اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

والثالث : أنّ الألف أسبق من أختيها في المخرج والتثنية أسبق من الجمع فجعل الأسبق للأسبق.

والرابع : أن الألف جعلت ضميرا لاثنين في نحو : (قاما) فكذلك تكون في الأسماء.

فإن قيل : لم لم تجعل الواو في البنائين ويفتح ما قبلها في أحدهما ، ويضمّ في الآخر؟

قيل : لا يصحّ لوجهين :

أحدهما : أنّ في الأسماء المجموعة ما قبله واو مفتوح وهو : (مصطفون) وبابه فكان يؤدي إلى اللبس.

والثاني : أنّ الواو تناسب الضمّة والفتحة تناسب الألف ، فجعل مع كلّ واحد منهما ما يناسبه (١).

فصل : وإنّما جعلت الألف في الرفع لأربعة أوجه :

أحدها : أنّها لّما كانت أتمّ حروف المدّ مدّا كانت أصلا لأختيها ؛ ولهذا لم تقبل الحركة والرفع هو الأصل فجعل الأصل للأصل.

والثاني : أنّ الرفع أسبق من أخويه والألف أسبق من أختيها فجعل الأسبق للأسبق.

والثالث : أن الألف في الإضمار ضمير مرفوع ، وذلك يناسب جعلها علامة رفع.

والرابع : انّه إنّما وجبت الواو لرفع الجمع والياء لجرّ التثنية والجمع وبقيت الألف فلم يجز أن تكون للنصب لوجهين :

أحدهما : أنّها لو كانت كذلك لحمل المرفوع على غيره إذ لم تبق له علامة تخصّه.

والثاني : أنّ المنصوب قد قام الدليل على أنّه محمول على غيره فلم يجعل أصلا.

فصل : وإنّما حمل المنصوب على المجرور هنا (٢) لثمانية أوجه :

__________________

(١) وهو ما يسمى بالمناسبة.

(٢) حاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء وهذا هو المشهور والصحيح أن الإعراب في المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الألف رفعا والياء نصبا وجرا

وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالألف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور في لغة العرب ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به ، بالألف مطلقا رفعا ونصبا وجرا فيقول جاء الزيدان كلاهما ورأيت الزيدان كلاهما ومررت بالزيدان كلاهما

٨١

أحدها : أنّ الجرّ أصل ينفرد به الاسم والرفع يشترك فيه القبيلان فكان حمل النصب على المختصّ أولى.

والثاني : أنّ الجرّ أقلّ في الكلام من الرفع والحمل على الأقلّ أخفّ.

والثالث : أنّ المنصوب والمجرور فضلتان في الكلام وحمل الفضلة على الفضلة أشبه.

والرابع : أنّهم سوّوا بين ضمير المنصوب والمجرور نحو : (إنّك) و (بك) و (إنّه) و (له) فكان في الظاهر كذلك.

الخامس : أنّ المجرور بحرف الجرّ حقّه النصب في الأصل فكأنّه المنصوب.

السادس : أن المجرور لمّا حمل على المنصوب فيما لا ينصرف عكس ذلك ههنا.

السابع : أنّ الجرّ بالياء وهي أخفّ من الواو والحمل على الأخفّ أولى.

والثامن : أنّ النصب من الحلق وهو أقرب إلى الياء إذ كانت من وسط الفم.

فصل : وأنّما فتح ما قبل ياء التثنية وكسر في الجمع لأربعة أوجه :

أحدها : أنّ الفتحة أخف والتثنية أكثر فجعل الأخف للأكثر تعديلا.

الثاني : أنّ الألف لمّا اختصت بالتثنية ولم يكن ما قبلها إلا مفتوحا حمل النصب والجرّ عليه طردا للباب ولم يمكن ذلك في الجمع.

والثالث : أنّ نون التثنية مكسورة لما نبينّه فكان فتح ما قبل الياء تعديلا.

الرابع : أن حرف التثنية يدلّ على معنى في الكلمة ففتح ما قبله كحرف التأنيث.

فصل : والأسماء المثنّاة والمجموعة معربة (١) ، وحكي عن الزجّاج أنّها مبنيّة وكلامة في المعاني يخالف هذا والدليل على أنّها معربة وجود حدّ المعرب ، وهو اختلاف آخرها لاختلاف

__________________

. ـ وكذلك إعراب الجمع المذكّر السّالم بالواو المضموم ما قبلها لفظا نحو «أتى الخالدون» أو تقديرا نحو : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) وينصب ويجر بالياء المكسور ما قبلها لفظا نحو : «رأيت الخالدين» و «نظرت إلى الخالدين» ، أو تقديرا نحو «رأيت المصطفين» و (إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) (الآية «٤٧» من سورة ص).

(١) تعددت علامات الاسم ، لأن الأسماء متعددة الأنواع ؛ فما يصلح علامة لبعض منها ، لا يصلح لبعض آخر ، كالجر ، فإنه لا يصلح علامة لضمائر الرفع ، كالتاء ـ ولا يصلح لبعض الظروف ؛ مثل : قطّ : وعوض. وكالتنوين ؛ فإنه يصلح لكثير من الأسماء المعربة المنصرفة ، ولا يصلح لكثير من المبنيات. وكالنداء فإنه يصلح ـ

٨٢

العامل وأنّها لم تشبه الحروف ولا يقال إنّها تضمنّت معنى واو العطف ؛ لأن تضمّن الإسم معنى الحرف لا يغيّر لفظه ك (أين) و (خمسة عشر) ولفظ التثنية غيّر لفظ الواحد بحيث لا يصحّ إظهار الواو فيه.

فصل : وحروف المدّ ههنا حروف إعراب عند سيبويه ، واختلف أصحابه فقال بعضهم :

فيها إعراب مقدّر ، وقال آخرون : ليس فيها تقدير إعراب.

وقال الأخفش والمازنيّ والمبردّ : ليست حروف إعراب بل دالّة عليه. وقال الجرميّ : انقلابها هو الأعراب. وقال قطرب والفرّاء : هي نفس الإعراب.

والدليل على مذهب سيبويه من خمسة أوجه :

أحدها : أنّ حرف الإعراب ما إذا سقط يختلّ به معنى الكلمة وهذه الحروف كذلك ، ولو كانت إعرابا لم يختلّ معناها بسقوطه.

والثاني : أنّ هذه الحروف مزيدة في آخر الاسم فكانت حروف إعراب كتاء التأنيث وألفه وحرف النسب.

والثالث : أنّك لو سمّيت رجلا ب (مسلمان) ثم رخمتّه حذفت منه الألف والنون والنون ليست حرف إعراب عند الجميع فكانت الألف كالثاء في : (حارث).

والرابع : أنّ العرب قالوا : (مذروان) و (عقلته بثنايين) فصحّحوا الواو والياء كما صحّحوهما قبل التأنيث نحو : (شقاوة) و (عباية) ولو لا أنّها حروف إعراب لم تكن كذلك.

