اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

مسألة : يقال وتد بكسر التاء ثم تسكّن على مثال كتف وكتف ، ومنهم من يبدل التاء دالا ويدغمها لما تقدّم.

فصل في إبدال الجيم :

قد أبدلت من الياء السّاكنة في الشّعر وهو كالضرورة ، وعلّة ذلك : أنّها من مخرجها والجيم أبين منها ، وذلك كقول الشاعر : [الرجز]

يا ربّ إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

أقمر نهّات ينزّي وفرتج

وأمّا قول الآخر :

خالي عويف وأبو علج

المطعمان اللحم بالعشج

وبالغداة فلق البرنج

يقلع بالودّ وبالصيصج

فإنّه قدّر الوقف على الياء فسكّنت ثمّ أبدلها جيما مشدّدة ثم كسر بعد ذلك ، والقياس أن لا تبدل المتحركة ؛ لأنها قويت وبانت بحركتها ، وأمّا الصّيصيّ فأصلها التخفيف ؛ لأن الواحد صيصة خفيفة الياء وإنّما شدّد على لغة من يشدّد في الوقف نحو هذا خالد ثم كسرها لما تقدّم ، وأمّا قول العجاج :

حتّى إذا ما أمسجت وأمسجا

فالأصل : أمست وأمسى فحذفت الألف من اللفظ الأوّل لسكونها وسكون التّاء بعدها ، فلمّا اضطرّ عاد إلى الأصل وهو الياء ولم يتركها متحركة ؛ لأن حكمها عند ذلك القلب فأبدلها جيما ليمكنه النطق بها فجمع بين أمرين :

أحدهما : ترك النطق بالياء المتحركة مع ما يقتضي قلبها.

وثانيهما الإتيان بحرف من جنس رويّ القصيدة ولا يلزم تغييره.

٤٨١

فصل في إبدال اللّام

قد أبدلت في أصيلال والأصل أصيلان وإنّما جاز ذلك لقرب مخرجها والمكبّر منه أصلان والواحد أصيل مثل : رغيف ورغفان ، وفيه أقوال قد ذكرت في باب التصغير فأمّا إبدال لام التعريف إلى جنس الحرف بسبب الإدغام فيذكر في باب الإدغام.

فصل : إذا أردت أن تزن الكلمة بعد الإبدال ففيه قولان :

أحدهما : أنّك تعيدها إلى الاصل ثم تزنها على ذلك.

والثاني : أنها أنك تزنها على لفظها بعد الإبدال ومثال ذلك إذا قيل ما وزن ازدجر فتقول على المذهب الأوّل افتعل ، وعلى المذهب الثاني افعل وتقول في ادّرأ افتعل ، وعلى الثاني افّعل وتقول في ازدان افتعل ، وعلى الثاني افعل وتقول في ودّ فعل مثل كتف ، وعلى الثاني فلّ بتشديد اللّام لأنّك قلبت العين إلى لفظ اللّام.

٤٨٢

باب الحذف

وهو على ضربين : حذف لعلّة فيطّرد أين وجدت ، وحذف لا لعلّة فيقتصر فيه على المسموع.

فالأوّل يكون في أحرف أحدها الواو إذا وقعت بين ياء مفتوحة وكسرة حذفت كقولك :

في وعد ووزن يعد (١) ويزن وعلّة ذلك أنّ الواو من جنس الضمّة وهي مقدّرة بضمّتين والكسرة التي بعدها من جنس الياء التي قبلها ووقوع الشيء بين شيئين يخالفانه مستثقل يفرّ منه لا سيّما إذا غلب الشيئان على الشيء الواحد ، وقد وجد ذلك ههنا ؛ لأن الياء متحرّكة فهي كثلاثة حركات والكسرة رابعة والواو كحركتين والمتجانسات أكثر فغلبت يدلّ عليه أنّهم استثقلوا الخروج من كسر إلى ضمّ لازم وهذا في حكمه ولا بدّ في الحكم الذي ذكرناه من تقييد الياء وبالفتحة ؛ لأن الياء إذا ضمّت تثبت الواوك يوعد ويولد إذا سمّيت الفاعل.

وعلّة ذلك : أنّ الواو جانسها ما قبلها وهو ضمّ الياء فقويت لمجانستها ولم يبق إلّا الكسرة وحدها.

فإن قيل : فقد قال بعض العرب وجد يجد بضم الجيم وقد حذف؟

قيل : الأصل الكسر وإنّما ضمّت الجيم على الشذوذ بعد أن استقرّ الحذف.

فإن قيل : فقد قالوا وهب يهب ووسع يسع فحذفوا مع انفتاح ما بعدها؟

__________________

(١) أن يكون الفعل معلوما مثالا واويّا على وزن «يفعل» ، المكسور العين في المضارع ، فتحذف فاؤه من المضارع والأمر ، ومن المصدر أيضا ، إذا عوّضص عنها بالتاء كيعد وعد وعدة.

(فإن لم يعوض عنها بالتاء فلا تحذف. فلا يقال «وعد وعدا» لعدم التعويض. ولا يجوز الجمع بينهما ، فلا يقال «وعدة» ، إلا أن تكون التاء مرادا بها المرة ، أو النوع ، لا التعويض كوعدته عدة واحدة ، أو عدة حسنة.

وإن كان الفعل مجهولا لم تحذف كيوعد. وكذلك إن كان مثالا يائيا كيسر ييسر أو كان مثالا واويا على وزن «يفعل» المفتوح العين. كيوجل ويوجل. وشذ قولهم «يدع ويذر ويهب ويسع ويضع ويطأ ويقع» بحذف الواو مع انها مفتوحة العين).

