تراثنا ـ العددان [ 43 و 44 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 43 و 44 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢

مصطفى محمد عمارة ، ط مصطفى البابي الحلبي ، مصر.

١٣ ـ تفسير الجلالين ، لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي ـ بهامش أنوار التنزيل للبيضاوي ـ ط مصطفى البابي الحلبي ، مصر سنة ١٣٨٨ ه.

١٤ ـ تنوير المقباس في تفسير ابن عباس ، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي ـ بهامش الدر المنثور ـ ط المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣١٤ ه.

١٥ ـ تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤١٢ ه.

١٦ ـ جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري) ، لمحمد بن جرير الطبري ، ط المطبعة الأميرية ببولاق سنة ١٣٣٠ ه.

١٧ ـ حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت.

١٨ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، للحافظ جلال الدين السيوطي ، ط الميمنية سنة ١٣١٤ ه.

١٩ ـ دلائل الصدق ، للعلامة الشيخ محمد حسن المظفر ، أفسيت منشورات بصيرتي ـ قم.

٢٠ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) ، لشهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي ، ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٢١ ـ زاد المسير في علم التفسير ، لأبي الفرج ابن الجوزي ـ الطبعة الأولى سنة ١٣٨٨ ه ـ ط المكتب الإسلامي للطباعة والنشر.

٢٢ ـ شرح الكافية ، لنجم الأئمة الحسن بن محمد الأسترآبادي ، ط الآستانة (شركة الصحافة العثمانية) سنة ١٣١٠ ه.

٢٣ ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط سنة ١٣٨٥ ه.

٢٤ ـ صحيح البخاري ، لمحمد بن إسماعيل البخاري.

٢٥ ـ صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجاج النيسابوري.

١٤١

٢٦ ـ الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ، للقاضي الشهيد نور الله التستري ، تحقيق جلال الدين الأرموي ، ط مطبعة النهضة ، طهران سنة ١٣٦٧ ه.

٢٧ ـ عناية القاضي وكفاية الراضي ، لشهاب الدين الخفاجي (حاشية البيضاوي) ط دار الطباعة العامرة ببولاق ، مصر سنة ١٢٨٣ ه.

٢٨ ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان (تفسير النيسابوري) المطبوع بهامش تفسير الطبري ، للحسن بن محمد النيسابوري ، ط المطبعة الأميرية بمصر سنة ١٣٢٨ ه.

٢٩ ـ فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي عليه‌السلام ، للحافظ أحمد بن الصديق المغربي ، ط النجف ، تحقيق محمد هادي الأميني.

٣٠ ـ فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، للعلامة الفيروزآبادي ، ط مؤسسة الأعلمي ، بيروت سنة ١٤٠٢ ه.

٣١ ـ قرب الإسناد ، للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري ، ط مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم سنة ١٤١٣ ه.

٣٢ ـ الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ، للحافظ شمس الدين الذهبي ـ ط.

٣٣ ـ لباب النقول في أسباب النزول ، للحافظ جلال الدين السيوطي ، ط مصطفى البابي الحلبي ـ مصر.

٣٤ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ، للإمام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، أفسيت المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران.

٣٥ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، للحافظ نور الدين الهيثمي ، ط مطبعة القدسي سنة ١٣٥٢ ه.

٣٦ ـ مروج الذهب ، لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي ، ط مطبعة السعادة سنة ١٩٤٨ م.

٣٧ ـ مسائل الرازي وأجوبتها من غرائب آي التنزيل ، لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، تحقيق إبراهيم عطوة عوض ، ط مطبعة مصطفى

١٤٢

البابي سنة ١٣٨١ ه.

٣٨ ـ المستصفى من علم الأصول ، لأبي حامد الغزالي ، ط المطبعة الأميرية بمصر سنة ١٣٢٥ ه.

٣٩ ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ، ط الميمنية سنة ١٣١٣ ه.

٤٠ ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، لأحمد بن محمد الفيومي ، أفسيت منشورات دار الهجرة ـ قم.

