الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

وقد عرفت مما حققناه آنفا ان المراد بالإزار في الأخبار هو الذي يشد على الوسط وظاهرها انه يشد فوق القميص ، ومخالفتها لما ذكروه ظاهرة ، نعم هي موافقة لظاهر عبارة ابن ابي عقيل. واما موثقة عمار فإنها قد اشتملت على شد الخرقة فوق القميص ثم الإزار فوق الخرقة ثم اللفافة ، والمخالفة فيها هنا في موضعين : (أحدهما) ـ شد الخرقة فوق القميص. و (الثاني) ـ جعل الإزار فوق القميص والخرقة ، مضافا الى ما عرفت آنفا من المناقضات الأخر ، قال في الذكرى : «وفي خبر عمار عن الصادق (عليه‌السلام) «وتبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص ثم تشد المئزر ثم اللفافة ثم العمامة» وهو مخالف للمشهور من جعل الخرقة تحت المئزر والقميص فوقه ، قال الأصحاب ونقل الشيخ فيه الإجماع» انتهى. واما عبارة كتاب الفقه فالذي تقدم منها لا دلالة فيه على ما نحن فيه إلا انه قال في موضع آخر ما لفظه : «وقبل ان يلبسه القميص يأخذ شيئا من القطن ويجعل عليه حنوطا يحشو به دبره ، الى ان قال : ويضم رجليه ويشد فخذيه الى وركيه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شي‌ء» وظاهر هذه العبارة هو انه يلبسه القميص بعد شد الخرقة ، ولم يتعرض هنا لباقي اجزاء الكفن وان ذكرها في موضع آخر كما تقدم من ان اجزاء الكفن ثلاثة : لفافة وقميص وإزار ، إلا انها لا يستفاد منها في هذا المقام أزيد مما قلناه. والجميع ـ كما ترى ـ ظاهر المنافاة لما ذكره الأصحاب مما عرفت من عباراتهم المتقدمة حيث ان ظاهر الجميع البدأة بالقميص. ولم أقف على خبر يدل على ما ذكروه من هذه الكيفية ولا على كلام لأحد من الأصحاب في هذا الباب يدفع هذا الاشكال والارتياب. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ في التحنيط والكلام هنا في مقامين (الأول) ـ في بيان المواضع التي يوضع الكافور عليها ، فالمشهور بين الأصحاب انه يوضع على المساجد السبعة وعن الشيخ في الخلاف دعوى إجماع الفرقة عليه ، وأضاف الشيخ المفيد طرف الأنف الذي يرغم في السجود ، وأضاف الصدوق السمع والبصر والفم والمغابن ، واحدها مغبن كمسجد وهي الآباط وأصول الأفخاذ ، قال في الفقيه : «ويجعل الكافور على بصره

٢١

وانفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها وعلى اثر السجود منه فإن بقي منه شي‌ء جعل على صدره» ومال في المختلف الى هذا القول.

والأخبار في المسألة مختلفة ، ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد الى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط ، وقال : حنوط الرجل والمرأة سواء ، وقال : أكره أن يتبع بمجمرة». وما في رواية يونس المتقدمة (٢) من قوله : «ثم اعمد الى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه الى قدمه وفي رأسه وعنقه ومنكبه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه ، الى ان قال : ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ولا مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا». وفي موثقة سماعة (٣) «وتجعل شيئا من الحنوط على مسامعه ومساجده وشيئا على ظهر الكفين». وفي موثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحنوط للميت؟ فقال اجعله في مساجده». وفي رواية عثمان النوا المتقدمة (٥) «ولا تمس مسامعه بكافور». وفي حسنة حمران ابن أعين المتقدمة (٦) «قلت فالحنوط كيف اصنع به؟ قال : يوضع في منخره وفي موضع سجوده ومفاصله». وفي موثقة عمار المتقدمة (٧) «واجعل الكافور في مسامعه واثر سجوده منه وفيه وأقل من الكافور». وفي رواية الحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) (٨) قال : «يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التكفين.

(٢) ص ٧.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب التكفين.

(٤ و ٥ و ٨) المروية في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب التكفين.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التكفين.

(٧) ص ٩.

٢٢

القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبة». وفي صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا». وفي صحيحة عبد الله بن سنان (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) كيف اصنع بالحنوط؟ قال : تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه». وفي رواية زرارة عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (٣) قال : «إذا جففت الميت عمدت الى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه ، وقال : حنوط الرجل والمرأة سواء». وفي الفقه الرضوي (٤) «فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور ، وتبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به وتلقي ما بقي منه على صدره وفي وسط راحتيه ، ولا تجعل في فمه ولا منخره ولا في عينيه ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا ، فان لم تقدر على هذا المقدار فأربعة دراهم ، فان لم تقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده».

أقول : المشهور بين الأصحاب هو الجمع بين هذه الروايات فيما اختلفت فيه بحمل أخبار النهي على الكراهة ، والشيخ جمع بينها بحمل «في» الدالة على الوضع في سمعه وبصره وفيه على معنى «على» كما في قوله تعالى : «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (٥) ومرجعه الى حمل أخبار النهي على النهي من إدخاله فيها وحمل اخبار الجواز على جعله فوقها. والأظهر ـ كما صرح به جملة من متأخري أصحابنا ـ هو حمل الروايات الدالة على استحبابه في هذه المواضع على التقية لشهرة الاستحباب عند العامة.

