اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

باب البناء

حدّ البناء (١) لزوم آخر الكلمة سكونا أو حركة وهو ضدّ الإعراب والبناء بأوّل الكلمة وحشوها أشبه للزومه ، إلا أنّ آخر الكلمة إذا لزم طريقة واحدة صار كحشوها.

فصل : والبناء في الأصل وضع الشيء على الشيء على وصف يثبت كبناء الحائط ، ومنه سمّي كلّ مرتفع ثابت بناء كالسّماء ، وبهذا المعنى استعمله النحويّون على ما سبق.

فصل : والأصل في البناء السكون لوجهين (٢) :

أحدهما : أنّه ضدّ الإعراب ، والإعراب يكون بالحركات ، فضدّه يكون بالسكون.

والثاني : أنّ الحركة زيدت على المعرب للحاجة إليها ، ولا حاجة إلى الحركة في المبنيّ إذ لا تدل على معنى.

باب المعرب والمبنيّ

إنّما أخرا عن الإعراب والبناء ؛ لأنّهما مشتقان منه ، إذ كان الإعراب والبناء مصدرين والمشتق منه أصل للمشتق.

فصل : وليس في الكلام كلمة معربة لا معربة ولا مبنية عند المحقّقين ؛ لأن حدّ المعرب ضدّ حدّ المبني على ما سبق ، وليس بين الضّدّين هنا واسطة (٣).

__________________

(١) البناء لزوم آخر الكلمة حالة واحدة لفظا أو تقديرا وذلك كلزوم هؤلاء للكسرة ومنذ للضمة وأين للفتحة.

(٢) قال ابن هشام في شرح شذور الذهب : شرعت في تقسيمه تقسيما غريبا لم أسبق إليه وذلك أنني جعلت المبنيّ على تسعة أقسام الأول المبني على السكون وقدمته لأنه الأصل والثاني المبني على السكون أو نائبه المذكور في الباب السابق وثنّيت به لأنه شبيه بالسكون في الخفة والثالث المبني على الفتح وقدمته على المبني على الكسر لأنه أخفّ منه والرابع المبني على الفتح أو نائبه المذكور في الباب السابق والخامس المبني على الكسر وقدمته على المبني على الضم لأنه أخفّ منه والسادس المبني على الكسر أو نائبه المذكور في الباب السابق والسابع المبني على الضم والثامن المبني على الضم أو نائبه والتاسع ما ليس له قاعدة مستقرة بل منه ما يبنى على السكون وما يبنى على الفتح وما يبنى على الكسر وما يبنى على الضم.

(٣) ليس في الكلام كلمة لا معربة ولا مبنية وذهب قوم إلى ذلك فقالوا في المضاف إلى ياء المتكلم نحو : غلامي وداري هو لا معرب ولا مبني.

٦١

وذهب قوم إلى أنّ المضاف إلى ياء المتكلّم غير مبنيّ ، إذ لا علّة فيه توجب البناء وغير معرب إذ لا يمكن ظهور الإعراب فيه مع صحّة حرف إعرابه وسمّوه : (خصيّا) والذي ذهبوا إليه فاسد ؛ لأنه معرب عند قوم مبنيّ عند آخرين ، وسنبين ذلك على أنّ تسميتهم إيّاه :

(خصيّا) خطأ ؛ لأن الخصيّ ذكر حقيقة وأحكام الذكور. ثابتة له وكان الأشبه بما ذهبوا إليه أن يسمّوه : (خنثى مشكلا).

والرابع : أنّ الجزم حذف ، وذلك تخفيف فيليق بالفعل لثقله ، أما الاسم فخفيف فجزمه يحذف منه التنوين والحركة ، وذلك إجحاف به.

والخامس : أنّ الجزم في الأسماء يسقط التنوين ، وهو دليل الصرف ، والحركة التى هي دليل المعنى وليس كذلك جزم الأفعال.

والسادس : أنّ الجزم يحدث بعوامل لا يصحّ معناها في الأسماء.

__________________

ـ وحجة الأولين : أن القسمة تقضي بانحصار هذا المعنى في القسمين المذكورين : المعرب والمبني لان المعرب هو الذي يختلف آخره باختلاف العامل فيه لفظا أو تقديرا والمبني ما لزم آخره حركة أو سكونا وهذان ضدان لا واسطة بينهما لان الاختلاف وعدم الاختلاف يقتسمان قسيمي النفي والاثبات وليس بينهما ما ليس بمثبت ولا منفي يدل عليه ان الاضداد قد تكثر مثل البياض والحمرة والسواد ولكن لكل واحد منها حقيقة في نفسه والنفي والاثبات ليس بينهما واسطة هي ضد ينبئ عن حقيقة كالحركة والسكون.

واحتج الآخرون : بأن المضاف إلى ياء المتكلم ليس بمعرب إذ لو كان معربا لظهرت فيه حركة الإعراب لانه يقبل الحركة وليس بمبني إذ لا علة للبناء هنا فلزم أن ينتفي الوصفان هنا ويجب ان يعرف باسم يخصه وتلقيبه بالخصي موافق لمعناه لان الخصي معدوم فائدة الذكورية ولم يثبت له صفة الانوثية فهو في المعنى كالمضاف إلى ياء المتكلم فانه كان قبل الإضافة معربا (فلما عرضت له الإضافة زال عنه الاعراب ولم يثبت له صفة البناء) كما ان السليم الذكر والخصيين عرض له إزالتها ولم يصر بذلك انثى.

والجواب عما ذكروه من وجهين :

أحدهما : انا نقول : هو معرب تارة لكن ظهور الحركة فيه مستثقل كما يستثقل على الياء في المنقوص وكما يمتنع على الألف. ولم يمنع ذلك من كونه معربا. وتارة تقول : هو مبني. وعلة بنائه أن حركته صارت تابعة للياء فتعذر أن تكون دالة على الإعراب. ولذلك أشبه الحرف. لانه أصل قبل الإضافة وصار بعد الإضافة تابعا للمضمر الذي هو فرع كما أنك تحرك الساكن لالتقاء الساكنين حركة بناء. ولذلك إذا وجدت في المعرب كانت بناء. كقولنا : لم يسد. ولم يصر هذا الفعل معربا وضمه وفتحه وكسره بناء.

والوجه الثاني : أن تسميته خصيا خطأ. لان الخصي ذكر على التحقيق. ، وإنما زال عنه بعض أعضائه وحقيقة الذكورية وحكمها.

٦٢

فصل : ولم تجرّ الأفعال لستّة أوجه :

أحدها : أنّ الجرّ في الأسماء ليس بأصل ؛ إذ كان الأصل الرفع للفاعل وما حمل عليه ، والنصب للمفعول وما حمل عليه ، وأمّا الجرّ فبالحرف وما قام مقامه ، وموضع الجارّ والمجرور رفع ونصب ، فحمل الفعل على الاسم فيما هو أصل فيه.

