دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6642-91-8
الصفحات: ٣٤٧

الحسين بن أحمد بن عبيد النيسابوري المرواني كان ناصبيا ولم يلق انصب منه ، وبلغ من نصبه انه كان يقول اللهم صل على محمد فردا ويمتنع من الصلاة على آله الطيبين الطاهرين.

كان الجواب : ان هذا يدل على فساد العقيدة ، وهو لا يتنافى والوثاقة.

على ان ما ذكرناه من الاستبعاد مختص بمشايخ الاجازة الذين هم من الخاصة دون ما إذا كانوا من العامة فان الاجلاء قد يأخذون الاجازة من العامة لبعض الأغراض الخاصة كما ينقل عن الشهيد الأول رحمه‌الله حيث قيل بان له اجازات كثيرة من العامة.

واذا قلت : اذا كانت الشيخوخة كافيه في اثبات الوثاقة فلماذا لم ينص الشيخ والنجاشي على وثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وامثاله. ان عدم التنصيص على وثاقتهم يدل على عدم ثبوتها عندهما.

قلت : اجاب السيد البروجردي عن ذلك بان الكتب الرجالية هي : رجال النجاشي ، ورجال الكشي ، ورجال الشيخ.

اما رجال النجاشي فهو موضوع لاستقصاء اصحاب الكتب ، ولعل أحمد ابن محمد وامثاله ليس لهم كتب.

واما رجال الكشي فلانه موضوع لذكر من توجد رواية في حقه ، وهؤلاء ليس في حقهم رواية.

واما رجال الشيخ فالظاهر انه كان بصورة المسودة وكان غرض الشيخ

١٦١

الرجوع اليه ثانيا لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه كما يشهد لذلك اقتصاره في بعض الرواة على مجرد ذكر اسمه واسم أبيه من دون تعرض لبيان حاله أكثر من ذلك. وكذا ذكره لبعض الرواة مكررا وغير ذلك مما يوجب الظن بعدم بلوغ الكتاب إلى مستواه المطلوب ، وما ذاك إلّا لكثرة اشتغال الشيخ بكثرة التأليف والتصنيف بحيث لو قسمت مدة حياته على تأليفاته لا يقع مقابل كتابة رجاله إلّا ساعات معدودة (١).

مسلك السيد بحر العلوم وجماعة

وتغلبا على مشكلة مشايخ الاجازة ـ بناء على عدم كفاية الشيخوخة في اثبات الوثاقة ـ سلك السيد بحر العلوم وجماعة مسلكا آخر ، فقد ذكر ـ بحر العلوم ـ في رجاله عند البحث عن سهل بن زياد ج ٣ ص ٢٥ : ان الرواية التي يشتمل سندها على احد مشايخ الاجازة صحيحة وحجة ولكن لا من جهة ان شيخوخة الاجازة تكشف عن الوثاقة بل من جهة ان الكتب المأخوذ منها الرواية معلومة ومتواترة كتواتر الكتب الأربعة في زماننا هذا ، فكما ان الكتب الأربعة في زماننا معلومة النسبة إلى مؤلفيها ولا يحتاج اخذ الرواية منها إلى وجود طريق معتبر اللهم إلّا من باب التبرك والتيمن فكذلك الحال في الاصول المأخوذ منها الروايات في ذلك الزمان هي معلومة النسبة إلى اصحابها ولا يحتاج أخذ الرواية منها إلى طريق صحيح ، ومعه فلا يضر وجود احد مشايخ الاجازة أو غيرهم ممن لم يوثق في الطريق مادام المقصود من الطريق التبرك والتيمن لا أكثر.

__________________

(١) نهاية التقرير ٢ : ٢٧٠.

١٦٢

واضاف قدس‌سره قائلا : وينبه على ذلك طريقة الشيخ طاب ثراه ، فانه ربما يذكر تمام السند كما هو عادة القدماء وربما يسقط المشايخ ويقتصر على ايراد الروايات ، وليس ذلك إلّا لعدم اختلاف حال السند بذكر المشايخ واهمالهم.

وقد اشار الشيخ النوري في مستدركه ج ٣ ص ٣٧٣ في أول الفائدة الثالثة إلى هذه الطريقة ونسبها إلى الشهيد الثاني وغيره.

وممن اختارها الحر العاملي في وسائل الشيعة في أول الفائدة الخامسة. وذكر في الفائدة التاسعة بعض القرائن الدالة على صحة الكتب المأخوذ منها الروايات وتواترها وانهاها إلى اثنتين وعشرين قرينة.