بقي الكلام في بعض المواضع الزائد على المساجد السبعة مما لم يدل على النهي عنه دليل مثل مفاصله ووسط راحتيه ورأسه ولحيته وصدره وعنقه واللبة وهي النحر وموضع

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب التكفين.

(٤) ص ١٧.

(٥) سورة طه الآية ٧٤.

٢٣

القلادة ، والظاهر دخولها تحت الصدر في الرواية الأخرى ، وباطن القدمين ونحوها مما اشتملت عليه الأخبار مما لا معارض له ، والظاهر استحبابه لدلالة الأخبار عليه مع عدم المعارض.

وهل يجب استيعاب كل المسجد بالمسح أو يكفي المسمى؟ وجهان جزم بأولهما الشهيد الأول في الذكرى وبالثاني الثاني في الروض.

(المقام الثاني) ـ في مقدار الكافور ، قال في المعتبر : «أقل المستحب من الكافور للحنوط درهم وأفضل منه أربعة دراهم وأكمل منه ثلاثة عشر درهما وثلث ، كذا ذكره الخمسة واتباعهم ثم لا أعلم للأصحاب فيه خلافا» وقال الصدوق في الفقيه (١) «والكافور السائغ للميت وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، والعلة في ذلك ان جبرئيل (عليه‌السلام) اتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأوقية كافور من الجنة ـ والأوقية أربعون درهما ـ فجعلها النبي ثلاثة أثلاث : ثلثا له وثلثا لعلي (عليه‌السلام) وثلثا لفاطمة ، ومن لم يقدر على وزن ثلاثة عشر درهما وثلث كافورا حنط الميت بأربعة مثاقيل ، فان لم يقدر فمثقالا لا أقل منه لمن وجده» وأكثر الأصحاب ـ ومنهم الشهيد في كتبه ـ نقلوا عن الشيخين ان الأقل مثقال وأوسطه أربعة دراهم ، وفي الذكرى عن الجعفي ان أقله مثقال وثلث قال : ويخلط بتربة الحسين (عليه‌السلام) ونقل شيخنا المجلسي (رحمه‌الله) عن ابن الجنيد ان أقله مثقال وأوسطه أربعة مثاقيل ، وعن ابن البراج انه قدر الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (٢) قال : «السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث ، وقال : ان جبرئيل نزل على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بحنوط وكان وزنه أربعين درهما فقسمها

__________________

(١) ج ١ ص ٩١ وفي الوسائل في الباب ٣ من أبواب التكفين.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب التكفين.

٢٤

رسول الله ثلاثة أجزاء : جزء له وجزء لعلي وجزء لفاطمة (عليهما‌السلام)». وعن ابن ابي نجران عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال». قال في الكافي بعد نقل هذا الخبر : وفي رواية الكاهلي وحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «القصد من ذلك أربعة مثاقيل». والمراد بالقصد يعني الحد الوسط بين الأقل والأكثر ، والاقتصاد في الأمور سلوك سبيل الوسط. وروى الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي والحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «القصد من الكافور أربعة مثاقيل». وعن عبد الرحمن بن ابي نجران عن بعض رجاله عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال قال : «أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال ونصف». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه التحنيط بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث وان لم يقدر على هذا المقدار فأربعة دراهم وان لم يقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده. إلا انه قال في موضع آخر من الكتاب أيضا (٤) : «إذا فرغت من غسله حنطته بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا تجعل في المفاصل ولا تقرب السمع والبصر وتجعل في موضع سجوده وادنى ما يجزئ من الكافور مثقال ونصف».

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع (الأول) ـ ظاهر هذه الروايات ان هذه التقديرات قلة وكثرة ووسطا على جهة الوجوب وانه لا يصار إلى المرتبة الوسطى إلا مع تعذر العليا ولا إلى الأقل إلا مع تعذر الوسط. والمفهوم من كلام الأصحاب هو الحمل على الأفضلية ، والظاهر من كلام المحقق في المعتبر ان الحامل لهم على الخروج عن ظاهر هذه الروايات انما هو ضعف إسنادها ، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر رواية ابن ابي نجران المشتملة على المثقال ورواية الحسين بن المختار ومرفوعة علي بن إبراهيم : «وفي الروايات كلها ضعف لان سهلا ضعيف والحسين بن المختار واقفي ورواية علي بن إبراهيم مقطوعة فاذن الواجب الاقتصار على ما يحصل به الامتثال ويحمل ما ذكر على الفضيلة» وقد تبعه

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب التكفين.

(٤) ص ٢٠.

٢٥

من تأخر عنه في هذه المقالة ، وهو مشكل سيما ورواية الحسين بن المختار مروية عنه وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي الذي لا خلاف بينهم في عد حديثه في الحسن وان كان هو انما نسبها الى الحسين بن المختار خاصة ، ورد الاخبار مع ظهورها في الوجوب وعدم المعارض لها فيه بمجرد ضعف السند خال عندنا من الدليل والمستند المعتمد. وبالجملة فإن المشهور عندهم الاكتفاء بالمسمى لما ذكر ، والعمل بالاخبار سبيل النجاة كما لا يخفى.

