غاية الفكر

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

غاية الفكر

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5860-02-4
الصفحات: ١٤٤

الفرد فلا يسري إلى عدم طبيعيّ الوجوب الجامع بين الوجوبين ، كما لا يسري الانكشاف التعبّدي لعدم الفيل إلى الانكشاف التعبّدي لعدم طبيعيّ الحيوان في موارد القسم الثاني من استصحاب الكلّي.

وتتمّة الكلام في هذه الجهة وتحقيقها إثباتاً ونفياً في مباحث الاستصحاب ، وإنّما نتكلّم هنا على المباني المفروغ عنها.

وأمّا الثاني فلأنّ عدم صحة العقاب على كلٍّ من التركين ولو في فرض اجتماعه مع الترك الآخر لا ينافي صحة العقاب على ترك الجامع في هذا الفرض ؛ لأنّه ترك لأمرٍ كان له مقتضٍ دون كلٍّ من التركين بخصوصه ، فافهم واغتنم.

وإذا شئت قلت : أنّ الانكشاف التعبّدي لا يزيد على الانكشاف الوجداني التفصيلي من حيث أثره ، وقد عرفت سابقاً أنّ كلّ فردٍ من أفراد الواجب يعلم تفصيلاً بعدم وجوبه في جميع أحواله ، ولا تؤدّي هذه العلوم التفصيلية هناك إلى تجويز ترك الواجب رأساً ومخالفة ما يستقلّ به من لزوم الإتيان ، فكذلك في المقام لا تزيد الانكشافات التعبّدية على تلك الانكشافات ، فلا تؤدّي إلى ترك الجامع رأساً وعدم المعاقبة عليه ، وليست أيضاً مستلزمةً لانكشاف عدم الجامع رأساً ؛ لأنّ الانكشافات الوجدانية لأعدام الأفراد تستلزم الانكشاف الوجداني لعدم جامعها ، دون الانكشافات التعبّدية لدورانها مدار مقدار التعبّد بها.

هذا كلّه ما وصل إليه الذهن القاصر لتحقيق مقام الثبوت.

وأمّا مقام الإثبات ـ بمعنى أنّ دليل الأصل هل له إطلاق يقتضي الشمول لجميع الأطراف ، أوْ لا؟ ـ فنتكلّم في اقتضاء دليل كلّ أصلٍ في البحث المخصَّص له.

٦١

جريان الاصول النافية في بعض الأطراف

أمّا المقام الثاني ـ وهو جريان الأصل في بعض الأطراف ـ فلا موضوع له ، بعد ما عرفت من جريان الاصول في تمام الأطراف فضلاً عن بعضها ، فلا بدّ أن نفرض في المقام الالتزام بما التزم به الكلّ من عدم إمكان جريانها في جميع الأطراف بنحو التعيين ، فهل تجري في البعض ، أوْ لا؟

والكلام في المقام لا بدّ أن يكون بعد الفراغ عن أنّ المحذور في جريانها في تمام الأطراف هو لزوم المخالفة القطعية ، وأنّ العلم الإجمالي ليس علّةً لوجوب الموافقة القطعية ، وإلّا فلا إشكال في امتناع جريان الأصل ولو في بعض الأطراف.

وعليه فنقول : إنّ جريانها في البعض المعيَّن من الأطراف وإن كان معقولاً على غير مبنى العلّية من المباني إلّا أنّه بلا موجبٍ بحسب مقام الإثبات أصلاً ، إذ بعد فرض عدم إمكان شمول دليل الأصل لكلٍّ من الطرفين واستواء نسبتهما إليه يكون تعيّن أحدهما للشمول والآخر للسقوط ترجيحاً بلا مرجّح ، وإذن فيتمحّض الكلام في أنّه هل يمكن جريانها في جميع الأطراف ولكن بنحو التخيير لا بنحو التعيين المفروض استلزامه للمخالفة القطعية ، أو أنّه لا يمكن الالتزام بالتخيير في المقام؟

نظريّة القول بالتخيير في أطراف العلم الإجمالي :

وقد وُجِّه التخيير بوجوه :

أوَّلها وأهمّها : تقييد الأصل في كلٍّ من الطرفين بترك الآخر ، ففيما إذا علم

٦٢

إجمالاً بحرمة أحد فعلين يكون كلّ منهما مجرىً للإباحة المشروطة بالاجتناب عن الآخر ، ويندفع بذلك المحذور لعدم أداء الاباحتين المشروطتين كذلك إلى المخالفة القطعية.

وملخّص الوجه فيه : أنّ الأمر دائر بين إخراج الطرفين بالكلّية عن عموم الأصل ، أو تقييد إطلاقه لسائر أحوال كلٍّ من الطرفين بخصوص حال ترك الآخر ، وحيث يندفع به المحذور فلا موجب للالتزام بأكثر من ذلك.

أجوبة الأصحاب عن نظريّة التخيير :

وقد اجيب عنه بوجوه :

الأول : ما أفاده المحقّق النائيني (١) قدس‌سره من أنّ جعل الترخيص لكلٍّ منهما مقيَّداً بترك الآخر غير معقول ؛ لاستحالة الإطلاق الموجبة لاستحالة التقييد ؛ لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.

