دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6642-91-8
الصفحات: ٣٤٧

ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار».

ويقول الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة : «فالاسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين اظهرنا وايدينا من لدن عصر والد الشيخ البهائي الذي مرت عبارته الظاهرة في وجوده عنده ... حتى ان العلّامة المجلسي صرف اموالا جزيلة في طلبه وما ظفر به ... نعم ينقل عنه ابن طاووس في فلاح السائل وغيره من كتبه ...» (١).

وقد توفي الشيخ الجليل المذكور سنة ٣٨١ ه‍. ودفن بالري بالقرب من قبر السيد عبد العظيم الحسني.

وقد قيل انه حدث انشقاق في قبره الشريف بسبب طغيان المطر فوجد جثمانه الطاهر لم يتغير حتى اثر الحناء الذي كان على اظفاره بالرغم من مرور ٨٥٧ سنة على دفنه.

* * *

والكلام حول الكتاب المذكور يقع ضمن عدة نقاط :

النقطة الأولى

ذكرنا سابقا ان طريقة الشيخ الكليني في كتابه الكافي جرت على ذكر تمام السند غالبا ولم يشذ عن ذلك إلّا نادرا. بينما طريقة الشيخ الصدوق جرت على

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢٠ : ٢٥٢.

٢٦١

العكس ، فهو غالبا يحذف السند ويكتفي بذكر الراوي المباشر عن الإمام عليه‌السلام فيقول مثلا : زرارة أو روى زرارة عن الإمام الباقر عليه‌السلام. ونادرا ما يذكر تمام السند. وعلل ذلك في المقدمة بقوله : وصنفت هذا الكتاب بحذف الاسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده.

ومن هنا احتاج إلى ان يذكر آخر الكتاب طرقه إلى من يبتدأ بهم السند فيقول مثلا : وما رويته عن زرارة فقد حدثني به أبي عن ...

وتسمى تلك الطرق بالمشيخة جمع شيخ.

ومن المؤسف عدم ذكره طرقه إلى بعض من ابتدأ بهم السند. ومن هنا تصبح الأحاديث المذكورة مرسلة.

النقطة الثانية

ان الصدوق لم يألف كتابه كجامع لأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام وانما الّفه كمرجع عملي للشيعة وليس كمرجع حديثي ويظهر ذلك من بعض فقرات المقدمة ومن اسلوب الكتاب نفسه.

ومن هنا برزت ظاهرة فيه ، وهي انه حينما يذكر بعض الأحاديث باخذ بالتفسير أو التعليق عليها ويذكر ذلك متصلا بالحديث. ولربما يخفى ذلك على المراجع احيانا ويتخيل ان الجميع هو حديث واحد والحال ان بعضه حديث الإمام عليه‌السلام والبعض الآخر من كلام الصدوق.

وعلى سبيل المثال ذكر الصدوق في الحديث الثاني من الجزء الأول ما

٢٦٢

نصه : «وقال عليه‌السلام الماء يطهّر ولا يطهّر. فمتى وجدت ماء ولم تعلم فيه نجاسة فتوضأ منه واشرب. وانّ وجدت فيه ما ينجسه فلا تتوضأ منه ولا تشرب إلّا في حال الاضطرار فتشرب منه ولا تتوضأ منه وتيمم ...».

ان المراجع يظن ان جميع الفقرات المذكورة هي من كلام الإمام عليه‌السلام والحال ان كلام الإمام عليه‌السلام فقط هو جملة : الماء يطهر ولا يطهر. والباقي هو من كلاء الصدوق.

النقطة الثالثة

هناك رأي مشهور يرى حجية جميع الأحاديث المذكورة في الفقيه بدون حاجة إلى التدقيق في اسنادها.

ويستند في ذلك إلى احد الوجهين التاليين :

١ ـ بعض الفقرات المذكورة في المقدمة حيث قال الصدوق : «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره».

ان العبارة المذكورة صريحة في انه لا يذكر إلّا الأحاديث الصحيحة. ومعه فيلزم الأخذ بكل حديث مذكور في الفقيه.

