دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6642-91-8
الصفحات: ٣٤٧

النقطة الأولى

طرق اثبات وثاقة الراوي

هناك عدة طرق لاثبات وثاقة الراوي نذكر من بينها : ـ

١ ـ شهادة المعصوم عليه‌السلام

إذا شهد المعصوم عليه‌السلام بوثاقة شخص فلا اشكال في كون ذلك طريقا لاثبات الوثاقة من قبيل ما ورد في حق زرارة بطريق صحيح ينتهي إلى جميل بن درّاج عن الإمام الصادق عليه‌السلام : بشّر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه. ولو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (١).

أجل ينبغي أن لا يكون الراوي للتوثيق عن الإمام عليه‌السلام نفس الشخص المراد اثبات وثاقته بشهادة الإمام عليه‌السلام وإلّا كان ذلك أشبه بالدور.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٧ : ٢٢٢.

٢١

٢ ـ شهادة أحد الأعلام بالوثاقة

الّف الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن العبّاس المعروف بالنجاشي ـ المعاصر للشيخ الطوسي وزميله في بعض الدروس ـ كتابه المعروف بفهرست مصنفي الشيعة. وقد جمع فيه من له كتاب مع الإشارة في الغالب إلى كونه ثقة أو ضعيفا.

وهكذا قام الشيخ الطوسي بتأليف كتابين احدهما باسم الفهرست وثانيهما باسم رجال الشيخ الطوسي. وقد ذكر فيهما احيانا توثيق أو تضعيف بعض الرواة.

كما وقام الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي ـ والذي يعدّ في طبقة الشيخ الكليني ـ بتأليف كتابه المعروف برجال الكشي. وقد تصدى فيه لجمع الروايات الواردة في حقّ بعض الرواة من دون ان يتصدى في الغالب وبصورة مباشرة لتضعيف أو توثيق الرواة.

ان شهادة أحد هؤلاء الثلاثة بوثاقة راو معين طريق لاثبات ذلك بدليل انعقاد السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة في جميع المجالات التي احدها مجال التوثيق ، وحيث ان هذه السيرة لم يثبت الردع عنها فهي ممضاة شرعا (١).

وتكفي شهادة الواحد ولا يلزم التعدد لانعقاد السيرة المتقدمة على الاكتفاء بالواحد.

وهل شهادة بعض اعلامنا المتأخرين بالوثاقة ـ كالعلّامة الحلي وابن طاووس والشهيد الثاني وابن داود ـ طريق لذلك؟ فيه خلاف نتعرض له في القسم الثاني ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) ويأتي في النقطة الثالثة وجوه أخرى لبيان مدرك حجية قول الرجالي.

٢٢

٣ ـ الاجماع على الوثاقة

هناك بعض الرواة لم ينصّ النجاشي وغيره على وثاقته ولكنه من احد الأفراد الذين ادعى الكشي اجماع الشيعة على قبول روايتهم.

فمثلا أبان بن عثمان المعروف بأبان الأحمر لم يشهد النجاشي وغيره بوثاقته إلّا انه احد الرواة الستة من أصحاب الصادق عليه‌السلام الذين ادعى الكشي الاجماع على تصديقهم حيث قال ما نصه : «اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه : جميل بن دراج وعبد الله ابن بكير وحماد بن عثمان وحماد بن عيسى وأبان ابن عثمان» (١).

وتوجيه حجية الاجماع المذكور في اثبات الوثاقة : ان الكشي إذا كان مصيبا في دعواه الاجماع ، وكان هناك اجماع حقا على الوثاقة فذلك هو المطلوب ، وإذا لم يكن مصيبا فى ذلك ولم يكن الاجماع متحققا واقعا فيكفينا في اثبات الوثاقة شهادة الكشي الضمنية والمستبطنة ، فان دعواه الاجماع تستبطن وتتضمن شهادته بوثاقة الستة ، وذلك يكفي في اثبات الوثاقة.

