شرح كتاب سيبويه - ج ٣

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٣

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٠٤

وقال مالك بن الريب :

ألا ليت شعري هل تغيّرت الرّحى

رحى الحزن أو أضحت بفلج كما هيا (١)

وكذلك سمعناه ممن ينشده من العرب.

وقال ناس : أم أضحت؟ على كلامين كما قال علقمة بن عبدة :

هل ما علمت وما استودعت مكتوم

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم (٢)

قال أبو سعيد : قولهم : " أيّهم تضرب أو تقتل" قد ادعى السائل أن سوءا من قتل أو ضرب يقع على أحد منهم لا يعرفه بعينه.

فإذا سأل عن ذلك أجيب عن الاسم فقيل له : زيد فيعلم بذلك أن" زيدا" الواقع به السوء. ولا يدري ذلك السوء ما هو؟

فإذا أراد معرفته قال : أتضرب زيدا أم تقتل؟

فأجيب عن الفعل فقيل له : ضرب أو قيل له قتل.

وإذا قيل : من يأتيك أو يحدثك؟ فقد سأله عن اسم يقع منه أحد هذين الفعلين.

فالجواب أن يقول : زيد. فيعرفه بعينه. ثم يسأله عن أحد فعليه كما تقدم في الذي قبله.

وأما قوله : هل عندك شعير أو بر أو تمر؟ فإن" هل" لا تقع بعدها" أم" على مذهب : أيهما؟ كما تقع بعد الألف بمعنى : أيهما؟

وفصل سيبويه بين" الألف" وبين" هل" : بأن ما بعد" هل" لا يكون تقريرا ولا توبيخا لو قلت : هل تضرب زيدا؟

لم يجز أن تدعي وقوع الضرب وتوبيخه عليه وتقريره به كما يقول القائل : أتضرب زيدا وهل أبوك توبيخا له بذلك فأرى أن مذهب" الألف" أوسع من مذهب" هل" فجاز في الألف من معادلة" أم" ما لم يجز في" هل".

ويقع بعد" أم" التقرير والتوبيخ كما يقع بعد الألف كقوله عزوجل : (أَمْ يَقُولُونَ

__________________

(١) الخزانة : ١ / ٣١٩ ، جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي : ٢٧٨.

(٢) ديوانه : ٤٣.

٤٢١

افْتَراهُ)(١) على جهة التوبيخ ولا تكون" هل" إلا لاستئناف الاستفهام وهو حرف يجري مجرى أسماء الاستفهام.

وقد يجوز أن تقول : هل عندك شعير أم بر على" أم" المنقطعة وهو استفهام بعد استفهام ومعناه غير خارج من معنى" أو" في هذا الموضع لأنك إذا قلت : " أعندك شعير أو بر"؟ فأنت في التحصيل سائل عن كل واحد منهما شاك فيه طالب لمعرفته بسؤال واحد.

وإذا قلت : أعندك شعير أم بر؟ فأنت سائل عن كل واحد منهما بسؤالين لكل واحد منهما سؤال مفرد وكأنك قلت : أعندك شعير؟ أعندك بر؟

والدليل على ذلك : أنك إذا قلت : أعندك شعير أو بر؟ فالجواب أن يقال : " نعم" أو" لا" فيكون جوابا واحدا عن السؤال بعينه بأسره. كما يجاب عن قولك :

أعندك شعير أم بر؟ أو بر؟ أو قيل : أعندك شعير؟ أعندك بر؟ فلكل سؤال منهما جواب غير جواب الآخر.

ولهذا كان" أو" و" أم" متقاربا معناهما في قوله : " أو هل وأم هل لامنى ...".

والذي بينهما من الفرق : أن" أو" من كلام واحد و" أم" من كلامين.

وقوله : " هل تأتينا أو تحدثنا؟ بمنزلة : " هل تأتينا؟ " لأنه سؤال واحد.

فإذا قلت : ما أدري هل تأتينا أو تحدثنا؟ أو : ليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا؟ فكأنك قلت : هل تأتينا؟ وسكت لأنها كلام واحد.

وفي دخول هل في : ليت شعري هل تأتينا؟

أو في : ما أدري هل تأتينا؟ حدوث معنى" أخبرني" أو" أعلمني" كما أن قولك : هل تأتينا بمعنى أخبرني و" أعلمني".

والأبيات التي أنشدنا على هذا النحو ومن أنشد شيئا منها" بأم" فهو على كلامين على نحو ما ذكرناه في غير الأبيات.

هذا باب آخر من أبواب «أو»

تقول : ألقيت زيدا أو عمرا أو خالدا؟ وأعندك زيد أو عمرو أو خالد؟ كأنك قلت : أعندك أحد من هؤلاء؟ وذلك أنك لم تدع أن واحدا منهم ثم.

__________________

(١) سورة السجدة ، الآية : ٣.

٤٢٢

ألا ترى أنه إذا أجابك قال : " لا" كما يجيبك إذا قلت : أعندك أحد من هؤلاء؟ واعلم أنك إذا أردت هذا المعنى فتأخير الاسم أحسن. لأنك إنما تسأل عن اللقاء على من وقع؟

ولو قلت : " أزيدا لقيت أو عمرا؟ و" أزيد عندك أو عمرو؟ كان هذا في الجواز والحسن بمنزلة تأخير الاسم إذا أردت معنى" أيهما"؟

فإذا قلت : أزيد أفضل أم عمرو؟ لم يجز ههنا إلا" أم" لأنك إنما تسأل عن أفضلهما ولست بسائل عن الفعل.

