اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

وأمّا فعل فعلى يفعل نحو : رضي يرضى الأصل رضو ؛ لأنه من الرّضوان فأبدلت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

وأمّا فعل مثل ظرف فتصير الياء فيه واوا نحو : قضو الرجل ورضو الثوب لئلا تقع الياء بعد ضمّة فلو سكّنت العين لم يردد الأصل ، بل تقول : قضو الرجل ورضي زيد بسكون الضّاد ؛ لأن السكون في الضّاد عارض.

وفيها أنّك إذا بنيت من ذوات الواو أفعل نحو : غزا قلبتها في المضارع ياء ، فقلت : يغزي لوقوعها بعد كسرة وكذلك استغزي ، فأمّا إبدالها في تغازيت مع انفتاح ما قبلها فمحمول على أغزي لئلا يختلف الباب.

٥٠١

باب يجمع مسائل تنعطف على الأصول المتقدّمة

مسألة : قد يتفق لفظ اسم الفاعل والمفعول ويختلفان في التقدير نحو : مختار ومجتاز ، وهو محتمل لهما وسبب ذلك أن عين الكلمة ياء متحرك ما قبلها ، فإن كان للفاعل فهي مكسورة فتقديره مختير مثل مخترع ، وإن كان للمفعول فتقديره مختير مثل مخترع وعلى كلا التقديرين تنقلب الياء ألفا ولفظهما واحد ، ولكن تقدّر على الألف كسرة للفاعل وفتحة للمفعول وكذلك محمّر إن جعلته للفاعل كانت الراء الأولى مكسورة ، وإن جعلته للمفعول كانت مفتوحة فتسكّن الراء الأولى وتدغم في الثانية ويكون اللفظ واحدا والتقدير مختلفا وكذلك مقشعرّ.

مسألة : الأصل في مقام ومعاش مقوم ومعيش فتحرّكت الواو وانفتح ما قبلها في الأصل فقلبت ألفا ، وقد ذكرنا تتمّة هذا التعليل في يقال ويباع.

مسألة : الأصل في معيشة معيشة بكسر الياء على قول سيبويه ، وقد أجازوا أن يكون أصلها الضمّ فعلى تقدير الكسر قد نقلت كسرة الياء إلى العين إيثارا للتّخفيف ، وأمّا على تقدير الضمّ فإن حركة الياء نقلت إلى العين وأبدلت من ضمة العين كسرة فانقلبت الواو ياء لمجاورتها الطّرف وأنّ التّاء غير معتدّ بها فصارت مثل أدل وأحق وقال الأخفش لو كان الأصل الضمّ لبقيت الواو مثل معونة ومصوفة ، وإن كان هذا الاسم جمعا مثل : معايش جمع معيشة فالحكم كذلك.

وقال الأخفش : يجوز في الجمع أن يكون الأصل الضمّ فحوّل إلى الكسر والياء لثقل الجمع ، ومثل ذلك : محيص في أنّ الأصل محيص بالكسر مثل منزل ، وأمّا بيض فأصلها بوض مثل سود وحمر إلّا أنّ الياء في القياس نقلت واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولكنّهم خالفوا القياس فكسروا ليحصل الفرق بين بيض جمع أبيض وبيضاء وبين قولهم : دجاج بيض جمع بيوض إذا سكّنوا الياء قلبوها واوا.

مسألة : إذا وقعت الواو رابعة قلبت ياء ثم قلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، وأصل ذلك أن الفعل المعتلّ اللام إذا كانت لامه واوا وانكسر ما قبلها قلبت ياء للكسرة قبلها ، ثم يحمل الباب كلّه على ذلك نحو : أغزى يغزي وادّعى تدّعي والمصدر مغزى ومدعى

٥٠٢

فالألف منقلبة عن ياء منقلبة عن واو وتقول في تراجى وتغازى أصل الألف ياء مبدلة من واو وإن لم يكسر ما قبل الطّرف ؛ لأن الأصل رجّى يرجّي ثم دخلت الزيادة عليه بعد استمرار الإبدال وكذلك تغازى وتعاطى.

مسألة : قد ذكرنا حكم الفعل المشدّد نحو : مدّ وشدّ وردّ ، وعلى قياسه يجب أن يكون استردّ واقشعرّ ؛ لأن الأصل استردد واقشعرر فنقلت حركة المثل الأوّل إلى السّاكن وأدغم في الذي بعده ، فإن وجب تسكين الثاني انفكّ الإدغام وعادت حركة الأوّل إليه نحو : استرددت واقشعررت ، فإن كان المثلان للإلحاق لم يدغم لئلا يبطل حكم الإلحاق ، وذلك نحو : قردد وهو ملحق بجعفر ، فلو أدغمت لسكّنت الأوّل وبطلت مماثلة هذا البناء لجعفر وكذلك اسحنلك واقعنسس هو ملحق باحرنجم.

مسألة : قد تنقل الحركة إلى ما بعدها لضرب من التخفيف أو المجانسة فمن ذلك قوله تعالى : (وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ) [النور : ٥٢] تقرأ بكسر القاف وإسكان الهاء والأصل كسر ؛ لأنّها هاء الضمير إلّا أنّهم سكّنوا القاف والهاء أمّا الهاء فوقفوا عليها فسكّنت ، وأمّا القاف فخفّفوها كما سكّنوا التاء في كتف وشبّهوا المنفصل بالمتّصل فالتّاء والقاف والهاء مثل : كتف فلمّا اجتمع ساكنان حرّكوا القاف بالكسر ، وقد جاء في الشّعر والنثر فمن الشّعر قول الراجز :

قالت سليمى اشتر لنا سويقا

بسكون الراء كأنّه كان ترل مثل : كتف ففعل ما ذكرنا ، وقيل : نوى الوقف على اشتر ثم جعله في الوصل كذلك وقال آخر : [الطويل]

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلداه أبوان

وإن كان الاسم على أكثر من أربعة أحرف لزم الحذف نحو : كينونة وديمومة من كان ودام ، وذلك لطول الاسم ، وقد جاء تاما في الشعر قال الراجز :

يا ليت أنّا ضمّنا سفنه

حتّى يعود الوصل كينونة

والأصل سكون الدّال للجزم ؛ إلّا أنّه حذف حركة اللّام فسكنت فانفتحت الدال لالتقاء الساكنين فمنه قوله تعالى : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) [البقرة : ١٢٨] على قراءة من سكّن الراء ومن النثر قولهم : منتفخ ومنتصب بسكون الفاء والصاد.

