تراثنا ـ العددان [ 43 و 44 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 43 و 44 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢

١

تراثنا

العددان الثالث والرابع [٤٣ و ٤٤]

السنة الحادية عشر

محتويات العدد

*كلمة التحرير :

*وداعاً أيها الراحل الكبير!

................................................................. هيئة التحرير ٧

*تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث على أحاديث المهديّ عليه السلام بكتب الفريقين.

.............................................. السيّد ثامر هاشم حبيب العميدي ١٢

*نقض رسالة الحبل الوثيق في نصرة الصدّيق للحافظ جلال الدين السيوطي

................................... السيّد حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي ٨٦

*تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (٥).

............................................... السيّد علي الحسينيّ الميلانيّ ١٤٤

*أساس نظام الحكم في الاسلام : بين الواقع والتشريع (٢).

.......................................................... صائب عبدالحميد ٢٠١

*إحياء التراث ... لمحة تاريخية سريعة حول تحقيق التراث ونشره ، وإسهام ايران في ذلك (٥).

.......................................................... عبدالجبّار الرفاعي ٢٨١

٢

رجب ـ ذوالحجّة

١٤١٦ هـ

*من التراث الأدبي المنسي في الأحساء (١٦) :

*الشيخ أحمد الصفّار.

................................................ السيّد هاشم محمّد الشخص ٣٢٩

*مصطلحات نحوية (٤).

...................................................... السيّد علي حسن مطر ٣٤٧

*من ذخائر التراث :

*مكتبة العلّامة الكراجكي.

................................. تحقيق واستدراك : السيّد عبدالعزيز الطباطبائي ٣٦٥

*جهة القبلة ـ للشيخ بهاء الدين العاملي.

.............................................. تحقيق : الشيخ هادي القبيسي ٤٠٥

*من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٤٤٠

__________________

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة رسالة جهة القبلة للشيخ بهاء الدين العاملي ، المنشورة في هذا العدد ، ص ٤٠٥ ـ ٤٣٩.

٣
٤

٥
٦

كلمة التحرير :

وداعا

أيها الراحل الكبير!

شوط جديد تستقبله (تراثنا) منذ الآن.

ليس فقط لاستفتاحها العقد الثاني من عمرها المبارك ، بل أيضا لغياب ألمع نجم كان يسطع في سمائها ..

لقد جاءتكم (تراثنا) هذه المرة إذن وهي تنعى فقيدها الكبير الذي أغدق عليها ، عطاء وعطفا وترشيدا ، حتى استقام عودها وصلب ساقها واتسع ظلها واستطاب الناس ثمراتها ..

وعز عليها ومض فيها أن تنعى من كانت تراه من أول من يعنى بها! وأن ترعى ذكراه ، وما فتئت تراه يرعاها! .. وحق لها أن تقف طويلا أمام هذا الصرح الشامخ الذي وسع آفاقها ظله ، والبحر الزاخر الذي ما عرف الجزر مده ..

ذلك هو العلم الذي طالما رفعته (تراثنا) عند أهم مداخلها ، والقلم الذي لم يغب نداه مرة عن ثريات صحائفها ..

ذلك هو العلامة الكبير السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ، الرجل الذي تسلق سلم العلم والبحث والتحقيق حتى استوى في الصف المتقدم

٧

فيه ، ولا شك أن لهذا الصف المتقدم طلائع مبرزين ، ولقد كان فقيدنا ، بحق وجدارة ، متألقا بين هذه الطلائع العزيزة في عصرنا هذا ، بما أعطي من حافظة ثاقبة ، وصبر عظيم ، وصدق عزيمة ، وعلو همة .. وإذا كانت تلك الخصال متوفرة لا ريب لدى نظرائه من المحققين الكبار ، فلقد زان فقيدنا خصاله بخصائص قل أن تجد أخواتها عند غيره ...

فذلك الصفاء المتميز الذي كان يفيض من بين جوانحه إنما هو سيماء الصالحين من أبناء قروننا الأولى!

وذلك التواضع الذي يدهش له جليسه ، أين تجد نظيره إلا لدى من خشع قلبه لله تعالى حقا ، فلم يتسلق إلى نفسه شئ من مسحات غرور أو كبرياء ، ولا مثقال ذرة! إنه تواضع الطبع والسجية ، لا تواضع التطبع والتكلف والمداراة.

