اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

باب الهمز

اعلم أنّ الهمزة نبرة تخرج من أقصى الحلق يشبه صوتها التهوّع ومن هنا شقّ النطق بها والنطق بحروف الحلق أخفّ من النّطق بها واشقّ من النطق بحروف الفم والشفتين ؛ ولهذا السبب جوّزت العرب في الهمزة ضروبا من التخفيف وهو التخفيف القياسيّ والإبدال على غير قياس والحذف ، واعلم أنّ الهمزة حرف صحيح يثبت في الجزم نحو : لم يخطئ ولم يقرأ.

فصل : ولا تخلو الهمزة من أن تكون مفردة أو تلقاها همزة أخرى ، فإن كانت مفردة أولا جاز تخفيفها ، وقد أبدلت في مواضع ذكرناها في باب الإبدال فأمّا جعلها وهي أوّل بين بين فلا يجوز ؛ لأن ذلك تقريب لها من الألف والألف لا يبتدأ بها.

فصل : فإن وقعت حشوا ساكنة جاز تخفيفها على الأصل وتخفيفها بأن تبدل حرفا مجانسا لحركة ما قبلها فتبدل بعد الفتحة ألفا نحو : راس وباس ، وبعد الكسرة ياء نحو : الذّيب والبير وبعد الضمّة واوا نحو : بوس وموس.

فصل في الهمزة المتحركة : وهو على ضربين :

أحدهما : أن يسكّن ما قبلها.

والثاني : أن يتحرك.

والأول على ضربين :

أحدهما : أن يكون الساكن قبلها حرف مدّ وما جرى مجراه.

والثاني : غير حرف مدّ.

فحرف المدّ الواو الزائدة المضموم ما قبلها والياء الزائدة المكسور ما قبلها والهمزة بعدهما يجوز تخفيفها وتخفيفهما وبأن تبدل واوا بعد الواو ؛ لأنها تجانس ما قبلها وما قبل قبلها وهو الضمّة نحو مقروءة وقروء وتقول فيهما مقروّة وقروّ ، وإن وقعت بعد الياء قلبتها ياء للعلّة المتقدّمة تقول في نحو : خطيئة خطيّة ، وفي النسيء نسيّ وما جرى مجرى حرف المدّ ياء التصغير ؛ لأنها زائدة لا تتحرك وهي نظير ألف التكسير تقول في تصغير أفؤس جمع فاس أفيّس.

فصل : فإن وقعت الهمزة المتحرّكة بعد الألف جاز تخفيفها وتخفيفها هو أن تجعل بين بين ، ومعنى ذلك أنّها تليّن فتجعل بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها فتجعل المكسورة بين الياء

٥٢١

والهمزة والمفتوحة بين الألف والهمزة والمضمومة بين الواو والهمزة وهي في كلّ ذلك متحرّكة تؤذن بالمتحرك ، ومثال أن تقول في مسائل : مسايل ، وفي هباءة : هباية ، وفي جزاؤه : جزاوه.

وقال سيبويه : لا تجعل الهمزة بين بين إلا في موضع يقع موقعها الساكن لئلا يفضى إلى الجمع بين الساكنين والألف يصحّ أن يقع الساكن بعدها نحو : شابّة ودابّة.

فصل : فإن كان قبل الهمزة المتحركة حرف ساكن ليس من حروف المدّ فتخفيفها أن تنقل حركتها إلى الساكن ويحذف كقولك في المتصل : مرة في مرأة ، وسل في اسأل ، وفي المنفصل كم بلك ومن مّك ومن بوك فتحذف الهمزة في هذا كلّه وتحرّك الساكن بحركتها وكذلك تفعل في لام المعرفة نحو : النّثى والحمر والايمان ، ومن العرب من إذا حذف الهمزة وحرّك لام المعرفة حذف همزة الوصل قبلها لاستغنائه عنها بحركتها فيقول لحمر ولنثى وليمان يجعل العارض كاللازم ؛ لأنه منقول عن لازم وتقول في قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ) [النمل : ٢٥] يخرج الخب ، فتحذف الهمزة ومن العرب من قال في تخفيف امرأة وكمأة مراة وكماة مثل قناة والوجه فيه أنّه خفّف الهمزة بنقل حركتها إلى ما قبلها فصار ما قبلها مفتوحا وبعده همزة ساكنة فقلبها ألفا كما يفعل في راس وهو قليل في اللغة.

فصل : ومما خفّفوه بالحذف والإلقاء مضارع رأى فقالوا : يرى ، والأصل : يرأى ، ففعلوا به ما ذكرنا فعلى هذا تقول في الأمر ريا زيد فلا تدخل همزة الوصل لتحرّك الأوّل وفي المؤنّث ري وفي التثنية ريا وفي الجمع روا.

فصل : فإن كان قبل الهمزة المتحركة حرف متحرك فتخفيفها يختلف بحسب اختلاف حركتها وحركة ما قبلها ، فإن كانت مفتوحة قبلها فتحة فتخفيفها أن تجعل بين بين كقولك : في سأل سال ، وإن كان قبل المفتوحة ضمة أو كسرة لم تجعل بين بين ؛ لأن جعلها كذلك مقرّب لها من الألف والألف لا تقع بعد ضمّة ولا كسرة ولكن تبدلها واوا بعد الضمّ وياء بعد الكسرة كقولك : في تؤدة تودة وفي مئر مير.