الثالث أن يكون الفعل معتلّ الآخر ، فيحذف آخره في امر المفرد المذكر كاخش وادع وارم ، في المضارع المجزوم ، الذي لم يتصل بآخره شيء كلم يخش ، ولم يدع ، ولم يرم. غير أن الحذف فيهما لا للإعلال ، بل للنيابة عن سكون البناء في الأمر ، وعن سكون الإعراب في المضارع.

٤٨٣

قيل : الفتحة عارضة والأصل الكسر وإنّما فتحوا من أجل حرف الحلق والعارض يعتدّ به.

فإن قيل : فقد قالوا يولد فأثبتوها مع اجتماع الضمّة والواو إذا انفتح ما بعدها فهلا استثقلوا الضمّات؟

قيل : لا تنافر بين المتجانسات بل بين المتضادّات ، ولذلك لم يحذفوا الياء إذا وقعت بين ياء وكسرة نحو : يسر ييسر ويمن ييمن ويئس ييئس ، وقد قال بعضهم : يئس بياء واحدة بعدها همزة ، وذلك شاذّ شبّهوا الياء فيه بالواو بسبب الهمزة.

فأمّا ورث يرث فلا ينقض ما أصّلناه ؛ لأن الواو قد وقعت بين ياء مفتوحة وكسرة وإنّما الشّذوذ في مجيء فعل يفعل بكسر العين فيهما ليس ممّا نحن فيه.

فإن قيل : كيف حذفت الواو في أعد وتعد ونعد ولا علة إذ ليس قبل الواو ياء؟

قيل : فعلوا ذلك ليطّرد حكم الفعل المضارع لاشتراك أنواعه وله نظائر فمنها أنهم حملوا نكرم وتكرم ويكرم على أكرم.

فإن قيل : الواو في يوعد قد وقعت قبل الكسرة ولم تحذف؟ قيل : عنه جوابان :

أحدهما : ما تقدّم من أنّ قبلها ضمة.

والثاني : أن الأصل يؤوعد بهمزة ، وقد حذفت فلو حذفت الواو لأجحف بالكلمة.

فإن قيل : فلم حذفت في يذر؟

قيل : كان القياس كسر الذال إلا أنها فتحت حملا على يدع ، وقد ذكرت العلّة فيه.

فصل : فإن انفتح ما بعد الواو نحو وجل يوجل لم تسقط لعدم العلّة ومن العرب من يقلب هذه الواو ألفا فيقول ياجل وهو شاذّ ، والوجه فيه الفرار من ثقل الواو بعد الياء فقلبت حرفا من جنس الفتحة قبلها ، ومنهم من يقلبها ياء ساكنة لتجانس ما قبلها ، ومنهم من يكسر حرف المضارعة إتباعا.

فصل : كلّ فعل حذفت واوه لوقوعها بين ياء وكسرة حذفت في مصدره وعوّض منها تاء التأنيث نحو : عدة وزنة ، والأصل وعدة فحذفت الواو هنا كما حذفت في الفعل والوجه في

٤٨٤

ذلك أنّ الواو هنا مكسورة ، وقد أعلّت في الفعل فأعلّت في المصدر ليلازمها ، وكانت الكسرة فيها كالياء قبلها في الفعل إلّا أنّه عوّض منها تاء التأنيث لئلا يدخل الوهن بالكلّيّة على الأسماء التي هي الأصول وليست موضعا للتصريف فإن حذفت التاء أعدت الواو مفتوحة فقلت وعد ووزن لزوال علّة الحذف.

فإن قيل : فقد قالوا وجهة فجمعوا بين العوض والمعوّض ففيه وجهان :

أحدهما : ليست مصدرا بل هي اسم للجهة المتوجّه إليها.

والثاني : يقدّر أنّها مصدر ولكن خرجت على الأصل تنبيها على أنّ القياس الإتمام في الجميع وهذا كما قالوا : القود والأود واستحوذ فلم يعلّوا لما ذكرنا.

٤٨٥

فصل في حذف الهمزة

فمن ذلك همزة أفعل إذا وقعت بعد همزة المضارعة ؛ فإنّها تحذف لئلّا يجمع بين همزتين خصوصا متحركتين فإذا كانوا لم يجمعوا بينهما مع سكون الثّانية فالحذف مع الحركة أولى ، وذلك نحو : أكرمت أكرم والأصل أؤكرم ، مثل : دحرجت أدحرج فحذفت الثّانية لما ذكرنا ، ولم تحذف الأولى لدلالتها على الاستقبال والمتكلّم فأمّا اسم الفاعل والمفعول نحو : مكرم ومكرم فالهمزة فيه محذوفة لبنائه على الفعل واشتقاقه منه وليس كذلك مصدره ؛ فإنّها لا تحذف فيه نحو الإكرام فأمّا بقية الافعال المضارعة فتحذف فيها الهمزة طردا للباب وكذلك اسم الفاعل والمفعول نحو : ونكرم ويكرم ومصدرها خارج عن الأصل وهو أحد ما يدلّ على أنّ الفعل مشتقّ من المصدر إذ لو كان بالعكس لحذفت همزته كما حذفت في اسم الفاعل والمفعول ، وقد خرج ذلك على الأصل في ضرورة الشعر نحو : يؤكرم ويقوّى ذلك أنّ العلّة في الأصل لم توجد ههنا وهي اجتماع الهزتين ؛ ولذلك لم يأت في الضّرورة أؤكرم.

فصل : فإن كانت الهمزة أصلا وضوعفت العين بعدها أو أو لم تضعّف نحو : أسس وأخذ وأكل أبدلت مع همزة المتكلّم واوا إذا انضمّت وألفا إذا انفتحت نحو أؤسس وأاخذ وأاكل أمّا إبدالها واوا فللضمّة قبلها وإبدالها ألفا للفتحة قبلها ولا يجوز جعلها بين بين ؛ لأن ذلك تقريب لها من الألف ولا يكون ما قبل الألف إلّا مفتوحا وإن كانت بعد غير الهمزة فتحقيقها هو الوجه نحو نأكل وتأكل ويأكل ويؤسّس وتخفيفها جائز بإبدالها واوا خالصة.

