اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

قيل : حركة الإعراب لازمة وإنّما تحذف في الوقف وهو عارض والأصل الوصل فأمّا الحركة العارضة على التحقيق فلا يقلب الحرف لها كقولك : (ولو انّهم) في لو أنّهم. (ولا تنسوا الفلل الفضل بينكم) و (لترونّها). (فَإِمَّا تَرَيِنَّ).

مسألة : إذا تحرّكت الواو والياء وانكسر ما قبلهما أو انضمّ نحو : عوض وسور لم تنقلبا ؛ لأن شرط انقلابها قد فقد وهو انفتاح ما قبلهما لينقلبا ألفا غذ لا فائدة في انقلابهما إلى الياء والواو المجانسين لحركة ما قبلهما ولأنّ القلب يفضي بهما إلى مثلهما.

مسألة : إنّما صحّت الواو والياء في الغليان والنّزوان لوجهين :

أحدهما : أنّ ذلك يفضي إلى حذف إحدى الألفين لاجتماعهما فيبقى اللفظ النزان والغلان فيلتبس بما نونه أصل كالأمان والضّمان وكذلك الصّميان.

والثاني : أنّ هذا البناء لا يشبه أبنية الفعل والتّغيير بابه الأفعال فما لا يشبهه يخرج على الأصل ، وأمّا الطّوفان والجولان ممّا عينه معتلّة فصحّت لوجهين :

أحدهما : أنّ هذا البناء قريب من باب الغليان والنّزوان فحملت الصّحة عليه للوجهين المذكورين.

والثاني : أنّ الواو لو قلبت ألفا لاشتبه فعلان بفاعال فاجتنب لذلك.

مسألة : إنّما صحّت الواو والياء في غزوا ورميا لئلا تنقلب ألفا فتحذف إحدى الألفين فيصير كلفظ فعل الواحد.

مسألة : إنّما صحّت الواو في اجتوروا وبابه ؛ لأنه في حكم تجاوروا إذ لا فرق بينهما في المعنى ولا موجب للقلب في تجاوروا فحمل اجتوروا عليه وهكذا حول وعور ؛ لأن الاصل احول واعورّ ، وهذا لم توجد فيه علّة القلب فكان التصحيح دليلا على هذا الأصل.

مسألة : إنّما صحّت الواو في خونه وحوكة لوجهين :

أحدهما : أنّ تاء التأنيث بعدّته من شبه الفعل فخرج على الأصل.

والثاني : أنّ ذلك أخرج على الأصل تنبيها على أنّ أصل الباب كلّه التصحيح وعلى ذلك جاء استحوذ ووجهه ، وقد قالوا : حاكه وخانه ، فأجروه على القياس.

٤٦١

مسألة : إنّما صحّت الواو في الهوى والنّوى لئلا تحذف أحد الألفين فأمّا صحتها في نوويّ فلئلّا يتوالى إعلالان ، وذلك أنّ أصل الواو الثانية ياء أبدلت ألفا ثم أبدلت واوا لأجل النّسب ولأنّها لو أبدلت ألفا لصار لفظها فاعيلا فيلتبس ولأنّها لو صحّت قبل النّسب بقيت على صحّتها.

مسألة : إذا سكّنت الواو والياء وانفتح ما قبلهما لم تقلبا لزوال الموجب للقلب وهو الحركة ، وقد جاء ذلك شاذا قالوا في طيّء : طائيّ ، وفي الحيرة : حاريّ ، وفي زبنية : زبانيّ ؛ لأن الألف على كل حال أخفّ منهما ، وقد وقع في زبنية تغييران فتح الباء وقلب الياء فأمّا دويّة فقد قالوا فيها داويّة فقال قوم هي لغة ، وقيل : أبدلت الواو الأولى ألفا ، وقيل : الألف زائدة ووزنها فاعيلة وفيه بعد ؛ لأن ذلك من أبنية الأعجمي وممّا صحّت فيه الواو القود والأود نبّه بذلك على أصل الباب.

٤٦٢

إبدال الألف من الهمزة

إذا اجتمعت همزتان وسكّنت الثانية وانفتحت الأولى أبدلت الثانية ألفا ألبتة نحو : آدم وآخر ، وفي الفعل نحو : آمن وآزر وإنما كان كذلك ؛ لأن الهمزة إذا انفردت ثقل النّطق بها فإذا انضمّ إليها أخرى تضاعف الثّقل ، وإذا تصاقبا وسكّنت الثانية ازدادت الكلفة بالنّطق بهما لا سيّما إذا أراد النطق بواحدة بعد أخرى ومن هنا وجب الإدغام في المثلين والإدغام هنا مستحيل والحذف يخلّ بالكلمة فتعيّن المصير إلى إبدال الثانية ألفا لانفتاح ما قبلها ولا يصحّ تليينها ؛ لأن الهمزة المليّنة في حكم الهمزة المحقّقة ولا يصحّ إبدال الأولى ولا تليينها لتعذّر الابتداء بالألف وما يقرب منها ، وإذا صغّرت آدم أو جمعته أبدلت الألف واوا فقلت أويدم وأوادم كما تقول في ضارب : ضويرب وضوارب ، ولا يجوز تحقيق الثّانية في التصغير والجمع لما ذكرنا من الثّقل وأنّ حركتها عارضة.