٤١ ـ المطول في شرح تلخيص المفتاح ، لسعد الدين التفتازاني ، ط إسطنبول سنة ١٣٣٠ ه.

٤٢ ـ مفاتح الغيب (التفسير الكبير) ، لفخر الدين الرازي ، ط المطبعة البهية ـ مصر.

٤٣ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، للحافظ شمس الدين الذهبي ، ط مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة ١٣٨٢ ه.

٤٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، ط مؤسسة الأعلمي ، بيروت.

٤٥ ـ هدي الساري ـ مقدمة فتح الباري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ط دار الريان للتراث ، مصر سنة ١٤٠٧ ه.

* * *

١٤٣

تشييد المراجعات.

وتفنيد المكابرات.

(٥)

السيد علي الحسيني الميلاني

المراجعة ـ ١٢

حجج الكتاب

قيل

(لا بد قبل التعرض لاستشهاد المؤلف بالآيات على ما ذهب إليه من كلمة موجزة في منهج الشيعة في تفسير القرآن الكريم :

إن الدارس للفرق والمذاهب التي نشأت بعد حركة الفتح الإسلامي واستقرار الإسلام بدولته المترامية ، لا بد وأنه يلاحظ أولا أن هذه الفرق اتخذت القرآن الكريم وسيلة للاستدلال على آرائها ، ولكن الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلامية وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة : أن الأوائل كانوا تابعين لما تدل عليه معاني القرآن الكريم ، موضحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمة وعلماؤها ، وكما فسرها الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان ، فكانوا

١٤٤

ضمن دائرة التمسك بالكتاب والسنة ، لم يشذوا عنها.

أما أصحاب البدع والأهواء ، فقد رأوا آراء ، واعتقدوا اعتقادات أرادوا أن يروجوها على الناس ، فأعوزتهم الأدلة ، فالتفتوا إلى القرآن الكريم ... وهم كما قال ابن تيمية ...

أمثلة من مواقف الشيعة في التفسير : يقول ملا محسن الكاشي في مقدمة كتابه : (الصافي في تفسير القرآن الكريم) ...

وملا محسن الكاشي ممن يرى أن القرآن قد حرف ... ولا يتورع هذا الرافضي المفتري من الطعن على كبار الصحابة الكرام ، ويرميهم بكل نقيصة ، ويجردهم من كل مكرمة ، هكذا فعل مع عثمان في تفسير الآيتين ٨٤ و ٨٥ من سورة البقرة ، وهكذا فعل مع أبي بكر في تفسير الآية ٤٠ من سورة التوبة ، وكذلك طعن في أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة عند تفسيره أول سورة التحريم (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ...)

ويعتقد عبد الله بن محمد رضا العلوي ـ الشهير بشبر ـ المتوفى سنة ١٢٤٢ أن القرآن قد حرف ... وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية ٤٠ من سورة التوبة (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ...) الآية نجده يعرض عن تعيين هذا الذي صحب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في هجرته وهو أبو بكر ، ثم يصرح أو يلمح بما ينقص من قدره أو يذهب بفضله المنسوب إليه والمنوه به في القرآن الكريم ، فيقول ...).

أقول

لا بد قبل التعرض لاستدلال السيد ـ رحمه‌الله ـ بآيات الكتاب الكريم على ولاية أهل البيت عليهم‌السلام على ضوء الأخبار المتفق عليها بين

١٤٥

علماء الفريقين ، من ذكر الأمور التالية بإيجاز :

١ ـ إنه كما لغير الشيعة الإمامية الاثني عشرية من الفرق الإسلامية منهج في تفسير القرآن الكريم ، وفهم حقائقه وأحكامه ، وأسباب نزول آياته ... كذلك الشيعة ، وإن منهجهم يتلخص في الرجوع إلى القرآن وما ورد عن العترة المعصومين بالأسانيد المعتبرة ... وهذا أمر واضح ، وللتحقيق فيه مجال آخر.

