الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

ابي عقيل الى وجوب اعادة الغسل ، وهو ضعيف مردود بالأخبار ، وقد تقدم القول في ذلك في آخر المسألة التاسعة في مستحبات الغسل (١).

(الثانية) ـ ان تلاقي مع ذلك كفنه قبل وضعه في القبر ، والمنقول عن الصدوقين وأكثر الأصحاب وجوب غسلها ما لم يطرح في القبر وقرضها بعده ، والمنقول عن الشيخ وجوب قرضها مطلقا ، ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا خرج من الميت شي‌ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض منه». وما رواه الشيخ في الحسن عن الكاهلي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي‌ء بعد ما يغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض منه». ورواه الكليني عن الكاهلي أيضا مثله (٤) وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير واحمد بن محمد عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا خرج من الميت شي‌ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن». والأصحاب انما استدلوا هنا للقول المشهور ـ كما في المدارك والذخيرة ـ بان في القرض إتلافا للمال وهو منهي عنه فيقتصر في ذلك على محل الاتفاق ، قال في المدارك بعد نقل القول بالتفصيل : «وهو حسن لأن في القرض. الى آخر ما ذكرناه» واعترضه في الذخيرة (٦) بجواز

__________________

(١) ج ٣ ص ٤٦٦.

(٢ و ٣ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب التكفين.

(٤) أقول خبر الكاهلي قد نقله الشيخ بطريق صحيح عن الكاهلي وهو احمد بن محمد ابن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن الكاهلي ، ونقله ايضا بطريق آخر عن على بن محمد عن احمد بن محمد بن ابي نصر ، وعلي بن محمد هنا مشترك ، والمنقول في الأصل هو السند الصحيح إلى الكاهلي وهو ممدوح. منه «قدس‌سره».

(٦) حيث قال : «احتج الأولون بان في القرض إتلاف المال وهو منهي عنه

٦١

تخصيص ما دل على تحريم إتلاف المال بعموم الأخبار الدالة على القرض ، قال في الذخيرة بعد ذكر اخبار الغسل في الرد على ابن ابي عقيل في الصورة الاولى واخبار القرض التي في هذه الصورة : «ولا يخفى ان الجمع بين هذه الأخبار والأخبار السابقة الدالة على الغسل ممكن بوجهين : (أحدهما) ـ تخصيص الأخبار السابقة بصورة لم تصب النجاسة الكفن حملا للمطلق على المقيد. و (ثانيهما) ـ الحمل على التخيير. واما التفصيل بما قبل الدفن وما بعده فغير مستفاد من الأدلة» أقول : لا يخفى ان المستند فيما ذهب اليه الصدوق في هذا المقام انما هو الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) فيه (١) : «فان خرج منه شي‌ء بعد الغسل فلا تعد غسله ولكن اغسل ما أصاب من الكفن الى ان تضعه في لحده فإن خرج منه شي‌ء في لحده لم تغسل كفنه ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه ومددت أحد الثوبين على الآخر». وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه بتغيير ما. ونقل في المعتبر عن علي بن بابويه القول بذلك في الرسالة إلا انه لا يحضرني الآن عبارته (٢) والأصحاب قد اقتفوا أثرهما كما عرفت في غير موضع مما نبهنا عليه ، وبذلك يزول الاشكال ويجمع بين اخبار الغسل واخبار القرض ويظهر ما في كلام صاحب الذخيرة ، إلا ان عذره ظاهر حيث لم يقف على دليل التفصيل. والله الهادي إلى سواء السبيل.

(الثالثة) ـ ان تلاقي كفنه بعد وضعه في قبره ، وقد عرفت الاتفاق هنا

__________________

فيقتصر في ذلك على محل الاتفاق. وفيه ان عموم الأخبار الآتية دال على القرض فيخصص بها ما دل على تحريم إتلاف المال ، ثم ذكر اخبار القرض» منه «قدس‌سره».

(١) ص ١٧.

(٢) قال قدس‌سره : «فان خرج منه شي‌ء بعد الغسل فلا يعاد غسله ولكن يغسل ما أصاب الكفن الى ان يوضع في اللحد فان خرج منه شي‌ء في اللحد لم يغسل كفنه ولكن يقرض من كفنه ما أصاب الشي‌ء الذي خرج منه ويمد أحد الثوبين على الآخر» انتهى العبارة بتغيير يسير منه «قدس‌سره».