والخامس : أنّ هذه الأسماء معربة والأصل في كلّ معرب أن يكون له حرف إعراب ؛ لأن الإعراب كالعرض المحتاج إلى محلّ والحرف محلّه.

وأمّا الأمثلة الخمسة فتعذر أن يكون لها حرف إعراب لما نبنيّه في باب الأفعال إن شاء الله تعالى.

وقد بيّنّا في الأسماء الستّة بطلان مذهب الأخفش والجرميّ والفرّاء وهو في معنى التثنية والجمع ، ونزيده ههنا أنّ الياء ههنا لا تستحق الحركة إذ لو كان كذلك لا نقلبت ألفا كما في المقصور.

__________________

وحده للأسماء الملازمة للنداء ؛ مثل : يا فل (أى : يا فلان) ، ويا مكرمان للكريم الجواد ، وغيرهما مما لا يكون إلا منادى. وهكذا اقتضى الأمر تعدد العلامات بتعدد أنواع الأسماء.

٨٣

ويبطل مذهب الفرّاء أيضا : أنّ هذه الحروف تدلّ على معان لا تدلّ عليها الحركات من التثنية والجمع ، وإنّما دلّت على الإعراب تبعا لا أصلا.

فإن قيل : لو كانت حروف إعراب لم تقع تاء التأنيث قبلها في نحو : (شجرتان)؟

قيل : لمّا كانت هذه الحروف دالّة على الإعراب من وجه وحرف إعراب من وجه جاز وقوع تاء التأنيث قبلها من حيث هي دالّة على الإعراب لا من حيث هي حروف إعراب ، وإنّما روعي ذلك ؛ لأن التأنيث معنى نحافظ عليه كما أنّ التثنية كذلك.

فصل : واختلف النحويّون في زيادة النون في التثنية والجمع لماذا زيدت فمذهب سيبويه وجمهور البصريّين أنّها عوض من الحركة والتنوين (١).

ومن البصريّين من قال تكون عوضا منهما في نحو : (رجلان) ومن الحركة في نحو :

(الرجلان) ومن التنوين في نحو : (غلاما زيد) ومنهم من قال : هي بدل من الحركة في كل موضع ، ومنهم من قال من التنوين في كلّ موضع.

وقال الفرّاء : فرّق بها بين التثنية وبين المنصوب المنوّن في الوقف.

والدلالة على الأوّل من وجهين :

أحدهما : أنّ الاسم مستحقّ الحركة والتنوين ، وقد تعذّرا في التثنية والجمع والتعويض منهما ممكن والنون صالحة لذلك ورأينا العرب أثبتتها فيهما ففهم أنّهم قصدوا التعويض رعاية للأصل ، ومثل ذلك ثبوت النون في الأمثلة الخمسة عوضا من الضمّ.

__________________

(١) تلحق النّون في أوائل الأفعال ، إذا خبّر المتكلّم عنه ، وعن غيره كقولك : «نحو نذهب» أو تلحق ثانية مثل «منجنيق» وزنه فنعليل ، بدليل ، جمعه على مجانيق بدون النّون ، و «جندب» و «عنظب» (العنظب : الجراد الضخم) لأنّه لا يجيء على مثال فعلل شيء إلا وحرف الزّيادة لازم له ، وتلحق رابعة في : «رعشن» و «ضيفن» لأنّ رعشن من الارتعاش ، وضيفن : إنما هو الجائي مع الضيف.

وتزاد النّون مع الياءات والواو والألف في التّثنية والجمع ، في رجلين ومسلمين ومسلمون ، وكذلك تزاد النون مع الألف في رجلان. وتزاد النّون علامة للصّرف ـ وهو التنوين ـ في نحو قولك : هذا زيد ورأيت زيدا ، فالتنوين لفظه نون ، وإن لم يكتب. وتزاد في الفعل لتوكيده مفردة في قولك : «اضربن زيدا» ومضاعفة في «أكرمنّ زيدا».

٨٤

والوجه الثاني : أنّ النون تثبت في النكرة المنصرفة وتسقط في الإضافة كما يسقط التنوين فأمّا ثبوتها مع الألف واللام ففيه وجهان :

أحدهما : أنّ الاسم تثبت فيه النون قبل الألف واللام فلمّا دخلا لم يحذفاه لقوّته بحركته بخلاف الإضافة.

والثاني : أنّهما هناك بدل من الحركة وحدها وتعذّر أن يكون بدلا من التنوين ، وكلّ حرف دلّ على شيئين وتعذر دلالته على أحدهما وجب أن يبقى دالا على الآخر وهذا كالفعل ، فإنّه يدّل على حدث وزمان ثمّ إنّ (كان وأخواتها) أفعال خلعت دلالتها على الحدث وبقيت دلالتها على الزمان ، وكذلك العوض عن شئيين إذا تعذر قيامه عن أحدهما بقي عوضا عن الآخر.

أما سقوطها مع الإضافة فمن حيث هي بدل من التنوين ومن الحركة ولم يعكس فتحذف مع الألف واللام وتثبت في الإضافة لوجهين :

أحدهما : أنّ المضاف إليه عوض من التنوين في موضعه ؛ ولهذا كان من تمام المضاف وثبوت التنوين يؤدي إلى الجمع بين العوض والمعوض وإلى قطع الأوّل عن الثاني.

والوجه الثاني : أنّ النون لّما ثبتت مع الألف واللام بدلا من الحركة وحدها أرادوا أن يبيّنوا أنّها بدل من التنوين أيضا فحذفوها مع الإضافة عوضا من حذفها مع الألف واللام.

وأمّا ثبوتها في : (أحمدان) و (أحمران) ففيه وجهان :

أحدهما : ما تقدّم في الألف واللام.

والثاني : أنّ الاسم مستحقّ للتنوين في الأصل (١) ، وإنّما سقط لشبهه بالفعل وبالتثنية بّعد من الفعل فعاد إلى حقّه.

__________________

(١) قال العكبري : فأما من قال هو ما استحق الاعراب في اول وضعه او ما استحق التنوين فكلام ساقط جدا وذلك ان استحقاق الشيء لحكم ينبغي ان يسبق العلم بحقيقته حتى يرتب عليه الحكم الا ترى انه لو قال في لفظة (ضرب) : هذا اسم لأنه يستحق ، الاعراب في أول وضعه لاحتجت ان تبين أنه ليس باسم ولا يعترض في ذلك بالاعراب وعدمه ولو قال قائل : انا اعربه او احكم باستحقاقه الاعراب لقيل له : ما الدليل على ذلك فقال : لانه اسم فيقال له : ما الدليل على انه اسم فان قال بعد ذلك : لانه يستحق الاعراب ادى الى ـ

٨٥

وأمّا ثبوتها في : (عصوان) و (فتيان) فلأنّ الحركة ظهرت لمّا عاد الحرف إلى أصله ، وأمّا ثبوتها في : (هذان) ففيه وجهان :

أحدهما : أنّها صيغة وضعت للتثنية لا أنّها تثنية (هذا) على التحقيق ، وقد بيّنا علّته في أوّل الباب وكذلك : (اللذان).

