تراثنا ـ العددان [ 43 و 44 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 43 و 44 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢

والقول في الزكاة من ذا يعلم

فالحكم أن يعطى إذا لا يحرم

والعلم عند الله ثم المصطفى

وآله أهل المعالي والوفا

و (أحمد الصفار) يرجو المغفره

من ربه في هذه والآخره

بالمصطفى المختار والكرار

وفاطم والعترة الأطهار

صلى عليهم ربنا ما قبلت

أعمالنا بحبهم واتصلت

(٣)

في الاجتهاد والتجزي

في الاجتهاد اختلف الأصحاب

وعندهم قد حصل اضطراب

في أنه هل يقبل التجزي

وأنه في الاجتزاء يجزي

وظاهر الدليل فيه مختلف

من أجل ذا كلامهم لم يأتلف

وينبغي قبل الكلام ذكر ما

أراد من هذا الكلام العلما

ومقتضى كلامهم أمران

هما : حصول الحفظ والإتقان

ثانيهما حصول أصل الملكه

والقوة القدسية المباركه

فإن أريد الحفظ والضبط لما

قد جاءنا وما يقول العلما

فذا يقينا يقبل التجزي

لكن هذا عندنا لا يجزي

ما لم يكن مع قوة قدسيه

لأخذه المسائل الفرعيه

من الأصول حسبما قد ذكروا

في كتبهم في ضمن ما قد سطروا

٣٤١

وزبدة القول هنا التجزي

في الضبط والحفظ وهذا يجزي

ويجتزي صاحبه ويرجع

إليه في الأمور فهو مرجع

وما من الأخبار مشعر به

معناه ما نقوله فانتبه

إذ لا يحيط أحد من البشر

بكل ما قد جاءنا من الغرر

وعمدة الأمر هنا الدرايه

لا ضبطه وحفظه الروايه

إذ رب راو حامل الروايه

لغيره ممن له الدرايه

والفقه قد يحمله شخص إلى

أفقه منه وهو منه قد خلا

وإن أريد (٦) القوة القدسيه

وما به المسائل الفرعيه

تستنبطن من أصلها المتين

فذاك لا يقبل باليقين

إذ كل ما في الاجتهاد شرط

فإنه يلزم فيه الضبط

وكلما تفرض من مسألة

يلزم فيها الأخذ بالأدلة

والأخذ واستنباطها لا يعلم

إلا لشخص بالجميع يعلم

وكل من كان بتلك ضابطا

يمكنه لا شك أن يستنبطا

ما يعرضن عليه من مسألة

من أصلها مراعي الأدلة

وليس ذا بالفعل شرطا فيه

بل التهيؤ عندنا يكفيه

__________________

(٦) قوله : (وإن أريد) عطف على قوله : (فإن أريد الحفظ ...) في البيت رقم ٧ من هذه المقطوعة المار في الصفحة السابقة ، وقوله في البيت الآتي : (فذاك لا يقبل) جواب للشرط (وإن ...) ، والمعنى : أنه إن أريد بالتجزي التجزي في ملكة الاستنباط ـ (القوة القدسية ...) ـ فذاك لا يقبل التجزي باليقين ، أي أن الملكة لا تقبل التجزي يقينا.

٣٤٢

والاشتكال وكذا التردد

في الاجتهاد مطلقا لا يرد

لأن ذا منشؤه العوارض

وهذه الذاتي لا تعارض

فليس معنى لتجز أبدا

فخذ بذا ولا تقلد أحدا

وذا الذي التوقيع والمقبوله

دلا عليه فافهمن دليله

إذ الرواة للأحاديث النظر

شرط عليهم فاعتبر يا من نظر

وذا الذي أفهمه ، ويعلم

حقائق الأمور ربي العالم

والمصطفى وآله الأطهار

فإنهم صفوته الأبرار

و (أحمد الصفار) ذو الذنوب

لا زال يرجو الستر للعيوب

بالمصطفى وآله الكرام

صلى عليهم خالق الأنام

ما عسعس الليل كذا النهار

وما بهم محصت الأوزار

(٤)