فصل : وأمّا ما يحذف للجزم فقد ذكر في باب الجوازم مستوفى وكذلك ياء المنقوص السّاقطة لالتقاء السّاكنين وألف المقصور.

فصل : واختلفوا في واو مفعول ممّا عينه معتلّة نحو مقول ومبيع وأصله مقوول ومبيوع ، وقد جاء منه على الأصل قالوا : مسك مدووف وثوب مصوون وهو في الياء أكثر ، وقد قالوا : طعام مكيول ومزيوت وتفّاحة مطيوبة فقال الخليل وسيبويه المحذوف منه الواو الزائدة.

وقال أبو الحسن الأخفش : المحذوف عين الكلمة وحجّة الأوّلين من وجهين :

٤٨٦

أحدهما : أنّ حذف الزائد أولى إذا لم يخلّ حذفه بمعنى وهنا لا يخلّ بمعنى إذ ليس في اللفظ فرق بين الحذفين ، وإنّما ذلك أمر تقديري حكميّ والمعنى مفهوم على التقديرين جميعا فإبقاء الاصليّ على هذا أولى.

والوجه الثاني : أنّ الأصل في هذا المثال أن تدلّ الميم وحدها مع حركة العين على معنى المفعول كما في اسم الفاعل نحو : مقيم ومكرم فكذلك يجب أن يكون في مفعول وإنّما قصدوا بالواو الفرق بين الثلاثي والرباعي نحو : مكرم ومضروب ، والفرق حاصل بينهما سواء حذفت الأصليّ أو الزائد ويقوّى ذلك أن المحذوف لو كان الأصليّ لقلت مبوع إذ لا حاجة إلى قلب الواو ياء إذ كان في قلب الواو ياء حذف أصل وقلب زائد وفي حذف الزائد إقرار الاصليّ فكان أولى ، وإذا تقررت هذه القاعدة فإنّ الحذف على مذهب سيبويه أن تحذف الزائد وتنقل حركة الواو إلى القاف فوزنه مفعل بضم الفاء وإسكان العين وعلى قول الأخفش نقلت ضمة الواو الأولى إلى القاف فاجتمع ساكنان فحذفت الأولى ، وأمّا في مبيع فإنّ ضمّة الياء تقلب العين فاجتمعت الواو والياء ساكنين فحذفت الواو وكسرت العين لئلّا تنقلب الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، وحجّة الأخفش : أنّ الزّائد دخل لمعنى فكان ما قبله المحذوف كياء المنقوص وألف المقصور إذا نوّنا ، وما ذكرناه في حجّة الأوّلين جواب عن هذه الشبهة.

فصل : ومثل هذه المسألة الاستعانة والإرادة ؛ لأن الأصل فيهما استعوانة وإروادة ؛ لأنّهما مصدر استفعل وأفعل ونظيره من الصحيح استقبالة وإقبالة إلّا أنّ الواو تحركت وانفتح ما قبلها في الأصل فقلبت ألفا فاجتمعت ألفان فحذفت الثّانية عند سيبويه والأولى عند أبي الحسن وعليهما ما تقدم وجعلت الهاء عوضا من المحذوف ، وقد جاءت مع الإضافة بغير هاء كقوله تعالى : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) فكان المضاف إليه عوضا من الهاء أو من المحذوف.

٤٨٧

باب ما حذف على خلاف القياس

اعلم أنّ هذا الباب يقتصر فيه على المسموع ولا يقاس إذ لا علّة تقتضي الحذف فيطّرد وهذا الحذف يكون في الحروف والحركات فالحروف عشرة أوّلها الهمزة ، وقد حذفت فاء وعينا ولاما ، فالفاء قد حذفت في مواضع :

الأوّل قولهم : من أكل وأخذ وأمر كل وخذ ومر والأصل اأكل فالهمزة الأولى وصل.

والثانية : فاء الكلمة إلّا أنّهم حذفوا الثانية تخفيفا لثقل الجمع بين الهمزتين ، وكان القياس قلب الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، وقد جاء أومر غير حذف على الأصل فأمّا مع واو العطف فلم يأت إلا على الأصل كقوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) [طه : ١٣٢] ، وأمّا أختاها فبالحذف على كلّ حال فأمّا أجر يأجر وأسس يؤسس فلا يحذف فيه وفي أمثاله البتة بل تقول أؤجره وأوسس ؛ لأن السّماع لم يرد إلّا في الامثلة الثّلاثة ولا علّة تجوّز ذلك.

الموضع الثاني : ناس والأصل عند سيبويه أناس فعال من الإنس فحذفت الهمزة تخفيفا فوزن ناس على هذا عال ولا تكاد تستعمل إلّا بالألف واللّام كأنّهما عوض من المحذوف.

وقال آخرون : لا حذف في ناس بل هو فعل من ناس ينوس نوسا إذا تحرّك فالنّاس يتحركون في مراداتهم ولا يكاد أناس يستعمل بالألف واللام ، وقد جاء ذلك قليلا قال الشاعر : [مجزوء الكامل]

إنّ المنايا يطّلعن

على الأناس الآمنينا

الموضع الثالث : قولهم في إيت من أتى إذا جاءت قال الشاعر : [الطويل]

ت لي آل زيد واندهم لي جماعة

وسل آل زيد أيّ شيء يضيرها

والوجه في ذلك أنّه شبّه الهمزة التي هي فاء الكلمة بالواو في وفى إذ كانت الهمزة تقلب إلى الواو نحو : صحراوات والواو إلى الهمزة ، نحو : أجوه فكما تحذف الفاء واللام هناك في الأمر كذلك تحذف الهمزة والياء هنا ، وقيل : شبّهه ب (كلّ) وفيه بعد.

