الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

والأخرى في الأيسر ، قال وقال : الجريدة تنفع المؤمن والكافر». الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى في المقام.

ومما يدل على اشتراط كونهما خضراوين زيادة على ما تقدم فلا تجزئ اليابسة ما رواه في التهذيب عن محمد بن علي بن عيسى (١) قال : «سألت أبا الحسن الأول عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حفرته؟ فقال لا يجوز اليابس».

وتمام البحث هنا يقع في مواضع (الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف في استحباب كون الجريدتين من النخل ، انما الخلاف في بدلهما لو تعذرتا ، فقيل كل شجر رطب ونقل عن ابن بابويه والجعفي والشيخ في الخلاف وابن إدريس واستجوده في الذكرى ، وقيل من الخلاف وإلا فمن السدر وإلا فمن شجر رطب ونسب الى الشيخ المفيد وسلار ، وقيل بتقديم السدر على الخلاف ذكره المحقق في الشرائع وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وقال في المدارك وهو المشهور ، وزاد الشهيد في الدروس والبيان الرمان بعد الخلاف ، وقيل الشجر الرطب.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن غير واحد من أصحابنا (٢) قالوا : «قلنا له جعلنا فداك ان لم نقدر على الجريدة؟ فقال عود السدر. قيل فان لم نقدر على السدر؟ فقال عود الخلاف». وظاهر هذه الرواية الدلالة على القول الثالث الذي هو المشهور وروى في الفقيه (٣) قال : «كتب علي بن بلال الى ابي الحسن الثالث (عليه‌السلام) : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شي‌ء من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائكم (عليهم‌السلام) انه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وانهما تنفع المؤمن والكافر. فأجاب (عليه‌السلام) يجوز من شجر آخر رطب». وهذه الرواية ظاهرة في الدلالة على القول

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب التكفين.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب التكفين.

٤١

الأول ، ونحوها روي في الكافي عن علي بن بلال (١) : «انه كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم نجد نجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ فكتب : يجوز إذا أعوزت الجريدة والجريدة أفضل وبه جاءت الرواية». أقول : ومراده (عليه‌السلام) بالرواية يعني عن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال في الكافي بعد هذه الرواية : وروى علي بن إبراهيم في رواية أخرى قال : «يجعل بدلها عود الرمان» (٢). وظاهر هذا الخبر الأخير انه مع فقدها من النخل تبدل بشجر الرمان من غير ترتيب. والظاهر ان ما ذهب اليه الشهيد في الدروس والبيان ناشى‌ء من الجمع بين هذه الروايات بتقديم الخلاف على الرمان وتقييد إطلاق روايتي علي بن بلال برواية الرمان فيكون الرمان مقدما على الشجر الرطب ، وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) «فان لم تقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من غيره بعد ان يكون رطبا». وهي في معنى رواية علي بن بلال. والجمع بين الاخبار المذكورة بالتخيير جيد.

(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في مقدار الجريدة ، فالمشهور ـ وهو مذهب الشيخين ومن تبعهما وعلي بن بابويه ـ انه قدر عظم الذراع ، وقال الصدوق في الفقيه : «طول كل واحدة قدر عظم الذراع وان كانت قدر ذراع فلا بأس أو شبر فلا بأس» وقال ابن ابي عقيل : «مقدار كل واحدة أربع أصابع إلى ما فوقها».

ومنشأ اختلاف هذه الأقوال اختلاف الرواية بذلك ، ففي روايتي يحيى بن عبادة المتقدمتين (٤) انها قدر ذراع ، وفي الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (٥) قال قال : «ان الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة الى ما بلغت مما يلي الجلد والأخرى في الأيسر من عند الترقوة الى ما بلغت من فوق القميص». وقد تقدم

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب التكفين.

(٣) ص ١٧.

(٤) ص ٤٠.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب التكفين.