٦٢

على القرض من الكفن. بقي الكلام في نجاسة الجسد ، والظاهر من كلامهم اغتفارها في هذه الصورة فإنه من الظاهر ان النجاسة لا تتعدى الى الكفن حتى ينجس بها الجسد مع انهم لم يتعرضوا للكلام فيها ، وكذا عبارة الفقه الرضوي التي هي المستند في التفصيل انما دلت على قرض الكفن خاصة واما تطهير جسد الميت في قبره أو إخراجه منه وتطهيره فلا تعرض فيها له ، والروايات الدالة على الغسل كأنها محمولة عندهم على ما قبل الوضع في القبر كما هو ظاهر سياقها. وبما حققناه في المقام يظهر ما في كلام صاحب المدارك في هذا المقام من المجازفة التي لا تخفى على ذوي الأفهام ، حيث قال بعد نقل حسنة الكاهلي وردها بعدم توثيق الكاهلي ونقل صحيحة ابن ابي عمير واحمد بن محمد وطعنه فيها بالإرسال : «ولو لا تخيل الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بعدم وجوب القرض والغسل مطلقا تمسكا بمقتضى الأصل واستضعافا للرواية الواردة بذلك» انتهى. أقول : لا يخفى انه قد رد الإجماع في غير موضع مع التصريح به فكيف يستند هنا الى مجرد تخيله على ان الروايات المذكورة من أقوى الأدلة وأمتنها ، أما رواية الكاهلي فهي معدودة في الحسن عند أصحاب هذا الاصطلاح والقسم الحسن معمول عليه بينهم واما رواية ابن ابي عمير فهي صحيحة وإرساله لها غير مناف للصحة عند أرباب هذا الاصطلاح ، ومثلها مرسلته بمشاركة أحمد بن محمد بن ابي نصر الذي قد عد ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، مع ان هذه العبارة وهو قولهما «عن غير واحد» مما ينادي باستفاضة النقل المذكور وشهرته ، وهذه العبارة أقوى دلالة على الصحة من التعبير برجل ثقة ، ولهذا ان صاحب الذخيرة الذي من عادته اقتفاء أثره تنظر في كلامه هنا. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان كفن المرأة على زوجها بل ادعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع ، وعلله العلامة في التذكرة بثبوت الزوجية إلى حين الوفاة وبان من وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه كالمملوك فكذا الزوجة.

٦٣

وعلله المحقق في المعتبر بأن الزوجية باقية الى حين الوفاة ومن ثم حل تغسيلها ورؤيتها وجاز ميراثها فتجب مؤنتها لأنها من أحكام الزوجية والكفن من جملة ذلك. ولا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من عدم الصلاح لتأسيس الأحكام الشرعية وان أدعوها أدلة عقلية وقدموها على السمعية. ويرد على ما ذكروه هنا من ثبوت الزوجية إلى حين الوفاة من عدم دلالة ما قبل الوفاة على ما بعدها ، أما المطابقة والتضمن فظاهر ، واما الالتزام فلعدم الملازمة فيما ذكر لاستلزام الموت عدم كثير من أحكام الزوجية ولهذا جاز له تزويج أختها والخامسة. وما ذكره في التذكرة ـ من ان من وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه ـ منقوض بواجب النفقة من الأقارب فإنه لا يجب تكفينهم على القريب وان وجبت نفقتهم حال الحياة ، على انه لو تم لاقتضى اختصاص الحكم بالزوجة الدائمة الممكنة فلا يجب للمتمتع بها ولا الناشز مع ان ظاهرهم خلافه ، فالواجب الرجوع الى الاخبار :

ويدل عليه منها ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : على الزوج كفن امرأته إذا ماتت». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال (عليه‌السلام) : كفن المرأة على زوجها إذا ماتت». وصاحب المدارك لما أورد رواية السكوني تنظر فيها من حيث ضعف السند ، ثم قال : والأجود الاستدلال على ذلك بما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ثمن الكفن من جميع المال ، وقال كفن المرأة على زوجها إذا ماتت». والظاهر ان قوله «وقال عليه‌السلام» انما هو رواية مرسلة لا تعلق لها بالصحيحة المذكورة كما هي قاعدته في الكتاب المذكور ، ويؤيده أن الكليني رواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب التكفين.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب التكفين.

٦٤

عن الحسن بن محبوب الى آخر السند خالية من هذه الزيادة ، والشيخ رواها في التهذيب تارة عن أحمد إلى آخر السند وتارة أخرى عن الحسن بن محبوب الى آخر السند خالية من ذلك ايضا ، والعجب هنا انه قد سرى هذا الوهم إلى جملة من المتأخرين كشيخنا البهائي في الحبل المتين وصاحب الوسائل اغترارا بكلام صاحب المدارك ، ولا يخفى على من عرف عادة الصدوق في الكتاب المذكور انه ان لم يكن ما ذكرناه أقرب فلا أقل ان يكون مساويا في الاحتمال وبه لا يتم الاستدلال ، ولم أر من تفطن لما ذكرناه إلا الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه غالبا اثر صاحب المدارك.