في وجوب صلاة الجمعة عينا

في الجمعة الخلف فشا هل تجب

في زمن الغيبة أو بل تندب

أو الصلاة أربعا مندوب

وجمعة عن فعلها مرغوب

أو الصلاة أربعا محتم

وجمعة ممتنع محرم

ثم على الجواز هل يلتزم

في من يؤم الفقه أو لا يلزم

بل سائر الشروط مهما تحصل

من غير مانع هناك تفعل

٣٤٣

أما الذي أختاره ويقوى

لدي في ذاك وفيه التقوى

فهو الوجوب بالفقيه عينا

إن كان عدلا مؤمنا أمينا

والظهر من بعد فرادى أحوط

وذاك مع غير الفقيه أضبط

حجتنا على الذي أختار :

نص الكتاب وكذا الأخبار

وما أتى (٧) : لم تك ركعتين

وقبلها يؤتى بخطبتين

إلا لأجل الفقه والتقوى لمن

يؤمها فافهم هديت واعلمن

والاحتياط ها هنا من أجل من

خالف في الكل وإن كان وهن

وظاهر الآية والروايه

مقيد عند ذوي الدرايه

بما نقول فافهمن المأخذا

واترك فضولا ما هناك وانبذا

وشبهة القائل بالتحريم

يردها كل فتى عليم

لأنها كانت من الإجماع

المدعى وليس من إجماع

كما سمعت فالخلاف قد وقع

فليس إجماع هنا كي يتبع

وإنما الاجماع حقا واقع

حال الحضور ما له من دافع

__________________

(٧) قوله : (وما أتى) عطف على قوله : (نص الكتاب وكذا ...) ، والمعنى : أن لنا على ما نقوله دليلان ، الأول : نص الكتاب والأخبار الدالة على أصل وجوب الجمعة ، والثاني : ما أتى في الأحاديث الشريفة من أن صلاة الجمعة إنما اكتفي فيها بركعتين مسبوقة بخطبتين لأجل مكانة الإمام وفقاهته وتقواه (عن الرضا عليه‌السلام قال : إنما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين ، وإذا كان بغير الإمام ركعتين وركعتين ، لأن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد ... ولأن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل ، لعلمه وفقهه وفضله وعدله ...) وسائل الشيعة ٥ / ١٥ ، وهذا يشعر بأن الفقاهة والاجتهاد في الإمام شرط لتجب الجمعة عينا.

٣٤٤

على اشتراطهم إمام الأصل

أو الذي يأمره بالفعل

على الخصوص أو على العموم

كما به صرح جل القوم

ولفظة (العادل) في النصوص

ليس لذي العصمة بالخصوص

فإنها قد وردت في الخبر

للعدل أيضا فافهمن واعتبر

وذاك في (التهذيب) للمقدس

معنعنا معتبرا عن (يونس)

عن صادق القول (الإمام جعفر)

فللكتاب فتشن واعتبر

وذاك في باب الأذان واقع

في من أتى الإمام وهو راكع

وما يقال أن فرض الجمعة

مما به قد خص أهل العصمة

مسلم لكن أتانا النص

بالإذن للنائب في ما خصوا

كالحكم والقضاء والحدود

وكل أمر حادث جديد

والفعل للجمعة ليس أعظما

وها هنا القياس ليس لازما

إذ إذنهم في الكل للعموم

لا يخرجن عن حكمه المعلوم

إلا الذي يخرج بالدليل

وليس للإخراج من دليل

والقول بالتخيير وهي أفضل

أو أن فعل الظهر منها أكمل

أو أحد منها بلا تفضيل

ليس أرى للكل من دليل

هذا ولا عذر لنا في ترك ما

قد أمر الله به وألزما

إذ قال في كتابه : إسعوا لها

وبيعكم ذروه واقضوا فعلها

لعلنا نرحمكم لتفلحوا

واللهو بالدنيا اتركوا لتنجحوا

وعن رسوله أتى التأكيد

في فعلها ، وتركها الوعيد

٣٤٥

وقد أتى : أن لا صلاة تنفع

مع تركها ولا زكاة تنجع

وما أتى من عمل فضائع

وإن بها أتيت فهو نافع

والأمر والحث من الأطهار

يقطع أعذار ذوي الأعذار

بلغ ربي (أحمدا) ويسرا

لفعلها من غير مانع يرى

وما على (الصفار) من أوزار

يرجو له العفو من الغفار

بأحمد وآله الأمجاد

صلى عليهم خالق العباد

ما اشترطت طاعتهم بالطاعه

لكلهم لتحصل الشفاعه

* * *

٣٤٦

مصطلحات نحوية

(٤)

السيد علي حسن مطر

سادسا ـ مصطلح الكلام

١ ـ الكلام لغة :

استعمل الكلام في أربعة معان لغوية :

(أحدها : الحدث الذي هو التكليم ، تقول : أعجبني كلامك زيدا ، أي : تكليمك إياه ...

