الحدائق الناضرة - ج ٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٩

بحيث يسع جثته (عليه‌السلام) لرخاوة أرض المدينة» أقول : لا يخفى ما فيه فإنه لو كان كذلك كيف يلحد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليس بين قبر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبين البقيع ما يقتضي اختلاف الأرض شدة ورخاوة. وعندي ان هذا التعليل انما خرج مسامحة ومجاراة وإلا فالأصل انما هو أفضلية الشق ، ثم قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور بعد نقل حديث وصية الرضا (عليه‌السلام) : «لعل اختيار الشق هنا لأمر يخصه (عليه‌السلام) أو يخص ذلك المكان كما ان الحفر سبع مراقي كذلك ويدل على استحباب توسيع اللحد» واما حديث إسماعيل بن همام فرده في المنتهى بضعف السند. وصرح المحقق في المعتبر بناء على ما اختاره من أفضلية اللحد بأنه لو كانت الأرض رخوة لا تحمل اللحد يعمل له شبه اللحد من بناء تحصيلا للافضلية.

(الرابع) ـ ان يضع الجنازة على الأرض إذا وصل الى القبر مما يلي رجليه والمرأة مما يلي القبلة وأن ينقله في ثلاث دفعات ، كذا صرح به الأصحاب.

أقول : اما الحكم الأول فقد نقله في المعتبر عن الشيخ في النهاية والمبسوط وابن بابويه في كتابه ، وقال في المدارك انه لم يقف فيه على نص ، قال : وانما علل ذلك بأنه أيسر في فعل ما هو الاولى من إرسال الرجل سابقا برأسه والمرأة عرضا ، واختيار جهة القبلة لشرفها. أقول : ما ذكره من عدم وجود النص في المسألة مسلم بالنسبة إلى المرأة حيث اني بعد التتبع التام لم أقف على ما يدل على ما ذكروه من وضعها مما يلي القبلة بل ظاهر النصوص وضع الجنازة رجلا كان أو امرأة مما يلي الرجلين ومن ذلك خبر محمد بن عجلان الأول ومرسلة محمد بن عطية (١) فإن المراد فيهما بأسفل القبر ما يلي الرجلين ، وأوضح منهما دلالة ما ورد في عدة اخبار (٢) «ان لكل بيت بابا وان باب القبر من قبل الرجلين». ومنها ـ موثقة عمار (٣) وفيها «لكل شي‌ء باب وباب القبر مما يلي الرجلين إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين. الخبر». وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ

__________________

(١) ص ١٠٣.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الدفن.

١٠١

شاملة بإطلاقها للرجل والمرأة ، وبذلك يظهر ان ما ذكره في المدارك ـ من انه لم يقف على نص في وضع الرجل مما يلي الرجلين ـ ليس في محله بل النصوص ـ كما ترى ـ ظاهرة فيه ، ويمكن ان يستفاد ما ذكره الأصحاب بالنسبة إلى المرأة أيضا والفرق بينها وبين الرجل من عبارة الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «وان كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا». فان ظاهر العبارة ان جنازة المرأة توضع من قبل اللحد واللحد انما يكون في القبلة كما تقدم في عبارة المعتبر وجنازة الرجل تؤخذ من قبل رجلي القبر ، وقضية الأخذ من ذلك المكان كون هذا المكان المأخوذ منه هو الذي وضعت فيه الجنازة لما وصلت الى القبر ، وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه ايضا ، وحينئذ فيجب تخصيص تلك الاخبار بالرجل وبه يدفع الإيراد على الأصحاب بعدم وجود المستند لما ذكروه من التفصيل ، وقد عرفت نظير ذلك في غير موضع ، ومثل عبارة كتاب الفقه المذكورة رواية الأعمش الآتية (٢) قريبا ان شاء الله تعالى ، والتقريب فيهما معا واحد.

واما الحكم الثاني فقد ذكره الصدوق في الفقيه (٣) فقال : «وإذا حمل الميت الى قبره فلا يفاجأ به القبر لان للقبر أهوالا عظيمة ، ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع ويضعه قرب شفير القبر ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه قليلا ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته ثم يقدمه الى شفير القبر ويدخله القبر من يأمره ولي الميت ان شاء شفعا وان شاء وترا ، ويقال عند النظر الى القبر : اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار» انتهى. قال في المدارك بعد نقل الثلاث دفعات عن الصدوق في الفقيه والشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر : والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الروايات صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ينبغي ان يوضع الميت دون

__________________

(١) ص ١٨.

(٢) ص ١٠٥.

(٣) ج ١ ص ١٠٧.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب الدفن.