فروع

(الأول) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بوجوب مؤنة التجهيز ايضا على الزوج كالحنوط والسدر والكافور وماء الغسل وغيره من الواجب ، قال في المبسوط : «يلزم زوجها كفنها وتجهيزها ولا يلزم ذلك في مالها» وبه صرح ابن إدريس والعلامة في النهاية وغيرهم ، وتوقف في هذا الحكم في المدارك ، وهو في محله.

(الثاني) ـ إطلاق الخبر وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها ولا بين المطيعة والناشز ولا بين الحرة والأمة ، واحتمل في المدارك اختصاصه بالدائم لأنها التي ينصرف إليها الذهن عند الإطلاق ، وقال في الذكرى : «لا فرق بين الحرة والأمة في ذلك وكذا المطلقة الرجعية ، اما الناشز فالتعليل بالإنفاق ينفي وجوب الكفن وإطلاق الخبر يشمله وكذا المستمتع بها».

(الثالث) ـ قالوا ولا يلحق بالزوجة غيرها من واجبي النفقة إلا المملوك فان كفنه على مولاه للإجماع عليه وان كان مدبرا أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شي‌ء أو أم ولد ، ولو تحرر منه شي‌ء فبالنسبة.

(الرابع) ـ ما ذكر من وجوب الكفن أو المؤنة كملا على الزوج مشروط

٦٥

بيساره ولو بإرثه من تركتها فلو أعسر بان لا يفضل ماله عن قوت يوم وليلة وما يستثني في الدين كفنت من تركتها ان كان لها مال ، صرح به العلامة وغيره ، ولو أعسر عن البعض أكمل من تركتها ، كل ذلك مع عدم وصيتها به ، اما لو أوصت بالكفن الواجب كانت الوصية من ثلثها وسقط عنه ان نفذت.

(الخامس) ـ قال في المنتهى : «لو أخذ السيل الميت أو أكله السبع وبقي الكفن كان للورثة دون غيرهم إلا ان يكون قد تبرع به رجل فإنه يعود اليه» انتهى. وهو جيد. وانما الإشكال فيما لو كفن الرجل زوجته ثم ذهبت وبقي الكفن فهل يعود الى الزوج أو يكون ميراثا لورثتها؟ إشكال ينشأ من ثبوت استحقاقها له فيرجع الى ورثتها ومن عدم الجزم بخروجه عن ملك الزوج فيكون له.

(المسألة الثالثة) [كفن الرجل يؤخذ من أصل تركته ولو لم يكن له مال] ـ قد صرح الأصحاب بأن كفن الرجل يؤخذ من أصل تركته مقدما على الدين والوصايا ، والمستند فيه روايات عديدة : منها ـ ما تقدم من صحيحة عبد الله ابن سنان (١) وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة في الصحيح (٢) قال : «سألته عن رجل مات وعليه دين بقدر ثمن كفنه؟ قال يجعل ما ترك في ثمن كفنه الا ان يتجر عليه بعض الناس فيكفنونه ويقضى ما عليه مما ترك». وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «أول شي‌ء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث».

ولو لم يكن له مال دفن عاريا ولا يجب على المسلمين بذل الكفن له وان استحب كما تقدمت الأخبار الدالة عليه في صدر المقصد ، ويجوز تكفينه من الزكاة كما نص عليه جمع من الأصحاب. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الفضل بن يونس الكاتب في الموثق (٤) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) فقلت له ما ترى في رجل

__________________

(١) ص ٦٤.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من كتاب الوصايا.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من كتاب الوصايا.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٣ من أبواب التكفين.

٦٦

من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به اشترى له كفنه من الزكاة؟ فقال أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه. قلت فان لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه انا من الزكاة؟ فقال كان ابي يقول ان حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته. قلت فان اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان عليه دين ا يكفن بواحد ويقضى دينه بالآخر؟ قال لا ليس هذا ميراثا تركه انما هذا شي‌ء صار اليه بعد وفاته فليكفنوه بالذي اتجر عليه ويكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم».

ويستحب ان يكون الكفن من خالص الأموال وطهورها لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي العيون مسندا (١) «ان السندي بن شاهك قال لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) أحب ان تدعني ان أكفنك؟ فقال انا أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا». ورواه المفيد في إرشاده (٢) وزاد فيه «وعندي كفني».

(المقصد الرابع)

في الدفن ، قال في المنتهى : «وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر وان لم يقم به أحد لحق جميع من علم به الإثم والذم بلا خلاف بين العلماء في ذلك» انتهى. والفرض منه مواراته في الأرض على وجه تكتم رائحته عن السماع وجثته عن السباع على جنبه الأيمن موجها إلى القبلة ، قال في المعتبر : «وعليه إجماع المسلمين ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بذلك ووقف على القبور وفعله ، والكيفية المذكورة ذكرها الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في الرسالة الغرية وابنا

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب التكفين.