مسألة : إذا سكّنت الهمزة وانفتح ما قبلها وانفردت جاز تحقيقها نحو : رأس وكأس ومأتم وجاز إبدالها ألفا تخفيفا إلّا أن يقع ذلك في الشّعر مقابلا لردف ؛ فإنّه يلزم إبدالها ألفا لتستقيم الأرداف مثل أن يقع في آخر البيت ناس ، وفي آخر آخر راس فالإبدال في رأس لازم لما ذكرنا وإن وقع في آخر بيت درهم في آخر آخر مأتم فالجيّد تحقيق الهمزة ، وقال بعضهم : يجوز إبدالها فيكون بيت مؤسّسا وبيت غير مؤسس في قصيدة واحدة.

مسألة : الألف في قولهم : أإدني من فلان بمعنى أنصفني بدل من الهمزة وفي الهمزة المبدل منها وجهان :

أحدهما : بدل من عين والأصل أعدني لأنّهم قالوا ذلك وقالوا أيضا استأديت أي استعديت من العدوى.

والثاني : هي بدل من الهمزة ثمّ فيها وجهان :

أحدهما : هي أصل من الأداة وهو ما يستعان به على العمل.

والآخر : هي بدل من الياء في يد لأنّهم يقولون يدي وأدي وهذه الهمزة بدل من الياء والمعنى كن أيدا عليه.

٤٦٣

وقال المبرّد : هي من الأيد والأد وهو القوّة ، وهذا لا يصحّ إلّا أن يدّعى فيه القلب وهو تحويل الياء إلى ما بعد الدال فأمّا من غير قلب فلا يجوز لوجهين :

أحدهما : أنّه لو اراد ذلك لقال أايدني كما يقول : أطيبني فتصحّح الياء.

والثاني : أنّ الدال مكسورة فدلّ على أنّ لامها معتلّة ولام الأيد صحيحة.

٤٦٤

إبدال الألف من التّنوين والنّون

قد أبدلت الألف من التنوين في النّصب نحو : رأيت زيدا ، والوجه في ذلك أنّ التّنوين والنون غنّة تشبه الواو فكأنّ الواو وقعت بعد فتحة فأبدلت ألفا ، وقصد بذلك الفرق بين النّصب وبين أخويه وخفّ ذلك على ألسنتهم ودلّوا به على العناية بالتّنوين والإعراب ، وقد أبدلت من النون الخفيفة في التوكيد نحو : اضربا في الوقف ؛ لأنها أشبهت التنوين فس سكونها وزيادتها وانفتاح ما قبلها واختصاصها بالأفعال كما أنّ تلك مختصّة بالأسماء.

وأبدلت أيضا من نون (إذن) الناصبة للفعل تشبيها بالتنوين والنّون الخفيفة وجواز الوقف عليها وسواء عملت أو ألغيت. وقال الفرّاء : إذا أعملت لم تبدل لئلا نلتبس بإذا الزّمانية وإن ألغين جاز إبدالها ؛ لأنها في ذلك الموضع لا تلتبس بالزّمانية.

٤٦٥

إبدال الياء

قد أبدلت من حروف كثيرة منها مقيس ومنها شاذّ ونحن نذكرها مرتّبة.

فصل في إبدالها من الهمزة

إذا سكّنت الهمزة وانكسر ما قبلها جاز إبدالها ياء ولم يلزم نحو : ذيب ، ووجه ذلك أنّ الهمزة مستثقلة ويزداد ثقلها بانكسار ما قبلها وهي من حروف البدل ، فأبدل منها ما هو مجانس لما قبلها وهو الياء وتخفيفها كإبدالها ههنا وهو جعلها ياء خالصة كما كانّ ذلك في آدم ، ومن ذلك جاء الأصل فيه جايئ فأبدلت الهمزة لما ذكرنا.

واختلفوا في كيفية ذلك ، فقال الخليل : تقدّم الهمزة التي هي لام على المبدل من العين فتصير على وزن فالع ثم تصير الأخيرة ياء وإنّما قال ذلك ؛ لأنها ياء في الأصل وقعت بعد الألف فصيّرت همزة فإذا وقعت طرفا لم تغيّر لعدم المغيّر ولو لم تغيّر لاجتمع همزتان ، وإذا أخّرت لم تجتمعا ثم يلزم من عدم النّقل توالي إعلالين وهو إبدال العين همزة وإبدال اللام ياء ، وإذا نقل لم يلزم ذلك.

وقال غيره : تبدل اللّام ياء من غير نقل ؛ لأنه يلزم من النّقل تأخير حرف عن موضعه وردّه إلى أصله ، وذلك إعلالان أيضا وإقرار الكلمة على نظمها أولى وعلى هذا الخلاف يترتب جمع جائي وجائية ، وقد أبدلت الياء من الهمزة في إيمان وإيلاف لسكونها وانكسار ما قبلها.

إبدال الياء من الألف

إذا وقعت الألف في موضع ينكسر ما قبلها قلبت ياء لاستحالة بقائها بعد الكسرة فقلبت إلى ما يجانس الكسرة نحو : قرطاس وقراطيس ، فإن وقعت قبلها الياء السّاكنة قلبت أيضا نحو : تصغير حمار تقول فيه : حميّر ، وههنا قد أبدلت الألف ياء وحرّكت الياء لسكونها وسكون ياء التصغير قبلها.

فصل : وقد أبدلت الباء ياء إذا تكررت نحو : لبّب ، تقول : لبيت ، فالياء بدل الباء الثّالثة ، وإنّما فعلوا ذلك كراهية لاجتماع الأمثال.

فأمّا (لبيك) ففيه قولان :

أحدهما : هو من هذا الباب وأصله من : (ألبّ بالمكان) إذا أقام به.

