الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

من الجنابة وغسل الجمعة والعيدين ويوم عرفة وثلاث ليال في شهر رمضان وحين تدخل الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام وإذا أردت دخول مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن غسل الميت». وفي الفقه الرضوي (١) «والغسل ثلاثة وعشرون : من الجنابة والإحرام وغسل الميت ومن غسل الميت وغسل الجمعة وغسل دخول المدينة وغسل دخول الحرم وغسل دخول مكة وغسل زيارة البيت ويوم عرفة ، وخمس ليال من شهر رمضان : أول ليلة منه وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ودخول البيت والعيدين وليلة النصف من شعبان وغسل الزيارات وغسل الاستخارة وغسل طلب الحوائج من الله تعالى وغسل يوم غدير خم ، الفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميت وغسل الإحرام والباقي سنة ، وقد روي ان الغسل أربعة عشر وجها : ثلاث منها واجب مفروض متى ما نسيه ثم ذكره بعد الوقت اغتسل فان لم يجد الماء تيمم ثم ان وجدت الماء فعليك الإعادة ، وأحد عشر غسلا سنة : غسل العيدين والجمعة وغسل الإحرام ويوم عرفة ودخول مكة ودخول المدينة وزيارة البيت وثلاث ليال في شهر رمضان : ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ومتى ما نسي بعضها أو اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا اعادة عليه. وادنى ما يكفيك ويجزيك من الماء ما تبل به جسدك مثل الدهن. وروي انه يستحب غسل ليلة احدى وعشرين لأنها الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم ودفن أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام) وهي عندهم ليلة القدر ، وليلة ثلاث وعشرين هي التي ترجى فيها وكان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا صام الرجل ثلاثة وعشرين من شهر رمضان جاز له ان يذهب ويجي‌ء في أسفاره ، وليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي التي ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ويستحب فيها الغسل». انتهى كلامه.

أقول : والكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع (الأول) ـ لا ريب ان

__________________

(١) ص ٤.

١٨١

الواجب من الأغسال على الأشهر الأظهر انما هي الستة التي تقدم البحث عنها واما ما عداها فهو مستحب ، وحينئذ فما دل عليه جملة من هذه الاخبار من الوجوب فيما وقع الاتفاق من الأصحاب على استحبابه فهو محمول عندهم على تأكد الاستحباب ، والتعبير بذلك مجاز شائع في الاخبار ، وقد وقع في موثقة سماعة التعبير في بعض بالوجوب وفي بعض بالسنة وفي بعض بالاستحباب والمرجع أمر واحد ، الا ان الظاهر ان الوجه في في تغيير التعبير هو آكدية بعض على بعض فما عبر فيه بالوجوب فهو الآكد ودونه السنة ودونه الاستحباب. وقد تطلق السنة في مقابلة الفرض وهو ما كان دليل وجوبه الكتاب فيراد بها حينئذ ما كان وجوبه بالسنة. وما دل عليه أكثر هذه الاخبار من عدم عد غسل الحيض والاستحاضة والنفاس فلعله محمول على ذكر الأغسال بالنسبة إلى الرجال.

(الثاني) ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «وإذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته». وكذا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «ومن غسل الميت». يحتمل حمله على غسل المس فيكون بعد التغسيل والتكفين في الرواية الأولى أو بعد التغسيل كما في الرواية الثانية ، ويحتمل حمله على استحباب الغسل لأجل تغسيل الميت بتقدير الإرادة فيكون قبل التغسيل ، قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ذكر الرواية الاولى من كتاب الخصال ـ وفيها عطف التكفين على التغسيل بأو لا بالواو كما في هذه الرواية ـ ما لفظه : «وقوله (عليه‌السلام) «أو كفنته» قيل المراد ارادة التكفين اي يستحب إيقاع غسل المس قبل التكفين ، وقيل باستحباب الغسل لتغسيل الميت وتكفينه قبلهما وان لم يمسه» وقال بعد نقل خبر فيه هكذا «وغسل من مس الميت بعد ما يبرد وغسل من غسل الميت» ما صورته : «وغسل من غسل الميت تخصيص بعد التعميم ان حملناه على الغسل بعده ، ويحتمل ان يكون المراد استحباب الغسل لتغسيل الميت قبله كما عرفت بل هو الظاهر للمقابلة» انتهى. وهو مشعر بتقويته

١٨٢

للقول باستحباب الغسل للتغسيل ، وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في مستحبات التغسيل

(الثالث) ـ الظاهر من غسل الزيارة في هذه الروايات زيارة البيت كما صرح به (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار وفي عبارة كتاب الفقه ، وظاهر الأصحاب تعميمه لما يشمل غسل زيارة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وظني انه لا حاجة الى ذلك لان هذه الأخبار لم تستوف الأغسال المستحبة كملا كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى مع وجود روايات على حدة بأغسال زياراتهم كما اشتملت عليه اخبار زياراتهم.