فصل : فإن انضمّت وقبلها ضمّة أو فتحة جعلت بين الهمزة والواو نحو : قام غلام أختك ورأيت غلام أختك ، وإن كان قبل المضمومة كسرة جعلت بين الياء والهمزة كقولك :

٥٢٢

من عند أختك ، ومنه يستهزئون ويستهزيون ، وإن وقعت مكسورة بعد ضمّة نحو : سيل ، ومن عند إبلك جعلت بين بين أيضا ، وهذا مذهب الخليل وسيبويه.

وقال الأخفش : لا يجوز تخفيفها في الموضعين ؛ لأن وقوع الواو الساكنة بعد كسرة والياء الساكنة بعد ضمّة متعذّر فهو كتخفيف المفتوحة بعد الضمّة والكسرة ، وذلك محال ووقوع الواو بعد الكسرة والياء بعد الضمّة ممكن ، ولكنّه شاقّ والحاصل أنّ الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها إمّا أن تتّفق حركتاهما فيقع منهما ثلاثة أضرب : ضمتان وفتحتان وكسرتان ، وإمّا أن يختلفا فيقع منهما ستّة أضرب : ضمّة بعد فتحة وكسرة وكسرة بعد فتحة وفتحة بعد ضمّة وكسرة وكسرة بعد ضمة وفتحة والمختلف فيها ضمّة بعد كسرة وكسرة بعد ضمّة ، فالأخفش يبدل الهمزة فيهما ياء بعد الكسرة واوا بعد الضمّة.

٥٢٣

فصل في اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة

قد ذكرنا في باب البدل : أنّ الهمزتين إذا اجتمعتا وسكّنت الثانية أبدلت من جنس ما قبلها فتبدل بعد الفتحة ألفا نحو : آدم وآمن وبعد الكسرة ياء نحو : إيمان وإيلاف وإيذن لي وإيتني وبعد الضمّة واوا نحو : اوتمن اومرني.

فأمّا الهمزة في جائي فاعل من جاء فهما همزتان الأولى مبدلة من عين الكلمة وهي ياء في الأصل همزت لمّا وقعت في فاعل والثانية لامها أبدلت ياء للكسرة قبلها فصار من المنقوص ولو بنيت من جاء مثل جعفر قلت : جيأا فأبدلت الثانية ألفا ، وقد ذكر.

فصل : فإن التقت الهمزتان من كلمتين منفصلتين فهما تجيئان متّفقتين أو مختلفتين فالمتفقتان ثلاث مضمومتان كقوله تعالى : (أَوْلِياءُ أُولئِكَ) [الأحقاف : ٣٢] فبعض العرب وهو قليل ، ومنهم من يحذف الأولى ويحقّق الثانية ، ومنهم من يعكس ذلك ، ومنهم من يحقّق الأولى ويجعل الثانية واوا والمفتوحتان كقوله تعالى : (جاءَ أَشْراطُها) [محمد : ١٨] وفيه المذاهب المذكورة إلا أنّ من خفّف الثانية وحقّق الأولى جعل الثانية الفا والمكسورتان كقوله تعالى : (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٣١] وفيه المذاهب المذكورة إلّا أنّ الثّانية تصير ياء من أجل الكسرة قبلها ، ومنهم من يجعلها ياء ساكنة وأمّا المختلفتان فعلى ستة أضرب.

١ ـ مضمومة بعد مفتوحة كقوله : (جاءَ أُمَّةً رَسُولُها) [المؤمنون : ٤٤] فمنهم من يحقّق الأولى ويجعل الثانية واوا لانضمامها ، ومنهم من يجعل الأولى بين بين والثانية واوا ، ومنهم من يحقّقهما.

٢ ـ وبعد مكسورة كقولك : من خباء أختك.

٣ ـ ومفتوحة بعد مضمومة كقوله تعالى : (السُّفَهاءُ أَلا) [البقرة : ١٣] ففيهما التحقيق وقلب الثانية واوا.

٤ ـ ومفتوحة بعد مكسورة كقوله : (النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ) [البقرة : ٢٣٥] ففيهما التحقيق وقلب الثانية ياء.

٥ ـ ومكسورة بعد مضمومة كقوله : (يَشاءُ إِلى) [يونس : ٢٥] فيهما التحقيق وجعل الثانية واوا.

٥٢٤

٦ ـ ومكسورة بعد مفتوحة كقوله : (شُهَداءَ إِذْ) [البقرة : ١٣٣] ففيهما التحقيق وتجعل الثانية ياء. والله أعلم.

مسألة : في قوله تعالى : (قالُوا لَئِنْ) [الشعراء : ١١٦] ففيها أربعة أوجه :

أحدها : حذف الواو والوقف على اللّام وقفة يسيرة.

والثاني : كذلك إلّا أنّه من غير وقف.