٤٦٦

والثاني : تثنية لبّ.

والأوّل أقوى والدليل على ذلك قولهم في الفعل من لبّى : تلبية ، وقد تبدل الباء وإن لم تتكرّر ثلاثا نحو : تلبية ، وأصلها : تلبية ، وكذلك جميع حروف المعجم إذا تكرّرت في نحو ما ذكرنا نحو : شدّدت وشدّيت ، وتقضض البازي وتقضّي البازي ، وتظنّنت وتظنّيت.

فأمّا (قصّيت أظفاري) ففيه وجهان :

أحدهما : الياء بدل من الصّاد على ما ذكرنا.

والثاني : أصلها واو والمعنى تتّبعت أقصاها وهذا كما تقول تقصّيت الكلام إذا استقصيت أقسامه.

وأمّا قولهم : (تسرّيت في النّكاح) ففيه وجهان :

أحدهما : هو من هذا الباب وهو مأخوذ من الشّرّ وهو النّكاح يقال للذّكر : سرّ.

والثاني : هي تفعّلت من سراة الشيء أي : خياره ، وكلّ هذه الأشياء لا يلزم فيها البدل بل هو جائز.

فصل: وقد أبدلت الباء ياء وإن لم تتكرر البتة في الشّعر شاذّا كقول الشّاعر: [البسيط]

لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالي ووخز من أرانيها

يريد الثعالب والأرانب وقالوا : ديباج ، والأصل دبّاج في قول من جمعه على دبابيج ، وقد قالوا : ديابيج أيضا فعلى هذا لا إبدال وكذلك أبدلوا السين ياء في خامس وسادس فقالوا : خامي وسادي وهو شاذ وموضعه الشعر.

فصل في إبدال الياء من الرّاء

قالوا : قيراط ، والأصل قرّاط لقولهم : قراريط وقريريط ، والوجه فيه ما تقدّم من تجافي التكرير ويزيده هنا حسنا أنّ في الرّاء في نفسها ضربا من التكرير ، فإذا كانت مشدّدة صارت في حكم أربع ياءات فازدادت ثقلا ففر منه إلى ما هو أخفّ.

٤٦٧

فصل في إبدال الياء من النون

قالوا : دينار والأصل دنّار لقولهم دنانير ودنينير وشيء مدنّر منقوش على شكل الدّينار ، والوجه فيه ما تقدّم ويؤكّده أنّ النّون تشبه الواو في غنّتها وتثقّل بالتّشديد فيزداد ثقلها ، فإذا انكسر ما قبلها حوّلت إلى الياء.

مسألة : قد أبدلت الياء من الواو إذا سكّنت وانكسر ما قبلها نحو : ميزان وميعاد ، والعلّة في ذلك أنّ الواو من جنس الضمّة فإذا سكّنت ضعفت قليلا والكسرة قبلها من جنس الياء ، وتخليص الواو السّاكنة بعد الكسرة ثقيل جدا فجذبتها الكسرة إلى جنسها وكان ذلك أخفّ على اللّسان ، وهكذا إن وقعت عينا نحو : ريح ، وقيل : وعيد ؛ لأن الأصل في الرّيح الواو ؛ لأنها من الرّوح وهو السّعة ، ومنه راح يروح رواحا إذا ذهب وجمعها أرواح ، وقد حكي فيها شاذا أرياح وهو كالغلط فأمّا رياح فعلى القياس ، وهو من باب حوض وحياض ، وذلك مما أبدلت الياء فيه من الواو بخمس شرائط :

أحدها : أن تكون الواو ساكنة في الواحد.

والثاني : أن تقع بعدها الألف.

والثالث : أن تقع بعدها الألف.

والرابع : أن يكون. لام الكلمة صحيحا.

والخامس : أن ينكسر فاء الكلمة.

وإنّما شرطوا ذلك لمعان تقتضيه أمّا الكسرة فلبعدها من الواو وقربها من الياء ، وأمّا سكون الواو في الأصل فلبيان ضعفها ، وأمّا اشتراط الجمع فلئلا يجتمع ثقل الواو مع ثقل الجمع ، وأمّا اشتراط تعقّب الألف إيّاها فلأنّ الألف أقرب إلى الياء منها إلى الواو ، وأمّا صحّة اللّام فلئلّا يكثر الإعلال وعلى هذا صحّت في عوان ؛ لأنه واحد ولم تنكسر الفاء وكذلك صوغ وصحّت في الجمع المعتلّ اللام نحو رواء جمع راو من الماء.

مسألة : الأصل في عيد الواو ؛ لأنه من عاد يعود عودا فأبدلت الواو ياء لما ذكرنا من قبل.

فإن قيل : فقد قالوا في الجمع أعياد لا غير فأعلّوا على خلاف أرواح؟

٤٦٨

قيل : جعلوا البدل لازما نفيا للّبس ؛ لأنّهم لو قالوا : أعواد ، لا لتبس بجمع عود ، وكذلك قالوا في التصغير : عييد ، وفي تصغير عود : عويد ، للفرق ولم يوجد مثل ذلك في ريح.

مسألة : إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسّكون أبدلت ياء وأدغم الأول في الثاني نحو : شويت شيّا وطويت طيّا.

والعلّة في ذلك : أنّ الياء أخفّ من الواو وتخليص الواو ساكنة عن الياء مستثقل فأبدلت الواو ياء طلبا للتخفيف ولمّا اجتمعا وتماثلا أدغم الأوّل في الثاني فحصّل بذلك ضرب من التّخفيف أيضا.