(٢) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب التكفين.

٦٧

بابويه ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دفن كذلك وهو عمل الصحابة والتابعين».

أقول : اما وجوب الدفن على الوجه الذي ذكرناه فهو مستفيض في الأخبار كما سيمر بك ان شاء الله تعالى كثير منها ، ولأن فائدة الدفن انما تتم بالوصفين المذكورين والوصفان متلازمان غالبا ، ولو فرض وجود أحدهما دون الآخر وجب مراعاة الآخر كما صرح به الأصحاب أيضا. وظاهر الأصحاب تعين الحفر اختيارا فلا يجزئ التابوت والأزج الكائنان على وجه الأرض تحصيلا للبراءة اليقينية من التكليف الثابت ، وبه قطع في الذكرى لأنه مخالف لما أمر به النبي من الحفر ولانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دفن ودفن كذلك وهو عمل الصحابة والتابعين. انتهى. وهو جيد. ولو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو أكثرية الثلج أو نحو ذلك جاز مواراته بحسب الإمكان مراعيا للوصفين المتقدمين مهما أمكن ، قال في الذكرى : «لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو تحجرها وأمكن نقله الى ما يمكن حفره وجب ، وان تعذر أجزأ البناء عليه بما يحصل به الوصفان المذكوران لأنه في معنى الدفن ، ولو فعل ذلك اختيارا فالأقرب المنع لانه مخالف لما أمر به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الحفر» انتهى. وهو جيد. ولو دفن بالتابوت في الأرض جاز إلا ان الشيخ نقل الإجماع في الخلاف على كراهته.

واما الكيفية المذكورة فلم ينقل فيها خلاف إلا عن ابن حمزة حيث ذهب الى الاستحباب لأصالة البراءة.

حجة المشهور ـ على ما ذكره جمع من المتأخرين ومتأخريهم ـ التأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) وما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «كان البراء بن معرور التميمي الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمكة وانه حضره الموت وكان رسول الله والمسلمون يصلون الى بيت المقدس فاوصى البراء إذا دفن ان يجعل وجهه الى رسول الله

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦١ من أبواب الدفن.

٦٨

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى القبلة فجرت به السنة. وانه اوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنة».

قال في الذخيرة بعد ان نقل ذلك : «وفي الحجتين تأمل». أقول : الظاهر ان الحجة في ذلك انما هو كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) فيه (١) : «ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة». والصدوقان قد ذكرا ذلك أخذا من الكتاب المذكور ، ومن تأخر عنهما فقد تبعهما في ذلك كما أشرنا إليه في غير موضع مما هو من هذا القبيل ، ويعضده ما رواه في دعائم الإسلام (٢) عن علي (عليه‌السلام) «انه شهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنازة رجل من بني عبد المطلب فلما أنزلوه في قبره قال أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكبوه لوجهه ولا تلقوه لظهره.».

وحيث قد عرفت وجوب الاستقبال بالميت في حال الدفن فإنه يستثني من ذلك مواضع : (منها) ـ ما لو التبست القبلة. و (منها) ـ ما لو تعذر ذلك كما لو مات في بئر ونحوه وتعذر إخراجه وصرفه إلى القبلة. و (منها) ـ ان يكون امرأة غير مسلمة حاملة من مسلم فيستدبر بها ليكون وجه الولد إلى القبلة بناء على ما قيل ان وجه الولد الى ظهر امه ، والمقصود بالذات دفنه وهي كالتابوت له ولذا دفنت في مقبرة المسلمين إكراما له ، وهذا الحكم مجمع عليه بينهم كما في التذكرة ، والأصل فيه الشيخان وأتباعهما ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه احمد بن أشيم عن يونس (٣) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل ثم يدعوها الى ان تسلم فتأبى عليه فدنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب يدفن معها». قال في المعتبر : «ولست أرى في هذا حجة (أما أولا) ـ فلان ابن أشيم ضعيف

__________________

(١) ص ١٨.

(٢) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٥١ من أبواب الدفن.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب الدفن.