ولربما تظهر أيضا من الشيخ التستري رحمه‌الله في قاموس رجاله فراجع.

ونحن سوف نتعرض ان شاء الله تعالى إلى هذه الطريقة في موضع ثان مناسب وكيفية مناقشتها إلّا انه مؤقتا نقول : ان نفس السيد بحر العلوم في ج ٤ ص ٤٧ عند تعرضه لبعض الفوائد ذكر ان تلك الكتب ليست متواترة واقام بعض الشواهد على ذلك ، ومعه تبقى الحاجة إلى سند صحيح على حالها.

٨ ـ الوقوع في سند محكوم عليه بالصحة

إذا كان لدينا سند إلى كتاب أو راو معين وحكم عليه بعض الأعلام الذين يقبل قولهم في التوثيق بالصحة وفرض ان احد الرواة الواردين في ذلك السند لم ينص عليه بتوثيق أو تضعيف فهل يحكم على ذلك الراوي بالوثاقة بسبب الحكم بالصحة على السند الذي هو واقع فيه؟

١٦٣

ذهب البعض إلى ذلك ، أي إلى استكشاف وثاقة ذلك الرجل من الحكم بصحة السند الذي وقع فيه.

وعلى سبيل المثال ينقل عن محمد بن الحسن بن الوليد ـ الذي هو استاذ الصدوق ومن الوجهاء والأعاظم ـ انه حكم بصحة الروايات المنقولة عن محمد ابن أحمد بن يحيى ـ الذي هو من الأجلاء أيضا ـ بأي سند كان إلّا بعض الروايات الخاصة الواردة باسانيد معينة.

انه بناء على المسلك المذكور القائل باستكشاف الوثاقة من الحكم بصحة السند يلزم الحكم بوثاقة جميع الأشخاص الذين وقعوا في سند الروايات المنقولة عن محمد بن أحمد بن يحيى فيما إذا لم يكونوا ممن استثنوا.

وقد يورد على ذلك بان الحكم بصحة الرواية لدى الأعلام المتقدمين يعني العمل بها ، وواضح ان العمل برواية معينة كما يمكن ان يكون لأجل كون رواتها من الثقات كذلك يمكن ان يكون لأجل اعتقاد العامل بها احتفافها ببعض القرائن الخاصة. ومن المحتمل ان تلك القرائن لو اطلعتا عليها لم تكن معتبرة في نظرنا.

والصحيح ان هذا الايراد غير تام ـ في المثال المتقدم وان كان وجيها في غيره ـ بقرينة ان ابن الوليد لم يستثن رويات معينة ، وانما استثنى اشخاصا معينين ، فهو لم يقل اني أعمل بجميع روايات محمد بن احمد يحيى إلّا هذه الرواية أو تلك ، وانما قال إلّا روايات فلان وفلان ، فلو كان عمله بالروايات التي لم يستثن أصحابها وليد القرائن لكان المناسب استثناء الروايات لأنها المحفوفة بالقرائن دون نفس الاشخاص.

١٦٤

واورد السيد الخوئي على هذا الطريق بان حكم ابن الوليد بصحة طريق لا يدل على وثاقة رواته ، إذ لعله اعتمد على اصالة العدالة واعتقد بحجية كل رواية يرويها مؤمن ولم يظهر منه فسق (١).

وقد يدفع الايراد المذكور بان هذا الاحتمال لئن كان موجودا في كلام ابن الوليد لكنه ليس بموجود في كلام ابن نوح.

توضيح ذلك : ان النجاشي قال في فهرسته في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى : وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني وما رواه عن رجل أو يقول بعض اصحابنا أو عن محمد بن يحيى المعاذي ... أو عن محمد بن عيسى بن عبيد ... ثم اضاف قائلا ما نصه :

«قال أبو العباس بن نوح (٢) : وقد اصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن الوليد في ذلك كله ، وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه‌الله على ذلك إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه ، لأنه كان على ظاهر العدالة والوثاقة».

ان كلام ابن نوح يدل على شهادته بعدالة جميع من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بما في ذلك محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال : «لأنه كان على

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٧٤.

(٢) قال النجاشي في حقه : «أحمد بن نوح بن علي بن العباس بن نوح السيرافي ـ نزيل البصرة ـ كان ثقة في حديثه متقنا لما يرويه فقيها بصيرا بالحديث والرواية ، وهو استاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه».

