دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6642-91-8
الصفحات: ٣٤٧

ابن علي بن فضال. واما ابن فضال فقد رواه عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز عن الإمام عليه‌السلام. وانما لم يذكر ذلك صاحب الوسائل اعتمادا على ما سبق.

٤ ـ قال صاحب الوسائل : وعن علي بن إبراهيم عن ابيه وعن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان عن عمرو بن حريث انه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام ألا أقص عليك ديني ...

ان الحديث المذكور قد سجّله الحرّ من الكافي للقرينة المتقدمة في الحديث الثاني.

والحديث المذكور ينقله الكليني عن صفوان عن عمرو بن حريث بطريقين هما :

أ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان عن عمرو بن حريث.

ب ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عمرو ابن حريث.

ومن خلال هذا يتضح ان قوله : «وعن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار» عطف على «وعن علي بن إبراهيم عن أبيه».

وكلمة «جميعا» تعني ان إبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبد الجبار قد رويا الحديث عن صفوان.

كما ويتضح انه يكفي لصحة الحديث صحة أحد طريقيه ولا يلزم صحة كليهما.

١٤١

وفي تحقيق حال الطريقين نقول :

اما بالنسبة إلى الطريق الأول فقد تقدم الكلام عن علي بن إبراهيم ووالده وانهما ثقتان فراجع حديث ٢.

واما صفوان فهو وان كان مشتركا بين عدة رواة إلّا ان المشهور منهم والذي ينصرف إليه اسم صفوان إذا ورد مطلقا هو اما صفوان بن يحيى بياع السابري أو صفوان بن مهران الجمال ، وكلاهما ثقة حسب شهادة النجاشي (١) ، ومعه فلا ثمرة في البحث عن تعيين ان المراد هذا أو ذاك.

واما عمرو بن حريث فهو أبو أحمد الصيرفي الأسدي الكوفي ثقة على ما ذكر النجاشي (٢).

وبهذا تثبت صحة هذا الطريق.

واما الطريق الثاني فهو صحيح أيضا لأن أبا علي الأشعري قد تقدم في الحديث (١) انه أحمد بن ادريس الثقة شيخ الكليني.

واما صفوان وعمرو بن حريث فقد تقدم انهما ثقتان.

فلا يبقى إلّا محمد بن عبد الجبار وهو محمد بن أبي الصهبان وقد قال عنه الشيخ الطوسي : قمي ثقة (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٩ : ١٢١ ، ١٢٣.

(٢) المصدر السابق ١٣ : ٨٥.

(٣) المصدر السابق ١٤ : ٢٦٣.

١٤٢

٥ ـ وفي الحديث السادس قال الحرّ ما نصه : «وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد. وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في جملة حديث ...».

ان هذا الحديث قد نقله الحرّ من كافي الكليني لما تقدّم من القرينة.

وفي هذه العبارة يبيّن لنا الكليني ان له طريقين إلى نقل الحديث المذكور.

وفي كلا الطريقين ينتهي النقل إلى الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا.

إذن التعدد في الطريق خاص بالواسطة المتخللة بين الكليني والحسن بن محبوب ، واما الطريق ما بين الحسن بن محبوب والإمام عليه‌السلام فلا تعدد فيه.

وعلى هذا يمكن بيان طريقي الرواية بالشكل التالي : ـ

أ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام ابن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا.

ب ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن هشام ابن سالم عن عبد الحميد.

والطريق الأول صحيح لأن محمد بن يحيى وأحمد بن محمد قد تقدم في الحديث (٣) انهما ثقتان جليلان.

١٤٣

واما الحسن بن محبوب فهو صاحب كتاب المشيخة. وقد قال عنه الشيخ الطوسي : كوفي ثقة (١).

واما هشام بن سالم فهو على ما قال النجاشي : ثقة ثقة (٢).

واما عبد الحميد بن أبي العلاء فهو الازدي ثقة على ما قال النجاشي (٣).

واما الطريق الثاني فبدايته هو عدة من أصحابنا. وهذا المصطلح متداول لدى الكليني ولم يتداوله غيره ، ومعه فمتى ما ورد تعبير «عدة من اصحابنا» عرفنا ان الحديث منقول عن الكليني.

وقد وقع الكلام في المقصود من افراد العدة وكيفية اثبات توثيقها ، وسنقوم بدراسة ذلك عند بحثنا عن كتاب الكافي ان شاء الله تعالى.