ويرده ؛ ان الصدوق وان التزم ان لا يذكر إلّا الخبر الصحيح إلّا ان الصحيح في مصطلح المتقدمين غيره في مصطلح المتأخرين ، فهو فى مصطلح المتأخرين عبارة عن الحديث الذي رواته عدول إمامية بينما في مصطلح المتقدمين عبارة

٢٦٣

عن كل حديث يجب العمل به ولو لبعض القرائن المحتفة به والموجبة للاطمئنان بحقانيته حتى ولو فرض فسق رواته وعدم وثاقتهم.

وإذا كان هذا هو مقصود الصدوق من الخبر الصحيح فلا يكون ذكره للخبر في كتابه مستلزما لحجيته علينا ، إذ لعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

هذا مضافا إلى ان للصدوق طريقة خاصة في تصحيح الأحاديث ، وهي ان كل حديث صححه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد فهو صحيح عنده ، وكل حديث لم يصححه شيخه فلا يكون صحيحا عنده.

وقد صرح بهذه الطريقة في بعض الموارد. ومعه فكيف تكون شهادته بصحة أحاديث كتابه موجبة لاعتبارها في حقنا؟

٢ ـ ذكر الصدوق في مقدمة كتابه عبارة اخرى غير العبارة المتقدمة وهي قوله : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي و ...».

ان أحاديث الفقيه ما دامت مستخرجة من كتب مشهورة وعليها اعتماد الأصحاب فلا تبقى حاجة إلى وجود طريق صحيح بين الصدوق وصاحب الكتاب الذي ينقل عنه الحديث. اجل نحتاج إلى طريق صحيح بين صاحب الكتاب والإمام عليه‌السلام.

٢٦٤

وقد تقدمت الاشارة إلى هذا الرأي فيما سبق (١).

ويرده :

أولا : ان ما ذكر يتم على تقدير افتراض ان كل من ابتدأ الصدوق السند باسمه فقد اخذ الحديث من كتابه ، وهذا غير ثابت ، فانه لم يصرح في مقدمة كتابه أو في المشيخة بذلك.

أجل الشيخ الطوسي صرح بذلك في مقدمة مشيخة التهذيبين دون الصدوق.

ومما يؤكد عدم التزام الصدوق بذلك ذكره في المشيخة طريقا إلى إبراهيم ابن سفيان واسماعيل بن عيسى وانس بن محمد وجعفر بن القاسم وغيرهم والحال عدم وجود كتب لهم بقرينة عدم ذكر النجاشي والشيخ لهما في فهرستهما الموضوع لاستعراض اصحاب الكتب.

بل ان الصدوق ذكر طريقا له إلى اسماء بنت عميس والحال ان من البعيد وجود كتاب لها.

واكثر من هذا قد يذكر الصدوق في المشيخة طريقا إلى رواية معينة خاصة كالرواية التي تنقل مجئ نفر من اليهود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ان قلت : إذا لم يكن من ابتدأ به الصدوق السند له كتاب فكيف قال جميع ما

__________________

(١) وقد قيل ان من جملة من يختار الرأي المذكور السيد البروجردي قدس‌سره.

٢٦٥

فيه مستخرج من كتب مشهورة؟

قلت : لا غضاضة في التعبير المذكور ، فبالامكان ان نفترض ان ابان بن تغلب يبتدأ الصدوق به السند وليس له كتاب وانما اخذ حديثه من كتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد. وكتاب شيخه وان كان مشهورا ولكن اقصى ما يستلزم ذلك هو عدم الحاجة إلى طريق صحيح بينه وبين كتاب شيخه لا بينه وبين من ابتدأ به السند وهو بيان.

