اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

فأمّا (إنقحل) فقيل حروفه كلّها أصول مثل : جردحل ولا يمنع ذلك كونه من معنى القحولة لما ذكرنا من نحو : سبط وسبطر ، والصحيح أنّ الهمزة والنون زائدتان وهو شاذ ولم يأت منه إلّا هذه الصفة.

وقولهم : رجل إنزهو ، وامرأة إنزهوة ، وقولهم : جنقوهم شاذ على انّه مشتقّ بحذف بعض الأصول كما تقول حولق إذا قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

مسألة : الميم في منجنون وهو الدّولاب أصل وكذلك النّون الأولى والنون الأخيرة مكررة ووزنه فعللول مثل عضر فوط ودليل ذلك قولهم : مناجين فأثبتوا النون الأولى وحذفوا الأخيرة كما حذفت الطّاء من عضافير.

مسألة : الميم في معزى أصل لقولهم ما عز ومعيز ومعز وأمعز والألف للإلحاق.

مسألة : الميم في مأجج ومهدد أصل ؛ لأنها لو كانت زائدة لأدغم المثل في المثل كما في مكر ومفر فلمّا أظهروا دلّ على أنّهم قصدوا الإلحاق بجعفر.

فإن قلت : محبب كذلك وميمه زائدة؟

قلنا : الأصل محبّ إلّا أنّه غيّر كما تغيّر الأعلام ولا يلزم مثله في مأجج ومهدد لأمرين :

أحدهما : الأصل عدم التغيير والزيادة.

والثاني : أنّ محببا ظاهر في معنى الحبّ وليس مأجج ومهدد ظاهرين في معنى أجّ وهدّ.

مسألة : الميم في معدّ أصل لقولهم تمعددوا ووزنه تفعللوا أي كونوا على أخلاق معدّ.

فإن قلت : قد جاء تمفعل ، نحو : تمدرع وتمندل وتمسكن؟

قيل : هذا شاذّ لا يقاس عليه على أنّ الجيّد فيه تندلّ وتدرّع وتسكّن.

مسألة : الميم في مرعزاء بكسر الميم والعين وإسكان الرّاء والمدّ والتخفيف زائدة.

ودليل ذلك قولهم : فيه مرعزّى بفتح الميم وإسكان الراء وكسر العين والتشديد والقصر ؛ لأن الألف فيه زائدة والزّاي مكررة فيبقى مرعز ولا نظير له إذ ليس في الكلام مثل جعفر ، وإذا ثبتت زيادتها في أحد البناءين ثبتت في الآخر كما قالوا في ترتب ولو لا ذلك لكانت الميم أصلا إذ له في الكلام نظير وهو طرمساء.

٤٤١

مسألة : الميم في بلعوم وحلقوم زائدة ؛ لأنّهما من البلع والحلق ويخرج على قول المازنيّ أن يكون أصلا كما قالوا في دلامص.

مسألة : اختلفوا في ميم ملك فذهب الجمهور إلى أنّها زائدة ثمّ اختلف هؤلاء في الأصل فقال أكثرهم أصلها ملأك وهو مفعل واستدلّوا على ذلك بقول الشّاعر : [الطويل]

فلست لإنسيّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السماء يصوب

وبقولهم : ألكني إليها وهو أفلني ، وأصله : ألئكني ، إلّا أنّهم ألقوا حركة الهمزة على اللّام وحذفوها ويدلّ عليه قولهم : في الجمع ملائك وملائكة على وزن مفاعلة ، ولو كانت غير زائدة لكانت فعايلة الواحد فعيلة وليس كذلك.

ومنهم من قال : هو من الألوكة ، وهي الرسالة ووزنها فعولة وأصل ملك على هذا مألك ثم حذفت الهمزة.

وقيل : أصله من لاك يلوك إذا ردّد الشيء في فيه والرسالة كذلك إلّا أنّ عين الكلمة حذفت تخفيفا.

وقال قوم : الميم أصل مأخوذ من الملكة وهي القوّة وهذا بعيد ؛ لأن الجمع يبطله إذ لو إذ كان جمع فعل لا يكون مفاعل ، فإن قيل فقد جاء فيه أملاك قيل هو شاذّ على أنّه يحتمل أن يكون جمع على اللفظ لا على الأصل.

٤٤٢

باب زيادة النون

قد ذكرنا أنّ النون من حروف الزيادة لشبهها بالواو ، وقد زيدت أولا للمضارعة (١) نحو : نذهب ، وتدلّ على المتكلّم ومن معه اثنين كانوا أو جماعة وتكون للواحد العظيم ؛ لأن الآمر إذا كان مطاعا توبع على الفعل وتزاد ثانية نحو : انطلق ، وبابها أن تجيء للمطاوعة كقطعته فانقطع وأطلقته فانطلق ومعنى المطاوعة قبول المحلّ لأثر فعل الفاعل فيه فالانفعال اسم لذلك الأثر وممّا زيدت فيه ثانية عنسل للنّاقة السريعة ؛ لأنه من العسلان وهو مشي الذئب ؛ لأنه سريع ومن ذلك عنبس للأسد وهو من العبوس والأسد كريه الوجه ومن ذلك خنفقيق ؛ لأنه من الخفق ، وهو الاضطراب والقاف لام الكلمة مكررة فأمّا سنبك فقيل النون فيه زائدة وهو من السّبك ، وقيل : لطرف الحافر ذلك لصلابته كأنه سبك ، وأمّا النون في سنبل فقال ابن دريد هي زائدة وهو من السّبل والإسبال وهو من الاستطالة فكأنّ السّنبلة لسبوغها وانتشار أعلاها مسبلة كالإزار.