ويرد عليه ـ على تقدير تسليم أنّ التقابل كذلك وأنّه يشترط فيه القابلية الشخصية ـ : أنّ جعل الترخيص في كلٍّ من الطرفين في نفسه بنحوٍ مطلقٍ أمر معقول ، فيكون التقييد معقولاً أيضاً ، وإنّما الممتنع جعل الترخيص المطلق في طرفٍ في ظرف الترخيص المطلق في الطرف الآخر ؛ لأدائه إلى المخالفة القطعية.

فإن قلت : إذا كان الإطلاق في كلٍّ من الترخيصين مقارناً للإطلاق في الترخيص الآخر محالاً فيكون التقييد في كلٍّ من الترخيصين المقارن للتقييد في الترخيص الآخر محالاً أيضاً ؛ لأنّه مقابله.

قلت : إنّ المقابل للإطلاق حال الإطلاق هو التقييد حال الإطلاق ،

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥

٦٣

لا التقييد حال التقييد ، إذ لا بدّ من حفظ الموضوع الواحد في كلٍّ منهما ، فإذا استحال الإطلاق في طرفٍ حال إطلاق الترخيص في طرفٍ آخر امتنع التقييد حال الإطلاق في الطرف الآخر ، لا التقييد حال التقييد.

فإن قلت : إنّ التقييد حال الإطلاق إذا صار مستحيلاً فالإطلاق حال التقييد مستحيل أيضاً ؛ لأنّ المقيَّد بالمحال محال ، وحينئذٍ يكون مقابله محالاً أيضاً ، وهو التقييد حال التقييد.

قلت : إنّ استحالة التقييد حال الإطلاق لا توجب استحالة الإطلاق المقارن للتقييد ، وكون المقيَّد بالمحال محالاً مسامحةً مرجعها إلى محاليّة اللازم وما اخذ قيداً دون نفس المقيّد.

فاتّضح : أنّ طبيعيّ الإطلاق في الترخيص في كلّ طرفٍ في نفسه ليس محالاً ليكون مقابله محالاً أيضاً ، بل المحال حصّة خاصّة منه ، وهي الإطلاق حال إطلاق الترخيص في الطرف الآخر أيضاً.

الثاني : ما ذكره سيدنا الاستاذ (١) من : أنّ المحذور حاصل ، وهو الجمع في الترخيص وإن لم يلزم الترخيص في الجمع ، فإنّ مقتضى الترخيصات المشروطة المدّعاة الترخيص القطعي في مخالفة الواقع الواصل ، وهذا ممّا يأباه العقل ، وإن لم يؤدِّ إلى وقوع المخالفة القطعية خارجاً مرخّصاً فيها ، فالعلم الإجمالي علّة لاستحالة الترخيص القطعي في مخالفة الواقع ، لا استحالة الترخيص في المخالفة القطعية.

وما يختلج في النظر القاصر في المقام أنّه : إمّا أن يكون المحذور في الترخيصات المشروطة المزبورة هو صيرورتها فعليةً عند تحقّق شرطها الموجب

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ٣٥٥

٦٤

للترخيص الفعلي القطعي في مخالفة الواقع ، فإنّ المكلف عند تركه لكلا الطرفين معاً يكون كلا الترخيصين فعلياً [له] ، وأحدهما ترخيص في مخالفة الواقع قطعاً ، وهو معنى الترخيص القطعي في ذلك.

وإمّا أن يكون المحذور في مجرّد ثبوتها ولو مشروطةً ، بحيث لو فرض امتناع اجتماعهما في الفعلية لكان ذات محذور أيضاً ، بدعوى أنّ الترخيص القطعي في مخالفة الواقع ولو مشروطاً ممتنع عند العقل ، وإن لم يكن منافياً لحرمة المخالفة القطعية وما ينجّزه العلم الإجمالي من الحركة.

فعلى الأوّل ـ أي إذا قلنا : إنّ المحذور ليس في ثبوت الترخيص في كلٍّ من الطرفين مشروطاً ، بل لا مانع من الجمع بين الترخيصات المشروطة ، وإنّما المحذور في أنّ هذين الترخيصين المفروضين يمكن تحقّق الشرط لكلٍّ منهما فيكونان فعليّين ، وحينئذٍ يتحقّق المحذور وهو الترخيص الفعلي القطعي في الحرام ـ فنقول : إنّه يمكن جعل الترخيصات المشروطة بنحوٍ من الاشتراط والتقيّد ، بحيث يستحيل اجتماعهما في الفعلية وتحقّق الشرط لكلٍّ منها ، وذلك فيما إذا فرضنا العلم الإجمالي ذا أطرافٍ ثلاثة ، كما إذا علم بحرمة أحد أفعالٍ ثلاثةٍ فإنّه يمكن أن نلتزم في هذا الفرض بثبوت الترخيص في كلّ واحدٍ منها ، ولكن مشروطاً بارتكاب أحد الأمرين الآخرين وترك الآخر ، ومن المعلوم أنّه لا يعقل تحقّق الشرط للترخيصات الثلاثة جميعاً لتكون فعلية ، كما يظهر بأدنى تأمل ، فالترخيصات المشروطة بالنحو المزبور ـ أي المقيّدة بفعل واحدٍ وترك الآخر ـ لا يعقل فعلية أكثر من اثنين منها ، فلم يلزم الترخيص الفعلي القطعي في مخالفة الواقع.