١٦٥

ظاهر العدالة والوثاقة» فلو كان المدار عند ابن نوح على أصالة العدالة لكان من المناسب ان يقول لأنه لم يثبت ضعفه ، ولم تكن حاجة إلى التعليل بقوله لأنه كان ...

هذا مضافا إلى انه لو كان يعتمد على اصالة العدالة لكان من المناسب الحكم بعدالة البقية أيضا لأن عدم كونهم على ظاهر العدالة لا يمنع من الحكم بعدالتهم من باب الاعتماد على اصالة العدالة.

والصحيح بطلان كلا البيانين.

اما الأول فلانه كما يصح التعليل بانه لم يثبت ضعفه كذلك يصح بانه على ظاهر العدالة ، فانه مع وجود تعليل أقوى لا وجه للمصير إلى الأضعف.

واما الثاني فلان دعوى ان محمد بن عيسى كان على ظاهر العدالة لا يدل على ان غيره من افراد المستثنى لم يكن على ظاهر الفسق بل لعله كان على ظاهر الفسق أيضا ، ولذا لم يجر فيهم أصالة العدالة.

طرق اخرى لاثبات الوثاقة

هذه ثمانى طرق ادعيت لاثبات الوثاقة. وقد اتضح عدم تمامية الثالث والسادس والثامن منها.

وهناك طرق اخرى ـ من قبيل ذكر طريق إلى شخص في مشيخة الصدوق أو الترحم عليه بلسان رحمه‌الله أو مصاحبة المعصوم عليه‌السلام أو تأليف كتاب أو اصل ونحو ذلك ـ نعرض عنها لعدم حجيتها وخوف الاطالة.

١٦٦

والذي نلفت النظر إليه هو وجود طرق اخرى لا يمكن حصرها في ضابط معين من قبيل استفادة توثيق إبراهيم بن هاشم من خلال نشره لحديث الكوفيين باعتبار ان الشخص الذي لم يعرف بالوثاقة لا تقبل منه الأحاديث وبالتالي لا يمكنه نقل أحاديث مدرسة إلى مدرسة ثانية.

ومن قبيل توثيق السكوني بواسطة دعوى الشيخ في العدة عمل الطائفة برواياته ، فقد ذكر في مبحث حجية الخبر ان انحراف الراوي في عقيدته لا يضر في الأخذ برواياته ، واستشهد على ذلك بقوله : ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم‌السلام (١).

ومن قبيل توثيق النوفلي ـ الملازم في روايته عادة للسكوني ـ فان المعروف بين الأعلام عدم قبول روايته لعدم ثبوت وثاقته إلّا من خلال كامل الزيارة أو تفسير القمي بيد ان بالامكان اثبات وثاقته من طريق آخر بان يقال : ان عمل الطائفة بروايات السكوني يلازم عملها بروايات النوفلي إذ الناقل لروايات السكوني عادة هو النوفلي فإذا لم تقبل روايات النوفلي يلزم عدم قبول روايات السكوني أيضا.

إلى غير ذلك من الطرق التي يمكن الحصول عليها من خلال التتبع والمراجعة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٣ : ١٠٦.

١٦٧

تمرينات

س ١ : من هم اصحاب الاجماع؟ وكيف يستدل بالاجماع على وثاقتهم؟

س ٢ : اختار السيد الخوئي حجية الاجماع حتى لو كان مدعيه من المتأخرين. اذكر التقريب الذي تمسك به وكيفية مناقشته.

س ٣ : الوكالة عن المعصوم عليه‌السلام لها شكلان. اذكرهما مع بيان ان أي شكل وقع الكلام في دلالته على الوثاقة.

س ٤ : ما هو دليل القائلين بدلالة الوكالة على الوثاقة وما هو دليل المنكرين لذلك؟

س ٥ : ما هو مختارك في الوكالة هل تدل على الوثاقة؟ اذكر ذلك مع التوجيه الذي تطمئن إليه.

س ٦ : إذا كانت الوكالة تدل على الوثاقة فكيف تفسر الذم الصادر في حق بعض الوكلاء؟

س ٧ : هل رواية الثقة عن شخص تدل على وثاقته؟ اذكر ذلك مع الدليل.

