الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

ومثلها رواية الرواندي المتقدمة في الموضع الثاني ، والى القول بالجواز مال الشهيد في الذكرى ايضا. والله العالم.

(الخامس) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التيمم بالخزف ، فعن ابن الجنيد انه لا يجوز التيمم به وبذلك قال في المعتبر لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، وقيل بالجواز للشك في خروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، ولأن الأرض المحترقة يقع عليها اسم الأرض حقيقة ، كذا ذكره في المدارك. أقول : قد قطع جملة من الأصحاب بجواز السجود عليه من غير نقل خلاف حتى ان العلامة في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه ، وهو مؤذن بكون السجود عليه امرا متفقا عليه ومسلما بينهم ، وقد عرفت ان الأمر في التيمم والسجود واحد ، ومنه يظهر ان المشهور هو جواز التيمم به والسجود عليه ، ومن الظاهر ان تجويزهم ذلك انما هو من حيث عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرضية.

وهذه المسألة عندي محل توقف واشكال لعدم النص والشك عندي في الخروج وعدمه فتدخل بذلك في الشبهات «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك» (١). والحكم فيها عندي وجوب الاحتياط ، والتعليلان المتقدمان للقول بالجواز عليلان ، اما الشك في خروجه بالطبخ عن اسم الأرض فهو بالدلالة على المنع اولى منه بالدلالة على الجواز ، لان جعله دليلا على الجواز مبني على القول بالاستصحاب ، وهو باطل عندنا كما حققناه في مقدمات الكتاب بل عند هذا القائل أيضا كما صرح به في غير موضع من كتابه ، وجواز التيمم والسجود متوقف على صدق الأرضية ومعلوميته وهو هنا غير معلوم للشك المذكور ، واما ان الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض حقيقة ففيه ان الظاهر المتبادر من الاحتراق بالنار هو الاستحالة بها الى الفحم أو الرماد ، وصدق

__________________

(١) ورد هذا التثليث في مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الوسائل في الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

٣٠١

الاحتراق على الأجسام الصلبة التي لا تكون كذلك ممنوع ، ومع صدق الاحتراق وحصوله بان تصير رمادا فصدق الأرضية ممنوع.

ثم ان العجب هنا من المحقق حيث قال في المعتبر بعد ان قطع بخروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض كما قدمنا نقله عنه : «ولا يعارض بجواز السجود عليه لانه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ» فان فيه ان الكاغذ قد خرج بالنص عن قاعدة السجود فوجب استثناؤه واما الخزف فلم يرد نص بجواز السجود عليه ، ومتى اعترف بخروجه بالطبخ عن اسم الأرض مع قوله ـ كما هو مقتضى النصوص الصحيحة الصريحة ـ بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت مما ليس بمأكول ولا ملبوس فإنه يلزمه المنع من السجود عليه حتى يقوم على الجواز دليل ، وخروج الكاغد من هذه القاعدة بنص خاص لا يوجب إلحاق الخزف به فإنه مجرد قياس ، وبذلك يظهر ايضا ما في قول صاحب المدارك في سابق هذا الموضع في ذيل صحيحة الحسن بن محبوب المتضمنة لجواز السجود على الجص : «والخزف في معناه» فإنه محض قياس لا يوافق أصولنا كما لا يخفى. والله العالم.

(السادس) ـ رتب الشيخ في النهاية للتيمم مراتب ، فأولها التراب فان فقده فالحجر فان فقده تيمم بغبار عرف دابته أو لبد سرجه فان لم تكن معه دابة تيمم بغبار ثوبه فان لم يكن معه شي‌ء من ذلك تيمم بالوحل. وقال المفيد إذا حصل في أرض وحلة وهو محتاج الى التيمم ولم يجد ترابا فلينفض ثوبه أو عرف دابته ان كان راكبا أو لبد سرجه أو رحله ، فان خرج من شي‌ء من ذلك غبرة تيمم بها وان لم تخرج منه غيرة فليضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة وليمسح بهما وجهه وظاهر كفيه. قال في المختلف بعد نقل هذين الكلامين : فقد وقع الخلاف بين الشيخين في هذا المقام في موضعين : (الأول) ـ ان المفيد (رحمه‌الله) خير بين الثوب وعرف الدابة والطوسي رتب بينهما (الثاني) ـ ان المفيد شرط خروج

٣٠٢

غبار من الثوب أو العرف والطوسي أطلق. وقال المرتضى يجوز التيمم بالتراب وغبار الثوب وما أشبهه إذا كان الغبار من التراب وأطلق ، وظاهره كون الغبار والتراب في مرتبة واحدة وانه لا ترتيب بينهما. وقال ابن إدريس ولا يعدل الى الحجر والمدر إلا إذا فقد التراب ولا يعدل الى غبار ثوبه إلا إذا فقد الحجر والمدر ولا يعدل عن غبار ثوبه الى عرف دابته ولبد سرجه إلا بعد فقدان غبار ثوبه ولا يعدل الى الوحل إلا بعد فقدان ذلك. وقال ابن الجنيد كل غبار علا جسما من الأجسام غير النجسة وغير الحيوان أو كان ذلك كامنا فيه فاستخرج منه عند عدم وجوده مفردا جاز التيمم منه. وقال سلار إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه وسرجه ورحله فان خرج منه التراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضؤ من الثلج فان لم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل أو الثلج أو الحجر وتيمم منه. وقال المحقق في المعتبر إذا فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار وهو مذهب علمائنا ، الى ان قال مسألة : إذا فقد الصعيد والغبار ووجد وحلا أطبق فقهاؤنا على جواز التيمم به. ونحو ذلك في الشرائع. وبالجملة فإن ظاهر عباراتهم الاتفاق على تقديم الغبار على الوحل.