٤ ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام

الوكالة قد تكون على مستوى الممثلية العامة وفي جميع المجالات وقد تكون في مجال خاص معين.

والأولى هي ما يعبر عنها بالسفارة ، ولا اشكال في دلالتها على الوثاقة بل على ما هو أعلى منها من سموّ المنزلة ورفعة المقام.

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٧٠٥.

٢٣

وانما الكلام في دلالة الثانية على الوثاقة فقد انكر ذلك جماعة منهم السيد الخوئي قدس‌سره بحجة اننا نرى كثيرا من الوكلاء قد صدر من الأئمة عليهم‌السلام ذمّهم. وقد عقد الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة بابا خاصا بالوكلاء المذمومين (١).

والصحيح دلالة الوكالة على الوثاقة لانعقاد السيرة العقلائية على عدم ايكال العاقل أيّ أمر من اموره إلى غير الثقة وخصوصا الإمام عليه‌السلام ، فان غير الثقة قد ينسب إلى مقام الإمامة شيئا هو منه براء الأمر الذي قد يشكّل خطرا على بعض جوانبها.

وإذا قيل كيف يفسر إذن الذمّ الصادر في حق بعض الوكلاء؟

كان الجواب : ان ذلك صادر بعد توكيلهم وليس قبل ذلك.

ولا يخفى انه لو قبلنا دلالة الوكالة على التوثيق فسوف نخرج بوثاقة جملة من الرواة الذين يعدّون في صف المجاهيل أو الضّعاف نذكر من بينهم علي بن أبي حمزة البطائي فانه من وكلاء الإمام الكاظم عليه‌السلام والقوّام على أمواله. وقد اختلف الأعلام في شأنه فإذا قلنا بدلالة الوكالة على الوثاقة أمكن الحكم بوثاقته استنادا إلى ذلك وسوف نصحح مجموعة كبيرة من الروايات التي وقع البطائني في سندها حيث انه وقع في اسناد كثير من الروايات.

٥ ـ رواية الثقة

ذهب الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك إلى ان الثقة إذا روى عن شخص كان ذلك دليلا على وثاقته.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٧٥.

٢٤

والصحيح عدم الدلالة إذ ما أكثر رواية الثقات عن غير الثقات. ولو كانت رواية الثقة عن شخص دليلا على وثاقته لزم وثاقة أغلب الرواة أو كلهم لأن الشيخ الطوسي رحمه‌الله ثقة فلو روى عن شخص كان ذلك الشخص ثقة ، وإذا روى الشخص المذكور عن ثالث كان الثالث ثقة أيضا ، وهكذا.

أجل إذا اكثر أجلّاء الثقات وكبّارهم الرواية عن شخص فلا يبعد كونها دليلا على الوثاقة لعدم إكثار العاقل الرواية عن شخص لا يعتقد بوثاقته ، انه اتلاف لوقته بلا مبرر لعدم الفائدة في تجميع روايات عن الضعاف.

وإذا قبلنا هذا الرأي فسوف نخرج بنتائج مهمّة نذكر من بينها على سبيل المثال توثيق محمد بن اسماعيل ، فان الكليني قد أكثر في الكافي الرواية عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان. وقد قيل إنه مجهول الحال فتسقط رواياته الكثيرة المذكورة عن الاعتبار ، بينما بناء على ما تقدم يمكن الحكم بوثاقته وان لم يمكنّا تشخيصه على سبيل التفصيل ، وبذلك سوف ترتفع مجموعة كبيرة من الروايات إلى مستوى الحجية.

٦ ـ شيخوخة الاجازة

أخذ الرواية من شخص له صور متعددة ، فتارة يسمع التلميذ الرواية من الاستاذ ، واخرى يقرأ الاستاذ الرواية على التلميذ ، وثالثة يجيز الاستاذ التلميذ بان يدفع له الكتاب الذي سجل فيه الروايات وجمعها فيه ويقول له اجزتك في نقل الروايات الموجودة فيه عنّي.