٥٠٣

مسألة : إذا اجتمعت الواو وسكّنت الأولى قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء الأخرى ، وقد ذكرنا علّة ذلك في البدل إلّا أنّ الاسم إذا كان على أربعة أحرف نحو : سيّد وميّت جاز فيه التّشديد وهو الأصل ، والتّخفيف بحذف الياء المنقلبة عن الواو ؛ لأنها قد غيّرت أولا بالإبدال فكانت أولى بالحذف ؛ لأن التغيير يؤنس بالتغيير ، وهذا يكثر فيما عينه واو لثقلها ، وقد جاء منه شيء في الياء فأمّا ريحان ففيه وجهان :

أحدهما : أصله روحان ، فقلبت الواو الساكنة ياء تخفيفا لانفتاح ما قبلها وشبهوها بالمتحركة في القلب كما فعلوا ذلك في آية وطائيّ.

والثاني : أصله ريّحان فيعلان من الرّوح ففعل فيه ما ذكرنا ، وأمّا شيبان ففيه الوجهان.

وقد جاءت الواو والياء غير مغيّرة قالوا : ضيون في السّنّور ، فتركوا القياس فيه تنبيها على الأصل ولقلّة استعمالهم إيّاه وقالوا في الأعلام : حيوة. والقياس : حيّة ، والأعلام يكثر فيها التغيير على ما بيّن في موضعه من النّداء والحكاية وغيرهما.

مسألة : إذا وقعت الواو ثانية بين ألف وكسرة في جمع أو مصدر قلبت ياء فالجمع مثل : حوض وحياض وقد ذكرنا علّته في البدل ، وأمّا المصدر فأبدلت منه الواو مثل حيال ؛ لأنه قد أعلّ في الفعل نحو حال فسرى الإعلال إلى المصدر فإن تحرّكت الواو في الواحد نحو : طويل لم تقلب في الجمع لقوّتها بحركتها في الأصل ، وقد جاء إبدالها في الشّعر فقالوا : طيال.

مسألة : إذا وقعت ألف التكسير بين واوين وجاورت الواو الطرف أبدلت همزة كقولك في جمع أوّل : أوائل ، وفي ذلك وجهان :

أحدهما : أنّه لمّا اجتمعت ثلاثة أحرف معتلّة غيّروا أحدها فرارا من الثّقل واجتماع ذرات العلل فكانت الأخيرة أولى بالتغيير لقربها من الطّرف ووقوع الثّقل بها لتكررها.

والثاني : أنّ الواو لو وقعت طرفا لغّيّرت فكذلك إذا جاورته ؛ لأن الجار يحكم عليه بحكم المجاور فإن اضطرّ شاعر إلى زيادة ياء بعد هذه الهمزة أقرّها ؛ لأن الزّيادة عارضة فحكم المجاورة باق وإن كانت الياء بعد الواو الثانية غير زائدة لم تهمز الواو لبعدها من الطّرف نحو : طواويس ، فإن حذفت هذه الياء لضرورة الشّعر لم تهمز الواو ؛ لأن الحذف عارض فحكم البعد عن الطّرف باق.

٥٠٤

واختلفوا فيما اذا وقعت ألف التكسير بين ياءين أو ياء وواو نحو : عيلة وعيائل وسيّقة وسيائق ، فمذهب سيوبية همز الأخير كما ذكرنا في الواو.

وقال الأخفش : لا تهمز هنا ؛ لأن الياء أخفّ من الهمزة ومعها من جنسها والياء لم تبدل همزة بخلاف الواو ؛ فإنّها قد أبدلت في وجوه وصحراوات ، وحجّة سيبويه السّماع والقياس فالسّماع ما رواه المازني أنّه سأل الأصمعي عن جمع عيّل فجمع وهمز والظّاهر أنّه سمعه ، وأمّا القياس فإنّ العلّة التي أوجبت الهمز في الواوين موجودة ههنا.

مسألة : إذا جمعت صحيفة ورسالة وعجوزا على صحائف ورسائل وعجائز همزت حرف المدّ ؛ لأنه جاور الطّرف وقبله ألف والإعلال لازم فكأن همزها جعلها حرفا صحيحا وكان ذلك تغييرا لحرف العلّة وأشبه في ذلك العين في قائل وبائع.

مسألة : نقول في جمع خطيئة خطايا ، وفي كيفيّة التغيير أقوال :

أحدها : أنّك ليّنت همزة خطيئة فبقي مثل : عطيّة ، فلمّا جمعت زدت الف التكسير وهمزت الياء الأولى ووقعت الياء بعدها فصار اللفظ خطا ، أي مثل : عذراء وعذاري ، ثم أبدلت من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ثم أبدلت الهمزة ياء ، وإنّما فعلوا ذلك فرارا من وقوع الهمزة بين ألفين ؛ لأن ذلك يصيّرها في تقدير ثلاث الفات أو ثلاث همزات ، وذلك مهروب منه وكانت الياء أولى من الواو ؛ لأنها أخفّ منها أو ؛ لأن أصلها الكسر وهو أشبه بالياء.

وقال الخليل : تجمع خطيئة على خطاأئى أي بهمزتين مثل سفائن فالهمزة الأولى مبدلة من الياء الزائدة والثانية لام الكلمة ثم قدّمت لام الكلمة على الهمزة الزائدة لتعود إلى أصلها وهي الياء ثمّ أبدل من الفتحة كسرة ومن الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ومن الهمزة ياء لما تقدّم ووزنه فعالى وفيه نقل وإبدال الهمزة المنقولة ياء وفتح المكسور وقلب الياء المتطرّفة ألفا وقلب الهمزة ياء وقال سيبويه كذلك إلا أنّه لم يقدّم شيئا على شيء.

مسألة : نقول في عطيّة ومطيّة عطايا ومطايا ، وقد أشرنا إلى كيفية تغييره وعلّة ذلك.

مسألة : تقول في جمع شاوية وراوية شوايا وروايا ، وكيفيّة ذلك أنّك جمعته على مثال فعائل مثل قائمة وقوائم فابدلت من الألف واوا وزدت بعدها ألف التّكسير وقلبت الواو التي هي عين همزة كما فعلت في عين قائمة فوقعت اللام وهي ياء هنا بعد الهمزة فصار شواأي ثم

٥٠٥

أبدلت الكسرة فتحة ثم أتممت العمل كما ذكرنا في خطيئة فصارت شوايا على فواعل ، وهنا اتّفق الخليل وسيبويه ؛ لأن اللام لا زائد قبلها.