والروايات في المسألة لا تخلو من تصادم وربما دل بعضها على خلاف ذلك ، وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من الاخبار في المقام ، فمنها ـ صحيحة زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أرأيت المواقف ان لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال يتيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فان فيها غبارا ويصلي». ورواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز مثله (٢) أقول : المواقف كمقاتل لفظا ومعنى ، وظاهر الخبر المذكور انه لا يجد إلا الغبار في الحال المذكورة ولا ريب في صحة التيمم به ، وصحيحة رفاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر وان كان في حال

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أبواب التيمم.

٣٠٣

لا يجد إلا الطين فلا بأس ان يتيمم منه». وموثقة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ان كان الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي‌ء معه وان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس ان يتيمم منه». وموثقة الأخرى عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس ان تتيمم به». وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به فان الله تعالى اولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر ان تنفضه وتتيمم به». قال (٤) : وفي رواية أخرى «صعيد طيب وماء طهور». دلت صحيحة رفاعة وموثقة زرارة على انه إذا لم يجد إلا الثلج والغبار فالغبار مقدم على الثلج ، وهو من المقطوع به في كلام الأصحاب والاخبار ، ودل الجميع على انه إذا لم يجد إلا الطين وهو الوحل المذكور في عبارات الأصحاب فإنه يتيمم به ، وهو ظاهر فيما ذكره الأصحاب من تقديم الغبار عليه ، فان المراد من هذا الإطلاق انه إذا لم يجد ماء ولا ترابا ولا غبارا مما هو من المراتب السابقة فإنه يتيمم به ويكشف عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي بصير : «إذا لم يكن معك ثوب جاف. إلخ». ومنها ـ رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال يتيمم فإنه الصعيد. قلت فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال ان خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو على البرذعة ويتيمم ويصلي». ورواية علي بن مطر عن بعض أصحابه (٦) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم صعيد طيب وماء طهور». وظاهر الخبرين المذكورين تقديم الطين على الغبار ، والتقريب فيهما من وجهين : (الأول) ـ دلالتهما على ان الطين صعيد فيكون مقدما على الغبار الذي قد

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أبواب التيمم.

٣٠٤

اعترفوا بأنه غير داخل في الصعيد (الثاني) ـ تصريح رواية زرارة بالأمر بالطين أولا وانه انما أمره بالتيمم بالغبار مع تعذر النزول عليه وعدم إمكان التيمم بالطين ، وهو ظاهر الرواية الثانية حيث انه أمره بالطين مع فقد الماء والتراب الشامل بإطلاقه لوجود الغبار يومئذ وهو الأوفق بالتعليل المذكور فيها. وأجاب في المنتهى عن رواية زرارة المذكورة بضعف السند ثم قال : ومع ذلك فهي غير منافية لما قلناه لانه لم يتعرض لنفي التراب بل لنفي الماء وهو لا يستلزم ذلك ولا قوله «وفيها طين» ايضا. ولا يخفى ما فيه من البعد والتمحل الظاهر. وبالجملة فالروايتان ظاهرتان فيما ذكرنا ولا يحضرني الآن وجه للجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة. والله العالم.

تنبيهات

(الأول) ـ اختلف كلام الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، وقد تقدم في عبارة المفيد انه يضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة وليمسح بهما وجهة وظاهر كفيه. وقال الشيخ يضع يديه على الوحل ثم يفركهما ويتيمم به. ونقل في المعتبر بعد نقل قول الشيخ انه قال آخر : يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به ، ثم قال والوجه ما ذكره الشيخ عملا بظاهر الروايات. أقول : لا ريب ان ما ذكره الشيخ يرجع الى ما ذكره المفيد ، واما القول الآخر فاستوجهه العلامة في التذكرة ، وحكى عن ابن عباس انه قال : يطلى بالطين فإذا جف تيمم به. وقال في المنتهى لو لم يجد إلا الوحل تيمم به وهو مذهب علمائنا إلا انه إذا تمكن من أخذ شي‌ء من الوحل يلطخ به جسده حتى يجف وجب عليه ذلك ليتيمم بتراب وان لم يتمكن لضيق الوقت أو لغيره وجب عليه التيمم به. أقول : وهذا التفصيل قول ثالث في المسألة ، وأنت خبير بان ظواهر الأخبار المتقدمة انما هو التيمم بالطين يعني الوحل المركب من الماء والطين ، والتقييد بالتجفيف كما ذكروه لا اثر له في شي‌ء منها ، ولو كان

٣٠٥

الحكم فيه ذلك لوقع التنبيه عليه ولو في بعضها لان المقام مقام البيان ، ويعضد ما قلناه قوله (عليه‌السلام) في مرسلة علي بن مطر : «صعيد طيب وماء طهور». واستبعاد ذلك من حيث الخروج عن قاعدة التيمم مدفوع باستثناء الموضع المذكور كما سيأتي نظيره في الثلج ان شاء الله تعالى.