والثّالث كذلك إلّا أنّه من غير همز مع فتح لام المعرفة.

والرابع : كذلك إلّا أنّه بإثبات الواو في اللفظ.

مسألة : قوله تعالى : (عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] فيها أوجه :

١ ـ أحدها : إثبات التنوين وكسرها وسكون لام المعرفة وهمز ما بعدها من غير وقف.

٢ ـ وبوقف بإلقاء حركة الهمزة على اللام وضمّ اللام.

٣ ـ وبإدغام التنوين مع ضمّ اللام.

٥٢٥

باب الإمالة

الإمالة (١) إلى الشيء : التقريب منه ، وهي في هذا الباب تقريب الألف من الياء والفتحة قبلها من الكسرة والغرض من ذلك تجانس الصوتين لسبب وللإمالة أسباب وموانع فأسبابها ستة : الياء والكسرة والانقلاب وما في حكمه وكون الحرف ينكسر في حال والإمالة للإمالة.

السّبب الأول : الياء الكائنة قبل الألف بحرف أو حرفين نحو : شيبان وغيلان وشيال ، فأهل الحجاز لا يميلون وتميم تميل الألف في هذا كلّه ليقرب من صوت الياء.

السّبب الثاني : الكسرة ، وقد تكون بعد الألف نحو عائد ، وقد تكون قبلها وبينهما حاجز نحو : جبال وحبال ، وقد يكون بينهما حرفان ومن شرطه أن يكون ما بعد الكسرة ساكنا نحو : سربال وجلباب ، فإن كان ذلك مفتوحا أو مضموما فلا إمالة ، وقد يشبّه المنفصل بالمتّصل كقولك : للرجل من ماله.

السّبب الثالث : كون الألف منقلبة عن ياء ، وذلك قولك في رمي : رمي. وفي باع : باع ؛ فإن كانت الألف رابعة فصاعدا أمليت من أيّ أصل كانت كقولك في مرمى : مرمى ، وفي مغزى : مغزى ، وفي تدعى : وتدعى ، وهذا حكم ألف التّأنيث نحو : حبلى وبشرى.

السّبب الرّابع : ما شبّه بالمنقلب عن الياء ، وذلك نحو : غزا ودعا فإنّه يمال ؛ لأن الياء تقع هنا كثيرا ولأنّ هذه الألف تصير إلى الياء إذا جاوزت ثلاثة أحرف نحو : يدعى ومستدعى.

السّبب الخامس : كسر ما قبل الألف في بعض الأحوال ، وذلك في الفعل خاصّة نحو : خاف وطاب وجاء لأنّك تقول : خفت وما أشبهها فأمّا في الأسماء يجوز نحو : باب ودار ، وقد أمال بعضهم فلان ماش في الوقف وهو قليل.

السّبب السّادس : الإمالة كقولك : رأيت عمادا ، وكتبت كتابا ، فتميل ألف التّنوين من أجل الإمالة الأولى.

__________________

(١) الإمالة هي عبارة عن ضد الفتح وهي نوعان : إمالة كبرى وإمالة صغرى :

فالإمالة الكبرى عدها أن ينطق بالألف مركبة على فتحة تصرف إلى [الكسر كثيرا والإمالة الصغرى حدها أن ينطق بالألف مركبة على فتحة تصرف إلى] الكسرة قليلا والعبارة المشهورة في هذا بين اللفظين أعني بين الفتح الذي حددناه وبين الإمالة الكبرى والبطح والإضجاع عبارتان بمعنى الإمالة الكبرى.

٥٢٦

فإن قلت : زيد يضربها لم تمل الألف ؛ لأن بينها وبين كسرة الرّاء حاجزين قويين وهما الضمّة والهاء ، فإن كانت الباء مفتوحة نحو : يريد أن يضربها ، فأكثرهم لا يميل ، ومنهم من أمال لضعف الحاجز ؛ لأن الفتحة خفيفة والياء خفيّة ، ومنهم من يقول على هذا : رأيت يدها وهو بيننا وفينا وعلينا فيميل من أجل الياء.

فصل في موانع الإمالة

وهي حروف الاستعلاء والرّاء ، فحروف الاستعلاء سبعة وهي : الخاء والغين والقاف والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء ، وهذه إذا وقعت قبل الألف سواء أو بعدها بحرف أو أكثر منعت الإمالة والعلّة في ذلك أنّ الحرف المستعلي ينحى به إلى أعلى الفم والإمالة تحرف الحرف إلى مخرج الياء ، وهي من أسفل الفم والصّعود بعد التسفّل شاقّ فلذلك منع وهذا نحو : قاعد وغالب ، ونحو : نافخ وناشط.

وهذا مذهب كلّ العرب إلّا ما حكي عن بعضهم إمالة مناشيط ، وذلك لبعد الطّاء من الألف وكون الياء معها.

