الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

انه لا قائل بالوجوب وهو كاف في قبول الخبر وعدم رده ، وحينئذ فيجب التأخير إلى آخر الوقت طلب أو لم يطلب وان كان الأفضل له الطلب ، فلا منافاة في الرواية للقول المذكور.

بقي الكلام في ان المفهوم من كلام القائلين بالمضايقة وجوب التأخير وان علم بعدم حصوله الى آخر الوقت والمفهوم من هذه الأخبار لا يساعد عليه بل ربما أشعرت برجاء الحصول كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في جملة منها : «فان فاته الماء لم يفته الصعيد» ولانه مع العلم بعدم وجود الماء يصير التأخير عبثا محضا ومن الظاهر ان الشارع لا يكلف بذلك.

قال في الروض : «وعلى كل حال فالقول باعتبار التضيق مطلقا أقوى للنص والإجماع والشهرة والاحتياط ، وما ورد من الأخبار التي استدل بها لجواز التقديم لم يدل نصا على جواز التقديم بل على إمكان وقوعه ونحن نقول به ، فان المعتبر في الضيق الظن فلو انكشف خلافه أجزأ للامتثال ولمفهوم الأخبار المذكورة ، وحملها على ما إذا علم أو ظن عدم الماء انما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا والتقدير عدمه بخلاف اخبار التضيق ، وقد تقرر في الأصول ان ما دل نصا مرجح على غيره مع التعارض وعلى ما حققناه لا تعارض ، ومنه يظهر ضعف حمل اخبار التضيق على الاستحباب ترجيحا لجانب التوسعة والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه متوجه لعدم الفائدة في التأخير على تقديره لكن قوة الدليل النقلي لا تساعد عليه» انتهى.

أقول : فيه (أولا) ـ ان دعوى الإجماع والشهرة والاحتياط مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، اما الإجماع فهو وان نقل هنا عن الشيخ والمرتضى إلا ان شيخنا المشار إليه في مسالكه وغيره من محققي الأصحاب المتأخرين قد طعنوا فيه بما لا يسع المقام ذكره كما لا يخفى على من وقف على كتبهم ، بل الشيخ والمرتضى اللذان هما الأصل في الإجماع قد كفيانا مؤنة القدح فيه بمناقضتهما في اجماعاتهما في المسألة الواحدة اما بان

٣٦١

يدعي أحدهما الإجماع ولا قائل به سواه أو يدعيه ويناقض نفسه في موضع آخر بدعوى الإجماع على خلافه في ذلك الحكم كما هو ظاهر للمتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير ، واما الاحتياط فهو عندهم ليس بدليل شرعي ، نعم بقي النص المذكور إلا انك قد عرفت ان الظاهر من تلك النصوص هو الإشعار بأن التأخير انما هو لرجاء حصول الماء وبذلك لا يتم ما ذكروه كليا ولا ينطبق على ما ادعوه جليا ، وبه ترجع هذه النصوص الى القول بالتفصيل كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ، وبذلك يظهر لك ما في قوله أخيرا : «ان قوة الدليل النقلي لا تساعد عليه» وكيف لا تساعد عليه والظاهر منها انما هو ذلك كما عرفت من قوله (عليه‌السلام) في جملة من تلك الأخبار : «فإن فاته الماء لم تفته الأرض». فإن مرمى هذه العبارة أظهر ظاهر فيما قلناه ، إذ المراد منها كما هو الظاهر من سياقها انه يؤخر التيمم الى آخر الوقت لعله يحصل له الماء فان اتفق عدم حصوله فالأرض قائمة مقامه فدلالتها على الرجاء أظهر ظاهر ، نعم لو اشتملت على مجرد الأمر بالتأخير من غير هذا التعليل تم ما ذكره ، وحينئذ فلو كان الماء مقطوعا بعدمه لم يكن لذكر هذه العبارة معنى بالكلية كما لا يخفى على ذي الذوق الصائب والفهم الثاقب.

و (ثانيا) ـ ان حمله الأخبار الدالة على التوسعة على ظن الضيق ثم انكشاف خلافه بعيد غاية البعد عن سياقها ، إذ لا إشعار في شي‌ء منها بذلك فضلا عن الظاهرية بل ربما أشعر بعضها بخلافه مثل موثقة أبي بصير (١) وقوله فيها : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت؟.». فان عطف بلوغ الماء المقيد بقبلية خروج الوقت على التيمم والصلاة مشعر بكونه قد تيمم في السعة وظن الضيق لا يجامع هذا العطف ب «ثم» الدال بإطلاقه على تراخي مسافة وزمان بين الأمرين ، فإن ظهور السعة في مقام ظن الضيق انما يكون سعة يسيرة ربما لا تسع الطهارة والصلاة كما لا يخفى على المتأمل ، وبه يظهر ان حمله أخبار السعة على ما ترجع

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التيمم.

٣٦٢

به الى اخبار التضيق تعسف محض لا تقبله ظواهر ألفاظها ولا نظام سياقها.