(الثاني) ـ قد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الترتيب في مواضع الغبار وعدمه ، فظاهر الأكثر التخيير بين المواضع التي يوجد فيها من ثوب أو لبد أو بساط أو نحوها ، وهو ظاهر كلام المفيد كما نبه عليه في المختلف فيما قدمناه من نقل كلامه ، وقد تقدم في عبارة الشيخ تقديم غبار عرف الدابة أو لبد السرج ثم مع فقده غبار ثوبه ، وعكس ابن إدريس كما تقدم في عبارته حيث قدم غبار الثوب وانه لا يعدل عنه الى غبار عرف دابته ولبد سرجه إلا مع عدمه ، والمستفاد من الأخبار المتقدمة هو القول المشهور كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة رفاعة : «فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر». وقوله (عليه‌السلام) في موثقة زرارة : «فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي‌ء معه». ورواية أبي بصير «إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر ان تنفضه وتتيمم به».

(الثالث) ـ هل يجب نفض الثوب ونحوه ليخرج الغبار على وجهه ثم يتيمم منه بعد ذلك أم يضرب عليه كما هو؟ صريح عبارة المفيد المتقدمة الأول وبه صرح سلار ايضا وهو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة ، وتدل عليه صحيحة أبي بصير المتقدمة ، وعبارات أكثر الأصحاب مطلقة حيث قالوا يتيمم بغبار ثوبه ونحو ذلك ، وأكثر النصوص مطلقة أيضا ويمكن تقييدها بالصحيحة المذكورة.

(الرابع) ـ قد عرفت ان المشهور بل ادعي عليه الإجماع ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ انه لا يجوز الانتقال الى الغبار إلا مع فقد الصعيد ، وتقدم ان ظاهر كلام المرتضى جوازه مع وجود التراب ، والأظهر القول المشهور لرواية أبي بصير المتقدمة وأمثالها

٣٠٦

من الأخبار المتقدمة ، وقال في المدارك بعد نقل قول المرتضى : «وهو بعيد جدا لانه لا يسمى صعيدا بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين لضعف الرواية الاولى واختصاص الرواية الثانية بالمواقف الذي لا يمكنه النزول إلى الأرض والثالثة بحالة الثلج المانعة من الوصول إلى الأرض إلا ان الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل وظاهرهم الاتفاق عليه» انتهى. أقول : أراد بالرواية الأولى رواية أبي بصير وبالثانية صحيحة زرارة وبالثالثة صحيحة رفاعة.

(الخامس) يشترط في الغبار ان يكون مما يتيمم به من تراب ونحوه ، وهو ظاهر كلام السيد المتقدم ذكره حيث قيد الغبار بكونه من التراب ، ونقل ذلك عن ابن إدريس أيضا واستوجهه العلامة ، وهو الظاهر حملا لإطلاق الاخبار على ما هو الغالب فلا يجوز التيمم بغبار الأشنان والدقيق ونحوهما.

(السادس) ـ المشهور في كلام الأصحاب تقديم الحجر على الغبار كما تقدم لانه من الأرض الواجب تقديمها على الغبار ، وقال سلار إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه وسرجه ورحله فان خرج منه تراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضؤ من الثلج فان لم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل والثلج والحجر وتيمم به.

والظاهر ضعفه لما ذكرناه.

(الموضع السابع) ـ اختلف الأصحاب فيما لو لم يوجد إلا الثلج فقيل بسقوط فرض الصلاة ونقله في المدارك عن أكثر الأصحاب ، وقيل بالتيمم به وهو ظاهر المرتضى وابن الجنيد وسلار ، وقيل بالوضوء أو الغسل به وهو مذهب الشيخين واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وظاهره في القواعد وجوب تقديم الثلج على التراب ان حصل منه من الماء ما يسمى به غاسلا وإلا تيمم به مع فقد التراب وما في معناه ، وهو راجع الى قول المرتضى ، وذهب الشيخ في كتابي الاخبار الى تقديم الثلج على التراب وان كان الحاصل منه كالدهن استنادا إلى صحيحة علي بن جعفر الآتية.

٣٠٧

ولا بأس بذكر بعض عباراتهم في المقام ، فنقول قال في المختلف : «لو لم يوجد إلا الثلج وتعذر عليه كسره وإسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة وكذا بقية أعضائه ، وكذا في الغسل ، فإن خشي من ذلك أخر الصلاة حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى : إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيده وتيمم بنداوته وكذا قال سلار. ومنع ابن إدريس من التيمم به والوضوء أو الغسل منه وحكم بتأخير الصلاة الى ان يجد الماء أو التراب. والوجه ما قاله الشيخان ، لنا ـ ان المغتسل أو المتوضئ يجب عليه مماسة أعضاء الطهارة بالماء وإجراؤه عليها فإذا تعذر الثاني وجب الأول إذ لا يلزم من سقوط أحد الواجبين لعذر سقوط الآخر».