(الثاني) ـ لا يخفى ان الحد الأوسط في هذه التقديرات اما أربعة مثاقيل كما وقع في عبارة ابن بابويه وعليه تدل حسنة الكاهلي والحسين بن المختار أو أربعة دراهم كما يدل عليه كتاب الفقه ، وبه يندفع ما أورده بعض أفاضل متأخري المتأخرين على الشيخين وأتباعهما من انه لم يعرف للتحديد بالأربعة دراهم دليل ، نعم ما ذكره في المعتبر في الأقل من انه درهم لم أقف له على دليل ، والذي في الاخبار انما هو مثقال كما في عبارة كتاب الفقه ومرسلة ابن ابي نجران الأولى ، أو مثقال ونصف كما في مرسلته الثانية وعبارة كتاب الفقه الثانية ، وبالمثقال في جانب الأقل عبر الصدوق كما تقدم ، واما ما نقل عن الجعفي من المثقال وثلث فلم أقف على دليله ، وقول ابن الجنيد في الأقل والوسط موافق لكلام الصدوق وقد عرفت مستنده ، واما قول ابن البراج في تحديد الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف فخال ايضا من المستند.

(الثالث) ـ نقل عن ابن إدريس انه فسر المثاقيل الواقعة في الروايات بالدراهم نظرا الى قول الأصحاب ، وهو ضعيف ، ولهذا نقل ان ابن طاوس طالبه بالمستند ، وهو كذلك فان المتبادر من المثقال حيث يطلق في كلام الشارع انما هو المثقال الشرعي الذي هو عبارة عن الدينار وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فالصيرفي مثقال وثلث من الشرعي.

(الرابع) ـ المشهور بين الأصحاب ان كافور الغسل خارج عن هذا المقدار الذي ورد للحنوط ، وقيل انه داخل فيه واليه مال في الوافي ، وظني بعده فان ظواهر

٢٦

الأخبار المذكورة انما تساعد على القول المشهور ، فان قوله (عليه‌السلام) (١) : «السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث». يقتضي تخصيص هذا المقدار بالحنوط ، وباقي الأخبار وان كانت مطلقة إلا انه يجب حمل إطلاقها على هذا الخبر المقيد ، وأصرح منه قوله (عليه‌السلام) في عبارة كتاب الفقه الرضوي الثانية (٢) : «إذا فرغت من غسله حنطته بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا». وترجيح هذا القول بالاحتياط ظاهر ، والخلاف المذكور في المسألة لم يستند الى معين وانما نقلوا عن ابن إدريس انه حكى عن بعض الأصحاب المشاركة وقال ان الأظهر عنهم خلافه.

(الخامس) ـ ينبغي ان يعلم ان ثلاثة عشر درهما وثلثا الذي هو القدر الأعلى من الحنوط يكون بالمثاقيل الشرعية التي هي عبارة عن الدنانير الرائجة التي لم تتغير في جاهلية ولا إسلام تسعة مثاقيل وثلث وبالمثاقيل الصيرفية المعروفة بين الناس سبعة مثاقيل ، لما تقدم تحقيقه من ان المثقال الشرعي درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف المثقال الشرعي وخمسه ، فيكون مقدار عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية وبموجب ذلك تصير الثلاثة عشر درهما وثلث تسعة مثاقيل وثلثا بإضافة الثلث من كل منهما الى الأصل واما كونها بالمثاقيل الصيرفية سبعة فلما عرفت من ان المثقال الصيرفي مثقال وثلث من الشرعي والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ولا ريب ان سبعة أربعة أثلاث تسعة وثلث.

(السادس) ـ قد تعارضت الروايات في جانب الأقل من المثقال ومثقال ونصف وفي الوسط بين أربعة مثاقيل وأربعة دراهم ، والجمع بالحمل على التخيير في كل من الموضعين.

(السابع) ـ قال في الوافي : «والحنوط يقال لكل طيب يحنط به الميت إلا ان السنة جرت ان يحنط بالكافور كما ورد عن أهل البيت (عليهم‌السلام) وهو طيب

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ٣ من أبواب التكفين.

(٢) ص ٢٠.

٢٧

معروف يكون في أجواف شجر بجبال الهند خشبه أبيض هش يظل خلقا كثيرا وهي أنواع ولونها احمر وانما تبيض بالتصعيد ، كذا في القاموس. وقال بعض فقهائنا : الكافور صمغ يقع من شجر فكلما كان جلالا وهو الكبار من قطعه لا حاجة له الى النار ويقال له الكافور الخام وما يقع من صغار ذلك الصمغ من الشجر في التراب يؤخذ بترابه ويطرح في قدر فيها ماء يغلي ويميز من التراب فذلك لا يجزئ في الحنوط. انتهى كلامه. وما قاله من عدم اجزاء المطبوخ غير واضح بل الظاهر من إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب اجزاؤه. وما يقال ان مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتد بياضه لم يثبت ، وكذا ما قيل انه لبن دويبة كالسنور تسمى بالزباد» انتهى كلام المحدث المشار إليه.