لا يقال : إنّه إذا كان قد اخذ في موضوع كلٍّ من الترخيصات ارتكاب أحد الأطراف فلا بدّ من فرض مجوّزٍ ومؤمِّنٍ للمكلف يعتمد عليه في اقتحامه لأحد

٦٥

الأطراف مع قطع النظر عن الترخيصات المزبورة ، ليتحقّق بعد ذلك موضوع الترخيص بالإضافة الى طرفٍ آخر.

لأنّه يقال : إنّه لا يلزم استناد المكلّف الى مؤمِّنٍ خارجي ، ضرورة أنّ المكلف يعلم بأنّه إذا أتى بفعلين وترك الثالث فلا شيء عليه ببركة تلك الترخيصات المشروطة ، إذ يكون كلّ من الارتكابين محقِّقاً لشرط الترخيص في الارتكاب الآخر ، فلا محالة مع علمه هذا تنقدح في نفسه الإرادة الى ارتكاب فعلين ، من دون حاجةٍ إلى مؤمِّنٍ آخر غير نفس الترخيصات المفروضة.

على أنّه لو سلِّم أنّها لا تؤمِّن من ناحية أحد الارتكابين نفرض أنّ المكلف ارتكب أحد الأطراف أولاً بلا استنادٍ إلى مؤمِّن ، فمقتضى الترخيصات المزبورة جواز الإتيان بأحد الطرفين الآخرين ، بحيث لو كان الواقع منطبقاً عليه لَما عوقِب على عصيانه لاستناده إلى المؤمّن.

هذا كلّه لو فرض أنّ المحذور في الترخيص الفعلي القطعي في مخالفة الواقع.

وأمّا إذا قيل بأنّ المحذور إنّما هو في الترخيص القطعي في الحرام ولو مشروطاً فالنقض المزبور لا يرد ، كما هو واضح ، إذ الترخيص المشروط في مخالفة الواقع ثابت جزماً فيه أيضاً ، إلّا أنّ مقتضى ذلك أنّه لو علم إجمالاً بنجاسة مائعٍ أو ماءٍ ، وكان الماء مجرىً للاستصحاب في نفسه ، والمائع مجرىً لأصالة الطهارة فقط ، أن يجري استصحاب الطهارة في الماء بلا معارض ، مع أنّه لا يلتزم به أحد ، إذ الأساطين بين من يقول بسقوط الاستصحاب والقاعدة معاً في طرف الماء بالمعارضة (١) ، وبين من يقول بسقوط الاستصحاب بالمعارضة وجريان

__________________

(١) منهم المحقّق النائيني في فوائد الاصول ٤ : ٤٨

٦٦

الأصل الطولي وهو أصالة الطهارة في الماء ، وأمّا جريان الاستصحاب في الماء بلا معارض (١) ، فهو ممّا لم يلتزم به.

وتوضيح لزوم هذا المعنى يأتي قريباً في التنبيه الأول من تنبيهات المسألة ، فانتظر.

وأيضاً يلزم على هذا ـ أي على الالتزام بأنّ المحذور في الترخيص في الحرام ولو مشروطاً ، بحيث [إنّ] مجرّد الجمع بين الترخيصات المشروطة يكون محالاً ـ أنّ العلم الإجمالي إذا اضطرّ إلى أحد طرفيه لا بعينه يسقط عن التنجيز رأساً ؛ حتى بالإضافة إلى حرمة المخالفة القطعية.

وسيأتي بيان لزوم ذلك في التنبيه المعدِّ للبحث عن الاضطرار إلى أحد الأطراف مفصّلاً ، إلّا أنّه حيث إنّ هذا التنبيه ليس في هذا الجزء فنشير هنا إجمالاً إلى لزوم هذا المعنى.

فنقول : إنّه لا إشكال عند الاضطرار إلى أحد الطرفين ـ لا بعينه ـ في ترخيص الشارع في تطبيق ما اضطرّ إليه ، وهو الجامع بين الطرفين على أيٍّ منهما.

وإن شئت قلت : إنّ المضطرَّ اليه هو الوجود الأول منهما ، لا الوجود الثاني ؛ لاندفاع الاضطرار بالأول ، فالشارع لا محالة يرخِّص في الوجود الأول القابل الانطباق على كلٍّ من الطرفين بنحو التبادل ، وهو يستدعي الترخيص في تطبيق هذا الوجود الأول على أيٍّ من الطرفين ، ومعنى هذا ثبوت الترخيص في كلّ طرفٍ مشروطاً بأن يوجد أوّلاً.