مسألة : قد أبدلت الواو ياء في أفعل مما لامه واو نحو : دلو وأدل وحر وأجر.

والعلّة فيه : أن خروجه على الأصل مستثقل لاجتماع الضمّة والواو وكونها طرفا وطريق الإبدال أن أبدلوا من الضمّة كسرة فوقعت الواو بعد الكسرة فجذبتها إلى جنسها وهو الياء ، ومما جاء من المصادر من ذلك : عتيّ ، والأصل عتوّ فأبدلوا من الضمّة كسرة فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثمّ وقعت الواو الثانية بعد ياء وكسرة فأبدلت ياء وأدغمت الأولى فيها ومن العرب من يكسر العين إتباعا وأما بكيّ فجمع باك ، والأصل : بكوي ، فأبدل من الضمّة كسرة ومن الواو ياء ثم عمل في ذلك ما تقدّم.

مسألة : الأصل في ياء غاز وغازية ومحنية الواو وإنّما أبدلت وإن كانت متحركة لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ حركتها حركة إعراب فهي كالحركة العارضة ؛ ولذلك يسكّن أمثالها في الوقف والعارض غير معتدّ به ولمّا تقرر إبدالها قبل دخول الهاء بقيت على حالها ؛ لأن تاء التّأنيث في حكم المنفصل.

الوجه الثاني : أنّ لام الكلمة موضع التغيير وفي الواو بعد الكسرة وإن تحرّكت نوع ثقل ، وذلك كاف لقلبها.

والثالث : أنّ حركات الإعراب تعتور على لام الكلمة فلو تركت الواو لضمّت وكسرت وهما مستثقلان بعد الكسرة ؛ ولذلك سكّنت ياء المنقوص فيهما وثقل الواو بذلك أكثر ثم حمل الفتح عليهما.

٤٦٩

مسألة : قد أبدلت الواو ياء في عصيّ وأصله عصوّ فأبدلت من ضمّة الصاد كسرة لتنقلب الواو ياء ثم عمل في ذلك ما ذكرناه في عتوّ ، ومنهم من يكسر العين إتباعا.

مسألة : الأصل في قيل ضمّ القاف وكسر الواو مثل ضرب فاستثقلت الكسرة على الواو بعد الضمّة كما تستثقل ضمّة الياء بعد الكسرة فنقلت كسرة الواو إلى القاف فسكّنت الواو وانكسر ما قبلها فأبدلت ياء لما ذكرناه في ريح ، ومنهم من قال : كسرت القاف من غير نقل إليها وسكّنت الواو ، ومن العرب من يشمّ القاف شيئا من الضمّ مع بقاء الياء تنبيها على الأصل ، ومنهم من يبقي الضمّة ويسكّن الواو فيقول قول وهذا القائل يقلب الياء واوا فيقول بوع لسكونها وانضمام ما قبلها.

مسألة : الأصل في ديمة الواو يقال : (دوّمت السحابة) إذا دام مطرها ثم عمل فيها ما عمل في ريح.

مسألة : إذا كانت الواو مشدّدة وانكسر ما قبلها فالأصل صحّتها لتحصّنها بالإدغام ، وقد شذّت أشياء فجاءت على الإبدال قالوا ديوان فأبدلوا الواو الساكنة ياء والأصل : دوّان لقولهم : دويوين ودواوين ودوّن الشعر.

مسألة : الياء في شيراز فيها اختلاف فقال قوم : هي زائدة عن بدل ، وأصل من شرز ؛ ولهذا قالوا في الجمع : شياريز ، وفي التصغير : شييريز ، وقال آخرون : أصلها شرّاز ، فأبدل من الراء الأولى ياء كما فعل ذلك في قيراط. وقال آخرون : أصلها واو ولأنّهم قالوا شواريز وشويريز ، ومن هؤلاء القائلين من قال : الواو بدل من الرّاء وليس بشيء إذ لو كانت كذلك لرجعت في الجمع والتصغير ، وإنّما الواو فيه زائدة للإلحاق بشملال وليس لفظ شيراز مصرحا بها في كتب اللغة ولكن يمكن أن يكون لها أصل ، وذلك أن الشّرز والشّراسة غلظ الخلق والشيراز لبن فيه غلظ.

مسألة : الياء في ذرّيّة فيها ثلاثة أوجه :

أحدها : هي زائدة من غير بدل وهي فعليّة من الذرّ.

والثاني : هي بدل وفيما أبدلت منه ثلاثة أوجه :

٤٧٠

أحدها : من الرّاء وأصلها ذرّوة فأبدلت الرّاء واوا ثم أبدلت من الضمّة كسرة فانقلبت الواو الأولى ياء والثانية كذلك ثم أدغم الأوّل في الثاني ويجوز أن يكون وزنها فعليلة ثم عمل بمقتضى القياس.

والثاني : أن تكون من ذرا يذرو فيكون وزنها فعّولة أو فعّيلة ثم عمل فيه بمقتضى القياس.

والثالث : أن يكون من ذرأ يذرأ فيكون وزنها فعّولة أو فعيلة على ما تقدّم ثم أبدلت الهمزة واوا أو ياء وعمل فيها بمقتضى القياس.

مسألة : الياء في أينق وأيانق بدل من الواو ؛ لأن ألف ناقة مبدلة من واو لقولهم استنوق الجمل وخرجت في نياق مبدلة من موضعها فأمّا أينق فأصلها أونق مقلوبة عن أنوق ووزنها أعفل وأبدلت الواو السّاكنة ياء لاطّراد البدل فيها وايانق جمع أينق.