الموضع الرّابع اسم الله تبارك وتعالى ، وفي أصله قولان :

أحدهما : لاه ثم أدخلت عليه الألف واللّام وفخّمت اللّام إلّا أن ينكسر ما قبلها ولا حذف فيه على هذا.

٤٨٨

والقول الثاني : أصله إلاه وهو فعال من أله يأله إذا عبد فإلاه فعال بمعنى مفعول أي معبود ثم ألقيت حركة الهمزة على لام التعريف فالتقت اللّامان فسكّنت الأولى وأدغمت في الثّانية وفخمّت ، وقال أبو عليّ : حذفت الهمزة من غير نقل وعلى هذا يكون العمل أقلّ ؛ لأن لام التعريف تبقى على سكونها ثم تدغم فوزنه الآن العال وصار لزوم الألف واللام عوضا من المحذوف ؛ ولذلك جاز قطع الهمزة في النداء والألف على القول الأوّل بدل من أصل وهو ياء لأنّهم قالوا في مقلوبه لهي أبوك وعلى القول الثاني هي زائدة.

فصل : وأمّا حذف الهمزة عينا فقولهم في مضارع رأى وأخواتها يرى ، والأصل يرأى فنقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت فوزنه الآن يفل وكذلك ما تصرّف منه نحو : أرى زيد عمرا بكرا فهو مر والمفعول مرى ، فأمّا رائي اسم فاعل من رأى يرى فهو خارج على الأصل مثل راعي ، وقد جاء في الشّعر تاما للضرورة فقال الشّاعر وهو سراقة البارقيّ : [الوافر]

أري عينيّ ما لم ترأياه

كلانا عالم بالتّرهات

فصل : وممّا حذفت الهمزة منه وهي لام قولهم : سؤته سواية ، والأصل : سوائية مثل كراهية ورفاهية فحذفت الهمزة وهي لام ؛ لأنه من ساء مثل ساع والياء زائدة كما زيدت في كراهية.

مسألة : اختلف الناس في أشياء هل هي جمع شيء أم لا؟

على قولين : فقال بعضهم : هي جمع شيء مثل بيت وأبيات وترك صرفه لكثرة الاستعمال وهذا بعيد جدّا ؛ لأن كثرة الاستعمال لا توجي منع الصّرف عند الجميع.

وقال آخرون : جمع على أشياء شاذا كما قالوا : سمح وسمحاء فجاؤوا به على الشذوذ ثم حذفت الهمزة الأولى لاجتماع همزتين بينهما ألف والألف تشبه الهمزة كأنّها ثلاث ألفات أو ثلاث همزات فوزنه الآن أفعاء.

وقال الفرّاء : أصله شيّئ مثل هيّن ثم جمع على أشيياء وعمل به بعد تخفيف الواحد على ما ذكرنا على مذهب أبي الحسن.

وقال الخليل وسيبويه : أصلها شيئاء اسم الجنس مثل حلفاء وقصباء فقدّمت الهمزة الأولى لما تقدّم فوزنه الآن لفعاء.

٤٨٩

فصل : واعلم أنّ شيئا على التّحقيق مصدر شاء يشاء شيئا ثم جعل اسما عامّا لكلّ موجود ولكلّ معدوم عند من قال المعدوم شيء.

فأمّا على قول الآخرين فليست مصدرا وهي على ثلاثة أقوال :

أحدها : أصلها شيئاء ثم قدّمت الهمزة الأولى على ما ذكر.

والثاني : أصلها شيّئ مثل هيّن ثمّ جمع على أشيئاء مثل أهوناء ثمّ حذفت الهمزة الأولى لما تقدّم.

والثالث : شيّئ مثل صديق واصدقاء ثم حذفت الهمزة أيضا.

وفيها قول رابع : أنّ الواحد شيء ثم جمع على أشياء شاذا كما قالوا : سمح وسمحاء فأجروا فعلاء مجرى فعيل في الجمع ك عليم وعلماء.

فإن قيل : فقد قالوا في جمع أشياء أشاوى ولو كان واحده على شيئاء لما جمع على ذلك؟

قيل : لمّا قدّمت الهمزة أو حذفت على القول الآخر صار لفظها على لفظ صحراء فالهمزة بإزاء الصّاد والشّين بإزاء الحاء والياء بإزاء الرّاء والألف فيهما زائدة للمدّ والهمزة الأخيرة مبدلة من ألف التأنيث ، وكما جمعت صحراء على صحارى جمعت أشياء على أشاوى فالألف الثالثة حادثة للجمع والواو بدل من الياء والالف الأخيرة بدل من ياء ، وكان القياس أشاوي كما كان في صحاري فالياء فيهما بدل من ألف المدّ والمبدلة من ألف التأنيث محذوفة وهذا مثل شملال في أنّ الألف تقلب ياء ثم أبدل من كسرة الواو فتحة فصارت الياء ألفا.

فإن قيل : لو كانت جمعا لما صحّت إضافة الثلاثة إلى العشرة إليها ، وقد صحّت فدلّ أنّها أفعال كما يقال ثلاثة أثواب؟

قيل : لمّا أصارها التغيّر إلى مثال أفعال جاز ذلك فيها.

٤٩٠

فصل في حذف الألف

القياس أن لا تحذف ؛ لأنها في غاية الخفّة وهي جارية مجرى النّفس لا تنقطع على مخرج ، وقد حذفت في الشّعر لإقامة الوزن والوجه في ذلك قلّة الاحتفال بها لفرط خفّتها وأنّ الفتحة تغني عنها وكأنّها ليست حرفا فمن ذلك قولهم : المعل في الشعر يريد المعلّى ولهف في لهفى وقال قوم أم والله يريدون أما والله ؛ لأنها يفتتح بها الكلام مثل ألا ، وقيل : معناها حقّا وفيه بعد وقالوا يا أبت يريدون الألف المصرّح به في قول الراجز :

يا أبتا علّك أو عساكا

وقالوا : يابن أمّ ، والأصل يابن أمّا محوّل عن يابن أمّي وكذلك يابن عمّ ، وقيل : لا حذف هنا بل ابن مركب مع أمّ مثل خمسة عشر وقالوا لم وبم فحذفوا الألف من ما الاستفهامية مع حرف الجرّ فرقا بينها وبين الخبريّة.