ألا ترى أنك لو قلت : أزيد أفضل؟ لم يجز كما لا يجوز : أضربت زيدا؟ أم عمرو؟ وليت شعري أزيد أفضل أم عمرو؟ فهذا كله على معنى. أيّهما أفضل؟

وتقول : ليت شعري ألقيت زيدا أو عمرا؟ و" ما أدري أعندك زيد أو عمرو؟ فهذا يجري مجرى : ألقيت زيدا أو عمرا؟

وإن شئت قلت : ما أدري أزيد عندك أو عمرو؟ فكان جائزا حسنا. كما جاز : أزيد عندك أم عمرو؟

وتقديم الاسمين جميعا مثله وهو مؤخر وإن كانت أضعف.

فأما إذا قلت : ما أبالي أضربت زيدا أم عمرا؟ فلا يجوز ههنا إلا" أم" لأنه لا يجوز السكوت على الاسم الأول فلا يجيء هذا إلا على معنى : " أيهما"؟

وتقديم الاسم هاهنا أحسن.

وتقول : أتجلس أو تذهب أو تحدثنا؟ وذلك إذا أردت أن تقول : هل يكون شيء من هذه الأفعال؟

فأما إذا دعيت واحدا منها أنه قد كان قلت : أتجلس أم تأكل؟ كأنك قلت : أي هذه الأفعال يكون منك؟

وتقول : أتضرب زيدا أو تشتم عمرا؟ إذا أردت أن يكون شئ من هذه الأفعال. وإن شئت قلت : أضربت زيدا أم تشتم عمرا؟ على معنى : أيهما؟

قال حسان بن ثابت :

ما أبالي أنت بالحزن تبيس

أم لحانى بظهر غيب لئيم؟ (١)

__________________

(١) انظر ديوانه : ١٠٠ ، الخزانة : ٤ / ٤٦١ ، العيني : ٢ / ١٣٥ ، نهاية الأرب : ٣ / ٦٩.

٤٢٣

كأنه قال (ما أبالي) أي الفعلين كان؟ وتقول : أزيدا أو عمرا لقيت أم بشرا؟ وذلك أنك لم ترد أن تجعل" عمرا" عديلا لزيد. حتى يصير بمنزلة : أيهما؟ وإنما أردت أن ذلك حشوا. كأنك قلت : أأحد هذين لقيت أم بشرا؟ ومثل ذلك قول صفية بنت عبد المطلب

كيف رأيت زبرا؟ (١)

أأقطا أو تمرا؟

أم قرشيا صارما هزبرا؟

وذلك أيّها لم ترد أن تجعل التمر عديلا للأقط لأن المسئول لم يكن عندها ممن قال :

هو أما تمر وأما أقط وأمّا قرشي

ولكنه ممن قال : أهو طعام أم قرشي؟

فكأنها قالت : أشيئا من هذين الشيئين رأيته أم قرشيا؟

وتقول : أعندك زيد أو عندك عمرو أو عندك بشر؟ كأنك قلت : هل من هذه الكينونات شئ؟ فصار هذا كقولك : أتضرب زيدا أو تضرب عمرا أو تضرب خالدا؟

ومثل ذلك : أتضرب زيدا أو بشرا أو خالدا؟ وتقول : أعاقل زيد أم عالم؟

وتقول : أتضرب عمرا أم تشتمه؟ تجعل الفعلين والاسم بينهما بمنزلة الاسمين والفعل بينهما لأنك قد أثبت العلم والعقل. وأدعيت أحدهما كما أدعيت ثم أحد الاسمين.

وإن قلت : " أو" فهو عربي حسن. فأما إذا قلت : أتضرب أو تحبس زيدا؟ فهو بمنزلة أزيدا أو عمرا تضرب؟

قال جرير :

أثعلبة الفوارس أو رباحا

عدلت بهم طهيّة والخشابا (٢)

وإن قلت : أزيدا يضرب أو يقتل؟ كان كقولك : أيقتل زيدا أو عمرا؟ و" أم" في

__________________

(١) انظر اللسان : (زبر) ، المقتضب : ٣ / ٣٠٣ ، وأمالي ابن الشجري : ٢ / ٣٣٤.

(٢) ديوان جرير : ٦٦ ، العيني : ٢ / ٣٥٥ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٩٧ ، والأشموني : ٢ / ٧٨.

٤٢٤

كل هذا جيد.

وإذا قال : أتجلس أم تذهب؟ " فأم" و" أو" فيه سواء لأنك لا تستطيع أن تفصل علامة المضمر. فتجعل ل" أو" حالا سوى حال" أم" وكذلك : أتضرب أو تقتل خالدا؟ لأنك لا تثبت أحد الفعلين إلا يثبت واحد وإن أردت معنى أيهما في هذه المسألة قلت : أتضرب زيدا أم تقتل خالدا؟ لأنك لم تثبت أحد الفعلين لاسم واحد.

قال أبو سعيد : اعلم أن" أو" حقيقتها أن يتفرد شيئا من شئ. ووجوه الأفراد أنك تختلف وتتقارب في حال وتتباعد في أخرى حتى توهم أنها قد تضادت وهي في ذلك ترجع إلى الأصل الذي وضعت له. وأنا مفسر ذلك إن شاء الله. فمن ذلك قولك : جاءني زيد أو عمرو. فالأصل فيه أن أحدهما جاءك. والأكثر في استعمال ذلك أن يكون المتكلم شاكا لا يدري أيهما الجائي. فالظاهر من الكلام أن يحمله السامع على شك المتكلم.

وقد يجوز أن يكون المتكلم غير شاك. إلا أنه أبهمه على حال قصدها في ذلك كما يقول القائل : كلمت أحد الرجلين" و" اخترت أحد الأمرين وقد عرفه بعينه ولم يخبر به.