والثاني : ما في النفس مما يعبر عنه باللفظ المفيد ، وذلك كأن يقوم بنفسك معنى (قام زيد) ... فيسمى ذلك الذي تخيلته كلاما ...

والثالث : ما تحصل به الفائدة سواء كان لفظا أو خطا أو إشارة ، أو ما نطق به لسان الحال). (١)

والرابع : (اللفظ المركب أفاد أم لم يفد) (٢)

__________________

(١) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ٢٧ ـ ٢٩.

(٢) أ ـ همع الهوامع ، السيوطي ، تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال مكرم ١ / ٢٩ ب ـ شرح ألفية ابن مالك ، ابن عقيل ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١٤.

٣٤٧

٢ ـ الكلام اصطلاحا :

وأما النحاة فقد استعملوا (الكلام) أولا في مطلق ما يتكلم به من الألفاظ الدالة على معنى ، ثم أرادوا به بعد ذلك خصوص ما تحصل به الفائدة من الألفاظ.

والكلام من المصطلحات التي ولدت بولادة النحو ، فقد جاء في الروايات أن الإمام عليا (ع) ألقى إلى أبي الأسود الدؤلي صحيفة جاء فيها : (الكلام كله : اسم وفعل وحرف) (٣).

وأول تعريف اصطلاحي وجدته للكلام هو قول الرماني (ت ٣٨٤ ه) : (الكلام ما كان من الحروف دالا بتأليفه على معنى) (٤) وواضح أنه غير مانع من دخول الكلمة والتراكيب الناقصة كالمضاف والمضاف إليه ، والصفة والموصوف.

وعرفه ابن جني (ت ٣٩٢ ه) بقوله : (الكلام كل لفظ مستقل بنفسه ، مفيد لمعناه ، وهو الذي يسميه النحويون الجمل) (٥) ، وتابعه عليه ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) (٦)

ويريد بالمستقل (ما كان من الألفاظ قائما برأسه ، غير محتاج [في

__________________

(٣) أ ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة ، القفطي ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ١ / ٣٩.

ب ـ معجم الأدباء ، ياقوت ١٤ / ٤٩.

ج ـ الأشباه والنظائر في النحو ، السيوطي ، تحقيق عبد العال مكرم ١ / ١٢ ـ ١٣.

(٤) الحدود في النحو ، الرماني ، ضمن كتاب (رسائل في النحو واللغة) تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٤٢.

(٥) الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ١ / ١٧.

(٦) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ٢٠.

٣٤٨

الدلالة على معناه] إلى متمم له) (٧) ويريد بالمفيد التام في مقابل المفردات والمركبات الناقصة ، (فالتام هو المفيد ، أعني الجملة وما كان في معناها من نحو : صه وإيه ، والناقص ما كان بضد ذلك ، نحو : زيد ... وكان أخوك) (٨).

إذا أريد ب (كان) الناقصة.

وكأن ابن جني لاحظ أن قوله (مفيد) ـ بالمعنى الذي بينه ـ مغن عن تقييد اللفظ بكونه مستقلا ، فعاد إلى تعريف الكلام بأنه ، أصوات تامة مفيدة (٩).

ويلاحظ عليه :

أولا : أن الصوت (جنس بعيد ، لانطلاقه على ذي الحروف وغيرها). (١٠)

ثانيا : أن (التامة) و (المفيدة بمعنى واحد ، فكان ينبغي الاقتصار على إحداهما.

وقال الحريري (ت ٥١٦ ه) : (الكلام عبارة عما يحسن السكوت عليه ، وتتم الفائدة به) (١١) ، وتابعه عليه السرمدي (ت ٧٧٦ ه) (١٢) ومراده ب (ما) اللفظ ، وكان الأولى التصريح به ، وقوله (وتتم الفائدة به) تفسير لما قبله ، فيحسن الاكتفاء بأحدهما عن الآخر.