وثانيا : ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يغني عن الحاجة إلى طريق معتبر إذ قد تكون للكتاب نسخ متعددة في بعضها زيادة أو نقيصة أو تحريف ، فان شهرة كتاب والتعويل عليه لا يساوق انتفاء الاحتمالات المذكورة ، فالكافي مثلا في زماننا هذا يصدق عليه انه من الكتب المشهورة التي عليها المعول ولكنه لا يعني ذلك صحة جميع نسخه ومأمونيتها من الزيادة والنقيصة.

ومع التسليم بما ذكرناه نكون بحاجة إلى طريق معتبر يثبت من خلاله صحة النسخة بان يقول الصدوق ان شيخي قد اجازني رواية نسخة معينة من كتاب حريز مثلا ، وشيخة بدوره قد اجازه شيخه أيضا حتى تصل سلسلة اجازات الثقات إلى حريز نفسه. فحريز نفسه لا بدّ قد دفع نسخة معينة من كتابه إلى ثقة واجازه روايتها ، وهو بدوره دفعها إلى ثالث واجازه روايتها وهكذا حتى وصلت إلى الصدوق.

وثالثا : ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يعني التعويل على جميع احاديثه بدون استثناء وانما يعني ان التعويل عليه هو الطابع العام عليه ، فكتاب الكافي

٢٦٦

مثلا يصدق عليه انه من الكتب المشهورة لدى الشيعة والمعول عليها بيد ان ذلك لا يعني صحة جميع احاديثه والعمل بكل واحد منها.

النقطة الرابعة

ان كتاب الفقيه يشتمل على ٥٩٦٣ حديثا على ما قيل. بيد ان قسما كبيرا منها يبلغ ٢٠٥٠ حديثا هو من المراسيل.

ومن هنا تنشأ الحاجة إلى التفكير في طريقة يمكن بها تصحيح المراسيل المذكورة.

وقد ذهب البعض إلى حجيتها وان مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجية والاعتبار.

ويمكن توجيه حجيتها اما ببيان ان الصدوق ذكر في المقدمة انه لا يذكر في كتابه إلّا ما يحكم بصحته ويفتي به ويكون حجة بينه وبين ربه ، او من جهة انه ذكر في المقدمة أيضا ان جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعتمد والمعول.

وكلا البيانين المذكورين قد تقدمت الاشارة إلى مناقشته.

وهناك رأي ذهب اليه غير واحد من الأعلام يفصّل بين ما إذا عبّر الصدوق بكلمة «قال» كأن ذكر هكذا : قال الصادق عليه‌السلام : كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر وبين ما إذا عبّر بكلمة روي ، بان قال : روي عن الصادق : كل ماء ... ، فالأول حجة دون الثاني.

٢٦٧

ومن جملة من اختار التفصيل المذكور السيد الخوئي قدس‌سره في بعض دورات بحثه الاصولي القديمة بتقريب ان الصدوق إذا عبّر بكلمة «قال» دلّ ذلك على جزمه بصحة الحديث وحجيته وإلّا لما عبّر بكلمة «قال» الدالة على جزمه بصدور مضمون الرواية عن الإمام عليه‌السلام (١).

والتأمل في ذلك واضح حيث ان تعبير الصدوق بكلمة «قال» وان دلّ على جزمه بصحة الرواية وحجيتها إلّا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة رجال السند بل قد يكون ذلك لاحتفافها بقرائن توجب العلم بصدقها في نظره دون نظرنا.

ومن هنا تراجع عنه قدس‌سره في الدورات المتأخرة (٢).

__________________

(١) راجع الدراسات : ص ٣٢٢.

(٢) راجع مصباح الاصول ٢ : ٥٢٠.

٢٦٨

تمرينات

س ١ : ما المقصود من المشيخة؟ ولماذا احتاج الشيخ الصدوق إلى ذكر المشيخة في آخر كتابه؟

س ٢ : هناك ظاهرة تختص بالصدوق اشرنا إليها تحت عنوان النقطة الثانية.

أوضحها.

س ٣ : اذكر الوجه الأول الذي يمكن التمسك به لاثبات حجية جميع أحاديث الفقيه بدون حاجة إلى التدقيق في سندها. واذكر مناقشة ذلك.