أقول : والأصل في الاختلاف هنا هو اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المقام وها أنا أتلوها عليك مذيلا لها ان شاء الله تعالى بما يقشع عنها غشاوة الإبهام ، فأقول : من الاخبار المشار إليها ما قدمناه من صحيحة رفاعة وموثقة زرارة ، ومدلولهما انه لا يجوز استعمال الثلج مع وجود الغبار ، وهو وان كان كذلك في ظاهر كلام أكثر الأصحاب بل ظاهرهم الاتفاق عليه إلا انه سيأتي ما فيه ، ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ قال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا ارى ان يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه». وقوله في هذه الرواية «ولم يجد إلا الثلج» يحتمل ان يراد به انه لم يجد ماء ولا ترابا إلا الثلج وحينئذ فيكون دليلا لما نقل عن المرتضى وسلار وابن الجنيد ، والظاهر انه لما ذكرناه احتج بها لهم في المختلف ، ويحتمل ان يكون المراد ولم يجد ماء وحينئذ فيكون التيمم المأمور به بالتراب ، وبهذا الاحتمال أجاب في المختلف عن الرواية المذكورة ، واحتمل ايضا التجوز بإطلاق اسم التيمم على مسح الأعضاء جميعها بالثلج

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٩ و ٢٨ من أبواب التيمم.

٣٠٨

والظاهر بعده ، بقي الكلام في الاحتمالين الباقيين والظاهر ان الأول أقرب فتكون هذه الرواية حجة للمرتضى ومن قال بمقالته.

ومنها ـ رواية محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال يغتسل بالثلج أو ماء النهر». وهذا الخبر يدل بظاهره على ما ذهب اليه الشيخان من الوضوء أو الغسل بالثلج ، وبه استدل في المختلف على ما ذهب اليه الشيخان حيث اختاره كما عرفت ، ثم قال : (لا يقال) لا دلالة في هذا الحديث على مطلوبكم وهو الاجتزاء بالمماسة لأن مفهوم الاغتسال اجراء الماء الجاري على الأعضاء لا نفس المماسة (لأنا نقول) نمنع أولا دخول الجريان في مفهوم الاغتسال ، سلمنا لكن الاغتسال إذا علق بشي‌ء اقتضى جريان ذلك الشي‌ء على العضو اما حقيقة الماء فنمنع ذلك ، ونحن نقول هنا بموجبه فان الثلج يجب إجراؤه هنا على الأعضاء لتحصل الرطوبة عليها أو يعتمد على الثلج بيده كما قاله الشيخان. انتهى. ويحتمل حمل الخبر المذكور على اذابة الثلج ولعل في التخيير بينه وبين ماء النهر ما يؤنس بذلك فإن السائل ذكر انه لا يجد إلا الثلج ووقع الجواب بالتخيير له بين الثلج وماء النهر وانهما سواء ، ويمكن ان يكون التخيير ليس باعتبار وجودهما معا بل باعتبار البدلية يعني الثلج ان لم يكن إلا الثلج وماء النهر الجامد مثلا ان لم يكن إلا هو وكل منهما يحمل الاغتسال به على الذوبان ، ومنها ـ رواية معاوية بن شريح (٢) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده قال يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ ادلك به جلدي؟ قال نعم». وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وان لم يقدر على ان يغتسل به فليتيمم». وروايته الأخرى المروية في قرب

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب التيمم.

٣٠٩

الاسناد عن أخيه (عليه‌السلام) (١) في من تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء في خبر ساقه الى ان قال : «قلت أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بثلج وجهه وجسده ورأسه؟ قال الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وان لم يقدر على ان يغتسل يتيمم».

وعلى هذه الأخبار عمل الشيخ في كتابي الأخبار فذهب الى تقديم الثلج على التراب وان كان الحاصل منه كالدهن كما قدمنا نقله عنه ، ولا تنافيه الروايات المتقدمة الدالة على انه مع حصول الثلج والغبار كما في صحيحة رفاعة وموثقة زرارة أو الثلج والتراب كما في صحيحة محمد بن مسلم على أحد الاحتمالين يقدم التيمم على استعمال الثلج ، لإمكان حمل إطلاقها على ما فصلته هذه الأخبار فإنها دلت على انه مع إمكان الغسل بالثلج أو الوضوء فهو الواجب المتعين ومع عدمه يتيمم فتحمل تلك الأخبار على عدم الإمكان جمعا ، وعلى هذا فيقدم استعمال الثلج على التيمم بتراب كان أو بغبار وان لم يحصل منه الجريان بل يكفي الدلك على وجه تحصل منه النداوة ومع تعذر ذلك ينتقل منه الى التيمم وان خالف ذلك مقتضى ظاهر اتفاقهم المتقدم ذكره.