٦٩

جدا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنفين والشيخ. و (اما ثانيا) ـ فلان دفنه معها لا يتضمن دفنها في مقبرة المسلمين بل ظاهر اللفظ يدل على دفن الولد معها حيث تدفن هي ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها ، والوجه ان الولد لما كان محكوما له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة وإخراجه مع موتهما غير جائز فتعين دفنه معها كما قلناه» انتهى. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال حيث انه لا مستند للحكم المذكور سوى ما يدعى من الإجماع ، وما ذكره في المعتبر من التعليل وان كان لا يخلو من قرب إلا انه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي نعم يصلح ان يكون وجها للنص لو وجد و (منها) ـ راكب البحر إذا مات ، فقد قطع الشيخ وأكثر الأصحاب بأنه يغسل ويحنط ويكفن ويصلى عليه وينقل الى البر ان أمكن ، وان تعذر لم يتربص به بل يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها ويلقى في البحر أو يثقل ليرسب في الماء ثم يلقى فيه ، قيل وظاهر المفيد في المقنعة والمحقق في المعتبر جواز ذلك وان لم يتعذر البر ، والظاهر ان وجه هذه الظاهرية هو انهما ذكرا الحكم المذكور مطلقا فإنه قال في المعتبر : «إذا مات في السفينة في البحر غسل وكفن وصلى عليه وثقل ليرسب في الماء أو جعل في خابية وشد رأسها وألقي في البحر» ونحوها عبارة المقنعة. أقول : والأخبار قد وردت بالأمرين المذكورين ، فمما يدل على الوضع في الخابية ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن أيوب بن الحر (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في الماء». وذكره الصدوق مرسلا مقطوعا ، واما ما يدل على التثقيل فهو ما رواه في الكافي عن ابان عن رجل عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «في الرجل يموت مع القوم في البحر؟ فقال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى به في البحر». وعن سهل رفعه عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط؟ قال

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب الدفن.

٧٠

يكفن ويحنط في ثوب ويلقى في الماء». وروى الشيخ في التهذيب عن أبي البختري وهب ابن وهب القرشي عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يوثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء». وفي الفقه الرضوي (٢) «وان مات في سفينة فاغسله وكفنه وثقل رجليه وألقه في البحر». والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد جمعوا بين روايات المسألة بالتخيير ، وهو جيد. وإطلاق أكثر الأخبار بالنسبة إلى تقديم البر ان أمكن مقيد بما دلت عليه مرسلة سهل من ذلك والحكم حينئذ مما لا يعتريه الاشكال. وقد ذكر جملة من الأصحاب انه ينبغي استقبال القبلة به حال الإلقاء ، وأوجبه ابن الجنيد والشهيدان لانه دفن حيث يحصل به مقصود الدفن ، وهو تقييد لإطلاق النص من غير دليل والتعليل المذكور عليل.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن للدفن آدابا وسننا متقدمة ومقارنة ومتأخرة ، وتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مطالب ثلاثة :

(الأول) ـ في الآداب المتقدمة وهي أمور (الأول) ـ التشييع ، وقد ورد في استحبابه أجر عظيم وثواب جسيم ، فروي في الكافي عن ابي بصير (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان ، والقيراط مثل جبل أحد». وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «من شيع ميتا حتى يصلى عليه كان له قيراط من الأجر ومن بلغ معه الى قبره حتى يدفن كان له قيراطان من الأجر ، والقيراط مثل جبل أحد». وعن الأصبغ بن نباتة (٥) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من تبع جنازة كتب الله له أربعة قراريط : قيراط باتباعه إياها وقيراط بالصلاة عليها وقيراط

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب الدفن.

(٢) ص ١٨.

(٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الدفن.

٧١

بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط بالتعزية». وعن ابي الجارود عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «كان فيما ناجى به موسى (عليه‌السلام) ربه ان قال يا رب ما لمن شيع جنازة؟ قال أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم الى محشرهم». وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أدخل المؤمن قبره نودي ألا ان أول حبائك الجنة ألا وأول حباء من تبعك المغفرة». وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «أول ما يتحف به المؤمن في قبره ان يغفر لمن تبع جنازته». وعن داود الرقي عن رجل من أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله به سبعين ملكا من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره الى الموقف». وعن ميسر (٥) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول من تبع جنازة مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئا إلا قال الملك ولك مثل ذلك». وفي الفقه الرضوي (٦) : «وقد روى ابي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ان المؤمن إذا أدخل قبره ينادي الا ان أول حبائك الجنة وأول حباء من تبعك المغفرة ، الى ان قال ولا تترك تشييع جنازة المؤمن فإن فيه فضلا كثيرا».

والمعروف من مذهب الأصحاب ـ كما صرح به جمع منهم ـ ان سنة التشييع هو المشي وراء الجنازة أو الى أحد جانبيها ، ونص المحقق في المعتبر على ان تقدمها ليس بمكروه بل هو مباح ، وحكى الشهيد في الذكرى كراهة المشي أمامها من كثير من الأصحاب ، وقال ابن ابي عقيل : يجب التأخر خلف المعادي لذي القربى لما ورد من استقبال ملائكة العذاب إياه (٧). وقال ابن الجنيد : يمشي صاحب الجنازة بين يديها

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب الدفن.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الدفن.

(٦) ص ١٨.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أبواب الدفن.

٧٢

والباقون وراءها لما روي من «ان الصادق (عليه‌السلام) تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء ولا رداء» (١).

