شرح كتاب سيبويه - ج ٣

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٣

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٠٤

منقلبة من ياء وفي حمراء منقلبة عن ألف وليست الهمزة بعلامة لم يشتركا في اللفظ.

فإن قال قائل : أنتم إذا صغرتم (حنبطى) بعد التسمية ومنع الصرف قلبتم الألف ياء ، وصرفتموه ، فقلتم : (حبيط) فهلا صرفتم (حمراء) ؛ لأنكم قلبتم ألف التأنيث همزة ، وزال اللفظ المشبه لألف التأنيث؟ قيل له ألف (حبنطى) أشبه ألف التأنيث في اللفظ ولا حقيقة له ، فإذا زال اللفظ الذي به أشبه بطل الحكم ، والهمزة بدل من ألف التأنيث مجعولة مكانها ، فالحكم باق.

هذا باب ما لحقته نون بعد الألف

فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك نحو : (عطشان) ، (سكران) ، (عجلان) ، وأشباهها ، وذلك أنهم جعلوا النون ، حيث جاءت بعد ألف ، كألف حمراء ؛ لأنها على مثالها في عدة حروفها ، والتحرك والسكون ، وهاتان الزائدتان قد اختص بهما المذكر ، ولا تلحقه علامة التأنيث ، كما أن حمراء لم تؤنث ، على بناء المذكر ، ولمؤنث سكران بناء على حدة كما كان لمذكر حمراء بناء على حدة.

فلما ضارع (فعلاء) هذه المضارعة ، وأشبهها فيما ذكرت ، جرى مجراها.

قال أبو سعيد : اعلم أن الألف والنون الزائدتين في آخر الاسم على ضربين ، أحدهما : يختص به" فعلان" الذي أنثاه" فعلى" وهو الأصل في منع الصرف ، ولا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، كغضبان ، وسكران.

والآخر سائر ما يدخل عليه الألف والنون زائدتين كعربان ، وعثمان ، وزعفران وسعدان ، ومروان وغير ذلك ، مما لا يحصى كثرة.

فأما العلة المانعة من صرف (سكران) وما به أن أنثاه على خلاف لفظ مذكره ، كما أن" أحمر" على خلاف لفظ المؤنث ، فلما كانت" حمراء" لا تنصرف في معرفة ، ولا نكرة ، كان سكران كذلك.

وقوي ذلك زنة المصدر منهما واحد ؛ لأن (سكر) مثل (حمر) والألف والنون في" سكران" كالألف والهمزة من (حمراء) ، ولا تدخل علامة التأنيث على" سكران" ، كما لا تدخل على" حمراء". لا تقول : سكرانة كما لا تقول : " حمراءة" ، فصار الألف والنون فيه كأنه للتأنيث ، فهذه علة سيبويه وهي التي يعتمد عليها ، وبعض أصحابنا ـ وهو المبرد ـ واحتج بأن قال : النون بدل من ألف التأنيث واحتج في ذلك بأن قال : إن العرب تقول في

٤٨١

النسب إلى (صنعاء) : صنعاني ، وبهراء بهراني. وندمان وندامى ، وسكران وسكارى. كما قالوا صحراء وصحارى.

فلما جاءت الألف والنون زائدتين في غير باب سكران كانت مشبهة بباب سكران في اللفظ ، فمنع من الصرف في المعرفة ولم يمنع في النكرة ، كما أن الألف الزائدة لغير التأنيث مشبهة في اللفظ بألف التأنيث فمنعت من الصرف في المعرفة ولم يمنع في النكرة ، وذلك نحو : هذا عثمان ، وسعدان ومررت بعثمان ، وعثمان آخر ، وسعدان ، وسعدان آخر.

وكذلك إذا سميت بعربان وسرحان وإنسان فتشبه هذا من باب سكران كتشبيه" حبنطى" من باب" حبلى" و" سكرى".

فإذا حقرت (سرحان) اسم رجل ـ قلت : (سريحين) ، فصرفته ؛ لأنه زال الشبه بآخر سكران ؛ لأنك تقول في تصغيره : سكيران.

وتقول في تصغير" عثمان" : " عثيمان" ، و" سعدان" ، " سعيدان" ، فلا تصرف شيئا من ذلك ، لأن الألف والنون مبقاة ، وهي بلفظها ، فمنع من الصرف.

وستقف على ما تنقلب الألف فيه ياء ، وما لا تنقلب مما آخره ألف ونون زائدتان في باب التصغير ، وليس المانع من الصرف زيادة النون في آخر الاسم ، ولا أن يكون قبل النون زيادة أخرى غير الألف ، لأنك تصرف (رعشنا) و (ضيفنا) و (غسلينا) و (سنينا) وهذا قول أبي عمرو ، والخليل ، ويونس.

هذا باب ما لا ينصرف في المعرفة

مما ليست نونه بمنزلة الألف التي في نحو بشرى ، وما أشبهها ، وذلك كل نون لا يكون في مؤنثها فعلى.

قال أبو سعيد : اعلم أنّا قد ذكرنا في الباب الذي قبله أصل ما يتضمنه هذا الباب بما أغني عن إعادته.

واعلم أن كثيرا من الأسماء التي يكون في آخرها ألف ونون يكون فيها مذهبان : أحدهما أن تكون النون زائدة مع الألف التي قبلها ، والآخر أن تكون النون أصلية ، فلا تمنع من الصرف.

وفيها ما لا تكون النون فيه إلا أصلية ، وفيها ما لا تكون فيه إلا زائدة ، وأنا أسوق

٤٨٢

هذه الأسماء فأذكر وجوهها إن شاء الله تعالى.

فمما تكون النون فيه أصلية ولا يمنع من الصرف" طحان" ، و" تبان" ، و" سمان" لأنه من الطحن ، والتبن ، والسمن ، وهو (فعال) بمنزلة حماد ، والنون منه كالدال من (حماد) ، ومن ذلك رجل يسمى" مرّان" ، النون أصلية وهي فعّال ، يقال للرّماح : " مرّان" ، وهو مشتق من المرانة وهي اللين. ومن ذلك رجل يسمى" فينان" ، وهو فيعال ؛ لأن الفينان : الكثير الشعر ، ومن الأشجار : الكثيرة الأغصان ، والفنن : الغصن.

ومما يحكم على نونه بالزيادة ، ويمنع الصرف : " سعدان" ، و" مرجان" و" مروان" ؛ لأن هذه أبنية لو جعلت النون فيها غير زائدة صار على مثال" فعلال" ، وقد تقدم أنه ليس في كلامهم عند سيبويه (فعلال) إلا مضاعفا. ليس فيه مثل (سرداح).

