الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

الصلاة ومس خط المصحف مثلا الى ان يمضي ذلك المقدار لا يخلو من اشكال. انتهى. وهو جيد. والمراد بقوله (قدس‌سره) والتزام القول. إلخ هو إلزام القائلين بالقول الأول بأنه يلزم منه إذا كان لا ينتقض التيمم إلا بمضي هذا المقدار من الزمان انه بعد وجود الماء وقبل مضي المدة المذكورة يجوز له مس خط المصحف والدخول في الصلاة بتيممه ذلك لأنه طهارة صحيحة لم تنتقض فإذا مضى ذلك المقدار حرم عليه تلك الأشياء ، وهو مشكل فان ظواهر الأخبار تمنعه ، وانما قيد الصلاة بالابتداء احترازا عن وجدان الماء في أثنائها كما تقدم فإنه لا إشكال في وجوب مضيه في الصلاة على التفصيل المتقدم ، وهذا الإلزام ظاهر متوجه والتزام القول بصحة الدخول في الصلاة بهذا التيمم حال وجود الماء لا يخلو من شناعة.

ونظير هذه المسألة ما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج في من استطاع للحج فبادر في عام الاستطاعة ومات بعد الإحرام أو قبله وقبل دخول الحرم ، فان ظواهر الاخبار دلت على وجوب القضاء عنه وأكثر الأصحاب حملوها على من استقر الحج في ذمته قبل هذا العام للعلة المتقدمة ، ونقل عن الشيخين وجوب القضاء عنه عملا بظاهر الاخبار ، ورجحه الشيخ علي بن سليمان البحراني في حاشيته على المختصر ، وهو مؤيد للقول الثاني في هذه المسألة. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل ادعي عليه الإجماع ـ ان المحتلم في أحد المسجدين المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يجوز له المرور فيه والخروج منه إلا متيمما ولا بأس بأن يمر في غيرهما من المساجد.

والأصل في هذا الحكم صحيحة أبي حمزة (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

٤٠١

فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما ولا بأس بأن يمر في سائر المساجد ولا يجلس في شي‌ء منها».

ومرفوعة أبي حمزة (١) قال : «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل ، وكذا الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس ان يمرا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها».

وفي الفقه الرضوي (٢) : «وإذا احتلمت في مسجد من المساجد فاخرج منه واغتسل إلا ان تكون احتلمت في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنك إذا احتلمت في أحد هذين المسجدين فتيمم ثم اخرج ولا تمر بهما مجتازا إلا وأنت متيمم». انتهى.

وعن ابن حمزة القول باستحباب التيمم في الصورة المذكورة ، وهو ضعيف. وبالجملة فإن أصل الحكم لا اشكال فيه ولا كلام لما عرفت من الاخبار.

وانما يبقى الكلام في مواضع (الأول) ـ انه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الغسل في الصورة المذكورة وعدمه لو وجد الماء في أحد المسجدين فقيل بان الواجب هو التيمم مطلقا وقوفا على ظاهر النص ، وقيل بأنه إن أمكن الغسل وساوى زمانه زمان التيمم أو نقص عنه وحصل الأمن من تعدى النجاسة الى المسجد وآلاته وجب وكان مقدما على التيمم واليه ذهب جملة من المتأخرين ، واحتمل في الذكرى تقديم الغسل مطلقا حيث قال : وانما قيد جواز الغسل مع إمكانه بمساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه مع ان الدليل يقتضي تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم العلم بالقائل بتقديمه مطلقا وان كان القول به متجها. ويظهر من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل اليه. والوجه في القول الأول ما عرفته من الوقوف على ظاهر النص. واما القول الثاني

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

(٢) ص ٤.

٤٠٢

فالجمع بين الأخبار الدالة على وجوب استعمال الماء وعدم مشروعية التيمم وبين هذه الأخبار بحمل اخبار التيمم على ما إذا زاد زمان الغسل عن زمانه أو أوجب التلوث بالنجاسة. واما الثالث فهو تخصيص اخبار التيمم بعدم وجود الماء.

ويمكن ترجيح القول الثاني بما أشرنا إليه في غير موضع وصرح به غير واحد من محققي الأصحاب من ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تبنى على الافراد الشائعة المتكررة الوقوع دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد ، وحيث كان وجود الماء في المسجدين على الوجه المذكور بالشروط المذكورة من الفروض النادرة التي ربما لا تتفق بالكلية وانما هو فرض عقلي واحتمال فرضي خرجت الأخبار بالتيمم بناء على ما هو المتعارف المعتاد ، وحينئذ فلا مانع من العمل بتلك الأخبار المستفيضة في صورة وجود الماء وإمكان استعماله بالشروط المذكورة.

قال السيد (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر صحيحة أبي حمزة المذكورة : «وإطلاق الخبر يقتضي وجوب التيمم مطلقا وان أمكن الغسل في المسجد وساوى زمانه زمان التيمم أو نقص عنه ، وبه قطع المحقق الشيخ علي في حاشية الكتاب ، ورجح جماعة : منهم ـ جدي (قدس‌سره) في جملة من كتبه وجوب الغسل مع مساواة زمانه لزمان التيمم أو نقصه عنه وعدم استلزامه تنجيس شي‌ء من المسجد وآلاته ، واستدل عليه في الروض بان فيه جمعا بين ما دل على الأمر بالتيمم مطلقا وهي صحيحة أبي حمزة السابقة وبين ما دل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم ، قال وانما قيدنا جواز الغسل في المسجد مع إمكانه بمساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه مع ان الدليل يقتضي تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم القائل بتقديمه مطلقا وإلا لكان القول به متوجها. وفيه نظر فانا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة ، وايضا قد ثبت بالنصوص الصحيحة تحريم الكون للجنب في المساجد مطلقا وغاية ما علم استثناؤه من ذلك حالة التيمم بالنص السابق فيبقى غيره مندرجا تحت العموم ، والأظهر الاقتصار