٤٧١

فصل في إبدال الواو

وقد أبدلت من الياء والألف والهمزة :

١ ـ أمّا الياء فإذا سكّنت وانضمّ ما قبلها أبدلت واوا نحو : موقن وموسر والأصل فيه الياء ؛ لأنه من اليقين واليسر فإن تحرّكت لم تبدل نحو مييقن ومياسر وإنّما أبدلت إذا سكّنت ؛ لأنها ضعفت بالسّكون ووقوعها بعد الضمّة فتخليصها عنها يشقّ على اللسان جدا فأبدلت واوا لمجانستها الضمّة ومن ذلك الطّوبى والكوسى ؛ لأنّهما من الطّيب والكيس وهما نظير الرّيح والقيل.

٢ ـ وأمّا إبدال الواو من الألف فنحو قولك في ضارب : ضويرب ، وفي ضاربة :

ضوارب ، وإنّما أبدلت في التّصغير لانضمام ما قبلها والألف لا تقع بعد الضمّة كما لا تقع بعد الكسرة وأبدلت واوا لتجانس الضمّة قبلها ثم حمل حالها في الجمع على التّصغير ؛ لأن التكسير والتصغير من واد واحد ولأنك لو أبدلتها ياء فقلت : ضيارب لا لتبس بجمع ضيرب وبابه.

فإن قلت : فلم أبدلتها؟ قيل : لمّا زيد في الجمع ألف لم يمكن إقرار ألف فاعل لسكونهما وحذف إحداهما يخلّ بمعناه فأبدلت لهذا المعنى ، ومن ذلك ألف فاعل إذا بني لمّا لم يسمّ فاعله نحو ضورب في ضارب وتمودّ الثوب في تمادّوا ومنه قوله تعالى : (ما وُورِيَ عَنْهُما) [الأعراف : ٢٠].

٣ ـ وأمّا إبدالها من الهمزة ، فإذا سكّنت الهمزة وانضمّ ما قبلها كقولك في بؤس ولؤم :

بوس ولوم.

فصل في إبدال الميم

قد أبدلت من النّون الساكنة إذا وقعت قبل الباء نحو : عنبر وشنباء هي في اللفظ ميم وفي الخطّ نون.

والعلّة في ذلك : أنّ الميم فيها غنّة تتّصل بالخيشوم إذا سكّنت كالنون إذا سكّنت ، فإذا وقعت النون قبل الباء اتّصلت غنّتها لمخرج الباء فيشقّ إخراجها ساكنة بلفظها فجعلت الميم

٤٧٢

بدلا عنها لشبهها بها ومشاركتها الباء في المخرج ، فإذا تحرّكت النون صحّت نحو الشّنب ؛ لأنها بحركتها تزول غنّتها وتصير من حروف اللّسان ، وقد أبدلت الميم من الواو في قولهم : فمّ واصله فوه مثل فوز فحذفت الهاء اعتباطا فبقي فو واستحقّت الحركة الإعرابية فلو قلبت ألفا لحذفت بالتنوين وبقي الاسم المعرب على حرف واحد فأبدلوا منها حرفا من جنسها يشبه الواو ويتصوّر تحريكه والدليل على أنّ أصله فوه ما نذكره في باب الحذف والميم والواو من مخرج واحد فأمّا قول الفرزدق : [الطويل]

هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النّابح العاوي أشدّ رجام

فقد جمع بين الميم والواو وفيه قولان :

أحدهما : أنّه جمع بين البدل والمبدل ومثل ذلك جائز في البدل دون العوض فوزنه الآن فمع.

والقول الثاني : أنّ الميم بدل من الياء التي هي لام الكلمة ثم قدّمتها على العين فوزنه الآن فلع وفيه بعد ؛ لأن الميم لا تشبه الهاء إلّا أنّها في الجملة من حروف الزيادة وفيها خفاء فساغ له أن يبدل منها حرفا أبين منها يشبه ما يشبهها وهو الواو فإنّ الميم تشبه الواو والواو تشبه الهاء ؛ ولهذا أبدلت منها في مواضع.

فأمّا قول العجّاج : [الرجز]

خالط من سلمى خياشيم وفا

ففيه وجهان :

أحدهما : أنّه أقرّ ألف النّصب مع غير الإضافة ؛ لأن آخر الأبيات قد أمن فيه التّنوين الحاذف للألف.

والثاني : أنّه نوى الإضافة لوجوب تقديرها فأراد في الحذف ما ثبت مع الإظهار.

وقد أبدلت الميم من لام المعرفة قالوا في السّفر امسفر وهو شاذّ وإنّما جوّزه قرب مخرج الميم من اللّام.

٤٧٣

فصل في إبدال النّون

النّون في (صنعاويّ) بدل وفيما أبدلت عنه وجهان :

أحدهما : الواو في صنعاويّ لشبه النّون بالواو في الغنّة ؛ ولذلك أدغمت فيها نحو : وّاقد ومن وّعد ورعد وّ برق وفي أنّ كلّ واحدة منهما ضمير الجمع نحو : قاموا وقمن ، وعلامة الجمع نحو : قاموا إخوتك وقمن جواريك ، وهي علامة الإعراب كنون الأمثلة الخمسة نحو يضربان وأخواتها والواو في أبوه والزيدون فالنّون إذن بدل من الواو والواو بدل من الهمزة والهمزة بدل من ألف التّأنيث.