و (ثالثا) ـ ان ما ذكره ـ من منع حمل أخبار السعة على ما إذا علم أو ظن عدم الماء مستندا الى ان ذلك انما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا ـ ممنوع فإنها وان لم تدل نصا لكن تدل عليه ظاهرا فإنه هو الظاهر منها وما تكلفه من حملها على ما ذكره بعيد غاية البعد كما ذكرنا ، وحينئذ فلا طريق الى الجمع بينها وبين اخبار التضيق إلا حملها على ذلك وحمل اخبار التضيق على ظن حصول الماء ، وما ادعاه ـ من دلالة أخبار التضيق على ذلك نصا فلا يعارضها دلالة أخبار السعة على ذلك ـ مردود بما عرفت من ان مدعاهم هو وجوب التأخير وان علم عدم الماء الى آخر الوقت والنصوص المذكورة انما تدل على التأخير مع الرجاء كما عرفت ، وحينئذ فلا دلالة لها على ما ادعوه بل ترجع بذلك الى القول بالتفصيل كما سيأتي بيانه ، ومنه يظهر عدم الدليل على القول المشهور كما صرح به السيد السند في المدارك ايضا ، ويجمع بين اخبار الطرفين بما ذكرنا.

واما القول الثالث فلم نقف فيه على خبر صريح يدل عليه إلا ان ظواهر الأخبار المتقدمة في أدلة القول المشهور تساعده ، فان قوله (عليه‌السلام) في حسنة زرارة : «فليطلب ما دام في الوقت». مما يؤذن بإمكان حصول الماء ورجاء الظفر به وإلا لكان عبثا محضا ، وكذلك قوله (عليه‌السلام) في جملة منها «فان فاتك الماء لم تفتك الأرض» مما يؤذن بالشك في الفوات وان اليأس من حصول الماء غير متحقق ، وبه يجمع بين اخبار القولين المتقدمين بحمل الأخبار الدالة على عدم وجوب الإعادة بعد وجود الماء في الوقت على اليأس من حصول الماء في الوقت ثم تيقن حصوله في الوقت فإنه لا اعادة عليه لان تيممه مع السعة وقع صحيحا ، والاخبار الدالة على وجوب التأخير إلى آخر الوقت على رجاء حصوله كما يشير اليه التعليل ب «ان فاتك الماء لم يفتك الصعيد» وبما ذكرنا يظهر ان هذا القول هو الأظهر في المسألة وان كان القول الأول لا يخلو من قوة أيضا. والله العالم.

وتنقيح البحث في هذا المطلب يتوقف على رسم مسائل (الأولى) ـ لو دخل

٣٦٣

وقت الصلاة وهو متيمم فهل يجوز له ان يصلي في سعة الوقت بناء على القول بالمضايقة؟ الظاهر نعم وفاقا للشيخ في المبسوط حيث قال : «لو تيمم لنافلة في غير وقت فريضة أو لقضاء فريضة في غير وقت حاضرة جاز ذلك فإذا دخل وقت الفريضة جاز ان يصلي بذلك التيمم» انتهى ، مع ان مذهبه القول بالمضايقة ، وما ذكره (قدس‌سره) قد مال إليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين لأن الظاهر من الاخبار المتقدمة الدالة على التأخير إلى آخر الوقت اختصاصها بالمحدث فلا تتناول المتيمم في الصورة المفروضة فيجوز له الصلاة في أول الوقت عملا بالعمومات الدالة على الجواز في أول الوقت بل الأفضلية لعدم معلومية المعارض ، ويزيد ذلك تأييدا صحيحة زرارة (١) قال «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء.». وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل تيمم؟ قال يجزيه ذلك الى ان يجد الماء». وقيل بوجوب التأخير لأن المقتضي للتأخير إمكان وجود الماء في الوقت وهو متحقق. ونقله في الروض عن ظاهر العلامة والمحقق. أقول : بل هو صريح كلام العلامة في المختلف وقد أطال الكلام في ذلك إلا ان ظاهره في آخر كلامه الاستشكال في ذلك حيث لم يجد فيها نصا عن الأئمة (عليهم‌السلام) وان قول الجماعة يصلي بالتيمم الواحد صلوات الليل والنهار لا يعطي مطلوب الشيخ وضعفه ظاهر مما قدمناه ، ويزيده تأكيدا صحيحة حماد بن عثمان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ قال لا هو بمنزلة الماء». ورواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء». ويؤيده أيضا ما ورد من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) لأبي ذر «يكفيك

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب التيمم.

٣٦٤

الصعيد عشر سنين». وقول الصادق (عليه‌السلام) (١) «هو بمنزلة الماء». و «ان الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (٢). واولى بالصحة ما لو تيمم لصلاة فريضة فإنه يجوز له الدخول في الأخرى بذلك التيمم والظاهر انه لا خلاف فيه ، واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي همام عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء». وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها». فقد حملهما الشيخ في التهذيب بعد الطعن بما لا وجه له على استحباب التجديد أو على ما إذا قدر على الماء بين الصلاتين. والتحقيق ان الخبر الأول لا صراحة فيه في المنافاة بل الظاهر ان مراده انما هو انه يتيمم لكل صلاة دخل وقتها وهو محدث حتى يجد الماء ، وهو نظير قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين». واما الثاني فهو محمول على التقية لموافقته لمذهب العامة (٦) وكون الراوي منهم.

(الثانية) ـ ظاهر الأصحاب القائلين بوجوب التأخير إلى آخر الوقت كما هو المشهور القول بذلك أعم من ان يكون السبب في التيمم عدم وجود الماء أو عذر المرض ونحوه ، وهو مشكل لان ظاهر اخبار المضايقة وقوله (عليه‌السلام) في جملة منها كما عرفت «فان فاته الماء فلن تفوته الأرض» (٧). هو التخصيص بالأول ، وكذا قوله (عليه‌السلام) (٨) في حسنة زرارة «فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (٩) «إذا لم تجد ماء فاخر التيمم الى آخر الوقت». وإطلاق رواية محمد بن حمران (١٠) وكذا عبارة كتاب

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب التيمم.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ و ٢٤ من أبواب التيمم.

