الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

الجنس ، ومنه قولهم السواد الأعظم أي لم يجعلني من هذا القبيل ، ولا ينافي هذا حب لقاء الله تعالى لانه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يجب كما رويناه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) ورووه في الصحاح عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) انه قال : «من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله سبحانه كره الله لقاءه. فقيل له انا لنكره الموت؟ فقال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شي‌ء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله تعالى واجب الله لقاءه ، وان الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله تعالى فليس شي‌ء أكره إليه مما امامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه». الى ان قال : ويجوز ان يكنى بالمخترم عن الكافر لانه الهالك على الإطلاق بخلاف المؤمن ، أو المراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة» انتهى كلامه.

(السابعة) ـ روى في الكافي عن البرقي رفعه عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أميران وليسا بأميرين : ليس لمن تبع جنازة ان يرجع حتى يدفن أو يؤذن له ، ورجل يحج مع امرأة فليس له ان ينفر حتى تقضي نسكها». ورواه الصدوق في الخصال والمقنع. أقول : ظاهر الخبر انه ليس لمن شيع الجنازة الرجوع قبل الدفن إلا بإذن الولي ، وبذلك صرح ابن الجنيد على ما نقله عنه في الذكرى فقال : من صلى على جنازة لم يبرح حتى يدفن أو يأذن اهله بالانصراف إلا من ضرورة لرواية الكليني ، ثم ساق الرواية المذكورة. ثم انه مع فرض اذن الولي في الرجوع فإنه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الاحتضار.

(٢) رواه النسائي في السنن ج ١ ص ٢٦٠ طبع مصر عن أبي هريرة وعبادة بن الصامت وعائشة عن رسول الله «ص» وابن ماجة في سننه ج ٢ ص ٥٦٦ الطبعة الاولى بالمطبعة التازية بمصر عن عائشة ، والترمذي في سننه ج ٩ ص ١٨٩ على هامش شرحه لابن العربي عمن تقدم في رواية النسائي ، وابن حجر في مجمع الزوائد ج ٢ ص ٣٢٠ عن احمد والبزار وابي يعلى عن انس ، والسيوطي في الجامع الصغير ج ٢ ص ١٥٩ عن عائشة وعبادة.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الدفن.

٨١

لا يدل على عدم استحباب إتمام التشييع بعد الاذن بل الاستحباب باق ، ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (١) قال : «حضر أبو جعفر (عليه‌السلام) جنازة رجل من قريش وانا معه وكان فيها عطاء فصرخت صارخة فقال عطاء لتسكتن أو لنرجعن قال فلم تسكت فرجع عطاء فقلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ان عطاء قد رجع ، قال ولم؟ قلت صرخت هذه الصارخة فقال لها لتسكتن أو لنرجعن فلم تسكت فرجع ، فقال امض بنا فلو انا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم ، قال : فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر (عليه‌السلام) ارجع مأجورا رحمك الله تعالى فإنك لا تقوى على المشي فأبى ان يرجع ، قال فقلت له : قد اذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها فقال امض فليس بإذنه جئنا ولا باذنه نرجع وانما هو فضل وأجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك».

(الثامنة) ـ المشهور ـ وبه صرح الشيخ وجمع من الأصحاب ـ انه يكره حمل ميتين على سرير رجلين كانا أم امرأتين أو رجلا وامرأة ، وقال في النهاية لا يجوز وهو بدعة ، وكذا ابن إدريس في سرائره فإنه قال : ولا يجوز حمل ميتين على جنازة واحدة مع الاختيار لان ذلك بدعة. وممن صرح بالكراهة أيضا ابن حمزة. وقال الجعفي لا يحمل ميتان على نعش واحد. وهو محتمل لكل من القولين.

والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار (٢) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) أيجوز ان يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس ، وان كان الميتان رجلا وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما؟ فوقع (عليه‌السلام) لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من أبواب الدفن.

٨٢

واستدل بهذه الرواية للحكم المذكور ، ورده جمع من المتأخرين بأنها أخص من المدعي. وظاهر الخبر المذكور عدم الجواز ولو مع الحاجة. وما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (١) حيث قال : «ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة». وهذه العبارة أوردها الصدوق في الفقيه نقلا عن أبيه في رسالته اليه ، ومنه يعلم ان مستند الأصحاب في هذا الحكم انما هو كلام الصدوقين ومستند الصدوقين انما هو كتاب الفقه المذكور كما عرفت في غير مقام مما تقدم وستعرف ان شاء الله تعالى. بقي الكلام في العبارة المذكورة مترددا بين التحريم والكراهة وقضية النهي حقيقة الأول. والله العالم.

(التاسعة) ـ قال في الذكرى : يكره الاتباع بنار إجماعا وهو مروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) وعن الصادق (عليه‌السلام) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يتبع بمجمرة» رواه السكوني (٣). ورواه الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) ولو كان ليلا جاز المصباح ـ لقول الصادق (عليه‌السلام) (٥) «ان ابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخرجت ليلا ومعها مصابيح». أقول : قد تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) «واكره أن يتبع بمجمرة». وروى الشيخ عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان تتبع جنازة بمجمرة». وعن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٨) «انه كان يكره ان يتبع الميت بالمجمرة». والرواية التي أشار إليها في إخراج فاطمة (عليها‌السلام) ليلا بالمصابيح قد رواها الصدوق في الفقيه مرسلة (٩) قال : «سئل الصادق (عليه‌السلام) عن الجنازة يخرج معها بالنار؟ فقال ان ابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وروى في العلل عن الصادق (عليه

__________________

(١) ص ١٩.

