الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

في عرفهم (عليهم‌السلام) كما استفاضت به أخبارهم أعم من هذا المعنى الاصطلاحي فإنه حق لا ريب فيه. وقد تقدم في الاخبار المذكورة في صدر المطلب عد جملة من تلك الأغسال المتفق على استحبابها بلفظ الوجوب ، وبالجملة فإن المتدرب في الاخبار لا يخفى عليه صحة الأمرين المذكورين. والحق الحقيق بالاتباع ـ كما حققناه في جملة من المواضع ـ ان هذين اللفظين من الألفاظ المتشابهة في الاخبار ولا يجوز الحمل على أحد المعنيين فيها إلا مع القرينة ، ومدعى دلالة لفظ الوجوب في أخبارهم (عليهم‌السلام) على الوجوب بهذا المعنى الاصطلاحي وهكذا لفظ السنة بمعنى المستحب خاصة مكابر مباهت ، وبذلك يظهر سقوط استدلال كل من هذين القائلين بهذه الاخبار في البين بل الواجب على من يدعي الوجوب تحصيل دليل آخر غير هذه الاخبار المتقدمة وكذا من يدعي الاستحباب تحصيل دليل آخر غير ما ذكر.

وأنت خبير بان مع إلقاء هذين الدليلين من البين فإن الذي يظهر من الاخبار هو الاستحباب وذلك من وجوه :

(الأول) ـ أصالة البراءة من الوجوب حتى يقوم دليل يوجب الخروج عنها وليس فليس ، وهو أقوى دليل في المقام إذ الاخبار الواردة التي استند إليها الخصم لا دلالة فيها على ما ادعاه ، لما عرفت من ان الوجوب في كلامهم (عليهم‌السلام) أعم من هذا المعنى المصطلح عليه وهو الذي لا يجوز تركه فلا تنهض حجة في الخروج عن هذا الأصل.

(الثاني) ـ رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة فإنه لا مجال لحمل السنة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنة كما ادعاه الخصم ، لأن أصل السؤال تردد بين كونه واجبا أو سنة والسنة متى قوبلت بالواجب تعين حملها على معنى المستحب وانما يحصل الشك فيما إذا قوبلت بالفرض أو أطلقت ، وأصل السؤال وان كان عن غسل العيدين لكن قضية العطف إجراؤه في المعطوف عليه ايضا.

(الثالث) ـ صحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا حيث عد غسل الجمعة فيها

٢٢١

في قرن غسل الضحى والفطر فأجاب (عليه‌السلام) عن الجميع بأنه سنة ، ومن المتفق عليه عند الخصم ان غسل العيدين مستحب فيكون غسل الجمعة أيضا كذلك والا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في معنييه وهم لا يقولون به.

(الرابع) ـ ما نقله شيخنا المجلسي في البحار عن كتاب جمال الأسبوع لابن طاوس في حديث رواه فيه بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «انه قال لعلي (عليه‌السلام) في وصيته يا علي على الناس في كل يوم من سبعة أيام الغسل فاغتسل في كل جمعة ، ولو أنك تشترى الماء بقوت يومك وتطويه فإنه ليس شي‌ء من التطوع بأعظم منه». وهو صريح الدلالة كما ترى

(الخامس) ـ رواية الحسين بن خالد الصيرفي (٢) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال ان الله تبارك وتعالى أتم صلاة ، الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان». والتقريب فيها ظاهر من النظائر المذكورة ، وحينئذ فالوجوب في صدر الرواية مراد به المعنى اللغوي.

ويؤيد ذلك عده في قرن المستحبات في جملة من الأخبار كقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة هشام بن الحكم (٣) : «ليتزين أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه». وكقول الباقر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٤) «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس صالح ثيابك. الحديث». وقول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٥) «وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة : إتيان النساء وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظافير وتغيير

__________________

(١) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٣ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة.

(٥) ص ١١.

٢٢٢

الثياب ومس الطيب ، فمن أتى بواحدة من هذه السنن ثابت عنهن وهي الغسل ، وأفضل أوقاته قبل الزوال ولا تدع في سفر ولا حضر ، وان كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة ، وانما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان». انتهى كلامه. وفي قوله (عليه‌السلام) : «وانما سن الغسل. إلخ» إشارة الى ما تضمنته رواية الحسين بن خالد المذكورة. ويؤيده أيضا الرخصة في تركه للنساء في السفر كما تقدم في صحيحة منصور بن حازم ، إذ لا شي‌ء من الأغسال بل الأفعال الواجبة كذلك بل ورد جواز تركها له في الحضر كما رواه الصدوق في الخصال عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه في الحضر». وهو أظهر ظاهر في الاستحباب.

هذا وعندي في اسناد القول بالوجوب الى الصدوق في الفقيه بمجرد الكلام المتقدم نظر : (أما أولا) ـ فلما علم من عادة المتقدمين ـ كما صرح به ايضا غير واحد من أصحابنا المتأخرين ـ أنهم يعبرون غالبا بمتون الأخبار ، والوجوب في الاخبار كما يحتمل المعنى المشهور كذلك يحتمل المعنى اللغوي أو تأكيد الاستحباب فعين ما يقال في الاخبار يقال في كلامهم ، ولم يثبت كون الواجب عندهم حقيقة في المعنى المصطلح حتى يجب حمل كلامهم عليه ، وعلى هذا يحمل ايضا كلام ثقة الإسلام في الكافي حيث عنون الباب بلفظ الوجوب.