فصل : فإن كان حرف الاستعلاء قبل الحرف الذي يليه الألف مكسورا جازت الإمالة نحو : خفاف وقباب وضراب ونحو ذلك ؛ لأن الصوت أخذ في التسفّل والتحدّر فاستمرّ في المستعلي إلى أن بلغ الألف على التسفّل ، وذلك سهل وكذا إن كان بينهما حرفان نحو : مصباح ومقلات ، ومنهم من لا يميل هنا ؛ لأن حرف الاستعلاء ساكن والكسرة في غيره ، فإن كان حرف الاستعلاء هنا مفتوحا أو مضموما لم تجز الإمالة ؛ لأن الصوت لم يكن متسفّلا حتى يجانس ما بعده.

فصل : فإن كان حرف الاستعلاء مع الألف المبدلة التي يجوز إمالتها مع غير المستعلي جازت مع المستعلي نحو : سقى وأعطى ومعطى وخاف ويشفى وما أشبه ذلك ؛ لأن سبب الإمالة قويّ فغلب المستعلي.

٥٢٧

فصل : وإذا كان الحرف بعد الألف مشدّدا لم يمل نحو : مادّ وجادّ ؛ إذ لا كسرة تليه والحرف الأوّل من المشدّد سكّن فرارا من الحركة مع المثلين فأولى أن يهرب من الإمالة معه ، وقد أماله قوم في الجرّ وهو قليل.

فصل : فأمّا الرّاء فتمنع الإمالة إذا كانت مفتوحة أو مضمومة وانفردت نحو هذا سراج وفراش ورأيت حمارا ، فإن كانت مكسورة جازت الإمالة وإنما منعت الراء الإمالة ؛ لأنها بمنزلة الراءين إذ كان فيها تكرير ، وإذا كسرت قربت من الياء ؛ ولذلك لم تمنع مع الحرف المستعلي نحو ضارب وقادر ، ومنهم من يجيز الإمالة إذا كانت الكسرة والرّاء قبل الألف نحو :

هذا فراش ، فإن كان بعد الرّاء راء مكسورة جازت الإمالة وغلبت المكسورة المفتوحة نحو : (القرار) و (الأبرار).

وأمّا : (الكافر) فإمالته جائزة في الجر فأما في الرفع والنصب فأكثرهم لا يميله من أجل الرّاء وكذلك : (الكافرين) و (الكافرون).

فصل : والهاء المبدلة من تاء التأنيث في الوقف تجوز إمالتها ؛ لأنها تشبه ألف التأنيث في حصول التأنيث بها وخفائها وانقلابها ، وذلك نحو : (الحكمة) و (مبثوثة) ويمنعها ما يمنع الإمالة.

فصل : وقد شذّت أشياء في باب الإمالة ولها وجيه من القياس فمن ذلك ذا وهو اسم إشارة والجيّد تفخيمه والأوائل يسمّون التفخيم نصبا ؛ لأنه فتح ، وقد أماله قوم ؛ لأنه يشبه الأسماء المعربة في الوصف به وفي وصفه وجمعه وتصغيره ولأن ألفه منقلبة عن ياء.

ومن ذلك : أنّى ووجه إمالتها أنّها اسم تامّ وألفها تشبه ألف التأنيث والنون فيها تشبه حروف العلّة.

ومن ذلك : أسماء حروف التهجّي بي تي ثي ؛ لأنها أسماء يكثر استعمالها.

ومن ذلك : الحجّاج والعجّاج والنّاس والوجه تفخيمها ؛ لأن الألف زائدة أو منقلبة عن واو ومن أمالها حملها على تصرّف الأسماء وإمالتها في الجرّ أقرب لمكان الكسرة.

٥٢٨

والأسماء المبنيّة الأصل : أن لا تمال لعدم تصرّفها واشتقاقها وإنّما أميل منها ما أشبه المتصرّف كما ذكرنا في ذا.

وهكذا حكم الحروف بل أبعد إلّا أنّهم أمالوا منها لا ؛ لأنها تقوم بنفسها في الجواب وبلى كذلك وحرف النداء ؛ لأنه قام مقام الفعل ، وقد ذكر في بابه ولم يميلوا حتّى ؛ لأنها لا تقوم بنفسها وأمّا كذلك.

فصل : قد أمال بعض العرب الفتحة نحو الكسرة نحو : ضرر وبقر وأقرب ذلك ما كانت فيه راء ، وإذا قربت هذه الفتحة من الكسرة قرّبت ما بعدها من الحروف من الكسرة أيضا.

٥٢٩

باب مخارج الحروف وعددها وصفاتها

اعلم أنّ مخرج كلّ حرف ما ينقطع الحرف عنده من الحلق والفم والشفتين ، وإذا أردت أن تختبر ذلك فزد على الحرف الذي تريد معرفة مخرجه همزة الوصل مكسورة ثم انطق به ساكنا فعند ذلك تجد جرس الحرف منقطعا هناك فثمّ مخرجه نحو : اع اق اص ام ، ومن ههنا لم يكن للألف مخرج ؛ لأن صوتها لا ينقطع عند جزء مما ذكرنا بل هي نفس مستطيل بحيث يمكن مدّه من غير حصر (١).