٤٢

في رواية يونس (١) الواردة في كيفية التكفين انها قدر ذراع ، وفي الفقه الرضوي (٢) «روي ان الجريدتين كل واحدة بقدر عظم الذراع». أقول : ان هذه الرواية هي مستند المشهور فانا لم نقف في الاخبار المشهورة بين الأصحاب على ما يدل على هذا القول مع شهرته ، والظاهر ان الجماعة تبعوا فيه علي بن الحسين بن بابويه حيث انه ذكر ذلك في رسالته كما نقلوه عنه ، وقد عرفت وستعرف ان عباراته وجل رسائله مأخوذة من هذا الكتاب ، والصدوق في الفقيه جمع بين الروايات الثلاث بالتخيير كما قدمنا في عبارته ، والعجب ان المتأخرين تلقوا هذا القول بالقبول مع عدم إتيانهم عليه بدليل حتى قال الشهيد في الذكرى وتبعه من تأخر عنه فيه : «والمشهور قد عظم الذراع وفي خبر يونس قدر ذراع وروى الصدوق قدر الذراع أو الشبر وفي خبر جميل بن دراج قدر شبر وابن ابي عقيل قدر أربع أصابع فما فوقها ، والكل جائز لثبوت الشرعية مع عدم القاطع على قدر معين» وفيه انه لا ريب وان كان الشرعية حاصلة بوضع الجريدة بأي قدر كان لان الغرض تعلق بدفعها العذاب عنه ما دامت خضراء إلا ان السنة المطهرة قدر حددتها بحد وان اختلفت الرواية في ذلك الحد ، ومقتضى ما تلوناه من اخبار المسألة ان ذلك دائر بين الشبر والذراع ، والواجب ـ كما هو قضية الاختلاف بين الأخبار ـ اما الترجيح بين الخبرين أو التخيير جمعا ، ومن ذلك يظهر سقوط القول بعظم الذراع والقول بأربع أصابع. وقوله : «مع عدم القاطع على قدر معين» لا معنى له بعد وصول الخبرين المذكورين فان الحد المعين دائر بين هذين الحدين المذكورين. ومقتضى قواعدهم واصطلاحهم في الاخبار هو ترجيح رواية جميل لأنها حسنة عندهم وحسنها انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا يقصر حديثه عندهم عن الصحيح بل عده في الصحيح جمع منهم والأخبار الباقية ضعيفة باصطلاحهم. هذا ان عملوا بمقتضى هذا الاصطلاح وإلا فالواجب الجمع بالتخيير بين الروايتين وبه يظهر سقوط القولين الآخرين ، فقوله : «والكل

__________________

(١) ص ٧.

(٢) ص ١٧.

٤٣

جائز إلا وجه له كما عرفت ، ولو تم هذا الكلام في هذا المقام لانجر الى غيره من الأحكام وهم لا يقولون بذلك بل يدورون مدار الأدلة والاخبار ولا سيما متأخري المتأخرين. وبالجملة فكلامهم هنا لا يخلو من مسامحة. وكيف كان فبما أوضحناه من رواية عظم الذراع فالوجه هو التخيير بين الروايات الثلاث كما صرح به في الفقيه ورد القول بالأربع أصابع لعدم الوقوف على مستنده ، وتعليل شيخنا المشار إليه في قبوله عليل كما عرفت.

(الثالث) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في محلهما فالمشهور انه يجعل إحداهما من الجانب الأيمن من ترقوتة يلصقها بجلده والأخرى من الجانب الأيسر كذلك بين القميص والإزار ، ذهب اليه الصدوق في المقنع والشيخان وجمهور المتأخرين وذهب علي بن بابويه والصدوق في غير المقنع الى جعل اليمنى مع ترقوته يلصقها بجلده ويمد عليه قميصه واليسرى عند وركه بين القميص والإزار ، وعن الجعفي ان إحداهما تحت الإبط الأيمن والأخرى نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ ، وعن ابن ابي عقيل انها واحدة تحت إبطه الأيمن.

والروايات في ذلك لا تخلو من الاختلاف ، ففي صحيحة جميل أو حسنته المتقدمة قريبا (١) ما يدل على القول المشهور ، وفي رواية يونس المتقدمة (٢) «تجعل له واحدة بين ركبتيه نصفا مما يلي الساق ونصفا مما يلي الفخذ وتجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن». وهذه الرواية دالة على ما ذهب إليه الجعفي ، وفي روايتي يحيى بن عبادة المتقدمتين (٣) قريبا «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع ـ وأشار بيده من عند ترقوته ـ تلف مع ثيابه». وظاهرهما ان الموضوع جريدة واحدة ، وقد تقدم كلام الصدوق في معاني الأخبار (٤) الدال على إنكار ذلك ، ونحو هاتين الروايتين رواية يحيى بن عبادة المكي المتقدمة أيضا (٥) وفيها «جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة». وفي رواية الحسن بن زياد الصيقل المتقدمة أيضا (٦) «واحدة في اليمين والأخرى في الأيسر».

وهي مجملة قابلة للانطباق

__________________

(١) ص ٤٢.

(٢) ص ٧.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) ص ٤٠.