ومما يحكم على نونه بالزيادة مما عرف بالاشتقاق" عريان" لأنه من عري يعري.

قال أبو سعيد : إذا كان في آخر الاسم ألف ونون ، وقبلها ثلاثة أحرف حكم عليهما بالزيادة ، حتى يقوم الدليل من اشتقاق ، أو غيره على أن النون أصلية.

ومن أجل هذا حكم الخليل على النون في" رمان" إنها زائدة ، وإن لم يعرف اشتقاقه ؛ لأن الأكثر كذلك ، وإنه لا يعرف لرمن معنى. وبعض النحويين ـ وقد حكي عن الأخفش ـ يذهب إلى أن النون في رمان أصلية ؛ لأن الألف والنون إنما تكثر زيادتهما في الجموع والمصادر ، وإن سمي رجل ب (زعفران) ، أو (نومان) ، أو (ملكمان) ، أو (كفران) ، أو (سكران) فالباب في ذلك كله أن لا ينصرف.

وهذه الأسماء أكثر من أن تحصى ، والاشتقاق يدل عليه. وما لم يكن له اشتقاق حمل على الزيادة.

ومما يعلم أن النون فيه أصلية (ديوان) ؛ لأنك تقول دونت الدواوين والنون فيه لام الفعل ، ويقال فيه (ديوان) و (ديوان) ، فمن قال : (ديوان) فأصله (دوّان) قلبت إحدى واويه ياء استثقالا لكسرة ، والتشديد كما قالوا في قرّاط ودنّار : قيراط ، ودينار.

والدليل على أن الأصل التشديد قولهم في الجمع والتصغير : دواوين ، ودنانير وقراريط ، ودويوين ، ودنينير وقريريط.

وأما من قال ديوان فهو فيعال مثل بيطار.

ولو سميت رجلا ب (جنجان) يحكم على النون الأخيرة أنها أصل يجعل بمنزلة خضخاض ، وجرجار على التضعيف.

وأما ما تحتمل نونه الزيادة ، والأصل ، فقوله : دهقان ، وشيطان.

٤٨٣

قال الخليل : أخذ من التدهقن ، والتشيطن ، والنون أصلية ، وهو مصروف. وإن أخذ من الدهق ، ومن الشيط ، فالنون زائدة ولا ينصرف ، وقد يجيء أسماء كثيرة يحتمل الاشتقاق فيها وجهين :

منهما : (حسّان) من أخذه من الحسن صرفه ، ومن أخذه من الحس لم يصرفه.

وحسان بن ثابت لم يصرف نفسه حين قال :

ما هاج حسّان رسوم المقام

ومظعن الحي ومبنى الخيام (١)

فدل على أنه كان يعتقد أن اسمه مأخوذ من الحس.

(وغسان) يحتمل أن يكون من الغسنة وهي الخصلة من الشعر ، ويقال فلان في غيسان شبابه ، والنون في هذا أصلية ، ويحتمل أن يكون من الغس وهو الضعيف.

وزبان يحتمل أن يكون فعالا من الزبن وهو الدفع ، ويحتمل أن يكون من الأزب وهو الكثير الشعر وما ورد بعد ذلك فقسه على ما ذكرت لك.

وقد تقدم إن مثل" حبنطى" و" معزى" و" ملقى" و" ذفرى" فيما نون لا ينصرف في المعرفة. وكذلك سرحان وضبعان ، فإن صغرت (حبنطى) أو (علقى) انصرف فقلت : (حبيط) ، و (عليق) ، ورأيت حبيطيّا وعليقيّا ، وإن صغرت أيضا سرحان ، وضبعان بعد التسمية به صرفته فقلت : هذا سريحين ، وضبيعين ؛ لأن اللفظ الذي كان يمنع من الصرف هو الألف ، والنون ، والألف قد زالت في قولك حبيط وسريحين. وأما معزى فالعرب فيه على مذهبين ؛ منهم من يجعل (معزى) مؤنثا لا بالألف ولكن كما يجعل إبل ، وغنم مؤنثا.

فمن ذهب هذا المذهب وسمى به رجلا ، ثم صغره ، لم يصرفه فقال : هذا" معيز" ومررت بمعيز ، ورأيت معيزى بغير تنوين في المنصوب ، كما تقول رأيت جواري ، وهؤلاء جوار ومررت بجوار. ومن العرب من يذكره ، وقد ذكر سيبويه عن أبي الخطاب إنه سمعهم يقولون :

ومعزى هدبا يعلو

قران الأرض سودانا (٢)

فعلى هذا المذهب إذا سمي به لا ينصرف في التكبير من أجل الألف ويصرفه في التصغير كما يصرف حبيط.

__________________

(١) البيت في ديوانه ٢٢٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٢٥٢.

(٢) البيت بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢١٩ ، وابن يعيش ٥ / ٦٣ ، ٦ / ١٤٧ واللسان (قرن).

٤٨٤

هذا باب هاءات التأنيث

اعلم أن كل هاء كانت في اسم للتأنيث ، فإنه لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ؛ لأنه يجتمع فيه التعريف ، والتأنيث ، فإذا نكر لم يكن غير التأنيث.

وليست الهاء كالألف في التأنيث ؛ لأن منزلة الهاء منزلة اسم ضم إلى اسم ومنزلة الألف منزلة حرف صيغ من الاسم ، كبعض حروفه.

ألا ترى أنك إذا صغرت اسما على أكثر من أربعة أحرف وآخرها ألف مقصورة للتأنيث حذفتها كقولهم في (حبارى): " حبيّر" وفي جحجبى : " جحيجب" ، وفي" قرقرى" : " قريقر" ، وهاء التأنيث لا تسقط ، تقول في (دجاجة) " دجيّجة" وفي (قرقرة): " قريقرة" كما تقول في (حضر موت): " حضير موت" ، وفي (خمسة عشر): " خميسة عشر" تصغر الصدر ، وتأتي بالاسم الثاني كما تأتي بالهاء بعد تصغير ما قبله.

ثم قال سيبويه : " ويدلك على أن الهاء بهذه المنزلة ، أنها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة ، فقط ، ولا الأربعة بالخمسة ، لأنها بمنزلة عشر ، وموت ، وكرب ، في معدي كرب.

وإنما تلحق بناء المذكر ولا يبنى عليها الاسم كالألف ولم يصرفوها في المعرفة كما لم يصرفوا معدي كرب ونحوه.

