تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٢

السيد صالح الشهرستاني

تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٢

المؤلف:

السيد صالح الشهرستاني


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

٤ ـ جاء في الصفحة «١٣١» من كتاب « سفر نامه حاج بير زاده » باللغة الفارسية ، أي « رحلة الحاج بير زاده » من طهران الى لندن ، عند اجتيازه بمدينة بومبي في الهند ، ما ترجمته :

« والشيعة الإثنا عشرية من الهنود والايرانيين في بومبي كثيرون ، ولهم فيها مساجد وحسينيات زاهرة. وفي الهند يطلقون على الحسينية اسم : « إمام باره » يقيمون فيها في أيام شهر محرم وعشرة عاشوراء التعازي والمآتم على الاما الحسين الشهيد عليه‌السلام ».

أقول : إن الحاج محمد علي بير زاده ، وهو من أعاظم رجال الصفوية في إيران ، قام برحلته تلك سنة «١٣٠٦ هـ».

وقد أثبت التاريخ بمروياته أن اشتداد تمسك سكان شبه القارة الهندية بالعزاء الحسيني وذكراه قد ظهر على أتم صورة خلال القرون الأربعة الأخيرة ، أي بعد أن أصبح تردد الايرانيين ، من علماء وأمراء وادباء وسفراء وتجار وغيرهم ، يزداد على الهند ، وخاصة على عهد السلسلة الصفوية ، التي كانت صلاتها بملوك وأمراء الهند قوية ومستحكمة ، مما أدى الى انتشار المذهب الشيعي في هذه البلاد أكثر فأكثر.

٥ ـ جاء في الصفحة «١٩٦» من كتاب « المجالس السنية » المار ذكره ، نقلاً عن رسالة الحكيم الألماني الدكتور ماربين ، عن النهضة الحسينية وأثرها في الاسلام والعالم الاسلامي ما نصه :

« كانت الرئاسة الروحانية بعد الامام الحسين في أولاده واحداً بعد واحد. وهؤلاء أيضاً جعلوا إقامة عزاء الحسين الجزء الأعظم من المذهب ، وألبست هذه النكتة السياسية شيئاً فشيئاً اللباس المذهبي. وكلما ازداد قوة أتباع علي عليه‌السلام ازداد إعلانهم بذكر مصائب الحسين ، وكلما سعوا وراء هذا الأمر ازدادت قوتهم وترقيهم ، وجعل العارفون بمقتضيات الوقت يغيرون شكل ذكل مصائب الحسين

٨١

قليلاً قليلاً فجعلت تزداد كل يوم بسبب تحسينهم وتنميقهم لها ، حتى آل الأمر الى أن صار لها اليوم مظهر عظيم في كل مكان يوجد فيه مسلمون حتى أنها سرت شيئاً فشيئاً بين الأقوام وأهل الملل الاخرى ، خصوصاً في الصين والهند ، وعمدة أسباب تأثيرها في أهل الهند ، هو أن المسلمين جعلوا طريقة إقامة العزاء مشابها لمراسيم إقامة العزاء عند أهل الهند. وقبل مائة سنة لم تكن إقامة عزاء الحسين شائعة في الهند شيوعاً تاماً وظاهرة علناً ، وفي هذه المدة القليلة استوعبت بلاد الهند من أولها الى آخرها ، ويظهر أنها في كل يوم في زيادة. ولعدم اطلاع بعض مؤرخينا على كمية وكيفية هذه المآتم ورواجها استرسلوا في كلامهم علىغير علم ، وجعلوا يصفون إقامة أتباع الحسين لها بأنها أفعال جنون ولم يقفوا أبداً على مقدار ما أحدثته هذه المسألة من التغييرات والتبدلات في الاسلام ، والحس السياسي ، والثوران والهيجان المذهبي ، التي ظهرت في هذه الفرقة من إقامة هذه المآتم لم يرمثلها في قوم من الأقوام. إن من يسبر غور الترقيات التي حصلت في مدة مائة سنة لأتباع علي في الهند ـ الذين اتخذا إقامة هذه المآتم شعاراً لهم ـ يجزم بأنهم متبعون أعظم وسيلة للترقي. كما أن أتباع علي والحسين في جميع بلاد الهند كانوا يعدون على الأصابع ، واليوم هم في الدرجة الثالثة بين أهل الهند من حيث العدد ، وكذلك في سائر البلدان. وعندما نقيس منهم دعاتنا « المبشرين » مع صرف تلك القوة والثورة بمنهج دعاة هذه الفرقة ، نرى أن دعاتنا لم يحوزوا العشر من تقدم هذه الفرقة ، رؤساء ديننا وإن كانوا يحزنون الناس بذكر مصائب حضرة المسيح ، ولكنه ليس بذلك الأسلوب والشكل الذي يتخذه أتباع الحسين. ويحتمل أن يكون السبب في ذلك أن مصائب المسيح في جنب مصائب الحسين لا تكون مؤثرة ومشجية للقلب ، بتلك الدرجة التي لمصائب الحسين على مؤرخينا أن يطلعوا على حقائق رسوم وعادات الأغيار ، ولا ينسبونها الى الجنون ».