والثاني : أنّ (هذان) و (اللذان) (١) بنيا في الإفراد لشبههما بالحرف وبالتثنية زال ذلك إذ الحرف لا يثنى ، وإذا استحقّا أعربا استقّا الحركة والتنوين.

وذهب قوم إلى أنّ النون فيهما عوض من الحرف المحذوف وهما الألف في : (هذا) والياء في : (الذي).

فإن قيل : حرف المدّ عندكم عوض من الحركة فكيف يعوّض منها النون أيضا؟

ففيه وجهان :

أحدها : أنّ حروف المدّ ليست عوضا من الحركة بل دالّة على الرفع الذي تدّل عليه الحركة ، والنون عوض من لفظ الحركة المستحقّة وبين لفظ الحركة واستحقاقها فرق بيّن ألا ترى أنكّ لو سميت امرأة ب (قدم) لم تصرفها لتحرّك أوسطها ، ولو سمّيتها ب (دار) و (فيل) لصرفت بلا خلاف وإن كانت الحركة مستحقّة لكنّها معدومة لفظا.

والثاني : أنّ حروف المدّ ضعفت نيابتها عن الحركة إذ كانت حروف إعراب وأدلّة على التثنية والجمع ؛ فجبروا ضعف نيابتها عنها بأن جعلوها عوضا من الحركة من وجه وعوضا من التنوين من وجه.

وأما مذهب الفرّاء فيبطل من أوجه :

__________________

الدور لانه لا يثبت كونه اسما الا باستحقاق الاعراب ولا يستحق الاعراب الا بكونه اسما وهكذا سبيل التنوين وغيره.

(١) من الأسماء المبنية : أسماء الإشارة التى ليست مثناة ؛ نحو : هذا كريم ، وتلك محسنة. بخلاف : «هذان كريمان ، وهاتان محسنتان». فهما معربان عند التثنية ؛ على الصحيح. وأسماء الموصول غير المثناة ، والأسماء الأخرى التى تحتاج بعدها ـ وجوبا ـ إلى جملة أو شبهها ؛ تكمل معناها ، ولا تستغنى عنها بحال. فمثال الموصول : جاء الذى يقول الحق. وسافر الذى عندك ، أو الذى فى ضيافتك.

٨٦

أحدهما : أنّ الألف تثبت في الرفع خاصّة والعامل يميّز.

والثاني : أنّه لو كان كما قال لم تثبت النون بعد الياء.

والثالث : أنّها تثبت في الجمع ولا لبس هناك.

والرابع : أنّ الألف واللام تمنع من الألف في نصب الواحد وتثبت في التثنية.

فصل : وإنّما كسرت النون في التثنية وفتحت في الجمع لأربعة أوجه :

أحدها : أنّ تحريكها مضطر إليه لئلّا يلتقي ساكنان ، والأصل فيها السكون والتثنية قبل الجمع ، والأصل في حركة التقاء الساكنين الكسر ، فكانت التثنية بها أولى وفتحت في الجمع لتخالف التثنية.

والثاني : أنّ ما قبل حرف المدّ في التثنية مفتوح فجعلوا ما بعده مكسورا تعديلا وعكسوه في الجمع.

والثالث : أنّ التثنية تكون بالألف في الرفع وهي أخفّ من الواو والياء فجعلوا الكسر مع الأخفّ والفتح مع الأثقل.

والرابع : أنّهم لو فتحوا في الموضعين لوقع اللبس في بعض المواضع ، ألا ترى أنّك تقول : مررت بالمصطفين في الجمع بفتح ما قبل الياء وما بعدها ، فلو فعلت ذلك في التثنية لالتبسا.

فصل : وقد شذّ في التثنية شيئان :

أحدهما : جعل المثنّى بالألف في كلّ حال ، وهي لغة قليلة.

والثاني : فتح النون فيها وكسر النون في الجمع وهو قليل أيضا وبابه الشعر.

٨٧

باب الجمع

الجمع الذي هو نظير التثنية يسمّى : (جمع السلامة) و (جمع التصحيح) (١) ؛ لأنه صحّ فيه لفظ الواحد بعينه ، وجمعا على حدّ التثنية ، وجمعا على هجائين. وحدّه ما سلم فيه نظم الواحد وبناؤه.

فأمّا : (بنون) فقال عبد القاهر رحمه‌الله : ليس بسالم لسقوط الهمزة منه ، وقال غيره : هو سالم ، وإنّما سقطت الهمزة إذ كانت زائدة توصّلا إلى النطق بالساكن ، وقد استغني عنها.

وأمّا : (أرضون) فحرّكت راؤها لما نبيّه من بعد.

فإن قلت : ف (صنوان) جمع : (صنو) ، وقد سلم فيه لفظ الواحد ، وليس بجمع صحيح؟

قيل : سلامته أمر اتّفاقي ، وإنّما هو مكسّر على (فعلان) ، والتحقيق : أنّ الكسرة في أوّله وسكون ثانية في الجمع غيرهما في الواحد ؛ لأن هذا الجمع قد يكون واحدة على غير زنة :

(فعل) نحو : غراب وغربان وقضيب وقضبان.

فصل : وإنّما اختصّ هذا الجمع بالأعلام لكثرتها فيمن يعقل واختصّ بالمذكّر منها ؛ لأن مسماه أفضل المسميّات ، وجمع السلامة لمّا صين عن التغيير كان ذلك فضيلة له.

ومطابقه اللفظ للمعنى مستحسنة ، فأمّا صفات من يعقل فجمعت جمع السلامة لوجهين :

أحدهما : أنّها جارية على أفعالها فكما تقول : (يسلمون) تقول : (مسلمون).

والثاني : أنّ هذه الصفات لّما اختصّت بالعقلاء خصّت بأفضل الجموع ، وأمّا قوله تعالى : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] فإنّه لمّا وصفها بالسجود الذي هو من صفات من يعقل أجراها مجرى من يعقل ، وكذلك قوله : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، وإنّما ثنّيّ : (قالَتا) وجمع : (طائِعِينَ) لثلاثة أوجه :

__________________

(١) وينقسم هذا الجمع إلى جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم ، حكم هذا الجمع أنه يرفع بالواو نيابة عن الضمة ويجر وينصب بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها نيابة عن الكسرة والفتحة ، تقول جاء الزّيدون والمسلمون ومررت بالزّيدين والمسلمين ورأيت الزّيدين والمسلمين.

٨٨

أحدها : أنّ السموات والأرض جمع في المعنى فجاء بالحال على ذلك.

والثاني : أنّ المراد : (أتينا ومن فيها طائعين) وغلّب المذكّر.

والثالث : أنّ المراد : (أهل السموات والأرض).

وأمّا : (العشرون) وإلى : (التسعين) (١) فجمع جمع السلامة لوقوعه على من يعقل وما لا يعقل وغلّب فيه من يعقل ، وليس بجمع (عشر) على التحقيق ؛ لأن العشر من أظماء الإبل وهذا العدد لا يخصّ الأظماء ، وإنّما هو لفظ مرتجل للعدد.