أقول : والذي وقفت عليه في المسألة من الأخبار ما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها». ورواه في التهذيب عن محمد بن يعقوب وزاد فيه «ولا بأس بأن يمشي بين يديها». ورواه في الفقيه مرسلا كذلك. وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) قال : «مشى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خلف جنازة فقيل يا رسول الله ما لك تمشي خلفها؟ فقال ان الملائكة رأيتهم يمشون امامها ونحن تبع لهم». وعن سدير عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «من أحب ان يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير ،. وروى الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) قال : «سمعت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب». وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٦) قال : «سألته عن المشي مع الجنازة فقال بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها». وعن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٧) قال : «امش بين يدي الجنازة وخلفها». وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٨) قال : «سئل كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها؟ فقال : ان كان مخالفا فلا تمش امامه فان ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب». وروى الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٩) مثله. وروى في الكافي عن يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه‌السلام) (١٠) قال :

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الاحتضار.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الدفن.

(٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أبواب الدفن.

٧٣

«امش أمام جنازة المسلم العارف ولا تمش أمام جنازة الجاحد فإن أمام جنازة المسلم ملائكة يسرعون به الى الجنة وان امام جنازة الكافر ملائكة يسرعون به الى النار». وفي الفقه الرضوي (١) «وإذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش امامها وانما يؤجر من تبعها لا من تبعته ، وقد روى ابي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ان المؤمن. الحديث». وقد تقدم (٢) ثم قال وقال (عليه‌السلام) : «اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل المجوس (٣) وأفضل المشي في اتباع الجنائز ما بين جنبي الجنازة وهو مشي الكرام الكاتبين». انتهى.

أقول : والمفهوم من هذه الاخبار بعد ضم بعضها إلى بعض ان الأفضل في التشييع هو المشي خلف الجنازة أو الى أحد جنبيها مع زيادة الأول في الفضل ، واما المشي امامها فان كان مؤمنا فلا بأس به ولا كراهة فيه وان كان ليس فيه ثواب الفردين الأولين وان كان مخالفا فهو مكروه للعلة المذكورة في الاخبار. وجمع بعض بحمل أخبار النهي عن التقدم بالحمل على ما إذا كان مخالفا. وفيه ان خبر السكوني ورواية كتاب الفقه الدالان على تعليل النهي بكونه عمل أهل الكتاب والمجوس يدلان على أعم من المؤمن والمخالف. واما حديث تقدم الصادق (عليه‌السلام) جنازة ابنه إسماعيل فاحتمال الحمل على التقية فيه قريب فان المشهور بينهم أفضلية المشي أمامها وقد نسبوا القول بأفضلية المشي خلفها الى أهل البيت (عليهم‌السلام) قال بعض شراح صحاح مسلم على ما نقله شيخنا

__________________

(١) ص ١٨.

(٢) أقول : قال الصدوق في المقنع : إذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش امامها فإنما يؤجر من يتبعها لا من تتبعه فإنه روي «اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل المجوس». وروي «إذا كان الميت مؤمنا فلا بأس ان يمشى قدام جنازته فإن الرحمة تستقبله والكافر لا يتقدم جنازته فإن اللعنة تستقبله». انتهى. وصدر هذا الكلام عين ما في كتاب الفقه المذكور في الأصل. منه «قدس‌سره».

(٣) أقول : هذا مضمون رواية السكوني أيضا منه «قدس‌سره».

٧٤

المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار : كون المشي وراء الجنازة أفضل من المشي أمامها قول علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) ومذهب الأوزاعي وابي حنيفة ، وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل ، وقال الثوري وطائفة هما سواء (١).

وفي المقام فوائد (الأولى) ـ ينبغي للمشيع ان يحضر قلبه ذكر الموت والتفكر في مآله وما يصير إليه عاقبة حاله ويكره له الضحك واللهو ، ففي الكافي عن عجلان ابي صالح (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت ربك الرجوع الى الدنيا ففعل فانظر ما ذا تستأنف ، قال ثم قال عجب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون». قال في الذكرى : ويكره له الضحك واللهو لما روي «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو عليا (عليه‌السلام) شيع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب. الحديث».

__________________

(١) في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٤٧٤ ما ملخصه «أكثر أهل العلم يرون الفضيلة في المشي امام الجنازة ، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل» وفي عمدة القارئ للعيني الحنفي ج ٤ ص ٨ «المشي خلف الجنازة عندنا أفضل ومشهور مذهب المالكية كمذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأهل الظاهر وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وسويد بن غفلة ومسروق وأبو قلابة ويروى ذلك عن على ابن ابى طالب (ع) وعبد الله بن مسعود وابى الدرداء وابى امامة وعمرو بن العاص ، واستشهد له بتسع روايات عن النبي «ص» وان عليا «ع» يحلف بالله انه سمعه من رسول الله «ص» وان أبا بكر وعمر سمعاه ايضا ولكنهما أرادا أن يسهلا على الناس فمشيا امام الجنازة. وقال أحمد المشي أمامها أفضل» وفي نيل الأوطار ج ٤ ص ٦٢ «عند الزهري ومالك واحمد والجمهور وجماعة من الصحابة ان المشي أمامها أفضل ، وعند أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وإسحاق ـ وحكاه في البحر عن العترة «ع» ـ ان المشي خلفها أفضل».