مسألة : تقول في معيشة : معايش بغير همز ووزنه مفاعل وإنما لم يهمزوا ؛ لأن الياء أصل وإنّما يهمز الزّائد للفرق ، وقد همزها بعض القرّاء شبّهها بالزائدة ، وقد خطّؤوه.

مسألة : فأمّا مدينة فإن أخذتها من دان يدين إذا أطاع فكأنّ أهل المدينة أطاعوا رئيسها فههنا لا تهمز ؛ لأنها مثل : معيشة وإن أخذتها من مدن بالمكان إذا أقام همزت ؛ لأن ياءها زائدة ومثلها معين إن أخذته من غاينت الشيء لم تهمز بل تقول معاين وإن أخذته من معن إذا أقام همزته لما تقدّم.

مسألة : الياء في مصيبة عين مبدلة من واو ؛ لأنه من صاب يصوب فجمعها يجب أن يكون على مصاوب بغير همز مثل مقام ومقاوم ، إلّا أنّ العرب همزتها على خلاف القياس وهذا خلاف تركهم الهمز في بريّة وخابية والنّبيّ فإنّ الأصل في ذلك كلّه الهمز ، وقد تركوه فكذلك همزوا في مصائب ما ليس أصله الهمز.

مسألة : إذا اعتلّت عين فعل نحو : قال وباع وخاف ، ثمّ بنيت منه اسم فاعل زدت عليه ألفا لتفرّق بين الاسم والفعل فتقع الألف المبدلة بعدها وهما ساكنتان وحذف إحداهما يخلّ بمعنى وتحريك الاولى يخرجها عن المدّ ولأنّه لا حظّ لها في الحركة فحرّكت الثانية ؛ لأنها تستحقّ الحركة في الأصل وكسرت على أصل التقاء السّاكنين ، وإذا حرّكت الألف انقلبت همزة لما ذكرنا في غير موضع فصار اللفظ به بائعا وقائلا وخائفا ويجوز تليين هذه الهمزة لتحرّكها ولا يجوز أن تجعل ياء خالصة ولا واوا ؛ لأن ذلك من حكم الحروف التي لم تعلّ نحو قولك : في صيد البعير وعورت عينه ؛ لأنها صحّت في الماضي فتصحّ في اسم الفاعل.

مسألة : إذا أدغمت الواو والياء فيما بعدهما ولم تكن مجاورة للطّرف تحصّنت من القلب نحو : اخروّط اخروّطا واجلوّذا اجلوّذا ، وكذلك فلان من صيّابة قومه أي من خيارهم ولو بنيت من صاد يصيد فعّالا لقلت صيّاد ولم تغيّر ؛ لأنها تحصّنت لدخولها في حمى حرف متحرّك ممتنع عن التّغيير ، وقد أبدل في بعض المواضع نحو : ديوان ، وقد ذكرناه في البدل ، فإن جاور الطّرف فقد جاء فيه الوجهان قالوا : صيّم وقيّم وصوّم وقوّم والإبدّال أقوى لمجاورة الطّرف

٥٠٦

وهو محلّ التغيير والتصحيح على الأصل فقد قالوا فيما بعد عن الطّرف : نيّام ، والجيّد نوّام ، وطريق القلب أنّهم أبدلوا الواو الثانية ياء لقربها من الطّرف ولأنّها قد أبدلت في الفعل نحو : صام فاجتمعت الياء والواو وسبقت الأولى بالسكون ، فأبدلت ياء لما ذكرنا في موضعه وهذا البدل إنّما يجيء في الجمع لثقله وليس كذلك الواحد نحو : اخروّاط.

مسألة : إذا كانت عين الكلمة ولامها واوين نحو : جوي ودوي ، والأصل : جوو ودوو ؛ لأنه من الجوّ والدوّ قلبت الثانية ياء لئلا يجتمع المثلان ولم تدغم لثقل الواو والتّضعيف ولم تقلب الياء ألفا ؛ لأن ما قبلها مكسور فصار هذا الحكم مثل : شقي ورضي ، وهما من الواو لقولك في المصدر الشقوة والرّضوان وتقول في التّثنية جويا ، وفي الجمع : جووا فتحذف اللام هنا ؛ لأن أصله جويوا فاستثقلت الضمّة على الياء فسكّنت وبعدها واو الجمع ساكنة فحذفت الياء لالتقاء السكاكين وبقيت الواو لتدلّ على الجمع ثم ضمّت الواو التي هي عين تبعا لواو الضمير ولأنّها حرّكت بحركة الياء المحذوفة ونطيرها من الصّحيح العين عموا ونسوا ورضوا.

مسألة : فإن كانت العين واللّام ياءين نحو : حيي وعيي ففيه وجهان : التّصحيح الأصل والإدغام نحو : حيّ وعيّ فرارا من اجتماع الأمثال وطريقه أنّه سكّن الأوّل ليصحّ إدغامه وحمل على الصّحيح نحو : ضنّ بالشيء ، وأصله : ضنن مثل بخل ، فعلى هذا إن لحقته ألف التّثنية أو واو الجمع قلت على الوجه الأوّل حييا فجمعت بينهما ؛ لأنه موضع يجب فيه تحريك الحرفين ومع الواو حيّوا وعيّوا فتحذف الثانية لثقل الضمّة عليها كما ذكرنا في جووا.

وعلى اللغة الثانية وهو الإدغام حيّا وعيّا وحيّوا وعيّوا بالتّشديد فيهما مثل شدّا وشدّوا ، فإن بنيت هذا الفعل لما لم يسمّ فاعله انبنى ذلك على اللغات الثلاث في قيل فتقول على اللغة المشهورة : حيّ وعيّ ، فتنقل كسرة الياء الأولى إلى الحرف الأوّل وتدغم وإن أشرت هناك أشرت ههنا وإن جعلته مثل قول قلت : حيّ وعيّ ، فالأوّل مضموم والياء الأولى سكّنت وأدغمت في الثانية ، فإن عدّي هذا الفعل بالهمزة وهو لما لم يسمّ فاعله ، قلت على لغة التصحيح : أحيي وأعيي ، وفي الجمع : أحيّوا وأعيّوا فحذفت الياء الثانية لما تقدّم ، وعلى لغة من أدغم أحيّ مثل أقرّ ومع واو الجمع أحيّوا مثل : أقرّوا ، فإن سمّيت الفاعل قلت : أحيى