٢ ـ إلا أن منهج البحث في كتب المناظرة يختلف ... فإن من الأصول التي يجب على الباحث المناظر الالتزام بها هو : الاستدلال بالروايات الواردة عن طريق رجال المذهب الذي يعتنقه الطرف المقابل ، وكلمات العلماء المحققين المعروفين من أبناء الطائفة التي ينتمي إليها.

فهذا مما يجب الالتزام به في كل بحث يتعلق بالفرق والمذاهب ، وإلا فإن كل فرقة ترى الحق في كتبها ورواياتها ، وتقول ببطلان ما ذهب إليه وقال به غيرها ، فتكون المناقشة بلا معنى والمناظرة بلا جدوى.

وعلى هذه القاعدة مشى السيد ـ رحمه‌الله ـ في (مراجعاته) مع شيخ الأزهر (الشيخ البشري) ...

وفي (حجج الكتاب) ... حيث يشير إلى المصادر السنية المقبولة لدى (الشيخ) ...

فكان القول بنزول الآية المباركة في أمير المؤمنين أو أهل البيت عليهم السلام قولا متفقا عليه بين الطرفين ، والحديث الوارد في ذلك سنة ثابتة يجب اتباعها والتمسك بها على كلا الفريقين.

وقد كانت هذه طريقة علمائنا المتقدمين ...

٣ ـ ولم نجد الالتزام بهذه الطريقة التي تفرضها طبيعة البحث والحوار في كلمات أكثر علماء أهل السنة ...

ومن أراد التأكد من هذا الذي نقوله فلينظر ـ مثلا ـ إلى كتاب (منهاج

١٤٦

الكرامة في إثبات الإمامة) للعلامة الحلي ، وما قاله ابن تيمية في (منهاجه) في الرد عليه ، وليقارن بين المنهاجين ، خصوصا في فصل الاستدلال بالكتاب ، فبدلا من أن يلتزم ابن تيمية بالقواعد والآداب أخذ يسب العلامة ويشتمه ويتهمه بأنواع التهم ، ثم يضطر إلى اتهام كبار أئمة السنة في التفسير والحديث ـ الذين نقل عنهم العلامة القول بنزول الآيات في أهل البيت ، كالثعلبي والواحدي والبغوي ونظرائهم ـ بنقل الموضوعات ورواية المكذوبات ، وأمثال ذلك من الاتهامات ، وسنتعرض لذلك في خلال البحث عن الآيات.

ثم إن ابن تيمية أصبح ـ وللأسف ـ قدوة للذين يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى الله ورسوله ، فلووا رؤوسهم واستكبروا استكبارا ، أما الشيخ البشري وأمثاله ، فأذعنوا للحق واتبعوه ، فمنهم من أخفى ذلك ومنهم من أجهر به إجهارا ...

٤ ـ وفضائل الإمام علي وأهل البيت عليهم‌السلام في القرآن الكريم ، وما نزل فيهم من آياته الكريمة ، كثيرة جدا ، حتى أن جماعة من أعلام السنة أفردوا ذلك بالتأليف ...

هذا ، بالرغم من الحصار الشديد المضروب على رواية هذا النوع من الأحاديث ورواته.

أما غير أهل البيت ، فلم يدع ـ حتى في كتب القوم ـ نزول شئ من الآيات في حقهم ...!

أنظر إلى كلام القاضي عضد الدين الإيجي ـ المتوفى سنة ٧٥٦ ه ـ في كتابه (المواقف في علم الكلام) الذي هو من أجل متونهم في علم الكلام ، يقول :

(المقصد الرابع : في الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله]

١٤٧

وسلم ، وهو عندنا أبو بكر ، وعند الشيعة علي ، رضي‌الله‌عنهما. لنا وجهان : الأول : إن طريقه إما النص أو الاجماع. أما النص فلم يوجد ...) (١)

نعم ذكر في المقصد الخامس ، في أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هو عندنا وأكثر قدماء المعتزلة أبو بكر ـ رضي‌الله‌عنه ـ ، وعند الشيعة وأكثر متأخري المعتزلة علي. لنا وجوه : الأول : قوله تعالى : (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) (٢). قال أكثر المفسرين ـ واعتمد عليه العلماء ـ أنها نزلت في أبي بكر. الثاني : قوله عليه‌السلام ...) (٣).