والثاني : أنّ الفعل محمول على الاسم في الإعراب ، فينبغي أن يحمل عليه في أضعف أحواله وعامل الرفع في الأسماء قويّ : وهو اللفظيّ ، وضعيف : وهو المعنويّ ، فحمل الفعل في الرفع على العامل الضعيف فارتفع الفعل لوقوعه موقع الاسم (١) ، وكذلك عامل النصب في الأسماء قويّ وهو الفعل ، وضعيف وهو الحرف ، فحمل الفعل عليه في العامل الضعيف فلم يفعل في الفعل إلّا الحرف ، وأمّا الجرّ فليس له إلا عامل واحد وهو الحرف ، وأمّا الإضافة فمقدّرة بحرف الجرّ فليس للجرّ إلا عامل واحد فلم يكن حمل الفعل عليه إذ يلزم مساواته له.

والوجه الثالث : أنّ إعراب الفعل فرع على إعراب الاسم ، ولو أعرب بالجرّ ، وقد أعرب بالرفع والنصب لكان الفرع مساويا للأصل.

والرابع : أنّ الجزم دخل الأفعال وتعذّر دخوله على الأسماء لما تقدّم ، فلو جرّت الأفعال لزادت على الأسماء في الإعراب.

الخامس : أنّ الجرّ يكون بالإضافة ، والإضافة توجب أن يكون المضاف إليه داخلا في المضاف معاقبا للتنوين ، وليس من قوّة التنوين أن يقع موقعه الفعل والفاعل ، وفي امتناع الإضافة إلى الأفعال أوجه يطول ذكرها ، وسنذكرها في باب الإضافة إن شاء الله.

والسادس : أنّ الجرّ يكون بعامل لا يصحّ معناه في الفعل.

فصل : وألقاب البناء أربعة على عدّة ألقاب الإعراب ، فالضمّ في البناء كالرفع في المعرب ، والفتح كالنّصب ، والكسر كالجرّ ، والوقف كالجزم ، فأمّا ما يبنى على هذه الأشياء من الكلام فسنذكره بعد الفراغ من المعرب إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) إعراب الفعل استحسان لشبهه بالاسماء ، وأما اختلاف الإعراب واتفاق المعنى وعكس ذلك فلا يلزم لان هذه الأشياء فروع عارضة حملت على الاصول المعللة لضرب من الشبه وذلك لا يمنع من ثبوت الإعراب لمعنى.

٦٣

باب الاسم الصحيح

فصل : الصحيح (١) والمعتلّ في الأسماء من صفات الأسماء المعربة المفردة ، وما كان في حكمها من جمع التكسير ولا يقال في : (حيث وأين وأمس) هي أسماء صحيحة ، ولا في : (إذا ومتى) معتلّ ؛ لأن حدّ الاسم الصحيح هو الذي يتعاقب على الحرف الأخير منه حركات الإعراب الثلاث وهو أولى من قولك : الصحيح ما لم يكن حرف إعرابه ألفا ولا ياء قبلها كسرة ؛ لأن المثنّى قد يكون بهذه الصفة ولا يسمّى صحيحا ولأنّ الحدّ الأوّل إثبات محض ، والثاني نفي ، والحدّ الحقيقي لا يكون نفيا ؛ لأن الحدّ الحقيقيّ ما أبان عن حقيقة المحدود والنفي لا يبين عن حقيقة المحدود.

فصل : وفي اشتقاق الصرف (٢) هنا وجهان :

__________________

(١) الصحيح : ما خلت أصوله من أحرف العلّة التي هي «الواو والألف والياء».

(٢) الصرف : هو التنوين وحده ، وقال آخرون : هو التنوين والجر.

حجة الأولين من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه معنى ينبئ عنه الاشتقاق فلم يدخل فيه ما لا يدل عليه الاشتقاق كسائر أمثاله.

وبيانه : أن الصرف في اللغة هو الصوت الضعيف كقولهم : صرب ناب البعير وصرفت البكرة ومنه صريف القلم. والنون الساكنة في آخر الكلمة صوت ضعيف فيه غنة كغنة الاشياء التي ذكرنا.

وأما الجر فليس صوته مشبها لما ذكرنا لانه حركة فلم يكون صرفا كسائر الحركات ألا ترى أن الضمة والفتحة في آخر الكلمة حركة ولا تسمى صرفا.

والوجه الثاني : وهو أن الشاعر إذا اضطر إلى صرف ما لا ينصرف جر في موضع الجر ولو كان الجر من الصرف لما أتي به من غير ضرورة إليه وذلك أن التنوين دعت الضرورة إليه لإقامة الوزن والوزن يقوم به سواء كسر ما قبله أو فتح فلما كسر حين نون علم أنه ليس من الصرف لأن المانع من الصرف قائم وموضع المخالفة لهذا المانع الحاجة إلى إقامة الوزن فيجب أن يختص به.

الوجه الثالث : أن ما فيه الألف واللام لو أضيف لكسر في موضع الجر مع وجود المانع من الصرف وذلك يدل على أن الجر سقط تبعا لسقوط التنوين بسبب مشابهة الاسم الفعل والتنوين سقط لعلة أخرى فينبغي أن يظهر الكسر الذي هو تبع لزوال ما كان سقوطه تابعا له.

واحتج الآخرون من وجهين : أحدهما : أن الصرف من التصرف وهو التقلب في الجهات وبالجر يزداد تقلب الاسم في الإعراب فكان من الصرف.

والثاني : انه اشتهر في عرف النحويين ان غير المنصرف ما لا يدخله الجر مع التنوين وهذا حد فيجب أن يكون الحد داخلا في المحدود

٦٤

أحدهما : هو من صريف الناب والبكرة والقلم ، وهو الصوت الذي يكون من هذه الأشياء وعلى هذا يكون الصرف هو التنوين وحده ؛ لأنه صوت يلحق آخر الاسم.

والثاني : هو من صرفت الشيء ، وصرّفته إذا ردّدته وقلّبته في الجهات ، وعلى هذا يكون الجرّ من الصرف إذ به يزيد تقليب الكلمة والأوّل هو الوجه.

فصل : واختلف النحويّون في الصرف ، فمذهب المحقّقين أنّه التنوين وحده ، وقال آخرون : هو الجرّ مع التنوين ، والدليل على الأوّل من أربعة أوجه :

أحدها : أنّه مطابق لاشتقاق اسم الصرف على ما تقدّم.

والثاني : أنّ الاسم الذي لا ينصرف يدخله الجرّ مع الألف واللام والإضافة مع وجود العلّة المانعة من الصرف.

الثالث : أنّ الشاعر إذا اضطر إلى تنوين المرفوع والمنصوب ، قيل : قد صرف للضرورة ولا جرّ هناك.