ويصطلح على الشكل الثالث بتحمل الرواية بنحو الاجازة. كما ويصطلح على صاحب الكتاب الذي صدرت الاجازة منه بشيخ الاجازة.

٢٥

وقد اختلف في أنّ شيخوخة الاجازة هل تكفي لاثبات الوثاقة أو لا؟

والبحث عن النقطة المذكورة مهمّ لأن كثيرا من الاصول الحديثية التي ألف منها التهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه قد وصلت إلى الشيخ الصدوق والطوسي قدس‌سره بواسطة اشخاص لم يرد في حقهم توثيق خاص غايته هم من مشايخ الاجازة كأحمد بن عبدون وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد ابن محمد بن يحيى و ...

ولعل المعروف لدى القدماء كفاية شيخوخة الاجازة لاثبات الوثاقة خلافا لآخرين منهم السيد الخوئي فاختاروا عدم كفاية ذلك.

ويمكن ان يستدل لعدم كفاية ذلك بان فائدة الاجازة ليست إلّا ان الشيخ المفيد مثلا سوف يحق له بسبب الاجازة ان يقول اخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد بهذه الأخبار الموجودة في الكتاب الذي اجازني روايته وكأنه يصير قد سمع الرواية منه.

وحيث ان سماع الثقة الرواية عن شخص ونقلها عنه لا يدل على وثاقته فلا يمكن ان تكون شيخوخة الاجازة دليلا على الوثاقة.

٢٦

تطبيقات

تطبيق (٢)

قال الحر العاملي في وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الوضوء حديث ١ ما نصه :

١ ـ «محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا صلاة إلّا بطهور».

وللتعرّف على حال السند المذكور لا بدّ أولا من مراجعة سند الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد ، وذلك بملاحظة مشيخة التهذيب ج ١٠ ص ٦٣ فانه قال : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسين بن سعيد فقد اخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (١) والحسين بن عبيد الله وأحمد ابن عبدون كلهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد.

وأخبرني به أيضا أبو الحسين بن أبي جيد القمي عن محمد بن الحسن ابن الوليد عن الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد».

__________________

(١) وهو الشيخ المفيد قدس‌سره. واما الحسين بن عبيد الله فهو المعروف بالغضائري الثقة الجليل استاذ الشيخ الطوسي. واما أحمد بن عبدون فلم يرد في حقه توثيق خاص. أجل يمكن توثيقه اما من باب كونه من مشايخ الاجازة أو من باب كونه شيخا للنجاشي بناء على وثاقة جميع مشايخ النجاشي على ما يأتي ان شاء الله تعالى. ولكن الأمر من ناحيته سهل لأنه يكفينا وثاقة أحد الثلاثة.

٢٧

ان هذه العبارة تدل على وجود طريقين إلى الحسين بن سعيد كلاهما ينتهي إلى محمد بن الحسن بن الوليد ـ وهما : ـ

أ ـ المفيد عن أحمد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد.

ب ـ ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد.

ومحمد بن الحسن بن الوليد ينقل عن الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد.

وكلا الطريقين قد يتأمل فيه.

أما الأوّل : فمن ناحية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فانه لم يرد في حقه توثيق خاص.

أجل بناء على كفاية شيخوخة الإجازة في ثبوت التوثيق يمكن الحكم بوثاقته من الناحية المذكورة.

وأما الثاني : فمن ناحية ابن أبي جيد فانه لم يرد في حقه توثيق خاص أيضا.

أجل هو من شيوخ الإجازة وشيخ للنجاشي فبناء على وثاقة جميع مشايخ الإجازة أو وثاقة جميع مشايخ النجاشي ـ لبيان يأتي عند البحث عن التوثيقات العامة ان شاء الله تعالى ـ تثبت وثاقته.