فصل : وقد زيدت ثانية في كنهبل ؛ لأنها لو جعلت أصلا لم يكن لها نظير في الأصول إذ ليس في الأصول مثل سفرجل ؛ ولذلك تحذفها في الجمع نحو : كهابل وكذلك النون في قرنفل والنون في شرنبث زائدة لوجهين :

أحدهما : أنّها ثالثة وقبلها حرفان وبعدها حرفان وما كان كذلك حكم بزيادتها فيه ؛ لأنه موضع تكثر فيه الزيادات كألف التكسير وياء التحقير والياء في سميدع والواو في فدوكس.

والثاني : قولهم في معناه : شرابث ومثل ذلك جحافل ويؤكد زيادتها فيه أنّه من معنى الجحفلة والجحفل ، وأمّا النّون إذا كانت زائدة ساكنة ولم تخرج الكلمة بها عن الأصول فهي أصل إلّا أن يدلّ الاشتقاق على زيادتها ، وذلك نحو : حنزقر النون فيه أصل لما ذكرنا ، وعلّة ذلك أنّ الثاني لم تكثر زيادته ككثرة زيادة الثالث ، وممّا دلّ الاشتقاق على زيادته من هذا عنسل وعنبس ، وقد ذكرا ومنه : قنفخر النون فيه زائدة لقولهم في معناه قفاخريّة والنّون في عرنتن زائدة لقولهم في معناه عرتن ومثله دودم ودوادم فالألف فيه كالنون في عرنتن ؛ لأنها سقطت

__________________

(١) أي للدلالة على الفعل المضارع.

٤٤٣

كما سقطت والنّون في العفرنى زائدة ؛ لأنها من العفر والعفريت والنّون في العرضنة زائدة ؛ لأنه من معنى الاعتراض والنون في بلهنية زائدة لقولهم عيش أبله ، وذلك أنّ البله قريب من الغفلة والعيش الواسع يغفل فيه والياء فيه أيضا زائدة ؛ لأنها لا تكون أصلا في بنات الأربعة والنّون في نرجس زائدة إذ ليس في الكلام فعلل بفتح الأول وكسر الثالث وقد يسمع فيه كسر الأوّل وهذا له نظير وهو زبرج إلّا أنّ النون فيه أيضا زائدة قد ثبتت زيادتها في اللغة الأولى فلا يجوز أن يحكم بأصالتها وزيادتها فإن قيل : ألا حكمت بأصالتها لمجيئها مع الكسر على مثال الأصول قيل لا يصحّ إذ يلزم منه على اللغة الأخرى مخالفة الأصول وليس إذا حكمنا بزيادتها مع الكسر ممّا يخالف الأصول والنون في سكران وعطشان وبابه زائدة بدليل الاشتقاق والأصول.

أمّا الاشتقاق فظاهر وأمّ الأصول فإنّه ليس في الكلام فعلال بالفتح فأمّا عثمان وعمران فتعرف زيادتها فيهما بالاشتقاق وكذلك كلّ هذا الباب وكذلك المصادر نحو الغليان والشّنآن والنون في جندب زائدة على قول سيبويه لوجهين :

أحدهما : الاشتقاق ؛ لأنه من الجدب لصولة الجندب.

والثاني : عدم النّظير.

وعلى قول الأخفش هي زائدة للاشتقاق وحده.

وأمّا (قنبر) فكذلك ؛ لأنّهم قالوا قبّرة بغير نون ولعدم النظير أيضا.

وأمّا (عرند) بضمّ العين والرّاء وسكون النون فنونه زائدة لعدم النظير ولقولهم : عردّ جاء ذلك في الرجز والنّون في كنثأو وسندأو وقندأو زائدة أيضا والأصول الكاف والثاء والهمزة والسين والدال والهمزة والقاف والدال والهمزة والدليل على ذلك كثرة ما جاء من النّون في نظائره زائدة والواو لا تكون مع ثلاثة أصول أصلا ، ويحقّق ذلك عندي أنّا لو جعلنا النون أصلا لكانت الهمزة إمّا أصلا فيكون الوزن فعللو ولا نظير له وإمّا أن تكون زائدة وهو بعيد ؛ لأن زيادة النّون أسهل من زيادة الهمزة حشوا ولا يصحّ أن يجعل الجميع أصلا لعدم النظير.

٤٤٤

والنون في (عنصر وعنصل) زائدة لعدم النظير ولأنّه من العصر والعصل وهو الاعوجاج ، ومن ضمّ الضاد حكم بالزيادة أيضا لثبوت الزيادة في المثال الآخر والاشتقاق والنّون في رعشن وضيفن وخلبن وخلفنة زائدة للاشتقاق ، وقد زيدت النون علامة للرفع في الأمثلة الخمسة لعلّة ذكرناها في باب الأفعال من هذا الكتاب.

فإن قيل : فقد ذكرتم أشياء من الألفاظ الأعجمية وحكمتم على بعض حروفها بالزيادة مثل نرجس ومن أين يعلم ذلك وهي كالحروف في جمودها.

قيل : لمّا تكلمت بها العرب وصرّفوها في الجمع والتصغير وغيرهما أجروها مجرى العربيّ ومن هنا حكمنا على ألف لجام وواو نيروز وياء إبراهيم بالزّيادة لقولهم : لجم ونواريز وأبارهة أو براهمة.

وأمّا النون في جنعدل فزائدة لعدم النظير في قول من ضمّ الجيم وفتح الدال. والأكثرون على فتحهما وجعل النون أصلا وأمّا (جندل) بفتح الجيم والنون وكسر الدال فالنون فيه زائدة لعدم النظير.

وأمّ النون في (نهشل) فاصل ؛ لأنه من نهشلت المرأة إذا أسنّت.

وأمّا (نهصر) فقيل هي أصل كجعفر ، وقيل : هي زائدة ؛ لأنه من معنى الهصر.

وأمّا النّون في (عنتر) فأصل عند البصريين ؛ لأن له نظيرا وهو جعفر ولم يقم دليل على الزّيادة من طريق الاشتقاق وقال غيرهم هي زائدة ؛ لأنه مشتقّ من العتر وهي الشّدة يقال عتر الرمح إذا اشتدّ وعتر أيضا اضطرب ويجوز أن يكون من عتر إذا ذبح ومنه العتيرة.