٥٠٧

فأبدلت الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح الياء الأولى وتقول مع واو الجمع أحيوا فتحذف الألف لسكونها وسكون واو الجمع وتبقى فتحة الياء تدلّ عليها. ومثل ذلك : استحيى وتحيّى ، وتقول في مستقبله : يستحيي بياءين من غير حذف ولا إدغام أمّا الحذف فلا حاجة إليه ؛ لأن الياء الثانية ساكنة مثل ياء يرمي ، وأمّا الاولى فقبلها ساكن فلم تثقل ، وأمّا الإدغام فممتنع أيضا ؛ لأنه لو أدغمت لضممت فكنت تقول تستحيّ مثل تستعدّ وهذا مستثقل جدّا فتحرّزوا منه بفكّ الإدغام ، وقد قال بعضهم استحيت منك بياء واحدة ساكنة وفتح الحاء وهو ضعيف ووجهه من طريقين :

أحدهما : أنّه نقل فتحة الياء الأولى إلى الحاء فانفتحت الحاء وسكّنت الياء وقلبها ألفا وبعدها ياء ساكنة فحذفت الألف لالتقاء السّاكنين ، ومنهم من قال : اجتمعت الياءان ساكنتين فحذفت الأولى ونظيره قولهم : مست وظلت وحست في مسست وظللت وحسست فسكّن السين الأولى واللام الأولى ثم حذفها لالتقاء الساكنين وبقيّ الأوّل مفتوحا ، ومنهم من ينقل هذه الكسرة إلى الأوّل فيكسره فيقول : مست.

والطريق الثاني : أن تكون الياء الأولى قلبت الفا لتحرّكها الآن وانفتاح ما قبلها في الأصل كما ذكرنا في استقام ، فإذا سكّنت الياء الثانية من أجل الضّمير حذفت الألف لالتقاء السّاكنين فقال استحيت مثل استقمت وهذا أضعف الوجهين.

مسألة : قد جاء من الأفعال ما عينه ولامه ياءان نحو حييّ وعييّ لا خلاف في ذلك وهذا علم بالسّبر والتقسيم.

فأمّا (السّبر) فإنّا سبرنا جميع أبنية الفعل فلم نجد فيها ما عينه ولامه واو بل وجدنا عكس ذلك وهو ما عينه واو ولامه ياء نحو : طويت وشويت ولو كان حيي منه لقلت حويت ووجدنا ما عينه ولامه واوان ولو كانت حييت منه لقلت حويت أيضا كما قالوا قويت من القوّة فثبت بهذا أنّ الياءين أصلان.

فأمّا (الحيوان) فقال المازنيّ الواو أصل غذ لا موجب لانقلابها عن شيء وزعم أنّ هذا الأصل لم يشتقّ منه فعل بل هو كقولهم : فاض الميت فيضا وفوضا فالياء توحّد في التصريف

٥٠٨

والواو لم يجيء منها فعل. وقال الباقون : أصل الواو ياء قلبت واوا لئلا تلتبس بالمثنّى وهو مثل جبيت الخراج وجبوته لغتان والياء هي المتصرّفة وأمّا حيوة ففيه شذوذ من وجهين :

أحدهما : قلب الياء واوا. والثاني : ترك الإدغام ، وقد ذكرنا وجه ذلك في موضعه.

مسألة : وممّا جاء عينه ولامه واوان الحوّة والقوّة فلو بنيت من هذا فعلا ثلاثيا قلت : حوي وقوي فأبدلت الواو الثانية ياء لانكسار ما قبلها ، فإن بنيت منه افعلّ مثل احمرّ قلت حوّى بواو مشدّدة مثل قوّى وسوّى وأصله احووو مثل أصل احمرّ فنقلت فتحة الواو الأولى إلى الحاء واستغني بذلك عن همزة الوصل وأدغمت الواو المسكّنة في الثانية وأبدلت الثالثة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت حوّى وإنما فعلوا ذلك لأنّهم لو بقّوا الكلمة على أصلها لقالوا يحووّ في المضارع فضمّوا الواو وهذا لا يجوز في الأفعال فأصاروه بالتغيير إلى ما يجوز.

فأمّا مصدر هذا الفعل فقياسه أن يفكّ فيه الإدغام وتقلب الألف همزة ؛ لأن الواو وقعت طرفا بعد ألف زائدة وهي الحادثة في المصدر فصار احوواء فنقلت كسرة الواو الأولى إلى الحاء واستغني عن همزة الوصل ففيه بعد هذا مذهبان :

أحدهما : حيواء قلبت الواو السّاكنة ياء لوقوعها بعد كسرة ولم تدغم فيما بعدها ؛ لأن سكونها عارض.

والمذهب الثاني : حوّاء ؛ لأن الواو لما سكّنت أدغمت في الأخزى فإن بنيت منه أفعال مثل احمار قلت : احواوى لأنّك لو أخرجته على الأصل لضممت الواو في المستقبل ، وذلك مرفوض فقلبت الواو الأخيرة ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ولم يحتج إلى تغيير آخر فالواو الأولى عين الكلمة والألف بعدها الزائدة والواو الثانية لام الكلمة والألف الأخيرة منقلبة عن الواو المكرّرة فأمّا مصدر هذا الفعل ففيه وجهان :

أحدهما : احويواء ، فالواو الأولى عين والياء منقلبة عن الألف الزائدة ولم تدغم فيما بعدها ؛ لأنها غير لازمة والواو الثانية لام والأالف التي بعدها الزائدة في المصدر قبل الطّرف والهمزة بدل من الواو المتطرّفة.

والوجه الثاني : احويّاء ؛ لأن الواو والياء اجتمعا وسبقت الأولى بالسّكون ففعل فيها ما هو القياس في نظائرها.

٥٠٩

مسألة : إذا كانت العين واللّام معتلّتين ودعت الحاجة إلى التّغيير فالقياس تصحيح الأوّل لبعده عن الطّرف وإعلال الثاني لتطرّفه ، وذلك مثل : حوى يحوى وطوى يطوي ، وقد جاء عكس ذلك قالوا غاية والأصل غيبة فأعلّوا العين وصحّحوا اللام وكذلك ثاية وراية وكأنّهم راعوا الطّرف من أجل الإعراب.

مسألة : في أصل آية أربعة أقوال :

أحدها : قول سيبويه هي فعلة بسكون العين فلو خرج على الأصل لكان أيّة فقلبت ألفا لثقل التّضعيف ولئلا تلتبس ب (أيّة) التي للاستفهام عن المؤنث.