فتحصّل عندنا ترخيصات شرعية بعدد الأطراف ، إلّا أنّها مشروطة بعنوان الأولية ، وهذه الترخيصات يستحيل فعليتها جميعاً في عرضٍ واحد ؛ لأنّ عنوان

__________________

(١) منهم المحقّق العراقي في نهاية الأفكار ٣ : ٣٢٠ ـ ٣٢١

٦٧

الأوّلية إنّما يثبت لأحدها ، ولا يعقل ثبوتها للجميع ، إلّا أنّ المحذور ـ بحسب الفرض ـ لا يختصّ بالترخيص الفعلي في الحرام ، بل يشمل الترخيص القطعي فيه ولو مشروطاً ، فقهراً تكون الترخيصات المشروطة المفروضة في مورد الاضطرار إلى أحد الأطراف ـ لا بعينه ـ منافيةً للواقع الواصل ، حيث إنّ مقتضاها الترخيص القطعي في الحرام ولو مشروطاً بعنوان الأولية ، فلا بدّ من الالتزام بسقوط التكليف الواقعي رأساً ؛ لئلّا يكون منافياً للترخيصات المشروطة الثابتة بسبب الاضطرار قطعاً ، ومع سقوطه ينحلّ العلم الإجمالي ويسقط عن التأثير بالمرَّة.

فاتّضح : أنّ جعل المحذور الترخيص القطعي الفعلي في الحرام الواقعي لا يدفع شبهة التخيير في بعض الموارد ، وجعل المحذور الترخيص القطعي في الحرام ولو مشروطاً وإن اندفعت به شبهة التخيير في سائر الموارد إلّا أنّه يترتّب على ذلك امور لا نلتزم بها.

الثالث من الأجوبة لبعض مشايخنا المحقّقين (١) من : أنّ التقييدات التي يندفع بها المحذور لا تنحصر في تقييد كلٍّ من الترخيصين بترك الآخر ، بل يمكن تقييد الترخيص في كلٍّ من الطرفين بأن يكون سابقاً أو مسبوقاً بالآخر ، فإنّ الترخيص في كلٍّ من الطرفين ـ سواء كان سابقاً أو مسبوقاً ـ وإن كان محالاً إلّا أنّ ثبوته مقيَّداً بأحد الامرين من السابقيّة والمسبوقية لا محذور فيه ، ولا مرجّح للتقييد المدّعى عليه.

وأجاب عنه : بأنّ العلم الإجمالي بخروج كلٍّ من الوجود الأول لكلٍّ منهما ، أو الوجود الثاني لكلٍّ منهما موجب لعدم شمول العامّ للوجود الأول أو الثاني لكلٍّ منهما ، وأمّا الوجود الوحداني لكلٍّ منهما فلا علم إجمالاً بخروجه ، وليس طرفاً

__________________

(١) لم نعثر عليه

٦٨

لعلمٍ إجماليٍّ بالخروج أصلاً.

الرابع : ما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين (١) أيضاً من : أنّ تقريب الشبهة مبنيّ على أن يكون لدليل الأصل عموم للأفراد ، وإطلاق باعتبار حالاتها ، وحينئذٍ يقال : إنّ التحفّظ على أصالة العموم لازم لعدم العلم بالتخصيص بعد اندفاع المحذور بالتقييد ، إلّا أنّ دليل الأصل ليس كذلك ، فإنّ حِصص شرب كلٍّ من الطرفين ثابتة بنفس عموم قوله : «كلّ شيءٍ حلال» ؛ لأنّ كلّ حصةٍ منها فعل مشكوك الحرمة ، فالتخصيص في عمومه معلوم على كلّ حال ، وكما يندفع المحذور بما ذكر في شبهة التخيير كذلك يندفع بتخصيص العموم بأحد الشربين رأساً.

ودَفعه بما سبق أيضاً ، من : أنّه لو فرض ثبوت الحصص بالعموم نقول : إنّ كلّ حصّةٍ من تلك الحصص طرف للعلم الإجمالي بالخروج والتخصيص ، إلّا الشرب المقارن لترك الآخر فإنّه ليس معلوم الخروج لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، فيؤخذ بالعام بالإضافة إليه.

الردّ المختار على نظريّة التخيير :

الخامس : ما هو التحقيق في النظر القاصر في مقام الجواب ، وهو متوقّف على مقدِّمةٍ نشير إليها هنا إجمالاً ، وتفصيلها في محلّه ، وهي : أنّ القضية الحينية غير معقولة ، فإنّ الحكم يمتنع أن يكون ثابتاً لذات حصّةٍ خاصّةٍ مع خروج كلٍّ من القيد والتقيّد عن موضوعه ، بل فرض خروجها كذلك وإلغاء الموضوع عنها هو فرض إطلاقه وعدم اختصاصه بالحصّة الخاصّة. وقد فصّلنا هذا في مباحث القطع

__________________

(١) لم نعثر عليه

٦٩

من هذا الكتاب ، وبيّنّا الوجه في بطلان القضية الحينية تبعاً لسيّدنا الاستاذ (١) ، فإنّه ذهب إلى ذلك ، وإلى أنّه لا واسطة بين الإطلاق والتقييد ، بل الشيء إمّا مطلق ، أو مقيّد ، ولأجل امتناعها ذهب المحقّق الدواني (٢) إلى رجوع لوازم الماهية كلّها الى لوازم الوجود على ما نسب إليه ، ولم يتصور كون اللازم لازماً للماهية حين الوجود بحيث لا يكون الوجود مأخوذاً في الملزوم بوجهٍ أصلاً.