(٢) كما في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٤٧٧.

(٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التكفين.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الدفن.

(٩) ج ١ ص ١٠٠.

٨٣

السلام) (١) في حديث طويل يتضمن مرض فاطمة (عليها‌السلام) ووفاتها الى ان قال : «فلما قضت نحبها وهم في جوف الليل أخذ علي (عليه‌السلام) في جهازها من ساعته وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا.». وحينئذ فيكون الموت ليلا مستثنى من الكراهة. ويفهم من هذين الخبرين ان قبرها (عليها‌السلام) ليس في البيت كما هو أحد الأقوال بل ربما أشعرت بكونه في البقيع كما قيل أيضا

(العاشرة) ـ قال في الذكرى : يكره اتباع النساء الجنازة لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ارجعن مأزورات غير مأجورات». ولقول أم عطية : «نهينا عن اتباع الجنازة» ولانه تبرج. انتهى. أقول : اما الحديث النبوي المشار اليه فهو ما رواه الشيخ في المجالس عن عباد بن صهيب عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) عن ابن الحنفية عن علي (عليه‌السلام) (٢) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خرج فرأى نسوة قعودا فقال ما أقعدكن ههنا؟ قلن لجنازة : قال أفتحملن مع من يحمل؟ قلن لا. قال : أفتغسلن مع من يغسل؟ قلن لا. قال أفتدلين في من يدلي؟ قلن لا. قال فارجعن مأزورات غير مأجورات». واما حديث أم عطية فالظاهر انه من روايات العامة كما يشعر به كلام العلامة في المنتهى فاني لم أقف بعد التتبع عليه في شي‌ء من أصولنا. وفي المنتهى : ويكره للنساء اتباع الجنائز ذكره الجمهور لأنهن أمرن بترك التبرج والحبس في البيوت ، وروت أم عطية فقالت : «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» (٣). ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «ليس ينبغي للمرأة الشابة ان تخرج إلى الجنازة وتصلي عليها إلا ان تكون امرأة دخلت في

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الدفن.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٦٩ من أبواب الدفن.

(٣) كما في المغني ج ٢ ص ٤٧٧.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب صلاة الجنازة.

٨٤

السن». وفي رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «قال لا صلاة على جنازة معها امرأة». قال الشيخ : المراد بذلك نفي الفضيلة لأنه يجوز لهن ان يخرجن ويصلين ، فإنه روى يزيد بن خليفة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان زينب بنت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) توفيت وان فاطمة (عليها‌السلام) خرجت في نسائها فصلت على أختها». انتهى. أقول : ومثل حديث يزيد بن خليفة المذكور حديثه الآخر وهو ما رواه الكليني في الصحيح عن يزيد بن خليفة (٣) ـ وهو ممدوح فيكون حديثه حسنا ـ قال : «سأل عيسى بن عبد الله أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر فقال تخرج النساء إلى الجنازة؟ فقال ان الفاسق آوى عمه المغيرة بن ابي العاص ، ثم ذكر حديث وفاة زوجة عثمان بطوله الى ان قال : وخرجت فاطمة (عليها‌السلام) ونساء المؤمنين والمهاجرين فصلين على الجنازة». أقول : ويفهم من خبري يزيد بن خليفة أن خروجها (عليها‌السلام) مع النساء كان مرتين مرة في موت أختها زينب زوجة أبي العاص الأموي ومرة أخرى في زوجة عثمان. وكيف كان فهذان الخبران ظاهران في الجواز بغير كراهة ، وأخلق بهذا القول ان يكون أصله من العامة وتبعهم فيه أصحابنا لرواية الشيخ التي أشار إليها في الذكرى ، وراويها ـ كما عرفت ـ عباد بن صهيب وهو بتري عامي لا يبلغ قوة في معارضة هذه الاخبار ، ورواية أم عطية قد عرفت انها ليست من طرقنا بل الظاهر انها من طرقهم ، ويشير الى ما ذكرناه صدر عبارة المنتهى ، واما خبر ابي بصير فليس فيه أزيد من استثناء الشابة ولعله لخصوص مادة ، واما خبر غياث بن إبراهيم فيحمل على التقية لكون راويه عاميا بتريا. وبالجملة فعموم اخبار التشييع مضافا الى خصوص هذه الاخبار أوضح واضح في الجواز من غير كراهة.

(الحادية عشرة) ـ قال في المنتهى : يكره ان يمشي مع الجنازة بغير رداء

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب صلاة الجنازة.