والقول الثاني : أصلها فعلة بفتح العين فقلبت ألفا لوجود علّة ذلك.

والقول الثالث : أصلها آيية مثل ضاربة فكان القياس أن تقول آيّة مثل دابّة فحذفت الياء الأخيرة تخفيفا وهو قول الكسائيّ ووزنها على هذا فاعة.

والقول الرّابع : أصلها أيية مثل كلمة فقلبت ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

مسألة : إذا كانت عين الثّلاثي ياء ساكنة وجعلتها صفة أقررتها نحو : طيبى وكيسى وإن جعلتها اسما ضممت الأوّل فصارت الياء واوا ، مثل : طوبى وكوسى ليفرق بين الاسم والصفة وكان التغيير بالاسم أولى ؛ لأنه أخفّ من الصفة فإن كانت اللام ياء وكان ذلك صفة على فعل بفتح الأول أقررتها نحو : الخزيا والصّديا ، وإن كانت اسما مثل التّقوى والشّروى قلبت الياء واوا للفرق أيضا فإن كانت الكلمة على فعلى بضمّ الأوّل واللام واو أقررتها في الاسم مثل حزوى وأبدلتها في الصّفة نحو : الدّنيا والعليا للفرق أيضا.

فإن قيل : قلم غيّرت هنا في الصفة وهناك في الاسم؟

قيل : فعل ذلك إيثارا للتخفيف ، وبيانه من وجهين :

أحدهما : أن فعلى مضمومة الأوّل.

والثاني : أنّ الواو أثقل من الياء فجعل في الاسم ؛ لأنه أخفّ.

وأمّا الصّفة فثقيلة حوّلت فيها الواو إلى الياء ؛ لأنها أخفّ بخلاف فعلى فأمّا قصوى فهي صفة ، وقد خرجت على الأصل وهو شاذّ منبه على الأصل في الجميع ، ومثله في المفتوح ريّا

٥١٠

وكان القياس في الاسم روّى وفي الصفة ريا ، ولكنه جاء بالعكس على الشّذوذ ، وكذلك العوّى وهي من عوى يده يعويها إذا لواها فالعوّى نجوم مجتمعة.

فهي من هذا الأصل وكان القياس عيّا في الصفة فسوى بينهما هذا على لغة من قصر ، ومنهم من يمدّها وكان قياس ذلك أن يقول عياء ؛ لأن الاسم هنا تقلب فيه الواو ياء وأجود ما قيل فيه أن تكون الألف نائة عن إشباع فتحة الواو فوقعت ألف التأنيث بعدها فقلبت همزة.

مسألة : إذا كانت لام فعلاء الممدودة واوا صحّت في الصّفة نحو : القنواء والعشواء ، وإن كانت اسما قلبت ياء نحو : العلياء اسم موضع وفعلوا ذلك للفرق أيضا فأخرجوا الصّفة على الأصل مثل : خزيا وغيّروا في الاسم مثل تقوى وليست العلياء تأنيث الأعلى لتكون صفة ؛ لأن تأنيثه عليا بالضمّ والقصر الفضلى والوسطى ولو كان صفة لكان علواء مثل : قنواء.

مسألة : ليس في الكلام ما فاؤه ولامه واوان إلّا قولهم : واو وهذا الحرف اختلف في الألف التي بينهما فقال قوم أصلها ووو فتكون الكلمة كلّها من مكرّر الواو كما جاء في بيّة وفي قولهم : هذا الشيء ببّان ، فإنّ الكلمة مركّبة من تكرير الباء وحجّة هذا القائل أنّه وجد الألف في قولك : كاف ودال ونحوهما منقلبة عن واو لقولهم : كوّفت كافا ودوّلت دالا وهذا القياس في ميم وجيم إلّا أنّ الواو قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

وقال آخرون : أصل الألف في الواو ياء فرارا من تجانس الثّلاثة وليس كذلك في بقية الحروف ، فإنّه لا يلزم من جعل الألف عن واو اتّحاد الحرف ، وقد جاءت الفاء واللام ياءين مثل يديت ، وقد تقدّم ذكره ، وقد جاءت العين واللّام ياءين على ما ذكرنا في حيي ، وقد جاءتا واوين نحو : قوّة وحوّة ، وقد جاءت العين واوا واللام ياء نحو طويت وشويت وهو الأكثر ، وقد جاءت الفاء واوا واللام ياء نحو وقيت ووفيت ولم يأت ما عينه ياء ولامه واو البتة إلّا ما قاله أبو عثمان في الحيوان ، وقد ذكرناه قبل.

مسألة : إذا وقعت الواو والياء طرفا بعد ألف زائدة قلبتا همزة ، وقد ذكرنا علّة ذلك وكيفيّته في باب الإبدال ، فإن وقعت تاء التّأنيث بعدها فمن العرب من يبقي الهمزة لوجهين :

أحدهما : أنّه شبّه ذلك بقائل وبائع لمجاورته الطّرف.

٥١١

والثاني : أنّه أبدل قبل دخول تاء التأنيث ، ثمّ أدخل تاء التأنيث بعد ذلك فلم يغيّر ، ومنهم من يجعلها واوا أو ياء عباية وشقاوة ؛ لأنها ليست الآن طرفا.

مسألة : الأصل في طاغوت : طغيوت ؛ لأنه من طغى يطغى طغيانا ، ثمّ قدّمت الياء قبل العين وقلبت ألفا لوجود شرط القلب فوزنه الآن فلعوت محوّل عن فعلوت مثل ملكوت ، وقيل : أصل الألف واو وهي لغة في طغا ؛ ولذلك تقول في الجمع : طواغيت ، وعلى القول الأوّل تكون الواو مبدلة من الألف ؛ لأنها في اللفظ تشبه ألف فاعل.

وأمّا (طالوت) فوزنه إذا جعل عربيا : فعلوت من طال يطول فلا قلب فيه.

وأمّا (جالوت) فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون من جال يجول فيكون وزنه فعلتا فعلوتا.

والثاني : أن يكون من جلا يجلو فيكون مقلوبا ووزنه فلعوت مثل طاغوت.

٥١٢

باب ما يمتحن فيه من الأبنية

اعلم أنّ التصريفيين ذكروا من هذا الفنّ أمثلة كثيرة قصدوا بها إثبات علم التّصريف في الأذهان بالرّياضة والعمل ، وذلك أدعى إلى ترسّخ هذا العلم في القلب كما أنّ الحاسب لا يحكم علم الحساب إلّا عمل وتدرّب على العمل ، والأصل في ذلك أنّك إذا قلت : ابن من كذا مثل كذا معناه أن تأخذ الحروف الأصول من الكلمة المطلوب بناؤها فتقابل بها الفاء والعين واللام ثم تغيّر الكلمة المذكورة بالحركة أو السّكون أو الزيادة ما تماثل به الكلمة المطلوب مماثلتها وما كان فيها من زيادة تأتي به في المثال بعينها.