__________________

(١) الملحق بجمع المذكّر السّالم : حمل النّحاة على هذا الجمع أربعة أنواع :

(أحدها) أسماء جموع وهو «أولو» (اسم جمع ل «ذو» بمعنى صاحب) بمعنى أصحاب ، و «عالمون» (اسم جمع سالم ، وهو أصناف الخلق عقلاء أو غيرهم) و «عشرون» وبابه إلى «التّسعين».

(الثاني) جموع تكسير وهي «بنون» و «حرّون» (حرون : جمع حرّة : وهي أرض ذات حجارة سود) و «أرضون» و «سنون» وبابه ، وضابطه : «كلّ ثلاثي حذفت لامه ، وعوّض عنها هاء التّأنيث ولم يكسّر» نحو «عضة» (عضّة : من عضّيته وعضّوته تعضيه ، أي فرقته أو من العضة وهو البهتان) و «عضين» و «عزة (العزة : الفرقة من الناس) وعزين» و «ثبة وثبين» (الثبة : هي الجماعة) قال الله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) (الآية «١١٣» من سورة المؤمنون). وقال : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (الآية «٩١» من سورة الحجر). وأصل سنة «سنو» أو «سنة» لقولهم في الجمع «سنوات وسنهات» ، فحذفت لامه وهي الواو أو الهاء ، وعوّض عنها هاء التّأنيث وهي الهاء من «سنة» ولم تكسّر أي ليس لها جمع تكسير فلا تجمع «شجرة وثمرة» لعدم الحذف ولا «زنة وعدة» لأنّ المحذوف منهما الفاء ، وأصلهما «وزن ووعد» ولا «يد ودم» وأصلهما يدي ، ودمي ، لعدم التّعويض من لامهما المحذوفة وخالف ذلك «أبون وأخون» لجمعهما مع عدم التّعوي ، ولا «اسم وأخت وبنت» لأنّ العوض غير الهاء ، وشذّ «بنون» لأنّ المعوّض عنه همزة الوصل ولا «شاة وشفة» لأنّهما كسّرا على «شياه وشفاه».

(الثالث) جموع تصحيح لم تستوف الشروط ك «أهلون» جمع أهل ، وهم العشيرة ، و «وابلون» جمع وابل وهو المطر الغزير ، لأنّ «أهلا ووابلا» ليسا علمين ولا صفتين ولأنّ «وابلا» لغير العاقل.

(الرّابع) ما سمّي به من هذا الجمع : ك «عابدين» ، وما ألحق به ك «عليّين» قال الله تعالى : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) (الآية «١٩ ، ٢٠» من سورة المطففين).

فيعربان بالحروف إجراء لهما على ما كانا عليه قبل التّسمية بهما ، ويجوز في هذا النّوع أن يجري مجرى «غسلين» في لزوم الياء ، والإعراب بالحركات الثّلاثة ظاهرة منوّنة إن لم يكن أعجميّا ، فتقول : «هذا عابدين وعلّيين» و «رأيت عابدينا وعليّينا» و «نظرت إلى عابدين وعليّين» فإن كان أعجميّا فتقول : «هذا عابدين وعلّيين» و «رأيت عابدينا وعليّينا» و «نظرت إلى عابدين وعليّين» فإن كان أعجميّا امتضنضع التّنوين ، وأعرب إعراب ما لا ينصرف فتقول : «هذه قنسرين» (قنسرين : كورة بالشام منها حلب ، وكانت مدينة عامرة إلى سنة ٣٥١) و «سكنت قنّسرين» و «مررت بقنّسرين».

٨٩

وأمّا : (قلة) و (برة) فجمعت جمع السلامة جبرا لها من الوهن الداخل عليها بحذف لاماتها ، وهذه علّة مجوّزة لا موجبة ، ألا ترى أنّهم لم يقولوا في (دم) : (دمون) وغيّروا بعضها نحو كسر السين من (سنين) تنبيها على أنّ ذلك ليس بأصل فيها.

وأمّا : (أرضون) فجمعوها جمع السلامة جبرا لما دخلها من حذف تاء التأتيث الراجعة في التصغير وفتحوا الراء لوجهين :

أحدهما : التنبيه على مخالفة الأصل.

والثاني : أنّها الفتحة التى تستحقّها في جمعها الأصلي وهو : (أرضات) وهذه العلّة استحسانيّة لا موجبة فعند ذلك لا تنتقض : (بشمس) و (قدر) ونحوهما.

وأمّا : (عليّون) فقيل إنّه جمع : (علّي) وهو الملك ، وقيل : اسم مكان مرتجل كعشرين.

وأمّا : (قنّسرين) و (يبرين) فمن العرب من يجريه مجرى عشرين ، ومنهم من يجعله بالياء في كلّ حال ويجعل النون حرف الإعراب.

وأمّا : (الذين) فصيغة مرتجلة للجمع في كلّ حال ، ومن العرب من يجعلها بالواو في الرفع وبالياء في الجرّ والنصب وهي مرتجلة أيضا مبنيّة.

وقد جاء فى الشعر كسر نون الجمع لالتقاء الساكنين كما جاء فتح نون التثنية.

٩٠

باب جمع التأنيث

إنّما زيد في الواحد هنا الحرف دون الحركة لما ذكرناه في التثنية ، وزيد حرفان لأن فيه معنيين التأنيث والجمع ، وهما فرعان فاحتاجا إلى زيادتين ، وليس كذلك التثنية والجمع ؛ لأنه معنى واحد (١).

فصل : وإنّما اختيرت الألف دون الواو والياء لخفّتها وثقل التأنيث والجمع ووقوع ذلك فيمن يعقل وما لا يعقل واختيرت التاء معها لوجهين :

أحدهما : أنّها تشبه الواو التى هي أخت الالف.

والثاني : أنّها تدلّ على التأنيث وكلا الحرفين دالّ على كلا المعنيين من غير تفريع ، وقال قوم : الألف تدلّ على الجمع والتاء على التأنيث وعكس هذا قوم ، والجمهور على الأوّل وهو أصح لوجهين :

أحدهما : أنّك لو حذفت الألف لم تدلّ التاء على الجمع ولا على التأنيث مقترنا بالجمع ، وكذلك لو حذفت التاء.

__________________

(١) هو : ما دل على أكثر من اثنين بسبب زيادة معينة فى آخره ، أغنت عن عطف المفردات المتشابهة فى المعنى ، والحروف ، والحركات ، بعضها على بعض. وتلك الزيادة هى «الألف والتاء» فى آخره.

ومفرد هذا الجمع قد يكون مؤنثا لفظيّا ومعنويّا معا ؛ مثل : سيدة ، وسعدى ولمياء. والجمع ؛ سيدات ، وسعديات ، ولمياوات.

وقد يكون مفرده مؤنثا معنويا فقط ؛ بأن يكون خاليا من علامة التأنيث مع دلالته على مؤنث حقيقى ؛ مثل : هند ، وسعاد. والجمع : هندات ، وسعادات.