(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت مما تقدم اجزاء الكفن الواجبة واما المستحبة فمنها ـ ما ذكره جمع من المتأخرين من انه يستحب ان يزاد الرجل حبرة ومع تعذرها ثوب آخر يقوم مقامها في لف الكفن ، والحبرة كعتبة برد يماني ، وزاد بعضهم في وصفه عبرية بكسر العين نسبة الى بلد في اليمن أو جانب واد ، وقال في المختلف : «ويستحب ان يزاد في أكفان الرجل حبرة بكسر الحاء وفتح الباء ولفافة غيرها وتزاد المرأة لفافة أخرى ونمطا ، قاله الشيخ الطوسي ، وقال المفيد يستحب ان تزاد المرأة في الكفن ثوبين وهما لفافتان أو لفافة ونمط ، وقال سلار تزاد لفافتان ، وقال ابن إدريس تزاد لفافة أخرى لشد ثدييها وروى نمط ، والصحيح الأول وهو مذهب الشيخ في الاقتصاد ، لان النمط هو الحبرة وقد زيدت على أكفانها لان الحبرة مشتقة من التزيين والتحسين ، وكذلك النمط وهو الطريقة وحقيقته الأكسية والفرش ذات الطرائق ومنه سوق الأنماط ، ثم استدل الشيخ في التهذيب على ما قاله المفيد بما رواه عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا رفعه (١) قال : «سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال كما يكفن الرجل غير انه يشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر وتشد الى ظهرها.». وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

٢٨

السلام) (١) قال : «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة أثواب : درع وخمار ومنطق ولفافتين». وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تكفن المرأة في خمسة أثواب أحدها الخمار». وليس فيه دلالة على مطلوب الشيخ هنا. وقول ابن إدريس ان النمط هو الحبرة فيه نظر لان علي بن بابويه قال في أعداد الكفن للميت في رسالته : «ثم اقطع كفنه تبدأ بالنمط فتبسطه وتبسط عليه الحبرة وتنثر عليها شيئا من الذريرة وتبسط الإزار على الحبرة وتنثر عليه شيئا من الذريرة وتبسط القميص على الإزار» انتهى كلامه في المختلف. وقال الصدوق في الفقيه : «والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة سوى العمامة والخرقة فلا يعدان من الكفن فمن أحب ان يزيد ثوبين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب فلا بأس» انتهى. وقد تقدم نقل عبارة الجعفي وابي الصلاح الدالتين على زيادة لفافتين ايضا. وبالجملة فالظاهر ان المشهور بين متقدمي الأصحاب استحباب لفافتين زائدتين على الأثواب الثلاثة المفروضة ، والشيخ المفيد خصهما بكفن المرأة واما الرجل فلفافة واحدة كما قدمناه آنفا من عبارته. ولم نقف في الاخبار التي وصلت إلينا على ما يدل على ما ذكروه من زيادة لفافتين على الكفن المشهور سوى عبارة كتاب الفقه.

وجملة من متأخري المتأخرين قد استدلوا لمن ذكر استحباب زيادة الرجل حبرة أو مع المرأة بالأخبار المشتملة على عد الحبرة من جملة أجزاء الكفن الواجب ثم ردوها بذلك ، إذ غاية ما يفهم من الأخبار كون الحبرة أحد الثواب الثلاثة لا مستحبة زائدة عليها.

أقول : قد روى الشيخان الكليني والطوسي بسنديهما عن يونس بن يعقوب عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول : اني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه وعمامة كانت لعلي بن الحسين (عليهما‌السلام) وفي

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

٢٩

برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار». وظاهر هذا الخبر ـ كما ترى ـ الدلالة على ما ذكره متأخر والأصحاب من زيادة الحبرة التي أشار إليها هنا بالبرد على الأثواب الثلاثة الواجبة. إلا ان ظاهر ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) ـ قال : «كتب أبي في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي ولم تكتب هذا؟ فقال أخاف ان يغلبك الناس فان قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد». ونحو هذه الرواية نقل في الفقه الرضوي عن العالم والظاهر ان مراده الصادق (عليه‌السلام) كما أشرنا إليه آنفا ، قال في الكتاب المذكور (٢) : «وقال العالم : وكتب أبي في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة وكان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا؟ فقال انى أخاف ان يغلبك الناس يقولون كفنه بأربعة أثواب أو خمسة فلا تقبل قولهم. وعصبته بعد بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد ، وشققنا له القبر شقا من أجل انه كان رجلا بدينار وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات» انتهى ـ هو ان ما زاد على الثلاثة من الأثواب الشاملة للبدن انما خرج مخرج التقية فيجب حمل الخبر المذكور على ذلك (٣) ويؤيده

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

(٢) ص ٢٠.

(٣) في الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٤٧٠ «عند الشافعية الكفن للذكر والأنثى ثلاثة أثواب يستر كل واحد منها جميع بدن الميت إلا رأس المحرم ووجه المحرمة وتجوز الزيادة على ذلك ان لم يكن في الورثة قاصر أو محجور عليه وإلا حرمت الزيادة ، وعند الحنفية كفن السنة قميص وإزار ولفافة ويزاد للمرأة خمار يستر وجهها وخرقة تربط ثدييها. وعند المالكية الأفضل ان يكفن الرجل في خمسة أشياء : قميص له أكمام وإزار وعمامة لها عذبة قدر ذراع تطرح على وجهه ولفافتان ، وتكفن المرأة في سبعة : إزار وقميص وخمار وأربعة لفائف. وعند الحنابلة الواجب ثوب يستر جميع البدن للذكر والأنثى