فصل : ولا يبنى من الشّيء مثله من كلّ وجه فلو قال : ابن من غزا مثل ضرب لم يجز ؛ لأن مثال غزا ضرب فهو مبنيّ على مثاله قبل سؤاله ، ويجوز أن يبنى من الثلاثيّ ثلاثيا يخالفه في شيء ما ، ومن الثّلاثي رباعيا وخماسيا وتكرّر فيه ما تكرّر في المطلوب مثاله ولا يبنى من رباعيّ ولا خماسيّ أقلّ منه ؛ لأن ذلك نقض لا بناء وسنذكر على ذلك أمثلة تكشف المقصود إن شاء الله تعالى.

مسألة (١) : إذا قيل : ابن من ضرب مثل علم أو ظرف أو كلّم ، قلت : ضرب وضرب وضرّب فإن قال : ابن منه مثل دحرج قلت : ضربب فكررت الباء ؛ لأنها لام الكلمة كما أنّ دحرج مكرّر اللّام ، فإن بنيت منه مثل درهم قلت : ضربب فجعلت حركات البناء وسكناته مثل حركات درهم وسكناته وإن بنيت منه مثل سبطر قلت : ضربّ ومثل زبرج ضرب ومثل جخدب ضربب فأمّا جخدب بفتح الدال ، فعلى الخلاف يجوز عند الأخفش أن تقول : ضربب ولا وجود لهذا المثال عند سيبويه ، وإن بنيت منه مثل سفرجل قلت : ضربب هذا تسوق بقية الأمثلة.

وتقول في مثال : جوهر وصيرف وحاتم ضروب وضيرب وضارب ، وهكذا في جميع الزّيادات تأتي بها بعينها إلّا أن يمنع من ذلك مانع مثاله إذا قيل ابن من ضرب مثل عنسل لم تقل ضنرب ؛ لأن النّون الساكنة تدغم في الرّاء لقربها منها في المخرج ، وإذا أدغمتها لم يكن

__________________

(١) للماضي من الأفعال خمسة وثلاثون وزنا. ثلاثة منها للثّلاثيّ المجرّد ، واثنا عشر للثلاثيّ المزيد فيه ، وواحد للرباعي المجرّد ، وسبعة للملحق به ، وثلاثة للرباعي المزيد فيه ، وتسعة للملحق به.

٥١٣

فصل بين ما تزاد فيه النون وبين ما تكررت فيه العين وكذلك إن قال : ابن من علم مثل عنسل لأنّك لو فعلت ذلك لقلت علّم ، وإن أظهرت النّون خالفت باب الإدغام وكذلك إن بنيت منه مثل عمل ؛ لأن النون الساكنة تدغم في الميم وهذا يتضح كل الاتضاح في باب الإدغام وسنذكره إن شاء الله تعالى ، وإنّما تقع الصّناعة فيما بني من المعتلّ وما يشبهه وعليه أكثر المسائل.

مسألة في الهمز

إذا قيل : ابن من قرأ مثل : دحرج (١) أو جعفر قلت : قرأا فقلبت الهمزة الثانية ألفا لثقل الجمع بين الهمزتين ، وكانت الألف أولى لسكونها وانفتاح ما قبلها ، فإن بنيت مثل درهم أبدلت الهمزة أيضا إلّا أنك تكسر أوله فإن بنيت منه مثل : زبرج قلبت الثانية ياء لانكسار ما قبلها فتصير في الإعراب مثل قاض.

وإن بنيت مثل : برثن فقلبت الثانية ياء وكسرت الهمزة الأولى لتصير إلى مثل أدل ، ولو قيل : تبدل الثانية واوا ثمّ تغيّر تغيير أدل لكان وجها من أجل الضمّة الأولى ، فإن بنيت منه مثل جردحل صار معك ثلاث همزات الأولى مفتوحة والثانية ساكنة والثالثة طرف فتدغم الساكنة في التي بعدها ثم تغّير ذلك لاجتماع الهمزات بأن تقلب الهمزة السّاكنة ياء لتحجز بين الهمزتين وتكسر الأولى تبعا للياء ولا تغيّر الأولى ولا الثانية لأنّك أيّهما غيّرت بقيت همزتان لا فاصل بينهما.

وإن بنيت مثل (سفرجل) قلت : قرأيأ فأبدلت الوسطى المفتوحة ياء وبقيت قبلها همزة ساكنة ولم يغيّر غيرها لما تقدّم ، فإن بنيت منه مثل : جحمرش ، قلت : قرأإء فأبدلت الثّانية ياء ثم قلبتها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فإن بنيت منه مثل : جحنفل ، قلت : قرأيأ فقلبت الثانية ياء ثم ألفا لما تقدّم.

مسألة : إذا بنيت من قال وباع مثل : كتف ، قلت : قال وباع فقلبتهما ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما وإن جعلتهما على قول من سكّن التّاء من كتف قلبتهما أيضا ؛ لأن التّغيير عارض.

__________________

(١) إن كانت أحرف الموزون الأصليّة أربعة ، فتكرّر لام الميزان ، فيقال في وزن دحرج «فعلل» والمزيد في منه تكرّر لامه أيضا ، كما تكرّر في الأصليّ ، فتقول في وزن احرنجم «افعنلل» وفي وزن اقشعرّ «افعللّ».

٥١٤

وإن بنيت منهما مثل : جعفر ، قلت : قولل وبيعع فلم تغيّر.

وإن بنيت من غزا ورمى مثل : كتف ، قلت : غز ورم فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلهما فصار مثل شج وعم.

وإن بنيت منهما مثل : درهم ، قلت : غزوا ورميا فقلبت الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ولم تغيّر الأولى لسكون ما قبلهما ومثله إن بنيت منهما مثل جعفر.

فإن بنيت منهما مثل : سفرجل ، قلبت الأخيرة ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ولم تغيّر الأولى ولا الثّانية للتحصّن بالإدغام فتقول غزوّا فإن بنيت مثل جحمرش ففيه وجهان :

أحدهما : غزوو فقلبت الثالثة ياء لكونها طرفا بعد كسرة.