وقال في شرحه : (ولا يأتلف [الكلام] من أقل من كلمتين ، فأما

__________________

(٧) الخصائص ، ١ / ٢١.

(٨) الخصائص ، ابن جني ١ / ١٨.

(٩) الخصائص ، ابن جني ١ / ١٨.

(١٠) شرح الأزهرية في علم العربية ، خالد الأزهري ، ص ١١.

(١١) شرح على متن ملحة الإعراب ، الحريري ، ص ٢.

(١٢) شرح اللؤلؤة ، السرمري ، مخطوط مصورته لدي ٥ / ب.

٣٤٩

قولك : صه ، بمعنى اسكت ، ومه ، بمعنى اكفف ، ففي كل منهما ضمير مستتر للمخاطب ، والضمير المستتر يجري مجرى الاسم ظاهرا) (١٣) وعرفه الزمخشري (ت ٥٣٨ ه) بقوله : (الكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى) (١٤).

وقال ابن يعيش في شرحه : إن مراده (بالمركب اللفظ المركب ، فحذف المركب لظهور معناه ، وقوله : (من كلمتين) فصل احترز به عما يتألف من الحروف ، نحو الأسماء المفردة ... وقوله : (أسندت إحداهما إلى الأخرى) فصل ثان احترز به عن مثل معدي كرب وحضر موت ، وذلك أن التركيب على ضربين : تركيب إفراد ... [وهو] أن تأتي بكلمتين فتركبهما وتجعلهما كلمة واحدة بإزاء حقيقة واحدة ... ولا تفيد هذه الكلم بعد التركيب ... وتركيب الإسناد أن تركب كلمة مع كلمة تنسب إحداهما إلى الأخرى ... على السبيل الذي به يحسن موقع الخبر وتمام الفائدة) (١٥).

وإنما عبر بالإسناد دون الإخبار ، لأن الإسناد أعم ، إذ يشمل النسبة التي في الكلام الخبري والطلبي والإنشائي (١٦).

وقام ابن الحاجب (ت ٦٤٦ ه) باختزال تعريف الزمخشري ، فقال : (الكلام ما تضمن كلمتين بالإسناد) (١٧).

وجرى أبو حيان (ت ٧٤٥ ه) مجراهما في التعريف ، فقال : (الكلام

__________________

(١٣) شرح على متن ملحة الإعراب ، ص ٢.

(١٤) المفصل في علم العربية ، الزمخشري ، ص ٦.

(١٥) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ٢٠.

(١٦) أ ـ شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٣٣.

ب ـ شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ٢٠.

(١٧) شرح الرضي على الكافية ١ / ٣١.

٣٥٠

قول دال على نسبة إسنادية) (١٨) ، وإن كان يفضلهما من حيث إنه لم يذكر تركب الإسناد من كلمتين ، مما قد يوهم ـ رغم صحته ـ عدم جواز تركب الكلام من أكثر من كلمتين.

وقد لاحظ عليه ابن هشام أن (مقتضاه أن الكلام لا يختص بالمفيد ، لأن الحد صادق على كل من جملتي الشرط والجزاء ، والجملة الواقعة صلة ، مع أن كلا من ذلك غير مفيد) (١٩).

وعرفه ابن الأنباري (ت ٥٧٧ ه) بقوله : الكلام (ما كان من الحروف دالا بتأليفه على معنى يحسن السكوت عليه) (٢٠).

وهو اصطلاح لتعريف الرماني المتقدم ، بنحو يجعله مانعا من دخول الكلمة والمركبات الناقصة ، إلا أنه ـ كالحريري ـ أطال في مقدمته ، وكان بوسعه الاستغناء عن عبارة (ما كان من الحروف دالا بتأليفه) بقوله : (اللفظ الدال) ، وهذا ما فعله ابن الناظم (ت ٦٨٦ ه) إذ قال : (الكلام ... هو اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه) (٢١).

وعرفه الشلوبيني (ت ٦٤٥ ه) بأنه (لفظ مركب وجودا أو نية ، مفيد بالوضع ... والمركب نية كقولك : قم واقعد) (٢٢) ، وتابعه عليه ابن عصفور (ت ٦٦٩ ه) (٢٣).

ويلاحظ عليه أن تقسيمه التركيب إلى وجودي وتقديري ، ليس قيدا

__________________

(١٨) أ ـ شرح اللمحة البدرية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ١ / ٢٢٩.