٤٠٣

على التيمم وقوفا مع ظاهر الخبر ، وكما جاز ان يكون الأمر بالتيمم مبنيا على الغالب من تعذر الغسل في المسجدين فيجوز ان يكون وجهه اقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة فإن مورد الخبر المحتلم وهو ملازم للنجاسة ، وقد أطلق جملة من الأصحاب تحريم إزالتها في المساجد وصرح بعضهم بعموم المنع وان كانت الإزالة في الكثير» انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ما ذكره من النظر منظور فيه ايضا من وجوه : (الأول) ـ قوله : «انا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة» فإن فيه (أولا) ـ انه مردود بالأخبار المتقدمة الدالة على عموم البدلية مثل قوله (عليه‌السلام) (١) «ان الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وقوله (عليه‌السلام) (٢) : «هو بمنزلة الماء». ونحو ذلك من الأخبار المتقدمة مما يقتضي وجوب التيمم مع فقد الماء عند وجوب ما لا يستباح إلا به ، وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف كما تقدم في المسألة الاولى من مسائل هذا المطلب إلا منه ومن فخر المحققين كما تقدم بيانه. و (ثانيا) ـ انه قد صرح هو نفسه في كتاب الحج في الطواف انه يستباح بالطهارة الترابية كما يستباح بالطهارة المائية عملا بالأخبار المشار إليها ورد على من زعم خلاف ذلك والحال في المسألتين واحدة ، قال (قدس‌سره) في الموضع المشار اليه : «واعلم ان المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح بالمائية ويدل عليه عموم قوله (عليه‌السلام) (٣) في صحيحة جميل «ان الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي صحيحة محمد بن مسلم (٤) «هو بمنزلة الماء». وذهب فخر المحققين الى ان التيمم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث فيما عداهما من المساجد ومقتضاه عدم استباحة الطواف به ايضا وهو ضعيف» انتهى. ومدافعته

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروي في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب التيمم.

(٤) لم نقف على رواية لمحمد بن مسلم تتضمن هذا اللفظ وقد ورد في صحيحة حماد ابن عثمان المتقدمة ص ٣٧٣.

٤٠٤

(قدس‌سره) لكلامه في هذه المسألة أظهر من ان يخفى.

(الثاني) ـ ان قوله : «وايضا قد ثبت بالنصوص الصحيحة. إلخ» مردود بانا متى حملنا الخبر على ما ذكرناه آنفا من الخروج مخرج الغالب كما اعترف به أخيرا لا انه حكم كلي فلنا ان نعمل بتلك الأخبار المستفيضة في حكم التيمم وانه لا يسوغ التيمم إلا مع العذر كفقد الماء ، ونقول حينئذ هنا لا ريب في تحريم اللبث كما ذكره إلا ان الخبر لما دل على جواز اللبث بقدر التيمم لعدم الماء كما حملنا عليه الخبر فلنا ان نجوز اللبث ذلك المقدار أو أقل منه كما هو المفروض مع وجود الماء للغسل ، وبالجملة فإنا لا نسلم العمل بالخبر المذكور إلا مع عدم وجود الماء أو لزوم أحد الأشياء المذكورة وإلا فالواجب هو الغسل بالشرطين المذكورين ، فاستثناء هذا المقدار من الزمان مما لا نزاع فيه وانما النزاع في ان الواجب في هذا المقدار هو التيمم مطلقا كما يدعيه أو الغسل على الوجه المذكور.

(الثالث) ـ ان قوله : «وكما جاز ان يكون الأمر بالتيمم مبنيا على الغالب.» ـ قاصدا بذلك الجواب عما قدمنا ذكره من حمل الخبر على الخروج مخرج الغالب فلا يكون الحكم كليا ـ فيه (أولا) ـ ان تحريم إزالة النجاسة في المسجد مما لم يقم عليه دليل كما صرح به هو وغيره ، وتصريح الأصحاب به مع عدم الدليل عليه لا ينهض حجة ، واليه يشير ايضا كلامه هنا بقوله : «وقد أطلق جملة من الأصحاب.»

و (ثانيا) ـ انه مع تسليمه فان كان من حيث التعدي الى المسجد أو آلاته فهو لا يلزمنا لأنا قد استثنيناه وإلا فهو مبني على تحريم إدخال النجاسة المسجد مطلقا وان لم تتعد ، وهو (قدس‌سره) ممن نازع في ذلك ورد على الأصحاب في بحث النجاسات من الكتاب فكيف يحتج هنا بما نازع فيه وأبطله ورده؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة. وبما حققناه في المقام يظهر لك قوة القول المذكور وانه عار عن وصمة القصور. والله العالم.