والقول الثاني : النّون بدل من الهمزة ؛ لأنها أشبهت ألف التّأنيث في حمراء ؛ لأن ألف المدّ وألف التّأنيث في صنعاء كالألف والنّون في غضبان وسكران لاشتراكهما في منع الصّرف واختصاص أحدهما بالتأنيث واختصاص الآخر بالتذكير وفيه بعد وهذا القياس بعيد ؛ لأن النون لا تشبه الهمزة ولم تبدل منها في موضع آخر وهذا الأصل يشير إلى مسألة مختلف فيها وهي نون سكران وبابه فعند قوم ليست بدلا من شيء بل زيدت ابتداء كالألف التي قبلها وهذا هو الصحيح لما تقدّم.

وقال آخرون : هي بدل من همزة التأنيث كحمراء وبابها لما تقدّم من مشابهتها لها في باب مالا ينصرف وهذا بعيد لوجهين :

أحدهما : أنّ إبدال الحرف من الحرف إنّما يكون مع بقاء معنى الأصل والهمزة للتأنيث ونون غضبان تختصّ بالمذكّر وهما ضدّان ومنع الصرف حكّم يعلّل بالشّبه لا بالإبدال.

والثاني : أنّ النّون في حمدان وعمران تؤثّر في منع الصّرف وليست بدلا بل زيدت ابتداء كذلك ههنا.

مسألة : قد أبدلت النّون من اللّام في لعلّ في لغة بني تميم فقالوا لعنّ وإنّما جاز ذلك لوجهين :

أحدهما : قرب ما بين النون واللّام.

والثاني : كثرة اللّامات في لعلّ ففرّوا منها إلى النون وكانت النون ألين منها إذ كانت تشبه حرف المدّ.

٤٧٤

مسألة : ذهب قوم في تلنّة إلى أنّ النّون بدل من اللّام والأصل تللّة من قولهم : تلّة إذا دفعه وهذا بعيد ؛ لأن التّلنّة التمكّث والبقية ، وذلك بعيد من معنى الدفع والصحيح أنها أصل.

وذهب قوم إلى أن النّون في اللّغنون بدل من الدال في اللّغدود وهو بعيد والصحيح أنّها لغة.

فصل في إبدال التاء

قد أبدلت من الواو إذا كانت فاء ووقعت بعدها تاء افتعل نحو : اتّعد واتّزن والعلّة في ذلك أنّ الواو هنا ساكنة بعد كسرة وبعدها تاء وبين التّاء والواو مقاربة ؛ لأن التّاء من طرف اللّسان وأصول الثنايا وفيها نفخ يكاد يخرج من بين الثّنايا إلى باطن الشّفة والواو تخرج من بين الشفتين بحيث تكاد تقرب من باطن الشّفة ، وإذا كان كذلك شقّ إخراج الواو ساكنة قبل التّاء فحوّلت إليها وأدغمت ، وهما أبدل الواو منه تاء أسنتوا والأصل أسنووا ؛ لأنه من سنة الجدب والأصل فيها سنوة وهذا البدل غير مطّرد ألا ترى أنّك لا تقول من أعطوا أعطيوا.

وقال بعضهم : أبدلت الواو ياء ثم أبدلت الياء تاء على ما نذكره فأمّا التّاء في تراث فبدل من الواو للعلّة التّي ذكرنا من مقاربة التاء للواو ويدلّ على ذلك أنّه من ورثت والوراثة والموروث والوارث ، وكذلك تخمة وهو من الوخامة وتكأة من توكأت وتكلة من توكّلت ووكله ووكيل وتهمة من الوهم ؛ لأن المتّهم يبني الأمر على مجرّد الوهم وقالوا : تولج ، والأصل : وولج فوعل من الولوج ، وقالوا : تيقور وهو فيعول من الوقار.

(تالله) التاء بدل من الواو ، وقد ذكرنا ذلك في باب القسم وقالوا : هنت وهي من الواو لقولهم : هنوات وفي التصغير هنيّة فالياء الثانية بدل من الواو وقالوا : بنت وهي من البنوّة ، والأصل : بنوة فأبدلوا منها التاء وجعلوها على مثال جذع وعدل وخصّوا الإبدال بالتأنيث وليست التاء للتأنيث ؛ لأنها تثبت في الوقف وقبلها ساكن وليست كذلك تاء التأنيث والتاء في أخت بدل من الواو ؛ لأنها من الأخوّة وتقول في الجمع إخوة وإخوان ففعلوا فيها ما فعلوا في بنت ووزنها فعل مثل : قفل ، فإن جمعت بنتا قلت : بنات فحذفت لام الكلمة التي أبدلت في الواحد تاء فوزنها الآن فعات وإن جمعت أختا قلت : أخوات فلم تحذف اللّام ، والفرق بينهما

٤٧٥

أنّ كلّ واحد منهما بني على مذكّره فمذكّر بنات في الجمع بنون فلامه محذوفة كذلك مؤنّثه والجمع في أخ إخوة من غير حذف كذلك مؤنّثه.

وتبدل التاء من الواو في (كلتا) وأصلها : كلوى ووزنها فعلى وقال الجرميّ التاء زائدة ووزنها فعتل.