وقد يكون مفرده مؤنثا لفظيّا فقط ؛ بأن يكون لفظه مشتملا على علامة تأنيث ، مع أن المراد منه مذكر. مثل : عطية ، اسم رجل ، وجمعه : عطيات ، وشبكة ، اسم رجل ، وجمعه : شبكات ... وقد يكون مفرده مذكرا ؛ كسرادق وسرادقات.

وحكم هذا الجمع : أنه يرفع بالضمة ، وينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة ، ويجر بالكسرة ، كما فى الأمثلة السابقة ، وأشباهها. كل هذا بشرط أن تكون الألف والتاء زائدتين معا ؛ فإن كانت الألف زائدة والتاء أصلية ؛ ـ مثل : بيت وأبيات ، وقوت وأقوات ، وصوت وأصوات ، ووقت وأوقات ... ـ لم يكن جمع مؤنث سالما ، ولم ينصب بالكسرة ؛ وإنما هو جمع تكسير ، ينصب بالفتحة. وكذلك إن كانت ألفه أصلية والتاء زائدة ، ـ مثل : سعادة : جمع ساع ، ورماة : جمع رام ، ودعاة : جمع داع ، وأشباهها ـ ؛ فإنه يدخل فى جموع التكسير التى تنصب بالفتحة.

٩١

والثاني : أنّ التأنيث والجمع زيادتان ملتبستان متصلتان فكان الدالّ عليهما حرفين ملتبسين من غير تفريع ، ألا ترى أنّ علامة النسب حرفان وهو معنى واحد فكون العلامة هنا حرفين أولى.

فصل : وإنّما حمل المنصوب هنا على المجرور لوجهين :

أحدهما : أنّه جمع تصحيح فحمل النصب فيه على الجرّ كجمع المذكّر ؛ لأن المؤنّث فرع على المذكّر والفروع تحمل على الأصول ، فلو جعل النصب أصلا لكان الفرع أوسع من أصله وهذا استحسان من العرب لا أنّ النصب متعذّر.

والوجه الثاني : أنّ المؤنّث بالتاء في الواحد تقلب تاؤه هاء في الوقف ولا يمكن ذلك في الجمع فكما غيّر في الواحد غيّر في الجمع فحمل النصب على غيره إذ كان تغييرا والتغيير يؤنس بالتغيير.

فصل : وكسرته في النصب إعراب ، وقال الأخفش : بناء ، وهذا ضعيف إذ لا علّة توجب البناء ، ولو صحّ ما قال لكان فتح المجرور فيما لا ينصرف والتثنية والجمع في النصب بناء.

فصل : والتنوين الداخل هذا الجمع ليس تنوين الصرف.

وقال الربعيّ : هو تنوين الصرف ، وما قاله ضعيف بدليل ثبوته فيما لا ينصرف كقوله تعالى : (أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) [البقرة : ١٩٨] وقولهم : (هذه عرفات مباركا فيها) فنصب الحال عنها يدلّ على أنّها معرفة وهي مؤنّثة ، وإنّما هذا التنوين نظير النون في : (مسلمون) إذ كان هذا الجمع فرعا على ذلك الجمع.

وقيل : التنوين هنا عوض ممّا منع هذا الاسم من الفتحة في النصب كما عوّضت النون من الحركة في التثنية والجمع ، ولّما كان المعوّض منه حركة واحدة جعلت هذه النون كتنوين الصرف في أنّها لا تثبت وقفا وخطّا ولا مع الألف واللام.

فصل : وإنّما حذفت التاء الأولى في نحو : (مسلمات) لوجهين :

أحدهما : أن الغرض منها التأنيث ، وقد حصل بتاء الجمع.

والثاني : أنّ تاء التأنيث لم تقع حشوا ؛ ولهذا لم تثبت في النسب فلا يقال : (بصرتيّ) ، وقيل : امتناعها في النسب لئلّا يقال : (بصرتية) فتجمتع علامتان.

٩٢

وإنما كان حذف الأولى أولى لوجهين :

أحدهما : أنّ التثنية تدلّ على التأنيث والجمع مع الألف ، فلو حذفت لبطلت دلالة الجمع.

والثاني : أنّ الأولى حشو.

فصل : وإنّما لم تحذف ألف التأنيث في الجمع كما حذفت التاء لوجهين :

أحدهما : أنّها لو حذفت لالتبس ذلك الجمع بجمع ليس في واحده علامة أو بما علامته تاء.

والثاني : أنّ الألف لمّا أبدلت حرفا آخر لم تكن جمعا بين علامتين.

فصل : وإنّما قلبت : (ياء) لا واوا لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّها في الواحد تمال إلى الياء.

والثاني : أنّ الياء أشبه بالألف منها بالواو لقربها منها وخفّتها وخفائها.

والثالث : أنّهم قد أثّنوا بالياء نحو : (أنت تقومين) وبالكسرة التي هي أخت الياء نحو : (ضربت وأنت) (١).

__________________

(١) ألحق بهذا الجمع نوعان ، أولهما : كلمات لها معنى جمع المؤنث ولكن لا مفرد لها من لفظها ؛ ، وإنما لها مفرد من معناها ، فهى اسم جمع ، مثل «أولات» ومفردها : «ذات» ، بمعنى صاحبة ، فمعنى كلمة : «أولات» هو : صاحبات. تقول : الأمهات أولات فضل ، عرفت أولات فضل ، احترمت أولات فضل.

وكلمة : «أولات» مضافة دائما ؛ ولهذا ترفع بالضمة من غير تنوين ، وتنصب وتجر بالكسرة من غير تنوين أيضا ؛ ومثلها : «اللّات» (اسم موصول لجمع الإناث) ، عند من يلحقها بجمع المؤنث ، ولا يبنيها على الكسر ، كالإعراب المشهور ، يقول : جاءت اللات تعلمن ، ورأيت اللات تعلمن ، وفرحت باللات تعلمن ؛ فاللات عنده اسم جمع لكلمة : (التى).

ثانيهما : ما سمى به من هذا الجمع وملحقاته ، وصار علما لمذكر أو مؤنث بسبب التسمية ؛ مثل : سعادات ، وزينبات ، وعنايات ، ونعمات ، وأشباهها مما صار علما على رجل أو امرأة. ومثل : عرفات ؛ (اسم مكان بقرب مكة) ، وأذرعات (اسم قرية بالشام). وغير ذلك ، مما لفظه لفظ جمع المؤنث ، ولكن معناه مفرد مذكر أو مؤنث. مثل : سافرت سعادات ، ورأيت سعادات ، واعترفت لسعادات بالفضل. فهذا النوع يعرب بالضمة رفعا ، وبالكسرة نصبا وجرّا ، مع التنوين فى كل الحالات ؛ مراعاة لناحيته اللفظية الشكلية التى جاءت على صورة جمع المؤنث السالم ، مع أن مدلولها مفرد.