(الثاني) ـ ظاهر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح

٤٠٥

آخرون ايضا انه لا فرق في هذا الحكم بين المحتلم وبين من أجنب في المسجد أو دخله جنبا لاشتراك الجميع في العلة وهو تحريم قطع شي‌ء من المسجد جنبا مع إمكان الطهارة وعدم تعقل الفرق بين المحتلم وغيره. ويرد عليه ان مقتضى الأخبار تحريم لبث الجنب في المسجد خرج منه المحتلم بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه مندرجات تحت عموم الأخبار المذكورة ، وما ذكر من العلة ليس من قبيل العلة المنصوصة أو مفهوم الموافقة حتى يجب انسحاب الحكم الى ما ذكروه بناء على القول بذلك فيكون من باب القياس حينئذ ، وعدم تعقل الفرق كما ذكره لا يدل على العدم واقعا ، ولو أمكن التيمم في أثناء الخروج من غير استلزام لزيادة الكون قيل لا يبعد وجوبه لقطع بقية الطريق. وفيه تأمل.

(الثالث) ـ هل تلحق بالجنب الحائض في هذا الحكم؟ الظاهر نعم وفاقا لجملة من الأصحاب لمرفوعة أبي حمزة المتقدمة ، وأنكر ذلك المحقق في المعتبر لقطع الرواية ولانه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب ، ثم حكم بالاستحباب. واعترضه في الذكرى بأنه اجتهاد في مقابلة النص وبالمعارضة باعترافه بالاستحباب. وأجاب عنه في الروض بان المحقق طعن في الرواية بالقطع فلا حجة فيها فيرجع الى الاجتهاد ويصح استناد الاستحباب إلى الرواية للتسامح في دلائل السنن.

أقول : ومرجع هذا الاعتذار الى ان الرواية وان ضعفت بالقطع عن الدلالة على الوجوب إلا انها تصلح دليلا للاستحباب للتسامح في أدلة السنن. وهذه القاعدة وان اشتهرت في كلامهم إلا انها لا تخلو من المجازفة في أحكامه سبحانه ، لما علم من ان الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم فيتوقف على الدليل الواضح وإلا كان من قبيل القول على الله سبحانه بغير علم ، وقد استفاضت الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بالمنع عنه وحينئذ فالخبر الضعيف ان كان دليلا شرعيا وجب القول بما دل عليه من وجوب أو استحباب وإلا وجب طرحه والاعراض عنه في جميع الأبواب ، وقد تقدم في بحث الأغسال المستحبة من هذا الباب ما فيه زيادة تذكرة لاولى الألباب.

٤٠٦

(الرابع) ـ الأشهر الأظهر انه لا يلحق بالمسجدين غيرهما من المساجد في شرعية التيمم للخروج ، لعدم النص وتوقف العبادة على التوقيف ، وقرب شيخنا الشهيد في الذكرى استحباب التيمم فيها لما فيه من القرب من الطهارة وعدم زيادة الكون فيها له على الكون له في المسجدين ، قال في المدارك : «وهو ضعيف ودليله مزيف» أقول : والظاهر ان وجه الضعف فيه هو ان التيمم انما شرع في المسجدين لعدم جواز المرور فيهما جنبا فأمر بالتيمم ليكون على طهارة حال خروجه واما سائر المساجد فإنه يجوز المرور فيها جنبا مع تحريم اللبث فيها ، واما ما ذكره من الدليل ففيه انه لا وجه لارتكاب أمر محرم لأجل الإتيان بأمر مستحب لما ثبت من تحريم اللبث فارتكابه لأجل حصول القرب من الطهارة الذي هو أمر مندوب اليه مما لا يكاد يعقل ، وعدم زيادة الكون فيها على الكون له في المسجدين غير مجد نفعا في المقام لثبوت التحريم مطلقا خرج منه مورد النص في المسجدين وبقي ما عداه داخلا تحت الإطلاق.

(الخامس) ـ مقتضى الأخبار الواردة في هذه المسألة وكذا كلام الأصحاب انه لا ينوي بهذا التيمم البدلية عن الغسل وانما ينوي به استباحة المرور في المسجد خاصة وعلى هذا فلا يكون مبيحا للصلاة ونحوها ، وعلل ذلك أيضا بأنه يجب عليه الخروج عقيبه بغير فصل متحريا أقرب الطرق.

ولشيخنا الشهيد الثاني هنا في الروض تفصيل حسن قال : «والتحقيق ان يقال ان كان الغسل ممكنا في المسجد ولم نقل بتقديمه على التيمم فلا إشكال في عدم اباحة هذا التيمم للإجماع على عدم إباحة الصلاة بالتيمم مع إمكان الغسل ، وان لم يكن في المسجد فلا يخلو اما ان يكون الغسل ممكنا خارجه كما لو كان الماء موجودا ولا مانع لهذا المتيمم من الغسل من مرض ولا غيره ، وهنا ايضا يتوجه عدم إباحة الصلاة لأن وقوعها في المسجد ممتنع لوجوب المبادرة إلى الخروج وبعد الخروج يتمكن من الغسل فيفسد التيمم ، وانما شرع التيمم هنا مع إمكان الغسل خارجا لتحريم المرور في المسجدين من دون الغسل أو التيمم

٤٠٧

فإذا تعذر الغسل داخله فالتيمم قائم مقامه في إباحة قطع مسافته ، وان كان الغسل متعذرا خارج المسجد فالوجه كون هذا التيمم مبيحا لعدم المانع فان التيمم مع تعذر الطهارة يبيح ما تبيحه إلا على قول ولد المصنف من عدم اباحة دخول المساجد مطلقا بالتيمم وسيأتي بطلانه ، ونمنع حينئذ وجوب المبادرة إلى الخروج وتحري أقرب الطرق لان ذلك مشروط بإمكان الغسل خارج المسجد جمعا بين قولهم هنا كذلك وقولهم في باب التيمم انه يبيح ما تبيحه المائية ومن جملة ما تبيحه المائية اللبث في المسجدين وغيرهما فيصح حينئذ اللبث والصلاة» انتهى. وهو جيد.

