوجب بعدي وطردي من الجنة فلو كان كافرا لم يحتج بهذا الكلام ولو احتج به لأتاه الجواب بان طرده من الجنة لكفره ، وما رواه في الكافي وغيره بسنده عن ابي خديجة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لو كان أحد من ولد الزنا نجا لنجا سائح بني إسرائيل. فقيل له وما سائح بني إسرائيل؟ قال كان عابدا فقيل له ان ولد الزنا لا يطيب ابدا ولا يقبل الله تعالى منه عملا ، قال فخرج يسبح في الجبال ويقول ما ذنبي؟». وروى البرقي في المحاسن بسنده عن سدير الصيرفي (٤) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) من طهرت ولادته دخل الجنة». وروى فيه ايضا بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «خلق الله تعالى الجنة طاهرة مطهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته». وهذه الاخبار كما ترى صريحة في ان منع ابن الزنا من الجنة انما هو من حيث خبث الولادة لا من

__________________

(١ و ٢) ص ١٨٨.

(٣) المحاسن ص ١٠٨.

(٤ و ٥) ص ١٣٩.

١٩٥

حيث الكفر الذي زعموا حمل الاخبار عليه كما قدمنا الإشارة اليه ، وروى في المحاسن ايضا بسنده عن أيوب بن الحر عن ابي بكر (١) قال : «كنا عنده ومعنا عبد الله بن عجلان فقال عبد الله بن عجلان معنا رجل يعرف ما نعرف ويقال انه ولد زنا؟ فقال ما تقول؟ فقلت ان ذلك ليقال فقال ان كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه وهج جهنم ويؤتى برزقه». قال بعض مشايخنا بعد نقل هذا الخبر : قوله من صدر اي يبنى له ذلك في صدر جهنم وأعلاه ، والظاهر انه تصحيف الصبر بالتحريك وهو الجمد ، وروى في الكافي بسنده عن ابن ابي يعفور (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ولد الزنا يستعمل ان عمل خيرا جزي به وان عمل شرا جزى به». أقول هذا الخبر موافق للقول المشهور من ان ولد الزنا كسائر الناس يجزى بما يعمل إلا انه مع إجماله لا يعارض الأخبار المتقدمة ، ومما يؤكد هذا ايضا ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال والبرقي في المحاسن بسنديهما عن ابي بصير ليث المرادي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان نوحا حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل فيها ولد الزنا وان الناصب شر من ولد الزنا». وما رواه في ثواب الأعمال في الموثق عن زرارة (٤) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا في شعره ولا في لحمه ولا في دمه ولا شي‌ء منه يعني ولد الزنا». وبالجملة فالمفهوم من الاخبار التي سردناها ان ابن الزنا له حالة ثالثة غير حالتي الايمان والكفر ، لان ما تقدم من الاخبار الدالة على أحكامه في الدنيا من النجاسة وعدم العدالة مع الاتصاف بشروطها وحكم ديته وكذا اخبار عدم دخوله الجنة وكذا الأخبار الأخيرة لا يجامع الحكم بالايمان بوجه ، وأسباب الكفر الموجبة للحكم بكونه كافرا غير موجودة لأن الفرض انه متدين بظاهر الايمان كما عرفت من ظاهر الاخبار المذكورة.

__________________

(١) ص ١٤٩.

(٢) رواه في الوافي ج ١٢ ص ٢١٨.

(٣) المحاسن ص ١٨٥.

(٤) عقاب الأعمال ص ٣٨.

١٩٦

وكيف كان فالحق عندي في المسألة ما افاده شيخنا غواص بحار الأنوار ومستخرج ما فيها من لئالئ الاخبار ، حيث قال بعد نقل جملة من الاخبار الدالة على عدم دخوله الجنة ما صورته «أقول يمكن الجمع بين الاخبار على وجه يوافق قانون العدل بان يقال لا يدخل ولد الزنا الجنة لكن لا يعاقب في النار إلا بعد ان يظهر منه ما يستحقه ومع فعل الطاعة وعدم ارتكاب ما يحبطه يثاب في النار على ذلك ولا يلزم على الله تعالى ان يثيب الخلق في الجنة ، ويدل عليه خبر عبد الله بن عجلان ولا ينافيه خبر عبد الله بن ابي يعفور إذ ليس فيه تصريح بان جزاءه يكون في الجنة ، واما العمومات الدالة على ان من يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله الله الجنة فيمكن ان تكون مخصصة بتلك الاخبار» انتهى كلامه زيد مقامه.