وقد يحسن" أو" بين أشياء تتناولها كلها في أوقات مختلفة فيراد بذكر" أو" أفراد كل واحد منهما في وقته كقولك ـ إذا قيل لك : ما كنت تأكل من الفاكهة ببغداد؟

قلت : كنت آكل التين أو العنب. أو نحو ذلك.

وكذلك لو قيل : ما كنت تأكل من الطعام؟ فتقول : زبدا أو أرزا أو لحما أو سمكا.

أي : أفرد مرة هذا ومرة هذا. قد خلت" أو" للإفراد.

ولو قلت : كنت آكل تينا. أو عنبا. أو قلت : أرزا أو لحما لاحتمل أن يكون جمعت بينهما في وقت. واحتمل أن يكون أفرد كل واحد منهما.

أراد بيان الإفراد فجاء ب" أو" فهذا شأن" أو" في الإخبار. والمخاطب يعلم أنه إذا قال : كنت آكل تينا أو عنبا.

أو قال : كنت آكل برا أو أرزا في مثل الحال التي ذكرناها إنه لم يرد الشك ولا الإبهام على المخاطب.

وإذا وقعت في الأمر فهي على وجهين كلاهما للإفراد ، أحد الوجهين : أن يكون

٤٢٥

أحد الأمرين إذا اختاره لا يتخطاه ولا يتجاوزه ويكون الآخر عليه محظورا.

والوجه الآخر : أن يكون له اختيار كل واحد من الأمرين عند حظر الآخر عليه.

(أ) فأما الأول فقولك : " خذ ثوبا أو دينارا" إذا خيرته أحدهما وكان الآخر غير مباح له وهذا الذي يسمى" التخيير".

ومخرج هذا ونحوه أن تعلم أنه ما كان للمخاطب أن يتناول شيئا من الاثنين قبل أن يخبره الآمر وإنما كانا محظورين عليه ثم زال الحظر في أحدهما وبقي الآخر على حظره.

فإذا قال : " خذ دينارا أو ثوبا" فالدينار والثوب كانا محظورين عليه ولم يكن له أن يأخذ واحدا منهما فلما قال : " خذ دينارا أو ثوبا" جاز له أخذ أحدهما وبقى الآخر على حظره.

ومثله في القرآن قوله عزوجل : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(١). فأوجب أحد هذه الثلاثة ولا يمكن فعل اثنين منها لأنه إذا فعل واحدا منها فقد كفّر وسقطت عنه الكفّارة.

(ب) والوجه الثاني من الوجهين : ألا يكون الأمران في الأصل محظورين فيما يراه المخاطب ويسمى هذا الوجه" الإباحة".

وذلك قولك : ألبس خزّا أو قوهيا أو ديباجا أو وشيا فكأنه أراد أن كل صنف من هذا لك لبسه.

كأنه شيء من شيئين إن لبس أحدهما لم يمتنع عليه الآخر من أن يلبسه بعده.

وإنما أراد إعلامه أن كل واحد منهما له لبسه. لئلا يرى أنه يلبسهما معا. ولا أنه إذا أفرد كان مخالفا. فلما كان كل واحد منهما مأمورا به جاز لبسها كلها.

ومثله في القرآن قوله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ)(٢). كل ذلك مباح الأكل منه.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٨٩.

(٢) سورة النور ، الآية : ٦١.

٤٢٦

وكذلك : (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَ)(١).

ومثله قوله عزوجل : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)(٢). والحكم يقع على كل واحد مما سمي مفردا أو مجموعا. وحدثني بعض أصحابنا أن المزني (٣) صاحب الشافعي سئل عن رجل حلف فقال : والله لا كلمت أحدا إلا كوفيّا أو بصريّا فكلم كوفيّا وبصريّا فقال : ما أراه إلا حانثا. فأنهى ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة المقيمين بمصر أيام المزني فقال : أخطأ المزني وخالف الكتاب والسنة.

فأما قوله عزوجل : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)(٤).

وكل ذلك كان مباحا خارجا بالاستثناء من التحريم.

وأما السنة : فيقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قريشي أو ثقفي" (٥) والمفهوم من ذلك أن القريشي والثقفي كانا استسنين.

فذكر أن المزني رجع إلى قوله :

والتخيير الذي يكون لأحد الأمرين دون الآخر كقولك : جاء في زيد أو عمرو.

والإباحة بمنزلة الخبر الذي يتناول جميع ما ذكر على إفراد كل واحد منه كقولك : كنت آكل أرزا أو برا أو لحما أو سمكا.

ومن الإبهام في الخبر قوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥.

(٣) هو : أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني. من أهل مصر. كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة ، وهو إمام الشافعيين ، ومن كتبه الجامع الصغير والجامع الكبير. قال عنه الشافعي : المزني ناصر مذهبي. وقال في قوة حجته : " لو ناظر الشيطان لغلبه" توفي ٢٦٤ ه‍.

انظر معجم الأدباء : ١٧ / ٣٢٣ ، وفيات الأعيان : ١ / ٧١.

(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٦.

(٥) الحديث في سنن النسائي : ٦ / ٢٣٧ باب (العمري).

٤٢٧

أَقْرَبُ)(١).

وقوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(٢) ، وقوله عزوجل : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(٣).

وقوله عزوجل : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٤).

فإن قال قائل : كيف يقع هذا الإبهام الذي ذكرته من الله عزوجل على خلقه إذ كان إنما قصد بمخاطبتهم البيان والإفهام للإقامة الحجة عليهم بما أنزل ولم يجعل في ذلك لبسا؟

قيل له : أنما خوطبوا على قدر ما يجري في كلامهم من إفهام بعضهم بعضا. لعلها أبهمت عليهم في الإخبار لعجزهم عن بلوغ حقائق الأشياء وأنهم يصلون منها إلى مقاربة وقد يبهم المتكلم لقلة الفائدة في التفصيل وإن كان عالما بصاحب الفعل قال لبيد :

تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (٥)

وقد علم لبيد أنه من مضر وليس من ربيعة.