والرابع : أنّه إذا اضطر إلى التنوين في الجرّ جرّ ونوّن ، ولو كان الجرّ من الصرف لفتح ونوّن ؛ لأن ضرورته لا تدعو إلى الكسر.

واحتجّ الآخرون من وجهين : أحدهما : أنّ الصرف من التصريف وهو التقليب والجرّ زيادة تغيير في الاسم فكان من الصرف.

والثاني : أنّ التنوين منع منه هذا الاسم لشبهه بالفعل لكونه من خصائص الأسماء والجرّ بهذه الصفة فيكون من جملة الصرف.

__________________

. ـ والجواب عن الأول من وجهين :

أحدهما : أن اشتقاق الصرف مما ذكرناه لا مما ذكروا وهو أقرب إلى الاشتقاق.

والثاني : أن تقلب الكلمة في الإعراب لو كان من الصرف لوجب أن يكون الرفع والنصب صرفا وكذلك تقلّب الفعل بالاشتقاق لا يسمى صرفا وإنما يسمى تصرفا وتصريفا.

وأما ما اشتهر في عرف النحويين فليس بتحديد للصرف بل هو حكم ما لا ينصرف فأما ما هو حقيقة الصرف فغير ذلك ثم هو باطل بالمضاف وما فيه الألف واللام فان تقلبه أكثر ولا يسمى منصرفا والله أعلم.

٦٥

والجواب عن الأوّل من وجهين :

أحدهما : أنّ ما ذكروه لو صحّ لم يكن التنوين من الصرف ؛ لأنه ليس من وجوه تقليب الكلمة بل هو تابع لما هو تقليب.

والثاني : أنّ الرفع والنصب تقليب ، وليس من الصرف ، وأما الثاني فلا يصحّ أيضا ؛ لأن الألف اللام وغيرها من خصائص الاسم لا تمّسى صرفا ، وكذلك الجرّ.

فصل : إنّما زادوا التنوين في المنصرف دون غيره من الحروف ؛ لأن حروف المدّ تعدّدت زيادتها لما فيها من الثقل وما يلحقها من التغيير بحسب ما قبلها من الحركات والنون أشبه بحروف المدّ لما فيها من الغنّة ويؤمن فيها ما خيف من حروف المدّ.

فصل : والتنوين مصدر : (نوّنت) ، وحقيقته نون ساكنة تزاد في آخر الاسم المعرب ويثبت في الوصل دون الوقف ، وإنّما سميّ تنوينا لوجهين :

أحدهما : أنّه حادث بفعل الناطق به ، وليس من سنخ الكلمة.

والثاني : أنّهم فرّقوا بين النون الثابتة وصلا ووقفا وبين هذه النون.

فصل : واختلفوا في علّة زيادة التنوين (١) على أربعة أقوال :

أحدها : أنّه زيد علامة على خفّة الاسم وتمكّنه في باب الاسمّية وهو قول سيبويه ، وذلك أنّ ما يشبه الفعل من الأسماء يثقل ولا يحتمل الزيادة ، وما يشبه الحرف يبنى وما عري من شبههما يأتي على خفّته ، فالزيادة عليه تشعر بذلك إذ الثقيل لا يثقّل.

والقول الثاني : أنّه فرّق بين المنصرف وغير المنصرف وهو قول الفرّاء وهذا يرجع إلى قول سيبويه إلا أنّ العبارة مضطربة ؛ لأن معناها أنّ النون فرّق بها بين ما ينوّن وبين ما لا ينون وذا تعليل الشيء بنفسه.

والقول الثالث : أنّ التنوين فرّق به بين الاسم والفعل ، وهذا فاسد لوجهين :

أحدهما : أنّ ما لا ينصرف اسم ومع هذا لا ينوّن.

__________________

(١) العلة في زيادة تنوين الصرف على الاسم أنه أريد بذلك بيان خفة الاسم وثقل الفعل وقال الفراء : المراد به الفرق بين المنصرف وغير المنصرف. وقال آخرون : المراد به الفرق بين الاسم والفعل. وقال قوم : المراد به الفرق بين المفرد والمضاف.

٦٦

والثاني : أنّ الفوراق بين الاسم والفعل كثيرة كالألف واللام وحروف الجرّ والإضافة فلم يحتج إلى التنوين.

والقول الرابع : أنّه فرّق بين المفرد والمضاف ، وهذا أيضا فاسد من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن غير المنصرف يكون مفردا ولا ينوّن.

والثاني : أن المفرد مفارق للمضاف ؛ لأنه يصح السكوت عليه والمضاف إليه كجزء من المضاف.

والثالث : أن ما فيه الألف واللام مفرد ولا ينون.

فصل : والمستحق للتنوين الاسم النكرة المذكّر ؛ لأن الغرض من زيادة التنوين التنبيه على خفة الاسم وأخفّ الاسم النكرة ، المذكر فأما الاسم العلم مثل : (زيد) والنكرة المؤنثة مثل :

(شجرة) فدخلها التنوين لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّهما أشبها الفعل من وجه واحد ، والاسم أصل للفعل ومشابهة الفرع للأصل من وجه واحد ضعيفة فلا تجذبه إلى حكمه بل غاية ما فيه أن يصير الوجه الواحد من الشبه معارضا بأصل الاسم إلا أنّه لا يرجّح الفعل عليه حتّى يلحق الاسم به.

والثاني : أنّ تعريف العلم بالوضع فأمّا اللفظ فمثل لفظ النكرة ؛ ولهذا يتنكر العلم كقولك : مررت بزيد وزيد آخر ، وليس كذلك الألف واللام.

والثالث : أنّ العلم متوسّط بين ما أشبه الفعل من وجهين وبين ما لم يشبه البتّة وإلحاقه بما لم يشبه الفعل أولى ؛ لأنه أصل للأفعال وإلحاق الفروع بالأصول أولى.

فصل : وإنّما لم يجتمع التنوين والألف واللام لوجهين :

أحدهما : أنّ الاسم ثقل بالألف واللام فلم يحتمل زيادة أخرى.

والثاني : أنّ الألف واللام يعرّف الاسم فيصير متناولا لشي بعينه فيثقل بذلك بخلاف النكرة فإنها أخف الأسماء.

٦٧

فصل : ويتعلّق بهذا الكلام بيان خفّة النكرة وثقل الفعل (١) أمّا النكرة فإنها أخف إذا كان مدلولها معنى واحدا كقولك : (رجل) والسامع يدرك معنى هذا اللفظ بغير فكرة ، وأمّا (زيد) ونحوه من الأعلام فيتناول واحدا معيّنا يقع فيه الأشتراك فيحتاج إلى فواصل تميّزه.

فصل : وأمّا ثقل الفعل فظاهر ، وذلك أنّ لفظه يلزمه الفاعل والمفاعيل من الظرفين وغيرهما والمصدر والحال ، ويدلّ على حدث وزمان ويتصرّف تصرّفا تختلف به المعاني بخلاف الاسم ؛ فإنّه لا يدلّ إلا على معنى واحد.