٤٤٥

باب زيادة التّاء

وقد زيدت التاء أوّلا في المضارع (١) للخطاب نحو : أنت تقوم ، وأنت تقومين ، وأنتما تقومان ، في خطاب مذكّر ومؤنّث تغليبا وللتأنيث هي تقوم وهما تقومان وأنتما تقومان للمؤنثين ، فأمّا هنّ يقمن فاستغني عن علامة التأنيث في الأوّل لدلالة الضمير عليه ، وأمّا هما يقومان لمذكّر ومؤنّث فبالياء تغليبا فأمّا أنتنّ تقمن فللخطاب لا غير.

وقد زيدت التّاء أوّلا في الأسماء نحو : ترتب ، وفيه ثلاث لغات : فتح التّاء الأولى وضمّ الثّانية وضمّ التاء الأولى وفتح الثّانية وضمّهما فيلزم مثل ذلك في الثالثة والثاني أنّه الشيء الرّاتب فاشتقاقه من رتب أي ثبت واطّرد.

والتّاء في تنضب زائدة لأمرين :

أحدهما : عدم النّظير إذ ليس في الكلام فعلل بفتح الفاء وضمّ اللّام.

والثاني : أنّ تنضبا شجر طويل دقيق الأغصان فهو من معنى نضوب الماء كأنّ الماء بعد عنه ومثله الشوط وهو شجر يشبهه كأنّ الماء شحط عنه.

وأمّا (تتفل) ففيه ثلاث لغات : ضمّ التّاء والفاء ، وفتح التّاء وضمّ الفاء ، وعكس ذلك.

والتّاء الأولى زائدة لأمرين :

أحدهما : زيادتها واجبة في اللّغة الوسطى لعدم النّظير وكذلك على اللغة الأخيرة في قول سيبويه وتلزم زيادتها على اللغة الأولى وهكذا إن دخلت عليه تاء التّأنيث لوجوب زيادتها قبلها.

والثاني : أنّه قريب من معنى التّفل وهو البصق ؛ لأن ولد الثعلب وهو التّتفل يجري في مشيه بسهولة كرقّة البصاق أو كأنّه يقذف جريه كقذفه البصاق.

وأمّا التّاء في (تنبال) ففيها وجهان :

أحدهما : هي أصل والنون زائدة ؛ لأنه القصير وهو من التّبل الذي هو القطع إذ القصير قطعة من الطّويل.

__________________

(١) للدلالة على المضارعة.

٤٤٦

والثاني : عكس ذلك واشتقاقه من النّبل ؛ لأنه قصير مثله.

وأمّا التصدير فتاؤه زائدة ؛ لأنه من الصّدر.

فأمّا التّاء الأولى من تربوت فأصل لأمرين :

أحدهما : أنّ الأخيرة زائدة فلو زيدت الأخرى لم يبق ثلاثة أحرف أصول.

والثاني : أنّه من معنى التّراب فكأنّ الناقة المذلّلة كالتراب في السّهولة ، وقد أبدلت التّاء وإلا فقالوا : ناقة دربوت أي مدرّبة ويجوز أن يكون ذلك أصلا آخر.

وأمّا التّاء في (تولج) فبدل من الواو.

وأمّا التّاء في (الرّهبوت) وبابه فزائدة بدليل الاشتقاق وعدم النّظير.

وكذلك التّاء في (عنكبوت) لقولهم : عناكب.

وأمّا التّاء في (تدرأ) فزائدة لعدم النظير والاشتقاق ؛ لأنه من الدّرء.

وأمّا التاء في (سنبتة) وهي القطعة من الدّهر فزائدة لقولهم في معناها : سنبة.

وقد اطّردت زيادة التّاء في الفعل للمعاني نحو : تفعّل وتفاعل وافتعل ، وفي مصادرها وفي مصدر فعّل نحو : قطّع تقطيعا فزيادة التّاء والياء عوض من تشديد العين في الفعل ليدلّ على التكثير والتوكيد ، وأمّا التّاء في الطّاغوت فهي زائدة ، وأمّا الكلام على ألفها ووزنها فيأتي في البدل إن شاء الله تعالى.

فصل في تاء التأنيث

قد زيدت تاء التأنيث آخرا في الفعل نحو : ذهبت وهي ساكنة أبدا والغرض منها الدّلالة على تأنيث الفاعل على ما نبيّنه في بابه ، وفي الاسم نحو : قائمة وشجرة ، وفي بعض الحروف نحو : ربّت وثمّت أرادوا تأنيث الكلمة ويوقف عليها هاء ، ومنهم من يقف على التّاء حملا على الفعل إذ لم يدلّ على تأنيث في المعنى.

وأمّا (لات) كقوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] فهي لا زيدت عليها التّاء وعملت عمل ليس ، وقد استوفيت ذلك في إعراب القرآن.

وقد زيدت مع الألف في جمع المؤنّث نحو : مسلمات ، وقد ذكر في صدر الكتاب ، وأمّا إبدال التّاء هاء فيذكر في حرف الهاء.

٤٤٧

باب زيادة الهاء

قد ذكرنا شبه الهاء بالألف في خفائها وقربها من مخرجها ، إلّا أنّها في الجملة تقلّ زيادتها بحسب بعدها من حروف اللّين ، وقد زيدت أوّلا وحشوا وآخرا.

فمن الأوّل هركولة على قول الخليل ؛ لأنه أخذه من الركل ؛ لأنه رأى أنّ الهركولة المرأة العظيمة الأوراك فهي تركل في مشيها أي ترفع وتضع بشدة وقال غيره : هو أصل ، واحتجّ بأنّ الأصل عدم زيادتها وهذا البناء يمكن أن تكون فيه أصلا وإن كان في معنى الثّلاثي كما أنّ سبطا وسبطرا بمعنى.