(واما ثانيا) ـ فلما ذكره في الفقيه (٢) في الباب المذكور من قوله : «وروي ان الله تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم الوضوء بغسل يوم الجمعة». وهو مضمون رواية الحسين بن خالد المتقدمة الظاهرة كما عرفت في

__________________

(١) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٣ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) ج ١ ص ٦٢ وفي الوسائل في الباب ٦ من الأغسال المسنونة.

٢٢٣

الاستحباب ، وما وقع له في هذا المقام وقع مثله في الفقه الرضوي أيضا حيث قال : (عليه‌السلام) أولا : «واعلم ان غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعه في السفر ولا في الحضر» ثم قال (عليه‌السلام) في الكلام المتقدم نقله قريبا «وانما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان».

واما ما ذكره شيخنا المشار اليه آنفا ـ من حمل اخبار الاستحباب على التقية لأنه مذهب أكثر الجمهور ـ (١) ففيه ان الحمل على التقية فرع تعارض الاخبار صريحا والاخبار هنا ـ كما عرفت مما حققناه في الاخبار التي هي مناط الاستدلال من الطرفين ـ متشابهة لما ذكره من معنى الوجوب والسنة وانه لا يمكن الحمل على معنى مخصوص بل الأخبار المذكورة قابلة للانطباق على كل من القولين ، ولو كان الوجوب ظاهرا في المعنى المصطلح والسنة ظاهرة في معنى الاستحباب لأمكن الحمل على التقية لظهور التقابل بين المعنيين وعدم إمكان حمل أحدهما على الآخر لكن الأمر ليس كذلك لما عرفت ، فالواجب حينئذ ـ كما قدمنا ذكره ـ هو إغماض النظر عن هذه الاخبار وعدم الاستدلال بها في البين والنظر في تحصيل دليل آخر ، وقد عرفت بما ذكرناه من الوجوه المتقدمة ان الظاهر هو الاستحباب ، وحينئذ فيجب حمل تلك الاخبار المتشابهة عليه وكذا حمل ما ورد بالأمر بالغسل. ويؤيده زيادة على ما قدمناه شهرة القول به بل ادعى الإجماع عليه في الخلاف ، وقد عرفت ان الخلاف في هذه المسألة غير واضح لما قدمنا ذكره.

وكيف كان فإنه وان كان الظاهر هو الاستحباب إلا ان الاحتياط في الدين والخروج من العهدة بيقين الموجب الدخول في زمرة المتقين يقتضي المحافظة على الإتيان به وعدم التهاون به ، لما في جملة من الاخبار من مزيد التأكيد فيه على وجه يكاد ان يلحقه بالواجبات كما في جملة من السنن المؤكدة ، فمنها ـ ما يدل على إعادة الصلاة في

__________________

(١) كما في بدائع الصنائع ج ١ ص ٢٦٩ والمغني ج ٢ ص ٣٤٥.

٢٢٤

الوقت بتركه كما ورد في موثقة عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى؟ قال : ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة وان مضى الوقت فقد جازت صلاته». وروى الشيخ في الموثق عن سهل بن اليسع (٢) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك؟ قال ان كان ناسيا فقد تمت صلاته وان كان متعمدا فالغسل أحب الي وان هو فعل فليستغفر الله ولا يعد». وروى أبو بصير (٣) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمدا؟ فقال ان كان ناسيا فقد تمت صلاته وان كان متعمدا فليستغفر الله تعالى ولا يعد». وظواهر هذه الاخبار ـ كما ترى ـ دالة على ان تركه يوجب نقصا وخللا في الصلاة ولو في نقصان ثوابها ونقصا في الدين والأمر بالاستغفار الذي لا يترتب إلا على الذنب ، فالاحتياط في الدين يقتضي المحافظة على الإتيان به ، هذا مع ما فيه من مزيد الطهارة كما رواه في الكافي والتهذيب عن الأصبغ (٤) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا أراد ان يوبخ الرجل يقول والله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى». وروى الشيخ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «من اغتسل يوم الجمعة فقال : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني من المتطهرين ، كان له طهرا من الجمعة إلى الجمعة».

تنبيهات

(الأول) ـ قد صرح الأصحاب بأن وقت الغسل المذكور ما بين الفجر الى الزوال وانه كلما قرب الى الزوال كان أفضل ، وعن الشيخ في الخلاف الى ان يصلي الجمعة

__________________

(١ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب الأغسال المسنونة.

٢٢٥

أقول : اما ان وقته من طلوع الفجر فيدل عليه ان الغسل وقع مضافا الى اليوم ولا ريب ان مبدأ اليوم هو طلوع الفجر شرعا ولغة وعرفا فلا يجزئ قبله ، وما رواه في الكافي عن زرارة والفضيل في الحسن (١) قالا : «قلنا له أيجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال : نعم». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز ابن عبد الله عن الفضيل وزرارة عن الباقر (عليه‌السلام) مثله (٢) وحينئذ فيندفع عنه غشاوة الإضمار وان كان إضمار مثل هذين المعتمدين غير ضائر لأنه من المعلوم انهما وأمثالهما لا يعتمدون على غير الامام (عليه‌السلام) وفي الفقه الرضوي «ويجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر وكلما قرب من الزوال فهو أفضل». وفي رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة. الحديث». والظاهر ان الحكم إجماعي.