وما ربما يقال ـ من ان الغسل مأخوذ في معناه الجريان فلا يصدق إلا به كما هو ظاهر المعتبر والمدارك وغيرهما في هذا المقام ـ فالجواب عنه (أولا) ـ انه مسلم لكنه مخصوص عندنا بحال الاختيار والإمكان دون الضرورة. و (ثانيا) ـ ان الروايات الثلاث التي استندنا إليها في الحكم صريحة في الاكتفاء بمجرد البلل الذي هو النداوة وفيها الصحيح باصطلاحهم فلا وجه لردها ، واما دعوى دلالة صحيحة علي بن جعفر على التمكن من الاغتسال بحيث يصدق على الماء اسم الجريان على العضو كما أجاب به في المختلف فعجيب كيف والرواية إنما تضمنت البلل الذي هو عبارة عن مجرد مماسة الماء ورطوبة الجسد به واين هذا من الجريان؟ وهو ظاهر. و (ثالثا) ـ ما استفاض في اخبار الدهن من الدلالة على الاكتفاء بمجرد البلل مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب التيمم.

٣١٠

زرارة (١) : «إذا مس جلدك الماء فحسبك». وفي أخرى (٢) : «كل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته». وقوله (عليه‌السلام) في بعضها (٣) : «يجزيك ما بللت يدك». وحملها على أقل الجريان كما تأولوها به بعيد عن مناطيقها كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا في باب الوضوء ، وقد وافق على ذلك في المدارك في باب الوضوء فإنه قد اختار ثمة إبقاء الأخبار المذكورة على ظاهرها وان ناقض نفسه هنا وهو ظاهر في تأييد ما قلناه ههنا ، وقد قدمنا ثمة ان بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) حمل اخبار الدهن على الضرورة ، وهو جيد ومؤيد لما ذكرناه في هذه المسألة أيضا من اختصاص الحكم هنا بالضرورة.

وبالجملة فالأظهر عندي هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار عملا بهذه الروايات الظاهرة في ذلك وحملا لما نافاها ظاهرا على ما قلناه ، ومما حققناه في المقام يظهر انه لا وجه للقول بالتيمم بالثلج كما ذهب اليه المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وغيره ، ويؤيده زيادة على ما ذكرناه ان التيمم لا يكون إلا بالتراب أو الأرض والثلج لا يدخل في شي‌ء منهما فالواجب اما الغسل به أو الوضوء ان أمكن وإلا فوجوده كعدمه. والله العالم.

وتمام البحث في هذا المطلب يتوقف على بيان أمور (الأول) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز التيمم بالنجس ، قال في المنتهى ولا نعرف فيه خلافا ، واستدل عليه بقوله تعالى : «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (٤) والطيب الطاهر ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : «وهو جيد ان ثبت كون الطيب هو الطاهر بالمعنى الشرعي لكن يبقى الكلام في إثبات ذلك». انتهى.

أقول : الأظهر عندي هو الاستدلال بما ورد في جملة من الأخبار «جعلت لي

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٥٢ من أبواب الوضوء.

(٢) رواها في الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب الجنابة.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب الجنابة.

(٤) سورة النساء. الآية ٤٣.

٣١١

الأرض مسجدا وطهورا» وهو مروي في عدة اخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن ابان بن عثمان عمن ذكره عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الله تعالى اعطى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، الى ان قال : وجعل له الأرض مسجدا وطهورا.». وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة». وروى الصدوق في الخصال بسنده فيه عن أبي امامة (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فضلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لأمتي الغنائم وأرسلت إلى الناس كافة». وما رواه فيه في الصحيح عن محمد بن سنان عن زياد بن المنذر ابي الجارود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة». وما رواه في المحاسن عن أبي إسحاق الثقفي عن محمد بن مروان عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان الله اعطى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، الى ان قال وجعل له الأرض مسجدا وطهورا».

والتقريب فيها ان الطهور لغة كما حققناه في صدر باب المياه هو الطاهر المطهر ، ومن ذلك يعلم ان كل موضع دل النص على التطهير بالأرض من حدث كان أو خبث يجب ان تكون طاهرة حسبما يقال في الماء ايضا كما دلت عليه الآيات لاشتراك الجميع في الوصف بالطهورية. واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال في هذا المقام بعد ان جرى على ما ذكره في المدارك كما هي عادته غالبا «وقد يستدل بقوله (صلى الله عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب التيمم.

٣١٢

وآله) «وترابها طهورا» والنجس لا يعقل كونه مطهرا لغيره. وفيه أيضا مناقشة» ـ فهو من جملة مناقشاته الواهية اللهم إلا ان يريد المناقشة في ثبوت الخبر بذلك حيث انه تبع صاحب المدارك أيضا في تضعيف الخبر المذكور بناء على نقله في كتب الفروع بقوله «وترابها طهورا» والخبر ـ كما عرفت ـ موجود في جملة من الأصول المعتمدة ومتكرر فيها وهو خال من لفظ «وترابها» كما استدل به المرتضى (رضى الله عنه) كما قدمنا ذكره في تلك المسألة. والله العالم.