والذي يقرب عندي ان مقتضى هذه الاخبار الكثيرة المستفيضة التي تلوناها في أحكامه دنيا وأخره سيما الأخبار الأخيرة الدالة على انه شر من الكلب والخنزير وانه لا خير في شعره ولا بشره. إلخ. انه في الغالب والأكثر لا يطيب ولا يكون مؤمنا وان كان مؤمنا فايمانه يكون مستعارا وان ثبت على ايمانه وكان مستقرا يكون ثوابه في النار على الوجه الذي ذكره شيخنا المشار اليه. وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ما في كلام علمائنا الاعلام في المسألة لعدم وقوفهم على ما ورد من اخبارهم (عليهم‌السلام) والله الهادي لمن يشاء.

(المسألة الثالثة) ـ قال في المعالم : «ظاهر كلام جماعة من الأصحاب ان ولد الكافرين يتبعهما في النجاسة الذاتية بغير خلاف لأنهم ذكروا الحكم جازمين به غير متعرضين لبيان دليله كما هو الشأن في المسائل التي لا مجال للاحتمال فيها ، وممن ذكر الحكم كذلك العلامة في التذكرة ولكنه في النهاية أشار الى نوع خلاف أو احتمال فيه فقال : الأقرب في أولاد الكفار التبعية لهم. وأنت إذا أحطت خبرا بما قررناه في نجاسة الكافر وجدت للتوقف في الحكم بالنجاسة هنا على الإطلاق مجالا ان لم يثبت انعقاد الإجماع عليه. وربما استدل له بأنه حيوان متفرع من حيوانين نجسين فيثبت له

١٩٧

حكمهما كالكلب والخنزير. ويشكل بان الظاهر كون المقتضي لثبوت الحكم في المتولد من الحيوانين النجسين هو صدق اسم الحيوان النجس عليه لا مجرد التولد ، وبهذا صرح العلامة في أثناء كلام له في المنتهى فقال ان ولد الكلب ليس نجسا باعتبار تولده من النجس بل باعتبار صدق اسم الكلب عليه. وقد عرفت استشكاله في جملة من كتبه للحكم بنجاسة المتولد من الكلب والخنزير إذا كان مباينا لهما ، وحينئذ يكون الحكم في ولد الكافر موقوفا على صدق عنوان الكفر عليه» انتهى.

أقول : يمكن الاستدلال للقول المشهور من تبعية ولد الكافر لأبويه في الكفر بما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن جعفر بن بشير ـ وطريقه إليه في المشيخة صحيح ـ عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الحنث؟ قال كفار والله اعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم». وروى فيه عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «قال علي (عليه‌السلام) أولاد المشركين مع آبائهم في النار وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة».

ولا ينافي ذلك ما ورد من الاخبار الدالة على انه تؤجج لهم نار ويؤمرون بدخولها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما وكان من أهل الجنة ومن امتنع كان في النار كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ثلاثة يحتج عليهم : الأبكم والطفل ومن مات في الفترة ، فترفع لهم نار فيقال لهم ادخلوها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن ابى قال الله تعالى هذا قد أمرتكم فعصيتموني». وروى فيه ايضا عن سهل عن غير واحد رفعوه (٤) «انه سئل عن الأطفال

__________________

(١ و ٢) باب (حال من يموت من أطفال المشركين والكفار) من كتاب النكاح.

(٣) الفروع ج ١ ص ٢٤٩ الطبع الحديث.

(٤) الفروع ج ١ ص ٢٤٨ الطبع الحديث.

١٩٨

فقال إذا كان يوم القيامة جمعهم الله تعالى وأجج لهم نارا وأمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها فمن كان في علم الله تعالى انه سعيد رمى بنفسه فيها وكانت عليه بردا وسلاما ومن كان في علمه سبحانه انه شقي امتنع فيأمر الله تعالى بهم الى النار فيقولون يا ربنا تأمر بنا الى النار ولم تجر علينا القلم؟ فيقول الجبار قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعوني فكيف لو أرسلت رسلي بالغيب إليكم؟». ثم قال في الكافي وفي حديث آخر «اما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون بآبائهم وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم ، وهو قول الله تعالى بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم».