س ٨ : من هو الذي يختار ان رواية الثقة عن شخص تدل على وثاقته؟

س ٩ : هل اكثار الثقة الرواية عن شخص تدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٠ : اذكر مثالا للثمرة في البحث عن دلالة اكثار الثقة الرواية عن شخص على وثاقته.

١٦٨

س ١١ : إذا قيل بان الثقة وان كان لا يكثر الرواية عن الضعيف ولكنه قد يكثر الرواية عن مجهول الحال فكيف ندفع ذلك؟

س ١٢ : إذا قيل بان اكثار الثقة لا يدل على الوثاقة بدليل ان الاجلاء قد اكثروا الرواية عن بعض الضعفاء فكيف ندفع ذلك؟

س ١٣ : إذا قيل بان اكثار الكليني عن محمد بن اسماعيل قد يكون من جهة اطمئنانه بحقانية روايته وليس من جهة احرازه لوثاقته فكيف ندفع ذلك؟

س ١٤ : إذا قيل بان اكثار الكليني عن محمد بن اسماعيل لعله من جهة اعتماده على اصالة العدالة وليس من جهة احرازه لوثاقته فكيف ندفع ذلك؟

س ١٥ : أخذ الرواية وتحملها له ثلاثة اشكال. اذكرها.

س ١٦ : ما المقصود من مشايخ الاجازة؟

س ١٧ : لماذا كان البحث عن كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة مهما؟

س ١٨ : اذكر بعض الأمثلة لمشايخ الاجازة الذين لم تثبت وثاقتهم.

س ١٩ : ما هو التقريب الذي تمسك به السيد الخوئي لاثبات عدم دلالة شيخوخة الاجازة على الوثاقة وكيف يدفع ذلك؟

س ٢٠ : قد يستدل على عدم دلالة شيخوخة الاجازة على الوثاقة بان بعض مشايخ الصدوق كان ناصبيا. كيف يدفع الاستدلال المذكور؟

١٦٩

س ٢١ : ما هي الطريقة التي تمسك بها السيد بحر العلوم وجماعة للتغلب على مشكلة مشايخ الاجازة؟

س ٢٢ : قيل بان وقوع الراوي في سند محكوم عليه بالصحة يدل على وثاقته. اوضح المقصود من ذلك مع المثال.

س ٢٣ : قد يقال بان حكم ابن الوليد بصحة روايات محمد بن أحمد بن يحيى لعله من جهة اعتقاده بصحة تلك الروايات لبعض القرائن وليس من جهة وثاقة من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى. كيف تدفع ذلك؟

س ٢٤ : ذكر السيد الخوئي ان حكم ابن الوليد بصحة روايات محمد بن أحمد بن يحيى لا يدل على وثاقة الرواة. اذكر مستنده.

س ٢٥ : قد يتمسك بشهادة ابن نوح على وثاقة جميع مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى. اذكر توجيه ذلك مع مناقشته.

س ٢٦ : طرق اثبات الوثاقة كثيرة. اذكرها مع بيان التام منها بنظرك وغير التام.

س ٢٧ : اذكر بعض طرق اثبات الوثاقة الاخرى التي لا يمكن ان تدخل في ضابط معين.

س ٢٨ : هل سند الحديث ١ الباب ١٨ من أبواب مقدمة العبادات صحيح؟

١٧٠

النقطة الثانية

التوثيقات العامة

التوثيق تارة يكون متعلقا بشخص واحد أو أشخاص معينين واخرى يكون متعلقا بعنوان كلي.

مثال الأول : قول النجاشي في حق حماد مثلا : ثقة في حديثه.

مثال الثاني : ما يدعى في حق علي بن إبراهيم من انه وثّق كل من ورد في اسانيد الروايات التي نقلها في تفسيره.

والتوثيقات العامة كثيرة نذكر منها : ـ

١ ـ رواة تفسير القمي

تفسير القمي تفسير روائي (١) لرجل عظيم من أصحابنا عاصر الإمام

__________________

(١) أي تفسير بواسطة الروايات.

١٧١

العسكري عليه‌السلام يعرف بعلي بن إبراهيم القمي المتوفى سنة ٢١٧ ه‍.

وللكتاب المذكور الذي طبع مؤخرا طبعة ثانية في النجف الأشرف مقدمة طويلة ذكر فيها القمي جملة استفاد منها بعض الأعلام توثيقه لجميع الرواة الواردين في تفسيره.

والعبارة كما يلي : «ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ...».