وإذا غضضنا النظر عن كل هذا فتاتي المشكلة من ناحية الحسين بن الحسن ابن ابان فانه لم تثبت وثاقته.

٢٨

وبالجملة ان ثبت صحة الطريقين المذكورين أو احدهما فذاك هو المطلوب وإلّا رجعنا إلى فهرست الشيخ الطوسي فانه يذكر فيه طرقا أكثر. ففي ص ٥٨ يذكر طريقا جديدا وهو : «اخبرنا بها عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل عن سعد ابن عبد الله والحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد».

والطريق المذكور صحيح لأن العدة من أصحابنا تمثل ما لا يقل عن ثلاثة ولا نحتمل اجتماع ثلاثة من مشايخ الطوسي على الكذب.

واما محمد بن علي بن الحسين فهو الصدوق الثقة الجليل.

وهو ينقل عن ثلاثة اشخاص هم : والده ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل ويكفينا وثاقة أحدهم. ومن باب الاتفاق اثنان منهم هم من الثقات العظام وهما والده ومحمد بن الحسن بن الوليد.

واما سعد والحميري فكلاهما من الثقات الأجلة وان كان يكفينا وثاقة أحدهما.

واما أحمد بن محمد بن عيسى فقد تقدم انه الأشعري الثقة.

والنتيجة التي نخرج بها ان طريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد يمكن تصحيحه.

يبقى أن نلاحظ أفراد السند من الحسين بن سعيد إلى الإمام عليه‌السلام.

اما الحسين بن سعيد فهو الأهوازي صاحب الكتب الكثيرة. قال عنه الشيخ في الفهرست ص ٥٨ : ثقة.

٢٩

واما حماد بن عيسى فقد قال عنه النجاشي : «كان ثقة في حديثه صدوقا» (١).

واما حريز فقد قال عنه الشيخ : «ثقة كوفي» (٢).

واما زرارة فيكفينا تقريظ الإمام الصادق عليه‌السلام له : «بشر المخبتين بالجنة :

بريد بن معاوية العجلي وابا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه. لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست» (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٦ : ٢٢٤.

(٢) المصدر السابق ٤ : ٢٤٩.

(٣) المصدر السابق ٧ : ٢٢٢.

٣٠

تمرينات

س ١ : استنباط الفقيه لحكم من رواية معينة يحتاج إلى اثبات أربعة أمور.

أذكرها مع بيان وجه الحاجة إلى كل واحد منها.

س ٢ : هل يجوز التقليد في المطالب الرجالية؟ ولماذا؟

س ٣ : إذا قيل لا نحتاج إلى دراسة علم بعنوان علم الرجال أو بالأحرى القواعد الرجالية بل يكفينا للتعرف على اسناد الروايات ملاحظة كلمات الشيخ والنجاشي فمع توثيقهما لرجال السند يحكم بصحته وإلّا فلا. ان مثل هذا الكلام كيف تدفعه؟

س ٤ : اذكر مثالا لشهادة المعصوم عليه‌السلام التي يستفاد منها وثاقة الراوي.

س ٥ : شهادة المعصوم عليه‌السلام حجة في اثبات الوثاقة بشرط. اذكر ذلك الشرط وأوضح الوجه في اشتراطه.

س ٦ : اذكر ثلاثة من أعلام الرجاليين الذين يمكن الاستناد إلى شهادتهم بالوثاقة.

س ٧ : اذكر الوجه في حجية قول الرجال وشهادته بالوثاقة.

س ٨ : لماذا تكفي شهادة الواحد بالوثاقة بلا حاجة إلى تعدد؟

س ٩ : الاجماع على الوثاقة طريق لاثبات الوثاقة. اذكر مثالا يوضح ذلك.

س ١٠ : ذكرنا توجيها لحجية الاجماع على الوثاقة. أوضح ذلك التوجيه.