وإنما أراد : من أحد القبيلتين ، وسبيلي أن أفنى كما فنوا. وليس فيما قصد من تعزية ابنتيه وتسليتهما بالتأسي بمن فنى من هذين القبيلين فائدة في تعيين نسبه.

بل لو زاد في الإبهام كان أبلغ فيما يريده لأنه إذا كثر من يتأسى به كان أبلغ في التعزية.

فلو قال : وهل ألا من العرب؟ أو : هل أنا إلا من الناس؟ كان أبلغ في التعزية وقد تدخل" أو" للتبعيض والتفصيل وهو أن تذكر عن جماعة قولين مختلفين على أن بعضهم قال أحد القولين وبعضا قال القول الآخر.

كقولك : " اجتمع القوم فقالوا : حاربوا أو صالحوا". بمعنى : قال بعضهم : حاربوا وقال بعضهم : صالحوا.

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ٧٧.

(٢) سورة الصافات ، الآية : ١٤٧.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٧٤.

(٤) سورة النجم ، الآية : ٩.

(٥) انظر ديوانه : ١ ، الخزانة : ٤ / ٤٢٤ ، شرح شذور الذهب : ١٣٨ ، العقد الفريد : ٣ / ٥٦.

٤٢٨

قال عزوجل : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا)(١) وقد أحاط العلم أنه ليس في الفرق فرقة بين اليهودية والنصرانية ، وأنما الإخبار عن جملة اليهود والنصارى أنهم قالوا ، ثم فصل ما قاله كل فريق منهم.

وقد احتج بعض أصحاب مالك في تخيير الإمام في عقوبة قطاع الطريق الساعين في الأرض فسادا بقوله عزوجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)(٢).

وكان ينكر مخرج الآية على وجه التخيير لذكره" أو" فذكرت ما كان عندي وهو : أن" أو" في هذه الآية على التبعيض وترتيب أصناف هذه العقوبات على أصناف جنايات المحاربين.

واحتججت بقوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) على أن بعضا وهم اليهود قالوا : (كُونُوا هُوداً) وبعضا وهم النصارى قالوا : (كونوا نصارى).

وكذلك نحمل آية المحاربين على أن بعضا وهم الذين قتلوا يقتلون ، وبعضا وهم الذين أخذوا المال : تقطع أيديهم وأرجلهم وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه. والشافعي وأتباعه.

وأما قوله عزوجل : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(٣) فإن أكثر تشبيهات العرب وغيرهم من سائر الأمم يجري على غير المماثلة في حقيقة الطول والقصر والسعة والضيق والثقل والخفة ونحو ذلك. وأكثر تشبيهاتهم أن أشياء قد عرفت بصفات خير أو شر أو رفعة أوضعة أو غير ذلك وتقرر ذلك في نفوسهم ، فإذا أرادوا المبالغة في وصف شئ شبهوه بمثله من تلك الأشياء أو فضلوه عليه إذا أرادوا الانتهاء في المبالغة.

والغرض فيه أن ما شبهوه فيه ما يفضل به من تلك الحال فكيف ما شبهوه وجاز

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٣٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٣٣.

(٣) سورة النحل ، الآية : ٧٧.

٤٢٩

إذا أرادوا هذا المعنى.

مثال هذا : أنهم إذا شبهوا السريع الذي رضوا بسرعته فقالوا : هو كالريح وهو كالبرق وكالسهم وكالحجر وكالطائر. ويبالغون به فيقول : هو أسرع من الريح وأسرع من يد إلى فم.

وبأي شيء شبهناه من هذه الأشياء فهو كتشبيهنا أياه بالآخر. لأن غرضنا الدلالة على أن فيه سرعة شديدة محمودة.

وهذا أكثر من أن يحصى. فصار قولنا : هو كالبرق وهو أسرع من البرق ، وهو كالريح وهو أسرع من الريح في باب الدلالة على سرعته كشئ واحد.

وكذلك : (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) بمنزلة شيء واحد فجمع اللفظين اللذين يتناهون ويبالغون فيه إذا شبهوا.

ومثله قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ)(١).

والكلام فيه وفيما قبله طريق واحد وهو : أن كل ما فنى يشبّه بما لم يكن حتى يقال : " كأنك بالدنيا لم تكن ...".

لأنه إذا فنى فقد بطل حكم وجوده وكونه والذي لم يزل موجودا. لأنه إذا أتى فقد بطل حكم عدمه.

فقوله عزوجل : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ؛) لأن ما قبل الساعة مما يفنى فيصير كأنه لم يوجد فزمانه قصير في التشبيه ، والذي يأتي قريب ؛ لأن ما قبله فان ، والتشبيه بلمح البصر". و" باليوم" و" الساعة" واللحظة واحد ؛ لأن الغرض فيه كله تقصير المدة على غير حقيقة مماثلة طول الزمان.

وإنما دخول" أو" على ذلك. لأن المشبه بكل واحد من ذلك مفردا غير مخطئ في التشبيه فتأمله وأعرفه إن شاء الله تعالى.

وأما قوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(٢) ففيه وجهان :

__________________

(١) سورة المؤمنون ، الآيتان : ١١٢ ، ١١٣.

(٢) سورة الصافات ، الآية : ١٤٧.

٤٣٠

أحدهما : أن يكون" أو" فيه مثلها في" أو" التي للإباحة وتقديره : وأرسلناه إلى بشر كثير يحذرهم ممن يراهم ـ حازر : مائة ألف.