وحجّة الأوّلين : أنّ الكلمة مؤنثة لاختصاصها بتوكيد المؤنّث والأصل أن يكون للتأنيث علامة والألف هنا تصلح لذلك والتاء قبلها لا تصلح للتأنيث ؛ لأنها تكون حشوا وزيادتها في هذا المثال لا نظير له ، وقد احتجّ الجرميّ بأنّ الألف لو كانت للتأنيث لم تقلب في الجرّ والنصب ياء وهذا ليس بشيء لوجهين :

أحدهما : أنّ القلب ههنا استحسان وحمل على ألف على وإلى كما أبدلت في المذكّر وهي لام الكلمة والمنقلبة في الجرّ والنصب لا تكون لاما.

والثاني : أنّهم قد قلبوا ألف التأنيث ياء فقالوا في سعدى سعديات لأجل الدّليل المقتضى للقلب فكذلك هنا ، وقد ذهب قوم إلى أنّ التاء فيها بدل من الياء ؛ لأن الإمالة في كلا جائزة ، والأصل في مثل ذلك للياء.

٤٧٦

إبدال التاء من الياء

وهو قليل لبعد مخرج الياء منها إلّا أنّ بينهما مشابهة من وجهين :

أحدهما : أنّ في التاء همسا وفي الياء خفاء والمعنيان متقاربان.

والثاني : أنّ التّاء تشبه الواو من الوجه الذي ذكرنا قبل وبين الياء والواو مشابهة في المدّ والاعتلال وقلب كلّ واحدة منهما إلى الأخرى ومرادفتها إيّاها في أرداف الأبيات ، نحو : سرحوت وتكريت ، وبين أختيهما وهما الضمّة والكسرة تقارب بحيث جاز وقوعهما في الإقواء في القصيدة الواحدة.

فمن ذلك : (ثنتان) والأصل ثنيان ؛ لأنه من ثنيت وليس له واحد من لفظه وتقول هذا ثني هذا.

ومن هذا : (ذيت وكيت) والأصل : ذيّة وكيّة بتشديد الياء والهاء المبدلة من التاء في الوقف فأبدلوا من الياء الثانية تاء ثانية وصلا ووقفا والكلمتان مبنيّتان على الفتح ؛ لأنّهما كنايتان عن الحديث المتّصل بعضه ببعض تقول كان من الأمر كيت وكيت كما تقول : كان من الأمر كذا وكذا إبدال التّاء من السّين. وهو ضعيف ، وقد جاء منه شيء قليل ووجهه أنّ التّاء تشارك السين في الهمس وقرب المخرج فمن ذلك طست والأصل طسّ لقولهم في تصغيره : طسيس وفي الجمع طساس وقالوا : أطسّة.

وقد أبدلت منها في (ستّ) والأصل : سدس لقولهم : سديسة وسديس وأسداس ثم أبدلت الدّال تاء لقربها منها في المخرج وأنّها هنا ساكنة يعسر النّطق بها قبل التّاء فإذا فصلت بينهما عدت إلى الأصل.

وقالوا : نات في ناس ، وأكيات في أكياس قال الشاعر : [الرجز]

يا قاتل الله بني السّعلاة

عمرو بن يربوع شرار النّات

غير أعفّاء ولا أكيات

يريد الناس ولا أكياس ، وحكى الأصمعيّ عن بعض العرب أنّه قرأ : (قل أعوذ بربّ النّات) في جميعها بالتّاء.

٤٧٧

وقد أبدلت التاء من الصاد قالوا في لصّ : لصت ، والأصل الصّاد لقولهم : تلصّص عليهم وهو من اللصوصية ، وقد تجاوز بعضهم الحدّ فأتى بها في الجمع قال الشّاعر : [الكامل]

فتركن نهدا عيّلا أبناؤها

وبني كنانة كاللّصوت المرّد

وقد أبدلوها من الطاء فقالوا فستاط وأقرّوها في الجمع ، وأبذلوها بين الدال فقالوا ناقة تربوت والأصل الدال ؛ لأنها من الدّربة.

إبدال الهاء من الياء

قالوا : هذه ، والأصل : هذي ؛ لأن الألف في ذا من الياء فمنهم من يبدلها في الوقف ، ومنهم من يبدلها في الحالين ، ومنهم من يصلها بياء في الوصل والوجه في إبدالها منها اجتماعهما في الخفاء وقرب الهاء من الألف الّتي هي من حروف المدّ وهي أخت الياء في ذلك.

وقالوا في دهديّة الجعل : دهدوهة والأصل الياء لقولهم : دهديت الحجر.

إبدال الهاء من الهمزة

قالوا في إيّاك : هيّاك ، وفي إنّك : هنّك. وفي أردت : هردت ، وفي اراق : هراق ، والوجه في ذلك أنّ الهمزة ثقيلة والهاء خفيفة وهي مصاقبتها في المخرج ومما يترتب على هذا مسألة وهي قول امرئ القيس : [المتقارب]

وقد رابني قولها يا هناه

ويحك ألحقت شرّا بشرّ

وفي هذه الهاء أقوال :

أحدها : هي بدل من الواو التي هي لام الكلمة ووزنها فعال وقالوا في الجمع : هنوات ، كأنّه قال : يا هناو ، فأبدلت ألفا الواو هاء لما تقدّم في الياء ويقوّي ذلك أن الواو حذفت قبل الإضافة وأبدلت ألفا في النّصب وياء في الجرّ ، وذلك تصرّف فيها وجعلها هاء تصرّف.

وقال آخرون : أبدلت الواو ألفا لوقوعها طرفا بعد الف زائدة ، ثم أبدلت الألف هاء لمشابهتها إيّاها في الخفاء وقربها منها في المخرج.