س ٤ : اذكر الوجه الثاني لذلك مع المناقشة الأولى له.

س ٥ : اذكر المناقشة الثانية للوجه الثاني.

س ٦ : اذكر المناقشة الثالثة للوجه الثاني.

س ٧ : اكثر الصدوق من ذكر الروايات المرسلة في كتابه. وقيل بحجية جميع تلك المراسيل لبيانين. اذكرهما.

س ٨ : هناك تفصيل في حجية مراسيل الصدوق. اذكره مع توجيهه.

س ٩ : كيف نناقش التفصيل المذكور؟

س ١٠ : راجع الحديث ١ من باب ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة. واوضح حال سنده.

٢٦٩

نظرات في التهذيبين

التهذيب والاستبصار هما كتابان للشيخ الطوسي قدس‌سره.

اما كتاب تهذيب الأحكام فقد الّفه شيخ الطائفة كشرح لكتاب استاذه الشيخ المفيد المسمى بالمقنعة.

وقد قام بعملية الشرح والاستدلال في أوائل الكتاب فيذكر عبارة استاذه أولا ما بين قوسين ويقوم بشرحها والاستدلال على ما فيها من أحكام. ولكنه بعد ذلك أخذ بالاقتصار على سرد الأحاديث. وقد نبه على ذلك نفسه في أول المشيخة. وعلل ذلك بخوف استلزام البسط الخروج عن الغرض وصيرورة الكتاب مبتورا غير مستوفى.

وعليه فكتاب التهذيب ليس كتابا حديثيا محضا وانما هو كتاب فقهي استدلالي حديثي.

وقد قيل ان هذا الكتاب الجليل هو أول تأليف لشيخ الطائفة الّفه وعمره آنذاك خمسة أو ستة وعشرون عاما.

والناظر في هذا الكتاب يمكن ان يستفيد ان قسما منه الّفه الشيخ في حياة استاذه المفيد والقسم الباقي منه الّفه بعد وفاة استاذه. فمن أول الكتاب إلى أواخر كتاب الصلاة حينما يريد ان يذكر عبارة شيخه يقول : قال الشيخ أيده الله تعالى

٢٧٠

ولكنه من بعد ذلك الموضع يقول : قال الشيخ رحمه‌الله.

وقد طبع هذا الكتاب اخيرا في النجف الأشرف في عشرة اجزاء.

وقد احصيت مجموع احاديث هذا الكتاب فبلغت (١٣٥٩٠) حديثا على ما ذكر الشيخ النوري (١).

ولصاحب الحدائق قدس‌سره كلمة حول التهذيب تحمل شيئا من القسوة أو المبالغة حيث ذكر في حدائقه (٢) : انه قلما يخلو حديث من أحاديث التهذيب من التحريف أو التصحيف أو الزيارة والنقصان في متنه أو سنده.

واما كتاب الاستبصار فقد الّفه الشيخ الطوسي بسبب تعيير جماعة الشيعة باختلاف احاديثهم وتعارضها فألّف هذا الكتاب وحاول ان يدفع التعارض الذي قد يبدو بين كل خبر وآخر ، فهو موضوع ومؤلف لذكر الأخبار المتعارضة وبيان طريقة الجمع بينها. ومن هنا جاءت تسمية الكتاب بالاستبصار فيما اختلف من الأخبار.

وقد طبع هذا الكتاب اخيرا في النجف الأشرف في أربعة اجزاء.

وقد حصر الشيخ نفسه أحاديث الكتاب المذكور في ٥٥١١ حديثا. ذكر ذلك في آخر الكتاب وقال حصرتها لئلا تقع فيها زيادة أو نقيصة.

وكلامنا حول هذين الكتابين يقع ضمن نقاط.

__________________

(١) راجع مستدرك الوسائل ٣ : ٧٥٧.

(٢) الحدائق الناظرة ٤ : ٢٠٩.