فصل : والحروف الأصول تسعة وعشرون وهي الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والقاف والكاف والضاد والجيم والشين والياء والرّاء واللام والنون والصاد والسين والزاي والطاء والتاء والدال والظاء والثاء والذال والفاء والميم والباء والواو.

ولهم ستة أحرف فروع مستحسنة وإنما كانت فروعا لقربها من الأصول وامتزاجها بها وهي النون الساكنة والألف الممالة وهمزة بين بين وألف التفخيم والصاد المشمّة صوت الزاي والشين المشمّة صوت الجيم.

ولهم سبعة أحرف أخر مستقبحة وهي :

__________________

(١) مخارج الحروف عند الخليل سبعة عشر مخرجا وعند سيبويه وأصحابه ستة عشر لإسقاطهم الجوفية وعند الفراء وتابعيه أربعة عشر لجعلهم مخرج الذلقية واحدا ويحصر المخارج الحلق واللسان والشفتان ويعمها الفم.

فللحلق ثلاثة مخارج لسبعة أحرف : فمن أقصاه الهمزة والألف لأن مبدأه من الحلق ولم يذكر الخليل هذا الحرف هنا والهاء ، ومن وسطه العين والحاء المهملتان ، ومن أدناه الغين والخاء ، وللسان عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا : فمن أقصاه مما يلي الحلق وما يحاذيه من الحنك الأعلى القاف دونه قليلا مثله الكاف ، ومن وسطه الحنك الأعلى الجيم والشين والياء ، ومن وسطه ووسط الحنك الأعلى الجيم والشين والياء ، ومن إحدى حافتيه وما يحاذيها من الاضراس من اليسرى ، صعب ومن اليمنى أصعب الضاد ، ومن رأس حافته وطرفه ومحاذيها من الحنك الأعلى من اللثة اللام

ومن رأسه أيضا ومحاذيه من اللثة النون ، ومن ظهره ومحاذيه من اللثة الراء ، هذا على مذهب سيبويه وعند الفراء وتابعيه مخرج اللثة واحد ، ومن رأسه أيضا وأصول الثنيتين العليين الطاء والتاء والدال ، ومن رأسه أيضا وبين أصول الثنيتين الظاء والذال والثاء ، ومن طرفي الثنيتين وباطن الشفة السفلى الفاء ، وللشفتين الباء والميم والواو ، والغنة من الخيشوم من داخل الأنف هذا السادس عشر ، وأحرف المد من جو الفم وهو السابع عشر.

٥٣٠

١ ـ الكاف التي تقرب من الجيم.

٢ ـ والجيم التي تقرب من الكاف والجيم التي تقرب من الشين.

٣ ـ والضاد الضعيفة التي تقرب من الذال.

٤ ـ والصاد التي تقرب من السين.

٥ ـ والطاء التي تقرب من التاء.

٦ ـ والظاء التي تقرب من الثاء.

٧ ـ والباء التي تقرب من الفاء.

ومخرج كلّ حرف منها بين مخرج أصلها الصحيح وبين الحرف الذي يقاربه ولا يقرأ بها البتة إلا مضطر.

٥٣١

فصل في عدد المخارج

وهي ستة عشر ثلاثة في الحلق :

١ ـ فأقصاها وأقربها من الصدر مخرج الهمزة والألف والهاء.

٢ ـ وأوسطها من الحلق مخرج العين والحاء.

٣ ـ وأدناها إلى الفم مخرج الغين والخاء.

والرابع : أقصى اللسان وما فوقه من الحنك مخرج القاف.

والخامس : دون مخرج القاف وما يليه من الحنك مخرج الكاف.

والسادس : من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك مخرج الجيم والشين والياء.

والسابع : ما بين أوّل حافّة اللسان وما يليها من الأضراس الضّاد ، فإن شئت أخرجتها من الجانب الأيسر ، وإن شئت من الأيمن.

والثامن : ما بين أوّل حافّة اللسان ومن أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام.

والتّاسع : النون وهي من طرف اللسان بينه وما بين ما فوق الثنايا مخرج.

والعاشر : ومن مخرج النون غير أنّه أدخل في ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام مخرج الراء.

والحادي عشر : مما بين طرف اللّسان وأصول الثنايا مخرج الطّاء والدّال والتّاء.

والثاني عشر : مما بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا مخرج الزّاي والسين والصاد.

والثالث عشر : مما بين طرف اللّسان وأطراف الثّنايا مخرج الظّاء والثّاء والذّال.

الرابع عشر : من باطن الشّفة السّفلى وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء.

الخامس عشر : مما بين الشفتين الباء والميم والواو.

والسادس عشر : من الخياشيم مخرج النون الخفيفة.

٥٣٢

فصل في صفات الحروف وأجناسها

وهي أحد عشر جنسا وهي : المجهورة والمهموسة والشّديدة والرّخوة والمنحرفة والشّديدة التي يخرج معها الصوت والمكررة والليّنة والهاوية والمطبقة والمنفتحة.