وخصلة ثالثة ، لو قلت إنك لا تجدها عند غيره ، فقد لا تعدو الصدق والأمانة ، ولا تقدح أحدا بغير حق ، تلك هي : عطاؤه الذي لا يعرف حدا إلا جهده وما يملك ، إنه العالم الذي لا يكتمك علما ينفعك ، ولا يخفي عليك فائدة وجدها ، باسط كنوزه بين أيدي طلابها والمعنيين بها ، إنه يعطيك حتى أعماله التحقيقية وبحوثه الجاهزة متى وجد لديك اهتماما تشفيه ، أو تصب فيه ، أو تلتقي معه .. يعطيكها كاملة ، فتكمل بها عملك ، وإن راقت لك اخترتها كلها لتنشرها باسمك أنت ، يعطيك وهو يعلم ذلك ، بل ربما أعطاك لأجل ذلك ، ولقد أعطى على هذه الطريقة كتبا ، وليس فوائد محدودة فقط ، ولقد حفظ عليه ذلك من حفظ فذكر له حقه أو بعض حقه في محله ، فيما تغافل وغض الطرف ، وقد نجد له عذرا أنه لو ذكر ذلك الحق كاملا فسوف لا يبقي لنفسه شيئا!!

٨

ذلك الباحث المنقب المتبحر الذي أنجز أربعة وثلاثين كتابا ، تأليفا وتحقيقا ، وبعضها في مجلدات ، مع عشرات البحوث والمقالات مع الحواشي الكثيرة على أمهات موسوعاتنا الرجالية والحديثية ، والذي طبق صيته الآفاق ، عالما بنفائس المخطوطات الإسلامية في مكتبات الشرق والغرب ، والذي قصده المحققون والباحثون على الدوام ، صغارا وكبارا.

ذلك الأب المهيب قد رحل عن مثل ثروة العاملين الزاهدين ، لقد خلف ثروة الأغنياء بحق ، فخلف التراث الخالد ما بقي الإنسان يحيا على هذه الأرض ..

لكنه لم يترك ثروة المتورمين ، أموالا وعقارات وأسواقا وعمارات! لم يخلف تراثا فانيا يتنازعه بعده الوارثون ، بل خلف تراثا باقيا به سيفخرون ما عاشوا وما عاشت ذرياتهم ، وعسى أن يكونوا أهلا لإحيائه ، ولقد أبدوا حتى الآن في سبيل ذلك أحسن الجهد وأطيبه منذ رحيله وحتى يومهم هذا ، فكشفوا بين آثاره من كنوز مفرقة على الأوراق أو في حواشي الكتب وبطون أغلفتها.

فأصبحت هذه الآثار اليوم مزار المشتاقين والعارفين والباحثين ، ومقصد المكتبات الكبرى لتنقل بالتصوير جميع تعليقاته على ما في مكتبته الغنية من الكتب الكثيرة ، لتكون في متناول زوار المكتبات ومراجعيها ، وهذا ـ بلا ريب ـ من صلب طموحه رحمه‌الله ، ويناسب قيمة جهده العلمي الدقيق.

أما مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام : لإحياء التراث ، والتي عنها تصدر (تراثنا) فقد بادرت بطباعة ونشر اثنين من أعماله النفيسة قبل انقضاء أربعين يوما على رحيله ، وهما : (ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من القسم غير

٩

المطبوع من (الطبقات الكبير) لابن سعد) و (مكتبة العلامة الحلي) (١).

ذلك العملاق الراحل قد كان بحق الامتداد الأصيل والأمثل لشيخيه الخالدين : الشيخ الأميني ، صاحب (الغدير) ، والشيخ الطهراني ، صاحب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) و (طبقات أعلام الشيعة) ، وهما العلمان اللذان لازمهما فقيدنا تمام ربع قرن إبان اشتغالهما في موسوعاتهما الضخمة ، فكان بحق الروح التي امتدت عنهما ، وقد زاده شغفه بهما تعلقا بآثارهما ، فبذل في خدمتها جهدا جبارا زانها كثيرا وألبسها حلة الكمال.