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٥٩ من أبواب الدفن.

٧٥

أقول : هذا الكلام قد ذكره أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كما نقله السيد الرضي في كتاب نهج البلاغة (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب.». وساق الكلام ثم قال السيد : ومن الناس من ينسب هذا الكلام الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أقول : ورواه الكراجكي في كنز الفوائد عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢).

(الثانية) ـ قال في المعتبر : «قال علي بن بابويه في الرسالة : وإياك ان تقول ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك. وبذلك رواية عن أهل البيت (عليهم‌السلام) نادرة لكن لا بأس بمتابعته تفصيا من الوقوع في المكروه» انتهى. أقول : لا ريب ان ما ذكره علي بن بابويه (قدس‌سره) هنا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٣) : «وإياك ان تقول ارفقوا به وترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فإنه يحبط أجرك عند المصيبة». والظاهر ان اختلاف آخر العبارة نشأ من غلط في أحد الطرفين. واما ما أشار إليه المحقق من الرواية النادرة فالظاهر انها ما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما : الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء أو الذي يقول قفوا أو الذي يقول استغفروا له غفر الله لكم». وروى في الخصال بسنده فيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «ثلاثة لا ادري أيهم أعظم جرما : الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء والذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة والذي يقول ارفقوا به وترحموا عليه رحمكم الله تعالى». أقول : ما دلت عليه هذه الاخبار من النهي عن القول بما تضمنته من الأمر

__________________

(١ و ٢) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٥٣ من أبواب الدفن.

(٣) ص ١٧.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار.

٧٦

بالرفق أو الأمر بالاستغفار لا يحضرني الآن له وجه وجيه ولا وقفت فيه على كلام لأحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا ما ذكره شيخنا المجلسي في البحار ، حيث قال بعد ذكر خبري عبد الله بن الفضل أولا والسكوني ثانيا : «قوله مع الجنازة أي مع عدم كونه صاحب المصيبة كما مر في الخبر الأول وهو اما مكروه أو حرام كما سيأتي ، واما قوله «ارفقوا به» فلتضمنه تحقير الميت وإهانته ، وفي التهذيب «أو الذي يقول قفوا» ولعله تصحيف وعلى تقديره الذم لمنافاته لتعجيل التجهيز أو يكون الوقوف لإنشاد المراثي وذكر أحوال الميت كما هو الشائع وهو مناف للتعزي والصبر ، والفقرة الثالثة أيضا لاشعارها بكونه مذنبا وينبغي ان يذكر الموتى بخير. ويمكن ان تحمل الفقرتان على ما إذا كان غرض القائل التحقير والاشعار بالذنب. ويحتمل ان يكون الضميران في الأخيرتين راجعين إلى الذي يمشى بغير رداء اي هو بسبب هذا التصنع لا يستحق أن يأمر بالرفق به ولا الاستغفار له. وقال العلامة في المنتهى : وكره ان يقول قفوا واستغفروا له غفر الله تعالى لكم لانه خلاف المنقول بل ينبغي ان يقال ما نقل عن أهل البيت (عليهم‌السلام)» انتهى كلام شيخنا المشار إليه.

(الثالثة) ـ قد ذكر جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق والعلامة وابن ابي عقيل وابن حمزة انه يكره للمشيع الجلوس حتى يوضع الميت في قبره لما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ينبغي لمن شيع جنازة ان لا يجلس حتى يوضع في لحده فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس». وظاهر الشيخ وابن الجنيد انتفاء الكراهة ، قال في المدارك : بعد ذكر الصحيحة المذكورة «وهو ضعيف» وقال في الذكرى : «اختلف الأصحاب في كراهة جلوس المشيع قبل الوضع في اللحد فجوزه في الخلاف ونفي عنه البأس ابن الجنيد للأصل ولرواية عبادة بن الصامت (٢) «كان

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من أبواب الدفن.

(٢) كما في سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨.