فصل : وإنّما لم يجتمع التنوين والإضافة لوجهين :

أحدهما : أنّ التنوين في الأصل دليل التنكير والإضافة تعرّف أو تخصّص فلم يجمع بينهما لتنافي معنييهما.

والثاني : أنّ التنوين جعل دليلا على انتهاء الاسم والمضاف إليه من تمام المضاف ، فلو نوّن الأوّل لكان كإلحاق التنوين قبل منتهى الاسم وهذا معنى قولهم : التنوين يؤذن بالانفصال والإضافة تؤذن بالاتّصال فلم يجتمعا.

فصل : والكلام في غير المنصرف يستوفى بجميع أحكامه في باب ما لا ينصرف إن شاء الله.

__________________

(١) معنى ثقل الفعل أن مدلولاته ولوازمه كثيرة فمدلولاته الحدث والزمن ولوازمه الفاعل والمفعول والتصرف وغير ذلك ؛ فإذا تقرر هذا فالفرق بينهما غير معلوم من لفظهما فوجب أن يكون على ذلك دليل من جهة اللفظ والتنوين صالح لذلك لانه زيادة على اللفظ والزيادة ثقل في المزيد عليه والاسم يحتمل الثقل ، لأنه في نفسه خفيف والفعل في نفسه ثقيل فلا يحتمل التثقيل وهذا معنى ظاهر فكان الحكمة في الزيادة.

٦٨

باب الاسم المعتلّ

الاسم المعتلّ : ما آخره ألف أو ياء قبلها كسرة ، وسمّي : (معتلا) ؛ لأن حرف إعرابه حرف علّة ، وحروف العلّة : الألف والواو والياء ، غير أنّ الواو المضموم ما قبلها لم تقع في آخر الاسم بحال.

وانّما سميت : (حروف علّة) ؛ لأن العلّة هي المعنى المغيّر للشيء ، وهذه الحروف يكثر تغييرها ووصف الاسم بكماله بالاعتلال وإن كان حرف العلّة جزءا منه كما وصف بالإعراب وهو في حرف منه.

ومذهب التصريفيين : أن يقال معتلّ اللام كما يقال معتلّ الفاء ومعتلّ العين ، ولم يحتج النحويّ إلى ذلك ؛ لأن عنايته بالإعراب والبناء الواقعين آخرا.

فصل : والمنقوص (١) ما كان آخره ياء قبلها كسرة ، ولا حاجة إلى قولك : ياء خفيفة ؛ لأن الياء المشدّدة ياءان الأولى منهما ساكنة.

فصل : وسمّي : (منقوصا) ؛ لأنه نقص في إعرابه الضمّ والكسر وبقي له النصب.

فصل : وإنّما لم تضم الياء ههنا ولم تكسر لوجهين :

أحدهما : أنّ الياء مقدّرة بكسرتين ؛ فإذا كانت قبلها كسرة ضممتها أو كسرتها جمعت بين أربع حركات مستثقلة.

والثاني : أنّ الياء خفيّة وتحريكها تكلّف لإبانتها بما هو أضعف منها ، وذلك شاق ؛ ولهذا قال الأخفش : ضمّها أو كسرها كالكتابة في السواد.

فصل : إنّما احتملت الفتحة لخفّتها ؛ لأنها بعض الألف ، والألف أخفّ حروف المدّ ، وبعض الأخفّ في غاية الخفّة.

فإن قيل : لو كان كذلك لصحّت الواو والياء في : (دار) و (باع) لانفتاحهما؟

قيل : الفتحة هناك لازمة بخلاف فتحة المنصوب هنا.

__________________

(١) هو : الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة ، غير مشددة ، قبلها كسرة ، مثل : العالى ، الباقى ، المرتقى ، المستعلى.

٦٩

فصل : وإذا كانت لام الكلمة واوا مثل : (غازي) فإنّها سكنت وانكسر ما قبلها فانقلبت ياء ؛ فإذا نصبت فقلت : (رأيت غازيا) لم تعد الواو لئلّا يختلف حكمها في اسم واحد لأمر عارض وهذا أقرب من حملهم : (أعد ونعد وتعد) في الحذف على (يعد).

فصل : إذا كان المنقوص منصرفا حذفت ياؤه الساكنة وبقي التنوين ؛ لأنّهما ساكنان والجميع بينهما متعذّر ، وتحريك الياء لا يجوز لوجهين :

أحدهما : الثقل المهروب منه.

والثاني : أنّه تحريك أوّل الساكنين في كلمة واحدة ، وذلك لا يجوز لما نبيّنه في باب المبنيّات وتحريك التنوين يثقله فيتعين الحذف ، وحذف الياء أولى لثلاثة أوجه :

أحدهما : أنّ حذف أوّل الساكنين في كلمة واحدة هو القياس ، نحو : لم يكن ، ولم يبع ، لا سيما ، والياء من حروف العلّة والنون حرف صحيح.

والثاني : أنّ الياء على حذفها دليل.

والثالث : أنّ التنوين دخل لمعنى فحذفه يخلّ له بخلاف الياء.

فصل : وقد جاء في ضرورة الشعر ضمّ الياء وكسرها في الرفع والجرّ على الأصل ، وقد سكنت الياء أيضا في الشعر من المنصوب ، قال أبو العبّاس : وهو من أحسن الضرورة وإذ كان تحريكها ثقيلا بكلّ حال.

فصل : وأمّا المقصور (١) فكلّ اسم آخره ألف وهذا يدخل فيه المذكّر والمؤّنث نحو :

(القفا) و (العصا) و (ذكرى) و (حبلى) وإن شئت قلت : كلّ اسم حرف إعرابه ألف ، ولا تحتاج أن تقول : ألف مفردة ؛ إذ قولك : (آخره ألف) يغني عن ذلك (٢).

__________________

(١) المقصور : هو الاسم المعرب الذى فى آخره ألف لازمة. وحكمه : أن يعرب بحركات مقدرة على هذه الألف فى جميع صوره ؛ رفعا ؛ ونصبا ، وجرّا ؛ إذ لا يمكن أن تظهر الفتحة أو الضمة أو الكسرة على الألف.