واما ان آخر وقته الزوال فقال في المعتبر ان عليه إجماع الناس ، وهو يؤذن بدعوى الاتفاق عليه من الخاصة والعامة ، ويدل عليهحسنة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة ، وقد تقدم الى ان قال : وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار. الحديث». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي «وأفضل أوقاته قبل الزوال». ويؤيده أيضا ما رواه الشيخ عن محمد بن عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة جاؤا فتأذى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم فأمرهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

٢٢٦

السنة». ورواه في الفقيه أيضا في باب غسل يوم الجمعة ، ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت». والمتبادر من القضاء هو فعل الشي‌ء الموقت خارج وقته ، واحتمال مجرد الفعل وان أمكن إلا ان الظاهر بعده إذ الظاهر ان لفظ القضاء في الموضعين بمعنى واحد ، واللازم من هذا الاحتمال جعل الأول بمعنى مجرد الفعل والثاني مع التخصيص بخارج الوقت ولا يخلو من منافرة ، وبهذا الخبر استدل في المعتبر على ذلك بعد عبارته المتقدمة وهو مبني على ما ذكرناه ، وبذلك يظهر ان ما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من انه لو لا الإجماع على الحكم لأمكن القول بامتداده الى الليل لإطلاق اليوم في الروايات وجواز حمل الأمر في رواية زرارة على الفضلية ـ بعيد عن ظاهر هذه الأخبار فإنها بضم بعضها الى بعض ظاهرة الدلالة على الامتداد الى الزوال خاصة وبها تقيد اخبار اليوم التي ادعى إطلاقها ، نعم روى شيخنا المجلسي في البحار عن قرب الاسناد انه روى فيه عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان ابي يغتسل الجمعة عند الرواح». وهو ظاهر في اغتساله آخر النهار لانه معنى الرواح لغة ، وقال شيخنا المشار اليه بعد نقل الخبر المذكور : «الرواح العشي أو من الزوال الى الليل ذكره الفيروزآبادي» ولم يتعرض للجواب عن الخبر المذكور بشي‌ء وهو مشكل.

واما ما نقل عن الشيخ من ان غايته صلاة الجمعة فاستحسنه في المدارك قال : «وقال الشيخ في الخلاف يمتد الى ان تصلى الجمعة. وهو حسن تمسكا بمقتضى الإطلاق ، والتفاتا الى ان ذلك محصل للغرض المطلوب من الغسل ، وحملا للأمر بإيقاعه قبل الزوال في الرواية السابقة على تأكد الاستحباب» انتهى.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

٢٢٧

أقول : فيه (أولا) ـ ان مقتضى الإطلاق المذكور الامتداد الى آخر النهار لا الى هذا الحد بخصوصه ، وهو لا يقول به.

و (ثانيا) ـ ان هذا الإطلاق يجب تقييده بما ذكرنا من الاخبار ولا سيما حسنة زرارة المذكورة الدالة صريحا على الأمر بإيقاعه قبل الزوال ، وتأويل الرواية المذكورة سيما مع وجود المعاضد لها بما ذكره فرع وجود المعارض وليس إلا إطلاق تلك الأخبار ، وقضية حمل المطلق على المقيد توجب الوقوف على ظاهر الحسنة المذكورة ، على انك قد عرفت ان العمل بذلك الإطلاق لا قائل به ، والقول به في هذه الصورة المخصوصة تخصيص بلا مخصص.

و (ثالثا) ـ ان صريح الحسنة المشار إليها كون الغاية الزوال ، وحينئذ فالقول بان غايته الصلاة ان أريد به وقتها فهو أول الزوال كما دلت عليه صحاح الاخبار وصراحها فيجب ان يكون الغسل قبله ، وان أريد به وقوعها بالفعل فإنه يلزم على هذا انه لو لم تصل الجمعة لم يكن غسل ، وهو مما لا يقول به أحد مع ظهور الاخبار في خلافه ، وبه يظهر ان الواجب حمل كلام الشيخ على ما يوافق المشهور بجعل صلاة الجمعة كناية عن وقتها وهو الزوال.

واما انه كلما قرب من الزوال كان أفضل فقد اعترف جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بعدم الوقوف على مستنده ، وهو كذلك فاني لم أقف عليه إلا في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه كما أسلفنا نقله في عبارته ، وهذا من جملة خصوصيات الكتاب المذكور ، والمتقدمون قد ذكروا هذا الحكم والظاهر ان المستند فيه هو الكتاب المذكور ولكن خفي ذلك على المتأخرين لعدم وصول الكتاب إليهم ، وبعبارة الكتاب المتقدمة عبر الصدوق في الفقيه ، والظاهر ان أباه في الرسالة كذلك ايضا وان لم تحضرني الآن عبارته. والله العالم.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب انه لو فاته الغسل قبل الزوال قضاه بعد