والذي نقوله هنا باختصار : لا اشكال لدى الجميع في اعتبار العدة وانما الكلام في كيفية تخريج ذلك فنيا. وعلى هذا فبحثنا عن العدة لا يعني التشكيك في اعتبارها وانما يعني الاختلاف في التخريج الفني للاعتبار المتفق عليه.

واما سهل بن زياد فقد وقع محلا لبحث طويل بين الأعلام. وننصح الطالب بكتابة بحث عنه ليكون ذلك مفتاحا لمعلوماته الرجالية.

واما بقية افراد السند فقد تقدمت وثاقتهم.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٥ : ٨٩.

(٢) المصدر السابق ١٩ : ٢٩٧.

(٣) المصدر السابق ٩ : ٢٧١.

١٤٤

وعليه فالطريق الثاني قابل للمناقشة من ناحية سهل ، إلّا أن ذلك غير مهم بعد صحة الطريق الأول.

ملاحظة

ان الأحاديث المتقدمة قد نقلها الحرّ من كافي الكليني رحمه‌الله. وننتقل إلى أبواب اخرى من الوسائل لمواجهة حاديث اخرى ينقلها من غير الكافي.

ذكر قدس‌سره في الباب ١ من أبواب الماء المطلق ما نصه :

١ ـ «محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رضي‌الله‌عنه باسانيده (١) عن محمد بن حمران وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».

ان هذا الحديث قد نقله الحرّ من الفقيه بقرينة قوله محمد بن علي بن الحسين الذي هو الصدوق.

وللتعرف على صحة الرواية لا بدّ من مراجعة سند الصدوق إلى محمد بن حمران وجميل.

وإذا رجعنا إلى مشيخة الفقيه ج ٤ ص ١٧ وجدناه يقول : «وما كان فيه عن محمد بن حمران وجميل بن دراج فقد رويته عن أبي رضي‌الله‌عنه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حمران وجميل بن دراج».

والسند صحيح لأن والد الصدوق الذي اسمه علي بن الحسين بن بابويه

__________________

(١) الصواب : باسناده ، كما ورد في الباب ٢٣ من أبواب التيمم حديث ١.

١٤٥

لا يحتاج إلى تعريف فانه كما قال النجاشي : «شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم» (١).

واما سعد بن عبد الله فهو الأشعري القمي. قال عنه النجاشي : «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها» (٢). وقد كثر وروده في الروايات.

واما يعقوب بن يزيد فهو ثقة صدوق على ما ذكر النجاشي (٣).

واما محمد بن أبي عمير فلا يحتاج إلى تعريف فهو جليل القدر عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين (٤).

وقد قيل ان هارون حبسه ليدل على مواضع الشيعة فدفنت اخته كتبه خوفا عليه فتلفت. وقيل بل كانت في غرفة فسال المطر عليها فتلفت ، ومن هنا أخذ يحدث عن حفظه وكثرت مراسيله.

واما محمد بن حمران فقد ذكره الشيخ بعنوان محمد بن حمران بن اعين ولم يوثقه بينما النجاشي ذكره بعنوان محمد بن حمران النهدي وقال عنه ثقة.

وقد وقع الكلام في وحدته وتعدده ، ولكن ذلك غير مهم في المقام بعد وثاقة جميل بن دراج.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١١ : ٣٦٨.

(٢) المصدر السابق ٨ : ٧٤.

(٣) المصدر السابق ٢٠ : ١٤٧.

(٤) المصدر السابق ١٤ : ٢٧٩.

١٤٦

٢ ـ قال الحر : «قال : وقال الصادق عليه‌السلام : كل ماء طاهر إلّا ما علمت انه قذر».

والمقصود : قال الصدوق : وقال الصادق عليه‌السلام ...

والرواية مرسلة. وقد كثرت ظاهرة الارسال لدى الصدوق في كتابه الفقيه ، وذلك من الظواهر المختصة به.

ومن هنا وقع البحث في حجية مراسيله.