٢٧١

طريقة الشيخ

١ ـ ان طريقة الشيخ في نقل الحديث في هذين الكتابين مختلفة ، فتارة ينقل تمام السند واخرى ينقل بعض السند ، وليس الطابع الغالب عليه نقل تمام السند كما هو في الكافي ولا نقل بعض السند كما هو الحال في الفقيه.

ومن هنا احتاج إلى تأليف المشيخة لتسجيل طرقه إلى من ينقل عنهم الأحاديث لتخرج بذلك من الارسال إلى الاسناد.

والمشيخة المذكورة آخر التهذيب متطابقة غالبا مع مشيخة الاستبصار.

صحة جميع أحاديث الكتابين

٢ ـ ذهب بعض إلى صحة جميع أحاديث التهذيبين. ويمكن توجيه ذلك باحد بيانين : ـ

أ ـ التمسك بما حكي عن الفيض الكاشاني في الوافي عن عدة الاصول للشيخ من انه قال : «ان ما اورده في كتابي الأخبار انما آخذه من الاصول المعتمد عليها». ومع أخذ الأخبار من الكتب المعتمد عليها لا حاجة إلى وجود طريق صحيح بين الشيخ وصاحب الكتاب.

ويرد ذلك : ان العبارة المذكورة لم يتضح ثبوتها في العدة. وعلى تقدير التسليم بثبوتها فيمكن ان يجاب بان كون الأصل معتمدا عليه لا يعني الاعتماد على جميع احاديثه بدون استثناء وانما يعني ان ذلك هو الطابع العام عليه.

ومما يؤكد ان هذا هو المقصود مناقشة الشيخ نفسه في سند مجموعة من

٢٧٢

الأحاديث التي سجلها في كتابه. وإذا لم تكن تلك الأحاديث صحيحة في نظر الشيخ نفسه فكيف يتوقع ان تكون صحيحة عندنا.

ب ـ ما ذكره السيد مصطفى التفريشي على ما نقل عنه صاحب جامع الرواة (١) من ان الشيخ الطوسي صرح في أول المشيخة بان الأحاديث ينقلها من نفس كتب واصول الأصحاب. ثم اضاف إلى ذلك مقدمة ثانية وهي ان تلك الكتب والاصول كانت معروفة ونسبتها إلى اصحابها معلومة ولا شك فيها كنسبة الكتب الأربعة إلى اصحابها يومنا هذا. ومعه فلا نحتاج إلى طريق صحيح بين الشيخ وبين اصحاب تلك الكتب.

ويرد ذلك : ما تقدم سابقا من ان في كلام الشيخ في أول المشيخة قرينة على بطلان دعوى شهرة تلك الكتب بحيث لا يحتاج النقل منها إلى طريق صحيح.

وتلك القرينة قوله اني اذكر الطرق إلى اصحاب الكتب لتخرج الأحاديث التي انقلها من الارسال إلى الاسناد.

هذا مضافا إلى ما تقدم من ان شهرة الكتاب لا تستلزم شهرة جميع نسخه. ولعل بعض النسخ مغلوطة فيحتاج إلى وجود طريق معتبر ليؤمن من الغلط.

على ان لازم الدعوى المذكورة لغوية كتابة الشيخ للمشيخة وصرف قسم من عمره في ذلك ، اللهم إلّا ان يكون غرضه التبرك بايصال سنده إلى الإمام عليه‌السلام بيد انه ضعيف باعتبار ان التبرك لا يحتاج إلى الاكثار من ذكر

__________________

(١) راجع جامع الرواة ٢ : ٤٨.

٢٧٣

الطرق ، كما ولا حاجة إلى تسجيلها في مؤلف بل يكفي الاحتفاظ بها في القلب أو ورقة خاصة.

التعويض عن الطريق الضعيف

٣ ـ ذكر الشيخ في أول المشيخة ان كل من ابتدأ باسمه السند فقد اخذ الحديث من كتابه.

وإذا رجعنا إلى المشيخة للتعرف على الطريق لصاحب الكتاب فقد لا نجد الشيخ يذكر طريقا إليه أو ان طريقه إليه ضعيف.