والظاهر ان مبنى الأخبار وكذا كلام الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهما على ما هو الغالب من وجود الماء خارج المسجد ، وحينئذ فلا يستبيح بتيممه هذا بعد الخروج من المسجد الصلاة ولا غيرها ، واما مع تقدير هذا الفرض النادر الوقوع فالظاهر ان الحكم فيه هو ما ذكره شيخنا المشار اليه لخروجه عن مقتضى الأخبار المذكورة واندراج ذلك في جزئيات مسائل باب التيمم.

(المسألة الثامنة) ـ المشهور سيما بين المتأخرين هو تحريم الطهارة وضوء أو غسلا أو تيمما في المكان المغصوب بل نقل بعض الأفاضل الإجماع عليه جسما يظهر من اتفاقهم على ذلك في الصلاة ، وممن صرح بالحكم المذكور شيخنا الشهيد في الألفية والذكرى والعلامة في التذكرة والنهاية والشهيد الثاني في الروض حتى عدوا الحكم في غير الصلاة والطهارة إلى سائر العبادات الواجبة المشتملة على فعل ، قال في الروض ـ بعد ذكر تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع العلم بالغصب ـ ما صورته : «ولا فرق في الصلاة هنا بين الفريضة والنافلة ، وكما تبطل الصلاة فيه فكذا ما أشبهها من الأفعال التي من ضرورتها المكان وان لم يشترط فيها الاستقرار كالطهارة وأداء الزكاة والخمس والكفارة وقراءة القرآن المنذور ، اما الصوم في المكان المغصوب فقد قطع الفاضل بجوازه لعدم كونه فعلا فلا مدخل للكون فيه. ويمكن الاشكال فيه باعتبار النية

٤٠٨

فإنها فعل فيتوقف على المكان كالقراءة وان افترقا بكون أحدهما فعل القلب والآخر فعل اللسان» انتهى.

وجزم في المدارك وقبله المحقق في المعتبر وتبعهما جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بالصحة في الطهارة ونحوها مع جزمهم بالبطلان في الصلاة ، قال في المدارك ـ في باب التيمم في مسألة التيمم بالتراب المغصوب ـ ما لفظه «ولو تيمم في المكان المغصوب فالأصح انه لا يبطل تيممه إذا كان التراب المضروب عليه مباحا لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة فإن الكون ليس من أفعال التيمم وانما هو من ضروريات الجسم» انتهى.

وقال في المعتبر بعد ان ذكر انه لا تصح الصلاة في مكان مغصوب مع العلم بالغصب اختيارا ثم علل ذلك بأنها صلاة منهي عنها والنهي يدل على فساد المنهي عنه ، ثم قال : (لا يقال) : هذا باطل بالوضوء في المكان المغصوب وبإزالة عين النجاسة بالماء المغصوب ، وبان النهي يدل على الفساد حيث يكون متناولا لنفس العبادة وليس في صورة النزاع كذلك بل النهي متناول لعارض خارج عن ماهية الصلاة فلا يكون مبطلا (لأنا نقول) : الفرق بين الوضوء في المكان والصلاة فيه ان الكون بالمكان ليس جزء من الوضوء ولا شرطا فيه وليس كذلك الصلاة فإن القيام جزء من الصلاة وهو منهي عنه لانه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه وكذا السجود ، وإذا بطل القيام والسجود وهما ركنان بطلت الصلاة. وازالة عين النجاسة ليست بعبادة إلا مع نية التقرب وإذا جاز ان تقع غير عبادة أمكن إزالة النجاسة وان كان المزيل عاصيا بالإزالة كما يصح ازالة عين النجاسة من الكافر والطفل ، اما الصلاة فإنها لا تقع إلا عبادة فلا تقع صحيحة مع النهي عنها ، وقوله النهي لم يتناول العبادة قلنا النهي يتناول العبادة بطريق اللزوم لانه يتناول القيام والسجود ويلزم من بطلانهما بطلان الصلاة. وجرى على منواله في المنتهى كما هي عادته غالبا من اقتفائه أثر المعتبر إلا فيما شذ وندر.

واعترضه الشهيدان في الذكرى وشرح الألفية بأن الأفعال المخصوصة من ضرورتها

٤٠٩

المكان فالأمر بها أمر بالكون مع انه منهي عنه.

أقول : مرجع هذا الإيراد الى ما استدلوا به على بطلان الصلاة في المكان المغصوب كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الصلاة من ان الحكم بصحة الصلاة يوجب اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وهو محال قطعا وما استلزم المحال باطل كما اعترف به في المدارك ، حيث قال : لان الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض فلا تكون مأمورا بها ضرورة استحالة كون الشي‌ء الواحد مأمورا به ومنهيا عنه. وهذا الدليل بعينه آت في الطهارة في المكان المغصوب كما ذكره الشهيدان ، فان الكون في المكان لما كان من ضروريات الجسم وأفعاله فالأمر بتلك الأفعال أمر بالكون مع انه منهي عنه فيلزم من القول بصحة الطهارة اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد. وظاهرهما موافقة المعتبر في صحة ما استدل به وفرق به بين الطهارة والصلاة وانما أوردا عليه من طريق آخر وهو جريان الدليل الذي أبطلوا به الصلاة في المكان المغصوب في الطهارة أيضا.