ثم يستطرد هذا المحقق الألماني ويقول :

٨٢

« نحن الأوربيين بمجرد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسيمهم الملية أو المذهبية ، منافية لعاداتنا ننسبها للجنون والتوحش ، نحن غافلون عن أننا لو سبرنا غور هذه الأعمال لرأيناها عقلية سياسية ، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة الشيعية ، وفي هؤلاء القوم بأحسن وجه. والذي يجب علينا هو أن ننظر الى حقائق عادات وتقاليد كل قوم ، وإلا فإن أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عاداتنا ، ويعدون بعض حركاتنا منافية للآداب ويسمونها بعدم التهذيب ، بل بالوحشية ، وعلاوة على تلك المنافع التي ذكرناها ، والتي هي طبعاً أثر التهيج الطبيعي ، فإنهم يعتقدون أن لهم في إقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة ... » الخ.

٦ ـ جاء في الصفحة «٧٩» من المجلد « ٥٦ » من « أعيان الشيعة » ما لفظه :

« كانت للمجالس الحسينية التي تعقد بانتظام خلال شهري محرم وصفر في مدن الهند والباكستان ، وأحياناً أيضاً خلال بقية الشهور الأثر الفعال ، لا في إنماء المعارف الدينية فحسب ، بل في التقدم الخلقي والعقلي والروحي للشيعة ، وبفضل هذه المجالس التي تقام لذكرى شهيد الاسلام العظيم الحسين بن علي عليهما‌السلام نبغ بين الشيعة في شبه القارة الهندية خلال الأجيال الطويلة فحول الشعراء والكتاب وأخيراً الخطباء ... » الخ.

٧ ـ جاء في الصفحة «٢٥٤» من كتاب « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » للدكتور علي الوردي عن النياحة على الحسين في الباكستان ما نصه :

« إن مدينة تيري والمناطق المجاورة لها في الباكستان تحتوي على كثير من الشيعة الذين اعتادوا أن يقيموا المواكب الحسينية في يوم عاشوراء من كل عام. والغريب أن هذه المدينة فيها مدرسة دينية يدرس فيها المذهب الوهابي ويقيم فيها كثير من طلبة العلم ، واسمها « مدرسة الهدى ».

وأخذ الوهابيون يضايقون الشيعة ويهددونهم لكي لا يقيموا المواكب حسب عادتهم في كل عام ؛ فالمواكب في نظرهم بدعة ومروق عن الاسلام. وفي

٨٣

عام «١٩٦٢ م» استعد الوهابيون لمنع المواكب بالقوة ، وفي يوم عاشوراء هجم الوهابيون على المواكب بضراوة واستخدموا في هجومهم الأسلحة ، والمعاول ، والمجارف ، والفؤوس ، والخشب ، فسقط المئات من الجرحي والقتلى ، وكانت مذبحة فظيعة. ومما يلفت النظر أن عدداً من أهل السنة قد قتلوا فيها لأنهم كانوا يشاركون الشيعة في مواكبهم ، كما هو الحال في بعض مناطق العراق ».

و ـ في جنوب شرقي آسيا :

أما في جنوب شرقي آسيا ، وخاصة منها : جزر الهند الشرقية ، وأندونيسيا ، وسومطرة ، والفيليبين ، وملتا ، وجاوة ، التي يكثر فيها المسلمون العلويون الذين هاجروا اليها من حضر موت منذ مئات السنين. فان إقامة حفلات الحزن والعزاء والمناحة على الامام الحسين عليه‌السلام فيها متداولة على طول السنة ، وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم كل سنة ، ولا سيما في اليومين التاسع والعاشر منها ، ـ التاسوعاء والعاشوراء ـ. وقد بدئ بإقامة مجالس هذه النياحات وشعائر الحزن في تلك الأرجاء والأصقاع منذ أن وطئت أرجل المسلمين من العلويين من أولاد علي العريضي أرضها. وعلى الرغم من مقاومة السلطان القائمة في تلك البلدان ، ولا سيما في جزر الفيليبين للمسلمين وتقاليدهم ، ومنعها لهم من مزاولة فروضهم الدينية ، وعبادتهم وشعائر دينهم ، فإن المسلمين وسيما الشيعة هناك يقيمون هذه المناحات ولو بصورة سرية.

وفيما يلي وصف لبعض ما يقام فيها من هذه الشعائر :

١ ـ جاء في مقال نشر في العددين ٩ ـ ١٠ من المجلد «٥٨» من مجلة « العرفان » الصيداوية ، صفحة «١٠٢٦» المؤرخين ذي القعدة وذي الحجة سنة «١٣٩٠ هـ» بقلم الأستاذ السيد حسن الأمين ، بعنوان : « لمحات من تاريخ الشيعة من أندونيسيا » ما نصه :

٨٤

« وعلى سبيل المثال يقول العالم الأندونيسي حسين جاجاد ننغرات فذكر انه في اليوم العاشر من المحرم ـ وهو اليوم الذي يحتفل فيه الشيعة بذكرى استشهاد الحسين ـ تقوم عائلات عديدة بإعداد طعام خاص يدعونه « بيرسورا » ، وهي كلمة مأخوذة من عاشوراء التي تعني العاشر من المحرم ، وكذلك يدعى شهر المحرم بالجاوية ( سورا ). ونجد أيضاً آثار نفوذ الشيعة في « اتجه » شمالي سومطرا ، إذ يدعى شهر المحرم باسم شهر الحسن والحسين. وفي « مينانج كابو » على الساحل الغربي من سومطرا يدعى شهر المحرم « شهر النعش » ، إشارة لعادة الشيعة واحتفالها بذكرى وفاة الحسين عندما يحملون نعشاً رمزياً ، يسيرون به في الشوارع ، ثم يلقونه في نهر أو مجرى مائي ... » الخ.