ومرة أخرى بين (تراثنا) وفقيدها الجليل ، وهي تنعى ما كان بينهما من وصل وتكامل .. فلقد كان العلامة الراحل يكرر مرارا أمنيته التي كانت تشغل باله أيام كان في النجف الأشرف ، وكان يفاتح بها كبار المهتمين بالتراث والفكر ، كان يتشوق لإصدار مجلة فصلية تعنى بتراث أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ومحبيهم ، وما زالت هذه الأمنية تراوده وتشغل باله حتى تحققت في (تراثنا) التي أصدرتها مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، فوجد السيد الفقيد فيها ضالته المنشودة ومحل تحقق أمانيه ، فكان معها منذ عددها الأول بقلبه وكيانه وعطائه .. كما وجدت (تراثنا) فيه أيضا ضالتها ، فكان قطبا لامعا بين أقطابها ، وبابا ثابتا في أبوابها ، وعلما شامخا في أعلامها.

لقد تكامل الأملان ، وتساير الصاحبان عقدا من الزمن على أتم

__________________

(١) تجد تعريفا بهما في حقل (من أنباء التراث) من هذا العدد.

وتجد أيضا في حقل (من ذخائر التراث) آخر ما أتحف به العلامة المحقق السيد الطباطبائي رحمه‌الله ، نشرتنا هذه قبل وفاته بأيام قلائل ، وهي رسالة (مكتبة العلامة الكراجكي).

١٠

ما يكون الوصال والوئام ، حتى أفلت شمس ذلك العقد بانطفاء شمعة الصاحب الوفي المؤتمن ، لتبقى (تراثنا) تشق طريقها إلى أمام ، محققة أمنياته بعد رحيله ، فالمهمات كبيرة ، والدرب لم يزل مفتوحا ، والشوط طويل ، وتراثنا ما زال يدعو الباحثين والمحققين إلى البحث والتنقيب والتحقيق ، وإن كان على (تراثنا) وهي رسالة التراث ، أن تنعى علامة امتزجت ذكراه بالقلوب والأرواح ، فإنها ماضية على عهدها بإذن الله تعالى ، وبتفاؤل وأمل كبيرين ، فهذه الأمة أمة ولود ، أنجبت وستنجب ما بقيت أفذاذا فيهم كل الأمل المنشود.

ولقد حظيت (تراثنا) منذ انطلاقتها الأولى باهتمام هذه الطبقة من المحققين الكبار والباحثين الأفاضل ، الساهرين على خدمة تراث أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم بقلوب لهفى لأن تتكشف أنوار هذا التراث الثر ، طريق الهدى والنور ، لأبصار السائرين وبصائرهم ، وسوف تبقى (تراثنا) الفخورة دائما باحتضانها الأسماء اللامعة وآثارهم الثرية والجديدة والنافعة فخرها بما احتضنته من تراث فقيدها وفقيدهم السيد الجليل والعلامة الكبير ، شيخ المحققين السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه‌الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.

(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *

أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

هيئة التحرير

١١

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث

على ما اختلف وتعارض

من أحاديث المهدي بكتب الفريقين

السيد ثامر هاشم حبيب العميدي

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه المخلصين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد :

فإن من دواعي كتابة هذا البحث هو التطاول على الحقائق الإسلامية الثابتة ببعض الكتيبات النقدية في الحديث الشريف ، لأسماء نكرة طفحت على الساحة الثقافية فجأة ، مع خلوها من أبسط المعايير العلمية لنقد الحديث ، إذ لم تتصف بشئ منها البتة ، حتى عادت تلك الكتيبات عقبة كأداء من عقبات التواصل الوحدوي على صعيد المجتمع المسلم ، بل وأشبه ما تكون بمحاولة جادة للقضاء على أي وسيلة من شأنها أن تقرب بين وجهات نظر المسلمين ، وتلم شعثهم ، وترأب صدعهم!

وذلك لابتذال المعايير العلمية في النقد ابتذالا واضحا خصوصا عند من

١٢

يمثل ثقافة تلقينية أصابها اليأس والإحباط المستمر ، مع افتقاره التام إلى معرفة الأسس والقواعد العلمية النقدية الثابتة ـ خصوصا في علم الحديث الشريف ـ التي تؤطر كل دراسة حديثية نقدية بشروط القبول.

ولا عذر لمثل هذا ، إذ لم تعد مسألة نقد الحديث ، مسألة نسبية تختلف باختلاف الناس وتباين ثقافاتهم.

ومن ثم فإن السنة المطهرة نفسها قد أرست بعض القواعد النقدية العامة ، والتي يمكن توظيفها لمواجهة الخطأ.

فالنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم علمنا مكارم الأخلاق ، وهو ـ بأبي وأمي ـ لم يكن فظا غليظ القلب ، وإلا لانفضوا من حوله ، وإنما كان في مواجهته للفكر الجاهلي المتعسف على خلق عظيم بشهادة السماء.

والأمة التي استطاعت أن تواجه الخطأ بهدي سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى استطاعت ـ وبمدة وجيزة ـ أن تقيم صرح حضارة امتدت جذورها إلى أقصى الأرض ، لقادرة على هذا أيضا.

والذي يحز في النفس ألما ، أن أمتنا قد فقدت المواجهة الصحيحة للخطأ ، وعادت رويدا رويدا إلى جاهلية من نوع آخر ، فيها من روح الابتعاد عن القرآن الكريم والسنة المطهرة الشئ الكثير ، فما أحوجنا اليوم إلى حوار صادق ، ونقد بناء ، ورجوع حثيث إلى الكتاب والسنة!

كما أننا بحاجة ماسة إلى معرفة تراثنا الحديثي ، لا فرق في ذلك بين كتب الحديث السنية أو الشيعية ، فهي كلها في نظر غير المسلم من تراث الإسلام ، وإلى كيفية تنمية المهارات العلمية والقدرات الكفوءة وتوظيفها لخدمة هذا التراث وبنقد يجيد صاحبه التعامل مع الآخرين من منطلق واع يهدف إلى تحقق غرض النقد وأهدافه ، مع التحلي بأدب الإسلام ، ونبذ التصورات الخاطئة ، وتجنب إساءة الظن وفكرة سحق الآخر!

١٣

كل هذا مع إدراك أن التغيير المطلوب نحو الأفضل لا يمكن الوصول إليه بنقد ظالم متعسف ، يرام من خلاله إيقاع الهزيمة بطرف من الأطراف والانتصار لطرف آخر!

فنقد كهذا لا شك أنه لا يصدر إلا عن نقص معرفة أو قصور ذهني في عدم التمييز بين المسائل الثابتة التي لا تقبل جدلا ، وبين المشكوكة الصحة في كل أو بعض ما تتضمن ، وبالتالي فهو لا يملأ فراغا علميا ، بل على العكس إذ يسهم بإيجاده بدعمه نمطا نقديا لا يرى من الصورة غير إطارها ، ولا من الشخص إلا اسمه ، ومع هذا قد يكون صادرا بحسن نية.

إلا أن نمطا نقديا من نوع آخر لا يمكن أن يكون كذلك ، ذلك النمط الذي يجعل ما عند الآخر متهافتا ولو كان في منتهى القوة ، ويصنف الآخرين بالصورة التي يرغبها هو ، صورة ساخرة يحاول أن يمزقها بقلمه الذي اعتاد النزول إلى الشتائم لدرجة تشعر من خلالها لذته في الشتم والسباب!

فتراه يعطي العناوين النقدية ـ لما هو صواب فعلا ـ بروزا ظاهرا وحجما مميزا ، وبشكل يبرز عقدة الاستهداف ، مع تأصيل الاستبداد النقدي بالرغبة الظاهرة في احتكار الموضوعات بثقافة شخصية تفتقر إلى التوازن النفسي باستعلائها على ذوي الاختصاص في نقد ذلك التراث الضخم بتعليم تلقيني جامد غالبا ما يؤدي إلى هيمنة التصورات التي لا محصل لها ، والافتراضات الخاطئة في نقد الآخرين.

كل هذا مع حشد الناقد الفاقد لمعايير النقد العلمية ـ سواء في الحديث الشريف أو غيره ـ لجهات أخرى في محاولة منه لإعلان حالة من التعبئة العامة لمواجهة الطرف الآخر بعقلية التحريض المضاد ، كما نلحظه اليوم في تذييل الكتابات النقدية أو تصديرها بعناوين التحذير!!

وهكذا يكون التهديد المباشر ، وبلغة بعيدة عن أخلاقيات النقد العلمي

١٤

الموضوعي الهادف على درجة عالية من الفجاجة والاستفزاز ، لأنه تأطير للعلماء بجهالة من دون ترو مطلوب ، ولا أشك في أن الطرف الآخر سوف لن يقابل الإساءة بالإحسان على هذا النحو من التشويه ، وإنما سيكون هو الآخر في حالة استنفار دائم مع التحدي المستمر ، وهذا ما يؤكد بطبيعته مسيس حاجتنا إلى الرجوع إلى منابع الإسلام الصافية ، مع ضرورة تشخيص تلك الثقافات المنحرفة ، فهي كجرثومة السرطان التي إذا ما وجدت بيئتها في عضو فليس له طب غير الاستئصال!