وقال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار ـ بعد نقل الفرق بين الطهارة والصلاة عن المعتبر والمنتهى ـ ما لفظه : «والفرق بين الطهارة والصلاة في ذلك مشكل ، إذ الكون كما انه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة وليس الوضوء والغسل إلا حركات مخصوصة ، وليس المكان منحصرا فيما يعتمد عليه الجسم فقط فان الملك والأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل يعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل منهما عبارة عن الكون أو مشتمل عليه» ومحصله ان الصلاة كما انها عبارة عن حركات مخصوصة من قيام وقعود وركوع وسجود وانتقالات من حال إلى أخرى فكذلك الوضوء والغسل عبارة عن حركات مخصوصة وان كانت هذه الحركات انما هي في المكان الذي هو عبارة عن الفراغ الذي يشغله الإنسان دون ما يعتمد عليه وإطلاق المكان والكون شامل لكل منهما ، فعين ما قالاه في الصلاة ـ من ان القيام والسجود ونحوهما

٤١٠

منهي عنها والنهي يقتضي الفساد ـ يقال في حركات الوضوء والغسل من رفع اليد ووضعها وامرارها على الجسد وقيامه ونحو ذلك أنها منهي عنها لأنها تصرف في المكان المغصوب ، وهي وان لم تكن جزء من الطهارة إلا انها شرط فيها ولازم لها لا تتم بدونه والنهي عنها موجب لبطلان الطهارة البتة ، فيكون الحكم في الطهارة والصلاة واحدا ولا يظهر لهذا الفرق الذي ذكراه معنى محصل.

وسيأتي ان شاء الله تعالى تمام القول في هذه المسألة في كتاب الصلاة عند تحقيق القول في حكم الصلاة في المغصوب وما وقع من الخلاف في المقام وما اشتمل عليه من النقض والإبرام وبيان ما هو المختار عندي في كل من المسألتين. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ الظاهر انه لا خلاف في استحباب التيمم للنوم ولو مع وجود الماء ، ويدل عليه ما رواه الصدوق والشيخ عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده فان ذكر انه على غير وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما كان فان فعل ذلك لم يزل في صلاة ما ذكر الله تعالى».

والمشهور بين الأصحاب ـ بل ادعى عليه الشيخ الإجماع ـ جوازه كذلك للجنازة واحتج عليه بموثقة سماعة (٢) قال : «سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير طهر كيف يصنع؟ قال يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم به». وقيده ابن الجنيد بخوف فوت الصلاة ، وقال في المعتبر بعد نقل قول الشيخ : «وفيما ذكره الشيخ إشكال ، اما الإجماع فلا نعلمه كما علمه ، واما الرواية فضعيفة من وجهين : (أحدهما) ـ ان زرعة وسماعة واقفيان. و (الثاني) ـ ان المسؤول في الرواية مجهول ، فاذن التمسك باشتراط عدم الماء في جواز التيمم أصل ، ولأن الرواية ليست صريحة في الجواز مع وجود الماء ، لكن لو قيل إذا فاجأته الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة تيمم لها كان حسنا لأن الطهارة لما لم

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب صلاة الجنازة.

٤١١

تكن شرطا وكان التيمم أحد الطهورين فمع خوف الفوت لا بأس بالتيمم لان حال المتيمم أقرب الى شبه المتطهرين من الخالي منه» انتهى. وهو راجع الى مذهب ابن الجنيد في المسألة ، وأجاب عنه الشهيدان في الذكرى والروض انه مردود بحجية الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وضعف الرواية مجبور بعمل الأصحاب بها وهي ظاهرة في المراد.

ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة؟ قال يتيمم ويصلي». ويمكن الاستدلال بهذه الرواية لابن الجنيد إلا ان التقييد بخوف الفوت انما وقع في كلام السائل.

وبالجملة فإنه لا ريب في الاستحباب في الموضعين المذكورين للأخبار المتقدمة ، وانما الكلام في انه هل يستحب في كل موضع يستحب فيه الوضوء أو الغسل مطلقا أم لا؟ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيدان والمحقق الشيخ علي بأنه لا إشكال في استحبابه إذا كان المبدل رافعا إنما الإشكال فيما عدا ذلك ، قال في الروض بعد حكمه بالبدلية عن الرافع : وهل يستحب بدلا عن غير الرافع كنوم الجنب وذكر الحائض؟ يحتمله لحلوله محل الرافع فغيره اولى ، والعدم لعدم النص. ويستحب ايضا بدلا عن غسل الإحرام مع تعذره ، وهل يستحب بدلا عن غيره؟ وجهان أرجحهما العدم لعدم النص ، وعلى القول برفع الغسل المندوب الحدث كما ذهب اليه المرتضى لا إشكال في الاستحباب ويكون مبيحا للصلاة. انتهى. وقال في المدارك : هل يستحب التيمم بدلا عن الغسل المستحب مع تعذره؟ فيه وجهان أظهرهما العدم وان قلنا انه رافع لعدم النص ، وجزم جدي (قدس‌سره) بالاستحباب على هذا التقدير ، وهو مشكل. انتهى.

أقول : الظاهر من كلامهم ـ كما أشرنا إليه ـ انه لا إشكال في البدلية عن الرافع غسلا كان أو وضوء استنادا إلى إطلاق النصوص الدالة على البدلية ، فإن الظاهر ـ من

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب صلاة الجنازة.