فلم يستدل من الكتاب إلا بآية واحدة ، نسب إلى أكثر المفسرين نزولها في أبي بكر.

فهذه آية واحدة فقط!

وهناك آية ثانية ، وهي آية الغار ، جعلوها فضيلة لأبي بكر ، واستدلوا بها في الكتب.

أما آية الغار فممن تكلم في الاستدلال بها : المأمون العباسي ، الذي وصفه الحافظ السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء وأمراء المؤمنين) فقال : (قرأ العلم في صغره وسمع الحديث من : أبيه ، وهشيم ، وعباد بن العوام ، ويوسف ابن عطية ، وأبي معاوية الضرير ، وإسماعيل بن علية ، وحجاج الأعور ، وطبقتهم. وأدبه اليزيدي ، وجمع الفقهاء من الآفاق ، وبرع في الفئة والعربية وأيام الناس ، ولما كبر عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها ، فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن.

__________________

(١) المواقف في علم الكلام ـ بشرح الجرجاني ـ ٨ / ٣٥٤.

(٢) سورة الليل ٩٢ : ١٧ و ١٨.

(٣) المواقف في علم الكلام ـ بشرح الجرجاني ـ ٨ / ٣٦٥.

١٤٨

روى عنه : ولده الفضل ، ويحيى بن أكثم ، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، والأمير عبد الله بن طاهر ، وأحمد بن الحارث الشيعي ، ودعبل الخزاعي ، وآخرون.

وكان أفضل رجال بني العباس حزما وعزما وحلما وعلما ورأيا ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤددا وسماحة ، وله محاسن وسيرة طويلة ، لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن ، ولم يل الخلافة من بني العباس أعلم منه ، وكان فصيحا مفوها ...) (٤).

تكلم المأمون في آية الغار ، في مجلس ضم قاضي القضاة يحيى بن أكثم وأئمة العصر في الفقه والحديث ، في مسائل كثيرة من أبواب الفضائل والمناقب ، فكان أن قال لمخاطبه ـ وهو : إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد والراوي إسحاق نفسه ـ :

(... فما فضله الذي قصدت له الساعة؟ قلت : قول الله عزوجل : (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (٥) فنسبه إلى صحبته.

قال : يا إسحاق ، أما إني لا أحملك على الوعر من طريقك ، إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا وهو قوله : (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) (٦).

قلت : إن ذلك كان صاحبا كافرا ، وأبو بكر مؤمن.

قال : فإذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا جاز أن ينسب

__________________

(٤) تاريخ الخلفاء : ٣٠٦.

(٥) سورة التوبة ٩ : ٤٠

(٦) سورة الكهف ١٨ : ٣٧ و ٣٨

١٤٩

إلى صحبة نبيه مؤمنا ، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث.

قلت : يا أمير المؤمنين ، إن قدر الآية عظيم. إن الله يقول (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)

قال : يا إسحاق ، تأبى الآن إلا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ، أخبرني عن حزن أبي بكر ، أكان رضا أم سخطا؟

قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خوفا عليه وغما أن يصل إلى رسول الله شئ من المكروه.

قال : ليس هذا جوابي. إنما كان جوابي أن تقول رضا أم سخط.

قلت : بل كان رضا لله.

قال : وكان الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضا الله عزوجل وعن طاعته؟!

قلت : أعوذ بالله.

قال : أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله؟!

قلت : بلى.

قال : أولم تجد أن القرآن يشهد أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : لا تحزن. نهيا له عن الحزن؟!

قلت : أعوذ بالله!

قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك ، لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن الباطل ، لكثرة ما تستعيذ به.