٢٢٨

الزوال أو في يوم السبت عمدا كان أو نسيانا لعذر أو لا لعذر ، وظاهر الصدوق في الفقيه اشتراطه بالنسيان أو العذر قال : «ومن نسي الغسل أو فاته لعلة فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت» ويدل على ما ذكره مرسلة حريز عن بعض أصحابنا عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر فمن نسي فليعد من الغد». ويدل على القول المشهور موثقة سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت». وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال يغتسل ما بينه وبين الليل فان فاته اغتسل يوم السبت». وفي الفقه الرضوي (٤) «وان نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل ثم قال (عليه‌السلام) بعد كلام في البين : وأفضل أوقاته قبل الزوال ، الى ان قال : وان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة». وظاهره ـ كما ترى ـ جواز القضاء في أيام الأسبوع ، فإن المراد بالجمعة هنا الأسبوع كما وقع الإطلاق بذلك في جملة من الاخبار ، ولم أقف على من قال بذلك ولا على خبر غيره يدل عليه ، وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور.

واما ما رواه ذريح عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال لا». فان الظاهر حمله على نفي الوجوب جمعا ، قال في المدارك : بعد ذكر موثقتي سماعة وابن بكير دليلا للقول المشهور : «ومقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء الى آخر السبت فلا وجه لإخلال المصنف بذلك. ويمكن المناقشة في هذا الحكم بضعف مستنده وبأنه معارض بما رواه في التهذيب عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن معاوية بن حكيم عن عبد الله بن المغيرة عن ذريح عن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٤) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

٢٢٩

ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم أورد الرواية المذكورة قال : ومقتضاه عدم مشروعية القضاء وهو أوضح سندا من الخبرين السابقين الا ان عمل الأصحاب عليهما» انتهى. أقول : اما ما ذكره من ان مقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء الى آخر السبت فإنه يعطي بظاهره ان الاخبار دلت على القضاء ليلة السبت ايضا مع انه ليس كذلك ، فان المستفاد من صريحها تخصيص القضاء بما بعد الزوال الى آخر النهار ويوم السبت ، وحينئذ فما يشعر به كلامه من ادعاء القضاء ليلة السبت محل نظر ، وقد صرح بذلك جملة من الأصحاب فاعترفوا بعدم وجود النص على القضاء فيها ، قال شيخنا المجلسي في البحار : «وظاهر الأكثر استحباب القضاء ليلة السبت ايضا والاخبار خالية عنه وان أمكن ان يراد بيوم السبت ما يشمل الليل لكن لا يمكن الاستدلال به ، والأولوية ممنوعة لاحتمال اشتراط المماثلة» انتهى. والى ذلك أشار أيضا في الذخيرة فقال : «وهل يلحق بما ذكر ليلة السبت؟ قيل نعم وهو خروج عن النصوص» واما ما ذكره من قوله : «ويمكن المناقشة. إلخ» ففيه ايضا ان الظاهر ان هذا من جملة المناقشات الواهية (أما أولا) ـ فلان معاوية بن حكيم الذي في سند هذا الخبر وان وثقة النجاشي إلا ان الكشي قد صرح بكونه فطحيا في موضعين أحدهما في ترجمته وثانيهما في ترجمة محمد بن الوليد عده مع جماعة من الفطحية وان وصفهم بالعدالة فحديثه لا يخرج عن الموثق الذي لا يزال يعده في الضعيف ، وترجيحه على عبد الله بن بكير والحسن بن علي بن فضال الذين قد ورد في حقهما من المدح ما هو مذكور في محله مما لا يخفى ما فيه ، وفي سند هذا الخبر ايضا ذريح المحاربي وهو ليس بموثق والأخبار متعارضة في مدحه وذمه كما لا يخفى على من لاحظ كتب الرجال وان كان لمدحه نوع رجحان ، وبالجملة فإن ترجيحها على ما ذكره من الأخبار فضلا عما نقلناه ممنوع أتم المنع. و (ثانيا) ـ ان كافة الأصحاب من أصحاب هذا الاصطلاح وغيرهم قد أعرضوا عن هذه الرواية كما اعترف به وهو أظهر ظاهر في سقوطها وان سلمنا صحة سندها واعتباره

٢٣٠

كما ادعاه ، وهو دليل على ضعف اصطلاحه الذي لا يزال يحامي دونه. وبالجملة فالأظهر كما عرفت هو حمل الخبر المذكور على ما قدمناه ذكره ، وربما حمل على عدم العذر بناء على ما ذكره الصدوق من تخصيص القضاء بصورة النسيان والعذر فمع عدمهما لا قضاء. وهو جيد لو ثبت ما ادعاه وإلا فالحمل عليه بعيد. والله العالم.