١٠٢

القبر هنيئة ثم واره». ومرسلة محمد بن عطية (١) قال : «إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه به ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته ثم ضعه في لحده.». ورواية محمد بن عجلان (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تفدح ميتك بالقبر لكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه حتى يأخذ أهبته». ولا يخفى انتفاء دلالة هذه الروايات على ما ذكره الأصحاب بل انما تدل على استحباب وضعه دون القبر هنيئة ثم دفنه. وبمضمونها افتى ابن الجنيد والمصنف في المعتبر في آخر كلامه ، وهو المعتمد. انتهى. أقول : ومن روايات المسألة مما هو من هذا القبيل ما رواه ثقة الإسلام عن يونس (٣) قال : «حديث سمعته عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) ما ذكرته وانا في بيت إلا ضاق علي ، يقول إذا أتيت بالميت الى شفير القبر فأمهله ساعة فإنه يأخذ أهبته للسؤال». وما رواه الشيخ عن محمد بن عجلان (٤) قال : «سمعت صادقا يصدق على الله تعالى ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ قال : إذا جئت بالميت الى قبره فلا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به. الحديث».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكره الصدوق مما قدمنا نقله عنه فإنما أخذه من الفقه الرضوي على النهج الذي عرفت سابقا وستعرف مثله ان شاء الله تعالى ، قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (٥) : «وإذا حملت الميت الى قبره فلا تفاجئ به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكن ضعه دون شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه الى شفير القبر ، ويدخله القبر من يأمره ولي الميت ان شاء شفعا وان شاء وترا ، وقل إذا نظرت الى القبر : اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار». انتهى. ومنه يعلم ان مستند الصدوق في هذا الحكم انما هو الكتاب المذكور ومن تأخر عنه أخذ ذلك منه أو من

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب الدفن.

(٥) ص ١٨.

١٠٣

الكتاب المذكور ، ومنه يعلم مستند القول المشهور وان خفي على الأكثر من أصحابنا المتأخرين والجمهور لعدم وصول الكتاب إليهم. وقال الصدوق في العلل (١) بعد نقل رواية محمد بن عجلان المتقدمة : «وروى في حديث آخر : إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكنه ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه الى شفير القبر». انتهى. والظاهر ان هذه الرواية المرسلة مأخوذة من الكتاب المذكور كما ترى فإن العبارة واحدة. بقي الكلام في الجمع بين هذه الروايات وبين ما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي ، والظاهر حمل كلامه (عليه‌السلام) على مزيد الفضل والاستحباب فإنه أبلغ في الأهبة والاستعداد وان تأدى أصل الحكم بما في تلك الأخبار ، قوله (عليه‌السلام) : «فلا تفجأ به القبر» قال في المصباح المنير : «فجأت الرجل افجأه مهموز من باب تعب وفي لغة بفتحتين : جئته بغتة» وحينئذ يكون المعنى هنا لا تأت بميتك القبر بغتة ، واما على رواية «تفدح به القبر» فقال في القاموس : «فدحه الدين كمنعه : أثقله» ولعل المراد لا تجعل القبر ودخوله ثقيلا على ميتك بإدخاله فيه بغتة ، واما هول المطلع فقال في النهاية : «هول المطلع يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال» انتهى قوله : «ويدخله القبر. الى آخره» فيه دلالة على عدم تعين عدد مخصوص وبه قال الأصحاب ، قال في المنتهى : «لا توقيت في عدة من ينزل القبر وبه قال احمد ، وقال الشافعي يستحب ان يكون وترا (٢)» وفي الخبر المذكور دلالة على ان الاختيار في ذلك للولي ، وهو كذلك من غير خلاف يعرف. والله العالم.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب الدفن.

(٢) كما في المغني ج ٢ ص ٥٠٣ والبحر الرائق ج ٢ ص ١٩٣ والمهذب ج ١ ص ١٣١.

١٠٤

(المطلب الثاني) ـ في الآداب المقارنة وهي أمور (منها) ـ ان يرسل الميت الى القبر سابقا برأسه ان كان رجلا والمرأة عرضا ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الصمد بن هارون (١) رفع الحديث قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أدخلت الميت القبر ان كان رجلا يسل سلا والمرأة تؤخذ عرضا فإنه أستر». وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «يسل الرجل سلا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون اولى الناس بالمرأة في مؤخرها». وما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) في حديث شرائع الدين قال : «والميت يسل من قبل رجليه سلا والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد والقبور تربع ولا تسم». وما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (٤) حيث قال : «وان كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا». هذا ، وجملة من الاخبار قد تضمنت السل مطلقا : منها ـ صحيحة الحلبي أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي. الحديث». ورواية محمد بن مسلم (٦) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن الميت؟ فقال تسله من قبل الرجلين وتلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات وتربع قبره». ونحوهما غيرهما ايضا من الاخبار الآتية ، وقد ظهر من هذه الاخبار مضافا الى ما قدمناه قريبا ان السنة في الرجل هو وضع جنازته من جهة رجلي القبر وانه ينقل في دفعات ثلاث وانه يسل سلا ويبدأ برأسه ، واما المرأة فإن موضع جنازتها مما يلي القبلة وتؤخذ عرضا وتوضع دفعة ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا كما عرفت ، وطريق الجمع حمل إطلاق هذه الاخبار على الاخبار السابقة حمل المطلق على المقيد فلا منافاة.