والحاصل : أنّنا نتكلّم على هذا المبنى ، فنقول : إنّه تارةً يتكلّم فيما إذا علم إجمالاً بحرمة أحد الفعلين ، واخرى فيما إذا علم بوجوب أحدهما ، وملاك الجواب وإن كان واحداً إلّا أنّ التعبير عنه مختلف.

أمّا في الأول ـ كما إذا علم بحرمة شرب أحد المائعين ـ فمقتضى شبهة التخيير إجراء أصالة الحلّية في كلٍّ من الشربَين بنحوٍ مخصوص. وحينئذٍ نسأل : أنّ هذه الحلّية الظاهرية الثابتة لكلٍّ من الشربين بنحوٍ مخصوصٍ : إمّا أن يكون موضوعها هو الشرب بجميع حصصه ، أي طبيعيّ شرب المائع المزبور الجامع بين شربه الواقع في عرض شرب الآخر ، أو شربه الواقع في حال اجتناب الآخر. وإمّا أن يكون موضوع الحلّية الشرب المقيّد بترك الآخر بحيث تكون هذه الحصّة الخاصّة محكومةً بالحلّية الظاهرية.

والثاني غير معقول ؛ لأنّ الشرب الخاصّ المقيّد بترك الآخر ليس مشكوك الحرمة حتى تشمله الحلّية المجعولة في دليلها على عنوان المشكوك ؛ لأنّ المحتمل إنّما هو حرمة كلّيّ الشرب ، لا حصصه وأفراده بما أنّها أفراد وحصص خاصّة ، إذ الإطلاق إنّما هو رفض القيود ، لا الجمع بينها ، فمعنى ثبوت الحرمة

__________________

(١) محاضرات ٥ : ٣٦٤

(٢)

٧٠

لجميع الحصص المتصورة لشرب المائع هو ثبوتها لطبيعيّ الشرب الملغى عنه خصوصيات الحصص من كونها واقعةً في ظرف الاجتناب عن الطرف الآخر ، أو في ظرف ارتكابه ، وغير ذلك من خصوصيات الأفراد.

وحينئذٍ فالمكلف إذا علم بخمرية أحد المائعين فهو إنّما يحتمل حرمة أصل شرب كلٍّ من المائعين ، ولا يحتمل أن يكون الشرب المقيّد بترك الآخر بما أنّه شرب مقيّد حرام حتى يحكم بالحلّية الظاهرية. وإذن فلا يمكن الالتزام بثبوت الحلّية الظاهرية للشرب ؛ المقيّد في كلٍّ من الطرفين ، بل لا بدّ من الالتزام بثبوتها لطبيعي الشرب لأنّه هو المحتمل حرمته.

وحينئذٍ نسأل : أنّ هذه الحلّية الظاهرية الثابتة لطبيعيّ الشرب في كلٍّ من الطرفين هل هي حلّية مطلقة ، أو مقيّدة بظرف الاجتناب عن الطرف الآخر؟

والأول ـ أي أن تكون حلّيةً مطلقةً في كلٍّ من الطرفين ـ غير معقول ؛ لأنّه خلف دعوى التخيير ، ويؤدّي إلى المخالفة القطعية.

والثاني ـ أي أن تكون حلّيةً مقيّدةً بترك الآخر ـ غير معقولٍ أيضاً ؛ وذلك لأنّ المفروض أنّ موضوعها هو طبيعيّ الشرب الجامع بين الشرب الواقع حال ترك الآخر والواقع حال اقتحامه ، ومع سعة الموضوع وإطلاقه يمتنع أن تكون الحلّية الظاهرية مقيّدةً بظرف ترك الآخر ؛ لوضوح أنّها لو كانت مقيّدةً بظرف ترك الآخر لاستحال تعلّقها بطبيعيّ الشرب الشامل للشرب حال فعل الآخر ، إذ يستحيل أن تكون مؤمِّنةً للمكلف من ناحية الشرب الواقع في غير ظرفها.

والحاصل : أنّ الحلّية الظاهرية إنّما جعلت بداعي التأمين ، ومن المعلوم أنّها إنّما تؤمِّن في ظرف ثبوتها ، فإذا فرضنا أنّ ثبوتها مختصّ بصورة ترك الآخر خاصّةً ومع عدم كونها مؤمِّنةً عنه يستحيل شمولها له ولو بالإطلاق.