٤٤

على كل من القولين ، ونحوها رواية الفضيل بن يسار عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر». وفي صحيحة جميل أو حسنته بإبراهيم بن هاشم (٢) قال : «سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال فوق القميص ودون الخاصرة. فسألته من اي جانب؟ قال من الجانب الأيمن». وهذه الرواية المعتبرة الاسناد قد دلت ايضا على ما دلت عليه الروايات الثلاث المتقدمة من كون الجريدة واحدة ، وقد عين موضعها في هذه الرواية بأنه قرب الخاصرة فوق القميص من الجانب الأيمن ، وفي الروايات المشار إليها آنفا توضع عند الترقوة ، وقد تقدم ان مذهب ابن ابي عقيل ان الموظف هنا جريدة واحدة ، فهذه الروايات مما تشهد له وان أنكره الصدوق فيما تقدم من كلامه إلا ان المنقول عنه انه جعل موضعها تحت إبطه وهذه الروايات قد عينت موضعا آخر واختلفت فيه. وأنت خبير بأنه لم ينقل أحد منهم دليلا على ما ذهب اليه الصدوقان بل اعترف في المدارك بأنه لم يقف على مأخذهما ، وفي المختلف تكلف الاستدلال على ذلك برواية يونس (٣) ولا يخفى ما فيه من عدم الانطباق بل الرواية المذكورة انما تنطبق على مذهب الجعفي ، والظاهر ان مستنده انما هو الفقه الرضوي على الطريقة التي عرفت وستعرف ، حيث قال في الكتاب المذكور (٤) : «ثم تضعه في أكفانه واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده ثم تمد عليه قميصه والأخرى عند وركه ، وروى ان الجريدتين كل واحدة بقدر عظم ذراع تضع واحدة عند ركبتيه تلصق الى الساق والى الفخذين والأخرى تحت إبطه الأيمن ما بين القميص والإزار». انتهى. أقول : وبصدر هذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه بتغيير ما ومنه يعلم ان مستند هما انما هو الكتاب المذكور ، واما الكيفية التي نقلها (عليه‌السلام) وأسندها إلى الرواية فهي مطابقة لما دلت عليه رواية يونس

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب التكفين.

(٣) ص ٧.

(٤) ص ١٧.

٤٥

فيكون ايضا مستندا للجعفي فيما قدمنا نقله عنه ، قال في المعتبر ـ بعد ذكر الخلاف في المسألة ونقل رواية جميل الاولى ورواية يحيى بن عبادة المرسلة (١) ـ ما لفظه : «والروايتان ضعيفتان لأن القائل في الأولى مجهول والثانية مقطوعة السند ، ومع اختلاف الأقوال والروايات يجب الجزم بالقدر المشترك بينها وهو استحباب وضعها مع الميت في كفنه أو في قبره بأي هذه الصور شئت» انتهى. واستحسنه في المدارك. أقول : اما ما ذكره من الجزم بالقدر المشترك الى آخره فمرجعه الى التخيير بين ما دلت عليه هذه الاخبار وهو وجه حسن في الجمع بينها. ولقد كان يغنيه التعبير بذلك عن الطعن فيها ، فان من جملة الأخبار المذكورة ـ كما عرفت ـ صحيحتي جميل أو حسنتيه (٢) اللتين لا يقصر وصفهما بالحسن عن الإلحاق بالصحيح وليس فيهما إلا الإضمار الذي قد صرح هو وغيره من المحققين بأنه غير مضر ولا موجب للطعن. وبالجملة فالوجه في الجمع بينها هو التخيير. والله العالم.

(الرابع) ـ إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في استحباب وضعهما مع الميت بين كونه صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا اقامة للشعار وان كان ظاهر التعليل يوهم خلاف ذلك إلا ان علل الشرع ـ كما أوضحناه في غير مقام ـ ليست عللا حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات. ألا ترى انه ورد تعليل وجوب العدة على المطلقة بالاستبراء من الحمل مع انه لا يطرد ذلك في كل مطلقة ولا متوفي عنها ، وورد في تعليل استحباب غسل الجمعة بأن الأنصار كانت تعمل في نواضحها فإذا حضروا الصلاة يوم الجمعة تأذى الناس بريح آباطهم فشكوا ذلك اليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأمر بالغسل للجمعة (٣) ونحو ذلك ، وممن صرح بجواز وضع الجريدتين مع الصغير والمجنون الشهيد في البيان ، وهو جيد.

__________________

(١) ص ٤٠.

(٢) ص ٤٢ و ٤٥.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

٤٦

(الخامس) ـ قد صرح الأصحاب بأنه لو كانت الحال حال تقية وضعها حيث يمكن ، ويدل عليه مرفوعة سهل بن زياد (١) قال : «قيل له جعلت فداك ربما حضرني من أخافه فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويتنا؟ فقال أدخلها حيث ما أمكن». قال الشيخ في التهذيب : وروى هذا الحديث محمد بن احمد مرسلا (٢) وزاد فيه قال : «فان وضعت في القبر فقد أجزأه». وفي مكاتبة أحمد بن القاسم (٣) «واما الجريدة فليستخف بها ولا يرونه وليجهد في ذلك جهده». وفي الفقه الرضوي (٤) «وان حضرك قوم مخالفون فاجهد ان تغسله غسل المؤمن وأخف عنهم الجريدة». أقول : ويعضده ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الجريدة توضع في القبر؟ قال : لا بأس». قال في الفقيه بعد نقل الخبر المذكور مرسلا : «يعنى ان لم توجد إلا بعد حمل الميت الى قبره أو يحضره من يتقيه فلا يمكنه وضعها على ما روي فيجعلها معه حيث أمكن» ولو نسيها فذكرها بعد الدفن وضعها على القبر. ويؤيده ما رواه الصدوق مرسلا (٦) قال : «مر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه. قال : وروي ان صاحب القبر كان قيس بن فهد الأنصاري وروى قيس بن نمير ، وانه قيل له لم وضعتهما؟ فقال انه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين».