٨٥

لرواية السكوني (١) أما صاحب المصيبة فإنه ينبغي له ان يضع رداءه ليتميز عن غيره فيقصده الناس للتعزية. روى الشيخ عن الحسين بن عثمان (٢) قال : «لما مات إسماعيل ابن ابي عبد الله (عليه‌السلام) خرج أبو عبد الله بغير رداء ولا حذاء». أقول : قال الشيخ في المبسوط يجوز لصاحب المصيبة أن يتميز عن غيره بإرسال طرف العمامة وأخذ مئزر فوقها على الأب والأخ فاما على غير هما فلا يجوز على حال. وقال ابن إدريس : لم يذهب الى هذا سواه والذي تقتضيه أصولنا انه لا يجوز اعتقاد ذلك وفعله سواء كان على الأب أو الأخ أو غيرهما ، لان ذلك حكم شرعي يحتاج الى دليل شرعي ولا دليل عليه ، فيجب طرحه لئلا يكون الفاعل له مبدعا لانه اعتقاد جهل. ورده الفاضلان بأحاديث الامتياز الآتية في المقام ان شاء الله تعالى. وفيه ان الأحاديث المشار إليها لا دلالة فيها على ما ذكره الشيخ هنا من هذه الكيفية ولا الاختصاص بالأب والأخ. نعم ظاهر ابن الجنيد القول بما قاله الشيخ حيث ذكر التميز بطرح بعض زيه بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقها على الأب والأخ ولا يجوز على غيرهما ، فقول ابن إدريس ـ انه لم يذهب الى هذا سواه ـ ليس في محله. وابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز فكأنه يخص التميز في غير الأب والأخ بهذا النوع من الامتياز. وعن ابي الصلاح انه يحتفي ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده خاصة.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة زيادة على رواية الحسين بن عثمان المتقدمة ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس انه صاحب المصيبة». والمراد بوضع الرداء نزعه ان كان ملبوسا وعدم لبسه ان كان منزوعا ، وهذا مبني على ما هو المتعارف قديما من المداومة على الرداء كالعباءة ونحوها في زماننا هذا ، وحينئذ فلا يبعد ان يستنبط من التعليل تغيير الهيئة في

__________________

(١) ص ٧٦.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الاحتضار.

٨٦

مثل هذه البلدان التي لا يتعارف فيها الرداء بتغيير ما هو قائم مقامه من عباءة ونحوها مما ليس فوق الثياب. وما رواه في الكافي مسندا والفقيه معلقا عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ينبغي لصاحب المصيبة ان لا يلبس رداء وان يكون في قميص حتى يعرف». وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره». وقد تقدم قريبا في الفائدة الثانية (٣) قوله (عليه‌السلام) في رواية السكوني : «ثلاثة لا ادري أيهم أعظم جرما.». وعد منهم الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء. وفي المحاسن (٤) عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «ينبغي لصاحب الجنازة ان يلقي رداءه حتى يعرف وينبغي لجيرانه ان يطعموا عنه ثلاثة أيام». وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ انما دلت على التميز بلبس المشيع للجنازة الرداء وخلع صاحب المصيبة له ، وبذلك يظهر ما في الأقوال الخارجة عن مضمون هذه الاخبار. واما ما ورد عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) ـ «انه مشى في جنازة سعد بن معاذ بلا حذاء ولا رداء فسئل عن ذلك فقال اني رأيت الملائكة يمشون بلا حذاء ولا رداء». ـ فالظاهر انه مخصوص بمورده للخصوصية الظاهرة فيه فلا يتأسى به

(الثانية عشرة) ـ قد صرح جملة من أصحابنا بأنه لا يستحب القيام لمن مرت به الجنازة إلا ان يكون مبادرا الى حملها وتشييعها ، ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (٦) قال : «كنت عند ابى جعفر (عليه‌السلام) وعنده رجل من الأنصار فمرت به جنازة فقال الأنصاري ولم يقم أبو جعفر (عليه‌السلام) فقعدت معه ولم يزل الأنصاري قائما حتى مضوا بها ثم جلس فقال له أبو جعفر (عليه‌السلام) ما أقامك؟ قال رأيت الحسين بن علي (عليهما‌السلام) يفعل ذلك. فقال أبو جعفر

__________________

(١ و ٢ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الاحتضار.

(٣) ص ٧٦.

(٤) ص ٤١٩ وفي الوسائل في الباب ٢٧ من الاحتضار و ٦٧ من الدفن.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الدفن.

٨٧

(عليه‌السلام) والله ما فعله الحسين (عليه‌السلام) ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط. فقال الأنصاري شككتني أصلحك الله تعالى قد كنت أظن انى رأيت». وعن مثنى الخياط عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «كان الحسين بن علي (عليهما‌السلام) جالسا فمرت به جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة فقال الحسين (عليه‌السلام) مرت جنازة يهودي وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على طريقها جالسا فكره ان تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك». وروي في قرب الاسناد (٢) هذا الخبر عن مولانا الحسن (عليه‌السلام) بما هو واضح دلالة ، قال فيه : «ان الحسن بن علي (عليهما‌السلام) كان جالسا ومعه أصحاب له فمر بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن فلما مضوا بها قال بعضهم ألا قمت عافاك الله تعالى؟ فقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقوم للجنازة إذا مروا بها عليه. فقال الحسن (عليه‌السلام) انما قام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مرة واحدة وذلك انه مر بجنازة يهودي وكان المكان ضيقا فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكره ان تعلو رأسه». وربما يفهم من الخبرين المذكورين استحباب القيام لمرور جنازة الكافر بل المخالف الذي هو عندنا من افراده ، واحتمال الاختصاص به (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لمزيد شرفه ـ ونحوه الأئمة المعصومون (عليهم‌السلام) ـ ممكن إلا ان الاحتياط في القيام بالشرط المذكور في رواية الحميري من كون الطريق ضيقا فيلزم بالقعود أشرافها على الرأس ، وللعامة هنا اختلاف في ذلك وجوبا أو استحبابا أو لإذا ولإذا (٣) واخبارهم فيه مختلفة أيضا.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الدفن.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الدفن.