وفي مثل هذه الحالة يمكن الرجوع إلى الفهرست الذي الّفه لجمع اسماء اصحاب الكتب من الشيعة وبيان طرقه اليهم.

وفي هذا الكتاب يذكر طرقا اكثر مما ذكره في المشيخة ، فلربما يذكر في المشيخة طريقا واحدا إلى صاحب الكتاب بينما في الفهرست يذكر طريقين او ثلاثا بل ربما لا يذكر في المشيخة طريقا إلى شخص ويذكر له طريقا في الفهرست.

وعليه فاذا كان الطريق في المشيخة ضعيفا وكان بعض الطرق المذكورة في الفهرست صحيحا امكن التعويض والاستعانة بالطريق الصحيح المذكور في الفهرست.

والوجه في ذلك : ان الشيخ في الفهرست يعبر عادة عند فراغه من ذكر اسم الشخص وكتبه هكذا : اخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان عن ... وهذا

٢٧٤

التعبير يفهم منه ان كل ما يرويه ببعض تلك الطرق فهو يرويه بالطريق الآخر لا انه يروي بعض رويات الشخص ببعض تلك الطرق والبعض الآخر من رواياته بطريق آخر.

ان الوجه في التعويض بطرق الفهرست واضح على ضوء ما ذكرناه. نعم المشكلة تبقى فيما إذا كانت طرق الفهرست ضعيفة أيضا ، فهل هناك طرق اخرى يمكن الاستعانة بها للتغلب على المشكلة؟

وفيما يلى نذكر قسما من الطرق الجديدة.

٢٧٥

طريقة الشيخ الأردبيلي

للشيخ محمد الأردبيلي ـ الذي هو من احد تلامذة الشيخ المجلسي والمؤلف للكتاب المعروف بجامع الرواة ـ رسالة غير مطبوعة سماها برسالة تصحيح الاسانيد.

وقد ذكر في مقدمة الرسالة المذكورة طريقة للتغلب على ضعف بعض الأسانيد.

وقد سجّل حصيلة تلك الطريقة في الفائدة السابعة من الفوائد التي ذكرها في آخر كتابه جامع الرواة.

والطريقة التي ذكرها ينتابها شيء من الغموض. واوضحها السيد البروجردي بشكل جيد.

ولتوضيحها نذكر المثال التالي : روى الشيخ في التهذيب عدة روايات عن علي بن الحسن الطاطري الذي هو من الثقات الأجلة.

ففي التهذيب ج ٢ حديث ٥٤٩ قال ما نصه : علي بن الحسن الطاطري قال حدثني عبد الله بن وضاح عن سماعة بن مهران قال قال لي ابو عبد الله عليه‌السلام : اياك ان تصلي قبل ان تزول فانك تصلي في وقت العصر خير لك ان تصلي قبل ان تزول.

٢٧٦

وإذا رجعنا إلى المشيخة لمعرفة طريق الشيخ إلى الطاطري وجدناه يقول : «وما ذكرته عن علي بن الحسن الطاطري فقد اخبرني به أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن أبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة عن علي بن الحسن الطاطري».

ان هذه الجملة تدل على ان طريق الشيخ إلى الطاطري يشتمل على ثلاث وسائط : أحمد بن عبدون ، علي بن محمد بن الزبير ، ابي الملك.

وهذه الوسائط الثلاث لم يرد في حقها توثيق فيكون الطريق ضعيفا وبالتالي تكون جميع الروايات المبدوءة بالطاطري ـ والتي تبلغ ٣٤ رواية ـ ضعيفة مطروحة.

والأردبيلي في مقام تصحيح سند هذه الروايات قال : اني راجعت التهذيب في أبواب مختلفة فرأيت في باب الطواف ان الشيخ يذكر أربع روايات بالشكل التالي : موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري عن درست بن أبي منصور عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وجميع هؤلاء الأربعة ثقات.