(السادس) ـ إطلاق الأخبار عدا الحديث النبوي المتقدم وكذا إطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي أن تكون الجريدة غير مشقوقة ، وصرح بعض باستحباب الشق للحديث النبوي ، والأظهر الأول ، واستظهره في المدارك ايضا نظرا الى التعليل واستضعافا لرواية الشق.

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب التكفين.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التكفين.

(٤) ص ١٧.

٤٧

ثم انه قد ذكر بعض الأصحاب أيضا استحباب وضع القطن على الجريدتين. ولم أقف فيه على نص ، ولعله الاستبقاء الرطوبة ، وفيه ان الخبر المتقدم يدل على ان العذاب والحساب انما هو ساعة رجوع المشيعين للميت وجفا هما في هذا الوقت بعيد جدا.

ومنها ـ ان يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر ، قال في الفقيه في كيفية التكفين : «ثم يلفه في إزاره وحبرته ويبدأ بالشق الأيسر فيمده على الأيمن ثم يمد الأيمن على الأيسر وان شاء لم يجعل الحبرة معه حتى يدخله قبره فيلقيه عليه» وهذه الكيفية مشهورة بين الأصحاب واعترف كثير منهم بعدم النص عليها ، قال في المدارك : «ولعل وجهه التيمن والتبرك» أقول : لا ريب ان الصدوق إنما أخذ هذا الحكم من الفقه الرضوي على ما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى. وربما كان أيضا في رسالة أبيه إليه إلا انه لا يحضرني الآن نقل ذلك عن الرسالة ، والظاهر ان الأصحاب تبعوا الصدوق في ذلك كما ذكرنا مثله في غير موضع ، قال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (١) : «وتلفه في إزاره وحبرته وتبدأ بالشق الأيسر وتمد على الأيمن ثم تمد الأيمن على الأيسر وان شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه». وعبارة الصدوق عين هذه العبارة كما ترى. واما ما ذكره (عليه‌السلام) هنا ـ من التخيير في تأخير الحبرة عن التكفين فيها وان تجعل معه بعد إدخاله القبر فتلقى عليه ـ فقد ورد مثله في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه». إلا ان هذه الصحيحة دلت على انه يوضع تحت جنبه ، قال في الذكرى : «وذهب بعض الأصحاب الى ان البرد لا يلف ولكن يطرح عليه طرحا وإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه وهو رواية ابن سنان» انتهى. قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ولا يبعد القول بالتخيير.

__________________

(١) ص ١٧.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التكفين.

٤٨

ومنها ـ ما رواه أبو كهمس (١) : «ان الصادق (عليه‌السلام) كتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله». والأصحاب ذكروا استحباب ذلك على الحبرة واللفافة والقميص والعمامة والجريدتين ، وزاد ابن الجنيد «وان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)» وزاد الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف وابن البراج أسماء النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وظاهره في الخلاف دعوى الإجماع عليه. وذكروا ان الكتابة بتربة الحسين (عليه‌السلام) ومع عدمها بطين وماء ومع عدمه بالإصبع ، وفي المسائل الغرية للشيخ المفيد (قدس‌سره) بالتربة أو غيرها من الطين ، وابن الجنيد بالطين والماء ، ولم يعين ابن بابويه ما يكتب به. واشترط جملة من الأصحاب التأثير في الكتابة لأنه المعهود. أقول : وما ذكروه من زيادة ما يكتب وما يكتب به وما يكتب عليه وان كان خاليا من النص على الخصوص إلا ان التيمن والتبرك بأسمائهم كاف في أمثال ذلك. ومما يستأنس به للكتابة بالتربة الحسينية ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري (٢) «انه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه ان شاء الله تعالى. وسأل فقال روي لنا عن الصادق (عليه‌السلام) انه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله. فهل يجوز لنا ان نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره؟ فأجاب يجوز والحمد لله».

أقول : ومما يستحب ان يكتب على الكفن وان لم اطلع على من قال به من الأصحاب دعاء الجوشن الكبير كما نقله الكفعمي في كتاب جنة الأمان رواه عن السجاد (عليه‌السلام) (٣) والقرآن بتمامه إن أمكن وإلا فيما تيسر منه لما رواه الصدوق في العيون

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب التكفين.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٢ و ٢٩ من أبواب التكفين.

(٣) وهو ما رواه في الكتاب المذكور عن السجاد زين العابدين عن أبيه عن جده

٤٩

بسنده عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه (١) في حديث «ان موسى بن جعفر (عليه‌السلام) كفن بكفن فيه حبرة استعملت له بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار وكان عليها القرآن كله».