وإن شئت قلت : إنّ موضوع الحلّية الظاهرية إنّما يعقل إطلاقه لكلِّ حصّةٍ

٧١

يمكن أن تكون الحلّية المزبورة مؤمِّنةً من ناحيتها في ظرف وقوعها ، وأمّا الحصّة التي لا تكون كذلك فلا يعقل إطلاق موضوع الحلّية الظاهرية لها ؛ لِلَغويته ، فإذا فرض أنّ الحلّية مقيّدة بظرف ترك الآخر فلا تؤمِّن من ناحية الشرب الواقع في حال ارتكاب الآخر ، فيكون إطلاق موضوعها لهذه الحصّة من الشرب مستحيلاً.

وإذن فالصور كلّها مستحيلة.

وبالجملة : لدينا صور ثلاث :

أحدها : تعلّق الحلّية الظاهرية المطلقة بمطلق الشرب الجامع بين الحصص.

ثانيها : تعلّق الحلّية الظاهرية المختصّة بظرف ترك الآخر بمطلق الشرب الشامل للشرب حال ارتكاب الآخر.

ثالثها : تعلّق الحلّية بالشرب المقيّد بحال ترك الآخر.

وكلّها ممتنع.

أمّا الأول فلأدائه إلى المخالفة القطعية ، ومخالفته لفرض التخيير.

وأمّا الثاني فلأنّ الحلّية المقيّدة بظرفٍ لا يمكن أن تتعلّق بطبيعيّ الشرب غير المقيّد بذلك الظرف بحيث يشمل الشرب الواقع في غير ظرف الحلّية ؛ لأنّها لا تؤمِّن إلّا من ناحية ما يقع في ظرفها.

وأمّا الثالث فهو وإن كان معقولاً في نفسه إلّا أنّه لا يمكن أن يثبت بدليل أصالة الحلّية الذي اخذ في موضوعه الشكّ في الحرمة ؛ لوضوح أنّ الشرب المقيّد بترك الآخر بما أنّه كذلك غير محتمل الحرمة.

وعلى هذا فإن شئت قلت : إنّ التقييد إنّما يُلتزم به في الموارد التي يكون الإطلاق فيها ذا محذورٍ إذا لم يكن هذا التقييد موجباً لخروج المورد عن المصداقية والفردية لموضوع العام ، وإلّا فاستحالة الإطلاق حينئذٍ ملازمة لعدم شمول العام له رأساً ، كما في المقام ، إذ أنّ تقييد الفعل بترك الآخر يخرجه عن كونه

٧٢

مشكوك الحرمة ، فلا ينطبق عليه عنوان المشكوك الذي اخذ في موضوع العام.

نعم ، لو قام دليل خاصّ على حلّية الشرب المقيّد ولم يكن قد اخذ في موضوعه الشكّ اخذ به في المقام بلا محذور ، إلّا أنّه ليس هناك مثل هذا الدليل الخاصّ.

فإن قلت : إنّ التقييد بترك الآخر يؤخذ في طول الشكّ ، بمعنى أنّ طبيعيّ الشرب المشكوك الحرمة يقيّد بترك الآخر ، فتقييد طبيعيّ الشرب بحال ترك الآخر يكون في طول فرض مشكوكيّته وتقيّده بالشكّ ، فلا يعقل أن يكون التقييد المأخوذ في طول مشكوكية المائع مؤثّراً في رفع مشكوكيته.

قلت : إنّ التقييد بترك الآخر وإن كان في طول التقيّد بالشكّ فرضاً ، إلّا أنّ هذا الشكّ المأخوذ والثابت للشرب في المرتبة السابقة على تقييده بترك الآخر إنّما يوجب كون متعلّقه بما هو ـ أي الطبيعي ـ مصداقاً لموضوع أدلة البراءة والحلّية ، والمفروض أنّ الموضوع الذي يراد إثبات حلّيته ليس هو الطبيعيّ المتعلّق به الشكّ في الحرمة ، بل هو بعد تقييده بحال ترك الآخر ، فنحتاج في شمول دليل الحلّية إلى شكٍّ آخر يكون متعلّقاً بالمشكوك بعد تقييده بهذا القيد ، ومن المعلوم أنّ المشكوك المقيّد بترك الآخر ليس محتمل الحرمة واقعاً بما أنّه مقيّد بهذا القيد.

والحاصل : أنّ كلّ شكٍّ إنّما يصحّ ثبوت الحلّية بالإضافة الى متعلّقه ، لا بالإضافة إلى متعلّقه بعد أن يقيَّد بقيدٍ يخرجه عن كونه مشكوكاً ، فالشكّ في ثبوت الحرمة لطبيعيّ الشرب واقعاً يصحّح شمول دليل أصالة الحلِّ لهذا الطبيعي ، لا لَه بعد تقييده بترك الآخر ، إذ أنّه بما هو مقيَّد ليس بمشكوك الحرمة ، فتدبّره فإنّه دقيق.