(٣) في فتح الباري ج ٣ ص ١١٧ باب من قام لجنازة يهودي «اختلف أهل العلم فيه فذهب الشافعي إلى انه غير واجب ، وذهب جماعة من الشافعية منهم سليم الرازي إلى كراهته واختار النووي الاستحباب» وفي المحلى لابن حزم ج ٥ ص ١٥٣ «تستحب القيام للجنازة ولو كان كافرا فان لم يقم فلا حرج» وفي المغني ج ٢ ص ٤٧٩ «قال احمد ان قام لم اعبه وان قعد فلا بأس» وفي البحر الرائق ج ٢ ص ١٩١ «المختار عدم القيام للجنازة إذا مرت عليه».

٨٨

(الثالثة عشرة) ـ صرح جملة من الأصحاب بأنه يستحب النعش ، وهو لغة سرير الميت إذا كان عليه سمي بذلك لارتفاعه فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير ، ويتأكد للنساء لسترهم ، والأصل فيه الأخبار المروية في عمله لفاطمة (عليها‌السلام) ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن أول من جعل له النعش؟ فقال فاطمة (عليها‌السلام)». وروى في التهذيب عن سليمان بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) وفي الفقيه عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن أول من جعل له النعش؟ قال فاطمة بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». وعن ابي عبد الرحمن الحذاء عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة (عليها‌السلام) انها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء إني نحلت وذهب لحمي ألا تجعلين لي شيئا يسترني؟ قالت أسماء إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا أفلا اصنع لك فإن أعجبك صنعت لك؟ قالت نعم. فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدته على قوائمه ثم جللته ثوبا فقالت هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت اصنعي لي مثله استريني سترك الله تعالى من النار». وحديث أسماء مروي أيضا من طرق العامة بروايات عديدة (٤) إلا انه روى الصدوق في العلل عن عمرو بن ابي المقدام وزياد بن عبيد الله (٥) قالا : «اتى رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال يرحمك الله تعالى هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال : فتغير لون ابي عبد الله (عليه‌السلام) من ذلك. ثم ساق الحديث ـ وهو طويل ـ فيما جرى بين فاطمة وبين الظالمين الملعونين الى ان قال : فلما نعي إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن ـ وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها ـ فقالت يا أم أيمن إن نفسي نعيت

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٥٢ من أبواب الدفن.

(٤) رواه في المغني ج ٢ ص ٥٤٣ والاستيعاب ترجمة فاطمة «عليها‌السلام».

(٥) ص ٧٣ وفي الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الدفن.

٨٩

الي فادعي لي عليا. فدعته لها فلما دخل عليها قالت له يا ابن العم أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها علي. فقال لها قولي ما أحببت قالت له تزوج امامة تكون لولدي بعدي مثلي واعمل نعشي رأيت الملائكة قد صورته لي. فقال لها : اريني كيف صورته؟ فأرته ذلك كما وصف لها وكما أمرت به. ثم قالت فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار ولا يحضرن من أعداء الله تعالى وأعداء رسوله للصلاة علي قال علي (عليه‌السلام) افعل. فلما قضت نحبها (صلى الله عليها) وهم في جوف الليل أخذ علي في جهازها من ساعته كما أوصته. فلما فرغ من جهازها اخرج علي (عليه‌السلام) الجنازة وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا. الحديث». ويمكن حمل الخبر الأول على التقية لاشتهار حديث أسماء بين العامة أو ان الملائكة صورت لها ذلك وفق ما ذكرته أسماء. ولم أقف في الاخبار على ما يتعلق بذكر النعش غير هذه الاخبار الدالة على أمر فاطمة (عليها‌السلام) به لنفسها ، والأصحاب قد فهموا منها العموم للرجال والنساء ، وبعضهم خصه بالنساء. قال ابن الجنيد بعد ذكر النعش للنساء : ولا بأس بحمل الصبي على أيدي الرجال والجنازة على ظهر الدواب. إلا ان الاخبار قد تكاثرت بذكره وانه هو المعمول عليه والمحمول عليه كما ستمر بك ان شاء الله تعالى.

(الرابعة عشرة) ـ لو دعي إلى جنازة ووليمة قدم الجنازة ذكره الأصحاب ، وعليه تدل رواية إسماعيل بن ابي زياد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن رجل يدعى الى وليمة والى جنازة فأيهما أفضل وأيهما يجيب؟ قال : يجيب الجنازة فإنها تذكر الآخرة وليدع الوليمة فإنها تذكر الدنيا».

(الخامسة عشرة) ـ يستحب إعلام المؤمنين بذلك لما في الكافي في الصحيح

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب الاحتضار.