والوجه الآخر : أن يكون" أو" لأحد الأمرين وأبهمه الله تعالى على المخاطبين لأنه أراد تعريفهم كثرتهم. ولم تكن فائدة في تعريف حقيقة عددهم.

ويروى عن ابن عباس أنهم كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا. وأما قوله عزوجل : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(١) القسوة في الحجارة الصلابة. وصلابة كيفية على حقيقة الكيفيتين. وإنما قسوة القلب أنه لا يرق ولا يلين لموعظة ولا لطاعة الأمر ، فيشبه امتناعه بالصلابة التي هي ضد اللين.

ويشبه بصلابة الحجر أو بما هو أصلب منه على ما ذكرنا من مذهبهم. والذي يشبهه بصلابة الحجر مصيب والذي يشبهه بما هو أصلب مصيب ؛ لأن الغرض الإخبار عن قلوبهم بصلابة يبالغ فيها. فتشبيههم إياها بالحجارة. لأنها من الموصوفات بالصلابة صحيح ، وتشبيههم إياها بما هو أصلب منه صحيح.

وأما قوله عزوجل : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٢) فمعناه في تقدير الناظر منكم إليه.

وقد قال قوم أن" أو" تكون بمعنى" بل". واحتجوا بقوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ). أراد : بل يزيدون. ويقول الشاعر.

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى

وصورتها أو أنت في العير أملح (٣)

قالوا معناه : بل أنت.

واحتجوا بالرواية عن ابن عباس في قوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ). قال : كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا.

وحصلوا على" أو"" أم" فقالوا : أضربت عبد الله أم أنت رجل متعنت؟ بمعنى بل أنت. قال الشاعر :

فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت

أم النّوم أم كل إليّ حبيب (٤)

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٧٤.

(٢) سورة النجم ، الآية : ٩.

(٣) انظر الخزانة : ٤ / ٤٢٣ ، أمالي المرتضى : ٣ / ٥٦.

(٤) انظر الهمع : ٢ / ١٣٣ ، الدرر : ٢ / ١٧٧ ، معاني القرآن للفراء : ١ / ٧٢.

٤٣١

معناه : بل كل إلى حبيب.

وقال قوم" أو" تكون بمعنى الواو. كقوله تعالى : (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ)(١).

نال الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر (٢)

ممعناه : وكانت له قدرا.

وقال توبة بن الحمير : (٣)

وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر

لنفسي تقاها أو عليها فجورها

معناه : وعليها.

وقال جرير :

أثعلبة الفوارس أو رياحا

عدلت بهم طهية والخشابا (٤)

أراد : ورياحا.

وقال الآخر :

ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث

إلى ذاكم قد غيبتني غيابيا (٥)

أراد : ونصف ثالث.

وقال الآخر :

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٦١.

(٢) ديوانه : ١٢٥ ، أمال ابن الشجري : ٢ / ٣١٧ ، العيني : ٢ / ٤٨٥ ، الدرر : ٢ / ١٨١ ، الأشموني : ٢ / ٥٨.

(٣) هو توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة العقيلي العامري أبو حرب شاعر من عشاق العرب المشهورين كان يهوى ليلى الأخيلية وقد خطبها فرده أبوها وتزوجها غيره فانطلق يقول الشعر مشببا بها. توفي ٨٥ ه‍ انظر وفيات الأعيان : ١ / ٩٥ ، أمالي القالي : ١ / ٨٨ ، الدرر : ٢ / ١٨١.

(٤) سبق تخريجه.

(٥) القائل هو ابن أحمر كما نسبه السيرافي ، المحتسب لابن جني ٢ / ٢٢٧ ، وانظر البيت في الخصائص : ٢ / ٤٦٠ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٣١٧.

٤٣٢

فلو كان البكاء يرد شيئا

بكيت على بجير أو عفاق (١)

قال أبو سعيد : شواهد" أو" في هذين الوجهين. قد تتخرج على غير ما قالوه.

أما قوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) فقد ذكرنا أن" أو" فيها على وجهين على الإباحة وعلى الإبهام ، كأنه قال : إلى جمع كثير يجرزه بعض الحزار بمائة ألف وبعض بأكثر.

وكذلك : " بدت مثل قرن الشمس ... أو أنت في العين أملح".

أي أن شبهتا بالشمس أصبت وإن فضلتها عليها أصبت. وقد مضى نحو هذا.

وقوله : أضربت عبد الله أم أنت رجل متعنت؟ فقد يقولونه" بأو". وكقولك : خذ حقك وأعطنا حقنا أو أنت رجل متعنت ويذهب به قوم إلى أن معناه : " بل أنت" وليس كذلك. وإنما معناه : هذه الحالة هي الواجهة من الحق وإعطائه (أو) تصير الحالة الأخرى مكانها وهي أن تنسب إلى التعنت.

وأما (أم) في قوله : " اضرب عبد الله أم أنت رجل متعنت" فإنما هي" أم" المنقطعة التي منزلتها منزلة ألف الاستفهام وهي هاهنا بمنزلة التقرير والتوبيخ كنحو ما ذكرنا في قوله عزوجل : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)(٢).

ومثله :

أسلمى تغوّلت

أم النّوم أم كلّ إلىّ حبيب (٣)

وأما قوله :

لنفسي تقاها أو عليها فجورها (٤)

فإنما دخلت" أو" لأن الإنسان أما أن يكون تقيا فله تقاه وأما أن يكون فاجرا فعليه فجوره." فأو" دخلت لأحد الأمرين.