يريد أن الهاء إذا زيدت على آخر الثلاثي ، أو الرباعي لم يصر كحرف من حروفه.

ألا ترى أنا لو صغرنا" تمرة" لقلنا : " تميرة" فلم نكسر الراء وحق الحرف الذي بعد ياء التصغير إن لم يقع الإعراب عليه أن يكسر كما يقال في رعشن : رعيشن وفي أرطى أريط؟

والألف الزائدة تكون ملحقة بناء ببناء كألف أرطى وعلقى ، وسلقى ، وجعبى ، ألحق البناء بجعفر ، ودحرج. فاعرف ذلك.

هذا باب ما ينصرف في المذكر البتة مما ليس في آخره حرف التأنيث

كل مذكر سمي بثلاثة أحرف ، ليس فيه حرف التأنيث ، فهو مصروف كائنا ما كان ، أعجميّا ، أو عربيّا ، أو مؤنثا ، إلا فعل مشتقا من الفعل أو يكون في أوله زيادة ، فيكون كأجد ، وتضع ونضع ، وأضع. أو يكون كضرب وذلك كرجل سميته ب (قدم) ،

٤٨٥

أو (فهر) أو (أذن) وهن مؤنثات أو سميته ب (خشّ) أو (دل) أو (جان) أو (سبك) أو (بكح) وما أشبه ذلك.

وإنما انصرف المسمى بالمؤنث على ثلاثة أحرف ؛ لأنه قد أشبه المذكر ، وذلك أن ما كان على ثلاثة أحرف من المؤنث ، إذا صغرناه قبل التسمية ، ألحقنا هاء التأنيث ، وإن لم يكن في الاسم هاء ، كقولهم : " عين" ، وعيينة و" أذن" ، وأذينة ، و" قدم" وقديمة ، فإذا سميناهن رجلا : قلنا قديم وعيين ، وأذين ، فلما كنا نرد الهاء في الثلاثة كأن تقدير الاسم فيه هاء محذوفة ، فإذا سمينا به لم نرد الهاء ؛ لأن الاسم صار مذكرا وإن لم تسم به رددنا الهاء التي في التصغير.

فإن قال قائل : قد وجدنا في أسماء الرجال" عيينة" و" أذينة".

قيل له : إنما سمينا بالتصغير بعد دخول الهاء.

ولو سمينا ب (عين) و (أذن) ثم صغر ، لم يجز دخول الهاء ، ألا ترى أنّا لو سمينا امرأة ب (عمر) ثم صغرناه لقلنا عميرة. ولو صغرنا (عمر) قبل التسمية لقلنا عمير؟

وأما ما كان من العجمي على ثلاثة أحرف ، فإنه مصروف ، وسواء سكن أوسطه ، أو تحرك.

وإنما دخل في ذلك ما تحرك أوسطه ، ولم يكن بمنزلة المؤنث الذي يفرق فيه بين ما سكن أوسطه" كهند" ، و" دعد" ، فأجيز صرفه ، وبين" قدم" ، و" جمل" اسم امرأة ، فلم يجز صرفه ؛ لأن المؤنث أثقل من العجمي.

من ذلك أن التأنيث قد يكون بعلامة ، يلزمونها الاسم ، للفرق بين المذكر والمؤنث ، حرصا على الفصل بينهما ، لاختلاف المذكر ، والمؤنث في أصل الخلقة ، ولأنهم لا يعتدون بالعجمة فيما استعمل مذكرا نحو : " سوسن" وإبريسم ، وآجر ، إذا سمي بشيء من ذلك كان منزلته منزلة العربي وانصرف ، فظهر بذلك أن العجمة عندهم أيسر من التأنيث.

قال : وإن سميت رجلا" ببنت" ، و" أخت" صرفته ؛ لأنك بنيت الاسم على هذه التاء ، وألحقتها ببناء الثلاثة ، كما ألحقوا (سنبتة).

ولو كانت الهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها ، وإنما هذه التاء فيها كتاء

٤٨٦

 (عفريت) ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة ، وليست كالهاء لما ذكرت لك. ولو أن الهاء التي في دجاجه كهذه التاء انصرفت في المعرفة.

قال أبو سعيد : التاء في بنت ، وأخت منزلتها عند سيبويه منزلة التاء في" سنبتة" و" عفريت" ؛ لأن التاء في سنبتة زائدة ، للإلحاق بسلهبة ، وحرقفة ، وما أشبه ذلك.

والسّنبتة : القطعة من الدهر ، كالمدة.

والدّليل على زيادة التاء أنهم يقولون : سنبة والتاء في عفريت زائدة ؛ لأنهم يقولون عفي ، وعفرية.

" وعفريت" ملحق بقنديل ، وحلتيب ، وكذلك (بنت) و (أخت) ملحقتان ب (جذع) و (قفل) ، والتاء فيهما زائدة للإلحاق ، فإذا سمينا بواحدة منها رجلا صرفناه ؛ لأنه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيها علامة التأنيث كرجل سميناه ب (فهر) و (عين).

والتاء الزائدة للتأنيث هي التي يلزم ما قبلها الفتحة ، ويوقف عليها بالهاء كقولنا" دجاجة" وما أشبه ذلك.

وإن سميت رجلا ب (هنة) ، و (منة) وقد كانت في الوصل" هنت" قلت : هنة يا فتى تحرك النون ، وتثبت الهاء ؛ لأنك لم تر مختصا متمكنا على هذه الحال التي تكون عليها" هنة".

وهي قبل أن تكون اسما ، تسكن النون في الوصل ، وذلك قليل ، فإذا حولته إلى الاسم لزم القياس.

قال أبو سعيد : اعلم أن (هنا) و (هنة) يكنى بهما عما لا يذكر اسمه ، وربما أدخلوا فيهما الألف واللام ، وأكثر ما يستعمل للناس.

وأصل (هن) : هنو ، وكان حقه أن يقال : (هنا) كما يقال : (قفا) و (عصا) قال الشاعر :

أرى ابن نزار قد جفاني وملّني

على هنوات كلّها متتابع (١)

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٣٦١ ، والمقتضب ٢ / ٢٧٠ ، وابن يعيش ١ / ٥٣ ـ ٥ / ٣٨ ـ ٦ / ٣ ـ ١٠ / ٤٠ ـ ٤٤ ، واللسان (هنا).

٤٨٧

وحذفوا آخرها فقالوا : (هن) و (هنة) كما قالوا : (أب) و (أخ) وهما اسمان ظاهران ، يكنى بهما عن اسمين ظاهرين.