٤١٢

قوله (عليه‌السلام) في بعضها (١) «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي آخر (٢) «هو بمنزلة الماء». وفي ثالث (٣) «هو أحد الطهورين». ونحو ذلك ـ هو انه في كل موضع تكون الطهارة المائية رافعة مبيحة للصلاة فإن التيمم يقع بدلا عنها فحيثما ثبتت الطهارة المائية ثبتت البدلية ، إنما الإشكال فيما لو لم يكن كذلك كوضوء الحائض للذكر ونوم الجنب والأغسال المستحبة على المشهور من عدم كونها رافعة ، وحينئذ فتوقفه في المدارك في البدلية عن الغسل المستحب على تقدير كونه رافعا لعدم النص لا وجه له ، لانه وان لم يرد بذلك نص على الخصوص إلا انه داخل تحت إطلاق الأخبار المذكورة وهو كاف في الاستدلال. وظاهر كلام شيخنا في الروض ورود النص ببدلية التيمم عن غسل الإحرام خاصة من بين الأغسال المستحبة ، ولم أقف عليه فيما حضرني من كتب الاخبار.

وممن ناقش في هذا الحكم على إطلاقه أيضا الفاضل الخوانساري في شرحه على الدروس حيث قال ـ بعد قول المصنف : ويستحب التيمم بدلا من الوضوء المستحب الرافع ـ ما هذا لفظه : «في هذا الحكم على إطلاقه نظر بل استحباب التيمم انما يكون فيما فيه نص أو إجماع أو شهرة وليس كذلك كل ما يستحب فيه الوضوء الرافع كما هو الظاهر ، نعم ما ورد فيه الأمر الاستحبابي بالطهارة مطلقا كما ورد في دخول المساجد لم يبعد ايضا الحكم باستحباب التيمم حال فقدان الماء لأنه طهور ايضا» انتهى. وملخصه انه ينبغي ملاحظة الدليل في جزئيات الأحكام فان دل على انه مما يستحب فيه الطهارة فلا إشكال في استحباب التيمم بدلا عنه لظاهر قوله سبحانه : «وَلكِنْ يُرِيدُ

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب التيمم.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب التيمم.

(٣) ورد في صحيحة زرارة المروية في الوسائل في الباب ٢١ من التيمم «ان التيمم أحد الطهورين». وفي صحيحة محمد بن مسلم المروية في الوسائل في الباب ١٤ و ٢٣ من التيمم «قد فعل أحد الطهورين».

٤١٣

لِيُطَهِّرَكُمْ» (١) وإطلاق الأخبار المتقدمة بالتقريب المذكور ذيلها ، وان دل على انه مما يستحب فيه الوضوء أو الغسل فان التيمم لا يستحب بدلا عنه إلا بدليل ، لعدم الملازمة بين خصوصية هذين الفردين وبين التيمم بخلاف الأول لاشتراكهما في كلية الطهارة وما يتراءى من حديث ابي ذر (٢) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «يجزيك التراب عشر سنين». ونحوه فهو مقصور على مورده من الطهارة للصلاة.

وهذا الكلام وان كان بحسب الظاهر وبادئ الرأي مما يتراءى قوته إلا انه بالتأمل فيه بعين التحقيق لا يخلو من نظر لتطرق المناقشة اليه ، وذلك فان الظاهر من اخبار هذه الأفراد التي وردت الأخبار باستحباب الوضوء أو الغسل لها انما هو من حيث إرادة إيقاعها على الوجه الأكمل بالطهارة الموجبة لزوال الحالة الحديثة ، وهذا المعنى لا يتفاوت فيه التعبير بلفظ الطهارة أو لفظ الوضوء إذ المرجع إلى أمر واحد كما عرفت وهو ازالة تلك الحالة وإيقاع الفعل أو الكون على تلك الحالة الكاملة ، ولهذا عبر في اخبار تلك الموارد بلفظ الطهارة في بعض ولفظ الوضوء في بعض ، ففي رواية مرازم ابن حكيم (٣) المروية في المجالس بالنسبة إلى استحباب الوضوء لدخول المساجد قال : «ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه». وفي مرسلة الفقيه (٤) «طوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي». ورواية محمد بن الفضيل (٥) المروية في قرب الاسناد بالنسبة الى قراءة القرآن قال : «لا حتى تتوضأ للصلاة». وفي حديث الأربع مائة (٦) «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر». وفي رواية محمد بن كردوس (٧) بالنسبة

__________________

(١) سورة المائدة. الآية ٦.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ و ٢٣ من أبواب التيمم واللفظ الوارد «يكفيك الصعيد».

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الوضوء.

(٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب قراءة القرآن.

(٧) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الوضوء.

٤١٤

الى النوم «من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده». وفي رواية محمد بن مسلم (١) المروية في الخصال والعلل «لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد فان روح المؤمن تصعد الى الله تعالى فيلقاها ويبارك عليها. الحديث». وهو ـ كما ترى ـ صريح في استحباب التيمم بدلا عن الغسل المستحب ، الى غير ذلك من الأخبار الواردة باستحباب الوضوء في تلك المواضع المذكورة في كلام الأصحاب المشتملة على التعبير بلفظ الطهارة أو الوضوء. وينبغي القول بذلك ايضا فيما كان من الأغسال ـ بناء على كونها رافعة كما هو الأظهر ـ مقصودا به الرفع كالأغسال الفعلية بالتقريب المتقدم ، ونحوها الأغسال المكانية ، وفي دخول الأغسال الزمانية بناء على القول المذكور كما يقول الأصحاب احتمال. وبالجملة فإنه حيث ان هذه الثلاثة أعني الوضوء والغسل والتيمم قد اشتركت في عنوان الطهارة وان المقصود منها ذلك سواء عبر عن ذلك في كل منها بهذا العنوان أو بخصوصية ذلك الفرد فحيثما تعذرا كان قائما مقامهما وبدلا منهما ، وتخرج الأخبار المتقدمة ونحوها شاهدا على ذلك من خبر ابي ذر ونحوه ، فان المعنى المتبادر من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «يجزيك الصعيد عشر سنين». انما هو في كل موضع توقف على الطهارة وجوبا أو استحبابا ، ومن ذلك يظهر قوة القول المشهور. نعم ما ذكروه من التفصيل والمناقشة جيدة بالنسبة الى ما يجب له الوضوء أو الغسل كما أشار إليه السيد السند في المدارك وان كان كلامه هنا لا يخلو من خلل وقصور كما أوضحناه في شرحنا على الكتاب المذكور. والله العالم.