ومن ذلك : (هبلع) أخذ من البلع ؛ لأنه الرجل الكثير البلع وهجرع الكثير الجرع فزيادة الهاء تنبّه على المبالغة في هذين المعنيين وقال قوم : هما أصلان. وقد زيدت ثانية في أهراق ؛ لأن أصل الكلمة من راق يريق والدليل عليه قولهم : تريّق الماء تردّده على وجه الأرض وهو من الياء إذ لو كان من الواو لقالوا تروّق الماء تردّده وقال قوم هو من الواو من راق يروق إذا ضفا وهو لازم فإذا أردت تعديته زدت عليه الهمزة فقلت : أرقته مثل بات وأبتّه فإذا قالوا : أهرقته فقد زادوا الهاء ، ومنهم من يقول : هرقت الماء فالهاء هنا بدل من الهمزة ، فإذا بنيت منه اسم فاعل قلت على الأوّل فهو مهريق والمفعول مهراق فالهمزة محذوفة والهاء تحرّكت كما كانت في الفعل ، ونظيره من الصحيح : أكرم إذا زدت عليه الهاء قلت : أهكرم فهو مهكرم والأصل مؤهكرم فأمّا من أبدل الهمزة هاء فقال هراق فاسم الفاعل مهريق وأصله مثل مؤريق ثم نقلت حركة الياء إلى الرّاء وسكّنت الهاء فهو مثل مقيم في الأصل من أقام إذ لو جعلت مكان الهمزة هاء فقلت : مهقيم فأثبت الهاء ولم تحذفها كما حذفت الهمزة ؛ لأن العلّة في حذف الهمزة ما نذكره في الحذف ، وذلك مخصوص بها دون بدلها.

وقد زيدت الهاء في أمّهات والأصل أمّ على فعل ؛ ولذلك قلت : أمّ بيّنة الأمومة وأمّ كلّ شيئ أصله ومنه قيل لمكّة : أمّ القرى ، ورئيس القوم : أمّهم وزيادة الهاء في أمّهات الناس للفرق بينها وبين أمّات البهائم ، وقد جاء بغير هاء في الناس فقال : [المتقارب]

فرجت الظّلام بأمّاتكا

٤٤٨

ومنهم من يقول : أمّهات البهائم وهو قليل كقلّة أمّات الناس ، وقال قوم الهاء في أمهات أصل وهو بعيد لوجهين :

أحدهما : أنّ الواحد لا هاء فيه وهو الأصل.

والثاني : أنّ الأصل الذي يوجد منه على القول بأصالة الهاء هو الأمه وهو النّسيان ولا معنى له ههنا.

وقد زيدت الهاء آخرا للسكت ومعنى ذلك أن يكون الحرف الأخير خفيّا فيبيّن بالوقف بالهاء نحو كتابيه وحسابيه أو تكون حركة الحرف دالّة على حرف محذوف نحو : (لم وبم) فإنّ فتحة الميم تدلّ على الألف المحذوفة فلو وقفت عليها وسكّنت لم يبق على المحذوف دليل وإن حرّكت لتدلّ وقفت على الحركة فزادوا الهاء لتبقى الحركة ويكون الوقف على الساكن وإنّما اختاروا الهاء لضعفها وخفائها وبذلك أشبهت حروف المدّ.

ومن ذلك : (اغز وارم واسع واخش) إذا وقفت عليها ألحقتها الهاء ويجوز أن تقف بغير هاء في ذلك وهو الأصل فأمّا ما حذفت فاؤه ولامه في الأمر من وقى ووفى فأكثرهم يقف عليه بالهاء نحو : قه وفه وعه تقوية للكلمة إذ بقيت على حرف واحد ولاستحالة تسكينها إذ كانت مبدوءا بها موقوفا عليها ، ومنهم من يجوّز ترك الزّيادة ويقف على الحركة فأمّا إن كانت الحركة حركة إعراب لم يوقف عليها بالهاء كضرب ويرمي وإن كان السكون إعرابا فكذلك نحو لم يضرب ولم يرم ولم يغز.

وأجاز قوم في المجزوم المعتلّ الوقف على الهاء نحو : إن تف أفه وإن ترم أرمه تشبيها له بالمبنيّ.

وممّا يوقف عليه بالهاء والنون بعد الواو والياء نحو : مسلمونه ومسلمينه وتتفكّرونه ؛ لأن حركتها حركة بناء بعد حرف ساكن فكرهوا أن يقفوا على السّاكن بعد السّاكن ؛ ولذلك أجازوا كيفه ؛ لأن حركة هذه الحروف كلّها حركة بناء بعد حرف ساكن.

٤٤٩

باب زيادة السين

وقد زيدت في الاستفعال وما تصرّف منه بمعنى الطّلب (١) نحو : استسقى الماء ، أي : طلب أن يسقاه ، وقد جاء استفعل بمعنى فعل نحو : استقرّ بمعنى قرّ ، وقد زيدت عوضا في اسطاع ، وفي هذه الكلمة أربع لغات : أطاع وأسطاع بقطع الهمزة ، واسطاع بوصلها ، واستطاع بالتّاء ، ولغة خامسة استاع.

فأما : (أطاع) فمثل (أقام) فالألف بدل من الواو لما نذكره في البدل.

وأمّا : (اسطاع) بوصل الهمزة فأصله استطاع فحذفت التاء لمجانستها الطّاء كما يحذف أحد المثلين.

وأمّا : (أسطاع) بقطع الهمزة وفتحها فالسّين فيه بدل من حركة لفظ حركة الواو ، وذلك أنّ أصله أطوع فنقلت حركة الواو إلى الطّاء على ما يوجبه القياس ثم أبدلت السّين ممّا ذكرنا والدليل على ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ همزة أسطاع مفتوحة مقطوعة مثل همزة أطاع.

والثاني : أنّ حرف المضارعة فيه مضموم مثل يطيع ولو كانت سين استفعل لم يكن كذلك وقال المبرّد هذا غلط ؛ لأن حركة الواو قد نقلت إلى الطّاء فهي موجودة فكيف تصحّ دعوى البدل منها من موجود.