فلذلك أعربا ، وفيهما معنى الكناية والعرب تقول في الوقف : (هنة) وفي الوصل : (هنت) فتصير التاء فيها إذا وصلت كالتاء في أخت ، وبنت ، فقال سيبويه :

إذا سمينا ب (هنة) وجب أن نقول في الوصل والوقف : هذا هنه وهنة قد جاءني ، فتحرك النون ، ولا تسكنها في الوصل ، كما كانت مسكّنة قبل التسمية ؛ لأن إسكانها ليس بالقياس.

ولأنهم لم يلزموها الإسكان فتكون بمنزلة" بنت" ، و" أخت" وتكون التاء للإلحاق ، وإنما سكّنوها ، وهم يريدون الكناية بها عن الاسم ، تشبيها بنون (من) لما فيها من معنى الكناية ، فإذا سمينا بها رددناها إلى القياس ، فلا نصرفها ، وتكون منزلتها منزلة رجل سميناه" بنة" ، أو" ضعة" في الوقف والوصل.

قال : وإن سميت رجلا ب (ضربت) ، ولا ضمير فيها قلت : " هذا ضربه" في الوقف ؛ لأنه قد صار اسما فجرى مجرى شجرة.

هذا باب فعل

اعلم أن كل" فعل" إذا كان اسما ، معروفا في الكلام ، أو صفة ، فهو مصروف ، فالاسم المعروف في الكلام على ضربين ، أحدهما : أن يكون واحدا من جنس ، أو جمعا لواحد من جنس ، فالاسم الذي لواحد نحو : " صرد" ، و" جعل" ، و" خزز" ، و" سبد" ، اسم طائر وما أشبه ذلك ، والجمع نحو" ثقب" ، و" حفر" ، و" ظلم" وما أشبه ذلك إذا أردت جمع الثّقبة ، والحفرة والظّلمة ، والصفات نحو هذا رجل حطم ، كما قال الحطم القيسي :

قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم (١)

وختع ، وسكع ، والختع : الدليل والسكع : الذي يتسكع في الأمر وإنما صرفت

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٢٢٣ والمقتضب ١ / ٥٥ ـ ٣ / ٣٢٣ ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ٢ / ٢٥٣ ، وابن يعيش ٦ / ١١٣.

٤٨٨

هذه الأسماء ، لأنها ليست كالاسم الذي يشبه الفعل الذي في أوله زيادة ، وليست في آخرها زيادة تأنيث وليس بفعل ، ولا نظير له في الأسماء ، فصار ما كان منه اسما ولم يكن جمعا ك" حجر" ونحوه ، وما كان منه جمعا بمنزلة" كسر" و" إبر" ، وما كان منه صفة بمنزلة قولك : هذا رجل عمل إذا أردت كثير العمل ، وبمنزلة رجل جنب ، ورجل سلك إذا كان خفيفا في عمله.

فأما" عمر" و" زفر" فإنهم منعهم من صرفها وأشباههما أنهما ليسا كشيء واحد مما ذكرنا ، وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما ، وهو بناؤهما في الأصل ، فلما خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما ، وذلك نحو : " عامر" و" زافر" ، ولا يجيء" عمر" وأشباهه محدودا عن البناء الذي هو أولى به ، إلا وذلك البناء معرفة.

كذلك جرى هذا الكلام ، فإن قلت : عمر آخر ، صرفته ؛ لأنه نكرة ، فتحول عن موضع" عامر" معرفة.

وإن حقرته صرفته ؛ لأن" فعيلا" يقع في كلامهم محدودا عن" فويعل" وأشباهه ، كما لم يقع" فعل" نكرة محدودا عن" عامر" فصار تحقيره كتحقير" عمرو" كما صارت نكرته كصرد وأشباهه ..." هذا قول الخليل".

قال أبو سعيد : اعلم أن عدل" فعل" عن" فاعل" و" فعال" عن" فاعلة" معنى مفهوم في كلامهم ، يريدون به التوكيد والمبالغة ، وذلك قولهم في النداء : يا فسق ويا فساق للأنثى ، ويا خبث ، ويا خباث ، ويا غدر ، ويا غدار يؤكدون فيها الخبث ، والفسق ، والغدر ، وهي أسماء معارف بالنداء ، وكذلك يعدلون في الأسماء الأعلام فيقولون : " عمر" ، و" زفر" و" قثم" ، وجشم ، وما أشبه ذلك للمذكر.

و" حذام" ، و" قطام" ، و" رقاش" ، وما أشبه ذلك للمؤنث ، فوقع العدل عن هذه الأسماء الأعلام وهي معارف كما وقع في النداء ، فإذا نكرته ، فزال التعريف انصرف ؛ لأنه لم يبق إلا العدل.

وإن صغّرته زال عن لفظ العدل وساوى تصغير" عمرو" فساوى ما ليس بمعدول.

وقد كان يجوز أن يصغر" عامر" على" عمير" بإسقاط الزائد من غير عدل ، فأبطل التصغير مذهب العدل ، ولم يكن المصغر معدولا عن مصغر فيجتمع فيه في حال التصغير العدل والتعريف.

٤٨٩

وسمى سيبويه" المعدول"" محدودا" ؛ لأن المحدود عن الشيء هو الممنوع والمعدول عنه في نحو معناه.

وإنما قال : " هذا قول الخليل" يريد أن الخليل شرحه ، وذكره على الترتيب الذي جاء به ، ولم يرد أن له مخالفا خالفه.

قال : " وسألته عن" جمع" و" كتع" فقال : هما معرفة بمنزلة كلهم ، وهما معدولتان عن جمع" جمعاء" ، وجمع" كتعاء" ، وهما مصروفان في النكرة".

قال أبو سعيد : اعلم أن فعل الممنوع الصرف على ثلاثة أوجه وكلهن معدول ، والعدل فيهن مختلف ، وعللهن ملتبسة ، تحوج إلى زيادة في الشرح ، والله المعين.

فأولها باب" عمر" وقد ذكرناه.

والثاني" جمع" و" كتع" وهما معرفتان ، معدولتان ، على غير معنى عدل عمر وبابه ، لأن" عمر" معدول عن" عامر" الذي هو معرفة ، والأصل فيه باب النداء إذا قلت : " يا فسق" و" يا غدر" وهو كالمطرد في النداء إذا أردت به المبالغة.