(٦) كما في المغني ج ١ ص ٢٦٣ وص ٢٦٤.

(٧ و ٨ و ٩ و ١٠) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب التيمم.

٣٦٥

الفقه يجب حمله على هذه الروايات المصرحة بذلك ، وبالجملة فإن مورد أخبار المسألة مما دل على السعة أو الضيق انما هو عدم وجود الماء واما عذر المرض ونحوه فلا تعرض له في شي‌ء منها فيبقى عموم اخبار التيمم ـ من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «يكفيك الصعيد عشر سنين». وقوله (عليه‌السلام) (٢) : «ان رب الماء هو رب الصعيد». وقوله (عليه‌السلام) (٣) : «هو بمنزلة الماء». وقوله (عليه‌السلام) (٤) : «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». ونحو ذلك ـ سالما من المعارض في الدلالة على جواز التيمم في السعة بعذر المرض ونحوه ، وكذا الأخبار الدالة على أفضلية الوقت وهي كافية في الدلالة على الجواز مع السعة بل أفضليته ، والظاهر انه لا مستند لهم فيما نقلنا عنهم إلا الإجماع ، قال في الروض : «فان قيل ما ذكرتم من النصوص انما دلت على وجوب التأخير لفاقد الماء فلا دلالة لها على وجوب تأخير غيره من ذوي الأعذار فيرجع الى الأدلة الأخرى خصوصا مع عدم رجاء زوال العذر فلم قلتم بوجوب التأخير مطلقا؟ قلنا الإجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر بل اما الجواز مطلقا أو وجوب التأخير مطلقا مع الرجاء أو بدونه فالقول بالتفصيل على هذا الوجه احداث قول مبطل لما حصل لنا الإجماع عليه ، وتحقيق المسألة في الأصول» انتهى. وفيه ما لا يخفى فإنه قد طعن في هذه الإجماعات في شرحه على الشرائع في غير موضع فاستسلاقه هنا والاعتماد عليه مجازفة محضة.

(الثالثة) ـ قد صرح جمع من فضلاء الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه لعموم قوله (عليه‌السلام) (٥) : «ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها». أقول : ويؤيده ايضا ان الظاهر من روايات المضايقة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) المروي في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب التيمم.

(٥) المروي في الوسائل في الباب ٦٣ من أوقات الصلوات.

٣٦٦

والتأخير إلى آخر الوقت الاختصاص بالتيمم لصاحبة الوقت كقوله (عليه‌السلام) (١) في بعضها : «إذا لم تجد ماء فاخر التيمم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض». ونحوها غيرها ، ولا عموم فيها على وجه يتناول محل البحث ، وبالجملة فإن أصل الخلاف في مسألة الوقت ضيقا وسعة فتوى ورواية إنما ينطبق على اليومية المؤداة في الوقت فإنه قد اختلف الأصحاب والأخبار في ان وقت التيمم لها هل هو في أول وقتها أو آخره؟ واما الصلاة المقضية فلا تدخل في هذا المقام بالكلية ، وحينئذ فيجب التيمم لها في أي وقت أراد إيقاعها فيه بالأخبار الدالة على بدلية التراب من الماء وقيامه مقامه عند تعذره أو تعذر استعماله ، ولا سيما على القول بالمضايقة في القضاء كما هو المشهور المنصور فإنه يجب المسارعة إليه متى ذكره وفي أي ساعة ذكره يتيمم له ويأتي به ، ومثل الصلوات المقضية فيما ذكرنا من عدم الدخول تحت هذا المقام لا في اخباره ولا في كلام الأصحاب سائر الصلوات الواجبة كالآيات والعيدين والجمعة والنذر فإنه يتيمم لكل منها في حال إيقاعها ويأتي بها ، والظاهر انه ليس محل خلاف ولا اشكال ، ومتى تيمم لاحداها واتى بها صح دخوله بذلك التيمم في الصلاة اليومية بعد دخول وقتها حسبما تقدم بيانه في المسألة الأولى لعموم الأدلة الدالة على البدلية كما تقدم ، إذ الظاهر منها انه يثبت له أحكام الماء إلا ما خرج بدليل. وظاهر الذكرى التوقف في الدخول بتيمم الصلاة المقضية حيث قال بعد ذكر صحة التيمم للقضاء : فإذا دخل الوقت ربما بني على السعة والضيق في التيمم. والأظهر ما ذكرناه لما عرفت.

(الرابعة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) منهم ـ المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى وغيرهما ممن تأخر عنهما بأنه يجوز التيمم لصلاة النافلة الراتبة بدخول وقتها كصلاة الليل وكذا المبتدأة عند ارادة فعلها ، وتردد في المعتبر في جواز التيمم للنافلة المبتدأة ثم قال : والجواز أشبه لعدم التوقيت والمراد بها تعجيل الأجر في كل وقت وفواته بالتأخير متحقق. قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عنه : «وهو حسن لعموم

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب التيمم.