وأما :

أثعلبة الفوارس أو رياحا

عدلت بهم طهية والخشابا (٥)

فمعناه : أحد هاتين القبيلتين عدلت بهم طهية على جهة الإنكار. كما تقول :

__________________

(١) القائل متمم بن نويرة والبيت في اللسان : (عفق) ، وأمالي المرتضي : ٢ / ٥٨ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١ / ٣٣.

(٢) سورة السجدة ، الآية : ٣.

(٣) سبق تخريجه.

(٤) سبق تخريجه.

(٥) سبق تخريجه.

٤٣٣

أعدلت بالقوم القرد.

وأما :

فالبثا شهرين أو بعض ثالث

فإن المعنى : فالبثا شهرين أو شهرين وبعض ثالث. كأنه قال : شهرين أو أكثر من شهرين. على جهة التخيير. كأنه قال : البثا أيّ الوقتين شئتما من شهرين أو أكثر.

ودل بقوله : " أو بعض ثالث" على أكثر من شهرين لأنه لا يمكنهما لبث بعض ثالث إلا بلبث شهرين قبله.

وقوله :

بكيت على بجير أو عفاق

معناه : بكيت على بجير في حال. وعلى" عفاق" في حال وهو كقولك : كل الخبز أو الأرز أو اللحم. على معنى إفراد واحد في حال. وقد تقدم ذكر نحو هذا.

واعلم أن في الكلام ما يقتضي ـ إذا دخل ألف الاستفهام في أوله ـ أن يؤتى بعدها" بأم" ولا يقتصر على الألف وحدها. وفيه ما لا يحتاج إلى ذلك.

فأما الذي يحتاج إلى" أم" مع الألف فباب أفعل الذي فيه التفصيل كقولك : " أزيد أفضل أم عمرو" و" أزيد أحسن أم عمرو". و" البر خير أم الشعير" و" الأعراب شر أم الأكراد".

ولا يجوز أن تقول : " أزيد أفضل" وتسكت و" الأعراب شر" وتقتصر عليه.

ومن ذلك أن تقول : ما أبال أضربت زيدا أم عمرا؟ ولا يجوز السكوت على الأول لا تقول : أضربت زيدا؟

لأنه لا يجيء إذا أدخلت ألف الاستفهام إلا على معنى : " أيهما". ولو تدخل ألف الاستفهام جاز أن تقول : ـ ما أبالي زيدا ..." كما قال :

فلست أبالي بعد آل مطرف

حتوف المنايا أكثرت أو أقلّت (١)

و" سواء" إذا أدخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت" أم" بعدها. كقولك :

" سواء على أقمت أم قعدت"

والأصل في" سواء" : أن يكون بعده اسمان فصاعدا. كقولك : سواء عندي الزيدان.

__________________

(١) انظر الخزانة : ٤ / ٤٦٧.

٤٣٤

" وسواء على الزيدون".

وإذا كان أحد الاسمين معطوفا على الآخر عطف" بالواو" لا غير كقولك : سواء علي قمت وقعدت.

وإذا كان بعد" سواء" فعلان بغير استفهام كأن عطف أحدهما على الآخر" بأو" كقولك : سواء علي قمت أو قعدت.

وإذا كان بعده مصدران كأن لك العطف" بالواو" و" بأو" فالواو كقولك : سواء على قيامك وقعودك. و" بأو". سواء على قيامك أو قعودك. وأما" أي" فأنها تقع بعد سواء. مرفوعة ومنصوبة ومخفوضة كقولك : سواء على أيّهم قام" ترفع أيام بالابتداء وتجعل خبرها قام. و" سواء على أيّهم ضربت" بنصب" أيا" بضربت. و" سواء على بأيّهم مررت". وموضع" أي" وما بعدها نصبت أو رفعت.

وإذا قلت : " سواء الزيدان" أو : " سواء زيد وعمرو" فسواء : مبتدأ وما بعده خبره. وهو رفع لأنه خبر الابتداء.

وعطفت أحدهما على الآخر بالواو دون غيره لأنه بمنزلة : استوى زيد وعمرو واختصم زيد وعمرو. ولا يجوز : اختصم زيد ثم عمرو. ولا : اختصم زيد أو عمرو ولا : اختصم زيد فعمرو.

وإذا كان بعد" سواء" استفهام فالاستفهام وما يتصل به جملة في موضع خبر" سواء" كقول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١).

" الذين كفروا" نصب بأن." وسواء" مبتدأ والجملة بعده خبره. و" سواء" وما بعده خبر الذين كفروا والعائد إليهم : " هم" في" أأنذرتهم".

وإنما دخلت ألف الاستفهام و" أم" لمعنى التسوية وإن لم يكن استفهاما. لما ذكرناه فيهما من معنى التسوية والمعادلة.

ودخلت" الواو" خاصة على : " استوى زيد وعمرو" و" سواء عندي زيد وعمرو" لأن الواو للتسوية والتعديل التام دون الفاء.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٦.

٤٣٥

لأنك إذا قلت : " قام زيد وعمرو فزيد وعمرو" متساويان في وقوع القيام منهما ومتساويان في إبهام زمان قيامهما. ليس أحدهما أولى من الآخر بزمان القيام.

وإذا قلت : " قام زيد فعمرو" أو" ثم عمرو" فكل واحد من الاسمين قد حصل على قيامه في زمان غير زمان قيام الآخر.

وناب الاستفهام بعد سواء عن الاسمين اللذين يقتضيهما" سواء" لأن في الاستفهام معادلة وتسوية بين شيئين.

وأما" أو" قد خلت في الفعلين لما فيها من معنى المجازاة. فإذا قلت : سواء على قمت أو قعدت فتقديره : إن قمت أو قعدت فهما على سواء.

ويصير معنى" أو" إلى معنى الجزاء في قولك : " اضربه مات أو عاش" كأنه قال : اضربه إن مات من ضربك أو عاش (وناب ذلك عن الاسمين بعد سواء).