ومنها ـ ان يكون الكفن قطنا وان يكون أبيض إلا الحبرة ، أما استحباب كونه قطنا ففي المعتبر انه مذهب العلماء كافة ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن ابي خديجة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به والقطن لامة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». ورواه الصدوق مرسلا واما ما يدل على كونه أبيض فأخبار عديدة : منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) البسوا البياض فإنه أطيب واطهر وكفنوا فيه موتاكم». وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليس من لباسكم شي‌ء أحسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم». واما ما يدل على الحبرة وانها ليست ببياض فروايات عديدة قد تقدم بعضها ، ومنها ـ ما رواه أبو مريم الأنصاري في الصحيح (٥) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ثلاثة أثواب :

__________________

عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : نزل جبرئيل على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل إله ثقله فقال يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولأمتك ، وساق الحديث الى ان قال : ومن كتبه على كفنه استحى الله ان يعذبه بالنار ، وساق الحديث الى ان قال : قال الحسين «عليه‌السلام» أوصاني ابى «عليه‌السلام» بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه وان اكتبه على كفنه ثم ذكر دعاء الجوشن الكبير» منه «قدس‌سره».

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب التكفين.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب التكفين.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب التكفين.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

٥٠

برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين ، ثم قال : وقال ان الحسن بن علي (عليهما‌السلام) كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة وان عليا (عليه‌السلام) كفن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة» (١).

ومنها ـ ان يخاط الكفن بخيوط منه ، قاله الشيخ في المبسوط والأصحاب على ما نقله في الذكرى ، وقال في المدارك : «ذكره الشيخ واتباعه ولا اعرف مستنده» انتهى. وهو كذلك.

ومنها ـ ان يسحق الكافور بيده ويجعل ما يفضل من مساجده على صدره كذا ذكره الأصحاب ، اما الحكم الأول فقال في المعتبر بعد نقله عن الشيخين : ولم أتحقق مستنده ، قال : واما وضع ما يفضل من المساجد على صدره فقد ذكره جماعة من الأصحاب. قال في المدارك : «ويمكن ان يستدل عليه بحسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد الى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط». ثم قال : لكن لا يخفى ان هذه الرواية إنما تضمنت الأمر بوضع شي‌ء من الكافور على الصدر لا اختصاصه بالفاضل» أقول : ومثل حسنة الحلبي المذكورة رواية زرارة المتقدم ذكرها (٣) في مسألة وضع الحنوط حيث قال فيها : «واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه». الا ان الظاهر ان من قال بهذا الحكم انما تبع فيه الصدوق في الفقيه حيث ذكر ذلك ، وقد قدمنا عبارته في صدر المسألة الثانية ، والصدوق

__________________

(١) أقول : ما اشتمل عليه هذا الخبر من ان الحسن «عليه‌السلام» كفن أسامة ابن زيد لا يخلو من اشكال لما ذكره الذهبي في تأريخه وكذا ابن حجر وغيرهما من أرباب السير أن أسامة بن زيد مات سنة أربع وخمسين والحسن «عليه‌السلام» توفي سنة خمسين أو سبع وأربعين ، وعلى هذا فلعل المكفن انما هو الحسين «عليه‌السلام» ويكون الحسن «عليه‌السلام» دفع الحبرة الى أسامة قبل موته ليجعلها في كفنه منه «قدس‌سره».

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التكفين.

(٣) ص ٢٣.

٥١

انما أخذه من الفقه الرضوي حيث ذكر (عليه‌السلام) ذلك وقد تقدمت عبارته في صدر المسألة المشار إليها (١) ومنه يعلم وجود المستند كما في جملة من الأحكام التي اختص هذا الكتاب بمستنداتها.

ومنها ـ ان ينثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة. قال في المعتبر : «وقد اتفق العلماء كافة على استحباب تطييب الكفن بالذريرة» أقول : ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور». وقد تقدم في موثقة عمار (٣) «ويطرح على كفنه ذريرة». واما الذريرة فقد تقدم الكلام في بيان معناها في مستحبات الغسل.

ومنها ـ تجويد الكفن لما روي (٤) من انهم يتباهون يوم القيامة بأكفانهم ،. قال في المنتهى : ويستحب اتخاذ الكفن من أفخر الثياب وأحسنها ثم قال في مسألة أخرى : ويستحب ان يكون بالجديد بلا خلاف.

أقول : ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان ابي أوصاني عند الموت يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا واشتر لي بردا واحدا وعمامة وأجدهما فإن الموتى يتباهون بأكفانهم». وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) قال : «أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم». وعن ابي خديجة عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) قال : «تنوقوا في الأكفان فإنكم تبعثون بها». وقد تقدم في حديث يونس بن يعقوب عن ابي الحسن الأول (٨) «انه سمعه يقول كفنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة

__________________

(١) ص ٢٣.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب التكفين.

(٣) ص ٩.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب التكفين.