(٢) المنقوص المختوم بياء ؛ فإذا وقفنا عليه وجب إثبات يائه في ثلاث مسائل :

١ ـ أن يكون محذوف الفاء أي أوّل الكلمة كما إذا سمّيت بمضارع «وفى» وهو «يفي» لأنّ أصلها «يوفى» حذفت «فاؤه فلو حذفت لامه لكان إجحافا. ـ

٧٠

فصل : والمقصور من قولك : قصرته ، أي حبسته ومنه : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) [الرحمن : ٧٢] وامرأة قصيرة ومقصورة ، أي : محبوسة في خدرها ، ومنه قول كثيّر (١) : [الطويل]

وأنت الّتي حبّبت كلّ قصيرة

إليّ وما يدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا شرّ النساء البحاتر

فصل : وفي معنى تسميته : (مقصورا) أربعة أوجه :

أحدها : أنّ الإعراب قصر فيه (٢) فيكون تقديره المقصور فيه الإعراب ، ثم حذف وجعل اسما للاسم الذي هذه صفته.

والثاني : أنّه قصر عن الإعراب ، أي : حبس عن ظهور الإعراب في لفظه.

__________________

٢ ـ أن يكون محذوف العين أي وسط الكلمة نحو «مر» اسم فاعل من «أرى» أصله «مرئي» نقلت حركة عينه وهي الهمزة إلى الرّاء ، ثمّ حذفت للتّخفيف ، وأعلّ قاض (قاض : أصلها قاضي بياء ساكنة وتنوين ساكن فحذفنا الياء الساكنة للتخلص من التقاء الساكنين) فلا يجوز حذف الياء في الوقف.

٣ ـ أن يكون منصوبا منوّنا نحو (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) (الآية «١٩٣» من سورة آل عمران) ، أو غير منوّن نحو (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) (الآية «٢٦» من سورة القيامة) ، فإن كان مرفوعا أو مجرورا جاز إثبات يائه وحذفها ، ولكنّ الأرجح في المنوّن الحذف نحو «هذا ناد» و «نظرت إلى ناد» ويجوز الإثبات (ورجحه يونس) وبذلك قرئ (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (الآية «٧» من سورة الرعد) ، (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) (الآية «١١» من سورة الرعد) والأرجح في غير المنوّن الإثبات نحو «هذا الدّاعي» و «مررت بالرّاعي» و «قرأ الجمهور (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (الآية «٩» من سورة الرعد) بالحذف».

(١) كثير عزة : (٤٠ ـ ١٠٥ ه‍ / ٦٦٠ ـ ٧٢٣ م) وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة وأمه جمعة بنت الأشيم الخزاعية. شاعر متيم مشهور ، من أهل المدينة ، أكثر إقامته بمصر ولد في آخر خلافة يزيد بن عبد الملك ، وتوفي والده وهو صغير السن وكان منذ صغره سليط اللسان وكفله عمه بعد موت أبيه وكلفه رعي قطيع له من الإبل حتى يحميه من طيشه وملازمته سفهاء المدينة. واشتهر بحبه لعزة فعرف بها وعرفت به وهي : عزة بنت حميل بن حفص من بني حاجب بن غفار كنانية النسب كناها كثير في شعره بأم عمرو ويسميها تارة الضميريّة وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة. وسافر إلى مصر حيث دار عزة بعد زواجها وفيها صديقه عبد العزيز بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش. وتوفي في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم فقيل : (مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس).

(٢) تقدّر الحركات الثلاث في الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة لتعذّر ظهورها ك «الهدى» و «المصطفى». ويسمى معتلّا مقصورا.

٧١

والثالث : أنّ صوت الألف المفردة أقصر من صوتها إذا وقعت بعدها همزة ، فكان صوتها محبوسا عن صوت الألف التي بعدها همزة.

والرابع : أنّه نقيض الممدود.

فصل : وإنّما لم تظهر في الألف الحركة ؛ لأنها هوائية تجري مع النّفس لا اعتماد لها في الفم والحركة تمنع الحرف من الجري وتقطعه عن استطاعته فلم تجتمعا ؛ ولهذا إذا حرّكت الألف انقلبت همزة.

فصل : وإذا نوّن المقصور حذفت ألفه لسكونها وسكون التنوين بعدها ، والعله في ذلك كالعلّة في حذف الياء من المنقوص ، وقد تقدّم ذكره.

فصل : وألف التأنيث في نحو : (حبلى وبشرى) لا أصل لها في الحركة ولا يمكن تقدير الحركة عليها تقديرا يمكن تحقيقة ؛ لأنها غير منقلبة عن حرف يتحرّك ، ولكن لمّا وقعت خبرا جعلت إعراب إذ كانت في موضع ألف : (عصا ورحى) ، وفي موضع الهمزة في : (حمراء) والتاء في : (شجرة).

فصل : والممدود (١) متصرّف بوجوه الإعراب ؛ لأن حرف إعرابه همزة وهي حرف صحيح يثبت في الجزم.

__________________

(١) قال ابن عقيل : هو الاسم الذي في آخره همزة تلى ألفا زائداة نحو حمراء وكساء ورداء ، فخرج بالاسم الفعل نحو يشاء ويقوله تلى ألفا زائدة ما كان في آخره همزة تلى ألفا غير زائدة كما وآء جمع آءة وهو شجر ، والممدود أيضا كالمقصور قياسي وسماعي ، فالقياسي كل معتل له نظير الصحيح الآخر ملتزم زيادة ألف قبل آخره وذلك كمصدر ما أوله همزة وصل نحو أرعوى أرعواء وأرتأى إرتئاء واستقصى استقصاء فإن نظيرها من الصحيح انطلق انطلاقا واقتدر اقتدارا واستخرج استخراجا وكذا مصدر كل فعل معتل يكون على وزن أفعل نحو أعطى إعطاء فإن نظيره من الصحيح : أكرم إكراما.

والعادم النظير ذا قصر وذا

مد بنقل كالحجا وكالحذا

هذا هو القسم الثاني وهو المقصور السماعي والممدود السماعي ، وضابطهما أن ما ليس له نظير اطرد فتح ما قبل آخره فقصره موقوف على السماع وما ليس له نظير الهرد زيادة ألف قبل آخره فمده مقصور على السماع ، فمن المقصور السماعي الفتى واحد الفتيان والحجا العقل والثري التراب والسنا الضوء ، ومن الممدود السماعي الفتاء حداثة السن والسناء الشرف والثراء كثرة المال والحذاء النعل.

وقصر ذى المد اضطرارا مجمع

عليه والعكس بخلف يقع

٧٢

فصل : وإذا سكن ما قبل الياء جرت بوجوه الإعراب لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ المنقوص منع من ضم الياء وكسرها للثقل الحاصل بحركتها وحركة ما قبلها ، وقد زال ذلك.

والثاني : أنّك لو سكنت الياء لجمعت بين ساكنين.

والثالث : أنّ ما قبل الياء إذا سكّن أشبه الحرف الموقوف عليه في سكونه فتكون الياء كالحرف المبدوء به والابتداء بالساكن ممتنع (١).

فصل : والياء المشدّدة ياءان ؛ الأولى منها ساكنة فيصير كظبي ولحي.

__________________

لا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز قصر الممدود للضرورة ، واختلف في جواز مد القصور فذهب البصريون إلى المنع وذهب الكوفيون إلى الجواز.