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب الدفن.

(٣ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الدفن.

(٤) ص ١٨.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الدفن.

١٠٥

ومنها ـ ما اشتملت عليه هذه الاخبار التي انا ذاكرها ثم افصل ما اشتملت عليه ذيلها ان شاء الله تعالى : منها ـ ما رواه في الكافي عن ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لا ينبغي لأحد ان يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة». وعن علي بن يقطين في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة ولا الحذاء ولا الطيلسان وحل أزرارك وبذلك سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جرت ، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي ، وان قدر ان يحسر عن خده ويلصقه بالأرض فليفعل وليشهد وليذكر ما يعلم حتى ينتهي الى صاحبه». وعن ابي بكر الحضرمي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحل أزرارك. قال : قلت والخف؟ قال لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية». ورواه في التهذيب (٤) وزاد «وليجهد في ذلك جهده». وما رواه في التهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٥) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) دخل القبر ولم يحل أزراره». وعن سيف بن عميرة عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا عمامة. قلت فالخف؟ قال : لا بأس بالخف فان في خلع الخف شناعة». وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) قال : «إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي وقل : بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله اللهم افسح له في قبره والحقه بنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة من عند «اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه» واستغفر له ما استطعت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب الدفن.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الدفن.

١٠٦

قال وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا أدخل الميت القبر قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصاعد عمله ولقه منك رضوانا». وعن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا سللت الميت فقل : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم الى رحمتك لا الى عذابك. فإذا وضعته في اللحد فضع يدك على اذنه وقل : الله ربك والإسلام دينك ومحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نبيك والقرآن كتابك وعلي (عليه‌السلام) امامك». ورواه في التهذيب ايضا (٢) وفيه «فضع فمك على اذنه». كما في الاخبار الآتية. وعن محمد بن عجلان عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «سله سلا رفيقا فإذا وضعته في لحده فليكن اولى الناس مما يلي رأسه ، وليذكر اسم الله تعالى ويصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويتعوذ من الشيطان ، وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي ، وان قدر ان يحسر عن خذه ويلزقه بالأرض فعل ، وليشهد ويذكر ما يعلم حتى ينتهي الى صاحبه». وما رواه في التهذيب عن محمد بن عجلان (٤) قال : «سمعت صادقا يصدق على الله ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ قال إذا أدخلته إلى قبره فليكن اولى الناس به عند رأسه وليحسر عن خده وليلصق خده بالأرض. وليذكر اسم الله تعالى وليتعوذ من الشيطان وليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي ثم ليقل ما يعلم ، ويسمعه تلقينه : شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا». وعن محفوظ الإسكاف عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا أردت بأن تدفن الميت فليكن اعقل من ينزل في قبره عند رأسه وليكشف عن خده الأيمن حتى يفضي به الى الأرض ويدنى فمه الى سمعه ويقول اسمع وافهم (ثلاث مرات) الله ربك ومحمد نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والإسلام دينك وفلان إمامك اسمع وافهم ، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين». ورواه في الكافي. وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح في الأول والموثق في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب الدفن.

١٠٧

الثاني عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «إذا وضع الميت في لحده فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله عبدك وابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم افسح له في قبره والحقه بنبيه اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا. فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهم صل وحدته وآنس وحشته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك. فإذا خرجت من قبره فقل : انا لله وانا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين». وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما أقول إذا دخلت الميت منا قبره؟ قال قل : اللهم هذا عبدك فلان وابن عبدك قد نزل بك وأنت خير منزول به وقد احتاج الى رحمتك اللهم ولا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم بسريرته ونحن الشهداء بعلانيته اللهم فجاف الأرض عن جنبيه ولقنه حجته واجعل هذا اليوم خير يوم اتى عليه واجعل هذا القبر خير بيت نزل فيه وصيره الى خير مما كان فيه ووسع له في مدخله وآنس وحشته واغفر ذنبه ولا تحرمنا اجره ولا تضلنا بعده». وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح والموثق عن ابن ابي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره». وعن أبي حمزة (٤) قال : «قلت لأحدهما (عليهما‌السلام) يحل كفن الميت؟ قال : نعم ويبرز وجهه». وعن ابي بصير (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن عقد كفن الميت؟ قال إذا أدخلته القبر فحلها». وعن إسحاق بن عمار (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا نزلت في قبر فقل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم تسل الميت سلا ، فإذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل : اللهم يا رب

__________________

(١ و ٢ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الدفن.

(٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الدفن.

١٠٨

عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه بنبيه محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصالح شيعته واهدنا وإياه إلى صراط مستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحركه تحريكا شديدا ثم تقول : يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل الله ربي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وعلي امامي حتى تستوفي الأئمة (عليهم‌السلام) ثم تعيد عليه القول ثم تقول أفهمت يا فلان؟ قال فإنه يجيب ويقول نعم ، ثم تقول ثبتك الله بالقول الثابت هداك الله الى صراط مستقيم عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته ثم تقول : اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليك ولقه منك برهانا اللهم عفوك عفوك. ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول : اللهم صل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك فإنما رحمتك للظالمين. ثم تخرج من القبر وتقول : انا لله وانا إليه راجعون اللهم ارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين». وروى في الكافي عن زرارة (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القبر كم يدخله؟ قال ذلك الى الولي ان شاء ادخل وترا وان شاء شفعا». وفي الفقه الرضوي (٢) قال (عليه‌السلام) «وقل إذا نظرت الى القبر : اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران. فإذا دخلت القبر فاقرأ أم الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي ، فإذا توسطت المقبرة فاقرأ اللهم التكاثر واقرأ : «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى» (٣) وإذا تناولت الميت فقل بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة وحل عقد كفنه وضع خده على التراب وقل : اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب الدفن.

(٢) ص ١٨.

(٣) سورة طه الآية ٥٦.

١٠٩

ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر وتحركه تحريكا شديدا وتقول : يا فلان بن فلان الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وعلي وليك وامامك ، وتسمي الأئمة واحدا واحدا الى آخرهم (عليهم‌السلام) ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى ، فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهم آنس وحشته وصل وحدته برحمتك اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له انك أنت الغفور الرحيم». وهذه العبارة نقلها في الفقيه متفرقة فبعض منها نقله عن أبيه في رسالته اليه وبعض منها ذكره هو مفتيا به كما عرفت من عادته وعادة أبيه في غير موضع.

أقول : يستفاد من هذه الاخبار عدة أحكام (منها) ـ انه يستحب للملحد وهو الولي أو من يأذن له شفعا أو وترا ـ كما تقدم الدليل عليه ـ ان يكون مكشوف الرأس محلول الأزرار حافيا إلا لضرورة أو تقية ، وابن الجنيد أطلق نفي البأس عن الخفين ، والأظهر تقييده كما دلت عليه هذه الاخبار ، داعيا هو وغيره من المشيعين عند معاينة القبر بقوله : اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة كما تقدم من كتاب الفقه ،. وعند تناول الميت : بسم الله وبالله الى آخر ما في رواية أبي بصير. المتقدمة (١) أو بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما في كتاب الفقه (٢). ، وعند وضعه في اللحد : بسم الله وبالله الى آخر ما في رواية الحلبي. أو ما تضمنته رواية محمد بن مسلم أو موثقة سماعة (٣) قارئا بعد وضعه في اللحد السور المذكورة في الاخبار وآية الكرسي ، كاشفا عن وجهه مفضيا بخده الأيمن إلى الأرض ، والاولى حل عقد الكفن كما اشتملت عليه روايات أبي حمزة وابي بصير وإسحاق بن عمار وعبارة كتاب الفقه (٤) دون شقه كما اشتملت عليه مرسلة ابن ابي عمير المتقدمة (٥) ومثلها ما رواه

__________________

(١) ص ١٠٧.

(٢) ص ١٠٩.

(٣) ص ١٠٦ و ١٠٨.

(٤) ص ١٠٨ و ١٠٩.

(٥) ص ١٠٨.

١١٠

في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «يشق الكفن إذا أدخل الميت في قبره من عند رأسه». قال في المعتبر بعد ذكر هذه الرواية : «وهذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب ولان ذلك إفساد للمال على وجه غير مشروع ، الى ان قال : والصواب الاقتصار على حل عقده» قال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر : «قلت : يمكن ان يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه فان الكفن كان منضما فلا مخالفة ولا إفساد» انتهى. وهو في مقام الجمع غير بعيد. ملقنا له الشهادتين وأسماء الأئمة (عليهم‌السلام) الى ان يبلغ الى صاحب العصر (عليه‌السلام). وما ذكره في كتاب الفقه الرضوي ـ من انه يدخل يده اليمنى تحت منكب الميت الأيمن. إلخ ـ غريب لم يوجد في غيره ، نعم ذكره في الفقيه والظاهر انه مأخوذ من الكتاب المذكور إلا انه ذكره في كلام طويل في ذيل رواية سالم بن مكرم الآتية ، وقد توهم جمع انه من الرواية المذكورة والظاهر بعده. وهذا التلقين هو التلقين الثاني وبعضهم جعله ثالثا باعتبار استحباب التلقين عند التكفين. ولم أقف على مستنده.