فإن قلت : إنّنا نختار كون نفس الحلّية مقيَّدةً بترك الآخر ، وموضوعها

٧٣

حينئذٍ وإن كان قهراً يتقيّد بترك الآخر ـ لاستحالة تعلّق الحلّية المقيّدة بترك الآخر بالشرب المطلق غير المقيّد ـ إلّا أنّ هذا التقييد في الموضوع الناشئ من جهة الحكم وتقيّده ، والموجب لخروج الموضوع عن المشكوكية لا ينافي مشكوكيته في مرتبة موضوعيّته التي هي المرتبة السابقة على لحوق الحلّية له.

وبعبارةٍ اخرى : أنّ الموضوع لا بدّ أن يكون مشكوكاً في نفسه مع قطع النظر عن الحلّية الثابتة له ، وما تستلزمه من تقيّده بصورة ترك الآخر.

قلت : إنّ تقييد الحكم بظرف ترك الآخر ليس سبباً في مقام الواقع والجعل لتقيّد الموضوع ، بحيث إنّ تقيّد الموضوع ينشأ حقيقةً من تقيّد الحكم حتى يقال : إنّ ما ينشأ من قبل الحكم لا يضرّ بموضوعية الموضوع ، بل هو كاشف عن تقيّد الموضوع في المرتبة السابقة واستحالة إطلاقه في هذه المرتبة.

فإن قلت : على هذا كيف تجري أصالة البراءة أو الحلّية في الشبهات الموضوعية البدوية؟ كما إذا احتمل خمريّة مائع مع أنّه لا يحتمل حرمة هذا المائع بخصوصه.

قلت : إنّما تجري البراءة عنه لا بما أنّه مائع خاصّ ، بل بما أنّه مائع منسوب إلى طبيعته التي يحتمل أن تكون هي الخمر ، وأن تكون هي الخلّ ، وهذا في المقام غير ممكن ؛ لأنّ معناه إثبات الحلية لطبيعيّ الفعل ، فإنّ الحكم بالحلّية إذا تعلّق بالشرب المقارن لترك الآخر لا بما أنّه شرب خاصّ بل بما أنّه مضاف إلى طبيعيِّه معناه حلّية الطبيعي.

نعم ، لو كانت القضية الحينية معقولةً لأمكن الالتزام بتعلّق الحلّية بذات الشرب المقارن لترك الآخر ، بحيث لا يكون ترك الآخر ولا التقيّد به دخيلاً في موضوعها ، إلّا أنّ المفروض امتناعها ، كما عرفت.

وبالجملة : الحلّية الظاهرية المجعولة في كلّ طرفٍ إمّا أن يكون موضوعها

٧٤

الشرب المقيّد بترك الآخر ، أو الشرب المطلق ، ولا واسطة بين المطلق والمقيّد ، وكلاهما غير صحيح.

أمّا الأول فلأنّ الشرب المقيّد بما أنّه مقيّد غير محتمل الحرمة حتى يشمله دليل أصالة الحلِّ.

وأمّا الثاني فلأنّ الحلّية المتعلّقة بالشرب المطلق لا يمكن أن تكون بنفسها مطلقةً أيضاً ؛ لأنّه خلاف دعوى التخيير في جريان الاصول ، ولا يمكن أن تكون مقيّدةً ؛ لأنّ الحكم المقيّد بظرفٍ لا يمكن أن يتعلّق بما هو مطلق من حيث ذلك الظرف.

ومما ذكرناه ظهر الكلام في موارد العلم الإجمالي بالوجوب أيضاً ، فإنّه لا يمكن أيضاً إثبات رفع كلٍّ من الوجوبين على تقدير فعل الآخر بحديث الرفع ؛ لأنّ المرفوع : إمّا الإلزام المقيّد بترك الآخر ، أو طبيعي الإلزام بسائر حصصه ، وكلاهما ممتنع.

أمّا الأول فلأنّ الإلزام المشروط لا يحتمله المكلف في أيٍّ من الطرفين ليرفع بحديث الرفع.

وأمّا الثاني فلأنّ الإلزام المطلق لا يمكن رفعه لا بالرفع المطلق ولا بالرفع المقيّد بترك الآخر.

أمّا الرفع المطلق فلأنّه خلاف شبهة التخيير ، وأمّا الرفع المقيَّد بظرف ترك الآخر فيمتنع أن يتعلّق بالإلزام المطلق الشامل للحصّة الثابتة منه في غير ظرف الرفع ، إذ أنّ هذه الحصّة غير قابلةٍ للوضع في ظرف ترك الآخر لترفع في هذا الظرف ، وإذن فلا أساس لشبهة التخيير أصلاً ، فافهم واغتنم.

هذا تمام الكلام في جريان الاصول النافية في أطراف العلم الإجمالي تعييناً أو تخييراً.

٧٥

جريان الاصول المثبتة مع العلم بالترخيص

وأمّا جريان الاصول المثبتة في تمام الأطراف مع العلم بعدم التكليف في بعضها فسوف يأتي تحقيقه في مباحث الاستصحاب في الجزء التاسع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، إذ جهة البحث فيه ليس عن مانعية المقدار المنجّز بالعلم الإجمالي بالتكليف عن جريانها ، بل عن مانعية العدم والترخيص المعلوم بالإجمال عن ذلك ، وسوف تعرف أنّ التحقيق جريان الاصول المثبتة غير التنزيلية في تمام الأطراف ، وكذلك التنزيلية على تفصيلٍ فيها ـ على مقتضى مبانيهم ـ بين بعض الموارد وبعض.