فالجواب عمّا قال من وجهين :

أحدهما : أنّ الواو لمّا سكّنت قلبت ألفا وتعرّضت للحذف في الجزم ولو كانت الحركة باقية في حكم الموجود لم يكن كذلك.

والثاني : أنّ السين بدل من الحركة الكائنة في الواو ونقلها إلى غيرها لا يخرجها عن استحقاق الحركة وأنّها ليست موجودة فيها ، وقد زيدت السّين في بعض اللّغات بعد كاف المؤنث نحو : رأيتكس ومررت بكس وبعضهم يزيد الشين وهو شاذّ.

__________________

(١) وهي في هذه الحالة تزاد مع الألف والسين.

٤٥٠

باب زيادة اللّام

اعلم أنّ زيادتها بعيدة في القياس ؛ لبعدها من حروف المدّ وإنّما زيدت في حروف قليلة قالوا في زيد : زيدل ، وفي عبد : عبدل ، وقالوا في الأفحج : فحجل ، وقالوا في أولئك : أولالك ، وهذا شاذ فأمّا اللّام في ذلك فزائدة لبعد المشار إليه ، وقيل : هي بدل من ها التي للتّنبيه وكذلك هي زائدة في تلك ، وقد زيدت للتّعريف على ما ذكرنا في باب المعرفة والنّكرة.

فصل : كلّ حرف مشدّد في أصل ثلاثيّ فالثاني : منهما زائد ، وقد تكرّر حرفان الفاء والعين نحو مرمريس ومرمريت ولا نظير لهما ووزنه فعفعيل.

فأمّا : (دردبيس) فلا تكرير فيه ؛ لأن الدّال الثانية لم تتكرر معها الراء فوزنه فعلليل.

وأمّا : (ددن وددى ودد) فلا يقال الفاء مكررة بل فاؤه وعينه من موضع واحد ، وقد يفصل بين المثلين في مثل ذلك نحو : كوكب.

فأمّا : (أوّل) ففاؤه وعينه واوان وله موضع يذكر.

فصل : الأصل أن تكون الزيادة أخيرا ؛ لأنه موضع الحاجة إليها إذ البدأة بالاصول ممكنة وإنّما يقترض بعد إنفاق الحاصل إلّا أنّه قد زيد أوّلا وحشوا على حسب المعنى.

فصل في الإلحاق

اعلم أنّ القصد من الإلحاق أن تزيد على بناء حتّى يصير مساويا لبناء أصل أكثر منه ، وهذا يوجب أن يزاد على الاسم الثّلاثيّ حتّى يصير رباعيا وخماسيا فقد تلحقه زيادتان ؛ لأن أكثر أصول الأسماء خمسة فأمّا الفعل فيزاد على الثّلاثي واحد فيلحق بالرّباعي ؛ لأن الفعل لا خماسيّ فيه.

واعلم أنّ حرف الإلحاق لا يكون أوّلا ؛ لأن الزيادة أوّلا تكون لمعنى إذ حقّ المعنى أن يدلّ عليه من أوّل الكلمة ليستقرّ المعنى في النفس من أوّلها فقد يكون حرف الإلحاق حشوا وآخرا.

واعلم أنّ الإلحاق إذا كان آخرا جاز أن يكون بالحروف كلّها إذا كان الملحق من جنس اللّام.

٤٥١

وأمّا الإلحاق إذا كان حشوا فيكون بالياء والواو والنّون فمثال الواو ثانية جوهر ملحق بجعفر فالواو بإزاء العين والياء ثانية مثل خيفق ومثالهما ثالثة جدول فالواو بمنزلة الفاء من جعفر وعثير فالياء بإزاء الهاء من درهم.

وأمّا الألف فلا تكون للإلحاق حشوا ؛ لأن ما فيها من المدّ يخرجها عن مساواة حروف الأصل من غيره ويؤيّد ذلك أنّها لا تكون أصلا في الأسماء المتمكّنة والأفعال فلا يقابل بها أصل ، وأمّا زيادتها أخيرا للإلحاق فجائز.

فصل : ويستدلّ على الألف إذا كانت أخيرا أنّها للإلحاق بثلاثة أشياء :

أحدها : أن لا تكون منقلبة عن أصل وأن تنوّن فالشرّط الأوّل يدلّ على أنّها إن كانت منقلبة عن أصل لم تكن زائدة ومن شرط حرف الإلحاق أن يكون زائدا ، وأمّا التنوين فيدلّ على أنّها ليست للتأنيث.

والثاني : أن تكون على بناء غير مختصّ بالتأنيث فحبلى ونحوه من فعلى لا يكون إلّا للتأنيث ومن هنا كانت ألف بهمى للتأنيث والألف في بهماة زائدة للتكثير وعلى قول الأخفش تكون للإلحاق بجخدب.

والثالث : أن تنقلب الألف في التصغير ياء كما تنقلب المنقلبة إلى الياء نحو معزى وتصغيرها مغيز ، وأمّا الهمزة في علباء فمبدلة من ألف مبدلة من ياء زائدة للإلحاق بسرداح ؛ ولذلك تقول في تصغيرها عليبيّ فتقلب ألف المدّ ياء لانكسار ما قبلها وتعيد اللّام إلى أصلها ، وقد جاءت ألفاظ تكون الألف في آخرها للإلحاق في لغة وللتأنيث في أخرى نحو ذفرى وتترى فمما جاء على الإلحاق.

٤٥٢

باب البدل

معنى البدل (١) : إقامة حرف مقام حرف آخر والغرض منه التخفيف وموضع البدل موضع المبدل منه بخلاف العوض فإنّه في غير موضع المعوّض منه كتعويضهم تاء التأنيث في عدّة وزنة من فاء الكلمة التي هي واو وكالهمزة في اسم فإنّها عوّضت من لام الكلمة التي هي واو فإن قيل : لم فرّقوا بين العوض والبدل فيما ذكرت البدل في اللغة من جنس المبدل منه يقام مقامه والعوض جزاء الشّيء ، وقد يكون من غير جنسه ألا ترى أنّ الثّواب والعقاب على الفعل تسمّى عوضا ويقال عوّضه الله من ولده مالا أو علما.