٩٠

أو الحسن عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ينبغي لأولياء الميت منكم ان يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار». وعن ذريح عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال نعم». وعن القاسم بن محمد عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان الجنازة يؤذن بها الناس». أقول : وفي ذلك من الفوائد الجليلة : ما يترتب من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع من الحمل والتربيع والصلاة والتعزية. وما في ذلك من الاتعاظ والتذكرة لأمور الآخرة وتنبيه القلب القاسي وزجر النفس الامارة ، ونحو ذلك ، قال الشيخ في الخلاف : لا نص في النداء. وفي المعتبر والتذكرة لا بأس به. وقال الجعفي : يكره النعي إلا ان يرسل صاحب المصيبة الى من يختص به. أقول : الظاهر من اخبار المسألة هو استحباب الإعلام بأي وجه اتفق لكن لم يعهد فيما مضى عليه السلف من أصحابنا من الصدر الأول النداء بذلك ولو وقع لنقل ولو كان المراد من هذه الأخبار ذلك لعملوا به ، والظاهر حينئذ انما هو الإرسال إليهم واعلام الناس بعضهم بعضا بذلك. والله العالم.

(الأمر الثاني) ـ التربيع ، والواجب الحمل كيف اتفق وأفضله ان يكون في نعش كما تقدم ، وحمل النعش جائز كيف اتفق وليس فيه دنو ولا سقوط مروة كما ربما يتوهم فقد حمل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنازة سعد بن معاذ كما رواه الأصحاب ومعظم الصحابة والتابعون من غير تناكر لما فيه من البر والكرامة للميت ، وهو وظيفة الرجال لا النساء وان كان الميت امرأة إلا لضرورة ، وأفضله التربيع وهو الحمل بأربعة رجال من جوانبه الأربعة ، وأكمله دوران الحامل على الجوانب الأربعة ، وفيه فضل

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب صلاة الجنازة.

٩١

عظيم وثواب جسيم ، فروى في الكافي في الصحيح عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «من حمل جنازة من اربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة». وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) من حمل أخاه الميت بجوانب السرير الأربعة محا الله تعالى عنه أربعين كبيرة من الكبائر». وروى في الكافي مسندا عن سليمان ابن خالد عن رجل عن الصادق (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «من أخذ بقائمة السرير غفر الله تعالى له خمسا وعشرين كبيرة وإذا ربع خرج من الذنوب». وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : قال (عليه‌السلام) لإسحاق بن عمار : «إذا حملت جوانب السرير سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك». وروى في الكافي عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٥) قال : «السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع».

بقي الكلام في الكيفية التي هي أفضل صور التربيع ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك. فقيل : السنة ان يبدأ بمقدم السرير الأيمن ثم يمر عليه إلى مؤخره ثم بمؤخر السرير الأيسر ويمر عليه الى مقدمه دور الرحى ، ذكر ذلك الشيخ في النهاية والمبسوط وادعى عليه الإجماع وهو المشهور بين الأصحاب على ما ذكره جملة من المتأخرين ، وقال في الخلاف : يحمل بميامنه مقدم السرير الأيسر ثم يدور حوله حتى يرجع الى المقدم. وأنت خبير بان المراد بميامن السرير ومياسره انما هو بالنسبة إلى المشيع والماشي خلفه فعلى هذا يكون يمين السرير مما يلي يسار الميت ويساره مما يلي يمين الميت ، فعلى القول المشهور ينبغي ان يبدأ أولا ويضع مقدم السرير الأيمن الذي يلي يسار الميت على كتفه الأيسر ثم يدور عليه من خلفه الى ان يأخذ مقدمه الأيسر الذي عليه يمين الميت على كتفه الأيمن ، وعلى تقدير قول الشيخ في الخلاف بعكس ذلك فيبدأ بمقدم السرير الأيسر الذي عليه يمين الميت فيأخذه على كتفه الأيمن ثم يدور من خلفه الى مقدمه الأيمن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب الدفن.

٩٢

وعبارات الأصحاب لا تخلو هنا من إجمال واضطراب ، قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : «التربيع المستحب عندنا ان يبدأ الحامل بمقدم السرير الأيمن ثم يمر معه ويدور من خلفه الى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى ويمر معه الى ان يرجع الى المقدم كذلك دور الرحى ، وحاصل ما ذكرناه ان يبدأ فيضع قائمة السرير التي تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليمنى على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه الأيمن ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي يده اليسرى على كتفه الأيمن» وصدر عبارته (قدس‌سره) وان كان مجملا إلا ان تفصيله ظاهر في مذهب الشيخ في الخلاف ولكن مقتضاه ان يكون الحامل داخلا بين يدي السرير ورجليه لا بارزا عنه ، وهو خلاف المفهوم من كلام الأصحاب ، والعجب ان شيخنا الشهيد الثاني في الروض جعل مذهب العلامة في المنتهى موافقا للقول المشهور والأمر كما ترى. وقال الشهيد في الدروس : «وأفضله التربيع فيحمل اليد اليمنى بالكتف اليمنى ثم الرجل اليمنى كذلك ثم الرجل اليسرى بالكتف اليسرى ثم اليد اليسرى كذلك» انتهى. وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في مذهب الشيخ في الخلاف ، والعجب أن شارحه الفاضل الشيخ الجواد الكاظمي ادعى ان هذا القول هو المشهور وانه قول الشيخ في النهاية والمبسوط الذي ادعى عليه الإجماع ، قال (قدس‌سره) : اما استحبابه على الوجه الذي ذكره المصنف فهو المشهور بين الأصحاب وادعى الشيخ عليه الإجماع في النهاية والمبسوط. وظاهر الذخيرة اختيار هذا القول ودعوى انه هو المشهور كما ذكره الفاضل المشار اليه بزعم ان كلام الشيخ في النهاية والمبسوط وكذا من تبعه غير ظاهر فيما فهموه فان اعتبار اليمنة واليسرة للسرير كما يمكن باعتبار المشيعين يمكن باعتبار الميت فينبغي ان يحمل عليه حتى يوافق الروايات ويوافق كلامه في الخلاف.