وبعض العرب يحذف التنوين ، وبعضهم يعربه بالضمة رفعا من غير تنوين ، وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين فى الحالتين ، أى : يعربه إعراب ما لا ينصرف مراعاة لمفرده ، بشرط أن يكون هذا المفرد مؤنثا فيقول : ـ

٩٣

فصل : وإنّما قلبت همزة التأنيث (واوا) ؛ لأنها تشبه الألف إذ هي من مخرجها وتخفّف إليها وتصوّر في الخطّ ألفا ، فلو بقيت لتوالى في التقدير ثلاث ألفات ، ولو حذفت لحذفت ألف أخرى لالتقائهما.

فصل : وإنّما قلبت : (واوا) لا ياء لثلاثة أوجه :

أحدهما : أنّ الهمزة تشبه الواو في النقل ومقابلتها في مخرجها ؛ ولهذا أبدلت منها في : (وقّتت) و (وجوه) فأبدلت الواو منها تعويضا.

والثاني : أنّها لو ابدلت ياء ـ والياء أشبه بالألف ـ لم يحصل الغرض من إبدالها ؛ لأن الياء كالألف.

والثالث : أنّهم فرّقوا بذلك بين جمع المقصور والممدود (١).

فصل : ولم تجمع الصفات بالألف والتاء نحو : (حمراء) و (صفراء) ؛ لأن هذا الجمع فرع على جمع المذكّر ، ولمّا لم يقولوا : (أحمرون) ، (أصفرون) في المذكّر لم يقولوا : (حمراوات).

والعلّة في ذلك : أنّ الصفة مشتقة من الفعل ففيها ضرب من الثقل ؛ ولهذا كانت إحدى علل منع الصرف والجمع والتأنيث ثقيلان فتزداد ثقلا ، فأمّا قوله عليه الصلاة والسلام : «ليس في الخضراوات زكاة» (٢) فإنّه جعل كالاسم إذ كان صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف : (كالأبطح) و (الأبرق).

__________________

هذه عرفات ، زرت عرفات ، ووقفت بعرفات. وإذا أراد الوقوف على آخره وقف بالتاء المفتوحة ، فهذه ثلاثة أراء قد يكون أفضلها الأخير فيحسن الاقتصار عليه فى استعمالنا.

(١) قال ابن عقيل في شرحه على الألفية : الممدود إما أن تكون همزته بدلا من ألف التأنيث أو للإلحاق أو بدلا من أصل أو أصلا فإن كانت بدلا من ألف التأنيث فالمشهور قلبها واوا فنقول في صحراء وحمراء صحراوان وحمراوان ، وإن كانت للإلحاق كعلباء أو بدلا من أصل نحو كساء وحياء جاز فيها وجهان أحدهما قلبها واوا فتقول علباوان وكساوان وحياوان والثاني إبقاء الهمزة من غير تغيير فتقول علباءان وكساءان وحياءان والقلب في الملحقة أولى من إبقاء الهمزة وإبقاء الهمزة المبدلة من أصل أولى من قلبها واوا ، وإن كانت الهمزة الممدودة أصلا وجب إبقاؤها فتقول في قراء ووضاء قراءان ووضاءان ، وأشار بقوله وما شذ على نقل قصر إلى أن ما جاء من تثنية المقصور أو الممدود على خلاف ما ذكر اقتصر فيه على السماع كقولهم في الخوزلي الخوزلان والقياس الخوزليان وقولهم في حمراء حمرايان والقياس حمراوان.

(٢) أخرجه الترمذي من حديث معاذ بن جبل (٦٣٨) ، وأخرجه الدار قطني في سننه (١٩٠٠).

٩٤

فصل : إذا سمّيت مذكّرا بمؤنّث بالتاء نحو : (طلحة) جمعته بالألف والتاء ولا يجوز بالواو والنون ، وقال الكوفيّون : تسكن عينه وتحذف تاؤه ويجمع بالواو والنون فيقال في (طلحة) : (طلحون) (١). وقال ابن كيسان كذلك إلا أنّه فتح العين.

والدليل على فساد مذهبهم : أنّ العرب جمعته بالألف والتاء فقالوا : طلحة الطّلحات ؛ لأن هذا الاسم مؤنث بالتاء وهي من خصائص التأنيث ، والواو من خصائص المذكّر فلم يجمع بينهما.

فأمّا المؤنّث بالألف والهمزة فيجمع بالواو والنون إذا سمّي به فيقال : (سكراوون) و (حمراوون) ؛ لأن الألف صيغت مع الكلمة من أوّل أمرها وثبتت في التكسير نحو : (سكارى) وقلبت في الجمع نحو : (سعديات) فصارت كالحرف الأصليّ (٢).

وأمّا التاء ففي حكم المنفصل ؛ ولهذا قالوا : تحذف في هذا الجمع.

فإن قيل : المسمّى مذكّر وعلامة التأنيث تحذف ههنا فلم يبق مانع من هذا الجمع؟

قيل : العبرة في هذا الجمع باللفظ وهو مؤنث والتاء وإن حذفت فهي مقدّرة ، ألا ترى أنّك لو سميت مؤنثا بمذكر لجاز ولم يستحل المعنى ، وكذا لو سمّيت مذكّرا بمؤنّث جاز ولم تقل هذا جمع بين الضدّين ، فعلم أنّ تذكير المعنى لا يمنع من تأنيث اللفظ ، وأمّا تحريك العين فضعيف جدّا ؛ لأن ذلك من خصائص الجمع بالألف والتاء.

__________________

(١) يشترط في الجامد أن يكون علما لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث ومن التركيب فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون فلا يقال في رجل رجلون نعم إذا صغر جاز ذلك نحو رجيل ورجيلون لأنه وصف وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما فلا يقال في زينب زينبون وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل فلا يقال في لاحق اسم فرس لاحقون وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما فلا يقال في طلحة طلحون وأجاز ذلك الكوفيون وكذلك إذا كان مركبا فلا يقال في سيبويه سيبويهون وأجازه بعضهم.

(٢) يسلم في هذا الجمع ما سلم في التّثنية (انظر المثنى). فتقول : في جمع «هند» «هندات» كما تقول : «هندان» إلا ما ختم «بتاء التأنيث» فإنّ تاءه تحذف في الجمع المؤنث لا في التّثنية سواء أكانت زائدة ك «مسلمة» أم بدلا من أصل ك «أخت» و «بنت» و «عدة» تقول في جمعها : «مسلمات» و «أخوات» و «بنات» و «عدات» وجمع المقصور والممدود يتغيّر فيه هنا ما تغيّر في التثنية تقول في جمع «سعدى» : «سعديات» بالياء وفي جمع «صحراء» : «صحراوات» بالواو.

٩٥

باب ذكر الأسماء المرفوعة

إنّما بدئ بالأسماء لوجهين :

أحدهما : أنّها أصول الأفعال.

والثاني : أنّ إعرابها أصل لإعراب الأفعال.