وهناك رأي يفصّل بين ما إذا ارسل الصدوق عن الإمام عليه‌السلام بلسان قال الإمام عليه‌السلام وبين ما إذا ارسل بلسان روي عن الإمام عليه‌السلام فالأول حجة دون الثاني بدعوى انه متى ما ارسل عن الإمام عليه‌السلام بلسان قال دلّ ذلك على جزمه بصدور الرواية عن الإمام عليه‌السلام ، ومع جزمه بذلك نقول : ان الجزم المذكور مردد بين كونه ناشئا عن حس وبين كونه ناشئا عن حدس ، وبواسطة اصالة الحس العقلائية يمكننا اثبات ان جزمه نشأ عن حس وبذلك يكون حجة.

ويأتي ان شاء الله تعالى عند البحث عن كتاب من لا يحضره الفقيه البحث عن ذلك بشكل تفصيلي.

٣ ـ قال الحر : «قال : وقال عليه‌السلام ...» ، وليس في ذلك شيء جديد.

٤ ـ قال الحر : «محمد بن الحسن الطوسي رضي‌الله‌عنه باسناده عن محمد بن أحمد ابن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».

١٤٧

والملاحظ هنا ان الحرّ حينما اراد في هذا الموضع النقل عن الشيخ الطوسي ابتدأ السند بقوله محمد بن الحسن الطوسي اشارة إلى عدوله عن النقل السابق الذي كان عن الصدوق.

ولا بدّ من مراجعة مشيخة التهذيب ج ١٠ ص ٧١ (١) للتعرف على طريق الشيخ إلى محمد بن احمد بن يحيى.

وقد ذكر قدس‌سره أربع طرق يكفينا صحة واحد منها وهو : «الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي وأبي جعفر محمد ابن الحسين البزوفري جميعا عن أحمد بن ادريس عن محمد بن أحمد بن يحيى».

اما الشيخ أبو عبد الله فهو الشيخ المفيد ، وتكفينا وثاقته عن البحث عن وثاقة الحسين وأحمد.

واما الحسن بن حمزة العلوي فهو المعروف بالمرعش أو المرعشي من اجلاء هذه الطائفة وفقهائها على ما ذكر النجاشي (٢).

واما البزوفري فلم يذكره الشيخ ولا النجاشي (٣) ولم تثبت وثاقته ولكن ذلك لا يضر بعد وثاقة الحسن بن حمزة.

__________________

(١) كما وان بالامكان مراجعة الفهرست لذلك.

(٢) معجم رجال الحديث ٤ : ٣١٣.

(٣) المصدر السابق ١٥ : ٢٩٠.

١٤٨

واما احمد بن ادريس فقد تقدم انه ابو علي الأشعري الثقة الجليل شيخ الكليني.

واما محمد بن أحمد بن يحيى فهو ثقة في الحديث على ما ذكر النجاشى.

وهو كثير الرواية ، وله كتاب نوادر الحكمة الذي يعرفه القميون بدبة شبيب.

وشبيب رجل بقم كانت له دبة ذات بيوت يعطي منها ما يطلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بتلك (١).

واما يعقوب بن يزيد وابن ابي عمير فقد تقدم انهما ثقتان.

واما داود بن فرقد فهو كوفي ثقة على ما قال النجاشي (٢).

وعليه فالرواية صحيحة السند.

٥ ـ قال الحرّ في الحديث السابع : «محمد يعقوب الكليني رضي‌الله‌عنه عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».

اما علي وابوه فقد تقدم الحديث عنهما وانهما ثقتان.

واما السكوني فلا طريق لتوثيقه سوى تعبير الشيخ الطوسي في العدة بان الطائفة قد عملت برواياته فان هذا تعبير آخر عن التوثيق.

واما النوفلي فهو الملازم للسكوني عادة والراوي عنه. ولم يرد في حقه

__________________

(١) معجم رجال الحديثر ١٥ : ٤٤.

(٢) المصدر السابق ٧ : ١١٤.

١٤٩

توثيق بالخصوص.

أجل قد ورد اسمه في اسانيد تفسير القمي وكامل الزيارة ، فمن بنى على وثاقة كل من ورد اسمه في أحد الكتابين المذكورين بنى على وثاقة الرجل المذكور بيد ان المبنى المذكور مرفوض عندنا.

وهناك طريق آخر نسلكه في اثبات وثاقة الرجل المذكور ، وهو ان اتفاق الطائفة على العمل بروايات السكوني ملازم للبناء على توثيق النوفلي وإلّا لما امكن العمل بروايات السكوني.

عود إلى صلب الموضوع

كنا نتحدث سابقا ـ قبل التعرض إلى التطبيقات ـ عن طرق اثبات الوثاقة. ونعود اليها من جديد.