فالمجهورة تسعة عشر حرفا : الهمزة والألف والعين والغين والقاف والجيم والياء والضاد واللام والزاي والراء والطاء والدّال والنون والظاء والذال والباء والميم والواو وسمّيت مجهورة ؛ لأنها أشبع الاعتماد في موضعها ومنع النّفس أن يجري معها حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت إلّا أنّ النون والميم قد يعترض لهما في الفم والخياشيم فيصير فيهما غنّة ودليل ذلك أنّك لو أمسكت طرف أنفك اختلّ صوتهما حين سددت الخيشوم.

الثاني : المهموسة وهي بقية الحروف التسعة والعشرين وسمّيت بذلك ؛ لأن الهمس صوت خفيّ وهذه كذلك ؛ لأن اعتمادها ضعف حتّى جرى معه النّفس.

والثالث : الشديدة سمّيت بذلك لقوّتها وامتناع مدّ الصوت معها وهي ثمانية الهمزة والقاف والكاف والجيم والطّاء والتّاء والباء والدّال ويجمعها أجدت طبقك الرابع الرّخوة ، وهي تسعة : الهاء والحاء والغين والخاء والشّين والظّاء والثّاء والذّال والفاء وسمّيت بذلك ؛ لأنها خلاف الشديدة فأمّا العين فبين الرّخوة والشديدة تصل إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء.

والخامس : المنحرفة وهي اللّام وحدها سمي بذلك لانحراف اللسان مع صوته من ناحيتي مستدقّ اللسان فويق ذلك وبهذا خالف الشديدة والرخوة.

والسادس : الشديدة التي يخرج معها الصوت وهي النّون والميم وسمّيت بذلك لغنّتها الخارجة من الألف.

والسابع : المكرّر وهو الرّاء سمّيت بذلك لتكرير صوتها وانحرافها إلى مخرج اللّام.

الثّامن : اللينة وهي الواو والياء سمّيت بذلك ؛ لأن مخرجهما يتّسع لهواء الصّوت أشدّ من اتّساع غيرهما.

٥٣٣

التّاسع : الهاوي وهو الألف سمّيت بذلك لزيادة اتّساع هواء صوته على الواو والياء.

العاشر : المطبقة وهي أربعة الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء سمّيت بذلك لشدّة التصاق ظهر اللّسان بما يلاقيه من أعلى الحنك.

الحادي عشر : المنفتحة وهي ما عدا المطبقة سمّيت بذلك ؛ لأن موضعها لا ينطبق مع غيره ولا ينحصر الصوت معها كانحصاره مع المطبقة.

٥٣٤

فصل فيما يجتمع لكل حرف من الصّفات

الهمزة : حرف مجهور شديد مستعل منفتح.

الألف : حرف هوائي مجهور شديد.

الهاء : حرف مهموس رخو خفيّ ضعيف.

العين : حرف مجهور شديد متسفل رخو منفتح.

الحاء : حرف مهموس مستفل رخو منفتح.

الغين : حرف مجهور مستعل رخو منفتح.

الخاء : حرف مستعل شديد منفتح.

القاف : حرف مستعل شديد منفتح.

الكاف : حرف مهموس شديد متسفّل منفتح الجيم حرف مجهور شديد متسفّل منفتح.

الشّين : حرف مهموس رخو متسفّل متفشّ.

الياء : حرف مجهور شديد متسفّل منفتح ثقيل خفيّ.

الضاد : حرف مستطيل مجهور مستعل منطبق رخو.

الصاد : حرف مهموس رخو مستعل مطبق.

السين : حرف مهموس متسفّل رخو منفتح.

الزاي : حرف مجهور متسفّل رخو منفتح وهذه الثلاثة الأخيرة فيها صفير.

الظاء : حرف رخو مجهور مستعل مطبق.

الذال : حرف مجهور مستفل رخو منفتح.

الطّاء : حرف مهموس متسفّل رخو منفتح.

الثاء : حرف مهموس متسفّل رخو مطبق.

الدّال : حرف مجهور شديد متسفّل منفتح.

٥٣٥

التّاء : حرف مهموس شديد متسفّل منفتح.

الرّاء : حرف مكرر مجهور شديد متسفّل منفتح.

اللام : حرف مجهور منحرف شديد متسفّل منفتح مرقق.

النون : حرف مجهور شديد متسفّل منفتح ذو غنّة.

الفاء : حرف مهموس رخو متسفّل متفشّ.

الباء : حرف مجهور شديد متسفّل.

الميم : حرف مجهور شديد متسفّل منطبق.

الواو : حرف مجهور شديد ممتد منطبق ليّن.

٥٣٦

باب الإدغام

الإدغام (١) : وصلك حرفا ساكنا بحرف مثله من موضعه من غير فاصل بينهما بحركة ولا وقف فتصيّرهما بالتداخل كحرف واحد ترفع لسانك بهما رفعة واحدة وتشددّه وهو مقدّر بحرفين الأوّل منهما ساكن.

وأصل الإدغام في اللغة : الإخفاء والإحكام.

والعلّة في الإدغام : أنّ الحرفين إذا كانا مثلين كان مخرجهما واحدا فيثقل على اللسان أن يرفعه ثم يعيده في الحال إلى موضعه وهذا شبّه بمشي المقيّد ؛ لأنه كان لا يزايل موضعه ويقع في الكلام على ضربين :

أحدهما : إدغام حرف في مثله قبل الإدغام.