وقد استفاد صاحب الوسائل من العبارة المذكورة توثيق القمي لجميع من ورد في التفسير المذكور بشرط انتهاء السند إلى المعصوم عليه‌السلام.

قال في الوسائل ج ٢٠ ص ٦٨ : «وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت احاديث تفسيره وانها مروية عن الثقات عن الأئمة عليهم‌السلام».

وقد اختار ذلك أيضا السيد الخوئي في المعجم ج ١ ص ٤٩.

ولو تم ما ذكر لأصبح ٢٦٠ رجلا من الثقات كما قيل. ومن هنا نعرف مدى أهمية البحث المذكور.

وهناك احتمال آخر في العبارة المتقدمة ، وهو ان يكون القمي بصدد توثيق خصوص مشايخه المباشرين دون كل من ورد في سند الروايات.

وردّ السيد الخوئي هذا الاحتمال بان القمي بصدد اثبات صحة تفسيره وهو يتوقف على توثيق كل من ورد فيه لا خصوص من يروي عنه بالمباشرة.

وعلى ضوء ذلك حكم قدس‌سره بان كل من ورد في التفسير المذكور ثقة ما لم

١٧٢

يضعّف من قبل النجاشي أو غيره فيسقط التوثيق عن الاعتبار لأن شرط قبول التوثيق عدم المعارضة بالجرح كما هو واضح.

هذا حصيلة ما قيل في توجيه حجية رواة تفسير القمي.

وقد يناقش بما يلي : ـ

١ ـ ان الراوي للتفسير المذكور هو أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه كما يتضح ذلك من خلال مراجعة التفسير نفسه. والشخص المذكور مجهول الحال ولا يعرف عنه شيء.

ومعه فيسقط الكتاب عن الاعتبار لجهالة الراوي له.

وفيه : ان الشيخ الطوسي في فهرسته يذكر طريقا صحيحا إلى جميع كتب علي بن ابراهيم والتي منا تفسيره ويصل في ذلك الطريق إلى القمي نفسه.

ومع افتراض ان القمي نفسه قد اجاز الشيخ الطوسي بالوسائط في نقل تفسيره عنه فلا تضر بعد هذا جهالة أبي الفضل.

٢ ـ ان مقدمة الكتاب المذكور التي هي مقدمة طويلة لم يثبت كونها من القمي ، فانه بعد الاستمرار في سرد المقدمة ورد اثنائها ما نصه : قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ ...

وهذا يولّد احتمال ان المقدمة لم تكن من بدايتها للقمي وانما يبتدأ كلام القمي من جملة : فالقرآن منه ناسخ ...

والعبارة السابقة التي يراد الاستشهاد بها ـ ونحن ذاكرون ومخبرون بما

١٧٣

ينتهي ... ـ مذكورة قبل ذلك ، أي قبل جملة : قال أبو الحسن ... ومعه فلا يمكن الاستشهاد بها لعدم الجزم بكونها من كلام القمي.

وفيه : ان الجملة السابقة التي يراد الاستشهاد بها قد نقلها صاحب الوسائل في وسائله ، وهو له طريق صحيح إلى الشيخ الطوسي وبالتالي إلى القمي نفسه ، فيثبت بذلك ان القمي قد ذكر الجملة السابقة واوصلها إلى صاحب الوسائل من خلال الشيخ الطوسي.

٣ ـ ان بعض من ورد في تفسير القمي مادام قد ضعّف من قبل النجاشي أو الشيخ فذلك يدل على ان القمي لا يقصد توثيق جميع من ورد في تفسيره.

وفيه : لعل من ضعّف هو ثقة في نظر القمي فيكون المورد من موارد التعارض بين التعديل والجرح ولا يكون التضعيف قرينة على ان القمي لا يريد توثيق كل من ورد في تفسيره.

أجل لو كان الضعف مسلما لدى الجميع وواضحا امكن ان يجعل ما ذكر قرينة ولكن اين وجود مثل ذلك.

إذن المناقشات المذكورة غير واردة.

والمهم ان يقال : ـ

١ ـ ان القمي وان كان له كتاب باسم التفسير ولا يمكن التشكيك في ذلك باعتبار ان النجاشي والطوسي قد نصا على وجود التفسير المذكور وذكرا إليه طريقا صحيحا ولكننا نشكك في كون التفسير المتداول اليوم هو نفس تفسير

١٧٤

القمي ، ونحتمل عدم كونه للقمي رأسا أو لا أقل بعضه للقمي والبعض الآخر قد دسّ فيه.