٣٦٧

الأدلة» وظاهرهم الجواز وان كان في الأوقات المكروهة ، وبعضهم فصل بين الأوقات المكروهة وغيرها فقطع بعدم جواز التيمم في أوقات النهي وبه صرح في المعتبر والتذكرة ورده في المدارك بأن الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء لا تنافي الانعقاد ثم قال ويصح الدخول به في الفرائض لما قدمناه. أقول : ويمكن تأييد أصل الحكم بان الظاهر من الأخبار المانعة من التيمم إلا في آخر الوقت الاختصاص بالفريضة وعدم الشمول للنافلة ، وإطلاق الأخبار الدالة على استحباب الإتيان بها مع إطلاق أخبار البدلية المتقدمة كاف في صحة التيمم لها لعدم المعارض. الا ان يقال انه متى دلت الاخبار على المنع من الفريضة إلا في آخر الوقت مع ما استفاض من أفضلية أول الوقت على آخره فكيف تشرع النافلة؟ وفيه ان مرجع ما ذكر الى الاستدلال بطريق الأولوية وهي غير معتبرة عندنا في الأحكام الشرعية إلا في نادر الصور كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب وانما العمل عندنا على الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة. والله العالم.

(الخامسة) ـ لو ظن ضيق الوقت لامارة فتيمم وصلى ثم انكشف فساد ظنه فهل تجب الإعادة أم لا؟ قولان والأول منهما ظاهر الشيخ في كتب الاخبار وبالثاني صرح المحقق والشهيد ، قال في المعتبر بعد ان نقل القول الأول عن الشيخ في كتبه الاخبارية : «ويقوى عندي انه لا إعادة لانه تطهر طهارة شرعية وصلى صلاة مأمورا بها فتكوية مجزئة. لا يقال شرط التيمم التضيق ، لأنا نقول لا نسلم بل لم لا يكون شرطه ظن الضيق؟ وظاهر انه كذلك لان الشرع لما لم يجعل على الضيق دلالة دل على احالته على الظن ، ويمكن ان يستدل على ذلك برواية زرارة ومعاوية بن ميسرة ويعقوب بن سالم عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (١) «في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت؟ فقال ليس عليه اعادة ان رب الماء ورب التراب واحد». ولا وجه لها على القول

__________________

(١) الاولى عن الباقر والثانية والثالثة عن الصادق «عليهما‌السلام» وقد رواها في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التيمم.

٣٦٨

بالتضيق إلا ما ذكرناه ، وما تأولها به الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعيد عن الظاهر» انتهى كلامه. أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) ان الكلام في هذه المسألة مبني على ان ضيق الوقت المعتبر في صحة التيمم على تقدير القول بالمضايقة هل هو عبارة عن ظنه أو العلم به ، فان جعل عبارة عن العلم به فالمتجه هو ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من وجوب الإعادة ، لتبين وقوع الصلاة في غير وقتها ولان انكشاف السعة بعد الصلاة دليل عدم حصول العلم بالضيق. والقول هنا بأنه صلى صلاة مأمورا بها فتكون مجزئة مسلم مع استمرار الاشتباه اما مع ظهور الحال وانكشاف وقوعها قبل وقتها فهو ممنوع ، وان جعل عبارة عن ظن الضيق فالمتجه ما ذكره في المعتبر لانه تعبد بظنه ، والقول بأنه صلى صلاة مأمورا بها متجه لانه مكلف بالبناء على ظنه وقد فعل فيقتضي الاجزاء. والمسألة محل توقف لعدم النص الواضح في ذلك. واما ما استدل به في المعتبر من الروايات الثلاث التي عدها رواية واحدة فالظاهر انها ليست من محل البحث في شي‌ء ، فان هذه الروايات وأمثالها إنما وردت في التيمم في سعة الوقت ثم يجد الماء بعد ذلك وهي من أدلة جواز التيمم في السعة كما قدمنا ذكره ، وحملها على التيمم في ضيق الوقت كما ذكره تعسف محض كما لا يخفى على من تأمل مضامينها. وما أطال به في الذخيرة فالظاهر انه لا طائل تحته.

(السادسة) ـ قال في الذكرى : «يتيمم للآية كالكسوف بحصولها ، وللجنازة بحضورها لانه وقت الخطاب بالصلاة ، ويمكن دخول وقتها بتغسيله لإباحتها حينئذ وان لم يهيأ للصلاة بل يمكن دخول وقتها بموته لانه الموجب للصلاة وغيرها من أحكام الميت ، وللاستسقاء باجتماع الناس في المصلى ولا يتوقف على اصطفافهم ، والأقرب جوازه بإرادة الخروج الى الصحراء لانه كالشروع في المقدمات بل يمكن بطلوع الشمس في اليوم الثالث لان السبب الاستسقاء وهذا وقت الخروج فيه ، اما النوافل الرواتب فلاوقاتها وغير الرواتب فلارادة فعلها فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به لعدم الحاجة إليه» انتهى. وفي أكثره توقف والأقرب اما بالنسبة إلى صلاة الآيات فهو ما ذكره ،

٣٦٩

واما بالنسبة إلى صلاة الجنازة فحصورها كما هو المستفاد من اخبار التيمم لها وان كان مع وجود الماء ، واما بالنسبة إلى صلاة الاستسقاء فعند ارادة فعلها ، واما النوافل راتبة أو مبتدأة فقد تقدم الكلام فيه.