٣٠

ما تقدم في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أو حسنتهما (١) من قوله (عليه‌السلام) بعد ذكر الثلاثة المفروضة : «وما زاد فهو سنة الى ان يبلغ خمسة أثواب فما زاد فهو مبتدع والعمامة سنة». واما احتمال ان يراد ان ما زاد على الثلاثة المفروضة من اللفائف فهو سنة الى ان يبلغ خمسة وان المراد بالخمسة ما عدا العمامة وخرقة الفخذين فالظاهر بعده بل المراد بالخمسة انما هو الثلاثة المفروضة مع العمامة والخرقة ولذا اشتهر تسمية الخرقة بالخامسة ، ومقتضى كلام الصدوق ـ وهو قوله : «ومن أحب ان يزيد ثوبين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب فلا بأس» ـ إمكان حمل الخبر المذكور عليه ، ونحوه عبارة الجعفي المتقدمة أيضا وعبارة ابن البراج في الكامل حيث قال : «تسن لفافتان زيادة على الثلاثة المفروضة إحداها حبرة يمنية فإن كان الميت امرأة كانت احدى اللفافتين نمطا ، فهذه الخمس هي الكفن ولا يجوز الزيادة عليها ، ويتبع ذلك وان لم يكن من الكفن خرقة وعمامة وللمرأة خرقة الثديين» ونحوه قال في التهذيب ، ويشير الى ذلك ما تقدم في عبارة كتاب الفقه من قوله (عليه‌السلام) (٢) : «ويكفن بثلاث قطع وخمس وسبع». فان الظاهر ان السبع انما هو بإضافة اللفافتين إلى الخمسة الحاصلة من الواجب والمستحب ، وبالجملة فإن إطلاق لفظ الخمس على غير العمامة وخرقة الفخذين شائع في كلام كثير منهم. ولا يخفى انه مع الحمل على ما دلت عليه هذه العبارات يكون معارضا بما تقدم من صحيحة الحلبي ورواية كتاب الفقه الرضوي الدالتين على وصية الباقر (عليه‌السلام) بعدم الزيادة على الثلاثة المفروضة من تلك الأثواب ، وان مذهب العامة يومئذ زيادتها الى ان تكون أربعة أو خمسة. وبالجملة فإنه بالنظر الى اشتهار هذا الحكم بين المتقدمين كما عرفت ربما أمكن حمل الخبر المذكور عليه ، فإنه من البعيد كل البعد انهم يذهبون الى ذلك من غير

__________________

والمسنون للرجل ثلاث لفائف ويكره الزيادة عليها كما تركه العمامة ، والأنثى والخنثى يكفنان في خمسة أثواب بيض : إزار وخمار وقميص ولفافتان».

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

(٢) ص ٢٠.

٣١

دليل يصل إليهم ولا سيما مثل الشيخ الصدوق الذي هو من أرباب النصوص وأبوه من بينهم بالخصوص. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

ثم انه على تقدير الخمس المذكورة قد اختلفت عبائرهم في اشتراك المرأة والرجل فيها كما يظهر من إطلاق جملة من عبائرهم أو اختصاص المرأة بها دون الرجل أو زيادة المرأة عليها.

ومنها ـ النمط للمرأة صرح به جمع من الأصحاب ، قالوا : وتزاد المرأة نمطا وهو لغة ضرب من البسط أو ثوب فيه خطط مأخوذ من الأنماط وهي الطريق ، وفسره ابن إدريس بالحبرة لدلالة الاسمين على الزينة ، وقد تقدم في كلام المختلف رده ، والمشهور مغايرة النمط للحبرة ، واستدلوا على استحبابه للمرأة بقول الباقر (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (١) : «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين». قال في المدارك : «وليس فيها دلالة على المطلوب بوجه فان المراد بالدرع القميص والمنطق بكسر الميم ما يشد به الوسط ولعل المراد به هنا ما يشد به الثديان والخمار القناع لانه يخمر به الرأس ، وليس فيها ذكر للنمط بل ولا دلالة على استحباب زيادة المرأة لفافة عن كفن الرجل ، لما بيناه فيما سبق من ان مفاد الاخبار اعتبار الدرع واللفافتين أو الثلاث لفائف في مطلق الكفن» انتهى. أقول : اما ما ذكره ـ من عدم دلالة الرواية على ما ادعوه ـ ففيه ان مبنى الاستدلال بالرواية انما هو على ان الكفن الواجب قميص وإزار ولفافة كما هو المشهور بين المتقدمين والمتأخرين ولا مخالف فيه إلا هو ومن تبعه ، وقد عبر في الرواية عن القميص بالدرع وعن الإزار بالمنطق كما أوضحناه فيما تقدم ، وبه صرح شيخنا الشهيد في الذكرى والشيخ البهائي في الحبل المتين فإنهما فسرا المنطق في الرواية ـ بعد ذكرهما معناه لغة وعدم مناسبة المعنى اللغوي للمقام ـ بالإزار ، وهو الحق ، واحدى اللفافتين هي أحد أجزاء الكفن الواجب واللفافة الأخرى هي

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

٣٢

أحد أجزاء الكفن الواجب واللفافة الأخرى هي النمط وان لم يعبر عنها بالنمط أو انها لفافة أخرى عوض النمط ، فإنهم صرحوا بالنسبة إلى الحبرة المستحبة في الكفن بأنه لو لم يجدها جعل عوضها لفافة فكذا النمط ، وبه يتم الاستدلال بالرواية المذكورة. واما ما ذكره من حمل المنطق على خرقة الثديين فبعيد غاية البعد كما لا يخفى ، قال في الحبل المتين : «والمنطق كمنبر شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض ، قاله صاحب القاموس. ولعل المراد به هنا المئزر كما قاله شيخنا في الذكرى. وقال بعض الأصحاب لعل المراد ما يشد به الثديان. وهو كما ترى» انتهى كلام شيخنا المذكور. ولا يخفى ان هذا البعض الذي أشار إليه هو صاحب المدارك كما نقلناه عنه ، والظاهر ان السيد السند لا يخفى عليه بعد هذا المعنى ولكنه انما ارتكبه فرارا عما أنكره من وجود الإزار والمئزر في الأخبار مع انا قد بينا وجوده في غير هذا الخبر ايضا كما قدمنا بيانه.