٤٩١

فصل في حذف الواو

قد حذفت فاء نحو يعد وعد وعدة ، وقد ذكر وحذفت عينا فقالوا لوسط الحوض ثبة وأصلها ثوبة من ثاب يثوب ؛ لأن الماء يثوب إلى ذلك الموضع أي يرجع ومنه الثّواب والإثابة والمثابة فأمّا الثّبة بمعنى الجماعة فالمحذوف منها لامها وهي واو لقولهم تثبّينا أي اجتمعنا وليس دليلا على كونها ياء ؛ لأنها قد وقعت رابعة ويدلّ على أنّها واو أنّ الأكثر في هذا الباب حذف الواو ، وقد حذفت حذفا صالحا قالوا أب والأصل أبو لرجوع الواو في التثنية والجمع والفعل قالوا : ماله أب يأبوه ، وقالوا : أبوان وآباء ، والأصل في ابن بنو لقولهم البنوّة ولم يسمع في شيء من اشتقاقه الياء وليس كذلك الفتى لأنّهم قد قالوا الفتيان فلذلك لم تدلّ الفتوّة على الواو.

وقيل : أصله بنيّ ؛ لأنه من بنى يبني فكأنّ الابن من بناء الأب لكونه متولّدا عنه.

وقالوا : (أخ) فحذفوا الواو لقولهم : أخوان والإخوة والإخوان.

والأصل في هن : هنو لقولهم : هنوات.

فأمّا (ذو) فأصلها ذوي ؛ لأن باب طويت وشويت أكثر من باب قوّة وحوّة فالمحذوف منها الياء.

فأمّا (حمء) فالأكثر أنّه من الواو لقولهم حموان وفيه لغة أخرى حم مثل : غد ، والأصل :

غدوّ ، لقولهم : غدا يغدو ، وقد جاء تامّا.

وقالوا : (قلة) والأصل الواو لقولهم : قلوت بالقلة وهي عصيّة يلعب بها الصّبيان.

وقالوا : (ظبة) والأصل الواو.

فأمّا كرة ففيها قولان :

أحدهما : المحذوف منها اللام وهي واو لقولهم : كروت بالكرة ، وفي شعر المسيّب بن علس (١) : [الكامل]

 ... كأنّما

تكرو بكفّي لاعب في صاع

__________________

(١) المسيب بن علس : (١٠٠ ـ ٤٨ ق. ه / ٥٢٥ ـ ٥٧٥ م) هو المسيب بن مالك بن عمرو بن قمامة ، من ربيعة بن نزار. شاعر جاهلي ، كان أحد المقلّين المفضلين في الجاهلية. وهو خال الأعشى ميمون وكان الأعشى راويته. وقيل اسمه زهير ، وكنيته أبو فضة. له ديوان شعر شرحه الآمدي.

٤٩٢

والقول الثاني : المحذوف منها العين ؛ لأنها من كار العمامة يكورها كورا إذا دوّرها والكرة كذلك.

فصل في حذف الياء

قد حذفت لاما في يد ويدلّ على أنّ الأصل الياء قولك : يديت إليه يدا إذا أسديت إليه نعمة وسمّيت النعمة يدا ؛ لأن الإنعام بها يكون أو لأنها نعمة إذا كانت آلة البطش ، وقد جاء في الشّعر : [الكامل]

يديان بيضاوان عند محلّم

قد تمنعانك أن تذلّ وتضهدا

وقد قالوا في الجمع أيد وهو أفعل ، وذلك يدلّ على سكون عين الكلمة في الأصل ؛ لأنه مثل فلس وأفلس فأمّا أياد فأكثر ما يأتي في جمع يد النعمة ، وقد جاء في الجارحة ، وإذا رجع المحذوف فعند سيبويه بفتح الدّال ؛ لأن الحذف فيها كالأصل والتّمام عارض فأبقيت حركتها وعند أبي الحسن يردّ إلى السّكون الذي هو الأصل.

وقد حذفت الياء من دم واصله دمي لقولهم في التثنية : دميان وقال بعضهم دموان وقالوا في الفعل دميت مدمي وهو محتمل الأمرين والأكثر الياء ، وقد جاء في الشّعر دما مثل عصا مقصورا متمما وهو أحد القولين في قوله : [الرّمل].

فإذا هي بعظام ودما

وفي قول الآخر : [الطويل]

ولكن على أقدامنا يقطر الدّما

وقالوا في مئية : مئة فحذفوا الياء وهو الأصل ، وقالوا في الفعل منه : أمأيت الدراهم وهو أفعلت من هذا الأصل ، وحكى الأخفش : أخذت منه ميئية على التمام ، وحذف الياء أقل من حذف الواو ؛ لأن الواو أثقل منها وحذف الأثقل أقرب إلى القياس وحذف الياء أكثر من حذف الألف ؛ لأنها أثقل منها ، وإذا أشكل أمر اللام المحذوفة فاحكم على كونها واوا عند أبي الحسن أخذا بالأكثر وعلى كونها ياء عند سيبويه لخفائها وجعلها تبعا للحركة في هاء الضمير ونحوها.