٤ ـ دعوى الاجماع على التصديق أو التوثيق

ومن جملة الطرق المدعاة لاثبات الوثاقة دعوى الاجماع على تصديق راو أو توثيقه. فالكشي ادعى اجماع الطائفة على تصديق ثمانية عشر راويا من اصحاب الأئمة عليه‌السلام

ستة منهم من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام وهم : زرارة ومعروف بن خرّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي (١).

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٤٣١.

١٥٠

وستة من أصحاب الصادق عليه‌السلام وهم : جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وابان بن عثمان (١).

وستة من اصحاب الكاظم والرضا عليهما‌السلام وهم : يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن ابن محبوب وأحمد بن محمد بن نصر (٢).

وتقريب حجية الاجماع المذكور : ان الكشي إذا كان مصيبا في دعواه الاجماع وكانت الطائفة قد اجمعت حقا على ذلك فهو المطلوب ، واذا لم يكن مصيبا ولم يكن هناك اجماع فتكفينا شهادة الكشي نفسه التي نستفيدها ضمنا من خلال نقله الاجماع المذكور ، فان نقله الاجماع يستبطن شهادته بحقانية المضمون الذي ينقله.

بيد ان هذا يتم لو كان الناقل للاجماع من الأعلام المتقدمين ، اما إذا كان من المتأخرين كنقل ابن طاووس الاتفاق على وثاقة إبراهيم بن هاشم فلا يتم ذلك لعدم حجية توثيق المتأخرين كما تقدم.

هذا إلّا ان السيد الخوئي حاول تقريب الحجية في الحال المذكورة بان دعوى ابن طاووس تكشف على الأقل عن شهادة واحد من القدماء بوثاقة ذلك الشخص ، وذلك يكفي في ثبوت التوثيق (٣).

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٧٠٥.

(٢) المصدر السابق : رقم ١٠٥٠.

(٣) معجم رجال الحديث ١ : ٤٦.

١٥١

ويرد ذلك : ان دعوى ابن طاووس إذا لم تكشف عن ثبوت الاتفاق واقعا فيمكن ان لا تكشف حتى عن شهادة واحد من الأعلام المتقدمين بالوثاقة ، كما لو افترضنا ان دعوى ابن طاووس للاجماع ناشئة من ملاحظة وجود إبراهيم بن هاشم في اسناد تفسير القمي وتخيل ـ بسبب عبارة مقدمة التفسير ـ ان كل من ورد اسمه في ذلك فهو ثقة بالاتفاق في الوقت الذي قد يكون ذلك اجتهادا خاصا من ابن طاووس لا يقول به غيره.

٥ ـ الوكالة عن الإمام

ومن أحد الطرق التي يمكن ان يدعى دلالتها على الوثاقة توكيل الإمام عليه‌السلام شخصا في أمر من اموره ، فانهم عليهم‌السلام كان لهم وكلاء بشكلين وكلاء لهم الممثلية العامة عن الإمام عليه‌السلام كما هو الحال في السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم ووكلاء لهم الممثلية الخاصة في مجال معين.

والوكالة بالشكل الأول لا إشكال في دلالتها على سمو منزلة الوكيل ورفعة شأنه. وانما الاشكال في الوكالة بالمعنى الثاني فان الأئمة عليهم‌السلام كان لهم وكلاء كثيرون بهذا الشكل قد اشير إليهم في الكتب الرجالية.

فبينما البعض يصر على دلالة التوكيل لا على الوثاقة فقط بل على العدالة ويستدل على ذلك بان الوكيل إذا لم يكن عادلا فتوكيله محرم لأنه نحو ركون إلى الظالم الذي نهت عنه الآية الكريمة (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (١) نجد آخرين ينكرون دلالة الوكالة على الوثاقة بحجة انا نجد كثيرا من

__________________

(١) هود : ١١٣.

١٥٢

وكلائهم عليهم‌السلام قد صدر الذم في حقهم.

وقد عقد الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتابه الغيبة بابا خاصا للوكلاء الذين صدر الذم في حقهم.

ويحدثنا عند تعرضه للواقفة ان أول من اظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال.

وقد روي عن الرضا عليه‌السلام ان البطائني اقعد في قبره بعد ما دفن فسأل عن الأئمة عليهم‌السلام فاخبر باسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلاء قبره نارا (١).