لأنا نقول لا ريب ان مقتضى الخبرين المتقدمين وكذا الخبر المرسل من الكافي أخيرا الدلالة على اللحوق بالآباء من كل من أولاد المؤمنين والمشركين ، والجمع بينهما وبين ما ذكر من اخبار تأجيج النار ممكن بأحد وجهين ، اما بحمل أخبار تأجيج النار على ان الذين يدخلون النار ويطيعون هم أولاد المؤمنين والذين يمتنعون هم أولاد الكفار والمشركين وحينئذ فيلحق كل من الفريقين بالآباء في الجنة أو النار بعد الامتحان المذكور ، واما بحمل أخبار تأجيج النار على غير أطفال المؤمنين والكفار بناء على ما ثبت بالأخبار الصحيحة من تقسيم الناس الى مؤمن ومسلم وكافر فأهل الوعدين وهم المؤمنون والكفار لا يقفون في الحساب ولا تنشر لهم الدواوين ولا تنصب لهم الموازين وانما يساقون بعد البعث إلى الجنة ان كانوا مؤمنين والنار ان كانوا كافرين ، وهذان الفريقان يلحق بهم أولادهم في الجنة والنار كما صرحت به تلك الاخبار ، واما المسلمون وهم أهل المحشر الذين يقفون في الحساب وتنشر لهم الدواوين وتنصب لهم الموازين فهؤلاء الذين تأجج لأولادهم النار ، ومما يشير الى هذا الوجه تصريح اخبار الإلحاق بالمؤمنين والكافرين وإجمال اخبار التأجيج بالأطفال بقول مطلق فيحمل على هذا الفرد الذي ذكرنا ، ومما يؤكده قول صاحب الكافي بعد نقل خبر التأجيج المتضمن للأطفال بقول مطلق : وفي حديث آخر «اما أطفال المؤمنين وأولاد المشركين» فان فيه إيماء الى ان

١٩٩

خبر التأجيج انما هو لغير أطفال المؤمنين والمشركين وهم أطفال المسلمين الذين هم أصحاب الحساب.

واما جمع صاحب الوافي بين الأخبار ـ بحمل اخبار اللحوق على البرزخ واخبار التأجيج على يوم القيامة ـ فالظاهر بعده فان ظاهر الاخبار المذكورة ان ما ذكر في كل من اخبار الطرفين انما هو يوم القيامة ولا سيما ان صحيحة عبد الله بن سنان قد صرحت بالكفر ، ثم انه مع تسليم الجمع بما ذكره فإنه لا ينافي اعتضادنا بالأخبار المذكورة لأن حاصله هو الحكم بالكفر على أولاد المشركين والايمان على أولاد المؤمنين إلى يوم القيامة حتى انهم في البرزخ يلحقون بهم في الجنة والنار ممتدا ذلك الى يوم القيامة فيقع التكليف لهم والامتحان بالنار ، وبذلك يتميز أصحاب الجنة الأخروية الموجبة للخلود والنار كذلك ، وحينئذ فالاستدلال بهذه الأخبار على ما ادعيناه حاصل على جميع الاحتمالات ، على انه لا خلاف بينهم في الحكم بإيمان أولاد المؤمنين وإجراء أحكامه عليهم من الطهارة ونحوها وجواز الإعطاء من الزكاة التي لا يجوز دفعها إلا الى المؤمن ، وبذلك صرحت الاخبار من غير خلاف لا في الأخبار ولا في كلام الأصحاب ، ولا وجه للحكم هنا بالايمان إلا مجرد الإلحاق لأن ترتب ذلك على العقائد غير ظاهر حيث لا تكليف قبل البلوغ فكذلك أولاد المشركين والكفار فإنه يحكم بكفرهم إلحاقا لهم بالآباء بعين ما ثبت في أولاد المؤمنين وتخرج الأخبار المذكورة شاهدة على ذلك.

وإذ قد ثبت بما ذكرنا من الأخبار صدق عنوان الكفر على أولاد الكفار كصدق عنوان الايمان على أولاد المؤمنين ظهر لك ما في قول صاحب المعالم في آخر كلامه المتقدم من قوله : «وحينئذ يكون الحكم في ولد الكافر موقوفا على صدق عنوان الكفر عليه» فإنه قد ثبت ذلك من هذه الأخبار بما لا يداخله الشك ولا يتطرق اليه.

ثم قال في المعالم على اثر الكلام المتقدم ذكره من غير فاصل : إذا عرفت هذا فاعلم ان بعض الأصحاب استثنى من الحكم بنجاسة ولد الكافر هنا ما إذا سباه المسلم

٢٠٠