ثم يستطرد الكاتب فينقل الجملة التالية عن الكاتب الأندونيسي السيد محمد اسد شهاب ، ضمن البحث عن هجرة العلويين الى جاوة قوله :

« وحتى اليوم لا يزال شهرا المحرم وصفر محترمين عند الكثيرين من الأندونيسيين فلا يقيمون فيهما أفراحاً ، ولا يعقدون زواجاً ، ولا يجرون زفافاً ... » الخ.

٢ ـ وفي الصفحة «٧٠» من المجلد «٥٦» من « أعيان الشيعة » عندما يبحث الكاتب عن تاريخ الشيعة في أندونيسيا يقول ما نصه :

« وقد كان المسلمون الأندونيسيون قديماً يواصلون بعد تأدية فريضة الحج السير الى العراق لزيارة العتبات المقدسة وحضور المأتم الحسيني في كربلاء ... ».

٣ ـ جاء في الصفحة «٦٦» من المجلد «٥٦» من « أعيان الشيعة » أيضاً ما نصه :

« المأتم الحسيني في أندونيسيا : إن رمز البطولة الاسلامية باستشهاد مولانا الامام الشهيد الحسين بن علي عليهما‌السلام في شهر المحرم ، له حرمة ممتازة لدى المسلمين في أندونيسيا الى اليوم بوجه عام. ويسمى شهر المحرم « سورا » ، وهذه الكلمة ربما

٨٥

تحرفت عن كلمة « عاشوراء ». ويطلق على المأتم الحسيني في جزيرة « سومطره » ذكرى التابوت ، وفي اليوم العاشر من المحرم يقام تمثيل رمزي لاستشهاد البطل الاسلامي العظيم الحسين عليه‌السلام. أما في جزيرة « جاوا » فلهذا اليوم المعظم تقدير خاص وعوائد خاصة ، إذ تطبخ الشوربا فقط على نوعين من اللونين الأحمر والأبيض ، ثم يجمع الأولاد وتقسم الشوربا عليهم ، وهذا رمز للحزن العميق بجمع الاولاد الصغار والأطفال ، وذلك تصويراً لليتم والحزن ، أما اللون الأحمر فهو رمز الدماء الطاهرة المراقة ، واللون الأبيض رمز للاخلاص والتضحية. والى اليوم يعتبر شهرا محرم وصفر من كل سنة عند الكثيرين من الأندونيسيين شهرين محترمين لهما مكانتهما في القلوب ، فلا يقيمون أفراحاً ، ولا يعقدون زواجاً ، ولا يجرون زفافاً ، فالمعتقد السائد : أن من أقام أفراحاً فيهما قد يصيبه نحس. أما في مقاطعة آجيه بسومطره الشمالة ، فيسمى شهر المحرم ، شهر حسن وحسين.

٤ ـ جاء في الصفحة «٣٧٤» من الجزء التاسع ، من مجلة المرشد البغدادية ، لسنتها الثالثة ، المؤرخ أول رجب «١٣٤٧ هـ» وضمن مقال بقلم « محمد كاظم » عن إقامة النياحات على الامام الحسين عليه‌السلام في جزر الهند الشرقية ، وخاصة جزيرة سومطره ، ما عبارته :

« لا تزال عادة المأتم جارية في بعض نواحي جزائر الهند الشرقية ، وأغلب المتمسكين بهذه العادة هم من أهالي جزيرة سومطره. وليست هذه المآتم كما يسمونه تابوت على الأصول المتبعة عند الشيعة العلويين. ولكن هذه المآثر ـ على كل حال ـ لم تمح بالكلية ، فيظهر جلياً أن المذهب العلوي هو المذهب السائد في هاته الجزر ، بفضل العلويين الذين هاجروا اليها لادخال الشعب الجاوي في الديانة الاسلامية سابقاً.

كان المأتم في هاته الجزر قديماً : أنهم يظهرون حدادهم وحزنهم على سبطي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم معين ، ويقومون بالمظاهرات التي تنم عن شعورهم نحوهما ؛

٨٦

ولكن لما تمكنت الحكومة الحالية من الاستيلاء على هاته الجزر ، بدأت تمنع تلك المظاهرات رويداً رويداً حتى اضمحلت خصوصاً في جزيرة جاوه ، وبقيت بعض المدن الصغيرة في سومطره تقيم تلك المآتم.

أو من صنع التابوت وأقام المأتم هم أهل ميناء نقطايا ـ وإحدى مقاطعات جزيرة سومطره ـ ، وذلك إظهاراً لحزنهم وتفانيهم في حب سبطي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم سرت هذه العادة الى غيرها من المقاطعات المجاورة لها ، كمقاطعة آجيه ، وبقكولين.

يبتدئ المأتم عندهم في أول شهر محرم ، وذلك أنهم يخرجون فيها الى أحد الشواطئ ، ويأخذون منه تراباً ؛ يعنون به التراب الذي لطخ به وجه الحسين عليه‌السلام أثناء حربه ؛ ويضعونه في أحد الفلوات ، ويحيطونه بسور من خشب ، ويتركونه حتى اليوم التاسع من محرم.

ففي التاسع من محرم يخرجون جميعاً ومعهم الطبول والطاس لأخذ بعض جذور أشجار الموز ليضعوه على ذلك التراب الذي وضعوه في الفلاة ، وقد تحدث عند خروجهم مناوشات بين كل فرقة منهم أثناء سباقهم لأخذ ذلك.