٣١

س ١١ : الوكالة عن الإمام عليه‌السلام على قسمين. أوضح الفرق بينهما.

س ١٢ : أي القسمين من الوكالة وقع البحث في دلالته على الوثاقة؟

س ١٣ : هل توكيل الإمام عليه‌السلام شخصا يدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٤ : إذا كانت الوكالة دليلا على الوثاقة فكيف نفسر الذم الصادر في حق بعض الرواة؟

س ١٥ : بناء على دلالة الوكالة على الوثاقة سوف يثبت وثاقة بعض الرواة.

اذكر مثالا لذلك.

س ١٦ : هل رواية الثقة عن شخص تدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٧ : هل اكثار أجلاء الثقات الرواية عن شخص تدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٨ : بناء على دلالة اكثار الرواية عن شخص على وثاقته سوف نخرج بنتائج مهمة. اذكر مثالا لذلك.

س ١٩ :ما المقصود من تحمل الرواية بنحو الاجازة؟ وما المقصود من شيخ الاجازة؟

س ٢٠ : لماذا كان البحث عن كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة مهما؟

س ٢١ : هل يرى القدماء كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة؟

س ٢٢ : كيف يستدل لعدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة؟

س ٢٣ : هل سند الحديث الذي ذكره الحرّ العاملي في وسائل الشيعة باب ٦ من أبواب الوضوء ح ١ صحيح؟ أوضح ذلك.

٣٢

النقطة الثانية

التوثيقات العامة

التوثيق إذا تعلق بشخص معين أو اشخاص معينين فهو توثيق خاص ، وإذا تعلق بعنوان كلي فهو توثيق عام.

ومثال التوثيق الخاص واضح فان توثيقات الشيخ والنجاشي خاصة عادة.

ومثال التوثيق العام توثيق القمي لجميع من ذكر اسمه في تفسيره كما سنوضح.

والتوثيقات العامة لها أمثلة كثيرة نذكر منها :

١ ـ توثيق رواة تفسير القمي

تفسير القمي تفسير روائي للقرآن الكريم طبع مؤخرا في النجف الأشرف في جزئين. مؤلفه علي بن إبراهيم القمي المتوفى سنة ٢١٧ ه‍. وهو من مشايخ الشيخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه في الكافي.

٣٣

وللكتاب المذكور مقدمة طويلة ذكر ضمنها العبارة التالية : «ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ...».

وقد استفاد جمع من الأعلام من العبارة المذكورة وثاقة جميع أفراد سند روايات الكتاب المذكور.

ومن جملة هؤلاء السيد الخوئي.

وقد دفع قدس‌سره احتمال كون مقصود القمي توثيق خصوص مشايخه المباشريين بان القمي بصدد اثبات صحة تفسيره ، وهو يتوقف على توثيق كل من ورد فيه لا خصوص من يروي عنه بالمباشرة.

وعلى ضوء ذلك حكم بان كل من ورد في التفسير المذكور هو ثقة ما لم يضعف من قبل النجاشي أو غيره فيسقط التوثيق عن الاعتبار لأن شرط قبول التوثيق عدم المعارضة بالجرح كما هو واضح.

ثم انه بناء على استفادة التوثيق العام المذكور يصبح ٢٦٠ راويا من الثقات بعد ما كانوا من المجاهيل.

ويردّ ذلك : ان النسخة الأصلية للكتاب المذكور ليست بايدينا ، والمطبوع المتداول بايدينا لا نجزم بكونه بكامله تفسير القمي بل هناك بعض القرائن التي تشير إلى كونه خليطا من تفسير القمي وغيره ، فقد ورد فيه في موارد عديدة التعابير التالية : «رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم» أو «رجع إلى رواية علي بن إبراهيم» أو «رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم» أو ...

٣٤

ومعه فيحصل علم اجمالي بكونه خليطا من تفسير القمي وغيره ، وحيث لا يمكن التمييز فيسقط جميعه عن الاعتبار.