(الثالث) ـ لا خلاف بين الأصحاب في جواز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء يوم الجمعة ، والأصل فيه ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «قال لأصحابه إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد ، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة». وما رواه ايضا عن الحسين بن موسى بن جعفر عن امه وأم أحمد بن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قالتا : «كنا مع ابي الحسن (عليه‌السلام) بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس : اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء غدا بها قليل ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه «وان كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسلت يوم الخميس. الحديث». وجوز الشيخ وجماعة : منهم ـ الشهيد الثاني التقديم مع خوف الفوات مطلقا ومورد الخبرين التقديم لخوف إعواز الماء خاصة لا التعذر مطلقا ، قال في المدارك : «والظاهر ان ليلة الجمعة كيوم الخميس فلا يجوز تقديمه فيها إلا إذا خاف عوز الماء وبه قطع في الخلاف مدعيا عليه الإجماع» أقول : وهذا من قبيل ما تقدم له من قوله بالقضاء ليلة السبت مع عدم الدليل عليه بل ظهور الدليل في عدمه ، وليت شعري من اين حصلت له هذه الظاهرية مع اختصاص موارد النصوص بيوم الخميس والتعدي عنه يحتاج الى دليل؟ ولو تمكن من قدمه يوم الخميس من الماء يوم الجمعة فقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الصدوق باستحباب الإعادة ، ولم أقف فيه على نص ولعل المستند فيه عموم الأدلة ، ويمكن ان يقال ان جواز التقديم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الأغسال المسنونة.

٢٣١

مورده من عدم الماء ومع وجود الماء يرجع الى أصل الحكم في المسألة وعموم الأدلة الدالة على استحباب الغسل يوم الجمعة أو وجوبه.

فائدة

قال الصدوق في الفقيه : «ويجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج والوضوء فيه قبل الغسل» أقول : قد اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة أعني قوله «للزواج» ففي بعضها بالزاي المعجمة والجيم ويؤيده ما حكاه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قال : قال بعض الاعلام سمعت الشيخ العالم الصالح الشيخ علي بن سليمان البحراني انه كانت عند شيخنا العلامة البهائي نسخة قديمة مصححة وفيها «للزواج» بالزاي والجيم وهو الذي ضبطه الفاضل المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء ، ويؤيد ذلك ايضا ما ذكره المحقق العماد مير محمد باقر الداماد في تعليقاته على الكتاب ، قال : الصواب ضبط هذه اللفظة بالزاي قبل الواو والجيم بعد الالف وهو الذي سمعناه من الشيوخ ورأيناه في النسخ. انتهى. وظاهر هذا الكلام إنكار ما عدا هذه النسخة. وفي بعض النسخ بالراء والحاء المهملتين ، وارتضاه بعض المحققين وقال ان هذه هي النسخة المعتبرة ، قال لان الرواح على ما في القاموس من الزوال الى الليل أو الى العشي ، فمراده حينئذ ان الغسل يجزئ للجمعة من طلوع الفجر كما يجزئ من الزوال. قيل وفيه رد على مالك حيث ذهب الى انه لا يعتد بالغسل إلا ان يتصل بالرواح إلى صلاة الجمعة مستدلا بقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «من جاء بالجمعة فليغتسل» (١). ولا يخفى انه ليس فيه دلالة على اتصال الغسل بصلاة الجمعة. قيل وحينئذ فاللام بناء على هذه النسخة لام التوقيت

__________________

(١) كما في المدونة لمالك ج ١ ص ١٣٦ وفتح الباري لابن حجر ج ٣ ص ٢٤٣. وروى الحديث صاحب الوسائل في الباب ٦ من الأغسال المسنونة وو البخاري باب فضل الغسل يوم الجمعة والنسائي ج ١ ص ٢٠٤ ومسلم ج ١ ص ٣١٣ وابن ماجة ج ١ ص ٣٣٨ والترمذي في السنن على شرحه لابن العربي ج ٢ ص ٢٧٨ على اختلاف بسيط في لفظ الحديث.

٢٣٢

والمقارنة كما يقال كتبته لخمس خلون لا لأم العاقبة كما ظن. وكيف كان فإنه لا يخفى ما في توجيه هذه النسخة من البعد بل السخافة وركاكة النظم والأسلوب ، واما على تقدير النسخة الأولى فقيل ان المعنى ان غسل الجمعة يجزئ عن غسل الجنابة وهو الذي جزم به المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء حيث قال : اما قوله : «ويجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج» فمعناه انه يجزئ لهما غسل واحد ، وهذا حق فان الصحيح تداخل بعضها بعضا إذا اجتمعت أسبابها كالوضوء ، ويدل على ذلك الروايات الصحيحة عن أهل البيت (عليهم‌السلام) انتهى وقيل ان المعنى ان الغسل من الجنابة كما يكون للجنابة على قصد رفع الحدث ونية الوجوب أو مطلقا يكون بعينه مجزئا عن الغسل للجمعة ومسقطا للجنابة على أسبغ الوجوه ، لما روي صحيحا عن الصادق (عليه‌السلام) (١) انه قال : «إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد». ولا ينعكس اي لا يكون الغسل للجمعة بما هو غسل للجمعة مجزئا عن الغسل للجنابة ومسقطا للتكليف به على قصد نية الوجوب وقصد رفع الحدث أو استباحة العبادة المشروطة به. والى هذا ذهب بعض المحققين في تعليقاته على الكتاب. ولا يخفى بعده. أقول : هذا كله بناء على قطع جملة قوله : «والوضوء فيه قبل الغسل» عن هذا الكلام وجعلها جملة مستأنفة في بيان وجوب الوضوء مع غسل الجمعة كما هو المشهور من وجوب الوضوء في جميع الأغسال ما عدا غسل الجنابة ، واما مع ارتباط هذه الجملة بهذا الكلام كما فهمه المحقق خليفة سلطان في حواشيه على الكتاب فالوجه فيه ما ذكره (قدس‌سره) حيث قال : كذا في أكثر النسخ والظاهر ان المراد انه يجزئ الغسل للجمعة بكيفية غسل الجنابة فالمراد بالزواج الجنابة والغرض من التشبيه بيان كيفية غسل الجمعة واعماله بأنه مثل الجنابة إلا ان فيه الوضوء قبل الغسل. وقيل ان المراد انه يجزئ نية غسل الجنابة عن غسل الجمعة ويترتب أثره عليه. وفي بعض النسخ بالراء المهملة والحاء والمراد منه ما بعد الزوال مقابل الصباح ، وغاية توجيهه ان يكون المراد انه يجزئ الغسل في يوم

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٣ من أبواب الجنابة.