والثاني : غزواو فتقلب الوسطى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ولم تغيّر الأولى لسكون ما قبلها وما بعدها وإلّا تجمع بين إعلالين وكلّ من هذه علّة مستقلّة فكيف إذا اجتمعت ولم تغيّر الاخيرة ؛ لأن قبلها ألفا أصلية فليست مثل كساء ورداء.

مسألة : إذا بنيت من غزا وعفا مثل : صمحمح ، قلت : غزوزى وعفوفي فكرّرت العين واللام وقلبت الواو الأخيرة الفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

فإن بنيت من غزا مثل : عنكبوت ، قلت : غزوووت على الأصل ثم تقلب الواو الوسطى المضمومة ياء وتحذفها لئلا تجتمع ثلاث واوات ، ومثل ذلك لو بنيت مثله من رميت لقلت رميوت فحذفت الياء الثانية لئلا تجتمع ياءان بعدهما واو ، وإن شئت حذفت واو غزوووت من غير قلب وهو أوجه.

مسألة : فإن بنيت من أوى مثل : عنكبوت ، كان في الأصل أوييوت فتكرّر الياء ، وقد اجتمعت الواو والياء وسبقت الاولى بالسّكون فتقلبها ياء وتدغمها في الياء الأخرى فتصير أيّيوت ثم تحذف الياء الأخيرة لئلا تجتمع ثلاث ياءات فبقي أيّوت ، فإن بنيت مثله من وأى كان الأصل وأييوت فتحذف الياء الثانية فيبقى وأيوتا ، فإن بنيت مثله من آءة وهي شجرة فالأصل أن تقول أوءؤوت بهمزتين بعد الواو الأولى فتقلب الهمزة الآخرة ياء ثمّ تحذفها فيبقى أوءوت.

٥١٥

مسألة : فإن بنيت من حيي مثل : عصفور ، قلت : حيويّ على لفظ النسب والأصل حيّوي بثلاث ياءات فأدغمت الأولى في الثانية لسكونها واجتمعت الواو والياء الأخيرة وشرط القلب فيها موجود فصار اللفظ بها حيّيّا بياءين مشدّدتين فقلبت الثانية واوا فصار حيويّا مثل : أمويّ ، فإن بنيت مثلها من وأى فالأصل أن تقول ويؤوي فلام الكلمة ياء فتجتمع الواو والياء والأولى ساكنة فتصير إلى الياء المشددة والياء الأولى خفيفة مضمومة فيصير ويؤيّ ، فإن بنيت مثلها من أوى قلت : أيّيّ ثم تصير إلى لفظ النسب فتقول أيويّ.

٥١٦

باب ما يعرف به المقصور من الممدود

قد ذكرنا في أوّل الكتاب : أنّ المقصور لا يكون إلا في المعرب ، فإن سمّي شيء من المبنيات مقصورا أو ممدودا فعلى التجوّز لوجود مدّ الصوت فيه أو قصره واعلم أنّ كثيرا من الممدود والمقصور لا يعرف إلّا سماعا ، والمرجع في ذلك إلى كتب اللغة ، وإنما يذكر في هذا الباب ما يعرف به المقصور والممدود من المقاييس ، والأصل في ذلك أن تحمل الكلمة التي تشكّ في قصرها أو مدّها على نظيرها من الصحيح ، فإن كان قبل الحرف الصحيح المقابل لألف الكلمة التي يشكّ فيها ألف فهي ممدودة وإلا فهي مقصورة إلّا أن يردّ السّماع بذلك ، وإن لم يجز أن تكون قبله ألف فهو مقصور البتة (١).

أمثلة ما يعرف به المقصور وهي أربعة :

الأوّل : المصدر ، وشرطه : أن يكون فعله على فعل يفعل فهو أفعل أو فعل أو فعلان فالأوّل العشي والعمى ؛ لأن فعلهما عشي وعمي يعشى ويعمى فهو أعشى وأعمى.

والثاني : الصّدى والطّوى ؛ لأن فعلهما صدي وطوي يصدى ويطوى فهو صديان وطيّان.

والثالث : الهوى والرّدى ؛ لأن فعلهما هوي وردي يهوى ويردى فهو هو ورد ، ونظير ذلك كلّه من الصحيح قرع يقرع قرعا فهو أقرع وعطش يعطش عطشا فهو عطشان ونصب ينصب نصبا فهو نصب.

ومن شروط المصدر المقصور أيضا أن يكون على مفعل بفتح الميم ثلاثيا كان أو أكثر نحو المسرى والمدعى ؛ لأن نظيره من الصّحيح المضرب والمقتل ومن الزائد أعطى معطى واستدعى

__________________

(١) الاسم المقصور : هم اسم معرب آخره ألف ثابتة ، سواء أكتبت بصورة الألف كالعصا ، أم بصورة الياء كموسى.

ولا تكون ألفه أصليّة أبدا وإنما تكون منقبلة ، أو مزيدة.

والمنقلبة ، إما منقلبة عن واو كالعصا ، وإما منقلبة عن ياء كالفتى ، فإنك تقول في تثنيتهما «عصوان ، وفتيان».

والمزيدة ، إما أن تزاد للتأنيث كحبلى وعطشى وذكرى ، فإنها من الحبل والعطش والذكر. وإما أن تزاد للإلحاق كأرطى وذفرى. الأولى ملحقة بجعفر والأخرى ملحقة بدرهم. وتسمى هذه الألف «الألف المقصورة».

٥١٧

مستدعى ونظيره من الصحيح أخرج مخرجا واستكرم مستكرما ولفظ هذا المصدر على لفظ اسم المفعول ومن شروطه أنّ كلّ مصدر كان على فعّيلى فهو مقصور نحو الخلّيفى والخطّيبى وأما أي الخلافة والخطابة ، وأمّا الخصّيصى فمقصورة وحكى الكسائي فيها المدّ وهو بعيد ، والله أعلم.

فصل : والقسم الثاني : من أقسام المقصور اسم المفعول وهو كلّ معتلّ اللام زائد على ثلاثة أحرف فاسم المفعول منه مقصور نحو : أعطي فهو معطى وحلّي هو محلّى وعوفي فهو معافى واستدعي فهو مستدعى واشتري فهو مشترى ؛ لأن نظائر هذه المصادر من الصحيح ليس قبل آخره ألف.

فصل : وأمّا القسم الثالث : فمما جاء من الجموع مقصورا.