ومنها ـ ان يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة وشبهها لئلا يستلقي رواه الصدوق في الفقيه (٢) عن سالم بن مكرم عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي». وللصدوق في الفقيه بعد هذه الرواية كلام طويل أكثره مأخوذ من الفقه الرضوي ، وصاحب الوافي وكذا صاحب الوسائل أضافاه إلى الرواية المذكورة ، والظاهر عدمه كما استظهره ايضا شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار.

ومنها ـ وضع التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية معه ، وهذا الحكم مشهور في كلام المتقدمين ولكن مستنده خفي على المتأخرين ومتأخريهم ، قال في المدارك وقبله الشهيد في الذكرى والعلامة وغيرهما : «ذكر ذلك الشيخان ولم نقف لهما على مأخذ

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الدفن.

١١١

سوى التبرك بها ولعله كاف في ذلك ، واختلف قولهما في موضع جعلها فقال المفيد في المقنعة توضع تحت خده. وقال الشيخ تلقاء وجهه ، وقيل في كفنه ، قال في المختلف : والكل عندي جائز لأن التبرك موجود في الجميع ، ونقل «ان امرأة قذفها القبر مرارا لأنها كانت تزني وتحرق أولادها وان أمها أخبرت الصادق (عليه‌السلام) بذلك فقال انها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله تعالى اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين (عليه‌السلام) فاستقرت» (١). قال الشيخ نجيب الدين في درسه : يصلح ان يكون هذا متمسكا. حكاه في الذكرى ولا يخفى ما فيه» انتهى ما ذكره في المدارك ، وبنحوه صرح من تقدمه.

أقول : العجب من استمرار الغفلة عن دليل هذه المسألة من المتأخرين حتى من مثل السيد المشار اليه وانما استندوا في ذلك الى هذه الحكاية أو الى قضية التبرك مع انه قد روى الشيخ في أبواب المزار من التهذيب في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (٢) قال : «كتبت الى الفقيه اسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه ان شاء الله تعالى» ورواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان (عليه‌السلام). وروى الشيخ في المصباح عن جعفر بن عيسى (٣) «انه سمع أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب ان يضع مقابل وجهه لبنة من الطين؟ ولا يضعها تحت رأسه». والمراد بالطين في الخبرين هو تربة الحسين (عليه‌السلام) ولعل اختيار هذه العبارة المجملة لنوع من التقية أو لشيوع هذا الإطلاق يومئذ ومعلومية المراد منه ، والشيخ قد فهم من الرواية الأخيرة ذلك فنظمها في جملة أخبار تربة الحسين (عليه‌السلام) التي ذكرها في الكتاب المشار اليه. وفي الفقه الرضوي (٤) «ويجعل معه في أكفانه شي‌ء من طين القبر وتربة الحسين (عليه‌السلام)».

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب التكفين.

(٤) ص ٢٠.

١١٢

والعطف فيها تفسيري كما لا يخفى. وأنت خبير بأن رواية المصباح قد تضمنت تعيين موضع التربة بأنه مقابل وجهه وهو دليل ما تقدم نقله عن الشيخ ، والأفضل مع ذلك ان تخلط بحنوطه كما دلت عليه الرواية الاولى وان تجعل في أكفانه كما في كتاب الفقه ، وبذلك يصدق الوضع معه في قبره كما دلت عليه الرواية الاولى.

ومنها ـ انه ان كان الميت امرأة فالأفضل نزول الزوج في قبرها أو المحارم وان كان رجلا فالأفضل الأجانب ، ذكر ذلك شيخنا الشهيد في الذكرى.

اما الحكم الأول فيدل عليه ما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) مضت السنة من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها». وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها». وقال في الفقه الرضوي (٣) : «فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها من موضع ينال وركها». وفي حديث زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٤) قال : «يكون اولى الناس بالمرأة في مؤخرها». قال في الذكرى : الزوج اولى من المحرم بالمرأة لما تقدم في الصلاة ولو تعذر فامرأة صالحة ثم أجنبي صالح وان كان شيخا فهو اولى ، قاله في التذكرة.

واما الحكم الثاني فالروايات لا تساعد عليه على إطلاقه ، والذي وقفت عليه من الأخبار في المسألة ما رواه في الكافي عن عبد الله بن راشد عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر ولده». وفي الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري وغيره عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) قال : «يكره للرجل ان ينزل في قبر ولده». وما رواه في التهذيب

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب الدفن.