(الثاني) ـ قد صرحوا أيضا بأنه لا يصح التيمم بالمغصوب للنهي عنه المقتضى للفساد في العبادة ، قالوا : والمراد بالمغصوب ما ليس بمملوك ولا مأذون فيه صريحا أو ضمنا كالمأذون في التصرف فيه أو فحوى كالمأذون في دخوله وجلوسه ونحوهما عموما أو خصوصا أو بشاهد الحال كالصحاري المملوكة حيث لا ضرر على المالك ، ومثله جدار الغير من خارج حيث لا ضرر يتوجه عليه ، نعم لو ظن الكراهة أو صرح بها المالك امتنع. أقول : لا يخفى ان ما عللوا به عدم صحة التيمم بالمغصوب من النهي المقتضي للفساد وان كان هو المشهور بينهم بل ربما ادعي الاتفاق عليه إلا انه سيأتي الكلام في هذه المسألة في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى ونقل خلاف الفضل بن شاذان في ذلك وبيان حجج الطرفين وذكر ما سنح لنا من التحقيق في البين. واما العمل على هذه الدلالات المذكورة بأنواعها فينبغي تقييده بإفادتها العلم برضا المالك ولا يكفي مجرد الظن كما يعطيه ظاهر كلامهم. قالوا ولو حبس المكلف في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحا أو وجد ولزم من استعماله إضرار بالمالك فهل يجوز التيمم بترابه الطاهر مع عدم وجود غيره كما جازت له الصلاة فيه لخروجه بالإكراه عن النهى فصارت الأكوان مباحة له لامتناع التكليف بما لا يطاق أم لا يجوز لافتقاره الى التصرف في المغصوب زائدا على أصل الكون؟ وجهان ، ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين الأول لما ذكر ، واستبعد الثاني لمنع عدم جواز ذلك التصرف ، قالوا وهذا بخلاف الطهارة بالماء المغصوب لما فيه من الإتلاف

٣١٣

فكان غير جائز قطعا. أقول : والمسألة عندي محل توقف.

(الثالث) ـ صرح الأصحاب بجواز التيمم بالسبخة والرمل على كراهة ، والمراد بالسبخة الأرض المالحة النشاشة ، اما الحكم بالجواز في السبخة فهو المشهور بينهم وعن ابن الجنيد المنع من السبخ حكى ذلك عنه المحقق في المعتبر والشهيد في البيان ، ويدل على الجواز فيهما صدق اسم الأرض عليهما فان الرمل اجزاء ارضية اكتسبت حرارة أوجبت لها التشتت والسبخة ارض اكتسبت حرارة أوجبت لها تغييرا في الكيفية لا تخرج به عن حقيقة الأرضية ، ومتى ثبت صدق الأرضية عليهما جاز التيمم بهما تمسكا بظاهر الآية والنصوص المتقدمة ، واما ما ذكروه من الكراهة فلم أقف له على دليل ، قيل وربما كان الوجه فيها التفصي من احتمال خروجهما بتلك الحرارة المكتسبة عن الحقيقة الأرضية أو الخروج من خلاف ابن الجنيد في السبخ وخلاف بعض العامة في الرمل. أقول : ويمكن تأييد الوجه الأول بما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن الحسين (١) «ان بعض أصحابنا كتب الى ابي الحسن الماضي (عليه‌السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان لي ان أسأله عنه فكتب الي : لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان». قال بعض مشايخنا المحدثين يعني حولت صورتهما ولم يبقيا على صرافتهما. واما الوجه الثاني فهو ضعيف.

أقول : ومما يكره التيمم به تراب الطريق والتراب الذي يوطأ عليه كما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا وضوء من موطإ». قال النوفلي يعني ما تطأ عليه برجلك. وعن غياث ابن إبراهيم عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «نهى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب ما يسجد عليه.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التيمم.

٣١٤

يتيمم الرجل بتراب من اثر الطريق». والأصحاب قد ذكروا في هذا المقام انه يستحب التيمم من ربى الأرض وعواليها واستدلوا بهذين الخبرين ، والأظهر في الاستدلال على ما ذكروه انما هو بالخبرين المتقدمين (١) في تفسير الآية من كتاب معاني الأخبار والفقه الرضوي حيث انهما قد فسرا الصعيد في الآية بأنه المرتفع من الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء.

(الرابع) ـ يجوز التيمم بالأرض المبتلة وليتخير أخفها بللا كما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من الله عزوجل.». أقول : قوله (عليه‌السلام) : «ليس فيها تراب» يعني جاف ، وقوله «فان ذلك توسيع» اي التيمم بالمبتل مع تعذر الجاف توسيع ، ويمكن ان يستفاد منه انه مع وجود الجاف لا يجوز الانتقال منه الى الرطب وان ذلك مخصوص بحال الضرورة إلا ان ظاهر المحقق في المعتبر خلافه حيث قال : يجوز التيمم بالأرض الندية كما يجوز بالتراب لما ذكرناه من الحجة ولما رواه رفاعة ، ثم ساق الخبر ، وأشار بما ذكره من الحجة إلى صدق الصعيد عليه. وهو جيد إلا انه يبقى قوله في الخبر «فان ذلك توسيع» عاريا عن الفائدة وان أمكن ان يتكلف لوجهه.

وقد ذكر الأصحاب هنا انه يجوز التيمم بتراب القبر سواء كان منبوشا أو غير منبوش إلا ان يعلم ان فيه نجاسة لتناول اسم الصعيد له وعدم تحقق المانع ، ولا أعرف لخصوصية ذكر هذا الفرد وجها يوجب ذكره دون غيره من أنواع التراب ، وكأن الوجه فيه مباشرة الميت فربما يتوهم عدم الجواز لذلك ، وفي المعتبر يجوز وان تكرر نبشه لانه عندنا طاهر ، نعم لو كان الميت نجسا منع.