٥٢

دينار». وفي العلل بسنده عن احمد بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه الى الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم». وفي كتاب العلل بسنده عن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «أوصاني أبي بكفنه فقال لي يا جعفر اشتر لي بردا وجوده فان الموتى يتباهون بأكفانهم». ويؤيد ذلك ما تقدم (٣) من الخبر الدال على ان موسى بن جعفر (عليه‌السلام) كفن في حبرة استعملت بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار وعليها القرآن كله.

ومنها ـ وضع التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية في حنوط الميت ، لما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (٤) قال : «كتبت الى الفقيه اسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه ان شاء الله تعالى». ورواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن صاحب الزمان (عليه‌السلام). والمراد بالطين هو طين قبر الحسين (عليه‌السلام) كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب الدفن.

(المسألة الخامسة) ـ من المكروهات في هذا المقام ان يكفن بالسواد ، قال في المنتهى : «لا نعرف فيه خلافا» ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا يكفن الميت في السواد». وعن الحسين ابن المختار (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يحرم الرجل في ثوب اسود؟ قال لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به». وربما عدي الحكم إلى كل صبغ كما يفهم من الذكرى حيث قال : ويكره في السواد بل وكل صبغ على الأصح ، قال : وعليه تحمل رواية الحسين بن المختار (٧) «لا يكفن الميت في السواد». وظاهره حمل السواد

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب التكفين.

(٣) ص ٥٠.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب التكفين.

(٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب التكفين.

٥٣

هنا على ما يعم كل صبغ ، والظاهر بعده. ثم انه (قدس‌سره) نقل عن ابن البراج انه منع من المصبوغ ونقل الكراهة في الأسود وكذا منع الممتزج بالحرير وبما فيه اوله طراز من حرير ومن القميص المبدأ للكفن إذا خيط ، ثم قال : والأقرب الكراهية للأصل ولصحة الصلاة ولخبر الحسين بن راشد. انتهى. وأشار بخبر الحسين بن راشد الى ما قدمناه عنه (١) من سؤاله عن الثياب التي تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح ان يكفن فيها الموتى؟ قال : «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس».

ومن ذلك ـ الكتان ايضا لما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يكفن الميت في كتان».

ومنها ـ الطيب ، والمشهور بين الأصحاب كراهته مسكا كان أو غيره وظاهر الصدوق جوازه بل استحبابه ، قال في الفقيه (٣) بعد ذكر حديث تكفين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «وروي انه حنط بمثقال من مسك سوى الكافور». وروى في خبر آخر (٤) قال : «سئل أبو الحسن الثالث (عليه‌السلام) هل يقرب الى الميت المسك والبخور؟ قال نعم».

أقول : والأخبار في المقام مختلفة كما سيظهر لك ولكن لما كان استحباب الطيب للميت مشهورا عند العامة (٥) فإنه يجب حمل ما دل على ذلك على التقية ، فمما يدل على ما ذكره الصدوق ما نقله من الروايتين المذكورتين ، وما رواه في التهذيب عن مغيرة مؤذن بني عدي عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) قال : «غسل علي بن ابي طالب (عليه

__________________

(١) ص ١٧.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب التكفين.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التكفين.

(٥) كما في المغني ج ٢ ص ٤٦٨ والبحر الرائق ج ٢ ص ١٧٣ والبداية لابن رشد المالكي ج ١ ص ٢١٣.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٥٤

السلام) رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بدأ بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور ومثقال من مسك ودعا بالثالثة قربة مشدودة الرأس فأفاضها عليه ثم أدرجه».

ومما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم». ورواه الصدوق في العلل والخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) مثله. وما رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن عبد الله الجعفري (٢) قال : «رأيت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) ينفض بكمه المسك على الكفن ويقول ليس هذا من الحنوط في شي‌ء». وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط بمسك». ومما يؤيد ما ذكرناه من حمل الأخبار الأولة على التقية ما رواه في الكافي عن داود بن سرحان (٤) قال : «مات أبو عبيدة الحذاء وانا بالمدينة فأرسل الي أبو عبد الله (عليه‌السلام) بدينار وقال اشتر بهذا حنوطا واعلم ان الحنوط هو الكافور ولكن اصنع كما يصنع الناس. قال فلما مضيت اتبعني بدينار وقال اشتر بهذا كافورا». أقول : الظاهر ان الدينار الأول للحنوط الذي يحنط به الناس وهو ما يتخذه العامة من الكافور المخلوط بأنواع الطيب والدينار الثاني للكافور خاصة ليكون جامعا بين السنة والتقية. ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن داود بن سرحان (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في كفن ابي عبيدة الحذاء انما الحنوط الكافور ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس». وقال في الفقه الرضوي (٦) : «وروي انه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور إلا الكافور فان سبيله سبيل المحرم. وروي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لأن في ذلك

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التكفين.

(٦) ص ٢٠.