٤٩٣

فصل في حذف الهاء

قد حذفت لاما في مواضع وعلّة ذلك شبهها بحروف العلّة وربّما كانت أضعف منها ؛ لأنها تقع وصلا في الشعر متحركة وليس كذلك حروف العلّة ، فمن ذلك شاة والأصل شوهة بسكون الواو وهو أقيس فحذفت الهاء وتحرّكت الواو لتطرّفها فانقلبت ألفا ، وقيل : الواو متحركة في الأصل فانقلبت لتلك الحركة ويدلّ على أنّ الأصل الهاء قولهم : (تشوّهت شاة) أي صدتها وقالوا في الجمع شياه ، وأمّا قولهم في الجمع : (شاء) فقيل قلبت الواو ألفا والهاء همزة مثل ماء ، وقيل : هو أصل آخر والمعنى متّحد ، وقد قالوا أشاويّ وهو أصل ثالث ولا واحد له من لفظه.

ومن ذلك : (شفة) حذفت منها الهاء يدلّ على أنّ أصلها ذلك قولهم في التصغير : شفيهة ، وفي الجمع : شفاه ، وفي الفعل : شافهته مشافهة.

ومن ذلك فم والأصل فوة لقولك : فويه وأفواه ورجل أفوه ومفوّه وتفوهت فحذفت الهاء وأبدل من الواو ميم ، وقد ذكر في البدل. ومن ذلك سنة.

وفي المحذوف قولان :

أحدهما : الهاء لقولك : عاملته مسانهة وليست بسهناء.

والثاني : الواو لقولهم : سنوات ومساناة وابدلوا منها التاء ، فقالوا : أسنتوا فعلى هذا تصغّر على سنيهة وسنيّة.

ومن ذلك : (أست) والأصل : ستهة ، لقولهم : ستيهة واستاه ، ورجل ستاهى عظيم الاست.

ومنهم من يحذف التاء فيقول : (سه) ومنه الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العينان وكاء السّه» (١).

__________________

(١) أخرجه الدارمي في سننه من حديث معاوية بن ابي سفيان (٧٢٢) ، وأخرجه البوصيري في إتحاف الخيرة (٨٩٦) ، وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (٣٤٣٣) ، وأخرجه ابن عدي في الكامل ج ٢ / ٢٠٨.

٤٩٤

ومن ذلك : (عضّة) وهي واحدة العضاه من الشجر والمحذوف منها الهاء لقولهم في الجمع : عضاه ، وعضهت الإبل إذا أكلت العضاه ، وبعير عضهيّ وعضاهي ، وقيل : المحذوف منها الواو لقولهم في الجمع عضوات ، وقد جاء في الشعر ومن هذا الأصل قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : ٩١] أي : فرّقوه كما تفرّق شعب الشّجرة.

فصل في حذف الباء

قالوا في ربّ : رب بالتخفيف كراهية التضعيف ، وقد قرئ به.

فصل في حذف النون

قالوا في إنّ الثقيلة المفتوحة والمكسورة : (إن وأن) بسكون النون ، وقد ذكرنا عملهما في بابهما.

وقالوا في منذ مذ ، وقد ذكرنا في بابها.

فصل في حذف الحاء

قالوا في الحرح : (حرّ) والأصل حرح لقولهم : حريح وأحراح ، وقد جاء في الشعر.

فصل : وقد حذفت الخاء من بخّ فقالوا : (بخ) بسكون الخاء ، وهي كلمة تقال عند استعظام الشيء يقال : بخ بخ وبخ بخ.

(مهدد) ووزنه فعلل ملحق بجعفر إذ لو كانت الميم زائدة لقال : مهدّ ، فأدغم وكذلك يأججّ ومأجج وزنهما فعلل إذ لو لم يكن كذلك لأدغم.

فصل : وقد حذفت الفاء من سوف فقالوا : سوافعل ، حكاها ثعلب وحذفوها من أفّ ، فقالوا : أف بالإسكان وهي كلمة تقال عند التضجّر بالشيء ، وفيها تسع لغات : أفّ بضم الفاء وتشديدها وحرّكت بالضمّ إتباعا وتفتح ميلا إلى الخفّة في الحرف المضاعف وتكسر على أصل التقاء الساكنين ، وإذا كانت معرفة لم تنوّن وكان التقدير : أتضجّر التضجّر وإن كانت نكرة نوّنت على اللغات المذكورة ويقال أفّي على الإمالة ويقال تفّ بالتاء.

٤٩٥

باب أبنية الأفعال (١)

الأفعال على ضربين : ثلاثية ورباعيّة ؛ فالثلاثيّة صحيحة ومعتلّة ، فالصحيحة على ثلاثة أمثلة : ضمّ العين وفتحها وكسرها ، فأمّا الفاء فلا تكون إلا مفتوحة إلّا أن تنقل إليها حركة العين فتضمّ أو تكسر ، فالضمّ كقولك في حسن : حسن بضمّ الحاء وإسكان السّين ، ويجوز فتح الحاء وإسكان السّين على التخفيف.

والكسرة لعب وشهد يجوز كسر الفاء وإسكان العين وكسر هما على الإتباع وفتح الأوّل وإسكان الثاني وهذا يكثر في حروف الحلق.

وأمّا فعل ما لم يسمّ فاعله فقد ذكر في بابه.

وأمّا الرباعيّة فلها مثال واحد وهو : فعلل ، وقد ذكر في أوّل التصريف.

فصل : وأمّا الثلاثيّ المعتلّ فعلى ثلاثة أضرب : معتلّ الفاء ومعتلّ العين ومعتلّ اللام.

الأوّل نحو : وعد وورد ومستقبله يعد بحذف الواو ، وقد ذكرنا علّته وما يرد عليه من الإشكالات في باب الحذف.

ومن المكسور العين : وجل يوجل ، وفيه أربع لغات ؛ أجودها : إثبات الواو لعدم علّة التغيير ، والثانية : إبدالها ألفا إيثارا للتخفيف ؛ لأنها لم تخفف بالحذف فخففت بالإبدال ، والثالثة : إبدالها ياء ، فقالوا : ييجل إيثارا للتّجانس ، والرابعة : كسر ياء المضارعة مع الياء الثانية إتباعا.