ومما يؤكد ما نقول التعبير التالي : «رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم» أو «رجع إلى رواية علي بن إبراهيم» أو «رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم» أو «في رواية علي بن إبراهيم».

ويمكن مراجعة ذلك في ج ١ ص ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٣٨٩ ، ٢٩٩ ، ٣١٣ ، ٣٨٩ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤ ...

٢ ـ ان في التفسير بعض القرائن التي تشهد بان القمي ليس بصدد توثيق جميع رواة كتابه. ففي ج ١ ص ٦٦ يقول : حدثني ابي رفع قال : قال الصادق عليه‌السلام. وفي ج ١ ص ٩٩ يقول : وحدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام. وفي ج ١ ص ٢١٤ يقول : وحدثني ابي عن الحسين بن سعيد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلى غير ذلك من الموارد التي لا يمكنه فيها التوثيق لعدم تشخص رواة السند.

بل في بعض الموارد ورد اسم من لا يمكن ان يكون من الثقات كيحيى ابن اكثم مثلا كما في ج ١ ص ٣٥٦.

٢ ـ رواة كامل الزيارة

كامل الزيارة كتاب مؤلف لجمع الزيارات. ومؤلفه هو الثقة الجليل جعفر ابن محمد بن قولويه الذي هو من اعلامنا المتقدمين.

١٧٥

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل لكتابه مقدمة صغيرة ذكر ضمنها العبارة التالية : «وقد علمنا بانا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم‌الله برحمته ولا اخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال ...» (١).

وقد استفاد الشيخ النوري في كتابه مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٥٢٢ ان ابن قولويه يقصد توثيق خصوص من يروي عنه بالمباشرة. وقد بلغوا بعد الاستقراء ٣١ شيخا.

وفهم صاحب الوسائل منها كونه بصدد توثيق جميع مشايخه (٢).

وممن اختار ذلك أيضا السيد الخوئي على ما في المعجم ج ١ ص ٥٠ حيث ذهب إلى ان كل من ورد في اسانيد كامل الزيارة فهو ثقة إلّا إذا عورض بتضعيف من قبل آخرين طبقا للضابط الكلي في كل توثيق حيث يؤخذ به بشرط عدم المعارضة بتضعيف.

وبناء على هذا الرأي سوف تثبت وثاقة ٣٨٨ راويا على ما قيل (٣).

__________________

(١) كامل الزيارة : ص ٤. والمقصود من العبارة المذكورة : انا لا نحيط بجميع ما روي عن أهل البيت عليهم‌السلام في مجال الزيارات ولا في المجالات الاخرى ، ولكننا نذكر خصوص ما وصلنا من الرواة الثقات ولم اذكر الأحاديث المروية عن الرجال الشواذ.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٢٠ الفائدة ٦.

(٣) ونلفت النظر إلى ان السيد الخوئي قدس‌سره كان في بداية امره لا يعتقد بوثاقة رجال كامل الزيارة حتى المباشريين منهم ـ كما يشير لذلك في فقه الشيعة ج ٣ ص ٢٧ ـ وبعد ذلك وفي الفترة التي كنّا نحضر عليه فيها صار يعتقد بوثاقة الجميع حتى غير المباشريين منهم ، ثم في اخريات حياته اختار التفصيل وخصّص التوثيق بخصوص المباشريين.

١٧٦

ويرد عليه : ان استفادة توثيق جميع الرواة أمر مشكل جدا بل المناسب استفادة توثيق خصوص المباشريين ، فان العبارة المتقدمة مجملة من هذه الناحية ، والقدر المتيقن منها ارادة توثيق خصوص المباشريين.

ومما يؤكد ما نقول ان ابن قولويه ذكر رواة لا يعرفهم حتى هو ، ففي الحديث الثالث من الباب الأول يقول : عمن ذكره عن محمد بن سنان عن محمد بن علي رفعه.

وفي الحديث الرابع من الباب السابق يقول : عن بعض اصحابنا رفعه. وفي الحديث الثاني من الباب الرابع يقول : عمن حدّثه.

وهناك موارد اخرى من هذا القبيل كثيرة.

بل قد يقال (١) بامكان الترقي وانكار استفادة توثيق مشايخه المباشريين أيضا ، إذ يحتمل ان يكون مقصوده من العبارة المتقدمة : انا لا نحيط بجميع الروايات ولكن ننقل الروايات التي سجلها خصوص من لهم خبروية بالحديث ويعدون من نقادّه.