(الرابع) ـ لا يخفى ان هذه الأخبار لم تستكمل الأغسال المسنونة وانما اشتملت على ما هو المهم منها ، وتفصيل القول في هذا المقام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الاعلام ان يقال ان ما اشتملت عليه هذه الاخبار من الأغسال هو آكدها وأفضلها وإلا فهي كثيرة زائدة على هذه الأعداد المذكورة في هذه الاخبار ، ولنفصلها في المقام واحدا واحدا فنقول :

اما الأغسال المتعلقة بالحج فمنها ـ غسل الإحرام وأوجبه ابن ابي عقيل ونقله المرتضى عن كثير من الأصحاب ، والمشهور الاستحباب حتى قال المفيد على ما نقل عنه في المختلف غسل الإحرام للحج سنة ايضا بلا خلاف وكذا غسل إحرام العمرة. وقال في التهذيب انه سنة بغير خلاف. واستدل في المدارك على الاستحباب بما رواه معاوية ابن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام ان شاء الله تعالى فانتف إبطيك وقلم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك ، الى ان قال استك واغتسل والبس ثوبيك». قال : والظاهر ان الغسل للاستحباب كما تشعر به الأوامر المتقدمة عليه فإنها للندب بغير خلاف. أقول : فيه ان الاستدلال بذلك لا يخلو من اشكال فإن مجرد عده في قرن المستحبات لا يوجب كونه كذلك لخروج ما عداه بدليل من خارج فيبقى

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الإحرام.

١٨٣

ما لم يدل عليه دليل على أصل مقتضى الأمر وهو الوجوب ، نعم هو ظاهر في التأييد كما لا يخفى. قال في المعتبر : «ولعل القائل بالوجوب استند الى ما رواه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «الغسل في سبعة عشر موطنا ، الفرض ثلاثة : الجنابة وغسل من غسل ميتا والغسل للإحرام». ومحمد بن عيسى ضعيف وما يرويه عن يونس لا يعمل به ابن الوليد كما ذكره ابن بابويه مع انه مرسل فيسقط الاحتجاج به» انتهى. وفيه نظر فان ضعف الخبر عنده لا يوجب ضعفه عند من تقدمه ، وما نقله عن ابن الوليد قد رده جملة من أفاضل محدثي متأخري المتأخرين وهو الظاهر ، ونظير هذا الخبر ما تقدم في عبارة الفقه الرضوي حيث قال (٢) «والغسل ثلاثة وعشرون ، ثم عدها كما قدمناه الى ان قال : والفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميت وغسل الإحرام والباقي سنة». وهذان الخبران ظاهران في الوجوب كما ترى ، والتأويل وان أمكن ولو على بعد إلا انه فرع وجود المعارض وليس إلا الرواية المتقدمة وقد عرفت ما فيها ، واما ما في موثقة سماعة (٣) من قوله : «وغسل المحرم واجب». فلا دلالة فيه كما سيأتي تحقيقه في غسل الجمعة ، وبالجملة فالقول بالوجوب لا يخلو من قوة والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.

ومنها ـ الغسل لدخول الحرم والغسل لدخول مكة والغسل لدخول المسجد والغسل لدخول البيت وهو غسل الزيارة وغسل يوم عرفة ويوم التروية ، وسيأتي الكلام في هذه الأغسال في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ونقل الأخبار المتعلقة بها ، فهذه سبعة من الأغسال المستحبة.

ومنها ـ غسل دخول المدينة كما دل عليه صحيح معاوية بن عمار وصحيح محمد بن مسلم المتقدمان (٤) وغسل دخول مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما تضمنته رواية

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب الجنابة.

(٢) ص ٤.

(٣) ص ١٧٩.

(٤) ص ١٨٠.

١٨٤

محمد بن مسلم المتقدمة وغسل زيارته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والظاهر التداخل والاكتفاء بغسل دخول المدينة ما لم يحدث مع احتمال الاجتزاء وان أحدث كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ، وهذه ثلاثة أغسال للمدينة مضافا الى ما قدمناه في مكة فتكون عشرة.

ومنها ـ غسل يومي العيدين ويدل عليه ـ زيادة على ما تقدم في موثقة سماعة من انه سنة وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن عمار وكتاب الفقه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الغسل في يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال سنة وليس بفريضة». وعن علي بن أبي حمزة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال هو سنة. قلت : فالجمعة؟ قال : هو سنة». قال في الذكرى : «الظاهر ان غسل العيدين ممتد بامتداد اليوم عملا بإطلاق اللفظ ويتخرج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة أو الى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر الأصحاب» أقول : لا يخفى ضعف هذا التخريج إلا انه يمكن ان يؤيد ما نسبه الى ظاهر الأصحاب بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يغتسل يوم العيد حتى يصلي؟ قال ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة وان مضى الوقت فقد جازت صلاته». أقول : ويستفاد من هذا الخبر ان الغسل انما هو للصلاة لا لليوم كما اشتهر بينهم وان وقته يمتد بامتداد وقتها فيكون الحكم فيه كغسل الجمعة ، إلا ان في امتداد وقت صلاة العيد الى الزوال ما سيأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في باب صلاة العيد. ومن هذا الخبر ايضا يستفاد استحباب الإعادة بنسيان الغسل كما ذكره الشيخ حيث حمل الخبر على ذلك. ووقت هذا الغسل بعد الفجر لما رواه عبد الله بن جعفر

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٨٥

الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته هل يجزئه ان يغتسل قبل طلوع الفجر هل يجزئه ذلك من غسل العيدين؟ قال ان اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزئه وان اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه».