وبهذا انتهى الكلام في أصل المسألة ، وتحقّق بما لا مزيد عليه أنّ العلم الإجمالي إنّما يكون علّةً لحرمة المخالفة القطعية فقط ، ولا يوجب وجوب الموافقة القطعية ، لا بنحو العلّية ولا بنحو الاقتضاء ، لا بلا واسطةٍ ولا بواسطة إيجابه لتعارض الاصول ؛ لما عرفت من عدم إيجابه لتعارض الاصول في الأطراف. وعلى هذا ينسدّ الكلام في أكثر التنبيهات الآتية ، إلّا أنّنا سوف نتكلّم في التنبيهات جرياً على مبانيهم ؛ ليتحقّق مجال للبحث فيها.

٧٦

مباحث الاشتغال

٣

تنبيهات

العلم الإجمالي

جريان الاصول الطوليّة بعد تساقط العرضيّة.

فرضيّة الترتّب بين طرفي العلم الإجمالي.

تعلّق العلم الإجمالي بجزء الموضوع.

٧٧
٧٨

جريان الاصول الطوليّة بعد تساقط العرضيّة

التنبيه الأول : في جريان الاصول الطولية بعد تساقط الاصول العَرْضية في أطراف العلم الإجمالي.

وبتعبيرٍ آخر : أنّ الأصل الطولي هل يسقط بالمعارضة مع الأصل المعارض للحاكم ، أو يجري بعد سقوط الحاكم مع معارضه؟

وقد أفاد سيّدنا الاستاذ (١) ـ دامت بركاته ـ في المقام : أنّ الأصلين العرضيّين إمّا أن يكونا من سنخٍ واحد ، أو من سنخين.

فعلى الأول يجري الأصل الطولي ، كما إذا علم بنجاسة ماءٍ أو ثوبٍ ، فإنّ أصالة الإباحة في الماء تجري بعد تساقط اصالتي الطهارة ، ولا تكون طرفاً للمعارضة مع أصالة الطهارة في الثوب ، للعلم بتخصيص دليل أصالة الطهارة بأحد الطرفين ، لاستحالة شموله لكل منهما ، وهو موجب لإجماله ، بخلاف دليل اصالة الاباحة ، فإنّه لا يعلم بتخصيص فيها ، ولا يعارضها دليل اصالة الطهارة بشموله للثوب ، لأنّ المفروض اجماله ، والمجمل لا يعارض غيره.

وعلى الثاني : فإمّا أن لا يكون في بعض الأطراف أصل مثبت في طول

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ٣٥٦ ـ ٣٦٠

٧٩

الأصل النافي ، أو يكون ، ففي الصورة الاولى كما إذا علم إجمالاً بنجاسة ماءٍ أو بولية مائعٍ يكون أصالة الطهارة في مشكوك البولية معارضاً لكلٍّ من الأصل الحاكم في الماء الذي هو استصحاب الطهارة ، والأصل المحكوم الذي هو أصالة الطهارة ، فالأصل الطولي في هذه الصورة لا يجري ، بل يسقط بالمعارضة ؛ لانّ اقتضاءه وإن كان فرع عدم فعلية الأصل الحاكم وسقوطه بالمعارضة إلّا أنّ قانون العلّية يقتضي الاجتماع في الزمان ، فاقتضاء الأصل الطولي في عرض اقتضاء الأصل الحاكم ، واقتضاء الأصل المعارض له زماناً ، فيكون هناك اقتضاءات ثلاثة مجتمعة في الوجود ، وتسقط كلها بالمعارضة.

وأمّا في الصورة الثانية ـ أي فيما إذا كان هناك أصل طولي في أحد الطرفين مثبت للتكليف ـ يجري الأصل الطولي المثبت ؛ لانحلال العلم الإجمالي به ، كما إذا علم إجمالاً بزيادة ركعةٍ في صلاةٍ أو نقصانها في صلاةٍ اخرى ، فإنّه بعد تعارض قاعدتي الفراغ في الصلاتين يجري استصحاب عدم الزيادة في الاولى ، واستصحاب عدم الإتيان بالرابعة في الاخرى.

هذا ملخَّص ما أفاده ـ دام ظلّه العالي ـ في المقام.

جهات في النظر :

وهنا جهات من الكلام خطرت في النظر القاصر.

الجهة الاولى : أنّه ـ بعد البناء على أنّ مجرّد طولية الأصل وترتّبه على عدم الأصل الحاكم لا يوجب عدم سقوطه بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر ـ لم يتّضح الفرق بين أن يكون في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف في طول الأصل النافي ، أوْ لا.

فالحكم ـ فيما إذا كان في أحد الطرفين أصل طولي مثبت ، وفي الآخر أصل

٨٠