وإنّما بدئ بالمرفوع (١) ؛ لأن الجملة المفيدة تتمّ بالمرفوع ولا منصوب معه ولا مجرور ولا تجد منصوبا ولا مجرورا إلا ومعه مرفوع لفظا أو تقديرا.

فصل : وإنّما بدأ من بدأ بالمبتدأ قبل الفاعل لوجهين :

أحدهما : أنّه اسم تصدّر الجملة به والفاعل يتأخر عن الصدر.

والثاني : أنّ المبتدأ لا يبطل كونه مبتدأ بتأخيره ، والفاعل إذا تقدّم على الفعل صار مبتدأ لا غير.

فصل : والمبتدأ هو الاسم المجرّد من العوامل اللفظية لفظا وتقديرا المسند إليه خبر أو ما يسدّ مسدّه وفيه احتراز من قولك : أنّ زيد خرج خرجت ، فإنّ (زيدا) مجرّد من العوامل لفظا لا تقديرا إذ التقدير : إن خرج زيد فهو فاعل (٢).

__________________

(١) قال ابن هشام في شرح الشذور : وبدأت منها بالمرفوعات لأنها أركان الإسناد ، والضمير في قولي وهو للفاعل وقولي ما قدّم الفعل أو شبهه عليه مخرج لنحو زيد قام وزيد قائم فإنّ زيدا فيهما أسند إليه الفعل وشبهه ولكنهما لم يقدّما عليه ولا بد من هذا القيد لأن به يتميز الفاعل من المبتدأ وقولي اسند اليه مخرج لنحو زيدا في قولك ضربت زيدا وانا ضارب زيدا فإنه يصدق عليه فيهما أنه قدّم عليه فعل أو شبهه ولكنهما لم يسندا إليه وقولي على جهة قيامه به او وقوعه منه مخرج لمفعول ما لم يسمّ فاعله نحو ضرب زيد وعمرو مضروب غلامه فزيد والغلام وان صدق عليهما انهما قدم عليهما فعل وشبهه واسندا إليهما لكن هذا الإسناد على جهة الوقوع عليهما لا على جهة القيام به.

(٢) المبتدأ وهو نوعان مبتدأ له خبر وهو الغالب ومبتدأ ليس له خبر لكن له مرفوع يغني عن الخبر.

ويشترك النوعان في أمرين ؛ أحدهما : أنهما مجرّدان عن العوامل اللفظية ، والثاني : أن لهما عاملا معنويا وهو الابتداء ونعني به كونهما على هذه الصورة من التجرد للإسناد.

ويفترقان في أمرين ؛ أحدهما : أن المبتدأ الذي له خبر يكون اسما صريحا نحو (الله ربّنا) و (محمّد نبيّنا) ومؤوّلا بالاسم نحو (وأن تصوموا خير لكم) أي وصيامكم خير لكم ومثله قولهم : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ولذلك قلت المجرد ولم أقل الاسم المجرد ولا يكون المبتدأ المستغني عن الخبر في تأويل الاسم البتة بل ولا كل اسم بل يكون اسما هو صفة نحو أقائم الزّيدان وما مضروب العمران. ـ

٩٦

وإنّما وجب أن يكون اسما ؛ لأنه مخبر عنه ولا يصحّ الإخبار عن غير الاسم ، وأمّا قولهم : (تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه) فتقديره : (أن تسمع) فلم يخبر عن الفعل إذن ، وإنّما شرط فيه التجرّد من العامل اللفظيّ ؛ لأن العامل اللفظيّ إذا تقدّم عليه عمل فيه ينسب إليه أكان فاعلا أو ما أشبهه.

وأما قولهم : (بحسبك قول السوء) فالباء زائدة ، وقد علمت في لفظ الاسم والموضع مرفوع وشرط فيه الإسناد لتحصل الفائدة.

وقد قال النحويّون : المبتدأ معتمد البيان ، والخبر معتمد الفائدة ، ومن ههنا شرط في المبتدأ أن يكون معرفة أو قريبا منها ليفيد الإخبار عنه إذ الخبر عمّا لا يعرف غير مفيد ، وقد جاءت نكرات أفاد الإخبار عنها وسنراها إن شاء الله تعالى.

فصل : واختلفوا في العامل في المبتدأ على خمسة أقوال :

أحدها : أنّه الابتداء وهو كون الاسم أوّلا مقتضيا ثانيا ، وهذا هو القول المحقّق وإليه ذهب جمهور البصريين (١).

والقول الثاني : أنّ العامل فيه تجرّده عن العوامل اللفظيّة وإسناد الخبر إليه روي عن المبرّد وغيره.

والثالث : أنّ العامل فيه ما في النفس من معنى الإخبار روي عن الزجّاج.

__________________

والثاني : أن المبتدأ الذي له خبر لا يحتاج الى شيء يعتمد عليه والمبتدأ المستغني عن الخبر لا بد أن يعتمد على نفي أو استفهام كما مثّلنا.

(١) قال ابن عقيل في شرحه على الألفية : مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ ، فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها واحترز بغير الزائدة من مثل بحسبك درهم فبحسبك مبتدأ وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة ولم يتجرد عن الزائدة فإن الباء الداخلة عليه زائدة واحترز بشبهها من مثل رب رجل قائم فرجل مبتدأ وقائم خبره ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه نحو رب رجل قائم وامرأة.

والعامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ وهذا هو مذهب سيبويه رحمه‌الله ، وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء فالعامل فيهما معنوي ، وقيل المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ ، وقيل ترافعا ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر ، وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول وهذا الخلاف مما لا طائل فيه.

٩٧

والرابع : أنّ العامل فيه الخبر.

والخامس : أنّ العامل فيه العائد من الخبر.

والقولان الأخيران مذهب الكوفيّين ، والدليل على أنّ العامل فيه أوّليتّه واقتضاؤه ثانيا من وجهين :

أحدهما : أنّ هذه الصفة مختّصة بالاسم والمختصّ من الألفاظ عامل فكذلك من المعاني.

والثاني : أنّ المبتدأ معمول ولا بدّ له من عامل ، ولا يجوز أن يعمل في نفسه لامتناع كون المعمول عاملا في نفسه كما يمتنع أن يكون الشيء علّة لنفسه ، ولا يجوز أن يكون تعرّية من العوامل اللفظيّة عاملا ؛ لأن ذلك عدم العامل وعدم العامل لا يكون عاملا.

فإن قيل : العدم يكون أمارة لا علّة؟

قيل : الأمارة يستدلّ بها على أنّ ثمّ عاملا غيرها ، وقد اتّفقوا على أنّه لا عامل يستدلّ عليه بالعدم.

فإن قيل : التعرّي من العوامل ليس هو العامل بل صلاحية الاسم للعوامل اللفظيّة هو العامل؟

قيل : هذا يرجع إلى المذهب الأوّل ولا يجوز أن يكون إسناد الخبر عاملا ؛ لأن الإسناد يكون بعد المبتدأ ومن شرط العامل أن يتقدّم على المعمول لفظا أو تقديرا.