٢ ـ رواة كامل الزيارة

كامل الزيارة كتاب مؤلف لجمع الزيارات للثقة الجليل جعفر بن محمد بن قولويه الذي هو من اعلامنا المتقدمين.

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل لكتابه مقدمة صغيرة ذكر ضمنها العبارة التالية : «وقد علمنا بانا لا يخيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم‌الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال».

وقد فهم منها صاحب الوسائل كون ابن قولويه بصدد توثيق جميع مشايخه المباشريين وغيرهم.

ووافقه على ذلك السيد الخوئي في رأيه السابق حيث اختار ان كل من ورد في اسانيد الكتاب المذكور ثقة إلّا إذا عورض بتضعيف من قبل آخرين طبقا للضابط الكلي في كل توثيق حيث يؤخذ به بشرط عدم المعارضة بتضعيف.

وبناء على هذا سوف تثبت وثاقة ٣٨٨ راويا على ما قيل.

ويرد ذلك : ان القدر المتيقن من العبارة السابقة إرادة ابن قولويه لتوثيق خصوص من يروي عنه بالمباشرة دون الجميع كما التزم بذلك نفس السيد الخوئي بعد تراجعه في أواخر عمره الشريف عن رأيه السابق.

٣٥

٣ ـ مشايخ النجاشي

اختار جمع من الأعلام وثاقة جميع مشايخ النجاشي لما يظهر منه في ترجمة غير واحد من التزامه بعدم الرواية عن غير الثقة.

ففي ترجمة الجوهري ذكر : «رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا وتجنبته ...».

وفي ترجمة ابن البهلول يقول : «وكان في أول امره ثبتا ثم خلط ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... ورأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه».

وإذا قيل : ما فائدة ثبوت وثاقة مشايخ النجاشي بعد عدم وجود كتاب روائي له.

كان الجواب : ان الفائدة تظهر بلحاظ روايات التهذيب والاستبصار فان الشيخ الطوسي ذكر ان جملة من اصول الاصحاب قد وصلته بواسطة أحمد بن عبدون أو ابن أبي جيد ، وهذان لم يرد في حقهما توثيق خاص بيد انهما من مشايخ النجاشي فبناء على ثبوت وثاقة مشايخ النجاشي تثبت وثاقتهما وتكون الروايات الواصلة بتوسطهما حجة.

٤ ـ وقوع بني فضال في السند

بنو فضال ـ وهم الحسن بن علي بن فضّال ، وأحمد بن الحسن بن علي ابن فضّال ، وعلي بن الحسن بن علي بن فضّال ـ جماعة من الفطحية.

والفطحية فرقة تقول بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٣٦

ولكثرة احاديثهم وفساد عقيدتهم وجّه بعض الشيعة سؤالا إلى الإمام العسكري عليه‌السلام عن الموقف الذي ينبغى اتخاذه اتجاه تلك الأحاديث فاجاب عليه‌السلام : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (١).

ولأجل هذه الرواية اختار جمع من الأعلام منهم الشيخ الأنصاري ان الرواية متى ما ورد في سندها بعض بني فضال فهي حجة ويعمل بها حتى لو اشتملت على بعض الضعفاء بين بني فضّال والإمام عليه‌السلام.

وقد رفض هذا الرأي كثير من الأعلام بدعوى ان مقصود الرواية بيان ان فساد العقيدة لا يمنع من الأخذ بالرواية فهي في صدد بيان نفي المحذور من جهة بني فضّال لا أكثر.

٥ ـ رواية أحد الثلاثة

قيل بان أحد الثلاثة ـ محمد بن أبي عمير وصفوان والبزنطي ـ إذا روى عن شخص كان ذلك دليلا على وثقاته.

واستند في ذلك إلى عبارة الشيخ الطوسي في كتابه عدة الاصول : «سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد ابن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم».