وكيف كان فالواجب الرجوع إلى النصوص وبيان ما هو المفهوم منها بالعموم

٩٣

أو الخصوص ، فمنها ـ ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن الفضل بن يونس (١) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن تربيع الجنازة؟ قال : إذا كنت في موضع تقية فابدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع من مكانك الى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه البتة حتى تستقبل الجنازة فتأخذ يده اليسرى ثم رجله اليسرى ثم ارجع من مكانك لا تمر خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا ، وان لم تكن تتقي فيه فان تربيع الجنازة الذي جرت به السنة ان تبدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها». وما رواه في الكافي عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «تبدأ في حمل السرير من جانبه الأيمن ثم تمر عليه من خلفه الى الجانب الآخر ثم تمر حتى ترجع الى المقدم كذلك دوران الرحى عليه». وما رواه الكليني والشيخ عن علي ابن يقطين عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول : السنة في حمل الجنازة ان تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن ثم تمر عليه الى الجانب الآخر وتدور من خلفه الى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه الى الجانب الرابع مما يلي يسارك». وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن جامع البزنطي عن ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «السنة ان تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن وهو مما يلي يسارك ثم تصير الى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع الى مقدمه». وما في الفقه الرضوي (٥) حيث قال (عليه‌السلام) : «وربع الجنازة فإن من ربع جنازة مؤمن حط الله تعالى عنه خمسا وعشرين كبيرة ، فإذا أردت أن تربعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك ثم تدور الى المقدم الأيسر فتأخذه بيسارك ثم تدور على الجنازة كدور كفى الرحى».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الدفن.

(٥) ص ١٨.

٩٤

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، والكلام فيها اما في رواية الفضل بن يونس فإن الأصحاب قد استدلوا بها على المذهب المشهور ، والذي يظهر عندي انها تدل على قول الشيخ في الخلاف ، وذلك فان الظاهر من اليد اليمنى واليد اليسرى والرجل اليمنى والرجل اليسرى انما هو يد الميت ورجلاه لان ظاهر الخبر ان الابتداء في حال التقية وعدم التقية واحد ، وهو ان يبدأ بيد الميت اليمنى التي تلي يسار السرير بالتقريب الذي قدمناه ، ولا فرق بينهما الا انه بعد حمل ما يلي يد الميت اليمنى ثم رجله اليمنى فان كان مقام تقية رجع الى ميامن الميت ومر من وجه الجنازة ولا يدور من خلفها حتى يأخذ يد الميت اليسرى التي تلي يمين السرير بيده اليسرى أو على كتفه الأيسر ثم الى الرجل اليسرى وان لم تكن تقية فإنه يمر خلف الميت. والظاهر ان الإشارة بدور الرحى في الرواية انما هو للرد على العامة فيما ذكره (عليه‌السلام) عنهم في هذا الخبر وحينئذ فلا تأييد فيه للقول المشهور كما ذكره جمع من الأصحاب من ان الرحى انما تدور من اليمين إلى اليسار لا بالعكس ، فان الظاهر ان الغرض من التشبيه انما هو مجرد الدوران وعدم الرجوع في الأثناء كما تفعله العامة مما نقله (عليه‌السلام) في الخبر المذكور ، ومما يؤكد كون فعل العامة كما نقله (عليه‌السلام) ما ذكره في كتاب شرح السنة (١) وهو من كتب العامة المشهورة ، قال : «حمل الجنازة من الجوانب الأربع فيبدأ بياسرة السرير المتقدمة فيضعها على عاتقه الأيمن ثم بياسرته المؤخرة ثم بيامنته المتقدمة فيضعها على عاتقه

__________________

(١) في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٤٧٨ «السنة في حمل الجنازة الأخذ بجوانب السرير الأربع. وصفته أن يبدأ بقائمة السرير اليسرى على يده اليمنى من عند رأس الميت ثم القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى ثم يعود إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل الى اليمنى من عند رجليه ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ، وعن احمد انه يدور عليها فيأخذ بعد يأسره المؤخرة يأمنه المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب إسحاق ، وروي عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب».