ومنها ـ أغسال شهر رمضان ، والمشهور في الأخبار وكلام الأصحاب هو الغسل في الليالي الثلاث المشهورة ، روى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان : في تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين. قال والغسل في أول الليل وهو يجزئ الى آخره». وعن سليمان بن خالد في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) كم اغتسل في شهر رمضان ليلة؟ قال ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين.». ويستحب في ليلة ثلاث وعشرين مرتين في أول الليل وآخره ، رواه الشيخ عن بريد (٤) قال : «رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين مرتين مرة من أول الليل ومرة من آخر الليل». ورواه ابن طاوس في كتاب الإقبال بإسناده إلى بريد بن معاوية مثله (٥) «وفيه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان». ونحوهما رواية محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمتان في الباب (٦) وهو محمول على الأغسال المؤكدة ودونه في الفضل غسل أول ليلة من شهر رمضان كما تقدم في موثقة سماعة ، وليلة سبع عشرة منه كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم ، وقد جمع غسل هذه الخمس الليالي في كتاب الفقه كما تقدم في عبارته من قوله : «وخمس ليال من شهر رمضان. الى آخره».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٥ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٦) ص ١٨٠.

١٨٦

ودون هذه الأغسال الخمسة في الفضل أغسال أخر ذكرها السيد العابد الزاهد المجاهد رضي الدين بن طاوس في الإقبال ، قال : روى ابن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان بإسناده الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه». قال وقد ذكره جماعة من أصحابنا الماضين. أقول : قد ذكر الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان جملة من المتأخرين تبعا لما وجدوه في كلام من تقدمهم ولم يقفوا على نص فيه ، قال في المعتبر بعد ان نقل القول بذلك ونسبه الى الثلاثة : «ولعله لشرف تلك الليلة واقترانها بالطهر حسن» ثم قال السيد (رضي‌الله‌عنه) على اثر الكلام المتقدم : وقد روي ان الغسل أول الليل. وروي بين العشاءين وروينا ذلك عن الأئمة الطاهرين (عليهم‌السلام) (٢). ورأيت في كتاب اعتقد انه تأليف أبي محمد جعفر بن أحمد القمي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر الى شهر رمضان من قابل». قال ومن الكتاب المشار اليه عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) «من أحب ان لا تكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فلا تكون به الحكة إلى شهر رمضان من قابل». قال ومن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عياش الجوهري بإسناده عن علي (عليه‌السلام) (٥) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشاءين». قال وروينا بإسنادنا إلى سعد بن عبد الله عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٦) قال «من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصب على رأسه ثلاثين غرفة كان دواء السنة ، وان أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان». قال ومن كتاب جعفر بن سليمان عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٨٧

«من ضرب وجهه بكف من ماء ورد أمن ذلك اليوم من الذلة والفقر ، ومن وضع على رأسه ماء ورد أمن تلك السنة من البرسام.». قال وروينا عن الشيخ المفيد في المقنعة في رواية عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «انه يستحب الغسل ليلة النصف من شهر رمضان». قال وروينا بإسنادنا الى محمد بن ابي عمير من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة». قال وروى علي بن عبد الواحد في كتابه بإسناده إلى عيسى بن راشد عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الغسل في شهر رمضان؟ فقال كان ابي يغتسل في ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين». قال ومن الكتاب المذكور بإسناده عن ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الغسل في شهر رمضان؟ فقال اغتسل ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين».

أقول : وقد ظهر من مجموع هذه الاخبار بضم بعضها إلى بعض ان الأغسال في شهر رمضان في الليلة الاولى وليلة النصف وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة والعشرة الأخيرة وان ترتبت في الفضل كما أشرنا إليه آنفا ، فهذه أربعة عشر غسلا في شهر رمضان. واما ما ذكره بعض الأصحاب من الاستحباب في فرادى شهر رمضان فلم أقف فيه على نص زيادة على ما أوردته إلا ان ابن طاوس قال في سياق اعمال الليلة الثالثة وفيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية التي تضمنت ان كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب فيها الغسل فإنه يؤذن بوصول الرواية إليه بذلك.

ومنها ـ غسل الزيارة للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد تقدم ولزيارة أمير المؤمنين والحسين والرضا (عليهم‌السلام) والاخبار به في زياراتهم كثيرة وظاهر الأصحاب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٨٨