والثاني : أن يكون الأوّل مقاربا للثاني فيبدل حرفا مثله ليمكن إدغامه.

فالضّرب الأوّل على ضربين :

أحدهما : أن يكون في كلمة واحدة ، فإن كانت فعلا ثلاثيا لزم الإدغام نحو شدّ ومدّ وفرّ وقصّ وعضّ ، وقد سبق ذكره ، وإن كانت اسما على وزن الفعل فكذلك نحو : رجل ضفّ الحال أي ضفف بكسر الفاء الأولى ولا يستثنى من ذلك إلّا الاسم المفتوح العين نحو : طلل وشرر.

فأمّا المضموم نحو : سرر جمع سرير وسرر جمع سرّة فلا يدغم إذ ليس في الأفعال له نظير ، وقد يجيء في الشذوذ فكّ الإدغام بالقياس نحو لححت عينه وقوم ضففوا الحال والقياس إدغامه.

فأمّا قصّ الشاة وقصصها فليس من فكّ الإدغام بل هما لغتان سكون العين وفتحها ، وقد يفكّ الشاعر الإدغام للضرورة ، وقد ذكر في موضعه.

__________________

(١) الإدغام هو عبارة عن خلط الحرفين وتصييرها حرفا واحدا مشددا وكيفية ذلك أن يصير الحرف الذي يراد إدغامه حرفا على صورة الحرف الذي يدغم فيه فإذا تصير مثله حصل حينئذ مثلان وإذا حصل مثلان وجب الإدغام حكما إجماعيا فإن جاء نص بإبقاء نعت من نعوت الحرف المدغم فليس ذلك الإدغام بإدغام صحيح لأن شروطه لم تكمل وهو بالإخفاء أشبه.

٥٣٧

مسألة : فإن بنيت من المضاعف بناء في آخره ألف ونون ، فقال الخليل وسيبويه : إن كان مصدرا فككت الإدغام نحو الرددان ، وإن كان مكسور العين أو مضمومها لم يفكّ يحمل كل واحد منهما على بابه فالمصدر هنا مثل الغليان والنّزوان.

وقال الأخفش : يفكّ الإدغام في الجميع فأمّا الملحق فلا يدغم ؛ لأن ذلك يبطل معنى الإلحاق ، وقد سبق ذكره فأمّا اقتتلوا فالأكثرون لا يدغمون ؛ لأن التاء زيدت لمعنى فلا تذهب بالإدغام وليس هنا حرف علّة ، ومنهم من يدغم فيقول قتّلوا بكسر القاف وفتح التاء ، ومنهم من يكسر التّاء ويقول في المستقبل يقتّلون وفي اسم الفاعل مقتّلين ، ومنهم من يضمّ فيقول مردّفين فيتبع ، ومنهم من يكسر الميم إتباعا لكسرة الراء.

والضرب الثاني : أن يكونا من كلمتين وهو على ضربين أيضا جائز ولازم.

فالجائز : أن يكون الأوّل متحرّكا ، والإظهار أجود لئلا يلزم الإسكان والتغيير فيما ليس بلازم ؛ لأن الكلمتين قد تفترقان والإدغام جائز للتخفيف وأحسن ذلك أن يتوالى فيه أربع متحركات فصاعدا نحو : (جعل لكم) و (ضرب بكر).

فصل : فإن كان قبل الحرف الأوّل ساكن لم يجز الإدغام لئلا يجمع بين ساكنين إلّا أن يكون ذلك الساكن حرف مدّ كقولك : اسم موسى وبكر رافع هذا لا يدغم ومثال حرف الحدّ : (الرحيم ملك) والمال لك والغفور ربّنا ومثله في المتّصل تمودّ الثوب.

فصل : فإن كان قبل الياء والواو فتحة نحو جيب بكر والقول لك جاز الإدغام أيضا ؛ لأن المدّ الجاري مجرى الحركة موجود فأمّا مثل : (آمَنُوا وَهاجَرُوا) فلا يدغم ؛ لأن الواو الأولى تامّة المدّ فهو فيها كالفاصل بالحركة ولا يصح زوال مدّها كما لا يصحّ تسكين المتحرك فأمّا مثل قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) [البقرة : ٢٦٧]. فأصله (تتيمموا) فيجوز إدغام التاء في التاء ؛ لأن قبلها ألف لا ، ومنهم من يحذف التاء فأمّا قوله تعالى : (فَلا تَتَناجَوْا) [المجادلة : ٩] فيجوز الإدغام وترك الإدغام.

فصل : وأمّا الإدغام اللازم فأن يكون الأوّل ساكنا والثاني : مماثل له كقولك : (وقد دخلوا) و (هل لكم).

٥٣٨

فصل : فإن أدغم في حرف المدّ لم يجز إدغامه في مثله نحو : وليّ يزيد ، وعدوّ وليد ؛ لأن المدّ قد بطل بالإدغام فيه وصار كالحروف الصحيحة التي قبلها ساكن نحو خبر رجل ، ولكن إن شئت أخفيت وهو في حكم المظهر.