(١) حكمه : أن يرفع بضمة مقدرة على الياء فى حالة الرفع ، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء فى حالة النصب ، ويجر بكسرة مقدرة عليها فى حالة الجر ؛ مثل : الخلق العالى سلاح لصاحبه ، إن الخلق العالى سلاح لصاحبه ، تمسّك بالخلق العالى. فكلمة : «العالى» فى الأمثلة الثلاثة نعت (صفة) ، ولكنه مرفوع فى المثال الأول بضمة مقدرة ، ومنصوب فى المثال الثانى بالفتحة الظاهرة ، ومجرور فى المثال الثالث بالكسرة المقدرة. ومثله : الباقى للمرء عمله الصالح. إن الباقى للمرء عمله الصالح. حافظ على الباقى من مآثر قومك. فكلمة : «الباقى» فى المثال الأول مبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة ، وهى فى المثال الثانى اسم «إن» منصوبة بالفتحة الظاهرة ، وهى فى الثالث مجرورة بكسرة مقدرة ، وهكذا ، فالمنقوص يرفع ويجر بحركة مقدرة على الياء ؛ وينصب بفتحة ظاهرة عليها.

٧٣

باب الأسماء الستة (١)

فصل : (أب وأخ وحم وهن) محذوفات اللامات ولامها واو في الأصل ، وسنرى ذلك في التصريف إن شاء الله تعالى.

وفيها لغة أخرى ؛ وهي : (أبا وأخا وحما وهنا) مثل : عصا ؛ فأمّا في الإضافة فاللغة الجيّدة ردّ اللام نحو : (أبوك وأبو زيد).

وفيه لغة أخرى : حذف اللام مع الإضافة نحو : (أبك وأب زيد).

فصل : وأمّا فوك فأصله : (فوه) فحذفت الهاء اعتباطا وأبدل من الواو ميم ؛ لأنّهم لو أبقوها لتحرّكت في الإعراب فانقلبت ألفا وحذفت بالتنوين وبقي الاسم المعرب على حرف واحد والميم تشبه الواو وتحتمل الحركة ؛ فإذا أضفته رددت الواو.

فصل : وأمّا (ذو) فمحذوفة اللام ، وهل هي واو أو ياء؟ فيه خلاف يذكر في التصريف ، ومعناها (صاحب) ولا تستعمل إلا مضافة إلى جنس ؛ لأن الغرض منها التوصّل إلى الوصف بالأجناس إذ كان يتعذّر الوصف بها بدون (ذو) ، ألا ترى أنّك لا تقول : زيد مال ولا طول حتى تقول : ذو مال وذو طول ، وههنا لم يجز إضافتها إلى المضمر ؛ لأنه ليس بجنس وما جاء من ذلك فشاذ أو من كلام المحدثين ، وإنّما عدلوا عن (صاحب) إلى (ذو) وإن كانت بمعناها ؛ لأن صاحبا تضاف إلى الجنس والعلم وغير ذلك ، فخصّصوا (ذو) بالإضافة إلى الجنس لما ذكرناه (٢).

__________________

(١) الأسماء الستة وهي أب وأخ وحم وهن وفوه وذو مال فهذه ترفع بالواو نحو : جاء أبو زيد وتنصب بالألف نحو رأيت أباه وتجر بالياء نحو مررت بأبيه والمشهور أنها معربة بالحروف فالواو نائبة عن الضمة والألف نائبة عن الفتحة والياء نائبة عن الكسرة.

(٢) شرط ذو أن يكون بمعنى صاحب تقول جاءني ذو مال ورأيت ذا مال ومررت بذي مال قال الله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) وقال تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ) وقال تعالى : (إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) فوقع ذو في الأول خبرا لإنّ فرفع بالواو وفي الثاني خبرا لكان فنصب بالألف وفي الثالث صفة لظلّ فجرّ بالياء لأن الصفة تتبع الموصوف

وإذا لم يكن ذو بمعنى صاحب كان بمعنى الذي وكان مبنيّا على سكون الواو تقول جاءني ذو قام ورأيت ذو قام ومررت بذو قام وهي لغة طييء على أن منهم من يجريها مجرى التي بمعنى صاحب فيعربها بالواو والألف والياء فيقول جاءني ذو قام ورأيت ذا قام ومررت بذي قام إلا أن ذلك شاذ والمشهور ما قدّمناه

٧٤

فصل : وهذه الأسماء معربة في حال الإضافة ولها حروف إعراب ، واختلف الناس في ذلك ، فذهب سيبويه إلى أنّ حروف العلّة فيها حروف إعراب والإعراب مقدّر فيها واختلف أصحابه في الحركات التي قبلها.

فقال الربعيّ : الأصل في الرفع واو مضمومة لكن نقلت الضمّة إلى الحرف الذي قبلها ففي هذا نقل فقط ، وفي النصب تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ففيها قلب فقط ، وفي الجرّ تنقل كسرة الواو إلى ما قبلها فقلبت لسكونها وكسر ما قبلها ياء ففيها هنا نقل وقلب وهذا ضعيف ؛ لأنه يؤدّي إلى أن تكون الحركة المنقولة حركة إعراب ، فيكون الإعراب في وسط الكلمة ولا يصحّ تقدير الإعراب في حروف العلّة على قوله ؛ لأن المنقول ملفوظ به فلا حاجة إلى تقدير إعراب آخر.

وقال بعض أصحاب سيبويه : لم ينقل شيء بل حركات ما قبلها حروف العلّة تابعة لها تنبيها على أنّ هذه الأسماء قبل الإضافة إعرابها في عيناتها وأن ردّ اللام عارض في الإضافة.

والدليل على أنّ حروف العلّة هنا حروف الإعراب لا إعراب أربعة أوجه :

أحدها : أنّ الأصل في كلّ معرب أن يكون له حرف إعراب وأن يعرب بالحركة لا بالحرف ، وقد أمكن ذلك هنا إلا أنّ الحركة امتنع ظهورها لثقلها على حروف العلّة كما كان ذلك في المنقوص والمقصور.

والثاني : أنّ هذه الأسماء معربة في الإفراد على ما ذكرنا فكانت في الإضافة كذلك كغيرها من الأسماء.

__________________

ـ وسمع من كلامهم لا وذو في السماء عرشه فذو موصولة بمعنى الذي وما بعدها صلة فلو كانت معربة لجرّت بواو القسم.

والخمسة الباقية شرطها أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلم كقوله تعالى : (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ،) وقوله تعالى : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ،) وقوله تعالى : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ) فوقع الأب في الآية الأولى مرفوعا بالابتداء وفي الآية الثانية منصوبا بإنّ وفي الآية الثالثة مخفوضا بإلى وهو في جميع ذلك مضاف إلى غير الياء فلهذا أعرب بالواو والألف والياء وكذلك القول في الباقي ، ولو أضيفت هذه الأسماء إلى ياء المتكلم كسرت أواخرها لمناسبة الياء وكان إعرابها بحركات مقدّرة قبل الياء.