أمّا ما كان من المفردات على فعلة مثل عروة أو على فعلة مثل : لحية وكسوة فجمعه مقصور ، نحو : عرى ولحى وكسى ومن الجموع المقصورة ما كان واحده على فعيل أو فاعل أو فعل أو أفعل ما كان آفة أو علّة نحو : جريح وجرحى ومريض ومرضى وأسير وأسرى وهالك وهلكى ومائق وموقى وزمن وزمنى ووجع ووجعى وأحمق وحمقى وأنوك ونوكى نعوذ بالله منها.

فصل : وأمّا القسم الرابع : فمما جاء من نحو : القهقرى والجمزي والبشكى والخوزلى ، وهذا أكثر ما يكون فيما كانت حروفه الصحيحة كلّها متحركة ؛ لأنه جاء في المصادر على نحو مجيء النّزوان والغليان.

فصل : وأمّا الممدود (١) المعروف من جهة القياس ، اعلم أنّ الممدود كلّ اسم آخره همزة قبلها ألف وهذه الهمزة على أربعة أوجه :

__________________

(١) الاسم الممدود هو اسم معرب ، آخره همزة قبلها ألف زائدة ، مثل «السّماء والصّحراء». (فان كان قبل آخره ألف غير زائدة فليس باسم ممدود ، وذلك مثل «الماء والداء». فهذه الألف ليست زائدة ، وانما هي منقلبة. والاصل «موء ودوء». بدليل جمعهما على «أمواء وأدواء»). وهمزته إمّا أن تكون أصلية ، كقرّاء ، ووضّاء لأنهما من «قرأ ووضوء».

٥١٨

أحدها : أن تكون أصلا نحو : قرّاء ووضّاء ؛ لأنه من قرأ ووضؤ.

والثاني : أن تكون مبدلة من أصل نحو : كساء ورداء ؛ لأنه من الكسوة والرّدية.

والثالث : أن تكون بدلا من ملحق نحوك حرباء وعلباء ، هو ملحق بسرداح وسربال.

والرابع : أن تكون للتأنيث نحو : حمراء وصحراء.

والممدود من هذا الباب على أربعة أقسام :

أحدها : في المصادر وهو كلّ مصدر ماضيه أربعة أحرف على أفعل معتلّ اللام فهو ممدود نحو أعطى إعطاء وأغنى إغناء ؛ لأن نظيره من الصحيح أحسن إحسانا وأكرم إكراما فقبل آخره ألف زائدة.

ومن المصادر الممدودة ما كان فعله على أكثر من أربعة أحرف وفي أوّله همزة وصل ومن معتلّ اللّام نحو : اعتلى اعتلاء وارعوى ارعواء وانشوى اللحم انشواء واستدعى استدعاء واحرنبى الديك احرنباء واقلولي اقليلاء وكذلك الباقي ؛ لأن نظيرها من الصحيح قبل آخره ألف نحو الانطلاق والاحمرار وما أشبهها.

ومن المصادر الممدودة ما كان فعله المعتلّ اللام على فاعل نحو : رامى رماء ووالى ولاء ؛ لأن نظيرهما من الصحيح قاتل قتالا ومن المصادر الممدودة ما كان صوتا معتلا على فعال نحو : الدّعاء والثّغاء والعواء ؛ لأن نظيرها من الصحيح الصّراخ والنّباح وعلى فعال النّداء والنّزاء ، فأمّا البكاء فهو صوت ، وقد جاء فيه المدّ والقصر.

ومن المصادر الممدودة ما كان على تفعال نحو : التّقضاء والتّشراء ؛ لأنه نظير التكرار والتّسيار.

فصل : والقسم الثاني : من الممدود ما يستدلّ عليه بالجمع.

__________________

ـ وإمّا أن تكون مبدلة من واو أو ياء. فالمبدلة من الواو مثل «سماء وعدّاء» وأصلهما «سماو وعدّو» لأنهما من «سما يسمو ، وعدا يعدو». والمبدلة من الياء ، مثل «بنّاء ومشّاء» ، وأصلهما «بناي ومشاي» لأنهما من «بنى يبني ، ومشى ويمشي». وإما أن تكون مزيدة للتأنيث كحسناء وحمراء ، لأنهما من الحسن والحمرة.

وإما أن تكون مزيدة للإلحاق كحرباء وقوباء.

٥١٩

كلّ جمع على أفعلة من المعتلّ اللام فواحده ممدود نحو هواء وأهوية وخباء وأخبية ؛ لأن نظيرهما من الصحيح قبل آخره ألف نحو : حمار وأحمرة وقذال وأقذلة فأما أندية في جمع ندى فالوجه فيه أنه جمع ندى على نداء مثل جبل وجبال ثم جمع الجمع على أفعلة.

ومن الجموع الممدودة : ما كان على فعال وأفعال نحو : ظبي وظباء واسم وأسماء وحيّ وأحياء ؛ لأن نظيرها من الصحيح أجمال وأكباد وأحمال.

ومن الجموع الممدودة : كلّ ما كان واحده على فعيل مضاعفا أو معتلا فجمعه على أفعلاء وهمزته للتأنيث نحو : شديد وأشدّاء وغنيّ وأغنياء وصفيّ واصفياء ونبيّ وأنبياء.

ومن الجموع الممدودة : ما كان على فعلاء نحو : علماء وظرفاء ، فهذا مختصّ بما كان واحده مذكرا نحو : فعيل غير مضاعف ولا معتلّ نحو عليم وظريف ، وقد جاء منه في المؤنث حرفان قالوا : امرأة سفيهة وسفهاء وفقيرة وفقراء فأمّا خليفة فقد يجمع على خلفاء وهو للمذكر وفيه وجهان :

أحدهما : أنّه لما اختصّ بالمذكّر كان بمنزلة ما لا تاء فيه.

والثاني : أنّه يجمع على خليف ثم يقال : خلفاء فعلى هذا هو من الباب وأمّا خلائف فجمع خليفة أيضا وهو القياس نحو : كريمة وكرائم.

فصل : والقسم الثالث : من الصّفات كلّ مؤنث مذكّره أفعل لا تلزمه الألف واللام ولا تدخل عليها تاء التأنيث ولا هو بمعنى أفعل من كذا فهو ممدود نحو : أحمر وحمراء وأصفر وصفراء.

فصل : والقسم الرّابع من الأسماء الخارجة عمّا ذكرنا نحو : صحراء وخنفساء وما أشبه ذلك كلّها ممدودة.

وأمّا ما يدرك بالسّماع فما عدا ما ذكرنا ، والله أعلم.

٥٢٠