طرده في زيارة جميع الأئمة (عليهم‌السلام) قال شيخنا صاحب رياض المسائل : «لم نقف عليه عموما نعم ورد بخصوص بعض المواد كزيارة علي والحسين والرضا (عليهم‌السلام) أحاديث كثيرة وعسى الله تعالى ان يمن بدليل على التعميم أو التنصيص في زيارة كل واحد من الأئمة ان شاء الله تعالى» أقول : ومما يدل على التعميم ما رواه الشيخ في التهذيب عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٢) قال الغسل عند لقاء كل امام». وهو دال بعمومه على استحباب الغسل للدخول عليهم احياء وأمواتا. وعلى التخصيص ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارة في زيارة الكاظم والجواد (عليهما‌السلام) عن محمد بن عيسى بن عبيد عمن ذكره عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) وفيه قال : «إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي (عليهما‌السلام) فاغتسل وتنظف والبس ثوبيك الطاهرين. الحديث». وما رواه أيضا في الكتاب المذكور في زيارة أبي الحسن وابي محمد (عليهما‌السلام) (٤) قال : «روي عن بعضهم (عليهم‌السلام) انه قال إذا أردت زيارة قبر ابي الحسن علي بن محمد وابي محمد الحسن بن علي (عليهما‌السلام) تقول بعد الغسل ان وصلت الى قبريهما وإلا أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع. الحديث». وأمثال ذلك يقف عليه المتتبع ولكنه لعدم الشهرة لم يصل الى نظر شيخنا المشار اليه (قدس‌سره).

ومنها ـ غسل المولود حين الولادة لما تقدم في موثقة سماعة (٥) من قوله : «وغسل المولود واجب». وذهب شذوذ من أصحابنا إلى القول بالوجوب لظاهر الخبر المذكور ، والمشهور الاستحباب وحمل الوجوب على مزيد التأكيد كما في غيره (فان

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب المزار.

(٢) سورة الأعراف. الآية ٣١.

(٣) ص ٣٠١.

(٤) ص ٣١٣.

(٥) ص ١٧٩.

١٨٩

قيل) : ان الخبر المذكور لا معارض له يوجب تأويله وإخراج اللفظ عن ظاهره (قلت) : الذي حققناه في غير موضع من زبرنا ان لفظ الوجوب عند أهل الأصول وان كان حقيقة فيما لا يجوز تركه إلا انه في الأخبار ليس كذلك فإنه كما ورد استعماله في هذا المعنى ورد ايضا استعماله في تأكيد الاستحباب وبالمعنى اللغوي مما لا يحصى كثرة ، فهذا اللفظ عندنا من الألفاظ المشتركة لا يحمل على معنى من هذه المعاني إلا مع القرينة ، وحينئذ فلا ينهض الخبر المذكور حجة في الوجوب سيما مع تكرر التعبير بالوجوب في هذه الرواية في جملة من الأغسال التي لا خلاف في استحبابها ، وحينئذ فالاستحباب هو الأظهر. ولا بد فيه من النية ، وقصد القربة كما في العبادات ، وليس المراد به غسل النجاسة كما توهمه بعض الأصحاب. واستدل صاحب الوسائل على هذا الغسل ايضا بما رواه الصدوق في العلل بسنده فيه عن ابي بصير عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «اغسلوا صبيانكم من الغمر فان الشيطان يشم الغمرة فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان». وهذا من جملة غفلاته فان الغمر هنا بمعنى دسومة اللحم ومورد الخبر انما هو استحباب غسل الدسومة عن الصبي إذا أكل شيئا فيه دسومة وكذا الرجل أيضا بقرينة قوله : «يتأذى به الكاتبان» واين هذا من غسل المولود؟

ومنها ـ غسل المباهلة كما تضمنته موثقة سماعة أيضا ، والظاهر من كلام الأصحاب ان المراد هو الغسل يوم المباهلة وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة أو الخامس والعشرون منه على الخلاف ، ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى المولى محمد تقي المجلسي مكتوبا على الحديث المشار اليه ما صورته : «ليس المراد بالمباهلة اليوم المشهور وهو الرابع والعشرون أو الخامس والعشرون من ذي الحجة حيث بأهل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع نصارى نجران بل المراد به الاغتسال لإيقاع المباهلة مع الخصوم في كل حين كما في الاستخارة ، وقد وردت به رواية صحيحة في الكافي وكان ذلك

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٩٠

مشتهرا بين القدماء على ما لا يخفى» انتهى. أقول : وما ذكره وان كان خلاف ما هو المفهوم من كلام الأصحاب كما أشرنا اليه إلا ان الخبر ـ كما عرفت ـ مجمل لا تخصيص فيه باليوم كما ذكروه بل ظاهره انما هو ما ذكره الفاضل المشار اليه ، وما ذكروه يحتاج الى تقدير في اللفظ والأصل عدمه ، وفهم الأصحاب منه ذلك ليس بحجة. واما الحديث الذي أشار إليه بأنه في الكافي وانه مشتمل على الغسل فهو ما رواه فيه (١) عن ابي مسروق عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر الى ان قال : «فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة. قلت وكيف اصنع؟ قال أصلح نفسك ثلاثا ، وأظنه قال وصم واغتسل وابرز أنت وهو الى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه. الحديث».

ويظهر ذلك ايضا من كلام الشيخ المفيد الآتي نقله ان شاء الله تعالى في المقام. وكيف كان فالأحوط العمل بما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ومنها ـ غسل الاستسقاء كما تضمنته الموثقة المشار إليها.

ومنها ـ غسل ليلة الفطر لما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الناس يقولون ان المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر؟ فقال يا حسن ان القاريجار (٣) انما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد. قلت فما ينبغي لنا ان نعمل فيها؟ فقال إذا غربت الشمس فاغتسل. الحديث».