وحدثني عن قول الله : (فأنزل الله سكينته عليه) من عني بذلك ، رسول الله أم أبو بكر؟

قلت : بل رسول الله.

قال : صدقت.

١٥٠

قال : فحدثني عن قول الله عزوجل : (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) ـ إلى قوله : (ثم أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (٧) أتعلم من المؤمنين الذين أراد الله في هذا الموضع؟

قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين.

قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا سبعة نفر من بني هاشم ، علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القوم شئ ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر ، فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم.

قال : فمن أفضل؟ من كان مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في ذلك الوقت أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟

قلت : بل من أنزلت عليه السكينة.

قال : يا إسحاق ، من أفضل؟ من كان معه في الغار ، أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتى تم لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ما أراد من الهجرة؟

إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بنفسه. فأمره رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بذلك ، فبكى علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ ، فقال له رسول الله : ما يبكيك يا علي؟! ، أجزعا من الموت؟

قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ،

__________________

(٧) سورة التوبة ٩ : ٢٥ و ٢٦

١٥١

أفتسلم يا رسول الله؟

قال : نعم ،

قال : سمعا وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله.

ثم أتى مضجعه واضطجع وتسجى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفوا به لا يشكون أنه رسول الله ، وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه ، وعلي يسمع ما القوم فيه من تلاف نفسه ، ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار.

ولم يزل علي صابرا محتسبا فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش ، حتى أصبح ، فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه ، فقالوا : أين محمد؟ قال : وما علمي بمحمد أين هو؟ قالوا : فلا نراك إلا مغرورا بنفسك منذ ليلتنا.

فلم يزل علي أفضل ، ما بدا به يزيد ولا ينقص ، حتى قبضه الله إليه) (٨).

وأما الآية الأخرى ، فقد ذكرنا في تعليقة (المواقف) في الجواب عن الاستدلال بها وجوها :

الأول : إن نزولها في أبي بكر غير متفق عليه بين المفسرين من أهل السنة ، وحتى كونه قول أكثر المفسرين غير ثابت ، وإن جاء ذلك في شرح المواقف (٩).

ومن المفسرين من حمل الآية على العموم ، ومنهم من قال بنزولها في

__________________

(٨) العقد الفريد ٥ / ٣٤٩.

(٩) شرح المواقف ٨ / ٣٦٦.

١٥٢

قصة أبي الدحداح وصاحب النخلة ، كما ذكر السيوطي (١٠).

والثاني : إن رواة نزولها في حق أبي بكر ما هم إلا آل الزبير ، وهؤلاء قوم منحرفون عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام ومعروفون بذلك.

والثالث : إن سند خبر نزولها في أبي بكر غير معتبر. قال الحافظ الهيثمي :

(وعن عبد الله بن الزبير قال : نزلت في أبي بكر الصديق ، (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى) (١١)

رواة الطبراني وفيه : مصعب بن ثابت. وفيه ضعف) (١٢).

قلت :

وهذا الرجل هو : مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، ولاحظ الكلمات في تضعيفه بترجمته (١٣).

هذا بالنسبة إلى أبي بكر.

وأما عمر وعثمان ، فلم يزعموا نزول شئ فيهما من القرآن ...

٥ ـ بل لو تتبعت كتبهم في مختلف العلوم لوجدت للقوم مثالب في القرآن الكريم ، ونحن الآن في غنى عن التعرض لمثل هذه الأمور ، غير أنا نشير إلى أن نزول قوله تعالى : (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة

__________________

(١٠) الدر المنثور ٦ / ٣٥٨.

(١١) سورة الليل ٩٢ : ١٩ ـ ٢١.

(١٢) مجمع الزوائد ٩ / ٥٠.

(١٣) تهذيب التهذيب ١٠ / ١٤٤.

١٥٣

أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات ...) (١٤) في عائشة وحفصة مذكور في أشهر كتب القوم من الصحاح وغيرها ، فراجع إن شئت :

مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٣.