ومن هنا قال المشهور ان مراسيل ابن أبي عمير ـ وهكذا صفوان والبنزنطي ـ كمسانيده.

__________________

(١) وسائل الشيعة / باب ١١ من أبواب صفات القاضي حديث ١٣.

٣٧

ورفض السيد الخوئي الرأي المذكور ـ بالرغم من كونه هو المشهور ـ بحجة ان عدم رواية هؤلاء إلّا عن ثقة قضية لا يمكن الإطلاع عليها إلّا من قبل نفس الثلاثة ، وهم لم يصرحوا بذلك وإلّا لنقل عنهم انهم قالوا انّا لا نروي إلّا عن الثّقات.

وعليه فيلزم ان تكون نسبة الشيخ التسوية إلى الأصحاب قد استند فيها إلى حدسه واجتهاده وليس إلى حسه.

ومما يؤيد ذلك عدم معروفية الدعوى المذكور لدى قدماء الاصحاب غير الشيخ الطوسي وليس منها عين ولا أثر في كلماتهم.

توثيقات عامة أخرى

والتوثيقات العامة لا تنحصر فيما ذكرناه فهناك أمثلة أخرى لها نعرض عنها خوف الاطالة.

٣٨

النقطة الثالثة

مدرك حجية قول الرجالي

عرفنا فيما تقدم وجود عدة طرق لاثبات الوثاقة وكان العمدة منها توثيق الرجالي.

وفي هذا البحث نريد التعرف على مدرك حجية قول الرجالي. وفيما يلي نذكر الوجوه التالية : ـ

١ ـ ان يكون ذلك من باب الشهادة ، فكما ان الأخبار لدى الحاكم بان الدار الفلانية لزيد شهادة ويكون ذلك حجة من باب حجية الشهادة كذلك إخبار الرجالي بوثاقة الراوي شهادة ويكون حجة من باب حجية الشهادة.

وأورد على ذلك : باب لازمه عدم قبول شهادة مثل النجاشي والشيخ الطوسي بالوثاقة لأن شرط قبول شهادة الشاهد كونه حيا وليس بميت.

كما وانه يلزم عدم قبول شهادة كل واحد منهما إذا كان منفردا لأن شرط قبول الشهادة تعدد الشاهد وكونه اثنين.

٣٩

كما وانه يلزم عدم قبول توثيق غير الإمامي الاثنى عشري لأن شرط قبول شهادة الشاهد عدالته ولا تكفي وثاقته. وعليه يلزم رفض توثيقات بني فضّال التي ينقل الكشي بعضها لأنهم فطحية ، وذلك بعيد.

٢ ـ ان يكون ذلك من باب حجية قول أهل الخبرة ، فكما ان قول الدلال الذي يحدد قيم الاشياء حجة من باب كونه من أهل الخبرة فكذلك إخبار النجاشي مثلا بوثاقة الرواة حجة من الجهة المذكورة.

٣ ـ ان يكون ذلك من باب حجية خبر الثقة بتقريب ان سيرة العقلاء قد جرت على التمسك بخبر الثقة في جميع المجالات. وهي حجة ما لم يثبت الردع عنها في مورد خاص ، كما هو الحال في الزنا فانه قد دلّ الدليل على عدم ثبوته إلّا باربعة شهود ، وكما في السرقة حيث دلّ الدليل على عدم ثبوتها إلّا بشاهدين.

وبناء على هذا الرأي لا يشترط في الموثق العدالة بل يكفي كونه ثقة متحرزا عن الكذب. كما ولا يشترط التعدد بل يكفي إخبار الواحد. كما ولا تشترط حياته بل يكفي إخباره حال الحياة لبقاء حجيته بعد الوفاة.

كل ذلك من جهة انعقاد السيرة العقلائية على التمسك بخبر الثقة في جميع الحالات المذكورة.

٤٠