بقي الكلام في ان كلام الأصحاب مضطرب في اختصاص زيادة هذا الثوب بالمرأة أو مشاركة الرجل لها. واما وجود هذا الثوب للمرأة بلفظ النمط فلم يصل إلينا في الأخبار وان ذكره شيخنا المفيد ونحوه كما قدمنا ذكره ، إلا انك قد عرفت من صحيحة الحلبي أو حسنته ومن رواية كتاب الفقه ان ما زاد على الثلاثة المفروضة فهو من سنن العامة وبموجبه يجب حمل كل ما تضمن الزيادة على التقية. وبالجملة فالاحتياط في ترك الزيادة على الثلاثة المفروضة من الأثواب التي يلف فيها البدن. والله العالم.

ومنها ـ الخرقة التي يشد بها الفخذان وتسمى عند الأصحاب بالخامسة كما ذكره في الذكرى ، وهي للرجال والنساء كما يفهم من الأخبار وما ذكر فيها من التعليل بعدم خروج شي‌ء منه مع التصريح في بعضها بالقبل ، واستحبابها ثابت بالروايات المستفيضة كما في رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «الميت يكفن في ثلاثة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

٣٣

أثواب سوى العمامة والخرقة يشد بها وركيه كيلا يبدو منه شي‌ء». وقد تقدم في رواية عمار (١) وقال «تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من ، وقال : التكفين ان تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه وفخذيه وعورته وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا وعرضها شبرا ونصفا ثم يشد الإزار. الحديث». وفي رواية يونس المتقدمة (٢) في كيفية الغسل «وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن وأغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه الى ركبتيه لفا شديدا». وفي رواية الكاهلي المتقدمة (٣) نحوه ، ولا منافاة في تقدير العرض بين روايتي عمار ويونس ، إذ الظاهر ان المراد انما هو التقريب في ذلك لا ان يكون حدا شرعيا. قال في المدارك بعد ذكر جملة من هذه الأخبار : «وهذه الروايات وان كانت ما بين ضعيف ومرسل إلا انها مؤيدة بعمل الأصحاب فلا تقصر عن إثبات حكم مستحب» أقول : لا يخفى ما فيه من الوهن والمجازفة وذلك فان الاستحباب حكم شرعي والقول به بغير دليل واضح قول على الله بغير علم كما في الوجوب ولا فرق بينهما في وجوب الدليل ، وحينئذ فإن صلح العمل بالخبر الضعيف المؤيد بعمل الأصحاب فيجب ان يقف عليه في جميع الأبواب مع ان كلامه في ذلك مضطرب غاية الاضطراب ، على انا نقول ايضا انه لا وجه للعمل بالخبر الضعيف المؤيد بعمل الأصحاب كما يكررونه ويتسترون به عن إلزامهم بالخروج عن اصطلاحهم المشار إليه. فإنه ان كان الخبر الضعيف دليلا شرعيا وجب العمل عليه مطلقا وإلا وجب رميه وإلغاؤه مطلقا ، فيرجع العمل فيما ذكروه إلى متابعة الأصحاب من غير دليل في المقام إذ المفروض رمي الضعيف من البين وعدم الاعتداد به بالكلية ، ولا أراه يلتزمه ولا يقول به : ثم قال (قدس‌سره) : «وقد يظهر من مجموعها ان صورة وضع هذه الخرقة ان تربط أحد طرفيها في وسط الميت اما بان يشق رأسها أو يجعل فيها خيط ونحوه ثم تدخل الخرقة من بين فخذيه وتضم بها

__________________

(١) ص ٩.

(٢) ج ٣ ص ٤٣٩.

(٣) ج ٣ ص ٤٣٨.

٣٤

عورته ضما شديدا وتخرجها من تحت الشداد الذي على وسطه ثم تلف حقويه وفخذيه بما بقي لفا شديدا فإذا انتهت ادخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت عنده منها» انتهى. وهو جيد.

ومنها ـ العمامة للرجل وتحنيكه بها. والحكمان مجمع عليهما والاخبار بهما كثيرة قد تقدم بعضها وانما يبقى الكلام في كيفية ذلك ، ففي رواية معاوية بن وهب المتقدمة (١) «وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره». وفي رواية يونس عنهم (عليهم‌السلام) (٢) «ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره». وفي رواية عثمان النوا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي. قلت كيف اصنع؟ قال خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها الى خلفه واطرح طرفيها على صدره». وفي بعض النسخ «على ظهره» وفي حسنة حمران بن أعين (٤) «ثم خذوا عمامة وانشروها مثنية على رأسه واطرح طرفيها من خلفه وابرز جبهته». وفي صحيحة ابن ابي عمير أو حسنته عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «في العمامة للميت قال حنكه». وفي صحيحة عبد الله بن سنان (٦) «وعمامة تعصب بها رأسه وترد فضلها على رجليه». هكذا في التهذيب والظاهر انه تحريف وفي الكافي (٧) «ويرد فضلها على وجهه». وفي موثقة عمار (٨) «وليكن طرف العمامة متدليا على جانبه الأيسر قدر شبر ترمى بها على وجهه». وفي الفقه الرضوي (٩)

__________________

(١) ص ٥.