٧٥

والثالث : أنّ هذه الحروف لو كانت إعرابا لما اختلّت الكلمة بحذفها كما لا تختلّ الكلمة الصحيحة بحذف الإعراب.

والرابع : أنّ هذه الأسماء لو خرجت على أصلها من قلبها ألفات لكانت حروف إعراب والحركة مقدّرة فيها فكذلك لمّا ردّت في الإضافة.

فصل : وقال الأخفش هي زوائد دوالّ على الإعراب كالحركات وهذا لا يصحّ لوجهين :

أحدهما : أنّ الإعراب الذي يدلّ عليه لا يصحّ أن يكون فيها إذ كانت زوائد على المعرب كزيادة الحركة ، ولا يصحّ أن يكون في غيرها لتراخيها عنه.

والوجه الثاني : أنّها لو كانت زوائد لكان : (فوك وذو مال) اسما معربا على حرف واحد وذا لا نظير له.

فصل : وقال الجرمي : انقلابها هو الإعراب ، وهو فاسد لثلاثة أوجه :

أحدها : أن الرفع لا انقلاب فيه مع أنه معرب.

والثاني : أنّ الانقلاب لو كان إعرابا لاكتفى بانقلاب واحد كما قال في التثنية.

والثالث : أنّ الانقلاب في المقصور ليس بإعراب فكذلك ههنا.

فصل : قال المازني : هذه الحروف ناشئة عن إشباع الحركات والإعراب قبلها كما كانت في الأفراد ، وهذا فاسد لثلاثة أوجه :

أحدها : أن الإشباع على هذا من أحكام ضرورة الشعر دون الاختيار.

والثاني : أن ما حدث للإشباع يسوغ حذفه ، وحذف هذه الحروف غير جائز في اللغة العالية.

والثالث : أنّ يفضي إلى أن يكون : (فوك وذو مال) اسما معربا على حرف واحد (١).

فصل : وقال الفراء : هي معربة من مكانين فالضمّة والواو إعراب فكذلك الآخران ، وهذا فاسد لثلاثة أوجه :

__________________

(١) الإعراب يدل عليه مرة الحركة وتارة الحرف كحروف المد في الاسماء الستة والتثنية والجمع وما هذه سبيله لا يكون معنى واحدا بل هو دليل على المعنى والدليل قد يتعدد والمدلول عليه واحد.

٧٦

أحدها : أنّ الإعراب دخل الكلام ليفصل بين المعاني ، وذلك يحصل بإعراب واحد فلا حاجة إلى آخر.

والثاني : ما ذهب إليه لا نظير له ولا يصحّ قياسه على : (امرئ) و (ابن) ؛ لأن الحركات هنا تابعة لحروف العلّة وهذا يثبت الحركة في الوقف مع أنّ الإعراب يحذف في الوقف.

والثالث : أنّ (فوك) و (ذو مال) حرفان ويؤدي قوله إلى أن يكون الإعراب في جميع الكلمة.

وقال قطرب وأبو إسحق الزياديّ : هذه الحروف إعراب كالحركة ، وقد أفسدنا ذلك بما تقدّم.

وقال أبو عليّ وجماعة من أصحابه : هذه حروف إعراب دوالّ على الإعراب فجمعوا بين قول الأخفش وقول سيبويه ، إلا أنّهم لم يقدّروا فيها إعرابا وهذا مذهب مستقيم كما في التثنية والجمع ، ومذهب سيبويه أقوى لخروجه على القياس وموافقته للأصول.

فصل : وإذا أضفت : (أبا وأخا وحما وهنا) إلى ياء المتكلّم كانت بياء ساكنة مخفّفة ، وفي ذلك وجهان :

أحدهما : أنهم لم يعيدوا المحذوف هنا لئلّا يفضي إلى ياء مشدّدة قبلها كسرة مع كثرة استعمال هذه الأسماء فحذفوها تخفيفا.

والثاني : أنّ المضاف هنا مبني وهذه الحروف دوالّ على الإعراب وقائمة مقامه فلم يجتمعا ، وأمّا (في) فردّ فيه المحذوف لئلّا يبقى على حرف واحد وكان يشبه حرف الجرّ.

فصل : وإنّما أعربت هذه الأسماء بالحروف ؛ لأنها مفردة تحتاج في قياس التثنية والجمع إليها إذ كانت التثنية والجمع معربة بالحروف ضرورة وهي فروع والأسماء المفردة أصول ، فجعلوا ضربا من المفردات معربا بالحروف ليؤنس ذلك بالتثنية والجمع ، وإنّما اختاروا من المفردات هذه الأسماء ؛ لأنها تلزمها الإضافة في المعنى إذ لا أب إلا وله ابن ، وكذلك باقيها ولزوم الإضافة لها يشبهها بالتثنية إذ كان كلّ واحد منهما أكثر من اسم واحد.

٧٧

باب التثنية والجمع

أصل التثنية العطف من قولك : ثنيت العود إذا عطفته ، وكان الأصل أن يعطف اسم على اسم ، وقد جاء من ذلك في الشعر كثير لكنهم اكتفوا باسم واحد وحرف وجعلوه عوضا من الأسماء المعطوفة اختصارا.

فصل : وإنّما زادوا الحرف دون الحركة لوجهين :

أحدهما : أنّ الحركة كانت في آخر الواحد إعرابا ، فلو أبقوها لم يكن على التثنية دليل.

والثاني : أنّ الاسم المعطوف مساو للمعطوف عليه فكما كان الأوّل حروفا كان الدليل عليه حرفا.

فصل : وإنّما لم تثنّ الأفعال الخمسة (١) أوجه :

أحدها : أن لفظ الفعل جنس يقع بلفظه على كل أنواعه ، والغرض من التثنية تعدّد المسمّيات والجنس لا تعدّد فيه.

والثاني : أنّ الفعل وضع دليلا على الحدث والزمان ، فلو ثنّي لدلّ على حدثين وزمانين وهذا محال.

والثالث : أنّ الفعل لا بدّ له من فاعل فيكون جملة وتثنية الجمل محال ؛ ولهذا لا يثنّى لفظ : (تأبّط شرا) و (ذرّى حبّا).

والرابع : أن الفعل لو ثنيّ لكنت تقول في رجل واحد قام مرتين أو مرارا : (قاما زيد) أو : (قاموا زيد) وهذا محال.

والخامس : أنّ التثنية عطف في الأصل استغني فيها بالحروف عن المعطوف فيفضي ذلك إلى أنّ يقوم حرف التثنية مقام الفعل والفاعل ، وذلك الفعل دالّ على حدث وزمان ، وليس في لفظ حرف التثنية دلالة على أكثر من الكّميّة.