وفي اليوم الثاني ـ أي العاشر من محرم ـ يخرجون ومعهم التابوت الصغير ، يسمونه « تابوت لينولنق » لطلب الصدقات من المحسنين ، ويحمل ذلك التابوت ولد عليه لباس أصفر يسمونه « انك مجنون » أي الولد المجنون فإذا وصلوا الى أحد البيوت التف الأولاد حوله ، وأخذوا يصيحون بأعلى صوتهم : « حسن حسين » ؛ كأنهم بذلك يذكرون الناس بما وقع عليهما‌السلام ، ولا يزالون كذلك من بيت لآخر حتى الساعة الحادية عشرة نهاراً. وعند الساعة الثانية عشرة نصف النهار ـ الظهر ـ يبتدئون بضرب الطبول ، وينشدون الأناشيد المحزنة ، مما يثير العواطف ، والصياح والعويل آخذان في الازدياد من المشاهدين ، لماله من التأثيرات التي تذكّرهم بالفاجعة المشؤومة.

٨٧

وعند الليل يخرجون بشبه أصابع يعملونها من الخشب ، ويلوون عليه قماشاً أو ورقاً أبيض ، ويضعون عليه الزهور ، يمثلون بذلك أصابع الحسين عليه‌السلام حين قتله الظالمون في كربلاء ، فاذا دخل الليل ابتدأ الناس يعودون الى القرية زرافات ووحداناً ليشاهدوا ذلك المأتم ، ويتغنون الليلة بالأناشيد الرثائية والوقائع المحزنة الى غير ذلك مما صار على الحسين عليه‌السلام.

وفي الليلة الثانية يخرجون أيضاً ومعهم تلك الأصابع ، ويضعون عليه شبه العمامة يسمونه « سربان » ، يعملونه من الطين الذي وضعوه في الفلاة ، ويحيطونه بخرق بيضاء يعنون بذلك عمامة الحسين عليه‌السلام التي استعملها في وقائعه. وفي الليلة الثانية عشرة من المحرم يخرجون بالتوابيت والطبول وغيرها مما يعتادون أخذه معهم ، ويقصدون الى بيت حاكم البلد ، ثم يطوفون البلاد بالتوابيت لأخذ شيء من الصدقات مرة أخرى ؛ وعند وصولهم أمام كل بيت ينشدون أناشيد يسمونها « انك ايندنق » مضمونها : « الحوادث والفظائع التي ارتكبها أعداء أهل البيت عليهم‌السلام ».

وعند النهار يخرج جميع أهل القرية ، ومع كل طائفة منهم تابوت ، ويمشون به الى أحد الشواطئ واثناء ذلك يرتجزون بأراجيز ، كل فرقة تفتخر بتابوتها ، حتى يصلون الى الشاطئ تقريباً السادسة مساء « المغرب ، فاذا وصلوا اليه رموا جميع التوابيت الى النهر أو البحر ، هنا يرتفع الصياح والبكاء تذكاراً للحسين عليه‌السلام عندما دفن ، ثم يرجع كل منهم الى محله.

هذه خلاصة العادة التي جرى عليها أهل سومطره ، بما فيها من التبدلات والزيادة والنقصان ـ حسب تطور الزمان ـ المخالف لما عليه الشيعة الآن في غيرها من الأقطار النائية ، كالعراق ، وإيران ».

٥ ـ لقد نقل لي ابن أختي المهندس الحاج السيد محمد علي الشهرستاني الذي زار بانكوك عاصمة تايلند في العشرة الأولى من محرم سنة «١٣٩٤ هـ»

٨٨

قائلاً :

« إن العزاء الحسيني يقام على أتم مظاهره في بانكوك وبعض أنحاء تايلند ، فانه شاهد بأم عينه أقامة مجالس العزاء والمآتم واجتماعات النياحات وقراءة المراثي على الامام الشهيد الحسين بن علي عليهما‌السلام في هذه العشرة ، وإنه اشترك بنفسه في بعضها ، وخاصة في المواكب الحزينة ومجالس النياحة التي أقيمت في المساجد والحسينيات الأربع التي انشئت في بانكوك على مرور الزمن ومنذ أن نزلها أحد علماء الشيعة قادماً اليها من إيران على عهد الأسرة الملكية الصفوية منذ أكثر من «٤٠٠ سنة ».

هذا ويقدر عدد الشيعة في الوقت الحاضر في تايلند بألفي نسمة ، يشترك كلهم في هذه المراسيم العزائية التي تقرأ فيها فاجعة الطف بتفاصيلها ، كما ويلبس في هذه العشرة الحزينة وخاصة يومي التاسوعاء والعاشوراء المشتركون في هذه المناحات اللباس الأسود ، وفي المواكب العزائية يتم اللطم على الصدور والظهور ، والضرب على الرؤوس ، وتسيل فيها الدموع مدراراً ، كما أن تقليد توزيع الخيرات وإطعام المساكين في هذه الشعرة الحزينة ، ولا سيما يومي تاسوعاء وعاشوراء قائم على قدم وساق وبأتم وجه بين مختلف الطبقات هناك.