كيف لا؟! وهدفها المعلن هو التشكيك ببعض المسلمات والثوابت الدينية بحجة اختلافها وتعارضها .. ويأتي في مقدمة تلكم المسلمات والثوابت مسألة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان.

نعم ، لقد تعرض لهذه المسألة بالنقد مفتقرو المعايير العلمية لنقد الحديث ، وتأثر بعضهم بمنهج البحث الاستشراقي إزاء قضايانا الإسلامية ، حتى أطلق ـ تبعا لجولدزيهر ، وفلوتن ، وولهوسن ، وغيرهم ـ خرافة فكرة الإمام المهدي وأسطوريتها!!

وهكذا طعنوا إسلامهم في الصميم ، ولم يلتفتوا إلى أن الأسطورة التي بسطت وجودها بهذا الشكل في تراثنا الإسلامي ، ومدت خيوطها في سائر العصور الإسلامية ، وانتشر الإيمان بها في كل جيل ، لا شك أنها سلبت عقول فحول علماء المسلمين ، وصنعت لأجيالهم تاريخا عقائديا مزيفا ، وتلك هي الطامة الكبرى والكارثة العظمى!

كيف لا؟! وفي تاريخ المسلمين أسطورة قد أجمعوا على صحتها!!

هذا ، مع أن التاريخ لا يعرف أمة خلقت تاريخها أسطورة ، فضلا عن كون أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي من أرقى أمم العالم حضارة باعتراف المستشرقين أنفسهم ، ناهيك عن دور القرآن الكريم والسنة المطهرة في تهذيب نفوس

١٥

المسلمين ، ومحاربة البدع والخرافات والأساطير التي كانت سائدة في مجتمع ما قبل الرسالة السماوية الخالدة.

ومن هنا ، وانطلاقا من رصد المشاكل الثقافية المهمة المرتبطة ارتباطا وثيقا بواقع النقد ولد هذا البحث ، ليكون مساهمة متواضعة بحاجة إلى النقد العلمي البناء ، والإضاءة ، والتطوير ، لعله يؤدي إلى فهم إسلامي مشترك ، ويغلق منافذ التشكيك بواحدة من مهمات قضايانا الإسلامية ، وهي قضية ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان ، وعلى طبق ما أخبرت به السنة النبوية المطهرة (*).

وسوف أستهل البحث بإثبات تواتر أحاديث المهدي ، ذاكرا من أخرجها من الأئمة الحفاظ ، ومن أسندت إليه ، ومن قال بصحتها أو اعترف بتواترها على نحو الإيجاز والاختصار ، ومن ثم إخضاع ما وقفت عليه من الأحاديث المختلفة والمتعارضة بهذا الشأن إلى الدراسة والنقد وعلى ضوء ما تعارف عليه أهل الفن من الفريقين ، راجيا من السادة العلماء ، والمشايخ الأجلاء ، والباحثين الفضلاء التماس العذر لي على ما يرونه من زلات وهفوات وهنات ، وأن يغفروا لي ذلك ، والله أولى بالمغفرة.

وهو حسبي.

ثامر هاشم حبيب العميدي

٢٨ المحرم الحرام ١٤١٦ ه

قم المشرفة

__________________

* راجع كتاب : (مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي) للدكتور حسن محمد وجيه ، إصدار سلسلة عالم المعرفة ، رقم ١٩٠ ، الكويت ١٤١٥ ه ، فستجد فيه نماذج راقية من أدب الحوار الهادف الذي يمكن توظيفه لخدمة الأعمال النقدية ، والحق ، أني استفدت هنا من بعض أفكاره

١٦

تواتر أحاديث المهدي عليه‌السلام

إن المشهور شهرة واسعة بين جميع المسلمين ، وعلى مر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ويظهر العدل ، وينشر الإسلام في بقاع العالم كله ، ويسمى بالإمام المهدي.

هذا باعتراف ابن خلدون (ت ٨٠٨ ه) الذي حاول مناقشة أحاديث المهدي وتضعيفها ، مع تصريحه بصحة بعضها كما نشير إليه في محله.