وأما" جمع" فإنك تقول أكلت الرغيف أجمع ووقفت على الأمر أجمع ، ورأيت الزيدين أجمعين ، ووقفت على القصّة جمعاء وعلى القصص جمع ، ورأيت الهندات جمع ، وإن زدت في التوكيد واتبعت قلت رأيت الهندات جمع كتع. وكان الأصل أن تقول" جمعا كتعا" ؛ لأن ما كان مذكره على أفعل ومؤنثه على فعلاء فباب جمعه أن يكون على فعل ، كقولنا أحمر وحمراء وحمر وأشهب وشهباء وشهب ، غير أنهم عدلوا عن" جمع وكتع" إلى" جمع وكتع" ؛ لأن هذا لا يستعمل إلا معرفة ، وباب أحمر وحمراء يستعمل معرفة ونكرة.

فشبّهوه في جمعهم إياه على" فعل" بباب الأفضل والفضلى والأطول والطولى ، وجمع المؤنث فيه الفضل والطّول ، ولا يستعمل إلا بالألف واللام معرفة ، فلما كان جمع وكتع معرفتين بغير الألف واللام صار كالفضل والطّول واجتمع فيه علتان : العدل عن فعل الذي هو القياس في جمع جمعاء وكتعاء والثانية التعريف.

وأما" فعل" الثالث فهو أخر ، وهي غير مصروفة في النكرة والذي منعها من الصرف في النكرة العدل والصفة ، والذي يذكره النحويون أنها معدولة عن الألف واللام.

فقول القائل : كيف يعدل عن الألف واللام وهي نكرة وما فيه الألف واللام معرفة

٤٩٠

لا اعتبار له ، وشرح ذلك : أن" أخر" جمع" أخرى" أنثى" آخر" تقول : مررت بزيد ورجل آخر ، فلا ينصرف ؛ لأن المعنى وبرجل آخر منه ، كما تقول : مررت بزيد ورجل أفضل منه ، وباب أفضل منه تلزم فيه" من" وإن حذفت في بعض الأحوال فهي مقدرة ولا يثنى ، ولا يجمع ، ولا يؤنث ، تقول : مررت برجل أفضل منك ، وبرجلين أفضل منكما ، وبرجال أفضل منكم. وبنسوة أفضل منكن ، فإذا دخلت عليه الألف واللام سقطت من ، وثني ، وجمع وفصل بين المذكر والمؤنث.

تقول : مررت بالرجل الأفضل ، وبالمرأة الفضلى ، وبالرجلين الأفضلين ، والمرأتين الفضليين والرجال الأفضلين ، والأفاضل والنسوة الفضليات ، والفضل.

و" آخر" يستغنى فيه عن" من" وإن كان من باب أفضل منك ؛ وذلك أنه لا يؤتى به مبتدأ ، لا تقول : مررت برجل آخر ، كما تقول : مررت برجل أفضل منك ، وإنما يؤتى ب" آخر" بعد اسم قبله.

كقولك : مررت بزيد ورجل آخر ، فعلم بذلك أنه آخر من الاسم الأول ، وأطرحت" من" فلم تذكر فأشبهت ما فيه الألف واللام من" الأفعل" كالأفضل والأكرم ، فثني ، وجمع ، وأنث ، فصار في هذا الموضع بمنزلة ما فيه الألف واللام في التعريف ، وجرى في الصفة مجرى أفضل منك ، وإن سميت رجلا ب" صغر" و" كبر" و" فضل" من قولهم الصغرى والكبرى ، والفضلى صرفته ؛ لأن هذا لم يعدل عن شيء ولم يخرج عن بابه.

وإنما نزعت الألف واللام من الصغر والكبر وهما في بابهما فسمي بذلك كما يسمى الشيء ببعض الاسم لو سمينا ب" جعف" من" جعفر" أو" حار" من" حارث" لصرفناه ولم يدخل ذلك في العدل. وقد ذكر التّوّزي عن أبي عبيدة أنه قال : " لكع" و" لكعة" فعلى هذه الحكاية ينصرف لكع إذا سمينا به ويصير بمنزلة حطم وحطمة.

قال سيبويه : فإن حقرت" أخر" اسم رجل صرفته كما صرف" عمر" ، إذ حقّر" وينبغي على قياس قول سيبويه إذا سمينا رجلا بأخر وهو لا يصرفه ، ثم نكرناه ألا نصرفه أيضا ؛ لأنه منع الصرف منكورا قبل التسمية فترده إلى حالة منكورا إذا نكرناه بعد التسمية كما فعل بأحمر إذا سمي به نكرة.

قال : " وسألته عن" أحاد" و" مثنى" و" ثلاث" و" رباع" فقال : هو بمنزلة (أخر)

٤٩١

إنما حده واحدا واحدا فجاء محدودا عن وجهه فترك صرفه ، قلت : أفتصرفه في النكرة؟ قال : لا ، لأنه نكرة توصف به نكرة".

قال أبو سعيد : اعلم أن أحاد وثناء قد عدل لفظه ومعناه ، وذلك أنك إذا قلت : مررت بواحد أو اثنين ، أو ثلاثة فإنما تريد تلك العدة بعينها ، لا أقل منها ، ولا أكثر ، فإذا قلت : جاءني قوم أحاد ، أو ثناء ، أو ثلاث ، أو رباع ، فإنما تريد أنهم جاءوني واحدا واحدا ، أو اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة ، أو أربعة أربعة ، والمانع من الصرف فيه أربعة أقاويل : منهم من قال : إنه صفة ، ومعدول فاجتمعت علتان منعتاه الصرف ، ومنهم من قال : إنه عدل في اللفظ والمعنى ، فصار كأن فيه عدلين وهما علتان ، فأما عدل اللفظ فمن" واحد" إلى" أحاد" ومن (اثنين) إلى" ثناء".

وأما عدل المعنى فتغيير العدة المحصورة بلفظ الاثنين والثلاثة إلى أكثر من ذلك مما لا يحصى.

وقول ثالث : إنه عدل وإن عدله وقع من غير جهة العدل ؛ لأن باب العدل أن يكون للمعارف وهذا للنكرات.

وقول رابع : إنه معدول وإنه جمع لأنه بالعدل قد صار أكثر من العدة الأولى ، وفي ذلك لغتان" فعال" و" مفعل" كقولك : " أحاد وموحد" و" ثناء ومثنى" و" ثلاث ومثلث" و" رباع ومربع".

وقد ذكر الزجاج أن القياس لا يمنع أن يبنى منه إلى العشرة على هذين البناءين فقال خماس ومخمس ، وتساع ، ومتسع وعشار ، ومعشر. وبعض النحويين يقول إنها معرفة واستدل أصحابنا على تنكيره بقوله : عزوجل : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(١) فوصف أجنحة وهي نكرة بمثنى وثلاث ورباع.