وجاء في المصدرين" الواو" و" أو" أما" الواو" فلأن المصدرين اسمان فإذا قلت سواء على قيامك وقعودك فهو كقولك : سواء على عبدك وأمتك. وأما" أو" فلأن المصدرين مأخوذان من فعلين. وقد كان يعطف أحدهما على الآخر" بأو" وذلك قولك : سواء على قيامك أو قعودك. لأنه مصدر قولك سواء على قمت أو قعدت.

واعلم أن الاسمين إذا كانت بينهما" أو" فلا معادلة بينهما ولا تسوية وأنهما كاسم واحد يجوز أن تعادل بينه مبهما وبين آخر. كقولك : أزيدا أو عمرا رأيت أم بشرا؟ فزيد وعمرو جميعا لدخول" أو" بينهما بمنزلة اسم واحد عودل بينه وبين بشر. فكأنه قال : أأحد هذين الرجلين رأيت أم بشرا؟

ومثله قول صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

كيف رأيت زبرا؟

أأقطا أو تمرا؟

أم قرشيّا صارما هزبرا؟

زبرا : مكبر الزبر. والزبير تصغير : زبر والزبير بن العوام رضي‌الله‌عنه ابنها وقد رأته صارع آخر فصرعه الزبير فقالت للمصروع كيف رأيت زبرا أي الزبير. أأقطا وتمرا أي : رأيته طعاما تأكله ويلين لضربتك أم خشنا على قرنه كالسيف والأسد.

وقوله : " أأقطا أو تمرا" لدخول" أو" بينهما بمنزلة : أطعاما ووقعت المعادلة بينه وبين قرشيا.

٤٣٦

وقوله : أعندك زيد أو عندك عمرو أو عندك بشر؟ هذه جمل كل جملة منها مبتدأ وخبر دخلت" أو" بينهما كما تدخل بين الجمل التي هي أفعال وفاعلون ومفعولون كقولك : أتضرب زيدا أو تضرب عمرا أو تضرب خالدا؟ ودخول" أو" بينهما كدخولها بين الأسماء الأفراد. كقولك أتضرب زيدا أو بشرا أو خالدا؟ لأن المسألة (عن) واحد منها.

فإن كانت" أو" بين جمل فالمسألة عن أحدهما مبهمة. وسمي سيبويه الجمل : الكينونات وإن كانت" أو" بين أسماء أفراد فالمسألة عن أحدهما.

واعلم أن" ألف الاستفهام" الباب والوجه فيه أن يليها الفعل. إلا أن يكون السؤال عن أحد الاسمين بمعنى" أيهما" فيكون الاختيار أن يليها الاسم.

كقولك : أزيدا ضربت أم عمرا وأزيد قام أم عمرو ولو جعلت" أو" لكان الباب والوجه أن يلي ألف الاستفهام الفعل كقولك :

أضربت زيدا أو عمرا؟ و" أقام زيد أو عمرو؟ لأن المسألة مع" أم" تقع على الاسم ومع" أو" تقع على الفعل ثم بعد ذلك يجوز تأخير ما الوجه تقديمه.

وتقديم ما الوجه تأخيره على ما ذكر في الباب فالباب في" أم" تقديم الاسم ويجوز تأخيره والباب في" أو" تأخير الاسم ويجوز تقديمه.

وقول سيبويه : فإذا قال : أتجلس أو تذهب؟ " فأم" و" أو" فيه سواء لأنك لم تثبت فعلا لأحد الاسمين ثم سألت عن تعيينه كما تقول : أضربت زيدا أم عمرا؟ وقد علمت أنه ضرب أحدهما والتمست تعيينه ولم يمكنك أن تفصل الاسمين المضمرين وتعلقهما على فعل واحد كما فعلت بقولك : أزيد قام أم عمرو؟

وكذلك : أتضرب زيدا أو تقتل خالدا؟ تجعل الفعل في" أو" و" أم" جميعا يلي حرف الاستفهام لأن المسألة ليست عن أحد الاسمين تلتمس تعيينه وإنما هو عن إحدى جملتين لكل واحد منهما فعل وفاعل ومفعول به فصار" كأم" المنقطعة التي : ما بعدها لا يدخل فيما قبلها ولا يتعلق به.

وكان أبو العباس المبرد يقول :

" أن معنى قول سيبويه : فأم و" أو" فيه سواء في جواز وقوعهما في هذا الموضع وإن كانا مختلفا معناهما في أصل الباب. واستواؤهما أن" أو" لم تدخل لتثبيت النقل في أحد

٤٣٧

الاسمين كما تكون في : أزيد قام أم عمرو.

ونحوه فيما ذكرناه ما يأتي على ما تركناه إن شاء الله تعالى.

هذا باب «أو» في غير الاستفهام

تقول : جالس زيدا أو عمرا أو خالدا.

كأنك قلت : جالس أحد هؤلاء.

فإذا قلت : أضرب أحد هؤلاء ففي هذا دليل أنك لم ترد إنسانا بعينه.

وأن كل هؤلاء أهل لأن تضرب كأنك قلت : أضرب هذا الضرب من الناس.

وتقول : كل خبزا أو لحما أو تمرا.

كأنك قلت : كل أحد هذه الأشياء فهذا بمنزلة الذي قبله.

فإن نفيت هذا قلت : لا تأكل خبزا أو لحما أو تمرا. كأنك قلت : لا تأكل شيئا من هذه الأشياء.

ونظير ذلك قوله عزوجل : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(١). أي : لا تطع أحدا من هؤلاء.