(٣) ص ١٨.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب الدفن.

١١٣

عن عبد الله بن محمد بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «الوالد لا ينزل في قبر ولده والولد ينزل في قبر والده». ونحو ذلك في خبرين آخرين عن عبد الله بن راشد (٢) ومورد هذه الاخبار كلها انما هو كراهة نزول الأب في قبر ابنه دون العكس ، ولعل السر فيه انه لا يؤمن على الأب ان يجزع على ابنه حين يكشف عن وجهه ويوضع خده على التراب بخلاف الابن فإنه ليس بهذه المثابة ، وحينئذ فتعدية الحكم الى غير الأب مشكل. نعم قد ورد في الدفن وإهالة التراب عليه ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ ما يدل على الكراهية من ذي الرحم مطلقا وهو مشعر بالكراهة فيما نحن فيه ، إلا ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على الحكم المذكور ، وتأولوا الروايات المذكورة بزيادة الكراهة في جانب الأب في دخول قبر ابنه وان كان العكس ايضا مكروها.

ومنها ـ تغطية قبر المرأة حال الدفن ، وقيل بذلك في الرجل ايضا ، وبالأول صرح المفيد وابن الجنيد واليه مال في المعتبر ، وبالثاني قال الشيخ في الخلاف وجمع ممن تأخر عنه بل الظاهر انه المشهور ، قال في المختلف : «قال الشيخ في الخلاف إذا نزل الميت القبر يستحب ان يغطى القبر بثوب ، واستدل بالإجماع على جوازه وبالاحتياط على استعماله. وقال ابن إدريس ما وقفت لأحد من أصحابنا في هذه المسألة على مسطور فأحكيه عنه ، والأصل براءة الذمة من واجب أو ندب ، وهذا مذهب الشافعي ولا حاجة بنا الى موافقته على ما لا دليل عليه ، قال وقد يوجد في بعض نسخ أحكام النساء للشيخ المفيد ان المرأة يجلل قبرها عند دفنها بثوب والرجل لا يمد عليه ثوب فان كان ورد ذلك فلا نعديه الى قبر الرجل فليلحظ ذلك. وقال ابن الجنيد وان كانت امرأة مد على القبر ثوبا ولم يرفعه الى ان يغيبها باللبن. وكل من القولين عندي جائز وان كان الستر في قبر المرأة أولى لما فيه من الستر لها ولما رواه جعفر بن سويد من بني جعفر بن كلاب (٣) قال :

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب الدفن.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٥٠ من أبواب الدفن.

١١٤

«سمعت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) يقول يغشى قبر المرأة بثوب ولا يغشى قبر الرجل ، وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شاهد ولم ينكر ذلك». فإنكار ابن إدريس لا معنى له ، ولانه يخشى حدوث أمر من الميت من تغير بعض أعضائه أو أمر منكر فاستحب الستر لقبره عند دفنه طلبا لاخفاء حاله» انتهى. أقول : قوله «وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب. الى آخر الخبر» يحتمل ان يكون من أصل الخبر كما نقله المحدثان في الوافي والوسائل ، ولا يبعد أن يكون ذلك من كلام الشيخ في التهذيب فإضافة المحدثان المذكوران إلى أصل الخبر فان هذه العبارة بكلام الشيخ انسب. ونقل في الذكرى الاحتجاج على ما ذهب اليه المفيد وابن الجنيد قال : ولما روي (١) «ان عليا (عليه‌السلام) مر بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال انما يصنع هذا بالنساء». ولم أقف عليه فيما حضرني من كتب الأخبار وكيف كان فالظاهر الاقتصار في هذا الحكم على النساء للخبرين المذكورين.

ومنها ـ الوضوء للملحد ، قال في الذكرى : «قال الفاضلان يستحب ان يكون متطهرا لقول الصادق (عليه‌السلام) : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر». أقول هذه الرواية قد رواها الشيخ في الموثق عن عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر». وفي الفقه الرضوي (٣) قال : «تتوضأ إذا أدخلت الميت القبر». إلا انه روى في الكافي في الصحيح عن محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قلت : الرجل يغمض عين الميت عليه غسل؟ قال إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل ، وساق الحديث

__________________

(١) رواه في كنز العمال ج ٨ ص ١١٩ رقم الحديث ٢٢١٢ واستشهد به ابن قدامة في المغني ج ٢ ص ٥٠١.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٥٣ من أبواب الدفن.

(٣) ص ٢٠.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب غسل مس الميت.