وقال ساعدة بن جؤيّة :

وعاودني ديني فبتّ كأنّما

خلال ضلوع الصّدر شرع ممدّد (٢)

_________________

(١) سورة فاطر ، من الآية ١.

(٢) البيت في الخزانة ٦ / ٨٧.

٤٩٢

ثم قال :

ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد (١)

فوصف ذئابا بمثنى وموحد.

قال سيبويه : " وإذا صغرت" ثناء" أو" أحاد" صرفته ، كما صرفت" عمر" و" أخر" إذا حقرتهما".

وقولنا : " قال" و" قيل" وإن كان أصله" قول" و" قول" لا يدخل في العدل وإنما هو من باب التخفيف كقولنا في علم : علم وفي ظرف : ظرف ، تخفيفا ، وليس من باب العدل ؛ لأن في العدل توكيد معنى أو نقله من لفظ إلى لفظ أو تغيير قياس فيه لمعنى يدعو إليه على ما ذكرناه من وجوه العدل. وليس" عمر" بمحذوف من" عامر" كما أن" ميت" محذوف من ميّت ، لأن" عمر" قد غيرنا اللفظ فيه ، وضممنا أوله ، ولم يغير في" ميت" أكثر من أن حذفت الياء المتحركة منه ، ومخالفة بناء" عمر" لعامر كمخالفة مثنى لاثنين.

قال : " وإذا سميت رجلا ب" ضرب" ، ثم خففته ، فأسكنت الواو صرفته ؛ لأنك قد أخرجته إلى مثال ما ينصرف ، كما صرفت" قيل" وصار تخفيفك ل" ضرب" كتحقيرك إياه ؛ لأنك تخرجه إلى مثال الأسماء ، ولو تركت صرف هذه الأشياء في التخفيف للعدل لما صرفت اسم" هار" لأنه محذوف من هاير".

وقد خالفه أبو العباس محمد بن يزيد في تخفيف" ضرب" فقال : إذا خففنا" ضرب" قبل التسمية فقلنا : " ضرب" ثم سمينا به مخففا ، فإنه ينصرف ، وإن سميناه ب" ضرب" ثم خففناه لم ينصرف ؛ لأننا ننوي" ضرب" في التسمية.

وفرّق بين" ضرب" إذا خففناه بعد التسمية وبين" قيل" وذلك أن قيل لم يستعمل فيه قول ، وإنما يبنى على التخفيف ، والتخفيف فيه لازم ، وليس بلازم في ضرب.

وقال المحتج عن سيبويه : إن المانع من صرف" ضرب" اللفظ الذي ليس في الأسماء نظيره ، فإذا زال اللفظ إلى ما له نظير انصرف ، كما ينصرف إذا حقرته.

واستدل سيبويه أنه ليس الحذف في كل حال للعدل بأن" هار" مخفف عن" هائر" محذوف الهمزة وليس بمعدول ، ولا ممنوع الصرف فاعرفه إن شاء الله.

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٢٢٥ ، والمقتضب ٣ / ٣٨١ ، وابن يعيش ١ / ٦٢.

٤٩٣

هذا باب ما كان على «مفاعل» و «مفاعيل»

" اعلم أنه ليس شيء على هذا المثال إلا لم ينصرف ، في معرفة ، ولا نكرة ، وذلك أنه ليس شيء يكون واحدا يكون على هذا البناء ، والواحد أشد تمكنا ، وهو الأول ، فلما لم يكن هذا من بناء الواحد الذي هو أشد تمكنا تركوا صرفه إذ خرج مما هو بناء ما هو أشد تمكنا. وإنما صرفت" مقاتلا" و" معافرا" ؛ لأن هذا المثال يكون للواحد".

قال أبو سعيد : هذا الباب مشتمل على ما كان من الجمع أوله مفتوح ، وثالثه ألف ، وبعد الألف حرفان ، أو ثلاثة أحرف أو حرف مشدد ، وليس في آخره هاء تأنيث ولا ياء نسبة وذلك نحو" مساجد" و" ضوارب" و" مفاتيح" و" قناديل" و" دواب" و" مداور".

وهذا الجمع عند سيبويه لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.

وإن سميت بشيء منها ، ثم نكرت انصرف ، والذي منع صرف ذلك أن هذا الجمع لا نظير له في أبنية الواحد ، وسائر الجموع لها نظائر نحو" كلاب" نظيره في الواحد كتاب وقلوس نظيرة في الواحد" قعود" ، و" جلوس" ، وقالوا" سدوس" للطيلسان الأخضر.

قال الشاعر :

وداويتها حتى شتت حبشيّة

كأنّ عليها سندسا وسدوسا (١)

وقد حكي" جزور" في معنى جزور و" أتيّ" وهو مسيل الماء ووزنه فعول كقولنا : عصيّ ، وثديّ ، وحقيّ ، وأصله ثدوي وحقوو.

وكذلك" أتيّ" أصله : أتوي تغير ذلك لما يوجبه التصريف بما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.

و" أفعال" قد حكي سيبويه أنها تكون للواحد. ذكر أن بعض العرب يقول : هو الأنعام واستشهد أيضا بقوله عزوجل : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(٢).

وحكي عن أبي الخطاب الأخفش أن بعض العرب يقول : هذا ثوب أكياش.

__________________

(١) البيت في اللسان : " سدس" و" شتا".

(٢) النحل ، الآية : ٦٦.

٤٩٤

ومن الناس من يقول أن أكياش جمع وإن كان واقعا على الثوب كما يقول : قميص أخلاق ويراد بها قطع فيها خلوقة فجاء بها لأنها قطع ، قال الشاعر :

جاء الشتاء وقميصي أخلاق

شراذم يعجب منه التّوّاق (١)

" التواق" ابنه ، وشراذم من ألفاظ الجمع التي لا خلاف فيها وإنما أراد قطع القميص ومثله قولهم برمة أعشار وسراويل أسماط.

وأما" أفعل" فنظيره في الواحد ما ذكره بعض الكوفيين : " آنك" ولم يذكره أصحابنا. ولعلهم تركوا ذكره ؛ لأنه أعجمي ولا يعتد بالأبنية الأعجمية فيما ذكر من الأبنية.

وذكر بعض أصحابنا أن في الكلام" أنملة" والهاء غير معتد بها فقد ثبت" أفعل" في الواحد وأما" أفعلة" نحو أحمرة وأعطية فدخول الهاء عليها قد أوجب لها حكما ستقف عليه ، فهذه الجموع التي ذكرتها هي التي يقع فيها اللبس والإشكال وسائر الجموع تبين وتعرف نظائرها في الواحد.