صحيح البخاري : كتاب النكاح ، باب في موعظة الرجل ابنته.

صحيح البخاري : كتاب التفسير ، بتفسير الآية : (تبتغي مرضات أزواجك).

صحيح مسلم : كتاب الرضاع ، باب في الايلاء واعتزال النساء.

صحيح الترمذي : ٢ / ٢٣١.

صحيح النسائي : ٢ / ١٤٠.

وفي هذا القدر كفاية ، لتعلم أن القصة التي أوردها الشيخ محسن الكاشاني مذكورة في كتبهم ، ولتعرف من المتقول المفتري!!

وبعد المقدمة ، وقبل الورود في (تشييد المراجعات) نقول :

لقد كان ابن تيمية ـ كما أشرنا من قبل ـ قدوة للمكابرين من بعده ، فهم متى ما أعوزهم الدليل ، وعجزوا عن المناقشة ، لجأوا إلى كلماته المضطربة المتهافتة ، التي لا علاقة لها بالمطلب ولا أساس لها من الصحة ، ... ومن ذلك هذا المورد ، وبيان ذلك بإيجاز هو :

__________________

(١٤) سورة التحريم ٦٦ : ١ ـ ٥

١٥٤

إن المقام ليس مقام البحث عن المناهج التفسيرية عند هذه الفرقة أو تلك ، وإنما المقصود ذكر الأخبار والأقوال الواردة في كتب أهل السنة المعروفة في طائفة من آيات الكتاب النازلة في حق أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم‌السلام ... فهذا هو المقصود ،

وأما أن منهج الشيعة في التفسير ما هو؟ ومنهج غيرهم ما هو؟ وأي منهما هو الصحيح؟ فتلك بحوث تطرح في محلها.

ثم إن للشيعي أن يقول نفس هذا الكلام الذي قاله القائل ، فيقول : (إن الدارس للفرق والمذاهب ... ولكن الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلامية ، وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة ...).

لكن من هم (أصحاب الآراء الصحيحة)؟! ومن هم (أصحاب المذاهب المبتدعة)؟!

فنحن نقول : إن (أصحاب الآراء الصحيحة) في فهم القرآن الكريم ، هم أتباع الأئمة الطاهرين من أهل البيت ، كالإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ...

وإن (أصحاب المذاهب المبتدعة) هم : عكرمة البربري ... وأمثاله.

وسنفصل الكلام في التعريف بعكرمة وأمثاله على ضوء كلمات أهل السنة.

وعلى الجملة : فإن السيد ، ـ رحمه‌الله ـ لم يستدل في بحوثه هذه بالآيات الكريمة على (منهج الشيعة في التفسير) ، وإنما استدل بروايات أهل السنة وأقوال مفسريهم المشاهير على ما هو (منهج البحث والمناظرة).

وتعرض هذا القائل هنا لمسألة (تحريف القرآن) .. وهذه أيضا لا علاقة

١٥٥

لها بالبحث ، وإنما الغرض من ذكرها هنا تشويش ذهن القارئ وتشويه مذهب الشيعة ، ونحن نحيل القارئ المنصف إلى كتابنا المطبوع المنتشر في الموضوع وهو : (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) (١٥) ليظهر له رأينا في المسألة ، ويتبين له من القائل بالتحريف!

فلنشرع في (تشييد المراجعات) : في (حجج الكتاب) :

__________________

(١٥) نشر أولا في حلقات في مجلة تراثنا ، في الأعداد ٦ ـ ١٤ ثم نشرته مؤسسة دار القرآن الكريم في ٣٧١ صفحة ، ولعلة خير كتاب أخرج للناس في موضوعه.

١٥٦

آية التطهير

قال السيد :

مخاطبا الشيخ سليم البشري :

(إنكم ـ بحمد الله ـ ممن وسعوا الكتاب علما ، وأحاطوا بجليه وخفيه خبرا ، فهل نزل من آياته الباهرة في أحد ما نزل في العترة الطاهرة؟! هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم؟ وهل لأحد من العالمين كآية تطهيرهم؟!).