٢٣٣

السبت للجمعة كما يكون في رواح يوم الجمعة للجمعة. انتهى. أقول : وأقرب هذه الوجوه المذكورة عندي ما ذكره هذا المحقق من ان الغرض من هذا الكلام بيان كيفية غسل الجمعة وانه مثل غسل الجنابة إلا ان فيه الوضوء قبل الغسل ، وما عداه من الوجوه فإنه يحتاج الى مزيد تكلف وان كان بعضها أقل من بعض. هذا ، وقد روى الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «كان ابي يغتسل يوم الجمعة عند الرواح». وفي القاموس «الرواح العشي أو من الزوال الى الليل» ولعل المراد من الخبر المذكور انما هو الرواح إلى صلاة الجمعة ولعله يكون قبيل الزوال فيكون فيه دلالة على ما تقدم من ان أفضله ما قرب من الزوال. والله العالم.

ختام يحصل به الإكمال لابحاث هذا المطلب والإتمام ، وفيه مسائل :

(الأولى) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء في جميع هذه الأغسال ما عدا غسل الجنابة متى ما أراد الدخول في مشروط بالطهارة كالصلاة ونحوها ، وقد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفى في المقصد الخامس من مقاصد فصل غسل الجنابة (٢).

(الثانية) ـ اختلف الأصحاب في التداخل وعدمه بين هذه الأغسال وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة مستوفى في بحث نية الوضوء (٣).

(الثالثة) ـ قد قسم الأصحاب ما ذكروه من الأغسال في هذا المقام الى ما يكون للزمان وما يكون للفعل وما يكون للمكان إلا انهم لم يستوفوا الأغسال التي ذكرناها ، والذي يكون للزمان مما ذكرناه أغسال شهر رمضان وهي أربعة عشر غسلا وغسل يوم الجمعة وغسل ليلة الفطر وغسل يومه وغسل عيد الأضحى وغسل ليلة النصف من شعبان ويوم النيروز ويوم الغدير ويوم المباهلة بناء على المشهور وثلاثة أغسال في رجب كما تقدم وغسل يوم عرفة ويوم التروية ، فهذه سبعة وعشرون غسلا للزمان ،

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦ و ١١ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) ج ٣ ص ١١٨.

(٣) ج ٢ ص ١٩٦.

٢٣٤

وقد تقدم في غسل العيدين ان ظاهر موثقة عمار الساباطي ان الغسل انما هو للصلاة ، فعلى هذا يكون هذا الغسل من الأغسال للفعل. واما الغسل للفعل فغسل الإحرام وغسل الزيارة بجميع أنواع الزيارات التي روي فيها الغسل من زيارة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو أحد الأئمة (عليهم‌السلام) وغسل قضاء صلاة الكسوف وغسل التوبة وغسل صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة وغسل السعي إلى رؤية المصلوب وغسل قتل الوزغ وغسل أخذ التربة وغسل المولود وغسل الاستسقاء ، فهذه أحد عشر غسلا للفعل. واما الغسل للمكان فالغسل لدخول الحرم والغسل لدخول مكة ولدخول المسجد ولدخول البيت ودخول المدينة ودخول مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهذه ستة أغسال للمكان ، يكون مجموع هذه الأغسال أربعة وأربعين غسلا. وزاد في الدروس الغسل يوم دحو الأرض ، وقال في الذكرى : وذكر الأصحاب لدحو الأرض الخامس والعشرين من ذي القعدة. انتهى. وهو مؤذن بعدم النص عليه ، قال الفاضل الخوانساري في شرح الدروس بعد نقل ذلك عن الذكرى «ولا بأس به» أقول : بل البأس أظهر ظاهر فإنها عادة تتوقف مشروعيتها على دليل من الشارع إلا ان يجعل مجرد ذكر الأصحاب دليلا شرعيا ، ولا أراه يلتزمه. وذكر ايضا يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب وذكره غيره ايضا ، وقد اعترف جملة من الأصحاب بعدم الوقوف فيه على نص ، وقال في الذكرى : وليلة نصف رجب والمبعث مشهوران ولم يصل إلينا نص فيهما. وقال في المعتبر بعد نقله عنهم الغسل ليلة النصف من رجب ويوم المبعث : وربما كان لشرف الوقتين والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه. انتهى. وفيه انا لم نقف على ما ادعاه من استحباب الغسل مطلقا ليتم له التقريب في هذا المقام وأمثاله ، نعم ذلك في الوضوء خاصة ، والذي وصل إلينا من الأغسال في رجب ما قدمناه وان ضعف سنده باصطلاحهم وليلة النصف من جملته. وذكر في الدروس يوم مولد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأمر فيه كما في هذه المذكورات من عدم الوقوف على مستنده. وذكر