قالوا : ويجوز التيمم بالتراب المستعمل ، وفسر المستعمل بالممسوح به أو

__________________

(١) ص ٢٤٥.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب التيمم.

٣١٥

المتساقط عن محل الضرب لا المضروب عليه فإنه ليس بمستعمل إجماعا لأنه كالإناء يغترف منه.

وإذا امتزج التراب بشي‌ء من المعادن أو غيرها اعتبر الاسم فان صدق اسم التراب لاستهلاكه الخليط واضمحلال الخليط فيه صح التيمم به لصدق التراب عرفا ولغة وشرعا ، وعن الشيخ في الخلاف انه قال لا يجوز التيمم به سواء غلب على الخليط أو لم يغلب.

ووجهه غير ظاهر مع انه قال في المبسوط يجوز إذا كان مستهلكا.

(الخامس) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم جواز التيمم بالرماد كما حكاه في المنتهى ، والظاهر انه لا فرق بين رماد التراب وغيره ، واستقرب العلامة في النهاية جواز التيمم بالرماد المتخذ من التراب ، وقال في التذكرة لو احترق التراب حتى صار رمادا فان كان خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به. وظاهره الشك في الخروج وعدمه ، قال في المدارك بعد نقل العبارة : وهذا أولى إذ المعتبر ما يقع عليه اسم الأرض. وظاهره ايضا التوقف كما في عبارة التذكرة أقول : لا يخفى ان الرماد الحاصل من احتراق الشجر ونحوه لا يصير رمادا ولا يصدق عليه هذا الاسم إلا باعتبار إعدام النار للحقيقة الأولية واضمحلالها وانقلابها الى النوع المسمى بالرماد ، ولهذا جعلت النار من جملة المطهرات من حيث الإحالة من الحقائق الأولية إلى حقيقة الرماد أو الدخان ، فقد حصل التغيير في الحقيقة والتسمية ، وحينئذ فإن كان النار بإحراقها التراب قد عملت فيه مثل ما تعمل في تلك الأجسام من إذهاب الحقيقة الأولية إلى حقيقة أخرى بحيث انه انما يسمى في العرف رمادا فلا ريب في ان حكمه حكم الرماد الحاصل من غير الأرض في عدم صدق التراب عليه ، وان لم تعمل فيه النار على هذا الوجه المذكور وان غيرت لونه فإنه لا يسمى رمادا بل هو تراب وان تغير لونه ، وحينئذ ففرضه في التذكرة وكذا في المدارك ايضا انه احترق حتى صار رمادا ثم الشك في خروجه بذلك عن اسم الأرض لا اعرف له وجها وجيها ، فإنه متى صار رمادا بان عملت فيه

٣١٦

النار كما عملت في غيره من الأجسام التي إحالتها فلا ريب في خروجه عن اسم الأرضية وهو ليس بموضع شك كما في نظائره المذكورة ، وان لم يسم رمادا فهو باق على ما كان عليه ، وبذلك يظهر ايضا انه لا وجه لما استقر به في النهاية من جواز التيمم برماد التراب وبالجملة فإنه متى صدق عليه اسم الرماد فقد خرج عن اسم الأرض كما خرج نظائره مما احالته النار عن حقيقته الاولى الى حقيقة الرمادية. والله العالم.

(السادس) ـ لو فقد هذه الأشياء التي يجوز التيمم بها لقيد أو حبس في مكان نجس أو نحو ذلك فقد اختلف أصحابنا في حكمه ، فقيل انه يجب الصلاة أداء وقضاء ، وهذا القول لم نظفر بقائله صريحا وانما نقله في الشرائع ، قال في المدارك : ولعله أشار بذلك الى ما في المبسوط من تخييره بين تأخير الصلاة أو الصلاة والإعادة ، قال وهو مع ضعفه لا يدل على تعين الأداء ، وعن المفيد (قدس‌سره) في رسالته الى ولده انه قال : وعليه ان يذكر الله تعالى في أوقات الصلاة ولم يتعرض للقضاء ، وما ذكره من الأمر بالذكر لم نقف له على مستند. وقيل بسقوط الأداء والقضاء وهو اختيار المحقق في الشرائع والمعتبر ونقل عن المفيد في أحد قوليه وهو قول العلامة أيضا في كتبه ، واحتج عليه في المعتبر بأنها صلاة سقطت بحدث لا يمكن إزالته فلا يجب قضاؤها كصلاة الحائض ، وبان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة. وقيل بوجوب القضاء وهو اختيار المفيد في المقنعة والمرتضى في المسائل الناصرية وابن إدريس واختاره في المدارك وهو المشهور بين المتأخرين. وقيل بالتخيير بين الصلاة والإعادة والتأخير كما تقدم نقله عن عبارة المبسوط. احتج القائلون بوجوب القضاء بعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت كقول الباقر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها». وفي صحيحة أخرى لزرارة (٢) «أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة اتتك

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٦٣ من أبواب المواقيت.