هذا والصحيح دلالة الوكالة على الوثاقة لأن السيرة العقلائية قد جرت على عدم توكيل شخص في قضية معينة إذا لم يحصل الوثوق الكامل بصدقه وعدم تعمده للكذب. وجرّب ذلك من نفسك تجد صدق ما نقول.

وإذا قيل اذن كيف تفسرون الذم الصادر في حق كثير من الوكلاء؟

اجبنا بان الانحراف قد حصل لهم بعد منحهم الوكالة فكم شخص نثق به ونمنحه الوكالة وبعد ذلك ينحرف.

وإذا قيل ان توكيل شخص في مجال معين يقتضي وثاقته في ذلك المجال

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١١ : ٢١٧.

١٥٣

دون غيره ، فتوكيل شخص في بيع دار يستلزم وثاقته وعدم كذبه في مجال بيع الدار فقط دون المجالات الاخرى كمجال نقل الحديث الذي هو محل كلامنا.

كان الجواب ان العاقل إذا لم يحرز الوثاقة المطلقة في الوكيل فلا يقدم على توكيله لأنه مادام يحتمل كذبه في المجالات الاخرى فلربما يسري ذلك إلى المجال الخاص الذي منح فيه الوكالة.

ولا اقل ليس من المناسب للإمام عليه‌السلام ايكال بعض اموره المهمة إلى من هو خائن في بعض المجالات.

٦ ـ رواية الثقة

رواية الثقة عن شخص هل تدل على وثاقته؟ كلا ، فان الثقة كما يروي عن الثقة كذلك يروي عن غيره. وما أكثر ما يروي الثقات عن غير الثقات كما يتضح ذلك من خلال تصفح الروايات.

كيف ولو كانت رواية الثقة عن شخص دليلا على وثاقته لزم وثاقة اغلب الرواة أو كلهم لأن الشيخ الطوسي قدس‌سره ثقة ، فاذا روى عن شخص كان ثقة أيضا وكانت رواية الثاني دليلا على وثاقة الثالث وهكذا حتى نهاية السلسلة.

وبهذا يتضح ان ما صار إليه الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك من ان رواية الثقة عن شخص دليل وثاقته قابل للتأمل.

اجل إذا أكثر اجلاء الثقات وكبّارهم الرواية عن شخص فلا يبعد كونها دليلا على الوثاقة ـ خلافا للسيد الخوئي وجماعة حيث لم يرضوا بذلك أيضا ـ

١٥٤

فان العاقل لا يقدم على الرواية عن شخص يعتقد بضعفه ، انه عمل سفهي لا نرى له وجها.

وهذه نقطة مهمة جديرة بالوقوف والتأمل الطويل عندها ، فانه لو قبلنا بكون اكثار الثقة الرواية دليلا على الوثاقة فسوف تثبت وثاقة كثير من الرواة ويخرجون بذلك من حال الجهالة إلى حال الوثاقة.

وعلى سبيل المثال نذكر «محمد بن اسماعيل» ، فان الكليني قد أكثر الرواية عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان. وقد وقع الكلام في المقصود من محمد بن اسماعيل ، انه لا يمكن ان يكون محمد بن اسماعيل بن بزيع الثقة الجليل لانه من أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام وانى يمكن للكليني الرواية عنه فيتعين ان يكون المقصود غيره ، وحيث ان الغير لم تثبت وثاقته فتسقط روايات الكليني المذكورة عن الاعتبار بالرغم من كثرتها.

بينما لو قبلنا الرأي المتقدم وقلنا ليس من المناسب للكليني اكثار الرواية عن شخص يعتقد بضعفه خصوصا وهو يودع تلك الروايات في كتابه الذي كتبه لتعمل به الأجيال. ان العاقل لا يرضى بايداع الروايات الضعيفة في كتابه فكيف إذا خطّط لكتابه منذ البداية ليكون مرجعا للأجيال ، انه إذا قبلنا الرأي المتقدم فسوف تثبت وثاقة محمد بن اسماعيل.

ومما يدعم ما نقول اننا إذا رجعنا إلى الكتب الرجالية لرأينا ان الرواية عن الضعفاء كانت عندهم من الامور القادحة في الشخص ، ولذا نجدهم ينبهون في ترجمة بعض الرواة بانه يروي عن الضعفاء كما ورد في ترجمة العياشي

١٥٥

والكشي وغيرهما.