والحق أن دليل المسلمين على ذلك هو تواتر أحاديث المهدي والجزم بصحتها ، وليس شهرتها ، فقد أخرجها في ما وقفت عليه ببحث مستقل جماعة كثيرة من أئمة الحفاظ ، وأسندوها إلى عدد وافر من الصحابة ، وإليك الإشارة السريعة إلى كل هذا ، فنقول :

أخرج أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام ابن سعد (ت ٢٣٠ ه) ، وابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ ه) ، والإمام أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ ه) ، وأبو بكر الإسكافي (ت ٢٦٠ ه) ، وابن ماجة (ت ٢٧٣ ه) ، وأبو داود (ت ٢٧٥ ه) ، وابن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦ ه) ، والترمذي (ت ٢٧٩ ه) ، والبزار (ت ٢٩٢ ه) ، وأبو يعلى الموصلي (ت ٣٠٧ ه) ، والطبري (ت ٣١٠ ه) ، والعقيلي (ت ٣٢٢ ه) ، ونعيم بن حماد (ت ٣٢٨ ه) ، وابن حبان البستي (ت ٣٥٤ ه) ، والمقدسي (ت ٣٥٥ ه) ، والطبراني (ت ٣٦٠ ه) ، وأبو الحسن الآبري (ت ٣٦٣ ه) ، والدارقطني (ت ٣٨٥ ه) ، والخطابي (ت ٣٨٨ ه) ، والحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ ه) ، وأبو نعيم الأصبهاني (ت ٤٣٠ ه) ، وأبو عمرو الداني (ت ٤٤٤ ه) ، والبيهقي (ت ٤٥٨ ه) ، والخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ ه) ، وابن عبد البر المالكي (ت ٤٦٣ ه) ، والديلمي (ت

١٧

٥٠٩ ه) ، والبغوي (ت ٥١٠ أو ٥١٦ ه) ، والقاضي عياض (ت ٥٤٤ ه) ، والخوارزمي الحنفي (ت ٥٦٨ ه) ، وابن عساكر (ت ٥٧١ ه) ، وابن الجوزي (ت ٥٩٧ ه) ، وابن الجزري (ت ٦٠٦ ه) ، وابن العربي (ت ٦٣٨ ه) ، ومحمد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢ ه) ، والعلامة سبط ابن الجوزي (ت ٦٥٤ ه) ، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت ٦٥٥ ه) ، والمنذري (ت ٦٥٦ ه) ، والكنجي الشافعي (ت ٦٥٨ ه) ، والقرطبي المالكي (ت ٦٧١ ه) ، وابن خلكان (ت ٦٨١ ه) ، ومحب الدين الطبري (ت ٦٩٤ ه) ، وابن تيمية (ت ٧٢٨ ه) ، والجويني الشافعي (ت ٧٣٠ ه) ، وعلاء الدين بن بلبان (ت ٧٣٩ ه) وولي الدين التبريزي (المتوفى بعد سنة ٧٤١ ه) ، والمزي (ت ٧٤٢ ه) ، والذهبي (ت ٧٤٨ ه) ، وسراج الدين ابن الوردي (ت ٧٤٩ ه) ، والزرندي الحنفي (ت ٧٥٠ ه) ، وابن قيم الجوزية (ت ٧٥١ ه) ، وابن كثير (ت ٧٧٤ ه) ، وسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٣ ه) ، ونور الدين الهيثمي (ت ٨٠٧ ه).

أقول :

ذكرنا هؤلاء الأئمة الحفاظ إلى عصر المؤرخ ابن خلدون (ت ٨٠٨ ه) الذي تناول أحاديث المهدي بالدراسة والنقد ، وضعفها مصرحا بصحة القليل منها مع أنه لم يتناول من تلك الأحاديث إلا القليل جدا ، لكي يعلم عدم وجود الموافق لابن خلدون ، لا قبله ، ولا بعده أيضا ، إلا شرذمة قليلة ممن راقها زبرج الثقافة الاستشراقية (١).

هذا ، وقد أسند من ذكرنا أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام إلى الكثير من

__________________

(١) ناقشنا هؤلاء في كتابنا : دفاع عن الكافي ١ / ١٦٧ ـ ٦١١ ، فراجع.