فصل : والبدل على ضربين مقيس وغير مقيس.

فغير المقيس كإبدالهم الياء من الباء في الأرانب فقد قالوا : الأراني وإبدال من السين في سادس فإنهم قالوا : سادي.

وأمّا المقيس فضربان أيضا : لازم مطّرد ولازم غير مطّرد.

فالأوّل : ما أبدل لعلّة ؛ فإنّه لازم حيث وجدت العلّة ما لم يمنع منه مانع كإبدال الواو والياء ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما.

واللازم غير المطّرد نحو : إبدال الياء من الواو في أعياد.

وأمّا ما ليس بلازم ولا مطّرد فهو الجائز ، كإبدالهم الواو همزة في وشاح ووعاء فإنّه جائز غير مطّرد ألا ترى أنهم إذا علّلوا الإبدال بكسر الواو بطل عليهم ب (ورد وقر) وغير ذلك ممّا لا يجوز فيه الإبدال مع وجود العلّة وعدم المانع.

فصل في حروف البدل

وهي أحد عشر منها ثمانية من حروف الزّيادة تسقط منها السين واللام ، ويزاد عليها ثلاثة من غيرها وهي الدّال والطاء والجيم وسيأتي ذلك حرفا فحرفا إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الإبدال إزالة حرف ، ووضع آخر مكانه. فهو يشبه الإعلال من حيث أنّ كلّا منهما تغيير في الموضع إلا أنّ الإعلال خاصّ بأحرف العلّة ، فيقلب أحدها إلى الآخر ، كما سبق. وأما الإبدال ، فيكون في الحروف الصحيحة ، بجعل أحدهما مكان الآخر ، وفي الأحرف العليلة ، بجعل مكان حرف العلّة حرفا صحيحا.

٤٥٣

فصل في إبدال الهمزة

وقد أبدلت الهمزة من خمسة أحرف من الألف والواو والياء والهاء والعين إبدالها من الألف.

مسألة : إذا وقعت ألف التأنيث بعد ألف المدّ قلبت همزة البتة كقولك : صحراء وحمراء ؛ لأن الألفين التقتا ومحال اجتماعهما وحذف الأولى وتحريكها يخلّ انقلبت المدّ وحذف ألف التأنيث يخلّ بالتأنيث فتعين تحريكها ، وإذا حرّكت انقلبت همزة لقرب مخرج الهمزة منها ولا يقال إنّ الهمزة علامة للتأنيث في الأصل ؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت للتأنيث من غير علّة توجب التغيير كما جاءت الألف والياء.

مسألة : إذا وقعت الألف قبل الحرف المشدّد نحو دابّة وابياضّ فمن العرب من يبدلها همزة ، وقد قاس ذلك النحويون ، ومنهم من لم يقسه ، وقال المبرّد للمازنيّ : أتقيسه؟ قال : لا ، ولا أقبله ومعنى ذلك أنّه يستعفه لا أنّه يردّ الرواية به ؛ لأنها صحيحة فاشية وعلّة القلب ؛ لأن الألف ساكنة وبعدها حرف ساكن فحرّكت الألف كراهية لاجتماع الساكنين وانقلبت همزة لما تقدّم وإنّما ضعف هذا في القياس وقلّ في السّماع أنّ الألف لامتداد صوتها كأنّها متحرّكة فلا جمع إذن بين ساكنين.

مسألة : حكى سيبويه عن بعض العرب أنّه يقلب ألف التأنيث في الوقف همزة فيقول هذه حبلا فكأنّه أراد أن يقف على السّاكن المتحرك في الوصل فعدل إلى ما يتصوّر فيه ذلك وهي الهمزة لقربها منها وحصل بذلك الفرق بين الوقف والوصل وكذلك أبدل من ألف التنوين همزة كقولك : رأيت رجلا وكذلك في قولك : هو يضربها فإذا وصل أعاده إلى الأصل.

مسألة : في قول الراجز :

من أيّ يوميك من الموت تفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

بفتح الراء ، ففيه للنّحويين ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه حرّك السّاكن للضّرورة.

والثاني : أنّه أراد النون الخفيفة فأبدل منها ألفا ثم حذفها للوصل وهذا ضعيف ؛ لأن ذلك يكون لأجل الساكن بعدها.

٤٥٤

والثالث : وقال أبو الفتح قدّر الراء متحركة بحركة الهمزة المجاورة لها كما همزا الواو السّاكنة لانضمام ما قبلها نحو : لمؤقدان ومؤسى ثم همزة الألف لسكونها وسكون الميم بعدها قلت ولو قيل : إنه ألقى حركة الهمزة على الراء وأبدلها ألفا ثم عمل ما ذكر كان أوجه ؛ لأنه أقلّ عملا. والسّؤق ثم أبدل من الهمزة ألفا كما قال في المرأة مراة وفي الكمأة كماة.

مسألة : الهمزة في قول الشّاعر : [الرجز]

بالخير خيرات وإن شرّافا

ولا أريد الشرّ إلّا أن تا

وأصلها ألف ويريد فشرّ فلمّا ذكر الفاء وحدها أشبعها فنشأت الألف فأضاف إليها ألفا أخرى وحرّكها كالأولى لالتقاء السّاكنين ، ومنهم من يرويه فا بألف واحدة.