ومنها ـ غسل التوبة لما رواه في الكافي عن مسعدة بن زياد (٤) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال له رجل اني ادخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن؟ فقال (عليه‌السلام)

__________________

(١) الأصول ج ٢ ص ٥١٣.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣) معرب (كارگر) وهو العامل.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٩١

لا تفعل. فقال الرجل والله ما اتيتهن وانما هو سماع أسمعه بأذني؟ فقال بالله أنت ما سمعت الله يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١) فقال الرجل بلى والله كأني لم اسمع بهذه الآية من عربي ولا عجمي لا جرم اني لا أعود ان شاء الله تعالى واني استغفر الله تعالى. فقال له قم فاغتسل وصل ما بدا لك فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان اسوأ حالك لو متّ على ذلك ، احمد الله واسأله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا كل قبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا». ونقل في الذكرى عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) انه قيده بالتوبة عن الكبائر. أقول : لعله (قدس‌سره) وقف في ذلك على حديث آخر زيادة على هذا الخبر.

وظاهر كلام صاحب المعتبر الاعتماد في هذا الحكم على فتوى الأصحاب دون الخبر المذكور لضعفه عنده ، قال بعد ذكر هذه الرواية نقلا عن التهذيب ـ انه قال : «روي عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال لمن ذكر انه يسمع الغناء من جوار يتغنين : قم فاغتسل وصل ما بدا لك واستغفر الله تعالى واسأله التوبة». ـ ما صورته : وهذه مرسلة وهي متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها. والعمدة فتوى الأصحاب منضما الى ان الغسل خير فيكون مرادا ، ولانه تفأل بغسل الذنب والخروج من دنسه. انتهى. والعجب من صاحب المدارك هنا حيث تبعه على هذا الاستدلال واعتضد بما ذكره في هذا المجال من هذا الكلام المزيف الظاهر الاختلال.

وفيه (أولا) ـ ما عرفت من ان الخبر المذكور وان رواه الشيخ كما ذكره إلا انه رواه في الكافي كما نقلناه عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد ، وهو ـ كما ترى ـ في أعلى مراتب الصحة ، اما علي بن إبراهيم فحاله في الوثاقة ظاهرة ، واما هارون بن مسلم فقال النجاشي انه ثقة وجه ، واما مسعدة بن زياد فقال فيه ايضا انه ثقة عين ، وحينئذ فالرواية في أعلى مراتب الصحة.

__________________

(١) سورة بني إسرائيل. الآية ٣٦.

١٩٢

و (ثانيا) ـ ان ما ذكره ـ من أنها متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها ـ مردود بأنه لا يخفى ان مورد الرواية وان كان استماع الغناء إلا ان استدلال الإمام بالآية وسياق الرواية مشعران بالعموم لكل معصية حصل الإصرار عليها ، على انه لو تم ما ذكره من قصر الأحكام على موضع السؤال في الاخبار لضاق المجال في استنباط الأحكام ولزم خلو أكثرها من الدليل ، وظاهر الأصحاب هو التعدية الى ما عدا موضع السؤال من باب تنقيح المناط القطعي ما لم يعلم الاختصاص بموضع السؤال وهو المستند في أكثر الأحكام في كل مقام ، ومن أجل ما ذكرناه حكم الأصحاب هنا بالعموم في هذا الخبر ولم يخالف فيه إلا هو ومن تبعه.

و (ثالثا) ـ ان ما ذكره من ان العمدة فتوى الأصحاب ففيه ان فتوى الأصحاب متى كان لا عن دليل فالمتابعة فيه سيما من مثله من المحققين غير جائز ولا واضح السبيل ، فإنه مأخوذ على الفقيه ان لا يفتي ولا يعتمد إلا على الدليل الشرعي والبرهان القطعي في وجوب أو استحباب أو غيرهما لا على الفتاوى العارية عن الدليل كما عليه العلماء جيلا بعد جيل ، ومن الظاهر ان فتوى الأصحاب بهذا الحكم انما هو عن هذه الرواية المذكورة ، وضعفها عنده لا يوجب ضعفها عندهم لأنهم لا يرون العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، وحينئذ فالعمل بفتواهم عمل بالرواية البتة ، فالتستر بالعمل بفتواهم كما ذكره مع صراحة الرواية لا معنى له بالكلية.

و (رابعا) ـ ان ما ذكره من ان الغسل خير. إلخ فيه انه لا ريب ايضا انه قد ورد (١) «ان الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر». إلا انه لو صلى المكلف نافلة في وقت مخصوص أو مكان مخصوص أو على هيئة مخصوصة معتقدا شرعية تلك الخصوصيات واستحبابها من غير دليل في المقام فإنه تشريع محرم وعبادته باطلة بل موجبة للعقاب فضلا عن عدم الثواب ، ومن ثم خرجت الاخبار ناعية على المخالفين