وقد اعترض بعض الناس في الجمع الذي أوله مفتوح وثالثة ألف فقال : قد وجدنا نظير هذا وهو قولهم للضبع" حضاجر" قال الحطيئة :

هلا غضبت لرحل جا

رك تجرّدها حضاجر (٢)

فإن" حضاجر" عند سيبويه جمع سميت به الضبع وهي معرفة والمعارف من أسماء المدن ، والناس قد تسمى بالجموع كقولهم في اسم بعض القبائل" كلاب" وفي بعض المدن" مدائن" وواحد حضاجر" حضجر" ، يقال أوطب حضاجر أي ممتلئة وسميت الضبع حضاجر لكبر بطنها.

قال الشاعر :

حضجر كأمّ التّوأمين توكّأت

على مرفقيها مستهلّة عاشر (٣)

يصف رجلا بكبر البطن ، وشبهه بامرأة تم لها تسعة أشهر وهي حامل باثنين في

__________________

(١) البيتان في الخزانة ١ / ٢٣٤ ، واللسان (خلق).

(٢) البيت في الديوان ٣٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٦٤ ، واللسان" حضجر".

(٣) في اللسان : " حضجر".

٤٩٥

أعظم ما كانت بطنا. وعارض معارض ب" سراويل" في الواحد. وسراويل عند سيبويه والنحويين عجمي وينبغي على مذهب الأخفش أن يتصرف إذا لم يكن جمعا.

وقد رأينا شعر العرب يدل على مذهب سيبويه. قال ابن مقبل :

يمشي بها ذبّ الرّياد كأنه

فتى فارسيّ في سراويل رامح (١)

أراد فتى رامح عليه سراويل.

ومن الناس من يجعل سراويل جمعا لسروالة ويكون جمعا لقطع الخرق وأنشد :

عليه من اللّؤم سروالة (٢)

وقد ذكر هذا أبو العباس واعتمد عليه والذي عندي أن" سروالة" لغة في" سراويل" والدليل على ذلك أن الشاعر لم يرد أن عليه من اللؤم قطعة من خرق السراويل ، هذا يبعد.

وفي هذا الجموع التي ثالثها ألف مما يمنع من صرفها أنها لا تجمع مكسرة وسائر الجموع تحتمل الجمع على التكسير ، تقول : " أقوال وأقاويل" و" أرهط وأراهط" و" أيد وأياد" و" أعراب وأعاريب" ولو جمعت مثل فلوس على التكسير إذا سمينا به لجاز أن يقال : " فلاس" كما يقال جدود و" جراير" و" ركوب" و" ركائب".

والعلة المانعة من صرف هذا الجمع يحتمل ترتيبها وجوها :

منها أن يقال : أن المانع من الصرف أنه جمع ، وأنه لا نظير له في الواحد وفي الجموع ما له نظير ، فصار لهذا الجمع مزية في البعد عن الواحد ، فكأنه جمع مرتين ، فصار كالثقلين ، والعلتين. ووجه آخر أن يقال لما لم يحتمل هذا الجمع أن يكسر ، وفي الجمع ما يحتمل التكسير صارت له بذلك مزية في البعد عن الواحد ، لأن الواحد يكسر.

ووجه آخر وهو أنه لما لم يجمع جمع التكسير أشبه الفعل ؛ لأن الفعل لا يجمع فكان فيه شبه الفعل والجمع.

وإذا كان في آخره هاء التأنيث سقط حكم الصدر وصار الحكم للتأنيث بالهاء ،

__________________

(١) البيت بالديوان ٤١ ، والخزانة ١ / ٢٢٨ ، وشرح المفصل : ١ / ٦٤ ، واللسان" ذبب ـ رود ـ سرل".

(٢) البيت في الخزانة ١ / ٢٢٣ ، وشرح المفصل : ١ / ٦٤ ، والمقتضب : ٣ / ٣٤٦.

٤٩٦

كما أنه إذا دخل عليه ياء النسبة سقط حكم الصدر فانصرف ، وذلك قولك هؤلاء صياقلة ومهالبة وصيارفة كما تقول : هذا مدائنيّ ومعافريّ.

على أن في الواحد مثل ذلك كقولهم : رجل عباقية وهو الدّاهي.

وقد تسقط ألف الجمع تخفيفا فيقال : جندل ، وذلذل يريدون جنادل وذلاذل وهي أسافل القميص الطويل ويصرفونه ؛ لأنه نقص على البناء المانع للصرف.

وقد ترد أسماء أواخرها ياء ، لفظها كلفظ الجمع ، وهي مصروفة ، والياء مذهوب بها إلى أنها ياء النسبة.

وربما ذهبوا ببعضها إلى الجمع ، فمن ذلك : " يمان" و" شام" و" تهام" تقول : رأيت يمانيا ، وشاميا ، وتهاميا ، وكأن الأصل يمنيّ وشأميّ ، وتهاميّ ، فجعلت الألف عوضا من إحدى الياءين وفي" تهام" لغتان" تهاميّ" بكسر التاء وتشديد الياء وهي منسوبة إلى" تهامة ، والأخرى تهام" بفتح التاء في الرفع والجرّ ، وفي النصب رأيت تهاميّا.

قال سيبويه : كأن الأصل فيه" تهميّ" وإن لم يستعمل قياسا على" يمنيّ" وتجعل الألف عوضا من إحدى الياءين.

ومن ذلك" ثمان" تقول : هذه ثمان ، ورأيت ثمانيا ، والأصل عنده ثمنيّ فعملوا به ما عملوا بيمان.

وكذلك قالوا في" رباع" هذا رباع ، ورأيت رباعيّا ، ومثله مما لم يذكره سيبويه ، ولا غيره في هذا المعنى قولهم : رجل شناح للطويل ، ورأيت شناحيّا ، كل ذلك يذهب به مذهب النسبة.

وقد ذكر أن بعض العرب ترك صرف" ثمان" على مذهب الجمع ، كأن الواحد" ثمنى" والجمع ثمان كما قالوا : ملهى ، وملاه وأرطى ، وأراط.

وأنشد :

يحدو ثماني مولعا بلقاحها

حتّى هممن بزيغة الإرتاج (١)

ولو سميت رجلا ب" كراهي" من قولنا : كراهية ، و" بعلاني" من علانية فالوجه أن يجعل" كرباع" ، و" شناح" ، ولو ترك صرفه كما ترك صرف ثمان كان مذهبا.