* * *

٨٩
٩٠

الفصل السادس والعشرون

النياحة على الامام الحسين عليه‌السلام في القارة الافريقية

لقد بحثت في فصل سابق عن كيفية انتقال تقليد إقامة المأتم الحسيني وشعائره ، وتسيير مواكبه في بعض أصقاع القارة الافريقية التي انتقل اليها الاسلام منذ القرن الأول الهجري ، وخاصة القطر المصري وبلدان افريقية الشمالية ، وكذا عن اهتمام الملوك الفاطميين في مصر بهذه المآتم والنياحات ومما لا لزوم لتكراره.

أما في هذا الفصل ، فأورد تالياً بعض ما عثرت عليه في بطون الأسفار والكتب عن إقامة المآتم الحسينية في بلدان القارة الافريقية في مختلف القرون ، وخاصة المتأخرة منها :

١ ـ نشرت مجلة « الهادي » التي تصدر باللغة العربية في مدينة « قم » بإيران ، في عددها الثاني المؤرخ في ذي القعدة سنة «١٣٩١ هـ» مقالاً بقلم الدكتور عبد اللطيف السعداني ، من فاس بالمغرب ، تحت عنوان : « حركات التشيع في المغرب ومظاهره » جاء فيه :

« بحلول شهر محرم في كل عام يتغير وجه الحياة في المغرب ، حيث يدع الناس أيام الدعة والاستكانة الى الأهواء ، ويتبدلون بها عودة الى محاسبة النفس فيستيقظ الضمير فيهم ، وتعود الذكرى الى حياتهم الاسلامية ليستنير فيهم واقعهم وما هم عليه ، وتحيي في إيمانهم المعنى الخفي للحقيقة التي انتقلت من الوحي النبوي في آل بيته وأبناء عترته ، تلك هي ذكرى عاشوراء واستشهاد سيدنا الحسين.

ففي هذا الشهر نرى الناس في جميع مدن المغرب في هرج ومرج ، لا يمكن أن

٩١

يوصف إلا بأن حدثاً عظيماً قد حل بهم ، وأي حدث أعظم من الفتنة الكبرى التي أدت الى انهيار ذلك الطود العظيم ، حفيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فاذا هم منصرفون الى القيام بأعمال وتصرفات امتزجت اليوم بكّلهم ، وحلت من السنة محلاً مرموقاً مترقياً ، ولكن الزمن أكسب هذه المناسبة طابع العادة حتى لا يكاد إلا القليل يدرك مغزاها الحقيقي.

غير أن الشيء الذي تعارف عليه أهل المغرب ونظروا اليه نظرة احترام وتقديس ، هو أن شهر المحرم شهر العزاء ، يهيمن فيه الأسى والحزن العميق على القلوب فلا يباح مطلقاً التجمل حتى ولا غسل بيوت أو ثياب ، ولا تزف عروس ، ولا تدق طبول أو تسمع مزامير ، بل إن الناس ليلبسون في هذه المناسبة لباس العزاء في بلاد المغرب ثياباً بيضاً.

وتبدأ الأسر العلوية هذه المراسيم منذ اليوم الأول من المحرم الى العاشر منه ، أما باقي الشرفاء فيستمرون الى آخر الشهر ، ويطبخ في اليوم المشهود الأكل للتصدق به ، وقد جعلت طبقة التجار هذه المناسبة لبذل المال ، فكان هذا اليوم هو يوم الزكاة في السنة ، لكأنما يرمز ذلك الى محاسبة الأعمال. اما الآخرون فيمسكون عن الأكل في هذا اليوم احتساباً لله ، وما ينفك الحزن غالباً على أحوالهم حتى ليعتقدون أنه غالباً ما يصادف أن يبكي الانسان في هذا اليوم ، يوم عاشوراء بل لتجدنهم سعداء بتلك الدموع الغالية التي تذرف تعبيراً عن الألم لفقدان شهيد الحق.

وأما الأطفال فلهم من هذه الذكرى اللعب ، وتلاحظ من بينها قلل الماء الصغيرة التي تهدى اليهم من ذويهم ، وذلك رمزاً للظماً الذي مات عليه شهيد الذكرى. وأكبر ما يستوقف الملاحظ هو مشاهد المراثي التمثيلية بالمراكز التي تقام كل سنة في مدينة مكناس ، وفاس ، ومراكش.

فكيف استقرت هذه العادات في الحيات المغربية؟ وإلى أي حد تغلغلت

٩٢

عقيدة المغاربة؟ إن للمغاربة منذ بداية تاريخهم الاسلامي حباً شديداً وتعلقاً كبيراً بآل البيت الأطهار ، وليس أدل على ذلك من مؤازرتهم لهم ، حيث وجدوا عندهم الملاذ الأخير بعد أن حوربوا في بلادهم ويئسوا من البقاء فيها ، فالتجأوا الى بلاد المغرب ، فأيدهم المغاربة ، ونصروهم ، واعترفوا بحقهم. وبذلك تكونت في رحاب المغرب الأقصى وبين ظهراني المغاربة الدولة الهاشمية الإدريسية ، وهي أول دولة علوية تتكون في العالم الاسلامي. كما أن أول دولة شيعية ، وهي الدولة الفاطمية ، نشأت وترعرعت في بلاد المغرب بتونس ... » الخ.