٤٥٥

فصل في إبدال الهمزة من الواو

وذلك على ضربين : جائز ولازم ، فالجائز أن تنضمّ الواو ضمّا لازما أوّلا كانت أو وسطا ؛ فإنّه يجوز قلبها همزة كقولك : في وعد أعد وفي وجوه أجوه وفي أثوب أثؤب إنّما كان كذلك ؛ لأن الواو مقدّرة بضمّتين فإذا انضمّت ضمّا لازما فكأنّه اجتمع ثلاث ضمّات وكلّ واحد منها مستثقل فهرب منها إلى ما لا يقدّر بضمتين وهو الهمزة وكانت أولى من الياء ؛ لأنها مقدّرة بكسرتين فضمّها مستثقل ولأنّ الهمزة نظيرة الواو في المخرج ؛ لأن الهمزة من أقصى الحلق والواو من آخر الفم فهي محاذّتها ، فإن قيل فهلّا كان قلبها لازما قيل لوجهين :

أحدهما : أنّ الضمّة في الواو مجانسة لطبيعتها وإن كان مستثقلا.

والثاني : أنّ الأصل في الإبدال اللازم أن يكون لعلّة ملازمة ولم يوجد.

فصل : فإن كانت الواو مكسورة نحو وعاء وسادة فقد همزها قوم ووجهه أنّ طبيعة الواو الضمّ فكسرها مخالف لطبيعتها فكأنّ الواو خالطتها الياء ، وذلك شاقّ على اللسان فعدل عنها إلى الهمزة لما ذكرنا في المضمومة.

فصل : فإن كانت مفتوحة لم تقلب همزة إلّا أن ينقل ذلك لخفّة الفتحة وأنّ الواو المفتوحة أخفّ من الهمزة ، وقد جاء قلبها همزة في ثلاثة مواضع وهي أحد في وحد كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ؛ لأنه من الوحدة فأمّا أحد المستعمل للعموم كقولك : ما جاءني من أحد فهي أصل إذ ليس معناها واحدا ومن ذلك امرأة أناة وأصلها وناة ؛ لأنها المتثنيّة في مشيتها فهي مشتقّة من الونية والتّواني ، ومن ذلك قولهم : أسماء اسم امرأة واصلها وسماء من الوسامة وهو الحسن وهذا لا يقاس عليه.

فصل : إذا وقعت الواو عينا في فاعل نحو قائل وجائر قلبت همزة وفيه أسولة :

أحدها : لم قلبت؟ والجواب : أنّها لمّا اعتلّت في قال وجار اعتلّت في قائل ؛ لأنه من فروع فعل والقلب هنا يعرف من علّة القلب في الفعل ؛ لأن الواو هنا متحرّكة وقبلها فتحة القاف والحاجز بينهما غير حصين ولأنّ الألف لاستطالتها كالحرف المفتوح وكان قياس ذلك أن تقلب ألفا إلّا أنّ قبلها ألفا فلم يجمع بين ساكنين.

٤٥٦

والسؤال الثاني : لم قلبت همزة؟ ففيه وجهان :

أحدهما : أن القياس أن تقلب ألفا فلمّا تعذّر ذلك قلبت إلى أخت الألف.

والثاني : أنّها لو قلبت ياء لكان حكمها حكم الواو في وجوب إعلالها فقلبوها حرفا لا يجب إعلاله مع مشابهته حروف العلّة.

فصل : إذا وقعت الواو طرفا بعد ألف زائدة أصلا كانت أو زائدة قلبت ألفا ثمّ قلبت الألف همزة نحو : كساء.

فإن قيل : لم أبدلت؟ قيل : لأنها تطرّفت وتحرّكت والواو المتحرّكة مستثقلة والطرف ضعيف فلذلك قلبت وقبلها ساكن ألا ترى أنّها صّحت في : (شقاوة) و (عبايه) لمّا لم يتطرّفا فإن قيل : فقد أبدلها ههنا بعض العرب همزة فقالوا عباءة وصلاءة قيل هي لغة ضعيفة.

والوجه فيها : أنّه أدخل الهاء بعد القلب فلم يعدها إلى أصلها إذ كان حرف التانيث زائدا والتأنيث فرع فلم يتغيّر بهما الاصل فإن قيل : فلم أبدلت ألفا ثمّ همزة قيل هو اشبه بالقياس ؛ لأن حكم الواو إذا تحرّكت وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، وقد بيّنّا أن قبلها فتحة أو كالفتحة فلمّا صارت ألفا حرّكت فانقلبت همزة لئلا يحذف أحد السّاكنين وكلّ منهما يجب أن يراعى.

فصل : إذا اجتمع واوان في أوّل الكلمة أبدلت الأولى منهما همزة نحو الأولى وجمع واصل. وتصغيره أواصل وأويصل وإنّما كان كذلك ؛ لأن الواو مستثقلة لكونها خارجة من عضوين وهي مقدّرة بضمّتين فالواوان في تقدير أربع ضمّات ثم هما من جنس واحد والنّطق بالحرف بعد حرف مثله شاقّ على اللسان حتى أوجب ذلك الإدغام إذا أمكن وهنا لا يمكن ؛ لأن المدغم الأوّل يجب أن يكون ساكنا والأوّل لا يمكن إسكانه فعند ذلك هرب إلى حرف آخر وهو الهمزة لما ذكرنا من قبل.

فصل : وأمّا إبدالها من الياء فقد جاء شاذّا في أيد قالوا قطع الله أده وأديه وأبدلت من الياء إذا وقعت عين فاعل نحو بائع وسائر ومن الياء لاما نحو قضاء ورداء والعلّة في ذلك كلّه ما تقدّم قبل.

٤٥٧

وقد أبدلت من الياء الزائدة للإلحاق في نحو علباء وحرباء. فإن قيل : من أين أعلم أنّ أصلها ياء لا واو ، قيل لوجهين :

أحدهما : أنّهم لمّا ألحقوا الهاء هذا الحرف أظهروا الياء فقالوا درحاية ودعكاية ولم يأت فيه الواو.

والثاني : أنّهم لمّا ارادوا الإلحاق زادوا أخفّ الحرفين وهو الياء فإنّها أخفّ من الواو.