٢٣٥

ايضا الطواف ورمي الجمار ، والأمر فيه كذلك فاني لم أقف له على مستند إلا انه قد ورد في رواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «قال لي ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل ان تطوف فأعد غسلك». وربما أشعر بكون الغسل للطواف إلا انه يمكن حمله على طواف الزيارة فإنه بالدخول للطواف تحصل زيارة البيت ، وقد ورد استحباب الغسل لزيارة البيت كما تقدم والغسل لدخول المسجد ، والظاهر ان غسل دخول المسجد هو غسل زيارة البيت ، واما غسل دخول البيت فهو زائد عليهما. وقال ابن الجنيد يستحب لكل مشهد أو مكان شريف أو يوم وليلة شريفة وعند ظهور الآثار في السماء وعند كل فعل يتقرب فيه الى الله تعالى ويلجأ فيه اليه. وقال المفيد في الغرية يستحب الغسل لرمي الجمار ، والعلامة للإفاقة من الجنون لما قيل انه يمني ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : والحكم لا نعرفه والتعليل لا نثبته ، نعم روى العامة (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يغمى عليه في مرض موته فيغتسل». فيكون الجنون بطريق اولى ، وظاهر ضعف هذا التمسك ، ولو صح الأول كان غسلا وينوي به رفع الجنابة وخصوصا عنده لاشتراطه في نية الطهارة كما ينوي في غسل واجدي المني على الفراش المشترك. انتهى. وذهب في التهذيب الى استحباب الغسل لمن مس ميتا بعد الغسل لخبر عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) واستحب فيه الغسل لمن مات جنبا مقدما على غسل الميت لخبر العيص عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) واستحبه ابن زهرة لصلاة الشكر ، والمفيد في الإشراف لمن أهرق عليه ماء غالب النجاسة ، والشيخ الحر في الوسائل

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب مقدمات الطواف.

(٢) رواه ابن تيمية في منتقى الاخبار على هامش نيل الأوطار ج ١ ص ٢١٢.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب غسل مس الميت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب غسل الميت.

٢٣٦

لطيب المرأة لغير زوجها مستندا الى ما رواه الكليني عن سعد بن عمر الجلاب (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها ، وأيما امرأة تطيبت لغير زوجها لم يقبل الله منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها». أقول : الظاهر ان المراد بالاغتسال في الخبر انما هو غسل الطيب وإزالته عن بدنها بان تبالغ فيه كما تبالغ في غسلها من جنابتها بإيصال الماء الى جميع بدنها وشعرها. والله العالم.

(الرابعة) ـ قال في الذكرى : وروى بكير بن أعين عنه (عليه‌السلام) قضاء غسل ليالي الافراد بعد الفجر لمن فاته ليلا. وقال في الدروس ويقضى غسل ليالي الافراد الثلاث بعد الفجر لرواية بكير عن الصادق (عليه‌السلام). والظاهر انه أشار بالرواية المذكورة الى ما رواه الشيخ في التهذيب عنه (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) في أي الليالي اغتسل في شهر رمضان؟ قال في تسع عشرة وفي احدى وعشرين وفي ثلاث وعشرين ، والغسل في أول الليل. قلت فان نام بعد الغسل؟ قال هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك». وأنت خبير بان هذا الخبر لا دلالة فيه على ما ذكره بوجه فان معناه الظاهر لكل ناظر انما هو ان الغسل من أول الليل يجزئ الى آخره وان نام بعده كما ان غسل الجمعة مجزئ متى اغتسل بعد الفجر وان نام أو أحدث بعد ذلك ، ولم نقف على رواية في الباب غير هذه ، فما ذكره من دعوى قضاء غسل هذه الليالي لا اعرف له وجها ، على ان ما قدمنا نقله من الرواية التي أشار إليها (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ظاهرة في عدم القضاء ، حيث قال (٣) : «وروي ان الغسل أربعة عشر وجها ، الى ان قال : وأحد عشر سنة ، ثم عدها وعد منها ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ثم قال : ومتى ما نسي بعضها أو

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٨٠ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١ و ١١ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣) ص ٤.

٢٣٧

اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا اعادة عليه». وروى في قرب الاسناد الخبر المذكور عن محمد بن الوليد عن ابن بكير (١) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الغسل في شهر رمضان ، الى ان قال والغسل أول الليل. قلت فان نام بعد الغسل؟ قال فقال أليس هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك؟». وهو ظاهر في المعنى الذي ذكرناه.