١١٥

الى ان قال : قلت له فمن حمله عليه غسل؟ قال : لا. قلت فمن ادخله القبر عليه وضوء؟ قال : لا إلا ان يتوضأ من تراب القبر ان شاء». قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار في شرح حديث الفقه الرضوي : قوله (عليه‌السلام) : «يتوضأ» لعل المراد بالتوضؤ غسل اليد كما روي الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم ثم ذكر الرواية كما ذكرناه ، ثم قال : فان الظاهر منه ايضا ان المراد انه يغسل يده مما أصابها من تراب القبر واما الحمل على التيمم بتراب القبر فلا يخلو من بعد إذ إطلاق الوضوء على التيمم غير مأنوس ، وايضا فلا ثمرة للتخصيص بتراب القبر.

أقول : هنا شيئان : (أحدهما) الوضوء لأجل إدخال الميت قبره بمعنى انه يستحب ان يكون الملحد على طهارة كما نقل عن الفاضلين المذكورين ، وحينئذ فالمراد بقوله (عليه‌السلام) في موثقة الحلبي ومحمد بن مسلم : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر». أي إذا أردت إدخاله ، وكذا قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ، وهذا التجوز في التعبير شائع في الكتاب العزيز والسنة النبوية كقوله عزوجل : «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... الآية» (١) وقوله : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ ...» (٢) و (ثانيهما) الوضوء بمعنى الغسل عما يلاقيه من بدن الميت أو ثيابه أو نحو ذلك ، وهذا هو المسؤول عنه في صحيحة محمد بن مسلم على الظاهر فإن السؤالات المذكورة فيها عن الغسل في تلك المواضع المذكورة فيها مبنية على توهم تعدى نجاسة الميت في تلك الصورة فنفي (عليه‌السلام) فيها ما نفي واثبت ما اثبت ومن جملتها السؤال عمن ادخله القبر هل عليه الوضوء ـ يعني غسل يده بسبب إدخاله القبر ـ أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لا يوجب وضوء يعني غسلا إلا ان يريد ان يغسل يده من تراب القبر للتنظيف ان شاء. وبذلك يظهر ان تأويل شيخنا المشار إليه لرواية كتاب الفقه بالحمل على الغسل استنادا الى ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم ـ وكذلك جمع صاحب الوسائل بين موثقة الحلبي

__________________

(١) سورة المائدة. الآية ٨.

(٢) سورة النحل. الآية ٩٩.

١١٦

ومحمد بن مسلم وبين صحيحة محمد بن مسلم بحمل الوضوء في الموثقة المذكورة على الاستحباب ونفيه في الصحيحة المشار إليها على نفي الوجوب بقرينة قوله «عليه» وهو لا ينافي الاستحباب ـ ليس في محله ، فان مورد إحداهما غير مورد الأخرى كما أوضحناه والعجب من شيخنا المشار إليه في ارتكابه التأويل في عبارة كتاب الفقه مع وجود القائل باستحباب الوضوء ووجود الرواية الدالة عليه كما عرفت ، وكأنه لم يخطر بباله ذلك يومئذ. والله العالم.

ومنها ـ فرش القبر بالساج مع الضرورة والكراهة مع عدمها ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن علي بن محمد القاساني (١) قال : «كتب علي بن بلال الى ابي الحسن (عليه‌السلام) : انه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه فهل يجوز ذلك؟ فكتب : ذلك جائز». وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «وقد روى عن ابي الحسن الثالث (عليه‌السلام) إطلاق في ان يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت الساج». والشيخ قد روى الحديث (٣) مضمرا ولم يصرح بابي الحسن (عليه‌السلام) ومن ثم قال في الذكرى بعد نقل الرواية من طريق الشيخ : «والظاهر ان المسؤول الامام مع الاعتضاد بفتوى الأصحاب» وكأنه غفل عن الرواية بطريق الشيخين الآخرين فإنهما صرحا ـ كما ترى ـ به. قيل : وتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت. أقول : والساج خشب معروف والطيلسان الأخضر كما في الصحاح وغيره والمراد هنا الأول ، قال في الوافي بعد نقل رواية الصدوق : وأريد بالإطلاق الجواز فلا ينافي تقييد الحديث بالأرض الندية مع ان هذا القيد ليس إلا في السؤال. قال في الذكرى : اما وضع الفرش عليه والمخدة فلا نص فيه ، نعم روى ابن عباس من طريقهم (٤) انه جعل في قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قطيفة حمراء ،

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الدفن.

(٤) كما في صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥٦ وسنن البيهقي ج ٣ ص ٤٠٨.