٩٥

الأيسر ثم بيامنته المؤخرة» انتهى. وهو عين ما ذكره (عليه‌السلام) وبذلك يظهر صحة ما ذكرنا من ان الخبر من أدلة قول الشيخ في الخلاف لا القول المشهور كما هو مما ذكرناه واضح الظهور. واما رواية العلاء بن سيابة فهي لا تخلو من إجمال فإن الضمير في «جانبه» يحتمل رجوعه الى «السرير» كما هو الظاهر فيكون الخبر ظاهرا في القول المشهور سيما مع قراءة الأفعال الأربعة على صيغة الخطاب ، ويحتمل رجوعه الى الميت فيكون موافقا لقول الشيخ في الخلاف إلا ان الظاهر هو الأول. واما رواية علي بن يقطين فهي ظاهرة في مذهب الشيخ في الخلاف وحملها على خلافه تعصب واعتساف. واما رواية السرائر فهي ظاهرة في القول المشهور لان جانب الجنازة الأيمن هو الذي يلي يسار الميت. وقوله : «مما يلي يسارك» يعني في حال الحمل لان يمين الجنازة يلي يسار الحامل ، والحديث صحيح باصطلاح المتأخرين لأن الكتاب المأخوذ منه من الأصول المشهورة المأثورة. وصاحبه وكذا المروي عنه وهو ابن ابي يعفور ثقتان جليلان ، وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند (قدس‌سره) في المدارك حيث قال بعد ذكر الروايات الثلاث الأولة : والروايات كلها قاصرة من حيث السند ، مع ان ابن بابويه روى في الصحيح عن الحسين بن سعيد (١) : «انه كتب الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) يسأله عن سرير الميت يحمل أله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما خف على الرجل من اي الجوانب شاء؟ فكتب من ايها شاء». وروى جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع». انتهى. وفيه زيادة على ما عرفت ـ وان كان العذر له ظاهرا في عدم وقوفه على الخبر المذكور ـ انه لا منافاة بين ما دلت عليه هذه الاخبار وما دلت عليه الصحيحة المذكورة حتى انه يتمسك بهذه الصحيحة في رد تلك الاخبار لضعفها بزعمه ،

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الدفن.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب الدفن.

٩٦

فان الظاهر ان السؤال في الصحيحة المذكورة عن جانب يتعين العمل به ولا يجوز العدول الى غيره فأجابه (عليه‌السلام) بأنه ليس كذلك بل تتأدى السنة أي سنة التربيع بالابتداء بأي جانب ، ولا ينافيه كون الأفضل ان يكون على الكيفية التي تضمنتها هذه الاخبار وان اختلفت فيها ، ويدل على ما ذكرناه قوله (عليه‌السلام) في الخبر الثاني الذي أورده : «السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع». أي زيادة فضل واستحباب واما رواية كتاب الفقه فهي ظاهرة ايضا في مذهب الشيخ في الخلاف بان يراد بالشق الأيمن يعني يمين الميت وهو يسار السرير كما ينادي به الحمل بيمينه ، فان الحمل باليمين مع خروج الحامل عن السرير انما يكون مما يلي يمين الميت ويسار السرير. وكيف كان فالظاهر التخيير بين الصورتين جمعا بين الأخبار المذكورة.

واما ما تكلفه في الذكرى ومثله في الروض ـ من إرجاع كلام الشيخ في الخلاف الى ما في النهاية والمبسوط حيث انه ادعى الإجماع على ما ذهب إليه في الكتابين المذكورين ، قال في الذكرى ـ بعد الاستدلال على القول المشهور بروايتي العلاء بن سيابة والفضل بن يونس ـ ما صورته : والشيخ في الخلاف عمل على خبر علي بن يقطين ، ثم ساق الخبر ثم قال : ويمكن حمله على التربيع المشهور لان الشيخ ادعى عليه الإجماع وهو في المبسوط والنهاية وباقي الأصحاب على التفسير الأول فكيف يخالف دعواه؟ ولانه قال في الخلاف يدور دور الرحى كما في الرواية وهو لا يتصور إلا على البدأة بمقدم السرير الأيمن والختم بمقدمه الأيسر والإضافة هنا قد تتعاكس ، والراوندي حكى كلام النهاية والخلاف وقال معناهما لا يتغير. انتهى. فلا يخفى ما فيه (اما أولا) ـ فلما أوضحناه من معنى الأخبار المذكورة وبينا دلالة أكثر روايات المسألة على مذهب الشيخ في الخلاف ، وتطبيق أحد القولين على الآخر اعتساف ظاهر واي اعتساف. و (اما ثانيا) ـ فان كلام العلامة في المنتهى كما قدمناه وكلامه هو (قدس‌سره) في الدروس صريحان في مذهب الشيخ

٩٧

في الخلاف. و (اما ثالثا) ـ فان الاستناد الى دوران الرحى في الرواية لا وجه له بعد ما أوضحناه. و (اما رابعا) ـ فان استبعاد مخالفة الشيخ لنفسه سيما فيما يدعي عليه الإجماع مما يقضى منه العجب من مثل هذين الفاضلين المحققين ، وأي مسألة من مسائل الفقه من أوله الى آخره لم تختلف أقواله فيها ولا فتاواه حتى يستغرب في هذا المقام؟ وكيف لا وهذا القائل اعني شيخنا الشهيد الثاني قد صنف رسالة جمع فيها المسائل التي ادعى فيها الشيخ الإجماع في موضع وادعى الإجماع على عكسه في موضع آخر وهي تبلغ سبعين مسألة ، وكانت الرسالة المذكورة عندي فتلفت في بعض الوقائع التي مرت علي ، وبالجملة فما ذكرناه أشهر من ان ينكر.