(المسألة العاشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح الشيخ في الخلاف انه إذا تيمم الجنب بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل سواء كان حدثا أصغر أو أكبر ، للإجماع المدعى من الشيخ والمحقق في المعتبر على ان التيمم لا يرفع الحدث ولهذا إنما ينوي به الاستباحة دون الرفع ، وقد تقدم

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الوضوء.

(٢) ص ٤١٤.

٤١٥

الكلام في هذه المسألة في المقام الأول من المطلب الثالث ، وحينئذ فمتى أحدث زالت الاستباحة وعاد حكم الحدث الأول فيجب التيمم بدلا من الغسل وجد ماء للوضوء أو لم يجد ، ويدل على بقاء الجنابة وعدم ارتفاعها إلا بالغسل قول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «ومتى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا والوضوء ان لم تكن جنبا». واستدل في المختلف لهذا القول بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢)

«في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به؟ قال يتيمم ولا يتوضأ». وفيه ما أوضحناه في الفرع العاشر من الفروع المذكورة في المطلب الأول (٣) وعن المرتضى في شرح الرسالة ان الجنب إذا تيمم ثم أحدث حدثا أصغر فوجد ما يكفيه للوضوء توضأ به فان حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفي لها فيجب عليه استعماله ولا يجزئه تيممه. انتهى. ومقتضاه انه لو لم يجد الماء تيمم بدلا من الصغرى خاصة. ورد هذا القول بناء على المشهور بدعوى الإجماع ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ على عدم رفع التيمم الحدث ، فقوله ان الحدث الأول قد ارتفع باطل. واعتذر عنه في الذكرى بأنه يمكن ان يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة وان الجنابة لم تبق مانعة فلا ينسب الى مخالفة الإجماع. واعترضه في الروض بعد تضعيفه لمذهب المرتضى بمخالفته الإجماع بأن هذه الإرادة لا تدفع الضعف لأن الاستباحة إذا لم تستلزم الرفع فبطلانها بالحدث يوجب تعلق حكم الحدث الأول. وهو جيد فان مقتضى كلام المرتضى ان حكم هذا الحدث في هذا الموضع حكمه بعد الطهارة المائية في كونه موجبا للصغرى لا انه موجب لعود الحدث الأول كما يقولون به ، وهذا لا يتم إلا على تقدير كون التيمم قد رفع الحدث الأول وازاله لا على انه انما حصلت به الاستباحة وان كان

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب التيمم.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب التيمم.

(٣) ص ٢٦٠.

٤١٦

الحدث باقيا واي وجه للوضوء في كلامه مع بقاء حدث الجنابة؟ وبالجملة فحمل الرفع في كلامه على الاستباحة غير جيد.

والسيد السند في المدارك ـ بناء على ما اختاره من القول بترادف الرفع والاستباحة وانه لا مانع من نية الرفع بالتيمم بان يراد الرفع إلى غاية وجود الماء كما هو القول الآخر في المسألة المتقدمة في الموضع المشار اليه آنفا وحمل الرفع في عبارة المرتضى على هذا المعنى ـ أجاب عن كلام السيد (قدس‌سره) فقال : وجوابه المنع من ارتفاع الحدث السابق الى ان يتمكن من الغسل بل القدر المتحقق ارتفاعه الى ان يحصل أحد الأمرين اما التمكن من الغسل أو الحدث ومع حصول أحدهما ينتهي الرفع ويظهر اثر الحدث السابق انتهى.

أقول : لقائل أن يقول بناء على ما اختاره من كون التيمم رافعا إلى غاية لا ريب انه قد قام الدليل على ان وجود الماء موجب لنقض التيمم وعود الحدث السابق كما تدل عليه صحيحة زرارة المذكورة وحينئذ فالتيمم يكون رافعا إلى غاية وجود الماء ، واما الحدث الأصغر فلم يقم دليل على انه بهذه المثابة وانما القدر المتحقق هو نقضه للتيمم على حسب نقضه للطهارة المائية ورفعها وإيجاب مسببه لا عود الحدث الأول حتى كأن لم يكن ثمة طهارة كما هو المفروض في نقض وجود الماء للتيمم ، ومن ثم أوجب المرتضى هنا الوضوء إذا وجد الماء لان حدث الجنابة عنده قد ارتفع بالتيمم الى وجود الماء ، وبالجملة فدعوى ان الحدث حكمه هنا حكم الماء في عود الحدث الأول بعروضه تحتاج الى دليل وليس فليس ، وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه المرتضى (رضي‌الله‌عنه) الا انه لما كانت المسألة عارية عن النص الواضح فالاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال ، والى ما ذكرناه من تقوية قول المرتضى (رضي‌الله‌عنه) يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة.