٧٧

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كان في جنازة لم يجلس حتى يوضع في اللحد فقال يهودي إنا لنفعل ذلك فجلس وقال خالفوهم». وكراهة ابن ابي عقيل وابن حمزة والفاضلان وهو الأقرب لصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر ، ثم قال : والحديث حجة لنا لان «كان» تدل على الدوام والجلوس لمجرد إظهار المخالفة ، ولان الفعل لا عموم له فجاز وقوع الجلوس تلك المرة خاصة ، ولان القول أقوى من الفعل عند التعارض ، والأصل مخالف للدليل» انتهى كلامه وأجاب شيخنا البهائي عنه بعد نقل ملخص هذا الكلام بان لابن الجنيد ان يقول ان احتجاجي ليس بمجرد الفعل بل بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خالفوهم. انتهى. أقول : يمكن ان يحتج لابن الجنيد أيضا بحسنة داود ابن النعمان (١) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول ما شاء الله لا ما شاء الناس فلما انتهى الى القبر تنحى فجلس فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده».

(الرابعة) ـ قال في الذكرى : نقل الشيخ الإجماع على كراهية الإسراع بالجنازة لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «عليكم بالقصد في جنائزكم». لما رأى ان جنازة تمخض مخضا ، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة «ارفقوا بها فإنها أمكم» (٣) ولو خيف على الميت فالاسراع اولى ، قال المحقق : أراد الشيخ كراهة ما زاد على المعتاد وقال الجعفي السعي بها أفضل ، وقال ابن الجنيد يمشي بها جنبا. قلت : السعي العدو والجنب ضرب منه ، فهما دالان على السرعة ، وروى الصدوق عن الصادق (عليه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب الدفن.

(٢) كما في سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٢ والنص هكذا : «عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم».

(٣) في سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٢ «عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي «ص» (بسرف) فقال ابن عباس : هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوه ولا تزلزلوه وارفقوا».

.

٧٨

السلام) «ان الميت إذا كان من أهل الجنة نادى عجلوا بي وان كان من أهل النار نادى ردوني». انتهى. أقول ما أشار إليه في كلام الشيخ من الحديث النبوي هو ما رواه ابنه (قدس‌سره) في المجالس عن أبيه بسنده فيه عن ليث بن ابي بردة عن أبيه (١) قال : «مروا بجنازة تمخض كما يمخض الزق فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليكم بالسكينة عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم».

(الخامسة) ـ يكره ان يركب المشيع دابة حال تشييعه ولا بأس بذلك بعد الرجوع ، ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) ورواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى جنازته يمشي فقال له بعض أصحابه ألا تركب يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال اني لأكره أن أركب والملائكة يمشون». وزاد في الكافي «وابى ان يركب» وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قوما خلف جنازة ركبانا فقال ما استحى هؤلاء ان يتبعوا صاحبهم ركبانا وقد أسلموه على هذه الحالة». وروى في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٤) «انه كره ان يركب الرجل مع الجنازة في بداية الا من عذر ، وقال يركب إذا رجع». قوله : «في بداية» أي حال الذهاب حين يبدأ بالمشي.

(السادسة) ـ ويستحب الدعاء بالمأثور عند رؤية الجنازة وحملها فروى في

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦٤ من أبواب الدفن.

(٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الدفن.

٧٩

الكافي عن عنبسة بن مصعب عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من استقبل جنازة أو رآها فقال : «الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت» لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته». وروى الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال يقول : بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات». وعن ابي الحسن النهدي رفعه (٣) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا رأي جنازة قال : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم». وقد ذكر غير واحد من الأصحاب انه يستحب لمن شاهد الجنازة ان يقول : «الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم» والمستند فيه ما ذكرناه من رواية النهدي وحسنة أبي حمزة (٤) قال :«كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا رأى جنازة قد أقبلت قال : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم». قيل والسواد يطلق تارة على الشخص واخرى على عامة الناس ، وزاد بعض إطلاق السواد على القرية ، والمخترم الهالك والمستأصل ، والظاهر هو المعنى الثاني ، والمعنى الشكر لله سبحانه انه لم يجعله من الهالكين فيكون شكرا لنعمة الحياة. ولا ينافي ذلك حب لقاء الله تعالى فان معناه حب الموت وعدم الامتناع منه على تقدير رضاء الله تعالى به فلا ينافي لزوم شكر نعمة الحياة والرضاء بقضاء الله في ذلك ، وقيل ان حب لقاء الله سبحانه انما يكون عند معاينة منزلته في الجنة كما ورد في الخبر ، أو المراد الهلاك على غير بصيرة فيكون الشكر لله سبحانه على انه لم يجعله من عامة الناس الهالكين على غير بصيرة في الدين ولا استعداد للموت ، وحينئذ فالشكر يرجع الى التوفيق في المعرفة والهداية في الدين ، قال في الذكرى بعد نقل حديث علي بن الحسين (عليه‌السلام) : «قلت السواد الشخص والمخترم الهالك أو المستأصل والمراد به هنا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الدفن.

٨٠