مسألة : فإن سمّيت رجلا ب (صحراء) ونسبت إليه قلت : صحراويّ فأبدلت الهمزة واوا فإن رخّمته بعد النّسب على من قال يا حار ، قلت : يا صحراء فأبدلت الواو همزة فهذه الهمزة مبدلة من واو مبدلة من همزة مبدلة من ألف.

فصل : وأمّا إبدال الهمزة من الهاء فقد جاء ذلك في حروف ليست بالكثيرة والوجه في إبدالها أنّ مخرجيهما متقاربان إلّا أنّ الهاء خفيّة والهمزة أبين منها فأبدل الخفيّ من البيّن فمن ذلك ماء والأصل فيه موه لقولك في جمعه أمواه ومياه وماهت الركيّة تموه فقد رأيت لام الكلمة كيف ظهرت هاء في التّصريف فأبدلوها همزة والواو ألفا ، وقد جاءت في الجمع أمواء على الشّذوذ.

ومن ذلك (آل) والأصل أهل فأبدلت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا لاجتماع الهمزتين وسكون الثانية وانفتاح الأولى مثل آدم وآخر.

فإن قيل : لم قلت : إنّها أبدلت همزة ثمّ ألفا دون أن تقول : أبدلت ألفا من الابتداء؟

قيل : لوجهين :

أحدهما : أنّها لم نجدهم أبدلوا الهاء ألفا في غير هذا.

والثاني : أنّها لو كانت بدلا من الهاء كان استعمال الاصل والبدل بمعنى واحد كما في وجوه وأجوه وليس كذلك وإنّما خصّوا البدل ببعض المواضع فيقال آل الملك يريدون أشراف قومه ولم يقولوا آل الخياط وآل الإسكاف وهذا حكم فرع الفرع ألا ترى أنّ التّاء في القسم لمّا كانت بدلا عن بدل خصّوها بأفضل الأسماء فقالوا : تالله ، ولم يقولوا : تربّك ولا غير ذلك.

٤٥٨

فصل في إبدال الهمزة من العين

قد جاء ذلك في بعض الاستعمال فالوجه فيه أنّ الهمزة والعين متجاورتان في المنخرج فمن ذلك قولهم في عباب : أباب ويجوز أن تكون الهمزة أصلا من قولهم : أبّ للشيء إذا تهيّأ له وعباب البحر معظمه ومعنى التهيؤ موجود فيه وقالوا عفرّة الحرّ وأفرّته والهمزة بدل من العين ويجوز أن تكون أصلا من قولهم : أفر يأفر أفرا إذا إدا وأصل الكلمة من الشدّة والمعنيان يجتمعان فيها ويؤنّس بإبدال العين همزة إبدال الهمزة عينا في مثل قول الشّاعر : [الطويل]

أعن ترسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصّبابة من عينيك مسجوم

والوجه فيه أنّ العين تقرب من مخرج الهمزة وهي أبين من الهمزة ففرّوا إليها خصوصا عند اجتماع الهمزتين.

٤٥٩

ذكر إبدال الألف

وقد أبدلت من حروف عدّة (١) فمن ذلك الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبا ألفين عينين كانتا أو لامين ، وقد خرج عن هذا الأصل أشياء لم تقلب فيها لعلل نذكرها إن شاء الله تعالى ، وإنّما كان الأصل القلب ؛ لأن كلّ واحدة من الواو والياء مقدّرة بحركتين لما ذكر في غير هذا الموضع فإذا انضمّ إلى ذلك حركتها وحركة ما قبلها اجتمع في التقدير أربع حركات متواليات في كلمة ، وذلك مستثقل ، وقد تجنّبوا ما هو دونه في الثّقل كاجتماع المثلين نحو : مدّ وشدّ ، وأصله مدد وشدد فأدغموا فرارا من ثقل التّضعيف ، وقيل : إنّ الياء والواو إذا تحركتا صارت كلّ واحدة منهما بمنزلة حرف مدّ وبعض حرف مدّ آخر أو بمنزلة حرفي مدّ قالوا والمفتوحة كواو وألف والمكسورة كواو وياء والمضمومة كواوين وهكذا حكم الياء واجتماع حروف المدّ يستثقل النّطق به فلذلك قلبوهما إلى الألف.

فإن قيل : لم شرطوا انفتاح ما قبلهما ولم قلبوهما ألفا دون غيره؟

قيل : إنّما كان كذلك ؛ لأن الغرض قلبهما إلى حرف يمتنع تحريكه وليس إلا الألف إذ لو كان القلب إلى حرف متحرّك لكان القلب عبثا والألف لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا ويترتّب على هذا مسائل.

مسألة : لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحرفان عينين أو لامين مثل : باب ودار ، وناب وعاب ، والعصا والرّحى.

فإن قيل : إذا كانت الواو والياء لاما كانت حركتها عارضة فلم قلبتا؟

__________________

(١) إذا توّسطت الف ما جمع على مثال (مفاعل) بين حرفي على في اسم صحيح الآخر ، ابدل ثانيهما همزة كأوّل وأوائل ، وسيّد وسيائد ، ونيّف ويائف. والأصل (أو اول وسياود ونياوف) فإن توسطت بينهما الف (مفاعيل) امتنع الإبدال كطاووس وطواويس.

فإن اعتلّت لامه جمعته على مثال (فعالى) كزاوية وزوايا ، وراوية وروايا.

(وزوايا ونحوها جاءت على مثال «فعالى» من حيث الحركات والسكنات وهي في الأصل على مثال «فواعل» لأن اصلها «زوايي» ، بياءين ، اولاهما مكسورة. قلبوا كسرتها فتحة ، ثم قلبوا الياء الثانية ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فاصرت إلى «زوايا» وإنما كان اصلها «فواعل» ، لأن واوها اصلها ألف «فاعلة» ، كما في «كاتبة وكواتب» واما واو «زاوية» ، فقد انقلبت إلى الياء في «زوايا»).

٤٦٠