١١٧

والترك أولى لأنه إتلاف للمال فيتوقف على اذن الشارع ولم يثبت ، ثم نقل عن ابن الجنيد انه لا بأس بالوطاء في القبر واطباق اللحد بالساج. أقول اما رواية وضع القطيفة في قبره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقد ذكرها في الكافي ورواها بسنده عن يحيى بن ابي العلاء عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «القى شقران مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قبره القطيفة». وبذلك يظهر انها غير مختصة برواياتهم كما ذكره ، وقد تقدم أيضا في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه». وهو مؤيد لحديث القطيفة ، والحمل على ضرورة نداوة الأرض ونحوها بعيد ، على ان قيد كون الأرض ندية في مكاتبة علي بن بلال انما هو في كلام السائل وهو لا يوجب تقييد عموم الجواب ، وكيف كان فالظاهر حمل ذلك على الجواز وان كان الأفضل الإفضاء به الى الأرض لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ورجاء الرحمة والمغفرة في تلك الحال الضيقة المجال ، إلا ان صاحب دعائم الإسلام روى عن علي (عليه‌السلام) (٣) «انه فرش في لحد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قطيفة لأن الموضع كان نديا سبخا». وفيه تأييد لمن قيد ذلك بالنداوة.

ومنها ـ الخروج من قبل رجلي القبر ، فروى في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرجلين». وعن سهل رفعه (٥) قال : قال «يدخل الرجل القبر من حيث شاء ولا يخرج إلا من قبل رجليه». قال في الكافي : وفي رواية أخرى (٦) «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الدفن.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التكفين.

(٣) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الدفن.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب الدفن.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الدفن.

١١٨

ان لكل بيت بابا وان باب القبر من قبل الرجلين». وروى في التهذيب عن جبير بن نقير الحضرمي (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان لكل بيت بابا وباب القبر من قبل الرجلين». وعن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «لكل شي‌ء باب وباب القبر مما يلي الرجلين فإذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين ويخرج الميت مما يلي الرجلين.». وفرق ابن الجنيد بين الرجل والمرأة فوافق في الرجل وقال في المرأة يخرج من عند رأسها لإنزالها عرضا وللبعد عن العورة. والاخبار ـ كما ترى ـ مطلقة. أقول : ظاهر هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان الداخل للقبر يدخل من أي جهة شاء وان الخروج لا يكون إلا من قبل الرجلين ، وظاهر العلامة في المنتهى استحباب الدخول ايضا من قبل الرجلين حيث قال : يستحب له ان يخرج من قبل الرجلين لانه قد استحب الدخول منه فكذا الخروج ، ولقوله (عليه‌السلام) (٣) : «باب القبر من جهة الرجلين». ولم أقف على ذلك في كلام غيره ، ولعله لم يطلع على خبر السكوني ومرفوعة سهل المتقدمين أو غفل عنهما يومئذ وإلا فالثاني منهما صريح والأول ظاهر في ان الدخول من أي جهة شاء.

ومنها ـ تشريج اللحد باللبن والطين وهو بناؤه وتنضيده على وجه يمنع دخول التراب اليه ، والدعاء في تلك الحال ، روى الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «اتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقيل له ان سعد بن معاذ قد مات فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقام أصحابه معه فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما ان حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلا حذاء ولا رداء ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به الى القبر فنزل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الدفن.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٦٠ من أبواب الدفن.

١١٩

لحده وسوى اللبن عليه وجعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا ، يسد به ما بين اللبن فلما ان فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اني لا علم انه سيبلى ويصل اليه البلى ولكن الله عزوجل يحب عبدا إذا عمل عملا فأحكمه. الحديث». وفي الكافي في الصحيح عن ابان بن تغلب (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول جعل علي (عليه‌السلام) على قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طينا فقلت أرأيت ان جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ قال : لا». وقد تقدم في رواية إسحاق بن عمار (٢) «ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول اللهم صل وحدته. الدعاء». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه «فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهم آنس وحشته. الدعاء». وقد تقدم (٣) قال في المنتهى : «إذا وضعه في اللحد شرج عليه اللبن لئلا يصل التراب اليه ولا نعلم فيه خلافا ، ويقوم مقام اللبن مساوية في المنع من تعدى التراب اليه كالحجر والقصب والخشب إلا ان اللبن اولى من ذلك كله لانه المنقول عن السلف والمعروف في الاستعمال ، وينبغي ان يسد الخلل بالطين لأنه أبلغ في المنع وروى ما يقاربه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار» (٤) انتهى.

ومنها ـ ان يهال عليه التراب ويطم القبر إذا فرغ من تشريج اللبن ولا يطرح فيه من تراب غيره داعيا بالمأثور ، روى في الكافي في الصحيح عن داود بن النعمان (٥) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول : «ما شاء الله لا ما شاء الناس» فلما انتهى الى القبر تنحى فجلس فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده». وعن عمر بن أذينة في الصحيح (٦) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب الدفن.

(٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الدفن.

(٣) ص ١١٠.

(٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب الدفن.

١٢٠