ب ـ غاية الاحسان في علم اللسان ، أبو حيان ، مخطوط مصورته لدي ، ٢ / أ.

(١٩) شرح اللمحة البدرية ، ابن هشام ، ١ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢٠) أسرار العربية ، ابن الأنباري ، تحقيق محمد بهجة البيطار ، ص ٣.

(٢١) شرح ابن الناظم على الألفية ، ص ٣.

(٢٢) التوطئة ، الشلوبيني ، تحقيق يوسف أحمد المطوع ، ص ١١٢.

(٢٣) المقرب ، ابن عصفور ، تحقيق أحمد الجواري وعبد الله الجبوري ١ / ٤٥.

٣٥١

احترازيا ، وإنما هو مجرد إيضاح لنوعي المركب ، فكان يحسن إدراجه في شرح التعريف كما فعل الحريري في تعريفه المتقدم ، ولعله لأجل ذلك عمد ابن معطي (ت ٦٦٨ ه) إلى إجراء بعض التعديل على الحد ، فقال : (الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع) (٢٤).

ومراده بالوضع (أن يدل [اللفظ] على معنى عينه الواضع بإزائه) (٢٥).

وتشير بعض المصادر إلى أن أول من أدخل قيد (الوضع) في حد الكلام هو أبو موسى الجزولي (ت ٦٠٧ ه) (٢٦) ، وتابعه على ذلك تلميذه ابن معطي والشلوبيني وابن عصفور.

ولم ير بعض النحاة ضرورة لإثبات قيد (الوضع) ، (لأن الصحيح اختصاصه بالمفردات ، والكلام خاص بالمركبات ، ودلالتها غير وضعية على الأصح) (٢٧) ، بل قد يقال بعدم الاحتياج له حتى لو كانت دلالة المركبات بالوضع ، لأنه ليس ذاتيا للكلام ليدخل في حده ، ولأنه ليس قيدا احترازيا عن شئ ما دام الكلام على اللغة وليست دلالتها إلا بالوضع.

وطرح ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) تعريفين للكلام :

أولهما : (الكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته) (٢٨).

ومما قاله السلسيلي في شرحه : (قوله : (مفيدا) احترز به من المتضمن إسنادا ، لكنه غير مفيد ، نحو قولهم : النار حارة والسماء فوق الأرض ، قوله :

__________________

(٢٤) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي ، ص ١٤٩.

(٢٥) حاشية الشيخ ياسين على شرح التصريح ١ / ٢٠.

(٢٦) المحصول ١ / ب ، شرح الفصول ١ / أنقلا عن مقدمة محقق كتاب الفصول الخمسون ، ص ١١٣.

(٢٧) شرح الأزهرية في علم العربية ، خالد الأزهري ، ص ١٥.

(٢٨) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات ، ص ٣.

٣٥٢

(مقصودا) احترز به من حديث النائم ، ومحاكاة بعض الطيور للإنسان ، قوله : (لذاته) احترز به من المقصود لغيره ، كالجملة الموصول بها والمضاف إليها) (٢٩).

وواضح من كلامه أنه يشترط لكون الكلام مفيدا ، مضافا لدلالته على معنى يحسن السكوت عليه ، أن يزود السامع بعلم جديد ، بأن لا يكون مضمونه معلوم الثبوت أو الانتفاء بالضرورة ، وقد وافقه على هذا كل من الأشموني (ت ٩٠٠ ه) (٣٠) والأزهري (ت ٩٠٥ ه) (٣١) ، وهو شرط لا يمكن قبوله ، لأن تضمن الكلام لعلم جديد على السامع ليس داخلا في حقيقته (وإلا لكان الشئ الواحد ، كلاما وغير كلام ، إذا خوطب به من يجهله فاستفاد مضمونه ، ثم خوطب به ثانيا) (٣٢) ، أو خوطب به شخصان أحدهما يجهل مضمونه والآخر يعلمه.

ولا ضرورة أيضا للتقييد بكون الكلام (مقصودا) لإخراج حديث النائم ومحاكاة الطيور ، أما حديث النائم فهو داخل في الكلام إن تضمن معنى يصح السكوت عليه ، وأما محاكاة الطيور ، فلا تتبادر إلى الذهن من تعريف الكلام ليحترز منها.