ثم يتحدث الكاتب باسهاب عن انتقال بعض العلويين بعد موقعة فخ في ذي الحجة سنة «١٦٩ هـ» ، وتشكيل الحكومات العلوية في الشمال الافريقي ، وخاصة في المغرب منذ سنة «١٧٢ هـ» ، وموالاة سكان هاتيك المناطق لآل البيت ، مما لا مجال للولوج فيه بإسهاب. واكتفي بهذا القدر من هذا المقال الذي تطرق فيه كاتبه الى موضوع النياحة على الامام الحسين الشهيد عليه‌السلام في المغرب بإجمال ضمن بحثه عن النهضات الشيعية في الشمال الافريقي ، وخاصة في المغرب منذ القرن الثاني للهجرة ، وتمسكها من بداية نشاطاتها بموضوع مقتل الامام الحسين عليه‌السلام في كربلاء ، ثم اعتبار الشعب المغربي هذا الموضوع عقيدة يقوم باحيائها وتجديد ذكراها كل عام في شهر محرم حتى العصر الحاضر.

٢ ـ جاء في الصفحة «٢١١» من كتاب ( إقناع اللائم ) ما لفظه :

« والذي بلغنا ان الخوارج الاباضية في زنجبار يقيمون مراسيم الحزن يوم عاشوراء ، لا مراسيم الأعياد ، وأنهم بقدر بغضهم لعلي وولده الحسن عليهما‌السلام يحبون الحسين عليه‌السلام لقيامه بالسيف ، ومقاومته للظلم ».

وجاء في الصفحة «٦٢» من المجلد «٥٦» من « أعيان الشيعة » ما نصه : « ولا ننسى كذلك اسم المرحوم علي باتو الذي أدى خدمات كبيرة لدولة زنجبار خلال الفترة بين ١٩١٤ ـ ١٩١٨ م ، وقد قال له السلطان ذات يوم : « اختر أنت بنفسك

٩٣

الجائزة التي تريدها مقابل خدماتك » فأجاب على الفور :

كل ما أريده ان يكون اليوم الحادي والعشرون من الشهر التاسع القمري ، واليوم العاشر من الشهر الأول القمري ، يومي عطلة رسمية ، فوافق السلطان على ذلك. ومنذ ذلك اليوم تعطل الدوائر الرسمية كل سنة ، في ذكرى مقتل الشهيد علي ، ومقتل الشهيد الحسين.

أقول : وهذان اليومان هما : ٢١ شهر رمضان و ١٠ شهر محرم من كل سنة.

وقد نقل لي هذه الحكاية أيضاً في طهران أحد مسلمي زنجبار الذي هجرها وأقام في عاصمة ايران وقال : ان علي ناتو كان من كبار تجار زنجبار الأثرياء.

٣ ـ أما في مصر فقد مر في فصل سابق ذكر لتاريخ النياحة على الحسين وشعائرها وتطورها في هذا البلد. اما في القرن الحالي فقد لخص الدكتور علي الوردي في الصفحة «٢٣٣» من كتابه « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » هذه النياحة بما عبارته :

« وقد شهدت المتصوفة يحتفلون بمولد السيدة زينب والامام الحسين في القاهرة ، فيقومون بحلقات الذكر ، ويخرجون بالمواكب والرايات على منوال يشبه من بعض الوجوه ما يفعله الشيعة في العراق ، احتفالاً بوفيات ائمتهم ... ».

كما جاء في الصفحة «٧٨» من كتاب « السيد محسن الامين ـ سيرته » المار ذكره عند وصفه رحلته سنة ١٣٢١ هـ الى الحجاز لأداء فريضة الحج ماراً بمدينة القاهرة بهذا الصدد قوله :

« وزرنا مشهد رأس الحسين عليه‌السلام فيها ـ أي في القاهرة ـ فخلنا أنفسنا في كربلاء ، لأن ما يفعله المصريون في ذلك المشهد لا ينقص عما يفعله العراقيون الشيعة في كربلاء ، وهو مشهد مبني بناءً متقناً ورأينا فيه مدرساً معمماً جالساً على منبر صغير وحوله تلاميذ يستمعون الى درسه ... ».

* * *

٩٤

الفصل السابع والعشرون

النياحة على الحسين عليه‌السلام في القارة الاوروبية

وفي القارة الاوروبية وخاصة الاقطار القريبة من الصقع الآسيوي ، وبالأخص بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط ، والممالك البلقانية التي كانت ردحا من الزمن تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية ، والتي تغلغل فيها المسلمون على مر الدهور والعصور منذ القرون الوسطى ، فقد كانت النياحة على الامام الشهيد الحسين عليه‌السلام واقامة شعائر العزاء والحزن عليه متداولة فيها الى حد ما ، ثم ان هذا التقليد الحزين قد تسرب من هذه البلدان الى سائر أقطار القارة الأوربية ، وخاصة خلال القرن الأخير ، وعقيب الحرب العالمية الاولى التي ازداد تردد المسلمين عليها ، واقيمت فيها المساجد ودور الضيافات الاسلامية.

وتحدثنا أنباء هذه الاقطار عن اقامة هذه النياحة على الامام الحسين في عواصم ومدن تلك البلدان في العشرة الاولى من محرم.