وبالجملة فالظاهر ان الخلاف في هذه المسألة متفرع على الخلاف في المسألة التي قدمناها

٤١٧

في الموضع المشار اليه آنفا والقول المشهور في هذه المسألة جار على القول المشهور ثمة ، فإن حكمهم بإعادة التيمم بدلا من الغسل متى أحدث انما هو من حيث ان التيمم انما أفاد رفع المنع خاصة واباحة الدخول في العبادة وان كان الحدث باقيا وما ذهب اليه المرتضى جار على القول الآخر من الرفع بالتيمم وان كان الرفع انما هو الى غاية وجود الماء ، وكلام السيد (قدس‌سره) وان كان مطلقا إلا انه يجب تقييده بما ذكرنا صونا له عن الخروج عن مقتضى النص الصحيح المتقدم ، وحينئذ فالتيمم عنده رافع الى وجود الماء. واما الحدث الأصغر بعد التيمم فقد عرفت ان الحكم فيه عنده حكمه مع طروه على الطهارة المائية.

والمحدث الكاشاني في المفاتيح ـ بعد ان صرح بان القول المشهور مبني على كون التيمم انما يحصل به الإباحة دون الرفع ـ قال : «على انه لو قيل ان التيمم انما يفيد الإباحة دون الرفع فالإباحة بالتيمم الأول ثابتة فيستصحب حكمها حتى يعلم رفعها والمعلوم قطعا مانعية الأصغر لا عود الأكبر» انتهى. وهو جيد بناء على القول بحجية الاستصحاب كما عليه جمهور الأصحاب ، واما من لا يراه دليلا شرعيا كما حققناه في مقدمات الكتاب فلا يتجه عنده هذا الكلام إلا انه صالح للإلزام. والله العالم.

(تم الجزء الرابع من كتاب الحدائق الناضرة ، ويتلوه الجزء الخامس في الطهارة من النجاسات وما يتبعها من ذكر النجاسات وأحكامها وأحكام الأواني والجلود. والحمد لله أولا وآخرا).

٤١٨

فهرس الجزء الرابع

من كتاب الحدائق الناضرة

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

وجوب تكفين الميت

٢

لا يجوز التكفين بالمغصوب حتى مع الضرورة

١٩

فضل تكفين الميت

٢

هل يجوز بالحرير والجلد والنجس في حال الضرورة؟

١٩

استحباب اعداد الانسان كفنه

٢

كيفية التكفين

٢٠

المشهور ان الكفن مئزر وقميص وازار

٢

كيفية التكفين

٢١

الاشكال على المشهور

٣

هل يجب استيعاب كل المسجد بالمسح؟

٢٤

دفع الاشكال

٣

مقدار الكافور للتحنيط

٢٤

الاخبار الواردة في بيان الكفن

٥

هل التقديرات الواردة في الاخبار للكافور على جهة الوجوب؟

٢٥

عبائر الأصحاب في بيان الكفن

١١

الحد الأوسط والأقل في الكافور للحنوط

٢٦

لو لم يوجد إلا ثوب واحد

١٤

المراد بالمثاقيل الواقعة في الروايات

٢٦

هل يتعين القيمص أو يتخير بينه وبين لفافة ثانية؟

١٦

هل يدخل كافور الغسل في المقدار الذي ورد للحنوط؟

٢٦

المعتبر في جنس الأثواب

١٦

تقدير القدر الاعلى للحنوط بالمثقال الشرعي والصيرفي

٢٧

لا يجوز التكفين بالحرير المحض

١٧

تعارض الروايات في جانب الأقل والوسط

٢٧

هل يجوز التكفين بالجلد؟

١٩

التكفين بالمتخذ من الشعر والوبر

١٩

لا يجوز التكفين بالنجس

١٩

٤١٩

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

تعريف الكافور

٢٧

استحباب طي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر

٤٨

استحباب زيادة الحبرة للرجل أو مطلقا "

٢٨

استحباب كتابة شهادة الميت بالتوحيد والرسالة على الكفن

٤٩

استحباب النمط للمرأة

٣٢

استحباب كتابة دعاء الجوشن الكبير على الكفن

٤٩

استحباب الخرقة لشد الفخذين

٣٣

استحباب ان يكون الكفن قطنا " وان يكون أبيض الا الحبرة

٥٠

استحباب العمامة للرجل وتحنيكه بها

٣٥

هل يستحب خياطة الكفن بخيوط منه؟

٥١

استحباب الخمار للمرأة

٣٦

استحباب سحق الكافور باليد وجعل ما يفضل من المساجد على الصدر.

٥١

استحباب الخرقة لشد الثديين في المرأة

٣٦

استحباب نثر الذريرة على الحبرة واللفافة والقميص

٥٢

استحباب تنشف الميت بثوب طاهر

٣٦

استحباب تجويد الكفن

٥٢

استحباب اغتسال الغاسل أو توضئه قبل التكفين

٣٧

استحباب وضع التربة الحسينية في الحنوط

٥٣

استحباب وضع جريدتين خضر أو ين مع الميت

٣٨

كراهة التكفين بالسواد

٥٣

استحباب كون الجريدتين من النخل

٤١

كراهة التكفين بالكتان

٥٤

مقدار الجريدة التي توضع مع الميت

٤٢

هل يكره الطيب للميت؟

٥٤

محل وضع الجريدتين

٤٤

هل يكره تجمير الكفن؟

٥٦

لا فرق في استحباب الجريدة بين افراد الميت

٤٦

كراهة اتخاذ الأكمام للقميص المبتدأ

٥٧

وضع الجريدة في حال التقية حيث يمكن

٤٧

هل يستحب شق الجريدة؟

٤٧

٤٢٠