(٢) ص ٧.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب التكفين.

(٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التكفين.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

(٧) الموجود في الكافي ج ١ ص ٤١ «على رجليه» ورواه في الوسائل عنه كذلك وقال «أقول : هذا تصحيف والصحيح يرد فضلها على وجهه».

(٨) ص ٩.

(٩) ص ١٧.

٣٥

«ثم تعممه وتحنكه فتثني على رأسه بالتدوير وتلقي فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم تمد على صدره ثم تلفه باللفافة ، وإياك ان تعممه عمة الأعرابي وتلقي طرفي العمامة على صدره». وهذه الرواية عين ما في رواية يونس وهي الصورة المشهورة في كلام الأصحاب. واما عمة الأعرابي المنهي عنها فالظاهر انها غير مشتملة على التحنيك وانما هي ان يلف وسط العمامة على رأسه ويلقى طرفها الأيمن على جانب الصدر الأيمن والأيسر على الأيسر من غير ان يمد كل منهما إلى الجهة الثانية كما في الخبرين المذكورين ، قال في المبسوط : «عمة الأعرابي بغير حنك» ويمكن حمل رواية معاوية بن وهب على ما دلت عليه الروايتان المذكورتان. ولا تقدير لطول العمامة شرعا فيعتبر فيها ما يؤدي هذه الهيئة وفي العرض ما يطلق معه عليها اسم العمامة كما صرح به الأصحاب.

ومنها ـ الخمار للمرأة عوض العمامة للرجل ، ذكره الأصحاب ، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «وتكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار. الخبر». وسمي به لانه يخمر الرأس اي يستره.

ومنها ـ خرقة الثديين ويدل عليها ما رواه في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه (٢) قال : «سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال كما يكفن الرجل غير انها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر وتشد الى ظهرها ويوضع لها القطن أكثر مما يوضع للرجال ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط ثم تشد عليها الخرقة شدا شديدا».

(المسألة الرابعة) ـ من المستحبات في هذا المقام زيادة على ما تقدم انه بعد الفراغ من غسله ينشفه بثوب طاهر وكأنه صونا للكفن عن البلل ، ففي خبر يونس المتقدم (٣) «ثم نشفه بثوب طاهر». وفي خبر عمار (٤) «ثم تجففه بثوب نظيف». وفي

__________________

(١) ص ٧.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب التكفين.

(٣) ج ٣ ص ٤٣٩.

(٤) ج ٣ ص ٤٤٠.

٣٦

خبر الحلبي (١) «إذا فرغت من غسله جعلته في ثوب نظيف جففته». وفي كتاب الفقه (٢) «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك والق عليه ثوبا تنشف به عنه الماء».

ومنها ـ ما ذكره الأصحاب من انه يستحب اغتسال الغاسل قبل تكفينه أو الوضوء ، وممن ذكر ذلك الصدوق في الفقيه فقال بعد ذكر الغسل والتنشيف : «ثم يغتسل الغاسل يبدأ بالوضوء ثم يغتسل ثم يضع الميت في أكفانه» واعترضهم جملة من متأخري المتأخرين بعدم المستند في هذا الحكم بل ربما كان الظاهر من الروايات خلافه ، وهو كذلك فان في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «قلت له : الذي يغمض الميت ، الى ان قال : فالذي يغسله يغتسل؟ قال : نعم. قلت فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل ان يغتسل؟ قال يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل». وفي صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة (٤) «ثم يغسل الذي غسله يده قبل ان يكفنه الى المنكبين ثلاث مرات ثم إذا كفنه اغتسل». وفي حديث عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «ثم تغسل يديك الى المرافق ورجليك الى الركبتين ثم تكفنه». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه نحو ذلك ايضا وهي كالصريحة في استحباب تقديم التكفين على الغسل وانما المأمور به غسل اليدين من العاتق كما اشتمل عليه بعضها أو من المرفق كما اشتمل عليه الآخر ، والأحوط الأول ، وكذلك الأحوط ان يكون ثلاثا كما دل عليه صحيح يعقوب ، وظاهر شيخنا في الذكرى حمل هذه الأخبار على خوف تضرر الميت بالتأخير ، قال (قدس‌سره) بعد ذكر كيفية التكفين : «وليكن ذلك بعد غسل الغاسل من المس أو بعد وضوئه الذي يجامع الغسل ، فان خيف على الميت فليغسل الغاسل يديه الى المنكبين كما رواه

__________________

(١) ج ٣ ص ٤٣٨.

(٢) ص ١٧.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٣٥ من أبواب التكفين.

(٥) ص ٩.

٣٧

يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه‌السلام) ، ثم ذكر خبر محمد بن مسلم وقال بعده : ويمكن حمله على الضرورة» وليت شعري أي معارض لهذه الاخبار في المقام يوجب تأويلها بما ذكره؟ مع انهم لم ينقلوا مستندا لما ذكروه وانما علله العلامة في التذكرة بأن الغسل من المس واجب فاستحب الفورية به. ولا يخفى ما فيه.