ثم قام بشيء ثان وهو انه راجع طريق الشيخ إلى موسى بن القاسم فى الفهرست أو المشيخة فوجده صحيحا حيث انه بالشكل التالي : المفيد عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم.

وبهذا نحصل على طريق جديد إلى الطاطري نتيجة ضم الأمر الأول إلى

٢٧٧

الثاني ، وهو بالشكل التالي : المفيد عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفّار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري. وهو طريق معتبر.

ويرد على الطريقة المذكورة إنها تتم على تقدير وجود كتاب الطاطري عند موسى بن القاسم حينما نقل منه الروايات الأربع المذكورة. انه بناء على هذا تكون جميع روايات الطاطري قد وصلت إلى موسى بن القاسم ، وحيث ان للشيخ اليه طريقا معتبرا فتكون جميع روايات الطاطري واصلة لنا بطريق معتبر.

إلّا ان من المحتمل عدم وجود كتاب الطاطري عند موسى بن القاسم وانما كان عنده كتاب الراوي السابق على الطاطري كدرست أو ابن مسكان. فدرست مثلا كان عنده كتاب توجد فيه روايات كثيرة من ضمنها الروايات الأربع السابقة ، ودرست قال للطاطري اجزتك ان تروي كتابي هذا ، والطاطري قال بدوره لموسى بن القاسم اجزتك ان تروي كتاب درست ، وموسى بن القاسم اخذ من كتاب درست الروايات الأربع السابقة وسجلها في كتاب له يجمع فيه الأحاديث.

انه بناء على هذا لا يكون موسى بن القاسم راويا لجميع روايات الطاطري بل يكون راويا لكتاب درست الذي وصل إليه بواسطة الطاطري ، ويصح لموسى ان يقول بناء على هذا حدثني الطاطري عن درست بهذه الروايات الأربع.

٢٧٨

طريقة الشيخ المجلسي

ينسب إلى الشيخ المجلسي في كتابه الأربعين الطريقة التالية : إذا كان طريق الشيخ الطوسي إلى صاحب كتاب ضعيفا فمتى ما كان للشيخ الصدوق إلى صاحب ذلك الكتاب طريق صحيح امكن التعويل على طريق الشيخ الصدوق والتعويض به عن طريق الشيخ الطوسي.

والوجه في ذلك : ان الشيخ الطوسي له طريق صحيح إلى جميع روايات الشيخ الصدوق فانه يروي جميع روايات الشيخ الصدوق بواسطة الشيخ المفيد.

فاذا كان للشيخ الطوسي طريق صحيح إلى جميع روايات الشيخ الصدوق والمفروض ان الشيخ الصدوق له طريق صحيح أيضا إلى روايات صاحب الكتاب الذي ينقل عنه الشيخ الطوسي فيثبت بذلك وجود طريق صحيح للشيخ الطوسي إلى صاحب الكتاب.

فمتى ما روى الشيخ الطوسي رواية عن صاحب الأصل ولم يذكر الشيخ الصدوق تلك الرواية ولكن كان له طريق صحيح إلى صاحب الكتاب امكن التعويض المذكور والحصول على طريق صحيح إلى تلك الرواية.

ويرد ذلك : ان هذا يتم لو فرض اننا لا نحتمل وجود نسختين مختلفتين للكتاب احداهما يرويها الشيخ بطريقة الضعيف والاخرى يرويها الصدوق بطريقه الصحيح. اما مع هذا الاحتمال ـ الذي هو ثابت ولا يمكن نفيه ـ فلا يمكن

٢٧٩

الاستعانة بالطريقة المذكورة لاحتمال ان الحديث الذي يرويه الشيخ الطوسي موجود في نسخته دون نسخة الشيخ الصدوق.

ومما يؤكد احتمال تعدد النسخ ان الشيخ الطوسي ذكر في فهرسته ص ١١٢ في ترجمة العلاء بن رزين ان له كتابا ذا نسخ أربع وله إلى كل نسخة طريقا خاصا يغاير الطريق إلى النسخة الاخرى.

٢٨٠