(السابعة) ـ لو تيمم لمس المصحف أو قراءة القرآن أو نحوهما فالظاهر استباحة ما يتوقف على الطهارة صحة أو كمالا حتى الدخول في الصلاة ، قال في المنتهى : «لو نوى استباحة دخول المساجد وكان جنبا أو قراءة العزائم أو مس الكتاب أو الطواف فالأقرب انه يصح له الدخول في الصلاة لأنه نوى الطهارة لتوقف هذه الأفعال عليها فيجب حصولها فساغت له الصلاة ، وكذا لو نوى نفل الطواف استباح فرضه وبالعكس» أقول : وقد تقدم في المقام العاشر من مقامات البحث في نية الوضوء ما فيه مزيد بيان لهذا المقام. والله العالم.

(المطلب الخامس) ـ في الأحكام وفيه مسائل (الأولى) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف ان التيمم مبيح لما تبيحه الطهارة المائية مطلقا من الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ونحو ذلك مما الطهارة شرط في حصوله أو كماله ، ويدل عليه عموم الاخبار من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأبي ذر (١) «يكفيك الصعيد عشر سنين». وقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة حماد (٢) «هو بمنزلة الماء». وفي صحيحة جميل (٣) «فان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي صحيحة محمد بن مسلم وغيرها (٤) «ان رب الماء هو رب الصعيد». كما في بعض «أو رب الأرض» كما في آخر (٥) وقوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٦) «ان التيمم غسل المضطر ووضوؤه وهو نصف الوضوء في غير ضرورة إذا لم يوجد الماء». ونحو ذلك مما يدل على قيامه مقام الماء في كل موضع تعذر استعماله.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروي في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب التيمم.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٣ و ١٤ من أبواب التيمم.

(٦) ص ٤.

٣٧٠

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (الأول) ـ ما نقل عن فخر المحققين ابن العلامة (طاب ثراهما) من انه منع من استباحة اللبث بالتيمم في المساجد لقوله تعالى : «إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا» (١) حيث جعل نهاية التحريم الغسل فلا يستباح بغيره وإلا لم تكن الغاية غاية ، والحق به مس كتابة القرآن لعدم فرق الأمة بينهما ، ويلزم على كلامه تحريم الطواف على الجنب لاستلزامه دخول المسجد وان لم يقل به. وأجاب في المدارك عن الآية ـ بعد الاستدلال على أصل المسألة ببعض الأخبار التي قدمناها ـ بالمنع من دلالتها على ما ذكره ، قال : لأن إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، مع احتمالها لغير ذلك المعنى احتمالا ظاهرا وهو ان يكون متعلق النهي الصلاة في أحوال الجنابة إلا في حال السفر لجواز تأديتها حينئذ بالتيمم ، وأيضا فإن ذلك لا ينافي حصول الإباحة بدليل من خارج وهو ثابت كما بيناه. انتهى. أقول : لا يخفى انه قد ذكر المفسرون لهذه الآية معنيين (أحدهما) ـ ان المراد لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا ان تكونوا مسافرين فيجوز لكم أداؤها بالتيمم ، وعلى هذا المعنى بناء كلام المدارك ومرجعه إلى النهي عن الصلاة حال الجنابة ، وحينئذ فتكون الصلاة هنا مرادا بها معناها الشرعي والمراد بقوله سبحانه «عابِرِي سَبِيلٍ» يعني مسافرين كما ذكره. و (ثانيهما) ـ ان المراد لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب حتى تغتسلوا إلا بقصد المرور فيها والعبور ، وعلى هذا المعنى بناء الاستدلال بالآية ، وهذا المعنى هو الذي دلت عليه الأخبار المتضمنة لتفسير الآية ، فروى الصدوق في العلل في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه‌السلام) (٢) قالا : «قلنا له الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين ان الله تبارك وتعالى يقول (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ... الحديث».

__________________

(١) سورة المائدة. الآية ٤٢.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

٣٧١

ونحوه روى العياشي في تفسيره عنه (عليه‌السلام) (١) وعلي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) ونقله في مجمع البيان عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) وهو الذي رجحه واختاره في تفسيره ايضا بعد ذكره المعنى الأول ، قال (قدس‌سره) : «وهذا القول الأخير أقوى لأنه سبحانه بين حكم الجنب في آخر الآية إذا عدم الماء فلو حملناه على ذلك لكان تكرارا ، وانما أراد سبحانه ان يبين حكم الجنب في دخول المساجد في أول الآية وبين حكمه في الصلاة عند عدم الماء في آخر الآية» انتهى. أقول : واستعمال الصلاة هنا في مواضعها جرى على طريق الاستخدام كما ذكره بعض البارعين في علم البلاغة من علمائنا الأعلام في كتاب ألفه في الصناعات البديعية عند ذكر الاستخدام بعد ان عرفه بأنه عبارة عن أن يأتي المتكلم بلفظة مشتركة بين معنيين مقرونة بقرينتين يستخدم كل قرينة منهما معنى من معاني تلك اللفظة ، قال : وفي الآية الكريمة استخدام لفظ الصلاة لمعنيين : أحدهما إقامة الصلاة بقرينة قوله عزوجل «حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ» والآخر مواضع الصلاة بقرينة قوله عزوجل : «وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ» انتهى. وهذا هو الحق الموافق لما ذكرناه من الأخبار ، وبذلك يتبين لك ما في كلام المدارك من النظر الظاهر لبنائه على ما في تفاسير العامة وغفلته عن اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) التي هي المرجع في مفاد معاني القرآن وصحة استدلال فخر المحققين (طاب ثراه) بالآية ، وحينئذ فالجواب عما ذكره القائل المشار إليه انه وان كان معنى الآية ما ذكره إلا انها مخصوصة بالأخبار المتقدمة ، واليه يشير آخر كلام السيد في المدارك بقوله «وأيضا فإن ذلك لا ينافي. إلخ».