وإذا قرأنا ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي نلاحظ ان أحمد بن محمد بن عيسى قد اخرجه من قم لروايته عن الضعفاء.

وإذا قيل اننا نسلم ان الثقة لا يكثر الرواية عن الضعيف الذي يعتقد بنظره ضعفه ولكنه ما المانع وان يروي عن مجهول الحال؟ انه بناء على هذا يكون بالامكان افتراض ان محمد بن اسماعيل كان مجهول الحال في نظر الكليني ، وبذلك لا تثبت وثاقته.

كان الجواب : ان مجهول الحال ما دام بحكم الضعيف في ردّ روايته فاكثار العاقل الرواية عنه لا يكون مناسبا أيضا.

وإذا رجعنا إلى الكتب الرجالية وجدنا ان الرواية عن المجاهيل كانت عندهم بمثابة الرواية عن الضعفاء ولا فرق بينهما. فانظر إلى كلام النجاشي في ترجمة محمد بن مالك تجده يقول : «قال أحمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل. وسمعت من قال كان أيضا فاسد المذهب والرواية. ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما‌الله».

هذا كله مضافا إلى ان اكثار الرواية يلازم احيانا طول الصحبة التي لا يحتمل معها بقاء الشخص مجهول الحال.

وإذا قيل ان اكثار الرواية إذا كان دليلا على الوثاقة فكيف نرى ان بعض الضعفاء قد أكثر الأجلاء الرواية عنه كمحمد بن سنان وسهل بن زياد والبطائني

١٥٦

وغيرهم ممن أكثر الأجلاء الرواية عنهم.

كان الجواب : ما المانع من الالتزام بان هؤلاء كانوا ثقات بنظر الأجلاء ولذا اكثروا الرواية عنهم ويكون المورد بذلك من موارد تعارض التعديل والجرح ، ولا يصح تسجيل ذلك نقضا علينا.

أجل يصح النقض بما إذا كان الشخص ضعيفا في نظر الجميع وبالرغم من ذلك أكثر الأجلاء الرواية عنه وليس ضعيفا بنظر خصوص الشيخ والنجاشي ، واين تحصيل ضعيف بهذا الشكل؟

وإذا قيل : ان اكثار الثقة كالكليني عن محمد بن اسماعيل مثلا لعله ليس من جهة وثاقته عند الكليني بل لاطمئنانه بحقانية الروايات التي رواها له ، ومن أجل ذلك الاطمئنان تساهل في النقل عن محمد بن اسماعيل واكثر عنه.

وإذا كنّا نحتمل استناد الكليني إلى اطمئنانه وليس إلى احرازه وثاقة محمد ابن اسماعيل ضمننا إلى ذلك مقدمة ثانية ، وهي ان اطمئنان كل شخص حجة على نفسه فقط ولا يكون حجة على الآخرين ، إذ لعل تلك القرائن التي استند إليها في تحصيل اطمئنانه لا تكون موجبة لحصول الاطمئنان لنا لو اطلعنا عليها.

كان الجواب : ان أهم قرينة يمكن الاستناد إليها في تحصيل الاطمئنان هي وجود الرواية في أصل يعتمد عليه الأصحاب ، وواضح ان وجود الرواية في الأصل فرع احراز وثاقة محمد بن اسماعيل وإلّا كان من المحتمل كذبه وتزويره بتسجيلها في ذلك الأصل.

واحتمال وجود قرائن اخرى قد استند إليها الكليني لا يتوقف تطبيقها على

١٥٧

الاحراز المسبق لوثاقة محمد بن اسماعيل وان كان موجودا إلّا انه مجرد احتمال نظري لا يعتنى به ، فان القرينة المهمة عندهم هي وجود الرواية في كتاب معتمد لا غير ، ولذا نرى الصدوق يقول في مقدمة كتابه : وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعتمد ، فلو كانت هناك قرينة اخرى أقوى أو مساوية لما ذكر لأشار لها.

واذا قيل : لعل الكليني استند في اكثاره الرواية عن محمد بن اسماعيل إلى اصالة العدالة وليس إلى احراز وثاقته ، وحيث ان اصالة العدالة مرفوضة عندنا فلا يمكن الاعتماد على اكثاره واستكشاف وثاقة محمد بن اسماعيل منه.