وأما التعريف الثاني ، فهو ما ذكره في أرجوزته الألفية من قوله : (كلامنا لفظ مفيد ، كاستقم).

وقد اختلف شراحه في قوله : (كاستقم) ، فقال بعض إنه مثال بعد تمام

__________________

(٢٩) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ١ / ٩٦ ـ ٩٧.

(٣٠) شرح الأشموني على الألفية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ٨.

(٣١) شرح الأزهرية في علم العربية ، الأزهري ، ص ١٣.

(٣٢) همع الهوامع ، السيوطي ١ / ٣٠.

٣٥٣

الحد ، وذهب بعض آخر إلى أنه تتميم للحد ، ومنشأ الخلاف هو تحديد المراد من قوله : (مفيد) ، لأن هذه الكلمة قد استعملت من قبل النحاة في ثلاثة معان :

أولها : ما دل على معنى مطلقا ، سواء صح السكوت عليه أم لا ، ومن شواهد ذلك تقييد بعضهم له بما يدل على إرادة خصوص التام ، كقول الحريري : (وتتم به الفائدة) (٣٣) ، وقول ابن الخشاب : (فائدة يحسن السكوت عليها) (٣٤) ، وقول العكبري : (الكلام عبارة عن الجملة المفيدة فائدة تامة) (٣٥).

والثاني : ما دل على خصوص المعنى الذي يحسن السكوت عليه ، وقد تقدم استعمال ابن جني له بهذا المعنى ، ومن شواهده قول ابن الأنباري بعد تعريفه الكلام بما كان من الحروف دالا بتأليفه على معنى يحسن السكوت عليه : الفرق بين الكلم والكلام (أن الكلم ينطلق على المفيد وغير المفيد ، أما الكلام فلا ينطلق إلا على المفيد خاصة) (٣٦).

والثالث : ما دل على معنى يحسن السكوت عليه ، ولم يكن معناه ضروري الثبوت والانتفاء ، وقد مر بيانه عند الكلام على التعريف الأول لابن مالك.

وقد ذهب أغلب شراح الألفية إلى إرادة المعنى الأول للإفادة ، وأن قوله : (كاستقم) تتميم للحد ، ومن هؤلاء ابن الناظم (٣٧) ، والمكودي (٣٨) ،

__________________

(٣٣) شرح على متن ملحة الإعراب ، الحريري ، ص ٢.

(٣٤) المرتجل ، ابن الخشاب ، تحقيق علي حيدر ، ص ٣٤٠.

(٣٥) مسائل خلافية في النحو ، أبو البقاء العكبري ، تحقيق محمد خير الحلواني ، ص ٣١.

(٣٦) أسرار العربية ، ابن الأنباري ، ص ٣.

(٣٧) شرح الألفية ، ابن الناظم ، ص ٣.

٣٥٤

والأشموني (٣٩).

وذهب المرادي إلى إرادة المعنى الثاني ، وحمل (استقم) على التمثيل بعد تمام الحد (٤٠).

وقال الملوي بهذا الشأن : (قال شيخنا : الخلاف لفظي ، فمن حمل المفيد على المفيد مطلقا ، قال : تتميم ، ومن حمله على الفائدة التامة جعله تمثيلا بعد تمام الحد) (٤١).

والذي اتضح مما عرضناه أن الخلاف بينهم معنوي وليس لفظيا ، لأنه يدور حول تحديد المعنى المراد بلفظ (الإفادة) ، وليس اختلافا في الألفاظ المعبر بها عن معنى واحد.

ومما قيل في شرح التعريف الثاني : (وعلم من تفسير المفيد بما ذكر أنه لا يحتاج إلى قولهم : (المركب) ، لأن المفيد الفائدة المذكورة يستلزم التركيب ، ولا إلى قولهم : (المقصود) ، لأن حسن سكوت المتكلم يستدعي أن يكون قاصدا لما تكلم به) (٤٢).

وحصل حد الكلام على يد ابن هشام (ت ٧٦١ ه) على أفضل صيغة وأحضرها ، إذ عرفه بأنه (القول المفيد) (٤٣) ، وأراد بالقول اللفظ الدال على معنى ، وبالمفيد ما دل على معنى يحسن السكوت عليه.

وكأنه لاحظ أن قوله : (مفيد) يغني عن أخذ الدلالة على المعنى في

__________________

(٣٨) شرح الألفية ، المكودي ، ص ٦.