١٨

الصحابة ، وأضعافهم من التابعين ، وسنذكر بعض من وقفنا عليه منهم بحسب وفياتهم مبتدئين ب :

فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ت ١١ ه) ، ومعاذ بن جبل (ت ١٨ ه) ، وقتادة بن النعمان (ت ٢٣ ه) ، وعمر بن الخطاب (ت ٢٣ ه) ، وأبي ذر الغفاري (ت ٣٢ ه) ، وعبد الرحمن بن عوف (ت ٣٢ ه) ، وعبد الله بن مسعود (ت ٣٢ ه) ، والعباس بن عبد المطلب (ت ٣٢ ه) ، وكعب الأحبار (ت ٣٢ ه) ، وعثمان بن عفان (ت ٣٥ ه) ، وسلمان الفارسي (ت ٣٦ ه) ، وطلحة بن عبد الله (ت ٣٦ ه) ، وعمار بن ياسر (ت ٣٧ ه) ، والإمام علي عليه‌السلام (ت ٤٠ ه) ، وتميم الداري (ت ٤٠ ه) ، وزيد بن ثابت (ت ٤٥ ه) ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب (ت ٤٥ ه) ، والأمام الحسن السبط عليه‌السلام (ت ٥٠ ه) ، وعبد الرحمن بن سمرة (ت ٥٠ ه) ، ومجمع بن جارية (ت نحو ٥٠ ه) وعمران بن حصين (ت ٥٢ ه) ، وأبي أيوب الأنصاري (ت ٥٢ ه) ، وعائشة بنت أبي بكر (ت ٥٨ ه) ، وأبي هريرة (ت ٥٩ ه) ، والإمام الحسين السبط الشهيد عليه‌السلام (ت ٦١ ه) ، وأم سلمة (ت ٦٢ ه) ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (ت ٦٥ ه) ، وعبد الله بن عمرو بن العاص (ت ٦٥ ه) ، وعبد الله بن عباس (ت ٦٨ ه) ، وزيد بن أرقم (ت ٦٨ ه) ، وعوف بن مالك (ت ٧٣ ه) ، وأبي سعيد الخدري (ت ٧٤ ه) ، وجابر بن سمرة (ت ٧٤ ه) ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٨ ه) ، وعبد الله بن جعفر الطيار (ت ٨٠ ه) ، وأبي أمامة الباهلي (ت ٨١ ه) ، وبشر ابن المنذر بن الجارود (ت ٨٣ ه ـ وقيل : جده الجارود بن عمرو ، ت ٢٠ ه ـ) ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي (ت ٨٦ ه) ، وسهل بن سعد الساعدي (ت ٩١ ه) ، وأنس بن مالك (ت ٩٣ ه) ، وأبي الطفيل (ت ١٠٠ ه) ، وشهر بن حوشب (ت ١٠٠ ه).

١٩

إلى غير هؤلاء ممن لم أقف على تاريخ وفياتهم ، كأم حبيبة ، وأبي الجحاف ، وأبي سلمى راعي إبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبي ليلى ، وأبي وائل ، وحذيفة بن أسيد ، وحذيفة بن اليمان ، والحرث بن الربيع أبي قتادة ، وزر بن عبد الله ، وزرارة بن عبد الله ، وعبد الله بن أبي أوفى ، والعلاء ، وعلقمة بن عبد الله ، وعلي الهلالي ، وقرة بن أياس.

ولا بأس هنا بإطلالة واحدة على حديث صحابي واحد فقط ممن ذكرنا من أسماء الصحابة الذين أسندت إليهم أحاديث المهدي ، لتتبين طرقه وتفرعاتها في كل طبقة من طبقات الرواة ، مع كثرة من أخرجه من الأئمة الحفاظ ، وهو حديث أبي سعيد الخدري ، وقس عليه أحاديث بقية الصحابة ، التي تعرض لبعضها أبو الفيض الغماري بتفصيل رائع ، وإليك نص ما قاله عن الحديث الذي اخترناه.

قال : (أما حديث أبي سعيد الخدري : فورد عنه من طريق : أبي نظرة ، وأبي الصديق الناجي ، والحسن بن يزيد السعدي.

أما طريق أبي نظرة : فأخرجه أبو داود ، والحاكم كلاهما من رواية عمران القطان ، عنه.

وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد ، ومن رواية داود ابن أبي هند كلاهما ، عنه. لكن وقع في صحيح مسلم ذكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.

وأما طريق أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد : فأخرجه عبد الرزاق ، والحاكم من رواية معاوية بن قرة ، عنه.

وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمي ،

٢٠