ولا يجوز أن يكون العامل ما في النفس من معنى الخبر لوجهين :

أحدهما : أنّ تصوّر معنى الابتداء سابق على تصوّر معنى الخبر والسابق أولى أن يكون عاملا.

والثاني : أنّ رتبه الخبر بعد المبتدأ ورتبة العامل قبل المعمول فيتنافيان.

والثالث : أنّ الخبر قد يكون فعلا ، فلو عمل في المبتدأ لكان فاعلا.

والرابع : أنّ الخبر يكون من الموصول والصلة ، فلو عمل لعملت الصلة فيما قبلها.

والخامس : أنّ الخبر كالصفة وكما لا تعمل الصفة في الموصوف كذلك الخبر.

والسادس : أنّ (إنّ) و (كان) إذا دخلا على المبتدأ أزالا الرفع والخبر لفظيّ ، والعامل اللفظيّ لا يبطل العامل اللفظيّ ، ولا يجوز أنّ يكون الضمير العائد عاملا لوجهين :

٩٨

أحدهما : أنّ المضمر فرع المظهر ؛ فإذا لم يعمل الأصل فالفرع أولى.

والثاني : أنّ الضمير قد يكون في الصلة ، فلو عمل لعمل فيما قبل الموصول ، وإذا بطلت هذه الأقوال تعيّن القول الأوّل.

فصل : وأمّا عامل الخبر (١) ففيه خمسة أقوال :

١ ـ أحدهما : الابتداء وهو قول ابن السراج ؛ لأنه عمل في المبتدأ فعمل في الخبر ك (كان) و (ظننت) و (إنّ).

٢ ـ والقول الثاني : أنّ المبتدأ هو العامل في الخبر وهو قول أبي عليّ ، وهذا ضعيف لوجهين :

أ ـ أحدهما : أنّ المبتدأ كالخبر في الجمود والجامد لا يعمل.

ب ـ والثاني : أنّ المبتدأ لو عمل في الخبر لم يبطل بدخول العامل اللفظيّ ؛ لأنه لفظي أيضا ومن مذهبه أنّ العامل اللفظيّ لا يعمل في المبتدأ والخبر.

٣ ـ والقول الثالث : أنّ الابتداء والمبتدأ جميعا يعملان في الخبر ، وقد بيّنا أنّ المبتدأ لا يصلح للعمل فلا يصلح له مع غيره وأمّا العامل في الشرط والجزاء فسنبينّه في موضعه.

٤ ـ والقول الرابع : أنّ العامل في الخبر التعرّي من العوامل ، وقد أفسدناه.

٥ ـ والقول الخامس : أنّ العامل هو المبتدأ وهو قولّ الفرّاء وسمّوهما المترافعين وشبّهوهما بأسماء الشرط ، وإنّما تعمل في الفعل ويعمل الفعل فيها ، وهذا قول ضعيف لما بيّنا أن المبتدأ لا يصلح للعمل وتشبيهه بأسماء الشرط (٢) لا يصحّ لخمسة أوجه :

__________________

(١) بحث النحاة ـ كعادتهم ـ عن العامل الذى يوجد الضمة في كل منهما. ولما لم يجدوا قبل المبتدأ عاملا لفظيّا يوجدها ، قالوا إن العامل معنوى ؛ هو ؛ وجود المبتدأ فى أول الجملة ؛ لا يسبقه لفظ آخر ؛ وسموا هذا العامل المعنوى : الابتداء. فالمبتدأ عندهم مرفوع بالابتداء. أما الخبر فعامل الرفع فيه هو : المبتدأ ؛ أى : أن الخبر مرفوع بالمبتدأ. هذا رأى من عدة آراء لا أثر لها فى ضبط كل منهما ، ولا فى وضوح معناهما ، ومعنى الكلام. فالخير في إهمالها ، وتناسيها ، والاقتصار على معرفة أن المبتدأ مرفوع ، والخبر مرفوع كذلك.

(٢) خلاصة إعراب أسماء الشرط أن الأداة إن وقعت بعد حرف جر بعد حرف جر أو مضاف فهي في محل جر نحو : «عما تسأل أسأل» و «خادم من تكلم أكلم» ـ وإن وقعت على زمان أو مكان ، فهي في محل نصب على الظرفية لفعل الشرط إن كان تاما ، وإن كان ناقصا فلخبره ـ وإن وقعت على حدث فهي مفعول مطلق لفعل الشرط نحو «أي عمل تعمل أعمل». أو على ذات ، فإن كان فعل الشرط لازما ، أو متعديا

٩٩

أحدها : أنّهم بنوه على أنّ الخبر عامل في المبتدأ ، وقد أفسدناه.

والثاني : أنّ اسم الشرط لا يعمل بل العامل حرف الشرط مضمرا ولا يجوز إظهاره كما لا يجوز إظهار : (أن) مع (حتى).

والثالث : أنّ عمل اسم الشرط بالنيابة عن الحرف وعمله في الفعل ضعيف هو الجزم بخلاف المبتدأ والخبر.

والرابع : أن عمل اسم الشرط في الفعل من حيث ناب عن الحرف وعمل الفعل فيه من حيث هو اسم ، والأسماء معمولة الأفعال فجهة العمل مختلفة بخلاف المبتدأ والخبر.

والخامس : أنّ عمل أحدهما في الآخر مخالف لعمل الآخر فيه والعمل في مسألتنا واحد فهو كالآخذ ما يعطي ، وذلك كالعبث هذا تعليل جماعة من النحويّين وفيه نظر.

والصحيح : أن يقال العمل تأثير والمؤثر أقوى من المؤثّر فيه فيفضي مذهبهم إلى أن يكون الشيء قويّا ضعيفا من وجه واحد إذ كان مؤثرا فيما أثّر فيه.

فصل : وإنّما عمل الابتداء الرفع لوجهين :

أحدهما : أنّه قوي بأوّليته والرفع أقوى الحركات فكان ملائما له.

والثاني : أنّ المبتدأ يشبه الفاعل في أنّه لا يكون إلا اسما مخبرا عنه سابقا في الوجود على الخبر.

فصل : وإنّما كان المبتدأ معرفة في الأمر العامّ ؛ لأن الفائدة لا تحصل بالإخبار عمّا لا يعرف.

فأمّا إذا وصفت النكرة فالإخبار عنها مفيد لتخصّصها وأمّا قولهم : (سلام عليكم) (١) فالاسم واقع موقع الفعل أي : (سلّم الله عليكم) ، وأمّا إذا تقدّم الخبر وكان ظرفا فلتخصّص المبتدأ بالظرف المخصوص.

وأمّا قولهم : (ما أحد في الدار) فجاز لما في أحد من معنى الاستغراق.

__________________

واستوفى معموله ، فهي مبتدأ خبره على الأصح جملة الجواب نحو «من ينهض إلى العلم يسم» و «من يفعل الخير لا يعدم جوازيه».

(١) هذا النوع يسمى : المبتدأ الذى للدعاء ؛ نحو : سلام عليكم ، وويل للأعداء.

١٠٠