٥٥

مكرمة الملائكة فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة. وروي ان الكافور يجعل في فيه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك وعلى صدره وفرجه». أقول : لا يبعد ان يكون اقتصاره (عليه‌السلام) على نقل الروايات في المقام من غير ان يفتي بشي‌ء منها خرج ايضا مخرج التقية. قال في الذكرى : واما المسك ففي خبرين أرسلهما الصدوق : أحدهما ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حنط بمثقال من مسك سوى الكافور ، والآخر عن الهادي (عليه‌السلام) انه سوغ تقريب المسك والبخور الى الميت ، ويعارضهما مسند محمد بن مسلم ثم ساق الرواية المتقدمة ثم قال : وخبر غياث ابن إبراهيم عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «ان أباه كان يجمر الميت بالعود». ضعيف السند. انتهى. أقول : لا حاجة الى الطعن بضعف السند بل ولو كان صحيح السند فان سبيله التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، ويؤيد ما ذكرنا تأكيدا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن غير واحد عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «الكافور هو الحنوط». وبالجملة الظاهر عندي هو القول المشهور للأخبار المذكورة ونحوها ، وما عارضها هنا محمول على التقية. والله العالم.

ومنها ـ التجمير وأصحابنا جميعا عدا الصدوق على الكراهة ، قال في المنتهى : «ذهب أكثر علمائنا إلى كراهية تجمير الأكفان ، وقال ابن بابويه يجمر الكفن ، وهو قول الجمهور» أقول : والأخبار هنا أيضا مختلفة ولكن سبيل هذه المسألة سبيل سابقتها في حمل ما دل على جواز ذلك على التقية (٣) فمن الأخبار الدالة على الجواز ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «انه كان يجمر الميت بالعود فيه المسك وربما جعل على النعش الحنوط وربما لم يجعله وكان يكره ان يتبع الميت بالمجمرة». وعن عبد الله بن سنان في الحسن عن الصادق (عليه‌السلام) (٥)

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التكفين.

(٣) كما في البحر الرائق ج ٢ ص ١٧٧ والمهذب ج ١ ص ١٣٠ والمغني ج ٢ ص ٤٦٤.

٥٦

قال : «لا بأس بدخنة كفن الميت وينبغي للمرء المسلم ان يدخن ثيابه إذا كان يقدر». ومما يدل على النهي عنه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يجمر الكفن». وما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية محمد بن مسلم (٢) وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان تتبع جنازة بمجمرة». وبهذا الاسناد عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يوضع على النعش الحنوط». وفي الصحيح عن أبي حمزة (٥) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) : لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة». وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا أردت أن تحنط الميت ، الى ان قال : وقال أكره أن يتبع بمجمرة».

ومنها ـ اتخاذ الأكمام للقميص المبتدأ فاما إذا كان لبيسا فلا بأس ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان عمن أخبره عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) قال : «قلت له الرجل يكون له القميص ا يكفن فيه؟ فقال اقطع أزراره. قلت وكمه؟ قال انما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما فاما إذا كان ثوبا لبيسا فلا تقطع منه إلا الأزرار». ورواه في الفقيه مرسلا. وروى في التهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع (٨) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) ان يأمر لي بقميص أعده لكفني فبعث به الي فقلت كيف اصنع؟ قال انزع أزراره». وروى الصدوق مرسلا (٩) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ينبغي ان يكون القميص للميت غير مكفوف ولا مزرور».

__________________

(١ و ٣ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التكفين.

(٢) ص ٥٥.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب التكفين.

(٧ و ٨ و ٩) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب التكفين.

٥٧

وروى الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «ان فاطمة بنت أسد أوصت الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقبل وصيتها فلما ماتت نزع قميصه وقال كفنوها فيه». وروى في الكتاب المذكور بسنده فيه عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده (٢) في حديث : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دفن فاطمة بنت أسد وكفنها في قميصه ونزل في قبرها وتمرغ في لحدها». وروى في المجالس بسنده عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس في حديث وفاة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها». وربما دلت هذه الاخبار الثلاثة بإطلاقها على جواز الكفن في القميص الملبوس بأزراره حيث لم يتعرض فيها لذكر قطع الأزرار ، ولا يبعد ان يكون لخصوصية من الطرفين ، إلا انه يمكن ان يقال ان الغرض من سياقها انما هو بيان تشريفه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لها (رضي‌الله‌عنها) بتكفينها في قميصه لا بيان جواز التكفين في القميص حتى يكون الإخلال بذكر ذلك موجبا لعدمه من حيث ان المقام مقام البيان ، وحينئذ فيكون إطلاقها مقيدا بما مر من تلك الأخبار.

ومنها ـ ما ذكره الأصحاب من انه يكره جعل الحنوط في سمعه وبصره للأخبار المتقدمة الدالة على النهي عن ذلك ، حيث انهم (رضوان الله عليهم) ـ كما قدمنا نقله عنهم ـ قد جمعوا بين الاخبار الدالة على جواز وضع الحنوط في هذه المواضع والاخبار الدالة على النهي بالجواز على كراهة ، واما على ما قدمنا ذكره من ان الأظهر حمل اخبار الجواز على التقية فإنه تبقى أخبار النهي سالمة عن المعارض والنهي حقيقة في التحريم ولا موجب لإخراجه عن حقيقته. قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : وان يجعل في سمعه وبصره شي‌ء من الكافور ـ ما ملخصه : هذا قول الأكثر ويدل عليه

قوله (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب التكفين.