وتقول : لا تأكل خبزا أو لحما أي لا تجمعهما ومثل ذلك أن تقول : ادخل على زيد أو عمرو أو خالد أي لا تدخل على أكثر من واحد من هؤلاء. وإن شئت جئت به على معنى : ادخل على هذا الضرب.

وتقول : خذه بما عز أو هان. كأنك قلت : خذه بهذا أي لا يفوتنك على حال.

ومن العرب من يقول : " خذه بماعز وهان" أي : خذه بالعزيز والهين. وكل واحدة منهما تجزئ عن أختها.

وتقول : لأضربنه ذهب أو مكث. كأنه قال : لأضربنه ذاهبا أو ماكثا. ولأضربنه (إن) ذهب أو مكث.

وقال زيادة بن زيد العذري :

إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده

أطال فأملي أو تناهى فأقصرا (٢)

__________________

(١) سورة الإنسان ، الآية : ٢٤.

(٢) البيت في المقتضب : ٣ / ٣٠٢ ، الخزانة : ٤ / ٤٦٩ ، وشرح الكافية للرضي : ٢ / ٣٥٠.

٤٣٨

وقال :

فلست أبالي بعد آل مطرف

حتوف المنايا أكثرت أو أقلت (١)

فزعم الخليل أنه يجوز : لأضربنه أذهب أم مكث.

قال : والدليل على ذلك أنك تقول : لأضربنه أيّ ذلك كان.

وأنما فارق هذا" سواء" و" ما أبالي" لأنك إذا قلت سواء على أذهبت أم مكث فهذا الكلام في موضع : سواء على هذين.

وإذا قلت : ما أبالي أذهبت أم مكثت فهو في موضع : ما بالي واحدا من هذين. وأنت لا تريد أن تقول في الأول : لأضربن هذين. ولا تريد أن تقول : تناهيت هذين. ولكنك أنما تريد أن تقول : أن الأمر يقع على إحدى الحالين.

وإن قلت : لأضربنه أذهب أو مكث. لم يجز لأنك لو أردت معنى : " أيهما" قلت" أم مكث".

ولا يجوز : لأضربنه أمكث فلهذا لا يجوز : لأضربنه أذهب أو مكث كما يجوز : ما أدري أقام زيد أو قعد؟

ألا ترى أنك تقول : ما أدري أقام؟ كما تقول : ما أدري أذهب؟ وكما يقول : أعلم أقام زيد. ولا يجوز : لأضربنه أذهب.

وتقول : كل حق لها سميناه أو لم نسمه كأنه قال : وكل حق له علمناه أو جهلناه.

وكذلك : " كل حق هو لها وداخل فيها أو خارج منها". كأنه قال : إن كان ذلك داخلا فيها أو خارجا.

وإن شاء أدخل" الواو" كما قال : " بماعز وهان" وقد تدخل" أو" في أعلمناه أو جهلناه كما دخلت في : أذهب أم مكث؟

وتدخل" أو" على وجهين :

على أنه صفة للحق. وعلى أن يكون حالا.

كما قال : لأضربنه ذهب أو مكث. أي : لأضربنه كائنا ما كان. فبعدت" أم" هاهنا حيث كان خبرا يقع في موقع ما ينصب حالا وفي موقع الصفة.

__________________

(١) سبق تخريجه.

٤٣٩

قال أبو سعيد : اعلم أن" الواو" و" أم" و" الواو" و" بل" أصول وضعن مختلفة ثم يقع فيهن من المجاز والاتساع ما يتداخلن فيه. فيستعمل الحرفين منهن في معنى واحد.

فمن ذلك : اجتماع" الواو" و" أو" في قوله : " خذه بما عز أو هان" و" خذ بما عز وهان" ولا فرق بينهما في المعنى. وكل واحدة منهما تجزئ عن أختها فيما يراد ويقصد.

فأما من قال" بأو" فمعناه : خذه بأحد هذين أما العزيز وأما الهين ، ولا يفوتنك بحال.

وأما من قال : " بما عز وهان" بالواو فمعناه : بالعزيز والهين. وليس قصده وغرضه أن نأخذ بهما في حال ولا حالين.

وإنما معناه : خذه بما بذله لك من العزيز والهين كما تقول : خذه بالشدة والرخاء واستصلحه بالرفق والعنف والتوسعة والضيق. ومعناه : خذه بما صلح به من هذين الشيئين.

ومثله : " كل حق له سميناه له أو لم نسمه". و" كل حق له علمناه أو جهلناه". على معنى : وكل حق له بإحدى هاتين الصفتين أما مسمى وأما غير مسمى. وتكون على وجهين :

على أنه صفة للحق وعلى أنه حال.

فأما الصفة فتقديره : " كل حق له مذكور وغير مذكور"

وأما الحال فعلى معنى : " وكل حق له إن كان مسمى وإن كان غير مسمى".

كأنه قال : كل حق له كائنا ما كان.

كما تقول : لأضربنه ذهب أو مكث. كأنه قال : لأضربنه ذاهبا أو ماكثا. ولأضربنه إن ذهب أو مكث.

فأما من قال" بالواو" فمعناه : كل حق له من المسمى وغير المسمى.

ومما يقع فيه" الواو" و" أو" بمعنى واحد : ما كان من التخيير بمعنى الإباحة كرجل أنكر على ولده مجالسة ذوي الزيغ والريب وأراد أن يعدل به إلى مجالسة غيرهم فقال له :

" دع مجالسة أهل الريب وجالس الفقهاء والقراء وأصحاب الحديث".

أو قال له : " جالس الفقهاء والقراء أو أصحاب الحديث" فذلك كله بمعنى واحد. لأن مفهوم الكلام أنه لا يمكنه مجالسة جميع من ذكره. وإن كانت" بالواو" فأن المراد : أن

٤٤٠