(الثاني) ـ ما ذكره السيد في المدارك حيث أورد على ما ذكره الأصحاب ـ مما ظاهرهم الاتفاق عليه من ان التيمم يبيح كل ما تبيحه الطهارة المائية وبعبارة اخرى ان التيمم يجب لما تجب له الطهارتان ـ بان ذلك مشكل لانتفاء الدليل عليه ، قال : والأظهر

__________________

(١) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٧ من أبواب الجنابة.

(٢) ص ١٢٧.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

٣٧٢

ان التيمم يبيح كل ما تبيحه الطهارة المائية لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة جميل (١) «ان الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي صحيحة حماد (٢) «هو بمنزلة الماء». وفي صحيحة محمد بن مسلم (٣) «قد فعل أحد الطهورين». فما ثبت توقفه على مطلق الطهارة من العبادات يجب له التيمم وما ثبت توقفه على نوع خاص منها كالغسل في صوم الجنب فالأظهر عدم وجوب التيمم له مع تعذره إذ لا ملازمة بينهما فتأمل. انتهى.

أقول : وتوضيح كلامه ان غاية ما يستفاد من الأخبار ان التيمم مبيح لما تبيحه الطهارة المائية بمعنى انما ورد في الشرع انه لا يباح بدون الطهارة أو لا يفعله بدون الطهارة أو انه مشروط بها كالصلاة مثلا ومس كتابة القرآن واللبث في المساجد من حيث تحريمها على المحدث وانها لا تباح إلا بالطهارة فالتيمم مبيح لها لكونه طهارة كما دلت عليه الأخبار التي ذكرها ، واما ما ورد في الشرع بأنه لا يباح إلا بالوضوء مثلا أو الغسل مثلا أو مشروط بأحدهما أو نحو ذلك من العبارات فاباحة التيمم له غير ثابتة إلا إذا دل دليل خاص من خبر أو إجماع أو نحوهما كالغسل من الجنابة للصوم مثلا لتوقف صحة الصوم عليه على المشهور وكذا غسل الحيض والنفاس والاستحاضة بناء على القول بوجوبها للصوم ، فقيام التيمم في ذلك مقام الغسل يحتاج الى دليل.

أقول : والى ذلك ايضا يشير كلام الشهيد في الألفية حيث نسب التيمم بدلا من الغسل للصوم إلى الأولى ، قال الشهيد الثاني في الشرح : ووجه عدم الوجوب أصالة عدمه إذ لا دليل عليه ظاهر فإن الآية في سياق الصلاة ولا نزاع في وجوب التيمم بدلا من الغسل لها. انتهى ، والظاهر هو القول المشهور لعموم الأخبار التي قدمناها في صدر المسألة فإنها مكشوفة الدلالة واضحة المقالة في قيامه مقام الماء في كل موضع مشروط به سواء كان بلفظ الطهارة أو بلفظ الوضوء أو الغسل. والله العالم.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب التيمم.

٣٧٣

(المسألة الثانية) ـ المشهور في كلام الأصحاب بل ادعي عليه الإجماع ان من تيمم تيمما صحيحا وصلى به فإنه لا يجب عليه الإعادة لو وجد الماء بعد خروج الوقت قال في المعتبر : كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم والصلاة لا نوجب قضاءها مع وجود الماء ، قال الشيخ وهو مذهب جميع الفقهاء إلا طاوس (١). وقال في المنتهى : قال علماؤنا إذا تيمم وصلى ثم خرج الوقت لم يجب عليه الإعادة وعليه إجماع أهل العلم ، ثم نقل الخلاف عن طاوس خاصة بأنه يعيد ما صلى بالتيمم لان التيمم بدل فإذا وجد الأصل نقض حكم البدل.

أقول : ويدل على ما ذكروه (رضوان الله عليهم) جملة من الأخبار ، ومنها ـ صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي (٢) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء؟ قال يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة». وحسنة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل». وحسنة الحلبي (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصل فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى». ومثلها صحيحة عبد الله بن سنان (٥) وصحيحة العيص (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلى؟ قال يغتسل ولا يعيد الصلاة». وصحيحة محمد بن مسلم (٧) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد

__________________

(١) حكاه في المغني ج ١ ص ٢٤٣ عن عطاء وطاوس والقاسم بن محمد ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التيمم.

٣٧٤

وصلى ثم وجد الماء؟ قال لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين». وصحيحة زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال تمت صلاته ولا اعادة عليه». وموثقة علي بن أسباط عن عمه عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء وهو في وقت؟ قال قد مضت صلاته وليتطهر».

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد وقع الخلاف هنا في مواضع : (الأول) ـ انه على تقدير المشهور من جواز التيمم مع السعة فلو تيمم وصلى فإنه لا يعيد ، وهو المشهور وعليه دلت الأخبار المتقدمة ، وعن ابن ابي عقيل وابن الجنيد القول هنا بوجوب الإعادة وربما كان مستندهما صحيحة يعقوب بن يقطين (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال إذا وجد الماء قبل ان يمضي الوقت توضأ وأعاد فان مضى الوقت فلا اعادة عليه». وموثقة منصور بن حازم عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) : «في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء؟ قال اما انا فكنت فاعلا إني كنت أتوضأ وأعيد».