ومنها ـ وضع جريدتين خضراوين ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، والجريدة هي العود الذي يجرد عنه الخوص وما دام الخوص فيه فإنه يسمى سعفا ، قال شيخنا المفيد في المقنعة (١) : «والأصل في وضع الجريدة مع الميت ان الله تعالى لما اهبط آدم من الجنة إلى الأرض استوحش في الأرض فسأل الله تعالى ان ينزل إليه شيئا من أشجار الجنة يأنس به فأنزلت عليه النخلة فلما رآها عرفها وانس بها وأوى إليها. فلما جمع الله بينه وبين زوجته حواء واقام معها ما شاء الله تعالى ان يقيم وأولدها ثم حضرته الوفاة جمع ولده وقال : يا بني اني كنت قد استوحشت عند نزولي هذه الأرض فآنسني الله تعالى بهذه النخلة المباركة وانا أرجو الأنس بها في قبري فإذا قضيت نحبي فخذوا منها جريدة فشقوها باثنين وضعوها معي في أكفاني ، ففعل ذلك ولده بعد موته وفعلته الأنبياء بعده ثم اندرس أثره في الجاهلية فأحياه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وشرعه ووصى أهل بيته باستعماله فهو سنة الى ان تقوم الساعة» انتهى. وقال في التهذيب (٢) : «سمعت ذلك مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الآن إسناده وجملته ان آدم (عليه‌السلام) لما أهبطه الله تعالى من الجنة ، وساق الكلام المذكور ثم قال : وقد روي ان الله عزوجل خلق النخلة من فضله الطينة التي خلق منها آدم (عليه‌السلام) فلأجل ذلك تسمى النخلة عمة الإنسان». انتهى.

أقول : والأخبار بفضل الجريدتين في هذا المقام مستفيضة من طرق الخاصة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التكفين.

(٢) ج ١ ص ٩٣.

٣٨

والعامة ، قال الشيخ في التهذيب : «وقد روي من طريق العامة في أصل التخضير شي‌ء كثير» (١). إلا ان العامة لمزيد تعصبهم على الشيعة والسعي في خلافهم قد عدلوا عن كثير من السنن مراغمة للشيعة حيث انهم يواظبون عليها ويؤكدون العمل بها ، ومنها هذا الموضع كما سيظهر لك من الأخبار ، ومنها تسطيح القبور عدلوا عنه الى التسنيم مع اعترافهم بأن السنة انما هو التسطيح وانما صاروا الى التسنيم مراغمة للشيعة ، ومنها التختم باليمين ، ومنها ترك الصلاة على الأئمة المعصومين ، ونحو ذلك مما أوضحنا الكلام فيه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد.

ومن الاخبار الواردة في فضلهما وفيما يتعلق بهما في هذا المقام ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ، انما العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وانما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفها ان شاء الله تعالى». ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. وبإسناده عن الحسن بن زياد (٣) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الجريدة التي تكون مع الميت فقال تنفع المؤمن

__________________

(١) في صحيح البخاري باب الجريدتين على القبر وصحيح مسلم باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه وسنن ابى داود باب الاستبراء من البول وسنن النسائي باب التنزه عن البول وسنن البيهقي باب التوقي عن البول «عن الأعمش سمعت مجاهدا يحدث عن طاوس عن ابن عباس مر النبي «ص» على قبرين فقال انهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة واما الآخر فكان لا يستنزه عن البول فدعا بعسيب رطب فشقه نصفين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال لعله ان يخفف عنهما العذاب ما لم يبسا». ونحوه في مجمع الزوائد ج ٣ ص ٥٦ عن امامة وعن ابن عمر وعن أبي هريرة. وفي عمدة القارئ ج ٤ ص ٢٠٣ «رواية الأكثرين اوصى بريدة الأسلمي بوضع الجريدة في قبره ورواية المستملي على قبره».

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التكفين.

٣٩

والكافر». وعن يحيى بن عبادة المكي (١) انه قال : «سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التخضير فقال ان رجلا من الأنصار هلك فأوذن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بموته فقال لمن يليه من قرابته خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة. قال وما التخضير؟ قال جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة». قال : «وسئل الصادق (عليه‌السلام) عن علة الجريدة فقال يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة» (٢). قال في الوافي : «انما كان المخضرون قلائل يوم القيامة لأن المخالفين للشيعة لا يخضرون موتاهم وهم الأكثرون مع انهم رووا في فضله أخبارا كثيرة كما قاله في التهذيب» وروى في الكافي عن رجل عن يحيى بن عبادة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع وتوضع ـ وأشار بيده من عند ترقوته الى يده ـ تلف مع ثيابه». وروى الصدوق في معاني الأخبار هذا الخبر في الصحيح بزيادة في أوله عن يحيى بن عبادة عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول ان رجلا مات من الأنصار فشهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال خضروه فما أقل المخضرين يوم القيامة. فقلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) وأي شي‌ء التخضير؟ قال تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع ـ وأشار بيده الى عند ترقوته ـ تلف مع ثيابه». قال الصدوق بعد إيراده الخبر : «جاء هذا الخبر هكذا والذي يجب استعماله ان يوضع للميت جريدتان من النخل خضراوان رطبتان طول كل واحدة قدر عظم الذراع تجعل إحداهما من عند الترقوة تلصق بجلده وعليه القميص والأخرى عند وركه ما بين القميص والإزار فان لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس ان يكون من غيره من بعد ان يكون رطبا» انتهى.

وروى في الكافي في الصحيح الى الحسن بن زياد الصيقل عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «توضع للميت جريدتان واحدة في اليمين

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب التكفين.

(٢ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التكفين.

٤٠