__________________

(١) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

١٩٣

بدعية صلاة الضحى (١) باعتبار اعتقاد الاستحباب في هذا الوقت من غير نص ولا دليل على ذلك ، وكذلك جملة من الأذكار التي تعملها الصوفية وان كان أصل الصلاة وأصل الذكر مستحبا ، والحكم في هذا الغسل كذلك مع عدم قيام الدليل على استحبابه ومشروعيته. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) كلام شعري مزيف لا ينبغي ان يعمل عليه وان تابعه في المدارك عليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب قد صرحوا بأن التوبة التي يستحب معها الغسل أعم من ان تكون توبة عن فسق أو عن كفر وان كان ارتدادا. وعلله في المنتهى بان الكفر أعظم من الفسق وقد ثبت استحباب الغسل للفاسق فالكافر اولى ، ولان تعليله (عليه‌السلام) امره بالاغتسال يدل عليه من حيث المفهوم ، ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر قيس بن عاصم لما أسلم بالاغتسال بماء وسدر (٢) وأنت خبير بما في هذه الأدلة من الوهن ، والتعليلان الأولان لا يخرجان عن القياس ، والثالث موقوف على ثبوت الرواية والظاهر انها ليست من طرقنا ، ومع هذا فقد أجيب عنها بأنه يجوز ان يكون امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالغسل انما هو لحدث الجنابة في حال الكفر إذ قل ما يخلو الإنسان منه. والجواب الحق منع ثبوت الخبر لما قدمناه في بحث غسل الجنابة من ان الكافر غير مخاطب بالفروع حال كفره وان كان خلاف المشهور عندهم. وظاهر الأكثر انه للتوبة عن الذنب مطلقا وقيده الشيخ المفيد بالكبائر وظاهر الخبر يساعده وقول المحقق الثاني في شرح القواعد ـ ان ظاهر الخبر يدفع التقييد بالكبيرة ـ غير ظاهر ، فان ظاهر الخبر ان الرجل كان مصرا على الذنب وان كان صغيرة و «لا صغيرة مع الإصرار» (٣). ويشهد به قوله (عليه‌السلام) : «كنت مقيما على أمر عظيم ما كان

__________________

(١) رواها في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٢) رواه أحمد في المسند ج ٥ ص ٦١ وابن حجر في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٤٠٤.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب جهاد النفس.

١٩٤

اسوأ حالك لو متّ على ذلك».

ومنها ـ غسل من قتل وزغا لما رواه في الكافي عن عبد الله بن طلحة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الوزغ؟ فقال هو رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل». ورواه الصفار في بصائر الدرجات (٢) وروى الصدوق مرسلا (٣) قال : «روي ان من قتل وزغا فعليه الغسل». وظاهره الوجوب إلا انه محمول على الاستحباب عند الأصحاب ، قال في الفقيه : «وقال بعض مشايخنا ان العلة في ذلك انه يخرج من ذنوبه فيغتسل منها» أقول : يعني انه كما كانت التوبة سببا للخروج من الذنوب كذلك قتل الوزغ سبب للخروج منها فيغتسل من قتله كما يغتسل للتوبة.

ثم انه لا يخفى ان حديث عبد الله بن طلحة المذكور مقتطع من حديث طويل نقله في الكافي (٤) في ذكر أحوال بني أمية قال في تتمة الخبر المذكور : «وقال (عليه‌السلام) ان ابي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال ابي للرجل أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ قال لا علم لي بما يقول. قال فإنه يقول والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمن عليا (عليه‌السلام) حتى يقوم من ههنا ، قال : وقال ابي ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا ، قال وقال ان عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت مسخ وزغا فذهب من بين يدي من كان عنده وكان عنده ولده فلما ان فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون ثم اجتمع أمرهم على ان يأخذوا جذعا فيضعوه كهيئة الرجل قال ففعلوا ذلك والبسوا الجذع درع حديد ثم لفوه في الأكفان فلم يطلع عليه أحد من الناس إلا انا وولده». أقول : ومما أوردناه من تتمة الخبر يعلم ما تضمنه صدره من ان الوزغ رجس وهو مسخ كله وما ذكره ذلك البعض الذي نقل عنه الصدوق من العلة المذكورة في الغسل من قتله. وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٥) قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٤) الروضة طبع سنة ١٣٧٧ ص ٣٣٢.

(٥) رواه في الوافي ج ٢ ص ٥٤.

١٩٥

«سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من حجرته ومروان وأبوه يستمعان الى حديثه فقال له الوزغ ابن الوزغ ، قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فمن يومئذ يرون ان الوزغ يستمع الحديث». وروى فيه عن زرارة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول لما ولد مروان عرضوا به لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يدعو له فارسلوا به الى عائشة فلما قربته منه قال أخرجوا عني الوزغ ابن الوزغ ، قال زرارة ولا أعلم إلا انه قال ولعنه». أقول : نقل بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) ورود مثل هذه الاخبار من طرق العامة أيضا كما في كتاب حياة الحيوان (٢) وفي مستدرك الحاكم (٣) عن عبد الرحمن بن عوف انه قال : «كان لا يولد لأحد مولود إلا اتي به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيدعو له فادخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون».

__________________

(١) رواه في الوافي ج ٢ ص ٥٤.

(٢) رواه في مادة «وزغ» عن المستدرك.