(الثاني) ما نقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في شرح الرسالة ان الحاضر إذا تيمم لفقد الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده ، ولم نقف له على دليل وبذلك اعترف أيضا جملة من الأصحاب ، ولعله استند الى الخبرين المذكورين ، وهو بعيد.

(الثالث) ـ ما ذهب اليه الشيخ (قدس‌سره) من ان من تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء تيمم وصلى ثم يعيد إذا وجد الماء ، واحتج على ذلك بما رواه عن جعفر بن بشير عمن رواه عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف ان اغتسل؟ قال يتيمم فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التيمم.

٣٧٥

(الرابع) ـ ما ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط من ان من منعه الزحام في الجمعة عن الخروج فإنه يتيمم ويصلي ثم يعيد لما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (١) «انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس؟ قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف». ومثلها موثقة سماعة ، وقد قدمنا ذكر هذه المسألة (٢).

(الخامس) ـ إذا لم يكن معه إلا ثوب واحد نجس ولم يتمكن من نزعه قال الشيخ انه يصلي فيه فإذا تمكن من الماء نزعه وغسله وأعاد الصلاة استنادا الى ما رواه في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال يتيمم ويصلي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة».

(السادس) ـ ما ذهب اليه ابن الجنيد من ان من فقد الماء ولم يجده إلا بثمن غال فإنه يتيمم ويعيد ، ولم نقف له على دليل.

(السابع) ـ ما تقدم من ان من أخل بالطلب حتى ضاق الوقت فتيمم وصلى ثم وجد الماء في محل الطلب فالمشهور انه يجب عليه الإعادة استنادا إلى رواية أبي بصير (٤) قال : «سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه فتيمم وصلى ثم ذكر ان معه ماء قبل ان يخرج الوقت؟ قال عليه ان يتوضأ ويعيد الصلاة». وقد تقدم البحث في هذه المسألة (٥) وجمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد حملوا الأمر بالإعادة فيما عدا الصورة الأخيرة على الاستحباب ، لمعارضتها بما تقدم من الاخبار ، ولأن الأمر بالأداء والقضاء معا خارج عن مقتضى الأصول المقررة فإنه متى كان مأمورا بالتيمم والصلاة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب التيمم.

(٢) ص ٢٦٨.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب التيمم.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التيمم.

(٥) ص ٢٥٦.

٣٧٦

فلا ريب ان قضية الأمر الاجزاء فلا يتعقبه القضاء وإلا فلا وجه للتيمم والصلاة أداء قال في المعتبر في الموضع الثالث : والوجه عندي انه لا إعادة لأن التيمم عند الخوف على النفس اما ان يكون مبيحا للصلاة أم لا يكون ، فان كان مبيحا سقط القضاء لانه اتى بصلاة مستكملة للشرائط ، وان لم يكن مبيحا لم يجب الأداء ، فالقول بوجوب الأداء مع وجوب القضاء مما لا يجتمعان لكن الأداء كان واجبا فالقضاء غير واجب. انتهى. وبالجملة فإن الوجه هو العمل على الأخبار المتقدمة. بقي الكلام في حمل هذه الأخبار على الاستحباب كما هي القاعدة المطردة في كلام الأصحاب في جميع الأبواب ، فإن فيه ما عرفت مما قدمناه في غير موضع ، وهو وان أمكن في بعض لما يلوح من القرائن على ذلك إلا انه يمكن حمل ما عداه على التقية التي هي في اختلاف الأحكام أصل كل بلية وإلا فارجاعها إلى قائلها لضعفها عن النهوض بمعارضة ما قابلها. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ لو وجد المتيمم الماء وتمكن من استعماله فله صور :

(الاولى) ـ ان يجده قبل دخوله في الصلاة ، والظاهر انه لا خلاف في انتقاض تيممه ووجوب استعمال الماء حتى انه لو فقده بعد التمكن من ذلك أعاد التيمم ، قال في المعتبر : وهو إجماع أهل العلم. قال في المدارك : «وإطلاق كلامهم يقتضي انه لا فرق في ذلك بين ان يبقى من الوقت مقدار ما يسع الطهارة والصلاة وعدمه ، وهو مؤيد لما ذكرناه فيما سبق من ان من أخل باستعمال الماء حتى ضاق الوقت يجب عليه الطهارة المائية والقضاء لا التيمم والأداء» انتهى. أقول : فيه ان الظاهر انه لا ريب في ان المتبادر من كلامهم وكذا من اخبار المسألة ان التقسيم إلى الأقسام المذكورة في هذه المسألة انما هو في الوقت خاصة والبحث ومحل الخلاف انما هو في وجوب المضي في الصلاة بعد وجود الماء مطلقا أو الرجوع ما لم يركع ، واما كون ذلك يؤدي الى فوات الوقت أم لا وانه هل يشترط مضي زمان يسع الطهارة أم لا؟ فهاتان مسألتان على حدة وكل من قال بقول في تينك المسألتين فرع عليه ما اندرج تحته من هذه المسألة أو غيرها ، ولا يخفى ان من قال في

٣٧٧

تلك المسألة التي أشار إليها بأنه مع ضيق الوقت عن استعمال الماء يتيمم ويصلي أداء لا يوافق هنا على التمكن من استعمال الماء ، لان استعماله على وجه يؤدي الى فوات الوقت والصلاة قضاء غير جائز عنده فوجود الماء في هذه الصورة عنده في حكم العدم كما تقدم تحقيقه.