(٣٩) شرح الألفية ، الأشموني ، ١ / ٨.

(٤٠) شرح الألفية ، المكودي ، ص ٦.

(٤١) حاشية الملوي على شرح المكودي ، ص ٦.

(٤٢) أ ـ شرح الأشموني على الألفية : ص ٨.

ب ـ شرح التصريح على التوضيح ، الأزهري ١ / ٢٠ ـ ٢١.

(٤٣) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ٢٧.

٣٥٥

جنس الحد ، فعاد إلى تعريف الكلام بأنه : (اللفظ المفيد) (٤٤) ، (والمراد باللفظ الصوت المشتمل على بعض الحروف تحقيقا أو تقديرا) (٤٥).

__________________

(٤٤) أ ـ الإعراب عن قواعد الإعراب ، ابن هشام ، تحقيق رشيد العبيدي ، ص ٦٠.

ب ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١١.

(٤٥) أوضح المسالك ، ابن هشام ١ / ١١.

٣٥٦

سابعا ـ مصطلح الكلم

١ ـ الكلم لغة :

الكلم في اللغة جمع كلمة ، قال ابن منظور : (والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات ، لأنه جمع كلمة) (٤٦). وقال ابن جني : (الكلم ... جمع كلمة ، بمنزلة سلمة وسلم ، ونبقة ونبق) (٤٧).

٢ ـ الكلم اصطلاحا :

استعمل النحاة (الكلم) بمعنى مشابه لمعناه اللغوي ، قال سيبويه (ت ١٨٠ ه) : (هذا باب علم ما الكلم من العربية) (٤٨) ، فاختار الكلم على الكلام ... وذلك أنه أراد تفسير ثلاثة أشياء مخصوصة ، وهي الاسم والفعل والحرف ، فجاء بما يخص الجمع وهو الكلم) (٤٩).

وقال الحريري : (ت ٥١٦ ه) : (فإن قلت : (إن قام زيد) ، سمي ذلك كلما ، لكونه ثلاث كلمات ، ولا يسمى كلاما ، لأنه لا يحسن السكوت عليه ، فإن وصلته بقولك : (قمت) ، سمي كلاما ، لحسن السكوت عليه ، وسمي أيضا كلما ، لكونه من أربعة ألفاظ) (٥٠).

وقال ابن معطي (ت ٦٢٨ ه) : الكلم (المركب مفيدا كان أو غير

__________________

(٤٦) لسان العرب ، ابن منظور ، مادة (كلم).

(٤٧) الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ، ١ / ٢٥.

(٤٨) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون ، ١ / ١٢.

(٤٩) الخصائص ، ابن جني ، ١ / ٢٥.

(٥٠) شرح على متن ملحة الإعراب ، القاسم بن علي الحريري ، ص ٢ ـ ٣.

٣٥٧

مفيد) (٥١).

ويؤخذ عليه أنه شامل لما تركب من كلمتين ، نحو : (قام زيد) و (إن قام) مع أنه ليس كلما في الاصطلاح.

وقال ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) : (وأما الكلم ... فهو يقع على ما كان جمعا ، مفيدا كان أو غير مفيد ، فإن قلت : (قام زيد) ... فهو كلام ، لحصول الفائدة منه ، ولا يقال له كلم ، لأنه ليس بجمع ، إذ كان من جزءين ، وأقل الجمع ثلاثة ، ولو قلت : (إن زيدا قائم) ... كان كلاما من جهة إفادته ، ويسمى كلما لأنه جمع) (٥٢). (فالكلم أعم من جهة المعنى ، لانطلاقه على المفيد وغيره ، وأخص من جهة اللفظ ، لكونه لا ينطلق على المركب من كلمتين) (٥٣).

والصياغة النهائية التي اتفقوا عليها في تعريف الكلم اصطلاحا هي : ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ، أفاد أم لم يفد (٥٤).

__________________

(٥١) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي ، ص ١٤٩.

(٥٢) شرح المفصل ، ابن يعيش ، ١ / ٢١.

(٥٣) أ ـ أوضح المسالك في شرح ألفية ابن مالك ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١٢.

ب ـ شرح ابن الناظم على الألفية ، ص ٤.