__________________

(١) لكلّ فعل ميزان يوزن به. والميزان يتألّف من ثلاثة أحرف ، وهي «الفاء والعين واللام». فيقال «كتب» على وزن «فعل» و «يكتب» على وزن «يفعل» و «اكتب» على وزن «افعل».

ويقال لأحرف «فعل» ميزان ، ولما يوزن بها «موزون».

ويسمى ما يقابل فاء الميزان من أحرف الموزون. «فاء الكلمة» ، وما يقابل عينه «عين الكلمة» ، وما يقابل لامه «لام الكلمة». فإن قلت «كتب» ، فتكون الكاف فاء الكلمة ، والتاء عينها ، والباء لامها.

ويجب أن يكون الميزان مطابقا للموزون حركة وسكونا وزيادة أحرف. فإن قلت «كرم» كانت على وزن «فعل». وإن قلت «أكرم» كانت على وزن «أفعل». وإن قلت «كسر» كانت على وزن «فعل» وإن قلت «انكسر» كانت على وزن «انفعل» وهلّمّ جرّا.

وكلّ ما يزاد في الموزون يزاد في الميزان هو بعينه ، إلا إن كان الزائد من جنس أحرف الموزون فيكرّر في الميزان ما يماثله ، فيقال في وزن عظّم «فعّل» ، وفي وزن أغرورق «إفعوعل» وفي وزن إحمارّ «افعالّ».

٤٩٦

وأمّا فعل يفعل من هذا الباب فلا يجيء من هذا أصلا ، وإنّما تفتح عينه في لأجل حرف الحلق ويبقى حكم كسرها وهو حذف الواو نحو : وقع يقع.

فصل : وأمّا المعتلّ العين بالواو نحو : عاد يعود ، وجاب الأرض يجوبها ، فأصله فعل بفتح العين يفعل بضمّها ولم يأت إلا كذلك ، وكان الأصل يعود بسكون العين وضمّ الواو مثل :

قتل يقتل فاستثقلت الضمّة على الواو فنقلت إلى ما قبلها وبقيت ساكنة ومن أجل ذلك تقول في الأمر عد وقل ؛ لأن ما بعد حرف المضارعة فقد تحرّك فاستغني عن همزة الوصل وهذا إسكان متحرك وتحريك ساكن وهو المسمّى تغييرا ، فإن اتصل بهذا الفعل تاء الضمير نحو :

قلت وعدت نقلته من فعل بفتح العين إلى فعل بضمّها فصار التقدير قولت مثل : ظرفت ، ثمّ نقلت ضمة الواو إلى القاف فسكّنت الواو وبعدها ساكن فحذفت الواو لالتقاء الساكنين وبقيت الضمّة تدلّ عليها ، وإنّما فعلوا ذلك توصّلا إلى حذف الواو.

فإن قيل : فهلا أقرّوها ألفا وحذفوها مع التّاء لالتقاء الساكنين وتركوا القاف بحالها مفتوحة؟

قيل : لو فعلوا ذلك لم يفرّق بين ذوات الياء والواو والفرق بينهما مطلوب.

فإن قيل : فهلا زعمت أنّ أصل هذا الفعل فعل بضمّ العين وكنت تستغني عن كلفة التّغيير؟

قيل : لا يصحّ ذلك ؛ لأن فعل لا يجيء متعديا وهذا الباب جنسه يتعدّى نحو عدت المريض وجبت الأرض ألا ترى أنّ ما كان منه على فعل لازما نحو : طال الشّيء ضدّ قصر ، حكمه على ما ذكرت من أنّ ضمّة الواو تقلب إلى ما قبلها ، وحذفت ولم يقل : إنّها غيّرت من فعل إلى فعل ، وأمّا طاله يطوله إذا فضل عليه في الطّول وهو الفضل فمثل جاب الأرض يجوبها.

فصل : وقد جاءت من هذا الباب لفظتان مخالفتان له وهما : مات ودام ، وفيهما ثلاث لغات :

١ ـ الجيّدة : مات يموت ودام يدوم كأخواتها فعلى هذا تقول : متّ ودمت ، ـ بضم الأول ـ.

٤٩٧

٢ ـ واللغة الثّانية : مات يمات ودام يدام على فعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل فعلى هذا تقول : متّ تمات ودمت تدام مثل خفت تخاف.

٣ ـ واللّغة الثّالثة : مركّبة من اللّغتين وهي : متّ ودمت بكسر الميم والدال أموت وأدوم على اللغة الأولى.

فصل : وقد جاء من الواو فعل يفعل نحو : خاف يخاف ، فتحرّكت الواو في الماضي وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فأمّا المستقبل ففي علّة الانقلاب وجهان :

أحدهما : أنّ الواو تحرّكت في الأصل وسكون ما قبلها عارض بسبب حرف المضارعة فأعلّت نظرا إلى الأصل.

والثاني : أنّ الواو نقلت حركتها إلى ما قبلها فسكّنت وانفتح ما قبلها فقلبوها ألفا حملا للمستقبل على الماضي فإذا رددته إلى نفسك قلت : خفت ، فنقلت كسرة الواو إلى الحاء كما فعلت في قلت ، وتقول في الأمر : خف من غير همزة الوصل للعلّة المتقدّمة.

فصل : فإن كانت العين ياء جاء على ضربين : فعل يفعل ، مثل ضرب يضرب ك باع يبيع فتحركت الياء وانفتح ما قبلها في الماضي فقلبت ألفا فأمّا في المستقبل فنقلت كسرة الياء إلى الباء لثقل الكسرة عليها وبقيت ساكنة ، فإن رددته إلى نفسك نقلته من فعل إلى فعل توصّلا إلى حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها كما فعلت في قلت ، فإن أمرت قلت : بع بغير همزة لما تقدّم.