(٢) رواها في الوسائل في الباب ٢ من أبواب قضاء الصلوات.

٣١٧

فذكرتها أديتها. الحديث».

أقول ـ وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول ـ : الظاهر انه لا ريب في سقوط الأداء لأن الطهارة شرط في الصلاة مطلقا لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «لا صلاة إلا بطهور.». وقد تعذر الطهور فيسقط التكليف به ويلزم من سقوط التكليف به سقوط التكليف بالمشروط وإلا فإن بقي الاشتراط لزم التكليف بما لا يطاق وان انتفى خروج المشروط المطلق عن كونه مشروطا وهو باطل. إلا ان في المقام اشكالا يجب التنبيه عليه وهو ان ظاهرهم الاتفاق على ان الطهارة من شروط الصحة كالقبلة وستر العورة وطهارة الساتر ونحوها لا من شروط الوجوب وانما شرط الوجوب فيها الوقت خاصة ، وقد قرروا في شروط الصحة ان وجوبها انما هو مع الإمكان وان الصلاة تصح بدونها مع التعذر ، ولذا قال المحدث السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة ما صورته : «والاولى ان لم ينعقد الإجماع على خلافه وجوب الصلاة أداء من غير إعادة لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة لا في وجوبها فهي كغيرها من الساتر والقبلة ، وباقي شروط الصحة انما تجب مع إمكانها وإلا لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيد كالحج والأصوليون على خلافه» انتهى. وهو جيد. إلا انه يمكن ان يقال ان الطهارة وان كانت من شروط الصحة كما ذكروا إلا ان تعميم الحكم في شروط الصحة بما ذكروه ـ من عدم وجوبها إلا مع الإمكان الموجب لعدم شرطيتها مع عدم إمكانها فتجوز الصلاة بدونها ـ محل نظر ، وقيام الدليل فيما عدا الطهارة من تلك الشروط لا يستلزم إجراءه فيها من غير دليل سيما وظاهر الصحيحة المتقدمة عدم صحة الصلاة إلا بطهور فهي بدونه باطلة مطلقا أمكنت الطهارة أم لا والباطل يمتنع التكليف به. واما القضاء فقد عرفت انه هو المشهور بين المتأخرين لعموم الأخبار المتقدمة ، ويمكن تطرق القدح اليه بما أشرنا إليه في غير موضع وبه صرح جملة من المحققين من ان الأحكام المودعة في الأخبار إنما

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٩ من أحكام الخلوة.

٣١٨

تنصرف الى الافراد المتكررة الكثيرة الدوران فهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد بالكلية في زمان من الأزمان ، فشمول الأخبار المذكورة لهذا الفرد الذي هو محل البحث لا يخلو من بعد وبذلك يتأيد مذهب المحقق ومن تبعه. وكيف كان فحيث كانت المسألة عارية عن النص بالخصوص سيما مع تدافع هذه الأدلة فالأحوط الصلاة أداء وقضاء بعد وجود الطهارة مائية أو ترابية. والله العالم.

(المطلب الثالث) ـ في بيان كيفية التيمم المشتملة على النية والضرب باليدين على الأرض ومسح الجبهة وظاهر الكفين والترتيب وما يلحق به فالكلام هنا يقع في مقامات خمسة ، إلا أنه ينبغي أولا تقديم الأخبار الواردة في كيفية التيمم ثم عطف الكلام على البحث في هذه المقامات الخمسة واستعلام أحكامها من الاخبار المذكورة فنقول :

(الأول) ـ من الاخبار المشار إليها ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن التيمم؟ فقال ان عمار بن ياسر أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟ فقلت له كيف التيمم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا».

(الثاني) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن النعمان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التيمم؟ قال ان عمارا أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو يهزأ به : يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟ فقلنا له فكيف التيمم؟ فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا». قوله : «وهو يهزأ به» اي يمزح معه فان حمل الهزء على معناه الذي هو السخرية غير مناسب في حقه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خصوصا بمثل عمار

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب التيمم.

٣١٩

الجليل المنزلة عنده والمقدار لقوله عزوجل كناية عن بني إسرائيل في قولهم لموسى (عليه‌السلام) : «... أَتَتَّخِذُنا هُزُواً» : «قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ» (١).

(الثالث) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (٢) «قال سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (عليه‌السلام) كفيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشي‌ء».

(الرابع) ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذات يوم لعمار في سفر له يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال تمرغت يا رسول الله في التراب. قال فقال له كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك».

(الخامس) ـ ما رواه في الكافي في الحسن عن الكاهلي (٤) قال : «سألته عن التيمم؟ قال فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى».

(السادس) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن زرارة (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التيمم؟ فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة». هكذا نقله في الوافي عن الكتابين والموجود في الكافي «جبينه» عوض لفظ «جبهته» وكذا رواه الشيخ في التهذيب في موضع آخر من طريق محمد بن يعقوب بلفظ الجبين دون الجبهة.

(السابع) ـ ما رواه في التهذيب في الحسن عن عمرو بن ابي المقدام عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) «انه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما

__________________

(١) سورة البقرة. الآية ٦٥.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب التيمم.

٣٢٠