أقول :

هذه الآية المباركة هي قوله تعالى : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (١٦).

وقد استدل بها أصحابنا ـ تبعا لأئمة العترة الطاهرة ـ على عصمة (أهل البيت) ومن ثم فهي من أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة الطاهرين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد كابر بشأنها الخوارج ، والنواصب ، والمخالفون ل (أهل البيت) منذ اليوم الأول ، وإلى يومنا هذا ... ولذا كانت هذه الآية موضع البحث والتحقيق والأخذ والرد ، وكتبت حولها الكتب والدراسات الكثيرة (١٧).

__________________

(١٦) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(١٧) ولنا فيها كتاب ردا على كتيب للدكتور علي أحمد السالوس أسماه : (آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء) وهو تحت الطبع وسيصدر قريبا بإذن الله ... وهناك التفصيل الأكثر.

١٥٧

ونحن نذكر وجه الاستدلال ، ولينظر الناظرون هل هو (ضمن دائرة التمسك بالكتاب والسنة). أو ، لا؟!

وهذه هي الأقوال في المسألة نقلا عن أحد المتعصبين ضد الشيعة الإمامية :

(وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، لأنهن في بيته. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكد هذا القول أن ما قبله وما بعده متعلق بأزواج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض وهو : إن جمع المؤنث بالنون فكيف قيل (عنكم) و (يطهركم)؟ فالجواب : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فيهن فغلب المذكر.

والثاني : إنه خاص في : رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وعلي ، وفاطمة والحسن ، والحسين. قاله أبو سعيد الخدري ، وروي عن : أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك.

والثالث : إنهم أهل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأزواجه ، قاله الضحاك) (١٨).

فهذه عبارة الحافظ ابن الجوزي ...

فالقائل باختصاص الآية بالرسول وبضعته ووصيه وسبطيه ـ عليهم الصلاة والسلام ، هم جماعة من الصحابة ، وعلى رأسهم : أم سلمة وعائشة ... من زوجاته ...

__________________

(١٨) زاد المسير في علم التفسير ـ للحافظ ابن الجوزي ، المتوفى سنة ٥٩٧ ـ ٦ / ٣٨١ ـ ٣٨٢.

١٥٨

وعلى رأس القائلين بكونها خاصة بالأزواج : عكرمة البربري ... لما سيأتي من أن ابن عباس من القائلين بالقول الثاني.

أما القول الثالث فلم يحكه إلا عن الضحاك :

فمن هم (أصحاب الآراء الصحيحة)؟! ومن هم (أصحاب البدع والأهواء)؟!

ولماذا أعرض الذين ادعوا أنهم (كانوا تابعين لما تدل عليه معاني القرآن الكريم ، موضحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمة وعلماؤها ، وكما فسرها الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان) عن قول أم سلمة وعائشة وجماعة من كبار الصحابة ومشاهيرهم ـ كما سيجئ ، وأخذوا بقول (عكرمة) الذي ستعرفه وأمثاله؟!

وأما تفضيل المطلب ، ففي فصول :

١٥٩

الفصل الأول

في تعيين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا وفعلا

المراد من (أهل البيت)

فقد أخرج جماعة من كبار الأئمة والحفاظ والأئمة حديث الكساء الصريح في اختصاص الآية المباركة بالرسول وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام ، عن عشرات من الصحابة :

من الصحابة الرواة لحديث الكساء :

ونحن نذكر عدة منهم فقط :

١ ـ عائشة بنت أبي بكر.

٢ ـ أم سلمة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ عبد الله بن العباس.

٤ ـ سعد بن أبي وقاص.

٥ ـ أبو الدرداء.

٦ ـ أنس بن مالك.

٧ ـ أبو سعيد الخدري.

٨ ـ واثلة بن الأسقع.

٩ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٠ ـ زيد بن أرقم.

١١ ـ محمد بن أبي سلمة.

١٦٠