(٥٤) أ ـ شرح ابن عقيل على الألفية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ١ / ١٤ ـ ١٥

ب ـ شرح الأشموني على الألفية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ١ / ٢٢.

ج ـ همع الهوامع ، السيوطي ، تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال مكرم ، ١ / ٣٥.

٣٥٨

ثامنا ـ مصطلح الجملة

١ ـ الجملة لغة :

والجملة في اللغة : جماعة الشئ ، وأجمل الشئ جمعه بعد تفرقه ، وأجمل له الحساب كذلك) (٥٥).

٢ ـ الجملة اصطلاحا :

استعملت (الجملة) من قبل النحاة بمعنى اصطلاحي مرادف للكلام في القرن الثالث الهجري ، ولعل المبرد (ت ٢٨٥ ه) أول من استعملها كذلك في مواضع متفرقة من كتابه (المقتضب) ، قال : (وإنما كان الفاعل رفعا ، لأنه هو والفعل جملة يحسن السكوت عليها وتجب بها الفائدة) (٥٦).

وقال الفارسي (ت ٣٧٧ ه) : (ما ائتلف من هذه الألفاظ الثلاثة [الاسم والفعل والحرف] كان كلاما ، وهو الذي يسميه أهل العربية : الجمل) (٥٧).

وربما كان الرماني (ت ٣٨٤ ه) أول من عرفها بقوله : (الجملة هي المبنية من موضوع ومحمول للفائدة) (٥٨) ، وهو تعريف يمنحها مضمونا مماثلا لمضمون الكلام اصطلاحا.

وقال ابن جني (ت ٣٩٢ ه) : (أما الكلام : فكل لفظ مستقل بنفسه

__________________

(٥٥) لسان العرب ، ابن منظور ، مادة (جمل).

(٥٦) المقتضب ، المبرد ، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة ١ / ٨.

(٥٧) المسائل العسكريات أبو علي الفارسي ، تحقيق على جابر المنصوري ، ص ٨٣.

(٥٨) الحدود في النحو ، الرماني ، ضمن كتاب (رسائل في النحو واللغة) تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٣٩.

٣٥٩

مفيد لمعناه ، وهو الذي يسميه النحويون : الجمل) (٥٩).

وقد درج على استعمالها بهذا المعنى جمع من النحاة كالجرجاني (ت ٤٧١ ه) (٦٠) والحريري (ت ٥١٦ ه) (٦١) ، والزمخشري (ت ٥٣٨ ه) (٦٢) ، وابن الخشاب (ت ٥٦٧ ه) (٦٣) ، وأبي البقاء العكبري (ت ٦١٦ ه) (٦٤) ، وابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) (٦٥).

وجاء ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) فصرح بالفرق بين الجملة والكلام ، إذ عرف الكلام بقوله : (الكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته) (٦٦) ، وقد أراد بقيد (لذاته) إخراج ما هو مقصود لغيره كجملة الصلة (٦٧) ، نحو : جاء أبوه ، من قولنا : جاء الذي قام أبوه ، فهي جملة وليست كلاما ، لأن الإسناد فيها (ليس مقصودا لذاته ، بل لتعيين الموصول وتوضيحه ، ومثلها الجملة الخبرية والحالية والنعتية) (٦٨) ، إذ لم تقصد لذاتها ، بل لغيرها ،

__________________

(٥٩) أ ـ الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ١ / ١٧.

ب ـ اللمع في العربية ، ابن جني ، تحقيق فائز فارس ، ص ٢٦.

(٦٠) المقتصد في شرح الإيضاح ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق كاظم بحر المرجان ١ / ٦٨.

(٦١) شرح على متن ملحة الإعراب ، الحريري ، ص ٣.

(٦٢) المفصل في علم العربية ، الزمخشري ، ص ٦.

(٦٣) المرتجل ، ابن الخشاب ، تحقيق علي حيدر ، ص ٢٨ و ٣٤٠.

(٦٤) مسائل خلافية في النحو ، أبو البقاء العكبري ، تحقيق محمد خير الحلواني ، ص ٣١

(٦٥) شرح المفصل ، ابن يعيش ، ١ / ٢١.

(٦٦) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات ، ص ٣.

(٦٧) أ ـ شرح الأشموني على الألفية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ٢١.

ب ـ البهجة المرضية ، السيوطي ١ / ٨.

(٦٨) حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٢١.

٣٦٠