__________________

(١) هي كلّ فعل مضارع اتصل به ألف اثنين مثل «يفعلان تفعلان» أو واو جمع مثل «يفعلون تفعلون» أو ياء المخاطبة مثل : «تفعلين» ، ترفع الأفعال الخمسة بثبوت النّون نحو «العلماء يترفّعون عن الدّنايا».

وتنصب وتجزم بحذفها نحو قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (الآية «٢٤» من سورة البقرة) فالأول جازم ومجزوم ، والثاني ناصب ومنصوب.

٧٨

فصل : وإنّما لم تثن الحروف لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّها نائبة عن الأفعال ، وإذا تعذّر ذلك في الأصل ففي النائب أولى.

والثاني : أنّ الحرف جنس واحد كالفعل.

والثالث : أنّ معنى الحرف في غيره ، فلو ثنّيت الحرف لأثبت له معنيين فيما معناه فيه ، وذلك ممتنع ؛ لأن معنى الحرف غير متعدّد.

فصل : وكلّ ما تنكّرت معرفته أو تعرّفت نكرته صحّت تثنيته ؛ لأن أصل المثنىّ العطف ، وإذا استوى لفظ الاسمين وقع الاشتراك بينهما فصارا نكرتين.

ولهذا يدخل الألف واللام على المثّنى ، وإن كان معرفة قبل ذلك نحو : (الزيدان) فأمّا : (اللذان) (١) فليس بتثنية صناعيّة ؛ لأنه لا يتمّ إلا بالصلة والتثنية الصناعيّة لا تكون إلا بعد تمام الاسم ، وإنما هي صيغة للدلالة على التثنية وكذلك : (هذان) ؛ لأن (هذا) يقرب من المضمر والمضمر لا يثنّى بل يصاغ منه لفظ يدلّ على الاثنين ، وليس (أنتما) تثنية (أنت) في اللفظ ومن هنا بقي على تعريفه بعد التثنية.

فصل : وإذا أردت تثنية الجمل قلت : (هذان ذوا تأبّط شرا) أو اللذان يقال لكلّ واحد منهما تأبّط شرا لما تقدّم من استحالة تثنية الجملة ، وكذلك الأصوات والعلم المضاف إلى اللقب نحو : (قيس قفّة) و (ثابت قطنة).

فصل : في مجاز التثنية من ذلك قولهم : (مات حتف أنفيه) أي : منخريه ، و (هو يؤامر نفسيه) أي : نفسه تأمره بأشياء متضادّة كالبخل والجود ونحوهما فكأنّ له نفسين ومنه : (القمران) للشمس والقمر فسمّي الشمس قمرا عند التثنية ؛ لأن القمر مذكّر ، ومنه : (العمران) في أبي بكر وعمر فغلّب عمر ؛ لأنه اسم مشهور وأبو بكر كنية والاسم أخفّ

__________________

(١) الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر والتي للمفرد المؤنثة فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع نحو اللذان واللتان والياء في حالتي الجر والنصب فتقول اللذين واللتين ، وإن شئت شددت النون عوضا عن الياء المحذوفة فقلت اللذان واللتان وقد قرىء : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) ويجوز التشديد أيضا مع الياء وهو مذهب الكوفيين فتقول اللذين واللتين وقد قرىء : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) بتشديد النون ، وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية ذا وتا اسمي الإشارة فتقول ذان وتان وكذلك مع الياء فتقول ذين وتين وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة.

٧٩

و (الأذانان) للأذان والإقامة ، ومنه ذكر المثنى بلفظ الجمع كقولك : (ضربت رؤوسهما) ؛ لأن التثنية في الحقيقة جمع ، وقد أمن اللّبس ههنا إذ ليس للواحد إلا رأس واحد ويجوز : (رأساهما) على القياس.

فصل : وإنّما زادوا حروف المدّ (١) إذ كانت كالحركات لخفّتها بسكونها وامتداد صوتها ، وأنّ الكلام لا يخلوا منها أو من أبعاضها ، وهي الحركات وأنّهم لو زادوا غيرها لتوهّم أنّ الحرف الزائد من أصل الكلمة.

فصل : وإنما جعلت الواو للجمع لقوّتها وخروجها من عضوين وأنّها دلّت على الجمع في الإضمار نحو : (قاموا) ، وأنّ معناها في العطف الجمع وخصّ بها الرفع ؛ لأنها من جنس الضّمة ، وأمّا (الياء) فخصّ بها الجرّ ولأنّها من جنس الكسرة ، وأمّا (الألف) فجعلت في التثنية لأربعة أوجه :

أحدها : أنّ الجمع خصّ بالواو والياء لمعنى يقتضيه فلم يبق للألف غير التثنية.

والثاني : أنّ الألف أخف من أختيها ، والتثنية أكثر من الجمع لدخولها في كلّ اسم وجعل الأخفّ للأكثر هو الأصل.

__________________

(١) حروف الزيادة هي التي تكتب ولا ينطق بها ، وهي أولا الألف وهي قسمان :

(القسم الأول) : بعد واو الجماعة المتطرفة ، المتصلة بفعل ماض وأمر نحو «ذهبوا» و «اذهبوا» ومضارع منصوب أو مجزوم نحو : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) فإذا كانت الواو غير واو الجمع لا تلحقها الألف نحو «يغزو» و «يدعو ؛ فإذا قلنا : «الرجال لن يغزوا ولن يدعوا» أثبتنا الألف لأن الواو صارت واو جمع ، وإذا كانت واو الجمع غير متطرفة لا تزاد معها الألف نحو «علموك» وكذلك لا تزاد الألف بعد واو الجمع المتصلة باسم ، وإن كانت متطرفة نحو «هؤلاء ضربوا زيدا» بدون ألف بعد الواو.

(القسم الثاني) : زيادتها في نحو : «مائة» فرقا بينها وبين «منه» (هذا حين لم يكن همز ولا إعجام ـ أي تشكيل أما وقد اختلف الحال فينبغي أن ترجع إلى أصلها ، فتكتب «مئة» نحو «فئة» وكتابتها «مائة» أفسد على كثير من الناس النطق بها على ما يجب أن تنطق به ، وإنما ينطقون بها بألف ، وكذا الخمسمائة مثلا ، والأولى أن تكتب خمس مئة ، ولا داعي أيضا لاتصالهما) وبعضهم كتبها «مأة» على اساس راي بعضهام أن الهمزة في الوسط تكتب ألفا في كل حال ، وهذا خلاف المشهور. ومن العلماء (كما ذكر السيوطي في الهمع وانظر التعليق قبله) من يحذف الألف من «مئة» في الخط وهو أقرب إلى الصواب واتفقوا على أن الإلف لا تزاد في الجمع نحو «مئات» و «مئون».

٨٠