والضّرب الثاني : جاء على فعل يفعل مثل علم يعلم نحو : هاب يهاب والألف أصلها ياء لقولك : تهيّبت والهيبة ففعل فيها ما فعل في خاف ، وتقول : هبت فتنقل كسرة الياء إلى الهاء كما ذكرنا ، وتقول في الأمر : هب ، فتفتح الهاء كما فتحت الخاء في خف ؛ لأنها مفتوحة في يخاف ويهاب ، وأمّا كاده يكيده من المكر فمثل باعه يبيعه ، وأمّا كاد يكاد التي للمقاربة فمثل هاب يهاب وهي من الياء ، وقد جاء فيهما لغة أخرى كدت بضمّ الكاف أكاد بضمّ الألف فالمستقبل على الأصل والماضي مغيّر من فعل إلى فعل كما جاء فضل يفضل على الشّذوذ وهذا نقيض متّ أموت.

٤٩٨

فصل في الفعل المضاعف

وهي تجيء على ثلاثة أضرب : فعل يفعل نحو : ردّ يردّ ، وفعل يفعل نحو : عضّ يعضّ ، وفعل يفعل نحو : فرّ يفرّ ، والأصل في ذلك كلّه حركة الحرف الثاني ، إلّا أنّهم استثقلوا الجمع. بين المثلين ، وسبب ذلك أنّه إذا نطق بالحرف ثم نطق بمثله عاد إلى الموضع الذي رفع لسانه عنه من غير فصل وفي ذلك كلفة ، وقد شبّهوا ذلك بمشي المقيّد كالذي يتحرك للمشي ولا يفارق موضعه فعند ذلك سكّن الحرف الأوّل ولم تنقل حركته إلى ما قبله في الماضي ؛ لأن أوّل الماضي متحرك فلم يحتمل حركة غيره.

فأمّا في المستقبل فكلّهم ينقل حركته إلى ما قبله ؛ لأن ما بعد حرف المضارعة ساكن يقبل الحركة ثم أدغموا العين في اللّام فصار يردّ ويعضّ ويفرّ هذا إذا كان الفعل معربا بالحركة ، فإن كان مجزوما أو مبنيّا على السكون نحو لم يردّ وردّ ففيه مذهبان :

أحدهما : الإدغام استثقالا للنّطق بالمثلين ، إلّا أنّ المثلين إذا كان مضموم الأوّل جاز تحريك الطّرف بالضمّ إتباعا وبالفتح إيثارا للأخفّ ، وبالكسر على أصل التقاء السّاكنين ولا بدّ من التحريك لئلّا يجمع بين ساكنين ، والأجود في المجزوم أن لا يحرّك بالضمّ لئلا يشبه الرفع وإن كان أوّله مفتوحا أو مكسورا نحو : عضّ وفرّ جاز فيه الكسر على الأصل والاتباع والفتح تخفيفا أو إتباعا وإنّما سكّن الأوّل ليصحّ إغامه ؛ لأن المتحرك قويّ بحركته فلا يصحّ رفع اللّسان عن الحرفين رفعة واحدة مع تحرّك الأوّل ؛ لأنها تصير كالحاجز بينهما ولا يصحّ الإدغام فإن بني الماضي لما لم يسمّ فاعله فالوجه ضمّ أوّله على الأصل ويجوز كسره بأن ينقل حركة المدغم إليه.

وأمّا قال وباع فالجيّد كسر الأوّل وقلب الواو ياء ويجوز أن يشمّ الضمّ ، وأن يضمّ ضمّا خالصا فتصير العين واوا بكلّ حال.

٤٩٩

فإن جعلت هذا الفعل لما لم يسمّ فاعله واتّصلت تاء الفاعل كان لفظه كلفظ ما سمّي فاعله كقولك : بعت يا عبد ، وخفت يا سلطان ، بمعنى باعك غيرك وخافك سواك والإشمام جائز.

ومن مسائل المعتلّ العين صيد البعير وعورت عينه ، وقد ذكرنا أنّه صحّ ؛ لأنه في معنى ما يلزم تصحيحه.

ومنها سوط الألف والواو والياء في الأمر نحو : خف وقم وبع لالتقاء الساكنين ؛ فإن حرّكت الطّرف حركة لازمة رددت المحذوف نحو : بيعت وخيفت كانت الحركة عارضة لم تردده ؛ لأنه غير لازم نحو خف الله وقم الليل وسر اليوم.

ومنها انقلاب الواو والياء ألفا في المضارع نحو : يخاف ويهاب ، والأصل : يخوف ويهيب فنقلت حركة العين إلى الفاء وأبدلت الواو والياء ألفا.

فإن قيل : ولم كان كذلك وهما ساكنان ففيه وجهان :

أحدهما : أنّ سكون الفاء هنا عارض لحرف المضارعة فلم يعتدّ به وكأنّها تحرّكت وانفتح ما قبلها وهي معنى قولهم : قلبت لتحرّكها الآن وتحرّك ما قبلها في الأصل.

والثاني : أنّ الواو والياء هنا يثقل النطق بهما وإن سكّنا فأبدلا ألفا ؛ لأنه أخفّ منهما ومثله أقام واستبان وأما يقيم فنقلت فيه كسرة الواو إلى القاف وابدلت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وكذلك مقيم.

وأما ليس فلا تكون في الأصل مضمومة العين ؛ لأن ذوات الياء لا يجيء فيها ذلك ولا مفتوحة إذ لو كانت كذلك لأبدلت ألفا أو لما سكّنت فيلزم أن تكون في الأصل مكسورة سكّنت للتخفيف ، وقد ذكرنا علّة جمودها في بابها.

ومن مسائل المعتلّ اللّام : أنّ فعل من ذوات الواو لم يأت مستقبله إلّا يفعل بضمّ العين نحو : غزا يغزو وعلا يعلو.

٥٠٠