وقال آخرون : أبدلت الألف همزة لما ذكرنا في كساء ثم الهمزة هاء وقال أبو زيد : الهاء لمدّ الصوت كما ألحقت في النّدبة أو للوقف والألف قبلها لام الكلمة وهذا المذهب ضعيف ؛ لأن ألفها تثبت في النّصب مع الإضافة ولا إضافة هنا إلّا أن يدعى أنّها أتمّت كما جاء في أب وهو

٤٧٨

قياس لو ساعده سماع وعندي فيها قول حسن وهو أن يكون هنّ أضيف إلى ياء المتكلّم فصارت هني مثل أبي ثم نادى فأبدل من الكسرة فتحة وأبدل الياء ألفا إمّا لالتقاء السّاكنين ، وإمّا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما ذكرنا في قولك : يا غلاماه وهذا شيء لم أجده عنهم وهو قياس قولهم : في نظائره.

إبدال الهاء من الألف

قالوا في أنا : أنه ، لقرب ما بين الهاء والألف في الخفاء والمخرج حتى قال الأخفش : إنّهما من مخرج واحد ، وقالوا : هنه ، والأصل : هنا.

وقالوا : الأصل في مهما : (ماما) فأبدلوا من الألف الأولى هاء في أحد القولين ، وقد ذكر في حروف الشّرط ، وقد جاء في الشرط بعد مه نريد بعد ما.

وقد أبدلوا الهاء من تاء التأنيث في الأسماء نحو : شجرة وقائمة ليفرقوا بين الوصل والوقف.

فصل في إبدال الطّاء من التّاء

إذا كانت فاء افتعل حرف إطباق وحروف الإطباق أربعة : الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء قلبت التاء طاء فمنها ما ليس فيه إلّا لغة واحدة وهي الطّاء نحو : اطّلع ، ومنها ما فيه لغتان وهي الصّاد نحو : اصطلح واصّلح ، ومنها ما فيه ثلاث لغات وهي : الظّاء ، نقول : اظطلم اظلم واطّلم.

وأمّا الضّاد ففيها لغتان تقول في افتعل من الضّرب اضطرب واضّرب والعلّة في قلب التّاء طاء أنّ حروف الإطباق مستعلية مجهورة والتّاء متسفّلة مهموسة والجمع بينهما شاقّ على اللسان فحوّلوا التاء طاء ؛ لأنها من مخرجها والطّاء مجانسة لبقيّة حروف الإطباق.

فأمّا من قال : اصّلح ، فأبدل من الطاء صادا وأدغم ليكون العمل من وجه واحد ولم يمكن قلب الصّاد تاء لئلا تبطل قوّة المستعلية وجهرها ولا طاء لأمرين :

أحدهما : أنّ الطّاء أخت التّاء في المخرج ، وقد تجنّبوا قلبها إليها فكذلك ما يقرب منها.

والثاني : أنّه كان يلتبس بما فاؤه طاء.

٤٧٩

وأمّا اضطرب فالوجه في قلبها طاء أنّها أقرب إلى بقيّة حروف الإطباق ؛ لأن الضّاد تليها والطاء بعيدة منها فكان تحويل الطّاء لقربها منها ومجانستها لها وكذلك من قلبها طاء وأدغم ، وأمّا ببيت زهير : [البسيط]

ويظلم أحيانا فيظّلم

فيروى الأوجه الثلاثة وبالنّون أيضا.

فصل في إبدال الدّال

قد أبدلت من تاء افتعل إذا كانت الفاء دالا أو زايا ، وعلّة ذلك : أنّ هذه الحروف فيها صفير وجهر وشدّة والتاء مهموسة رخوة ، فإذا سكّن الحرف القويّ وبعده ضعيف كان في إخراج القويّ بصفته وسكونه وإتباع الضعيف إيّاه بلا فصل كلفة شديدة فأبدل من التّاء حرف يقرب منها في المخرج ويقرب من الحرف الآخر في الصّفة ، وذلك هو الدّال فإنّها من مخرج التّاء فالدّال في قولك : درأ ادّرأ ، وأصله : ادترأ فقلبت التاء دالا وأدغمت الأولى فيها وأتيت بهمزة الوصل لسكون الدال الأولى بسبب الإدغام ، ولا يجوز قلب الدّال هنا تاء وترك تاء الافتعال لئلا تبطل القوّة التي في الدّال.

وأمّا الذال فكقولك من ذرأ : اذّرأ ، والأصل : اذترأ فقلبت التّاء دالا والذال دالا ؛ لأنها قربت منها وفعل فيهما ما تقدّم.

وإن شئت قلبت التّاء ذالا لتجانس الذال تقول : اذّرأ ، وأمّا افتعل من الذّكر فأصله اذتكر فحوّلت التّاء إلى الدّال والذال إلى الدّال ، وأتيت بهمزة الوصل لما تقدّم وإن شئت حوّلت الثاني إلى الأول فجعلتهما ذالا مشدّدة والأوّل أقوى.

وأمّا الزّاي فكقولك من زجر وزان ازدجر وازدان ، والأصل التّاء فحوّلت إلى الدّال لما تقدّم ، ولو قلبت التاء زايا وأدغمت جاز فقلت ازّجر ومثله ازّان والأوّل أقوى ولا يجوز قلب الزّاي تاء لئلا يبطل ما في الزّاي من زيادة الصفات على التّاء.

مسألة : قالوا في تولح دولج فأبدلوا من التّاء دالا لمّا كثر إبدالها منها في المواضع التي ذكرنا ويضعف أن يكونوا أبدلوا الواو ابتداء دالا لبعدها منها.

٤٨٠