فصل في إدغام الحروف المتقاربة

ونحن نذكرها حرفا فحرفا :

أوّلها : الهمزة ، وليس يدغم فيها شيء ولا تدغم في شيء إلّا أن تكون همزة مثلها. نحو :

اقرأ إنا أنزلنا ، وقد قيل : ليس هذا إدغاما بل هو حذف ، وإنّما تدغم حقيقة في كلمة واحدة وهو فعّال نحو : رأاس ، وسأال ، ولأّال.

وأمّا الألف فلا يدغم فيها.

وأمّا الهاء فتدغم في مثلها نحو : وجّه هبة وتدغم في الحاء نحو : اجبه حملا والإظهار أحسن ولا تدغم الحاء في الهاء ؛ لأن الحاء أقوى وأظهر من الهاء فلا تحوّل إليها.

العين تدغم في مثلها نحو : اسمع عمرا وتدغم في الحاء ، نحو : اقطع حبلا ، والإظهار أحسن وتدغم في الخاء بأن تجعلا حاءين نحو : اقطع خلالا ؛ لأن الخاء أقرب إلى العين في مخرجها وصفتها فتحوّلان جميعا إليها ، وقد قال بنو تميم : كنت محم ، يريدون معهم وكلّ ما قرب من حروف الحلق إلى الفم لا يدغم فيما قبله ، فإن أردت إدغام الحاء في العين جاز بأن تجعل الحاء عينا نحو امدعّ رفة تريد عرفة.

الغين تدغم في الخاء والخاء فيها نحو : ادمغ خلفا ، واسلخ غنمك ، تحوّل الأول إلى مثل الثاني.

القاف تدغم في الكاف والكاف فيها نحو : الحق كلدة وانهك قطنا.

الجيم تدغم في الشين والشين فيها نحو : اخرج شطرك واعطش جحدرا.

النون تدغم في مثلها وفي الرّاء نحو : من راشد بغنّة ولا غنة.

فأمّا إدغام الراء فنذكره فيما بعد.

وتدغم النون في اللّام نحو : من لك بغنّة ولا غنّة ولا تدغم اللام فيها نحو : هل نحن.

٥٣٩

وتدغم النون في الميم بغنّة نحو : من مّعك ، ولا تدغم الميم فيها نحو : اسلم نافعا ، فإن وقعت الباء بعدها أبدلت ميما نحو : عنبر و (فسوق بكم) ، وقد ذكر في البدل ، فإن وقعت الفاء بعدها كانت غنة لا مظهرة ولا مدغمة نحو من فيها ، وإن وقعت الواو بعدها أدغمت فيها بغنّة وبغيرها نحو من وعدك وتدغم في الياء بغنّة وغير غنّة نحو : من يقول ، ولا تدغم الياء فيها نحو : في نفسي.

ولا تدغم في حروف الحلق لبعد مخرجها منها وتبيّن بيانا تاما ، وبعض العرب يخفيها عند الخاء والغين كما يفعل ذلك عند القاف والكاف نحو : (من خلق ، ومن غيرك) ولا تدغم فيهما بحال.

مسألة : إذا كانت النون ساكنة قبل الميم والياء والواو في كلمة واحدة لزم تبيينها كقولك :

شاة زنماء وشياه زنم وكذلك قنية وقنواء وكنية ومنية لا تدغم شيئا من ذلك ولا تخفيه لئلا يلتبس بمضاعف الميم والياء والواو ؛ لأن في الكلام مثله ، ألا ترى أنّك لو قلت : زنماء فأدغمت لجاز أن تكون من الزمّ ، ولو قلت : قيّة وقوّة لجاز أن يكون من الأرض القيّ ، فأمّا قولهم : امحى الشيء فجاز إدغامه ؛ لأن اللبس مأمون إذا كانت الميم هنا فاء الكلمة والفاء لا تكون مضاعفة ؛ ولذلك لو بنيت من وجل ورأى انفعل جاز الإدغام اوّجل وارّأى.

مسألة : لا تعرف في اللغة كلمة فيها نون ساكنة بعدها راء ولا لام فلم يقولوا : مثل قنر ولا عنل ، وسبب ذلك أنّ النون الساكنة فيها غنّة وهي تقارب الحرفين جدا فلمّا تقاربت في المخرج واختلفت في الصفة ثقل الجمع بينهما.

مسألة : يجوز إدغام اللّام في النون نحو : (هل نرى) لتقاربهما ، وأنّ النون أبين من اللّام ويقوي ذلك إدغام النون فيها إلّا أنّ إظهار اللّام عند النون أحسن وإدغام النون في اللام أحسن والفرق بينهما أنّك إذا أدغمت اللّام في النون أبطلت قّوة اللّام ، وإذا أدغمت النّون في اللّام راعيت قوّة اللّام.

مسألة : لا تدغم الميم في النون نحو : (لم نكن) ؛ لأنها لمّا لم تدغم في الباء وهي من مخرجها فإدغامها في النون مع بعدها منها أبعد.

٥٤٠