(الخامسة) ـ قال في الذكرى : كل غسل لزمان فهو ظرفه ولمكان أو فعل فقبله إلا غسل التوبة والمطلوب ، وفي التقديم لخائف الإعواز والقضاء لمن فاته نظر ، ولعلهما أقرب ، وقد نبه عليه في غسل الإحرام وفي رواية بكير السالفة ، وذكر المفيد قضاء غسل عرفة. انتهى. أقول : اما ما ذكره من ان الغسل الزماني ظرفه ذلك الزمان فلا اشكال فيه ، وعلى هذا فمتى اتى به فيه فقد خلت العهدة من الخطاب باستحبابه وان أحدث أو نام بعده ، وقد تقدم في رواية بكير ما يدل على ذلك بالتقريب الذي أشرنا اليه ، ومثلها أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) انه قال : «الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان : في تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، وقال والغسل في أول الليل وهو يجزئ الى آخره». وهو في معنى رواية بكير المتقدمة بالنسبة إلى الليالي الثلاث المذكورة ، وحاصلها انه متى اغتسل في أول الليل فإنه مجزئ في أداء سنة الغسل في هذه الليلة إلى آخرها وان نام أو أحدث بعد ذلك. واما ما ذكره من ان الغسل للمكان والفعل قبله إلا ما استثناه فهو جيد أيضا ، لأن المقصود من الغسل هو الإتيان بالأفعال المذكورة أو دخول تلك الأمكنة الراجع إلى الأفعال في الحقيقة بطهارة الغسل وان يكون متطهرا لمزيد احترامها وفضلها ، ومقتضاه حينئذ انه لو أحدث أو نام بعد الغسل وقبل تلك الغاية فإنه يستحب له الإعادة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١ و ١١ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الأغسال المسنونة.

٢٣٨

وبذلك صرح شيخنا المشار إليه في الذكرى ايضا فقال : الأقرب إعادة غسل الفعل بتخلل الحدث ، وقد ذكر في دخول مكة وفي النوم في الإحرام ، ولو أحدث في الأثناء فالإعادة أولى. انتهى. واما ما أشار به الى ما ورد في دخول مكة فالظاهر انه ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (١) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل ان يدخل أيجزيه ذلك أو يعيد؟ قال لا يجزيه لانه إنما دخل بوضوء». ونحوها غيرها مما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ونحو ذلك ما ورد في غسل الإحرام وانتقاضه بالنوم كما أشار إليه من صحيحة النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل ان يحرم؟ قال عليه اعادة الغسل». واما ما روي في جملة من الاخبار من ان من اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل (٣). وكذا ما ورد من ان غسل يومه يجزيه لليلته وغسل ليلته يجزيه ليومه (٤). فالظاهر تقييده بعدم تخلل الحدث لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد؟ قال يجزيه ان لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله». وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) مثله (٦) إلا انه قال : «يغتسل الرجل بالليل ويزور بالليل الى ان قال في آخر الخبر : فليعد غسله بالليل». وبما ذكرناه من اعادة الغسل بتخلل الحدث مطلقا صرح الشهيدان إلا أنهما جعلا ما عدا النوم ملحقا به مع دلالة روايتي إسحاق بن عمار على مطلق الحدث كما ترى ، والمشهور في كلام الأصحاب الاكتفاء بالغسل الأول وان أحدث بعده ، وسيأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب مقدمات الطواف.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الإحرام.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب الإحرام.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب زيارة البيت.

٢٣٩

ما يفي بتحقيق المقام. واما ما استثناه في الكلام المتقدم بالنسبة إلى تقديم الغسل من غسل التوبة والمصلوب فالظاهر ان الوجه فيه هو ان ما عدا موضع الاستثناء قد جعل في الاخبار غاية للغسل بمعنى انه يستحب ان يوقعه عن غسل فهو يقتضي تقديم الغسل البتة ، ولهذا تستحب الإعادة لو أحدث قبل إيقاعه كما تقدم ، واما موضع الاستثناء فالظاهر منها انه سبب في الغسل وقضية السببية تأخير الغسل عنه ، إلا انه يدخل في ذلك ايضا قتل الوزغ فإنه سبب في استحباب الغسل فكان الواجب ذكره.

بقي هنا شي‌ء وهو ان استثناء غسل التوبة من الضابطة المذكورة مبني على كون التوبة سببا في الغسل لوجوب الفورية فيها ، ومن المحتمل قريبا ان الغسل انما هو لصلاة التوبة كما هو ظاهر الخبر المتقدم ، وعلى هذا فيكون الغسل متقدما وداخلا في الضابطة المذكورة ، ويأتي مثله أيضا في غسل الكسوف فإنه يحتمل ان يكون لقضاء صلاة الكسوف فيدخل في الضابطة المذكورة ، ويحتمل ان يكون لتركه الصلاة وهو الأقرب الى ظاهر النص ، وعلى هذا فيحتاج الى الاستثناء كهذه المستثنيات ، ومقتضى ذلك اما ذكره مع غسل التوبة في الاستثناء أو عدم استثناء غسل التوبة من الضابطة ، فإن الحال في المقامين واحد كما شرحناه. واما ما قربه من التقديم لخائف الإعواز والقضاء لمن فاته فالظاهر بعده لان الغسل عبادة شرعية يتوقف فعله على ما رسمه صاحب الشريعة من الزمان والمكان ونحوهما من الخصوصيات ووروده في موضع لا يستلزم اطراده ، والذي ورد في الأخبار قضاء غسل الجمعة وجواز تقديمه لخوف الإعواز وغسل الإحرام ، وما عداهما فلم نقف له على مستند ، وما أشار إليه من خبر بكير بالنسبة إلى قضاء غسل فرادى شهر رمضان الثلاث فقد عرفت ما فيه. والله العالم.

الباب الرابع في التيمم

ولنبدأ هنا بتحقيق قد سبق لنا في معنى الآية الشريفة التي هي الأصل في فرض

٢٤٠