(الثانية) ـ ان يجده بعد الفراغ من الصلاة ، والمشهور انه لا اعادة عليه ولكن ينتقض تيممه ، قال في المعتبر : وهو موضع وفاق ايضا. وقد تقدم في سابق هذه المسألة ما في ذلك من الخلاف لذهاب ابن ابي عقيل وابن الجنيد الى وجوب الإعادة.

(الثالثة) ـ ان يجده بعد الدخول في الصلاة ، وقد اختلف في هذه الصورة كلام الأصحاب ، فقال الشيخ (قدس‌سره) في النهاية انه يرجع ما لم يركع ، وهو اختيار ابن ابي عقيل وابي جعفر بن بابويه والمرتضى في شرح الرسالة ، وللشيخ قول آخر في المبسوط والخلاف وهو انه متى كبر للافتتاح لم يجز له الرجوع ومضى في صلاته بتيممه وهو اختيار المفيد والمرتضى في مسائل الخلاف وقواه ابن البراج واختاره ابن إدريس والمحقق في المعتبر والسيد في المدارك والعلامة في جملة من كتبه والظاهر انه المشهور ، وقال سلار يرجع إلا ان يقرأ ، وقال ابن الجنيد : ان وجد الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية فإن ركعها مضى في صلاته ، فان وجده بعد الركعة الاولى وخاف من ضيق الوقت ان يخرج ان قطع رجوت ان يجزئه ان لا يقطع صلاته ، فاما قبله فلا بد من قطعها مع وجود الماء. انتهى. ونقل في الذكرى عن ابن حمزة في الوسيلة قولا غريبا وهو وجوب القطع بعد الشروع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة والصلاة وعدم وجوب القطع ان لم يمكنه ذلك واستحباب القطع ما لم يركع ، فهذه خمسة أقوال في المسألة.

أقول : والأصل في الخلاف في هذه المسألة اختلاف الأخبار فيها فها أنا أسوق ما وقفت عليه من الأخبار في المقام وأبين ما ظهر لي من ذلك بتوفيق الملك العلام بما

٣٧٨

ينكشف عنه نقاب الإبهام ويصير ظاهرا لجملة الافهام.

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) في حديث قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ان أصاب الماء وقد دخل في الصلاة؟ قال فلينصرف وليتوضأ ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم أحد الطهورين». ورواه الكليني بسندين أحدهما في الصحيح والثاني في الحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم والصحيح عندي (٢).

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن عاصم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام وقال هو ذا الماء؟ فقال ان كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وان كان قد ركع فليمض في صلاته». ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب مثله (٤) ورواه الكليني مثله (٥).

وما رواه الشيخ عن محمد بن حمران عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة؟ قال يمضي في الصلاة ، واعلم انه ليس ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر الوقت».

وما رواه أيضا في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (٧) قال : «قلت في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال لا ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها لمكان انه دخلها وهو على طهور بتيمم. الحديث».

وعن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٨) قال : «سألته عن رجل صلى ركعة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب التيمم.

٣٧٩

على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء؟ قال يقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبني على واحدة». ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (١).

وعن الحسن الصيقل (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة؟ قال فليغتسل وليستقبل الصلاة. قلت انه قد صلى صلاته كلها؟ قال لا يعيد».

وفي الفقه الرضوي (٣) «فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تيممك وامض في صلاتك».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي يدل على القول الأول من هذه الأخبار صحيحة زرارة ورواية عبد الله بن عاصم ، والذي يدل على الثاني رواية محمد بن حمران وعبارة كتاب الفقه ، ولعل مستند ابن الجنيد هو رواية زرارة وهي الأخيرة إلا ان في دلالتها على ما ذكره من التفصيل اشكالا. وبالجملة فهذه روايات المسألة التي وصلت إلينا ومنها يعلم عدم الدليل على ما عدا القولين الأولين المشهورين.

وأجاب العلامة في المنتهى عن روايتي زرارة وعبد الله بن عاصم بالحمل على الاستحباب أو على ان المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان وبقوله : «ما لم يركع» ما لم يتلبس بالصلاة وبقوله : «وان كان قد ركع» دخوله فيها إطلاقا لاسم الجزء على الكل. والأول من محامله وهو الحمل على الاستحباب قد اختاره جملة ممن تأخر عنه ، واما الحمل الثاني فردوه بالبعد غاية البعد عن الظاهر وبذلك اعترف في الذكرى والمدارك ، واما الحمل على الاستحباب فسيأتي ما فيه ان شاء الله تعالى.

وقال المحقق في المعتبر بعد الاحتجاج برواية محمد بن حمران على ما اختاره : فان احتج الشيخ بالروايات الدالة على الرجوع ما لم يركع فالجواب عنها ان أصلها عبد الله بن عاصم فهي في التحقيق رواية واحدة وتعارضها روايتنا وهي أرجح من وجوه : (أحدها) ـ ان

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب التيمم.

(٣) ص ٥.

٣٨٠