(الثالث) ـ ان يحفر له القبر قدر قامة أو الى الترقوة ، صرح به الشيخان والصدوق في كتابه وجملة من تأخر عنهم من الأصحاب ، والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع». وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم إلى الثدي وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر ، واما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس ، قال ولما حضر علي بن الحسين (عليه‌السلام) الوفاة أغمي عليه فبقي ساعة ثم رفع عنه الثوب ثم قال : الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشأ فنعم أجر العاملين. ثم قال احفروا لي حتى تبلغوا الرشح قال ثم مد الثوب عليه فمات (عليه‌السلام)». ورواه في الكافي عن سهل (٣) قال روى أصحابنا : «ان حد القبر إلى الترقوة. الحديث». وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم الى الثديين وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر ، واما اللحد فيوسع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب الدفن.

٩٨

بقدر ما يمكن الجلوس فيه». قال في الذكرى بعد نقل مرسلة ابن ابي عمير : «والظاهر ان هذا من محكي ابن ابي عمير لأن الإمام لا يحكي قول أحد» أقول : يمكن ان يكون قول الامام ويكون حكاية لأقوال العامة وإلا فحمل هذين البعضين القائلين على الشيعة بعيد جدا فإن الشيعة لا يقولون إلا عن الأئمة (عليهم‌السلام) لأنهم لا يتخذون مذهبا غير مذهب أئمتهم (عليهم‌السلام) ثم قال في معنى قول زين العابدين (عليه‌السلام) : «احفروا لي حتى تبلغوا الرشح» : «يمكن حمله على الثلاثة لأنها قد تبلغ الرشح في البقيع» أقول : والرشح الندى في أسفل الأرض. أقول : لا يخفى ان النهي عن ان يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع لا يجامع استحباب القامة الذي ذكروه ، فإن الثلاثة اذرع انما تصل إلى الترقوة فيكون مرجع حديثي الثلاثة والترقوة إلى أمر واحد ، واما القامة فإنما وردت في حكاية ابن ابي عمير على ما أشار إليه في الذكرى أو النقل عن العامة كما احتملناه ، فالأولى الاقتصار على الثلاث كما لا يخفى.

ثم انه قد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى ان اللحد أفضل من الشق في غير الأرض الرخوة ، قال في المعتبر : «ويستحب ان يجعل له لحد ومعناه ان الحافر إذا انتهى الى أرض القبر حفر مما يلي القبلة حفرا واسعا قدر ما يجلس فيه الجالس ، كذا ذكره الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة وابن بابويه في كتابه» وقال في الذكرى : اللحد أفضل من الشق عندنا في غير الأرض الرخوة لما روي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «اللحد لنا والشق لغيرنا». واحتج به أيضا في المعتبر ، ثم قال : ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي ثم ذكر ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان النبي

__________________

(١) رواه الترمذي في سننه على هامش شرحه لابن العربي ج ٤ ص ٢٦٦ والنسائي في سننه ج ١ ص ٢٨٣ وأبو داود في سننه ج ٣ ص ٢١٣.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الدفن.

٩٩

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لحد له أبو طلحة الأنصاري». وهذه الرواية هي دليل الأصحاب على الأفضلية ، واما الرواية الأولى فالظاهر انها عامية كما يشير اليه كلام المعتبر إلا انه قد ورد أيضا في رواية إسماعيل بن همام عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) حين احتضر إذا أنا مت فاحفروا لي وشقوا لي شقا فان قيل لكم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لحد له فقد صدقوا». وفي حديث الحلبي (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان ابي كتب في وصيته ، الى ان قال وشققنا له الأرض من أجل انه كان بادنا». وقد تقدم (٣) في رواية فقه الرضا نحوه حكاية عنه (عليه‌السلام) وفي العيون في الصحيح أو الحسن عن ابي الصلت الهروي عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) في حديث انه قال : «سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل وان يشق لي ضريحة فإن أبوا إلا ان يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فان الله تعالى سيوسعه ما شاء. الحديث». ورواه في الأمالي. وظاهر هذه الأخبار انما هو أرجحية الشق على اللحد ، وحديث التلحيد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا ظهور فيه في الأفضلية لأنه لا يدل على امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك ولا أمر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، ولعل فعله انما هو من حيث كونه أحد الفردين المخير بينهما ، وبالجملة فعدول الإمامين (عليهما‌السلام) عن ذلك ووصيتهما بالشق وجوابهما عن الاحتجاج عليهما فيما اختاراه من الشق بتلحيد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ظاهر المنافاة ، وظاهر حديث الرضا (عليه‌السلام) يشير الى ان اللحد انما هو من سنن هؤلاء ، إلا ان العدول عما عليه اتفاق ظاهر كلام الأصحاب مشكل ، قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل حديث تعليل الشق للباقر (عليه‌السلام) بكونه بدينا : «انما كان يمنع من اللحد لعدم إمكان توسيع اللحد

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الدفن.

(٣) ص ٣٠.

١٠٠