كان الجواب : لا نحتمل اعتماد الكليني على اصالة العدالة ، لان معنى الاعتماد عليها بعبارة ثانية هو ان الكليني وجد شخصا لا يعرف عنه شيئا ودفع إليه كتابا فيه أحاديث واخذه الكليني وسجّل منه كتابه الكافي الذي اراد منه ان يكون مرجعا شرعيا للشيعة في احكام دينهم ، صنع الكليني ذلك لانه لم يعرف الفسق من محمد بن اسماعيل الذي دفع اليه الكتاب واعتمد على اصالة عدالته.

ان مثل هذا لا يحتمل في حق الكليني.

٧ ـ شيخوخة الاجازة

اخذ الرواية من شخص له صور متعددة ، فتارة يسمع التلميذ الرواية من الاستاذ ، واخرى يقرأ الاستاذ الرواية على التلميذ ، وثالثة يجيز الاستاذ التلميذ ، بان يدفع له الكتاب الذي سجل فيه الروايات وجمعها فيه ويقول له اجزتك في ان

١٥٨

تروي عني الروايات الموجودة فيه.

ويصطلح على هذا الشكل الثالث بتحمل الرواية بنحو الاجازة. كما ويصطلح على صاحب الكتاب الذي صدرت الاجازة منه بشيخ الاجازة.

وقد وقع البحث في ان كون الشخص من مشايخ الاجازة هل يكفي لاثبات وثاقته.

والبحث عن هذه النقطة مهم جدا ، فان الشيخ الطوسي قد وصلته كثير من الاصول الحديثية التي الّف منها كتابيه التهذيب والاستبصار بتوسط اشخاص لم يوثقوا بالخصوص وانما هم من مشايخ الاجازة لا أكثر من قبيل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي يروي عنه الشيخ الطوسي بعض الاصول بواسطة الشيخ المفيد. وهكذا أحمد بن محمد بن يحيى ، وأحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون أو بابن الحاشر ، وعلي بن محمد بن الزبير القرشي ، وأبي الحسين بن أبي جيد وغيرهم.

ان شيخوخة الاجازة إذا لم تكف لاثبات الوثاقة فسوف يشكل الأمر في كثير من الروايات بسبب هؤلاء ، الأمر الذى صار سببا للتفكير في ابداع طرق جديدة للتغلب على المشكلة من ناحية هؤلاء. وسنتعرض إلى بعض هذه الطرق في أواخر هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

وممن اختار كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات التوثيق الشيخ البحراني في حدائقه ج ٦ ص ٤٨ والشيخ اغا رضا الهمداني في صلاته ص ١٢ وغيرهما بل لعل

١٥٩

الرأي المشهور والسائد هو ذلك.

إلّا ان بعض المتأخين كالسيد الخوئي والسيد الشهيد رفضوا ذلك وقالوا بان شيخوخة الاجازة لا تدل على الوثاقة.

وقرّب السيد الخوئي ذلك بان فائدة الاجازة ليست إلّا ان الشيخ المفيد مثلا سوف يحق له بسبب الاجازة ان يقول اخبرني احمد بن محمد بن الحسن ابن الوليد بهذه الاخبار الموجودة في الكتاب الذي اجازني روايته وكأنه يصير قد سمع الرواية منه.

وحيث ان سماع الثقة الرواية عن شخص ونقلها عنه لا يدل على وثاقته ـ لما تقدم من ان رواية الثقة عن شخص لا تدل على توثيقه ـ فلا يمكن ان تكون شيخوخة الاجازة دليلا على التوثيق (١).

ويمكن ان نقول في مناقشة ذلك : ان شيخ الاجازة إذا كان ممن يعرف بكثرة اخذ الاجازة عنه فذلك يكفي في الدلالة على التوثيق ، إذ من البعيد ان يذهب اعاظم الثقات إلى شخص ويستجيزونه في رواية كتاب وهو ليس بمحرز الوثاقة عندهم. وجرّب ذلك من نفسك ، فهل تذهب إلى شخص وتأخذ منه الاجازة في رواية احاديث كتاب أو كتابين وانت لا تحرز وثاقته؟!!

واذا قلت : ان ما ذكرته من الاستبعاد منتقض بما ينقله الشيخ الصدوق في كتابه عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٢٧٩ من ان احد مشايخه المسمى بأحمد ابن

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٧٧.

١٦٠