(٣) ج ٤ ص ٤٧٩ ثم قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وفي الفائق للزمخشري ج ٣ ص ١٥٩ طبعة مصر ونهاية ابن الأثير ج ٤ ص ٢٢١ طبعة مصر وتاج العروس ج ٦ ص ٣٥ ولسان العرب ج ٨ ص ٥٢٤ مادة «وزغ» «ان الحكم بن ابى العاص كان يحكى مشية النبي «ص» استهزاء به فالتفت اليه رسول الله «ص» وقال : اللهم اجعل به وزغا. فرجف مكانه فلم تفارقه الرجفة والرعشة». وفي الإصابة ترجمة الحكم «انه كان يغمز النبي «ص» بإصبعه مستهزئا به فالتفت اليه وقال : اللهم اجعله وزغا. فرجف مكانه». وفي تهذيب الأسماء للنووي ج ٢ ص ٨٧ «كان الحكم يفشي سر رسول الله «ص» فطرده إلى الطائف». وفي أنساب الاشراف للبلاذري ج ٥ ص ١٢٥ «اطلع الحكم بن ابى العاص على بعض حجرات نساء النبي فخرج إليه النبي «ص» بعنزة وقال من عذيري من هذه الوزغة؟ وكان يفشي أحاديثه فلعنه وسيره إلى الطائف». وفي ص ١٢٦ «استأذن الحكم على رسول الله «ص» فقال أئذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم».

١٩٦

وقال في المعتبر بعد نقل مرسلة الصدوق دليلا على الحكم المذكور والتعليل الذي نقله عن بعض مشايخه ما صورته : «وعندي ان ما ذكره ابن بابويه ليس حجة وما ذكره المعلل ليس طائلا لانه لو صحت علته لما اختص الوزغة» انتهى. وفيه ان المعتمد في الاستدلال انما هو الرواية المسندة في الكافي وان كانت هذه المرسلة أيضا صالحة للدلالة لان إرسال الصدوق لا يقصر عن مثل ابن ابي عمير وغيره ممن عملوا على مراسيلهم ، وما ذكره من المناقشة في التعليل المذكور ففيه ان العلل الشرعية ليس سبيلها سبيل العلل العقلية التي يجب دوران المعلول مدارها وجودا وعدما ليرد ما ذكره بل الغرض منها أمور أخر ، والمراد من العلة هنا هو بيان نكتة مناسبة كما في جملة منها في غير هذا الموضع.

ومنها ـ السعي إلى رؤية مصلوب ليراه عامدا وقيده بعضهم بكونه بعد ثلاثة أيام ، والأصل في ذلك ما رواه في الفقيه مرسلا (١) قال : «وروي ان من قصد الى مصلوب فنظر اليه وجب عليه الغسل عقوبة». ونقل عن ابي الصلاح انه حكم بوجوب هذا الغسل نظرا الى ظاهر لفظ الوجوب هنا ، وظاهر الخبر المذكور ان مجرد السعي غير كاف بل لا بد من الرؤية مع ذلك ، وقيده جملة من الأصحاب بكونه بعد الثلاثة من صلبه أو موته ، والخبر ـ كما ترى ـ مطلق ، قالوا ولا فرق بين المصلوب الشرعي وغيره ولا بين كونه على الهيئة المعتبرة شرعا وعدمه ، كل ذلك لإطلاق الدليل ، وهو كذلك وأول وقته الرؤية.

والمحقق في المعتبر ومثله في المدارك ردا روايتي غسل المولود وغسل رؤية المصلوب بضعفهما سندا عن إثبات الوجوب وأثبتا بهما الاستحباب.

وفيه ان الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل وإلا كان قولا على الله تعالى بغير دليل وهو منهي عنه آية ورواية ، فإن كانت الروايات الضعيفة باصطلاحهم

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٩٧

أدلة شرعية ثبت بها ما دلت عليه من وجوب أو استحباب وإلا فلا يثبت بها حكم شرعي مطلقا.

والقول بأن أدلة الاستحباب مما يتسامح فيها ضعيف ، وبذلك صرح في المدارك ايضا حيث قال في أول الكتاب في شرح قول المصنف بعد عد أسباب الوضوء الموجبة له : «والندب ما عداه» فذكر في هذا المقام جملة الوضوءات المستحبة المستفادة من الاخبار وطعن في جملة منها بان في كثير منها قصورا من حيث السند ، قال : «وما قيل من ان أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام» هذا كلامه ثمة وان خالفه في جملة من المواضع كهذا الموضع وغيره وكل ذلك ناشى‌ء من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح.

أقول : لا يخفى انه قد وقع لنا تحقيق نفيس في هذه المسألة لا يحسن ان يخلو عنه كتابنا هذا ، وهو انه قد صرح جملة من الأصحاب في الاعتذار عن جواز العمل بالأخبار الضعيفة في السنن بان العمل في الحقيقة ليس بذلك الخبر الضعيف وانما هو بالأخبار الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره الدالة على ان من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كان له وان لم يكن كما بلغه ، ومن الاخبار الواردة بذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «من سمع شيئا من الثواب على شي‌ء من العمل فصنعه كان له وان لم يكن على ما بلغه». وفي بعضها (٢) «من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وان كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يقله». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.

وقد اعترضهم في هذا المقام بعض فضلاء متأخري المتأخرين فقال بعد ذكر جملة

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب مقدمة العبادات.