__________________

(١) ينسب البيت إلى ابن ميادة في خزانة الأدب ١ / ١٦٠.

٤٩٧

واعلم أن ما كان في آخره ياء مشددة ، مما هو على لفظ الجمع على وجهين ؛ أحدهما : أن تكون الياء في واحده ثم يجمع ذلك الواحد ، فبقيت الياء فيه.

أو تكون الياء دخلت على اللفظ الذي قبلها ، فإن كانت الياء في الواحد فهو لا ينصرف وإن كان دخولها في الواحد للشبه كقولنا : بختىّ ، وبخاتيّ ، وكرسيّ ، وكراسيّ وعاريّه ، وعواريّ وعاديّه وعواديّ ، وحوليّ وحواليّ.

وإن كانت الياء دخلت على ما قبلها ، ولم يجمع فهو منصرف كقولنا : حواريّ ؛ لأن التقدير أنا نسبنا إلى" حوار".

وكذلك رجل حواليّ كأنا نسبنا إلى حوال.

قال ابن أحمر :

أو ينسأن يومي إلى غيره

إنّى حواليّ وإنّي نكر (١)

ومعنى" حواليّ" لطيف الحيلة.

وإذا صغرت شيئا من هذا الجمع وقد جعلته اسما لواحد انصرف وذهب عنه ما كان يمنع من الصرف من لفظ الجمع كرجل اسمه مساجد أو قناديل إذا صغرته قلت" مسيجد" وقنيديل.

وإذا سميته ب (سراويل) ثم صغرته لم تصرفه وقلت (سرييل) ، وإنما فارقت سراويل ، " مساجد" لأن سراويل مؤنث الأصل.

والتصغير لا يذهب بالتأنيث ، فهي بمنزلة" عناق" اسم رجل. وإذا صغرته لم يتصرف.

ولذلك إذا صغرت (ثمان) اسم رجل لم ينصرف ؛ لأنها مؤنثة" كثلاث" ، و" عناق" ، والتصغير لا يذهب التأنيث وأما (صحاريّ) و (بخاتيّ) و (قماريّ) وما أشبه ذلك إذا صغرته اسم رجل فهو ينصرف.

__________________

(١) البيت في اللسان (حول) والرواية فيه : إني حوالي وإني حذر.

٤٩٨

فهرس المحتويات

باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير......................................... ٣

باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا............................................. ٥

باب النفي" بلا"............................................................... ١٣

باب المنفي المضاف ب (لام) الإضافة............................................. ١٧

باب ما يثبت فيه التنوين من الأسماء المنفية......................................... ٢٥

باب وصف المنفي.............................................................. ٢٧

باب لا يكون الوصف فيه إلا منونا............................................... ٢٨

باب لا تسقط فيه النون وإن وليت" لك"......................................... ٢٩

باب ما جرى على موضع المنفي لا على الحرف الذي عمل في المنفي.................. ٣٠

باب ما لا تغير فيه" لا" الأسماء عن حالها التي كانت عليها قبل أن تدخل" لا".......... ٣٣

باب لا تجوز فيه المعرفة إلا أن تحمل على الموضع.................................... ٣٨

باب ما إذا لحقته" لا" لم تغيره عن حاله التي كان عليها قبل أن تلحق.................. ٣٩

باب الاستثناء.................................................................. ٤٧

باب ما يكون استثناء" بإلا"..................................................... ٤٧

باب ما يكون المستثنى فيه بدلا مما نفي عنه ما أدخل فيه............................. ٤٨

باب ما حمل على موضع العامل في الاسم والاسم لا على ما عمل في الاسم ولكن الاسم وما عمل فيه في موضع اسم مرفوع أو منصوب ٥٥

باب النصب فيما يكون مستثنى مبدلا............................................ ٥٩

باب يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول وهو لغة أهل الحجاز............. ٦٤

باب ما لا يكون إلا على معنى (ولكن)........................................... ٦٩

باب ما تكون فيه أنّ وأن مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء......................... ٧٥

باب لا يكون فيه المستثنى إلا نصبا............................................... ٧٥

باب ما يكون فيه (إلا) وما بعده وصفا بمنزلة (مثل) و (غير)......................... ٧٦

باب ما يقدم فيه المستثنى........................................................ ٨٠

٤٩٩

باب ما تكون فيه في المستثنى الثاني بالخيار......................................... ٨٢

باب تثنية المستثنى.............................................................. ٨٣

باب ما يكون مبتدأ بعد (إلا).................................................... ٨٧

باب (غير).................................................................... ٨٨

باب ما أجري على موضع غير ، لا على ما بعد غير................................ ٩١

باب يحذف المستثنى منه استخفافا................................................ ٩١

باب لا يكون وليس وما أشبههما................................................. ٩٤

باب مجرى علامات المضمرين ، وما يجوز فيهن.................................... ١٠١

باب علامة المضمرين المرفوعين.................................................. ١٠١

باب استعمالهم علامة الإضمار الذي لا يقع موقع ما يضمر في الفعل الذي لم يقع موقعه ١٠٧

باب علامة المضمرين المنصوبين................................................. ١١٣

باب استعمالهم إيّا إذا لم يقع مواقع الحروف التي ذكرنا............................. ١١٣

باب الإضمار فيما أجري مجرى الفعل........................................... ١٢١

باب ما يجوز في الشّعر من إيّا ولا يجوز في الكلام.................................. ١٢٣

باب إضمار المجرور............................................................ ١٢٤

باب إضمار المفعولين اللّذين تعدّى إليهما فعل الفاعل............................. ١٢٤

باب لا يجوز فيه علامة المضمر المخاطب ولا علامة المضمر المتكلم ، ولا علامة المضمر المحدّث عنه الغائب   ١٢٧

باب علامة إضمار المنصوب المتكلم ، والمجرور المتكلم.............................. ١٣١

باب ما يكون مضمرا فيه الاسم متحولا عن حاله إذا أظهر بعده الاسم.............. ١٣٥

باب ما يحسن أن يشرك المظهر المضمر فيما عمل فيه ، وما يقبح أن يشرك المضمر فيما عمل فيه    ١٤٠

باب ما تردّه علامة الإضمار إلى أصله........................................... ١٤٦

باب ما لا يجوز فيه الإضمار من حروف الجرّ..................................... ١٤٨

باب ما يكون فيه أنت وأنا ونحن وهو وهي وأنتم وأنتن وهما وأنتما وصفا.............. ١٥٠

٥٠٠