وعلى هذا يكون مراده من الثقات الاشارة إلى ذلك ، أي إلى نقادّ الحديث ، ولا يريد ان يقول اني اسجل الروايات التي وردتني من مشايخي الثقات ، بل يريد

__________________

(١) القائل هو السيد السيستاني دام ظله في قاعدة لا ضرر : ص ٢١.

١٧٧

ان يقول اني اذكر الروايات التي سجلها في كتبهم نقاد الحديث الذين قد يكونون تارة من المشايخ المباشريين له واخرى من مشايخ مشايخه.

لم تراجع السيد الخوئي عن كامل الزيارة بالخصوص

تراجع السيد الخوئي اخريات حياته عن استفادة توثيق جميع رواة كامل الزيارة وخصّص ذلك بخصوص المباشريين ، ولكنه لم يتراجع عن رجال تفسير القمي.

وهنا يخطر إلى الذهن السؤال عن سبب تخصيص التراجع بكامل الزيارة.

والجواب : ان ذلك من جهة ان القمي قال في عبارته السابقة : «ونحن ذاكرون بما رواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم ...». ان ذكر «ثقاتنا» بعد قوله : «عن الذين فرض الله طاعتهم» يدل على ان الرواة ثقات إلى ان يصلوا إلى الأئمة عليهم‌السلام الذين فرض الله طاعتهم. بينما مثل هذا التعبير لم يرد في عبارة ابن قولويه.

٣ ـ مشايخ النجاشي

ذكر النجاشي في ترجمة بعض الرواة ما يستفاد منه عدم روايته عن الضعفاء ، ففي ترجمة محمد بن عبيد الله بن الحسن الجوهري يقول : «رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا وتجنبته ...».

وذكر في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول : «وكان

١٧٨

في أول أمره ثبتا ثم خلط ، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقف عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه».

وذكر في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك : «كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل. وسمعت من قال : كان أيضا فاسد المذهب والرواية. ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري».

وقد استفاد بعض الأعلام من هذه الموارد ان النجاشي يوثق جميع مشايخه وانه لا يروي إلّا عمن يوثقه.

وقد نسب هذا الرأي إلى الشيخ البهائي والسيد بحر العلوم (١).

وممن اختاره من المتأخرين السيد الخوئي.

وقد يشكل على ذلك بان غاية ما يستفاد من عبارة النجاشي تحرزه عن الضعفاء الذين رأى الأصحاب يضعفونهم دون من هو مجهول الحال لديه.

ويمكن دفع ذلك بما يلي : ـ

أ ـ ان تحرز النجاشي من الرواية عمن ضعّف ليس لأمر تعبدي بل لعدم حجية رواية الضعيف ، وواضح ان المجهول كالضعيف ، ولذا يعطفون المجاهيل على الضعفاء في لزوم التحرز عن روايتهم.

__________________

(١) تنقيح المقال ١ : ٥٨.

١٧٩

ب ـ ان النجاشي بعد معاشرته لمشايخه لا يحتمل بقاء حالهم مجهولة لديه ، فيدور الأمر بين كونهم ضعافا عنده ، وهو باطل ، وبين ان يكونوا ثقاة ، وهو المطلوب.

وببركة هذا الطريق يمكن توثيق بعض مشايخ الاجازة الذين وصلت بعض الاصول إلى الشيخ الطوسي بواسطتهم كأحمد بن عبدون وابي الحسين بن أبي جيد فانهما من مشايخ الشيخ الطوسي ولم يوثقا بالخصوص إلّا انه باعتبار كونهما من مشايخ النجاشي أيضا فيمكن توثيقهما من خلال ذلك.

٤ ـ الوقوع في سند أصحاب الاجماع

ذكر الكشي في رجاله المعروف ان الطائفة قد اجمعت على تصحيح ما يصح عن جماعة. ستة من اصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام وستة من اصحاب الصادق عليه‌السلام وستة من اصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام.

قال ص ٢٣٨ من طبع دانشگاه : «اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من اصحاب أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا افقه الأولين ستة : زرارة ومعروف بن خرّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي».

وقال ص ٣٧٥ : «اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه من دون اولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ، ستة نفر : جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وابان بن عثمان».

١٨٠