١٩٨

من تلك الاخبار والاستدلال بها على جواز العمل بالخبر الضعيف ـ ما صورته : «قد اعتمد هذا الاستدلال الشهيد الثاني وجماعة من المعاصرين ، وعندي فيه نظر إذ الأحاديث المذكورة انما تضمنت ترتب الثواب على العمل وذلك لا يقتضي طلب الشارع له لا وجوبا ولا استحبابا ، ولو اقتضى ذلك لاستندوا في وجوب ما تضمن الحديث الضعيف وجوبه الى هذه الاخبار كاستنادهم إليها في استحباب ما تضمن الخبر الضعيف استحبابه ، وإذا كان الحال كذلك فلقائل أن يقول لا بد من شرعية ذلك العمل وخيريته بطريق صحيح ودليل مسلم صريح جمعا بين هذه الاخبار وبين ما دل على اشتراط العدالة في الراوي ، وأيضا الآية الدالة على رد خبر الفاسق وهي قوله تعالى : «... إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...» (١) أخص من هذه الاخبار إذ الآية مقتضية لرد خبر الفاسق سواء كان مما يتعلق بالسنن أو غيره وهذه الاخبار تقتضي ترتب الثواب على العمل الوارد بطريق عن المعصوم (عليه‌السلام) سواء كان المخبر عدلا أو غير عدل طابق الواقع أم لا ، ولا ريب ان الأول أخص من الثاني فيجب تخصيص هذه الاخبار بالآية جريا على القاعدة من العمل بالخاص في مورده وبالعام فيما عدا مورد الخاص ، فيجب العمل بمقتضى الآية وهو رد خبر الفاسق سواء كان على عمل يتضمن الثواب أو غيره ويكون معنى قوله (عليه‌السلام) : «وان لم يكن كما بلغه»

ونحوه إشارة الى ان خبر العدل قد يكذب إذ الكذب والخطأ جائزان على غير المعصوم والخبر الصحيح ليس بمعلوم الصدق. انتهى كلامه. وأورد عليه بعض مشايخنا المعاصرين حيث أورد أولا جملة الأخبار الدالة على ان من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله كان له ذلك وان لم يكن كما بلغه ، ثم أورد اعتراض هذا الفاضل ثم قال : وأنت خبير بما فيه (اما الأول) ـ فقد ظهر بما حررناه ضعفه ، على ان الحكم بترتب الثواب على عمل يساوق رجحانه جزما إذ لا ثواب على

__________________

(١) سورة الحجرات. الآية ٦.

١٩٩

غير الواجب والمستحب كما لا يخفى. (واما الثاني) فمرجعه بعد التحرير الى ان الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب فلم خصوا الحكم بالمستحب؟ كذا قرر السؤال بعض مشايخنا المعاصرين. وجوابه ان غرضهم (قدس الله أرواحهم) ان تلك الأحاديث انما تثبت ترتب الثواب على فعل ورد فيه خبر يدل على ترتب الثواب لا انه يعاقب على تركه وان صرح به في الخبر الضعيف ، لقصوره في حد ذاته عن إثبات ذلك الحكم وتلك الأحاديث لا تدل عليه ، فالحكم الثابت لنا من هذا الخبر بانضمام تلك الاخبار ليس إلا الحكم الاستحبابي. أقول : قد يقال ان اللازم مما حررناه كون الحكم الثابت بانضمام تلك الاخبار هو مطلق الرجحان الشامل للوجوب والندب لا الحكم الاستحبابي بخصوصه. إذ كما ان قيد العقاب على تركه مما لا تدل عليه تلك الاخبار فكذلك جواز تركه لا الى بدل لا تدل عليه ايضا ولا سيما مع تصريح الخبر الضعيف بضده اعني العقاب على تركه ، نعم قد يخص الحكم الاستحبابي باعتبار ضميمة أصالة عدم الوجوب وأصالة براءة الذمة منه ، فتأمل. ولو لم يحرر السؤال الثاني على الوجه الذي قررناه كان بطلانه أظهر وفساده أبين كما لا يخفى. و (اما السؤال الثالث) ـ ففيه (أولا) ـ ان التحقيق ان بين تلك الروايات وبين ما دل على عدم العمل بقول الفاسق من الآية المذكورة ونحوها عموما من وجه ، فلو قرر السؤال ـ على حد ما حرره بعض المحققين ـ هكذا : لما كان بينهما عموم من وجه كما أشرنا إليه فلا ترجيح لتخصيص الثاني بالأول بل ربما رجح العكس لقطعية سنده وتأيده بالأصل إذ الأصل عدم التكليف وبراءة الذمة ، كان أقرب الى الاعتبار والاتجاه ، مع ما فيه من النظر والكلام إذ يمكن ان يقال ان الآية الكريمة انما تدل على عدم العمل بقول الفاسق بدون التثبت ، والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايات المعتبرة المستفيضة ليس عملا بلا تثبت كما ظنه السائل فلم تتخصص الآية الكريمة بالأخبار بل بسبب ورودها خرجت تلك الأخبار الضعيفة عن عنوان الحكم المثبت في الآية الكريمة ، فتأمل. انتهى كلامه.

٢٠٠