٥٨

السلام) في رواية يونس : «ولا تجعل في منخريه.». ثم ذكر تمام الرواية وقد تقدمت (١) ثم قال وصحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٢) قال : «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا». ثم قال وفي الرواية الأولى إرسال وفي الثانية قطع ، ثم نقل كلام الصدوق في الفقيه وقال : ولعل مستنده صحيحة عبد الله بن سنان ثم ساق الرواية كما قدمنا (٣) ثم نقل موضع الاستدلال من موثقة سماعة المتقدمة وخبر عمار (٤) الدالين على مذهب الصدوق ثم قال : وحمل المصنف هذه الروايات في المعتبر على الجواز وتلك على الكراهة وهو بعيد لأن الأمر ظاهر في الوجوب أو الاستحباب. انتهى. أقول : فيه (أولا) ان ما طعن به في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله ـ من انها مقطوعة حيث نقلها في كتابه عارية الإسناد الى الامام (عليه‌السلام) ـ عجيب فإنها في كتب الأخبار مسندة إلى الصادق (عليه‌السلام) كما قدمنا ذكره. و (ثانيا) ـ ان مقتضى القاعدة المنصوصة في مقام اختلاف الأخبار هو العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه والعامة هنا متفقون على استحباب وضع الحنوط في هذه المواضع التي اختلفت فيها الأخبار (٥) فكيف يمكن التمسك بالأمر فيها في الدلالة على وجوب أو استحباب؟ ولكنه (قدس‌سره) انما يدور مدار السند فمتى صح سند الرواية جمد عليه ولا ينظر الى ما في ذلك من العلل الأخر ولا ما يترتب عليه من الضرر من مخالفة القواعد المأثورة أو علة أخرى في متن ذلك الخبر.

ومنها ـ ما ذكره جمع من الأصحاب من انه يكره ان يكتب على الكفن بالسواد ، قال في المعتبر : «ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والنهاية وهو حسن لأن في ذلك نوع استبشاع وان وظائف الميت متلقاة من الشارع فتقف على الدلالة».

ومنها ـ بل الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق ، قال في المعتبر : «ذكره

__________________

(١) ص ٧.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب الحنوط.

(٣) ص ٢٣.

(٤) ص ٢٢.

(٥) كما في المغني ج ١ ص ٤٦٦ والمهذب ج ١ ص ١٣٠.

٥٩

الشيخ ورأيت الأصحاب يجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم لازالة الاحتمال ووقوفا على موضع الوفاق» قال في الذكرى : «اما بلها بغير الريق فالظاهر عدم الكراهة للأصل ولإشعار التخصيص بالريق اباحة غيره» أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من المجازفة الظاهرة ، فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف الحكم به والفتوى على الدليل الواضح ، مع انهما (قدس‌سرهما) ولا سيما المحقق كثيرا ما يخرجون عما عليه الأصحاب مع وجود الأدلة لكلام الأصحاب بزعم ان الرواية التي هي مستند الأصحاب ضعيفة فكيف يوافقونهم هنا مع اعترافهم بعدم الدليل بالمرة؟ وحينئذ فإن أراد المحقق المذكور بقوله : «ولا بأس بمتابعتهم» يعني في العمل بذلك بان لا يبل الخيوط بالريق فلا بأس به وان أراد في الحكم بالكراهة والفتوى بها فهو محل الاشكال لما عرفت. واما قوله في الذكرى : «ولإشعار التخصيص بالريق اباحة غيره» فان فيه ان هذا الإشعار انما يكون حجة لو كان الدليل المشعر بذلك دليلا شرعيا والأمر هنا ليس كذلك ، وقضية الأصل الذي يتمسكون به في غير مقام هو الإباحة مطلقا الى ان يقوم الدليل على المنع.

ومنها ـ ما ذكروه من قطع الكفن بالحديد ، ذكر ذلك الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة والرسالة الغرية ، وقال في التهذيب : «سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ وكان عملهم عليه» قال في المعتبر بعد نقل ذلك : «قلت ويستحب متابعتهم تخلصا من الوقوع فيما يكره» أقول : والكلام في هذه المسألة كما في سابقتها ، ثم أقول ونحن في الموضعين نعمل على مقالتهم ونجري على منوالهم وان لم نحكم بما حكموا به من الكراهة وخطابنا غير خطابهم.

خاتمة تشتمل على مسائل :

(الاولى) ـ لو خرج من الميت نجاسة بعد الغسل فههنا صور (الاولى) ـ ان تلاقي جسده خاصة ، والمشهور انه يجب إزالتها خاصة ولا يجب اعادة الغسل ، وذهب ابن

٦٠