وفيما يلي وصف بعض هذه الحفلات الحزينة :

الف ـ في انجلترا:

١ـ جاء في الصفحة « ٣٦٩ » من الجزء الثامن ، من السنة الرابعة ، من مجلة « المرشد » البغدادية ضمن مقال مترجم عن الصحف الانجليزية ما عبارته :

« ان أول ذكرى لشهيد الطف أقيم في لندن بمناسبة يوم عاشوراء ، في ١٧

٩٥

جون ١٩٢٩ م ، الموافق ٩ محرم ١٣٤٨ هـ فقد احتفلت بهذه الذكرى الجمعية الاسلامية الغربية في لندن. وكانت هذه أول مظاهرة إسلامية بهذا الشأن تقام في بريطانيا اجتمع فيها كثير من الانجليز الذي اعتنقوا الدين الاسلامي ، ومن المسلمين الهنود والعرب وغيرهم المقيمين في بريطانيا ، والقيت الخطب على المنابر بوصف مجزرة كربلاء واستشهاد الامام عليه‌السلام ، وأمّ شهادة الامام كانت لأجل توحيد كلمة المسلمين والوئام بين أفرادهم. ثم ذكر فيها نماذج من كارثة الطف وتضحية الإمام عليه‌السلام وكان احتفالاً حزيناً ، جرت فيه الدموع على مقتل الامام عليه‌السلام.

وأضافت هذه الصحف في وصف هذا الاحتفال الحزين وقالت :

« ثم قام الرئيس الدكتور عبد الله السهروردي ، وذكر نماذجاً من كارثة الطف ، ومثل للحضور ما برز للحسين عليه‌السلام فيه من الشجاعة والايثار وحب الحق والمثابرة ، وذكر ما كان عليه أهل البيت على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العز ، ثم ذكرهم ( بذي الفقار ) سيف الامام علي عليه‌السلام ، واستدعى من الزعيم « ذو الفقار علي خان » أن يفيد الجمع بخطابه ، فنهض قائلاً : إن شهادة الحسين قد وحدت كلمة الاسلام ، وأحكمت الرابطة بين المسلمين فانفض الجمع ، وكان الاحتفال يضم كثيراً من المسيحيين أيضاً ».

٢ ـ وقد علمت من بعض الثقات الذين يترددون على انجلترا أنه خلال بعض سنوات الستينات من القرن العشرين الميلادي ، قام المسلمون المقيمون في لندن وبعض مدن انجلترا الأخرى ، بتسيير موكب للعزاء الحسيني في شوارعها في يوم عاشوراء ، لطم فيه المشتركون في الموكب وناحوا فيه على الحسين عليه‌السلام ولم تمنعهم الحكومة البريطانية من أداء هذه الشعائر ، وقد خطب فيه بعض المسلمين من الانجليز عن هذه الفاجعة الأليمة.

٣ ـ وفي محرم سنة ١٣٩٤ هـ أفادت أنباء لندن بأن ذكرى العزاء الحسيني أقيم أيضاً في بعض الدور التي يقيم فيها المسلمون في لندن خلال يومي التاسع

٩٦

والعاشر من شهر محرم ـ التاسوعاء والعاشوراء ـ ومن بينها دار العلامة السيد محمد المشكاة أستاذ جامعة طهران سابقاً الذي اختار الإقامة في لندن في الآونة الأخيرة.

ولقد اشترك في هذه المجالس النياحية والحفلات الحزينة كثير من المسلمين الانجليز والجاليات الاسلامية في لندن من عرب وإيرانيين وباكستانيين وهنود وسائر القوميات وفي مقدمتهم رجال السلك الدبلوماسي الاسلامي والعربي المعتمدين لدى البلاط البريطاني (١).

ب ـ في الأندلس ( أسبانيا ) :

١ ـ جاء في مقال نشرته مجلة الهادي الصادرة في قم بإيران باللغة العربية في عددها الثاني لسنتها الأولى المؤرخ ذي القعدة ١٣٩١ هـ بقلم الدكتور عبد اللطيف السعداني ، بفاس « المغرب » تحت عنوان : « حركات التشيع في المغرب ومظاهره » مشيراً الى أثر التشيع في الأندلس ، وإقامة المأتم على الامام الحسين الشهيد عليه‌السلام فيما نصه :

« ومن حسن حظّنا هذه المرة أن أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري ، لسان الدين ابن الخطيب ، أسعفنا بإشارة ذات أهمية كبرى ، والفضل في ذلك يعود الى إحدى النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التاريخي « أعلام الاعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام » التي حفظتها لنا خزانة جامعة القرويين بمدينة « فاس » من عاديات الزمن. وبهذه الإشارة تنحل العقدة المستعصية ، وينكشف لنا ما كان غامضاً من قبل ، مما أغفل الحديث عنه المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع ، ذلك أن ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن

__________________

(١) كما أفادت الأنباء أن في يوم عاشوراء تسير المواكب في شوارع بريطانيا كأنك في مدينة كربلاء المقدسة فضلاً عن إقامة مجالس العزاء مفصلاً وفي أماكن بعيدة.

٩٧

معاوية انتقل به الحديث الى ذكر عادات الأندلسيين خاصة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز ، وإنشاد المراثي. وقد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف إحدى هذه المراسيم وصفاً حياً شيقاً ، حتى ليخيل أننا نرى إحياء هذه الذكرى في بلد شيعي. وذكر أن هذه المراثي تسمى الحسينية ، وأن المحفظة عليها بقيت من قبل تاريخ ابن الخطيب الى أيامه ونبادر الآن الى نقل هذا الوصف على لسان صاحبه :

« ولم يزل الحزن متصلاً على الحسين ، والمآتم قائمة في البلاد ، يجتمع لها الناس ويحتفلون لذلك ليلة يوم قتل فيه ، بعد الأمان من نكير دول قتلته ، ولا سيما بشرق الأندلس. فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق ـ يعني مشرق الأندلس ـ يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب ، يستجنى خلف سترة في بعض البيت ، ويحتفل بالأطعمة ، ويجلب القراء المحسنون ، ويوقد البخور ، ويتغنى بالمراثي الحسنة ».

وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضاً ؛ فإنه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلاً وبياناً عن الحسينية وطقوسها ، فقال :

« والحسينية التي يستعملها الى اليوم المسمعون ، فيلوون لها العمائم الملونة ، ويبدلون الأثواب ، كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد ، وإن ضعفت. ومهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها.

وفي المغرب اليوم ما لا يزال أولئك المسمعون الذين أشار اليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم ، وينشدون ، وكثرت في إنشادهم عل الأخص المدائح النبوية. كما أن الأغنية الأندلسية الشائعة اليوم في بلاد المغرب تشتمل في أكثرها على المدائح النبوية أيضاً » انتهى كلام السعداني.

أقول : ويظهر من هذا الوصف أن النياحة على الامام الحسين وإقامة شعائر الحزن والاسى عليه ، قد تداوله المسلمون في الأندلس منذ أن وطئت أقدام

٩٨

المسلمين أرض الأندلس وبقيت هذه التقاليد في هذه البلاد الاسلامية النائية حتى القرن الثامن الهجري ـ كما يستبان من كلام ابن الخطيب ـ ويستنتج من استعمال كلمة الحسينية التي استعملها المسلمون هناك لإقامة العزاء الحسيني وإنشاد المراثي فيها أنه كان للشيعة شأن يذكر في الأندلس.

هذا وقد نشرت المجلة السالفة الذكر في عددها الثالث لسنتها الأولى المؤرخ صفر ١٣٩٢ هـ تتمة مقال الاستاذ السعداني ، الذي نقل فيه بعض المراثي على الامام الشهيد ، تلك المراثي التي إن دلت على شيء فإنما تدل على تغلغل المذهب الشيعي في بعض طبقات الشعب في الاندلس والمغرب العربي ، وعلى شدة تعلقهم بالحسين الشهيد ، وقيامهم بمراسيم النوح عليه في ذكراه الأليمة.

إن ما قاله الاستاذ السعداني في ذلك هو ما يلي :

كما أفادنا ابن الخطيب بنقله نموذجاً لهذه المراثي مدى عناية الشعراء بهذا الموضوع. وعرفنا بأحد شعراء الشيعة في الأندلس ، الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين ، وهو أبو البحر صفوان بن إدريس بن إبراهيم النجيي المرسي ( ٥٦١ ـ ٥٩٨ هـ) هذه القصيدة كانت مشهورة وينشدها المسمعون ، وهي كما يلي :

سلام كأزهار الربى يتنسم

على منزل منه الهدى يتعلم

على مصرع للفاطميين غيبت

لأوجههم فيه بدور وأنجم

على مشهد لو كنت حاضر أهله

لعاينت أعضاء النبي تقسم

على كربلاء لا أخلف الغيب كربلا

وإلا فان الدمع أندى وأكرم

مصارع ضجت يثرب لمصابها

وناح عليهن الحطيم وزمزم

ومكة والاستار والركن والصفا

وموقف حج والمقام المعظم

ثم يستطرد الشاعر بإسناد القصيدة على هذا الوتر ، ويقول :

لو أن رسول الله يحيى بعيدهم

رأى ابن زياد أمهكيف تعقم

وأقبلت الزهراء قدس تربها

تنادي أباها والمدامع تسجم

٩٩

تقول : أبي هم غادروا ابني نهبة

كما صاغه قيس وما مج أرقم

سقوا حسنا للسم كاسا روية

ولم يقرعوا سنا ولم يتندموا

وهم قطعوا رأس الحسين بكربلا

كأنهم قد أحسنوا حين أجرموا

فخذ منهم ثاري وسكن جوانحاً

وأجفان عين تستطير وتسجم

أبي وانتصر للسبط واذكر مصابه

وغلته والنهر ريان مفعم

ويختم الشاعر قصيدته الطويلة تلك بهذه الأبيات :

فيا أيها المغرور والله غاضب

لبنت رسول الله أين تيمم؟

ألا طرب يقلى ألا حزن يصطفى

ألا أدمع تجرى ألا قلب يضرم؟

قفوا ساعدونا بالدموع فأنها

لتصغر في حق الحسين ويعظم

ومهما سمعتهم في الحسين مراثياً

تعبر عن محض الأسى وتترجم

فمدوا أكفاً مسعدين بدعوة

وصلوا على جد الحسين وسلموا

ثم يواصل الأستاذ السعداني كلامه ويقول :

« ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية ، فنعثر على أثر آخر للفكر الشيعي ؛ حيث نلتقي بأحد أدباء الأندلس في النصف الأول من القرن السابع الهجري ، هو القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي ، المقتول في ٢٠ محرم سنة ٦٥٨ هـ ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة ، موضوعها هو رثاء سيدنا الحسين.

أولهما : « اللجين في رثاء الحسين » ولا يعرف اليوم أثر لهذا الكتاب غير اسمه.

وثانيهما : « درر السمط في أخبار السبط » وكان كل ما بقي من هذا الكتاب هو ما نقله المقري في كتابه : « نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب » وقد اعترف المقري بأنه أغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما يشم منه رائحه التشيع. ثم إنه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط ... » الخ.

١٠٠